فقه الاختلاف

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

ahras algerie

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
12 فيفري 2008
المشاركات
2,013
نقاط التفاعل
1
النقاط
77
[FONT=DecoType Naskh Swashes,Traditional Arabic, Arabic Transparent, Verdana, Arial, serif]فقه الاختلاف (١)[/FONT]

تمهيد
إن للاختلاف بين الناس عموما والمسلمين خصوصا عوامل شتى بعضها يعود إلى التباين في المدارك والعقول ويعود بعضها إلى الاختلاف في النظر إلى النصوص الشرعية أو طبـيعة اللغة.
وقد وضع الإسلام موازين للتعامل مع المسائل الخلافية درءا للفتن والتفرق.

أولا: وحدة الأمة فريضة
أكدت نصوص الشرع على وحدة القلوب والصفوف، وحذرت من التفرقة.

أ- من القرآن الكريم:
قال تعالى:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[سورة آل عمران، الآية 103].
فأساس الوحدة الاعتصام بحبل الله وهو القرآن الكريم، وقد أنبأنا التاريخ - الواعظ الصامت – بأن التفرق والانفصام عن حبل الله المتين يؤدي إلى السقوط والدمار ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[سورة آل عمران، الآية 105].
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[سورة الحجرات، الآية 10]، فالأخوة في الدين فريضة شرعية يجب المحافظة عليها ضمانا لوحدة الصف.

ب- من السنة النبوية:
- عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار) [رواه الترمذي].
- عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فارق الجماعة شبرا، فمات فميتته جاهلية) [متفق عليه].
- عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة) [رواه الترمذي].
- عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخ المسلم) [رواه البخاري ومسلم].
- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم افشوا السلام بينكم) [رواه مسلم].
- عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) [رواه البخاري].
- عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث - وفي رواية ثلاث ليال-، فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) [البخاري ومسلم].
- قال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر) [رواه مسلم].

ثانيا: أسباب الاختلاف
الخلاف موجود حتى بين الصحابة والأئمة لكنه اختلاف مبني على أسس وأسباب معقولة لا على الهوى.

1. الأسباب النصية:
أ- من القرآن الكريم:
وجود آيات محكمات وأخرى متشابهات، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾ [سورة آل عمران، الآية 7]
فالآيات المحكمات تفيد معناها بشكل قطعي لا يدع مجالا للاختلاف مثل آيات المواريث، أما الآيات المتشابهات ظنية تحتمل الاختلاف في تأويلها.

ب- من السنة المطهرة:
- ثبوت الحديث وعدم ثبوته:
لم ينفرد صحابي واحد بعلم النبوة كاملا، فكل واحد أخذ منه قسطا، وقد تفرق الصحابة في الأمصار، وفي صدورهم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك اختلف العلماء بسبب ثبوت الحديث من عدمه حسب الطرق المعتمدة فإذا صح حديث معين استنبط منه الفقيه حكما شرعيا قد يُعارض من فقيه آخر لعدم ثبوت الحديث لديه.
لذلك قال الإمام مالك لأبي جعفر المنصور حين أراد أن يحمل المسلمين على العمل بكتابه "الموطأ": [إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار، وعند كل قوم علم، فإذا حملتهم على رأي واحد تكون فتنة].

- الاختلاف في فهم النص:
- عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة الأحزاب نزل عليه جبريل واستعجله بالذهاب إلى بني قريظة، فقال لأصحابه: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة)، وأدركتهم صلاة العصر في الطريق فاختلف الصحابة، فمنهم من صلاها عملا بالنص القرآني ﴿...إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [سورة النساء، الآية 103]، ومنهم من امتنع عن أدائها عملا بظاهر القول.
وأقر الرسول صلى الله عليه وسلم كلا العملين ولم يعنف أحدا، ومن هنا استنبط العلماء قاعدة: [جواز تعدد الصواب].
- روى أبو سعيد الخدري قال: (خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيدا طيبا فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة، ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك، وقال للذي توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين) [رواه أبو داود والنسائي].

- تعدد الأحاديث في موضوع واحد:
ومثال ذلك ورود عدة أحاديث في صلاة الكسوف اختلفت رواياتها مما أدى إلى اختلاف العلماء في كيفية أدائها، فذهب الجمهور إلى أدائها ركعتين بركوعين, أما أبو حنيفة فيرى أن تصلى كصلاة العيد بركوع واحد.

2. ما يعود إلى اللغة:
أ- وجود ألفاظ مشتركة:
قال تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ...﴾ [سورة البقرة، الآية 228]، فالقرء في اللغة يعني الحيض والطهر، فأبو حنيفة وابن حنبل أخذا بمعنى الحيض، أما الشافعي ومالك فقد أخذا بمعنى الطهر.

ب- الحقيقة والمجاز:‍‍
فلفظ الميزان مثلا يعني حقيقة الأداة التي يوزن بها في مثل قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾ [سورة الرحمن، الآية 9].
أما مجازا يعني العدل في قوله عز وجل: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ﴾ [سورة الرحمن، الآية 7].

3. ما يعود إلى طبيعة البشر:
فالبشر مختلفون في عقولهم ومداركهم وألسنتهم...قال تعالى:﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ [سورة الروم، الآية 6].

- إن اختلاف العلماء رحمة واسعة واتفاقهم حجة قاطعة.
- إذا ظهر الصواب بعد الخلاف يجب إتباعه.
- إذا وقع الاختلاف بين العلماء للعوامل السابقة يجب أن يكون ذلك بفقه وأدب.
 
[font=decotype naskh swashes,traditional arabic, arabic transparent, verdana, arial, serif]فقه الاختلاف (٢)[/font]

ثالثا: بيان المنزلة الكبرى لعلماء الشريعة
لعلماء الشريعة مكانة كبرى عبر عنها العلماء مثل ابن قيم الجوزية عقد فصلا خاصا ببيان المنزلة العظمى لعلماء الدين: [كان العلماء من أمته (أمة الرسول صلى الله عليه وسلم) منحصرين في قسمين: حفاظ الحديث وفقهاء الإسلام هم نجوم السماء وفقهم الله لضبط قواعد الحلال والحرام] [إعلام الموقعين عن رب العالمين، ج1، ص 8-9].
- وقال ابن تيمية: [...فإنهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في أمته، والمحيون مما مات من سنته، بهم قام الكتاب، وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب، وبه نطقوا... فإنهم متفقون اتفاقا يقينيا على وجوب إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وأن كل أحد منهم يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم] [رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ص 3-4].

رابعا: الضوابط الفكرية للاختلاف
1. إدراك أسباب الاختلاف بين العلماء:
قال عمر بن عبد العزيز: [ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا، لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن لنا رخصة]، واختلافهم في الفروع لا في الأصول.
قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته العاشرة بمكة المكرمة صفر 1408/أكتوبر 1987م حينما نظر في موضوع الخلاف الفقهي بين المذاهب ما يلي: الاختلاف الفقهي في بعض المسائل حكمة بالغة ورحمة بالأمة.

2. إتباع منهج الوسط والاعتدال:
- عن ابن مسعود أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (هلك المتنطعون) [رواه مسلم]، يفيد هذا الحديث معنى الإخبار، وخبر النبي صلى الله عليه وسلم صدق، مما يؤكد مآل التعصب والتنطع وهو الهلاك، كما يفيد معنى الدعاء ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد.
- اتفق العلماء على تفسير قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [سورة الفاتحة، الآية 6]، بأنه الطريق الوسط، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا...﴾ [سورة البقرة، الآية 143].

3. عدم الإنكار في المسائل الخلافية:
لا يجوز القطع في مسائل الخلاف، ومثال ذلك:
- مسألة قصر الصلاة: يرى أبو حنيفة أنها عزيمة ويفضل القصر، أما غيره من الفقهاء مثل الإمام مالك والشافعي وأحمد يرون أنها رخصة.
- مسألة طلاق الفار (المريض مرض الموت): يرى أبو حنيفة أن الزوجة المطلقة ترث مادامت في عدتها، أما أحمد فيرى أنها ترث ما لم تتزوج بآخر، أما مالك يورثها ولو تزوجت بآخر، عملا بالقاعدة الفقهية: "من استعجل الأمر قبل أوانه عوقب بحرمانه"، أو "من استعجل الأمر قبل أوانه عوقب بعكس مقصوده".

4. التعاون على المتفق عليه والتسامح في المختلف فيه: وهي قاعدة المنار التي صاغها الشيخ محمد رشيد رضا.
* المسائل المتفق عليها، وهي كثيرة، منها:
- وحدانية الله.
- أركان الإسلام الخمسة.
- قواعد الحلال والحرام.
- الأخلاق..
* المسائل المختلف فيها التي لها ما يبررها شرعا، منها:
- رفع اليدين عند الدعاء.
- القبض والسدل.
- رفع اليدين عند الركوع أو الرفع منه.
- الجهر بالبسملة أو الإسرار بها أو عدم قراءتها في الصلاة.

خامسا: الضوابط الأخلاقية التربوية
1. الإخلاص لله: في كل قول أو عمل، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [سورة الأنعام، الآيتان 162-163].

2. التحرر من التعصب: سواء للجماعات وللمذاهب وللأحزاب والأشخاص.

3. تجنب التجريح، وإحسان الظن بالمخالفين وحمل الكلام على المحمل الحسن: خاصة تجاه العلماء فهم ورثة الأنبياء، ولحومهم مسمومة.
قال تعالى: ﴿...اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ...﴾ [سورة الحجرات، الآية 12].

4. التزام الحوار بالحسنى مع المخالفين: والعمل بقوله تعالى: ﴿...وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن...﴾ [سورة النحل، الآية 125].

سادسا: خلاصات
1. الاختلاف المشروع هو المبني على أسباب ومسوغات شرعية.
2. الاختلاف المذموم هو الذي يقوم على الهوى والانتصار للنفس.
3. إذا اجتهد العلماء وأصابوا فلهم أجران، ولهم أجر الاجتهاد مع الخطأ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا حكم الحاكم ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر) [البخاري].
4. لا يجوز أن ينتقل الخلاف من دائرة العقل إلى القلب، والاختلاف لا يفسد للود قضية.
5. يجب التزام أدب الاختلاف عند وقوعه.
6. يجب الاقتداء بالعلماء الأعلام في التعامل مع المخالفين، ومن أمثلة ذلك:
- خالف الشافعي أستاذه مالك في عدة مسائل، لكنه قال فيه: [إذا ذُكِر العلماء فمالك النجم].
- خالف أحمد أستاذه الشافعي وبقي يدعو له سنين عديدة، فقال له ابنه: [يا أبت لقد سمعتك تكثر الدعاء للشافعي فمن هو؟] فقال له: [كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر هل لهما من عوض؟].
 
للأمانة فقط هذا الموضوع نقلت من موقع الأستاذ سعيد بويزري
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top