بحث حول النظرية النقدية الكنزية

صبرينة جلال

:: عضو منتسِب ::
إنضم
2 فيفري 2012
المشاركات
92
نقاط التفاعل
6
النقاط
3
التعريف بكينز
جون مينارد كينز John Maynard ***nes ، اقتصادي انجليزي 5 يونيو 1883 - 21 أبريل 1946 اشتغل في بداية حياته في الهند و ألف كتابا عن الاصلاح فيها و اشترك في مؤتمر السلام بعد الحرب العالمية الاولى.و كتب كتابا بعنوان (الآثار الاقتصادية للسلام). حياته الشخصية : هو ابن جون نيفيل كينز,أستاذ اقتصاد في جامعة كامبردج, و كاتب في الاصلاح الاجتماعي.و لديه أخ و أخت الأخ هو جيفري كينز 1887-1982 و كان يحب جمع الكتب و أخته مارجريت تزوجت الفائز بجائزة نوبل في الفسيولوجي ا ارشيبالد هل. كان مستثمرا ناجحا و بنى ثروة ضخمة,إلا انه و في انهيار 1929 أشرف على الافلاس و لكنه عاد ليبني ثروته من جديد. تعليمه :كانت بداياته في ايتون حيث كشف عن موهبة عظيمة خاصة في التاريخ و الرياضيات, ثم التحق بكلية كينج جامعة كامبردج لدراسة الرياضيات و لكن اهتماماته بالسياسة قادته إلى دراسة الاقتصاد حيث درس على يدي آرثر بيغو و ألفرد مارشال. إضافاته للاقتصاد : مؤسس النظرية الكينزية من خلال كتابه (النظرية العامة في التشغيل والفائدة والنقود) 1936 و عارض النظرية الكلاسيكية التي كانت من المسلمات في ذلك الوقت. من أهم ما تقوم عليه نظريته أن الدولة تستطيع من خلال سياسة الضرائب و السياسة المالية و النقدية أن تتحكم بما يسمى الدورات الاقتصادية. و له كتب أخرى في نظرية النقود و نظرية الاحتمالات الرياضية.
في كتابه النظرية العامة يضع كينز لنفسه بوعي هدفا محدد ، هذا الهدف هو دراسة القوى التي تحدد التغيرات في مستوى الناتج والعمال الكليين هنا لا يتعلق الأمر بالعمالة بالنسبة للعمل فقط وإنما بعمالة كل القوى الإنتاجية من قوة عاملة وقوى مادية بعبارة أخرى يهدف كينز إلى التعرف على الكيفية التي يتحدد بها مستوى الإنتاج ومن ثم مستوى الدخل القومي ، وإذا ما نظرنا من زاوية أخرى وجدنا أن كينز يحاول أن يعرف لماذا لا يستطيع الاقتصاد الرأسمالي استخدام كل الموارد الموجودة تحت تصرف المجتمع ، تاركا بعضها في حالة بطالة بالنسبة للقوى العامة ، وحالة تعطل بالنسبة لقوى الإنتاج المادية .

-----------------------------------
الأوضاع التاريخية لنشأة النظرية الكينزية:
اعتمد الفكر الاقتصادي التقليدي على فكرة أن الادخار والاستثمار يتساويان بالضرورة عن طريق آلية سعر الفائدة لاعتقادهم أن هناك قوانين طبيعية تعمل على إعادة التوازن الكلي للاقتصاد كلما تعرض لإخلال ، غير أن الواقع العملي أثبت فشل التلقائية التي يسير وفقاً لها نظام السعر وقانون السوق في الاحتفاظ بالطلب الفعلي عند المستوى اللازملتحقيق التشغيل الكامل حيث أظهرت التجربة العملية والممارسة الميدانية لآلية السوق تعرضه لصعوبات اقتصادية ظهرت أكثر حدة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وانكشفت أكبر في أزمة الكساد العالمي .
الأحداث التاريخية والاقتصادية لظهور أزمة الكساد العالمي :
بدأت صعوبات تطبيق النظريات الاقتصادية التقليدية مع الحرب العالمية الأولى وتجلى ذلك بالخصوص في عيوب نظام النقد الذهبي ( نظام المسكوكات ) الذي كانت تسير عليه جل دول لعالم نتيجة استنفاذ احتياطاتها من الذهب لأغراض تمويل الحرب فانهار هذا النظام تحت وطأة أزمة الكساد العالمي ( 1925 – 1933 ) .
1. أزمة نظام قاعدة الذهب :
في هذا الصدد يرى هاملتون أن الكساد قد بدأت أسبابه في فرنسا خلال الفترة
1926 – 1927 نتيجة السياسة النقدية والمالية التي اتبعتها فرنسا آنذاك نظراً للظروف الاقتصادية التي كانت تعانيها ، ونتيجة التدفقات من الذهب إليها من الدول وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ، فزاد مخزونها من الذهب بشكل ملحوظ وفي نفس الوقت اتبعت أمريكا سياسة الاستثمار في نهاية 1928 ، فرفعت سعر الفائدة من 3% إلى 4.5% فأدى ذلك إلى انخفاض المخزون الاحتياطي للدولار فظهرت أولى مظاهره من جانبه النقدي ( على اعتبار أن هناك جانباً اقتصادياً للكساد ) في الولايات المتحدة الأمريكية ببورصة والستريت وانتهت ببريطانيا حيث تخلت هذه الأخيرة على نظام قاعدة الذهب سنة 1931 نتيجة عجزها التام في مواجهة المتعاملين مع البنوك بسبب عدم وجود الاحتياط اللازم لتغطية الجنيه الإسترليني ثم تبعتها بعد ذلك الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1933 ثم معظم دول أوربا وانتهاء بفرنسا 1936 وبالتالي تبنت معظم الدول نظام النقد بالائتمان .
فرضيات النظرية:

لقد قام التحليل الكينزي على فرضيات تختلف تماما على فرضيات التقليديين ويمكن إيجاز ذلك في النقاط التالية:
- كان لكينز الفضل في إنقاذ النظام الرأسمالي من الانهيار بسبب أزمة الكساد التي حلت وبالتالي تخليص الفكر التقليدي من الأخطاء التي وقع فيها ، بسبب الآراء التي طرحها وطريقة التحليل التي استخدمها وقع فيها ، بسبب الآراء التي طرحها وطريقة التحليل التي استخدمها والأجهزة التي استحدثها ، فكانت بمثابة ثروة في علم الاقتصاد وثورة على الفكر الاقتصادي التقليدي الرأسمالي والفكر الاقتصادي الاشتراكي .
- وجه كينز اهتمامه إلى دراسة الطلب على النقود ( نظرية تفضيل السيولة ) والبحث في العلاقة بين مستوى الإنفاق الوطني والدخل الوطني فأوضح أن الأفراد قد يفضلون الاحتفاظ بالنقود لذاتها ( تفضيل السيولة ) وسبب ذلك يرجع إلى دوافع مختلفة أهمها المعاملات ، الاحتياط ، المضاربة .
- قام بتحليل الطلب على النقود كمخزن للقيمة ( دافع المضاربة ) وتحليله هذا ما يميزه حقاً على تحليل التقليديين ذلك أن أخذه لتفضيل السيولة في الاعتبار قد فتح أمامه آفاقاً جديدة لتحليل أثر التغيرات النقدية على النشاط الاقتصادي وبذلك فقد تغيرت النظرة إلى النقود أين أصبحت تشغل حيزاً معتبراً في النظرية الاقتصادية الكلية ومن ثم أخذ الاهتمام بالتحول عن العوامل الكمية التي تؤثر في تحديد مستوى الأسعار إلى العوامل التي تؤثر في تحديد مستوى الناتج والتشغيل والدخل..الخ - جاء بنظرية عامة للتوظيف إذ تعالج كل مستويات التشغيل وعلى ذلك فالنظرية العامة جاءت لتفسير التضخم كما تفسر البطالة حيث أن كل منهما ينجم أساساً عن تقلبات حجم الطلب الكلي الفعال وحينما يكون الطلب ضعيفاً يحدث بطالة وحينما يزيد يحدث تضخما.
- اهتم بالتحليل الكلي للمعطيات الاقتصادية فالظواهر العامة التي يستخدمها في تحليله تدور حول المجامع كحجم التشغيل العام ، الدخل الوطني ، الإنتاج الوطني ، الطلب الكلي ، العرض الكلي ، الاستثمار الكلي وادخار المجتمع ...الخ .
- رفض في تحليله للأوضاع الاقتصادية قانون " ساي " وبين عدم وجود قوانين طبيعية تعمل على إعادة التوازن الكلي كلما حدث الاختلال كما أقر بحدوث التوازن الكلي عند أي مستوى من مستويات التشغيل ، وبذلك طالب بضرورة تدخل الدولة لعلاج أسباب الأزمات التي قد تعترض الاقتصاد الوطني ، فعمل على تحديد معالم السياسة الاقتصادية الجديدة التي ينبغي أن تتبع حتى يصل الاقتصاد إلى التوظف الكامل ويتحقق التوازن للدخل الوطني ولعلاج ذلك يرى من الضروري تدخل الدولة عن طريق السياسة المالية والرفع من مستوى الإنفاق العمومي وللسياسة النقدية بزيادة المعروض النقدي أو ما يسمى بسياسة النقود الرخيصة والتمويل بالتضخم ، وعليه فإنه يرى أن السياسة النقدية ليست محايدة كما هو الشأن عند التقليديين ، فالتحليل الكينزي يقوم على أن التشغيل الكامل لا يتحقق بصفة دائمة فأي زيادة في كمية النقود سوف تؤدي إلى حدوث زيادة
في مستويات الناتج والتشغيل على اعتبار أنه في الظروف العادية للنشاط الاقتصادي فإن حالة التوازن تحدث عند أي مستوى من مستويات التشغيل ، فزيادة كمية النقود ستؤدي إلى انخفاض
سعر الفائدة وهذا الانخفاض يكون بمثابة الدافع لزيادة حجم الاستثمار ومن ثم زيادة الإنتاج والتشغيل بواسطة ما يسمى بمضاعف الاستثمار .
- اهتم بفكرة الطلب الكلي الفعال لتفسير أسباب عدم التوازن التي وقع فيها النظام الرأسمالي في أزمة الكساد ، وما نتج عنها من انخفاض في الأسعار وانتشار البطالة فهو يرى أن حجم الإنتاج وحجم التشغيل ومن ثم حجم الدخل ، إنما يتوقف بالدرجة الأولى على حجم الطلب الكلي الفعال فهذا الأخير يتكون من عنصرين أساسيين هما :
- الطلب على السلع الاستهلاكية والطلب على السلع الاستثمارية ، ويتوقف الطلب على السلع الاستهلاكية على عوامل موضوعية وعوامل ذاتية ونفسية أما الطلب على السلع
تقييم النظرية الكينزية:
- كان لكينز أكبر الأثر في إدخال أدوات تحليل جديدة في دراسة مختلف التغيرات والظواهر الاقتصادية حيث تعتبر الأفكار الاقتصادية لكينز بمثابة ثورة وثروة في الفكر الاقتصادي ، واستطاع أن يقدم نموذجاً كاملاً عن تحليل الأوضاع الاقتصادية التي سادت فترة الكساد العالمي .
- عمل كينز على الجمع بين الاقتصاد العيني والاقتصاد النقدي .
- جعل كينز للنقود دوراً هاماً في تحديد مستوى الدخل والتشغيل من خلال تأثيرها على سعر الفائدة باعتبار هذه الأخيرة ظاهرة نقدية ، وبذلك استطاع أن يربط بين النظرية النقدية ونظرية الدخل والتشغيل كما عارض التقليديين على أساس أن الادخار هو دالة لسعر الفائدة واعتبر أن الادخار هو دالة لمتغير الدخل وليس لسعر الفائدة وخلص إلى أن عرض الادخار يختلف عن الطلب على الاستثمار أن هذا هو الشأن عند التقليديين ، فالتحليل الكينزي يقوم على أن التشغيل الكامل لا يتحقق بصفة دائمة فأي زيادة في كمية النقود سوف تؤدي إلى حدوث زيادة
في مستويات الناتج والتشغيل على اعتبار أنه في الظروف العادية للنشاط الاقتصادي فإن حالة التوازن تحدث عند أي مستوى من مستويات التشغيل ، فزيادة كمية النقود ستؤدي إلى انخفاض
سعر الفائدة وهذا الانخفاض يكون بمثابة الدافع لزيادة حجم الاستثمار ومن ثم زيادة الإنتاج والتشغيل بواسطة ما يسمى بمضاعف الاستثمار .
- اهتم بفكرة الطلب الكلي الفعال لتفسير أسباب عدم التوازن التي وقع فيها النظام الرأسمالي في أزمة الكساد ، وما نتج عنها من انخفاض في الأسعار وانتشار البطالة فهو يرى أن حجم الإنتاج وحجم التشغيل ومن ثم حجم الدخل ، إنما يتوقف بالدرجة الأولى على حجم الطلب الكلي الفعال فهذا الأخير يتكون من عنصرين أساسيين هما :
- الطلب على السلع الاستهلاكية والطلب على السلع الاستثمارية ، ويتوقف الطلب على السلع الاستهلاكية على عوامل موضوعية وعوامل ذاتية ونفسية أما الطلب على السلع

- يرى التقليديون أن الزيادة في العرض النقدي تؤدي إلى حالة تضخمية بينما توصل كينز إلى أن وجود الاقتصاد في مستوى أدنى من مستويات التشغيل الكامل فإن اللجوء إلى زيادة كمية النقود يؤدي إلى زيادة العمالة ورفع مستوى الإنتاج .
- استحدث كينز أدوات تحليل جديدة استعملها معظم الاقتصاديين فيما بعد أهمها على الإطلاق نظرية سعر الفائدة .
- ساهم على غرار الاقتصاديين الذين عاصروه في إدخال أسلوب البحث الإحصائي في صلب دراسة الاقتصاد التحليلي مولعاً بالقياس الكمي .
كما لقي كينز معارضة ونقد شديد في بناء نموذجه التحليلي الذي رغم أنه تمكن من تفسير ومعالجة حالة الكساد آنذاك إلا أنه قد لا يكون صالحاً على الإطلاق في غير هذه الظروف باعتبار أنه لم يتعامل مع حالة التضخم .
- افترض كينز أن الزيادة في الطلب النقدي تؤدي على زيادة الإنتاج وزيادة العمالة وذلك يتصور في ظل المنافسة ولكن في وضع احتكاري قد تؤدي الزيادة في الطلب النقدي إلى رفع الأسعار بدلاً من زيادة الإنتاج ، وفي هذه الحالة يزيد ربح المحتكر دون أن يزيد الإنتاج ومن ثم دون زيادة في العمالة ، وإذا ما جاءت الزيادة في الطلب النقدي عن طريق سياسة مالية للدولة في تمويل العجز ( كالاقتراض من البنك المركزي عن طريق سياسة مالية للدولة في تمويل العجز فإن هذا الطلب سيؤدي إلى إيجاد تضخم عند مستويات أدنى من مستوى التشغيل الكامل كوضع عام على عكس ما يقول به كينز .
- على ضوء الدراسات التطبيقية التي قام بها الاقتصاديون في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا للمشروعات أثبت عدم وجود علاقة عكسية حتمية بين سعر الفائدة والاستثمار، فقد تكون الكفاية الحدية للاستثمار مرتفعة جداً عن سعر الفائدة فيصعب القول أن سعر الفائدة يمكن أن يكون محدداً للاستثمار ، وذلك في حالات الرواج ، بينما في حالات الكساد قد تنخفض الكفاية الحدية بمعدلات كبيرة جداً بالرغم من انخفاض سعر الفائدة ، وذلك نظراً للتوقعات المستقبلية التي تتسم بالتشاؤم ولا تدفع للاستثمار .
- يراعي البنك المركزي عوامل عديدة تخص الاقتصاد ككل فيعمل على تثبيت سعر الفائدة في حدود معينة ، بحيث لا يتجاوز في ارتفاعه حد معين في أوقات الرواج، كذلك لا ينخفض أقل من حد معين في أوقات الكساد ، فتقل أهميته بالنسبة للمقترضين .
- نظراً إلى أن المشروعات الكبيرة تمول نفسها ذاتياً فهي لا تتأثر بتقلبات سعر الفائدة
- أثبتت تجربة المصارف والشركات الإسلامية التي تمت خلال العشر سنوات الأخيرة في عدد من البلدان الإسلامية أن نسبة يعتد بها من رجال الأعمال لا تبالي بسعر الفائدة والتغيرات الحادثة فيه وذلك في كافة أعمالها الاستثمارية .
- لا تعمل آلية سعر الفائدة في البلدان النامية بنفس الطريقة التي تعمل بها في البلدان المتقدمة ذلك أن قرارات الاستثمار لا تعتمد في العديد من الحالات على مقارنة الكفاية الحدية للاستثمارات بسعر الفائدة ، ذلك أن هناك عوامل هيكلية ومؤسسية عديدة تعرقل النشاط الاستثماري في البلدان النامية ومن ثم فإن زيادة النشاط الاستثماري قد تستدعي مثلا ً تغيير القوانين التي تحمي الملكية الخاصة والنشاط الاستثماري بحيث تصبح أكثر فاعلية في حماية النشاط الاستثماري وخفض معدلات الضرائب والتي قد تمثل تكلفة تفوق بكثير سعر الفائدة وإعطاء صغار المستثمرين وهم الأغلبية ميزات خاصة في المناطق الجديدة وتوجيههم إلى مشروعات ذات إنتاجية مرتفعة نسبياً بطرق مباشرة وإذا نظرنا إلى حجم هذه العوامل وخطورتها لاكتشفنا ضالة تأثير سعر الفائدة على القرارات الاستثمارية على مستوى الاقتصاد الكلي في البلدان النامية .
- تحصلت شركات عامة على قروض من البنوك على الرغم من أن الكفاية الحدية لهذه المشروعات كانتا منخفضة جداً وقد تشجعت هذه الشركات على الاقتراض نظراً انخفاض سعر الفائدة كذلك لم يتحصل رجا الأعمال الصغار على القروض بالرغم من أن الكفاية الحدية لمشروعاتهم كانت مرتفعة تستطيع أن تغطي سعر الفائدة ، وهذا يؤكد ما سبق وقلناه عن أن سعر الفائدة لا يعمل في ظروف البلدان النامية بالطريقة التي وضعها كينز وكان لابد من التطرق لكل هذا لإزالة الوهم الكبير في البلدان النامية حول السلاح السحري المسمى بسعر الفائدة .


2
- فرضيات التحليل الكينزي:
قام التحليل الكينزي على فرضيات تختلف تماما على فرضيات التقليديين، ويمكن إيجاز ذلك في النقاط التالية:
- كان لـ"كينز" الفضل في إنقـاذ النظام الرأسمالي مـن الانهيـار بسبب أزمة الكساد التي حلت به ،ومنه تخليص الفكر التقليدي من الأخطاء التي وقع فيها، بسبب الآراء التي طرحها وطريقة التحليل التي استخـدمها والوسائل التي استحدثها، فكانت نظريته بمثابة ثروة في علم الاقتصاد، وثورة على الفكر الاقتصادي التقليدي الرأسمالي والفكر الاشتراكي .
- منذ البداية كان تحليل"كينز" تحليلا نقديا بحتا، حيث عمل على الجمع بين الاقتصاد العيني والاقتصاد النقدي، بخلاف التقليديين الذين عملوا على الفصل بينهما.
- إعتبر أن سعر الفائدة ظاهرة نقدية تتحدد بعرض النقود والطلب عليها ، وهي لا ترتبط مباشرة بين الادخار والاستثمار عند مستوى التوظيف الكامل كما ترى النظرية التقليدية.
- وجه"كينز" اهتمامه إلى دراسة الطلب على النقود(نظرية تفضيل السيولة) وذهب إلى أن الأمر ليس البحث في العلاقة بين كمية النقود والمستوى العام للأسعار، وإنما البحث في العلاقة بين مستوى الإنفاق الوطني والدخل الوطني، وأوضح أن الأفراد قد يفضلون الاحتفاظ بالنقود لذاتها (تفضيل السيولة)، والسبب أن للنقود دوافع منها المعاملات والاحتياط و المضاربة.
- قام"كينز" بتحليل الطلب على النقود كمخزن للقيمة (دافع المضاربة) وتحليله هذا هو ما يميزه حقا على تحليل التقليديين.
- جاء "كينز" بنظرية عامة للتوظيف، فهي تتميز عما سبقها من نظريات العمالة ،إذ تعالج كل مستويات التشغيل، بينما تعنى النظرية الكلاسيكية بدراسة حالة خاصة هي حالة التشغيل الكامل، وتؤمن بانها هي الحالة العامة،. و أوضح "كينز" أن الحالة الغالبة من التوظيف هي تحقيق مستوى يقع دون التوظيف الكامل.
- اهتم"كينز" بالتحليل الكلي للمعطيات الاقتصادية،ولم يول اهتماما كبيرا بالجزئيات، فالظواهر العامة التي يستخدمها في تحليله تدور حول المجامع،كحجم التشغيل العام، الدخل الوطني، الإنتاج الوطني، الطلب الكلي والعرض الكلي، الاستثمار الكلي وادخار المجتمع الخ…
- رفض "كينز" في تحليله للأوضاع الاقتصادية قانون"ساي" وبين عدم وجود قوانين طبيعية تعمل على إعادة التوازن الكلي كلما حدث اختلال.كما أقر بحدوث التوازن عند أي مستوى من مستويات التشغيل، وعلى ذلك طالب بضرورة تدخل الدولة لعلاج أسباب الأزمات التي قد تعترض الاقتصاد الوطني، فعمل على تحديد معالم السياسة الاقتصادية الجديدة التي ينبغي أن تتبع حتى يصل الاقتصاد إلى التوظيف الكامل ،ويتحقق التوازن للدخل الوطني. ولعلاج ذلك يرى كينز انه من الضروري تدخل الدولة عن طريق السياسة المالية والرفع من مستوى الإنفاق العمومي والسياسة النقدية بزيادة المعروض النقدي، أو ما يسمى سياسة النقود الرخيصة والتمويل عن طريق التضخم.
- -اهتم "كينز" بفكرة الطلب الكلي الفعال (الطلب الكلي الفعال هو ذلك الطلب على مختلف السلع الإستهلاكية والسلع الإستثمارية المدعم أو المصحوب بقوة شرائية) لتفسير أسباب عـدم التوازن التي وقع فيها النظام الرأسمالي في أزمة الكساد، فهـو يرى أن حجم الدخل الوطني، إنما يتـوقف بالدرجة الأولى على حجم الطلب الكلي الفعال. وذلك كما هو مبين في المخطط التوضيحي.


- نظرية الاستثمار والادخار والدخل:
أ- العلاقة بين الاستثمار والادخار والدخل: لقد ابتعد"كينز" في تحليلهلنظـرية الفائـدة عـن تحليل التقليديين، فقد عالج التقليديون هـذا الموضـوع من مدخل نظرية كمية النقود، أما "كينز" فمدخله كان الدخل الوطني من تحليله لمفهوم الاستثمار، ولتوضيح العلاقة بين الاستثمار والادخار والدخل، نستعمل الرموز التالية: ( Y):الدخل، (I):الاسـتثمار،(S):الادخـار،(Q): الإنتـاج ،(C) الاستهلاك. وعليه فنظرة "كينز" لهـذه العلاقـة تظهـر في المعادلة التالي:
الدخل= قيمة الإنتاج Y = Q…..(1)
الدخل= الاستهلاك + الاستثمار Y = C + I ….(2)
الاستثمار= الدخل – الاستهلاك I = Y - C ….(3)
الدخل= الاستهلاك + الادخار Y = C + S ….(4)
الادخار= الدخل – الاستهلاك S = Y - C ….(5)
و من المعادلة (3)و (5) نجد: الاستثمار= الادخار S = I
من هذا الاستنتاج يتبين أن" كينز" لم يأت بجديد على تحليل التقليديين، حيث سلم بشيء من الغموض أن الادخار الكلي يساوي الاستثمار الكلي ، وعليه بات الاختلاف بينهما في الأسباب دون النتائج . فأي زيادة في الادخار تؤدي إلى زيادة في الاستثمار ، إلا أن ما أضافه "كينز" في نظريته هو البحث عن تحديد من هو المتغير التابع ، ومن هو المتغير المستقل ، فتوصلت النظرية التقليدية ببداهة مطلقة إلى أن الادخار يؤثر مباشرة في الاستثمار ، أما "كينز" فتوصل إلى عكس ذلك ،فجعل الاستثمار هو الذي يؤدي تلقائيا إلى الادخار من خلال ما يحدثه الاستثمار من تغير في الدخل عن طريق مضاعف الاستثمار .
ب- نظرية مضاعف الاستثمار: تقوم نظرية " كينز" في مفهومها العام على أن التغير في كمية النقود، يؤثر على الاستثمار الذي بدوره يحدد مستوى الدخل و الإنتاج و التشغيل، وذلك عن طريق ما يسمى بمضاعف الاستثمار والذي يقصد به ذلك المعامل العددي الذي يبين مدى الزيادة الكلية في الدخل الوطني و التي تتولد عن حدوث زيادة في الاستثمار المستقل، ذلك أن الميل الحدي للاستهلاك يلعب دورا أساسيا في تحديد قيمة مضاعف الاستثمار ، و لتوضيح هذه الفكرة رياضيا نقوم بما يلي .
فإذا رمـزنا لمضاعف الاستثمار(T) ، والزيادة في الاستثمار (dI) و الزيادة في الدخل (dy) ، والزيادة في الاستهلاك (dC). ولما كان مضاعف الاستثمار يعتمد على الميل الحدي للاستهلاك وحيث أن هذا الأخير يقاس بالنسبة بين التغير في الاستهلاك (dC) إلى التغير في الدخل (dY)، وبما أن العلاقة بين المضاعف والميل الحدي للاستهلاك هي علاقة طردية فكلما ارتفع هذا الأخير، ارتفع المضاعف ،و العكس صحيح ،أي أن المضاعف يتناسب عكسيا مع الميل الحدي للادخار. ويمكن توضيح ذلك رياضيا على النحو التالي :
بما أن المضاعف : d Y = T. d I …(1)
T = dY /d I ….(2)
و لما كان Y = C + I
فان d Y = d C + d I …(3)
أو d I = d Y - d C…(4)
و بقسمة طرفي المعادلة (4) على d Y نحصل على المعادلة التالية :
d I /d Y = 1 – d C/d Y…(5)
و بقسمة 1 على كل من الطرفين للمعادلة (5) نحصل على المعادلة الآتية:
d Y / d I = 1 / 1- d C/d Y…(6)
أي أن مضاعف الاستثمار: الميل الحي للاستهلاك / 1- 1 T =
ولما كان الميل الحدي للادخار = 1 – الميل الحدي للاستهلاك، فان مضاعف الاستثمار: الميل الحدي للادخار / 1 T = ، أي أن المضاعف يساوي مقلوب الميل الحدي للادخار .
وتظهـر الدراسة أهمية نظـرية المضاعف في الواقع العملي ذات آثر بالغة ، حيث تسمح لنا بشكل عام أن نعرف إذا ما قامت المشروعات المختلفـة بزيادة إنفاقها الاستثماري ، و كانت هناك طاقات إنتاجية معطلة في الاقتصاد ، فمن المتوقع أن يترتب على ذلك حـدوث زيادة أكبر منها في الإنتاج و الدخل و العمالة ، كما يمكننا معرفة مقدار الزيادة في الاستثمار و الميل الحدي للاستهلاك الخاص بالمجتمع ( أو الميل الحدي للادخار )، أن نقدر مقدار الزيادة التابعة في الدخل الوطني.

4- تفضيل السيولة:
أ- عرض النقود: نقصد بعرض النقود تلك الكمية من النقود المتوافرة في فترة زمنية معينة ، و التي تتحدد عادة من قبل السلطات النقدية، أو هي الكمية النقدية المتمثلة في وسائل الدفع بجميع أنواعها . ومن ثم يمكن التمييز في المعروض النقدي بين ثلاثة مفاهيم أساسية:
1- المفهوم الضيق (M1):يعرف بمجموع وسائل الدفع و يشتمل على النقود الورقية الإلزامية و النقود المساعدة و الودائع الجارية الخاصة ، وهي كلها أصول نقدية تتمتع بسيولة عالية جدا .
2- المفهوم الواسع (M2): تعرف بالسيولة المحلية الخاصة ، وتشتمل على (M1)مضافا إليها الودائع لأجل وودائع الادخار قصيرة الأجل بالبنوك وودائع التوفير لدى صناديق التوفير ،و هي أقل سيولة من (M1).
3- مفهوم السيولة المحلية (M3): وتشتمل على (M2)السيولة المحلية الخاصة زائد الودائع الحكومية لدى البنوك كالسندات وأذون الخزانة ، وهي أقل سيولة من (M2).
ب- الطلب على النقود: يقصد "كينز" بتفضيل السيولة الدوافع التي تحمل الفرد ( المشروع ) على الاحتفاظ بالثروة في شكل سائل (نقود)، و يعبر عنها بالدوافع النفسية للسيولة ، وهي أن رغبة الأعوان الاقتصادية في حيازة أرصدة نقدية يرجع إلى كون النقود بمثابة الأصل الأكثر سيولة ، نظرا لأنها تمثل الأصل الوحيد الذي يمكن تحويله إلى أي أصل آخر في اقصر مدة وبدون خسارة ، أو الأصل الوحيد الذي لا يحتاج إلى إسالة (1). ويرجع "كينز"دوافع الطلب على النقود (تفضيل السيولة )إلى ثلاثة أغراض :
1-دافع المعاملات (الطلب على النقود لغرض المعاملاتdT): يقصد بدافع المعاملات (المبادلات ) رغبة الأفراد في الاحتفاظ بنقود سائلة للقيام بالنفقات الجارية خلال فترة المدفوعات ، أي الفترة التي يتقاضى فيها الشخص راتبه الدوري ، ورغبة المشروعات في الاحتفاظ بالنقود السائلة لدفع نفقات التشغيل من ثمن المواد الأولية و أجور العمال والنفقات الضرورية لسيرورة المشروعات كإيجارات العقارات و غير ذلك (تمويل راس المال العامل). والعامل المهم والأساسي الذي يعتمد عليه الطلب على النقود لهذه الغرض هو الدخل، باعتبار أن العوامل الأخرى (العام للأسعار ،و مستوى العمالة ..) لا تتغير في العادة في مدة قصيرة، فالطلب على النقود لغرض المعاملات هو دالة لمتغير الدخل أي: dT = f (Y)
2-دافع الاحتياط (الطلب على النقد لغرض الإحتياطd p): يقصد بدافع الاحتياط (الحيطة)رغبـة الأفـراد (المشروعات)في الاحتفاظ بنقود في صورة سائلة لمواجهة الحـوادث الطارئة و غير المتوقعـة كالمـرض و البطالة ،أو الاستفادة من الفرص غير المتوقعة كانخفاض أسعار بعض السلع. والعامل الأساسي الذي يتوقف عليه هذا الدافع هو مستوى الدخل، باعتبار العوامل الأخرى (كطبيعة الفـرد و الظـروف النفسية المحيطة بـه ودرجة عـدم التأكد السائـدة في المجتمع (فترة الأزمات )...) لا تتغير عادة في المدة القصيرة. وعلى ذلك فالطلب على النقود بدافع الاحتياط هو دالة لمتغير الدخل أي dp = f(Y).


3- دافع المضاربة: ويعني إحتفاظ الأفراد بأرصدة نقدية بالبنوك انتظارا للفرص السانحة التي تحقق لهم أرباحا نتيجة التغير في أسعار الأوراق المالية في البورصات(الأسواق المالية) ،حيث ترتفع قيمتها أو تنخفض وفقا لتغيرات أسعار الفائدة في السوق النقدي .أي أن الأفراد يفاضلون بين التنازل في الحاضر عن فائدة مالية بسيطة انتظار فائدة أكبر قيمة في المستقبل.إن الطلب على النقود بدافع المضاربة سيكون شديدة المرونة بالنسبة لتغيرات سعر الفائدة بحيث تقوم علاقة عكسية بين دالة الطلب على النقود لغرض المضاربة وبين سعر الفائدة ،ويمكن كتابة ذلك رياضيا ،فاذا رمزنا(d s) للطلب على النقود لغرض المضاربة، نحصل على العلاقة التالي : ds = f( R)


----------------------------------------------------------
الفصل الثاني : '' نظام كينز''

المبحث الأول : فرضيات و سمات و محددات أنواع الرقابة

المطلب الأول : الفرضيات ...............................................(14 )

المطلب الثاني : السمات ..................................................

المطلب الثالث : المحددات ...............................................(14 )


المبحث الثاني : الإطار العام الفكري و الركود المزمن

المطلب الأول : توازن نقدي .............................................(16)

المطلب الثاني : توازن عام ..............................................(16)


المبحث الثالث : الجوانب المختلفة لمساهمات كينز في عملية التطور

المطلب الأول: إسهام كينز في تطوير النظرية الكلاسيكية .................(18)

المطلب الثاني : نقد و انتقادات المدرسة الكينزية ..........................(20)

المطلب الثالث : تقدير الفكر الكينزي .....................................(21)


المبحث الأول ( فرضيات , سمات ومحددات أنواع الرقابة )
المطلب الأول :" الفرضيات " اعتمد في تحليله على :
1 – اقتصاد الاستهلاك : جعل الاستهلاك العنصر الأساسي في فكره الاقتصادي , حيث يرى أن الاستهلاك كثيرا ما يضع الحدود على الإنتاج , و أنه يؤدي للطلب لإيجاد رأس المال ...
2 – الاقتصاد التدخلي : اعتبره رقابة مركزية تفرضها الدولة هي أمر ضروري كي يمكن استعادة أي وضع مرغوب فيه في الاقتصاد القومي و الحفاظ عليه ( و هو في هذا يشبه التجاريين ) ...
المطلب الثاني : " السمات " يتصف بـ :
1 – اقتصاد ماكرو ( كلي ) : يرى أن المتغيرات الماكرو اقتصادية هي الاستهلاك , الدخل , الاستثمار , وبطبيعة الحال الكميات الكلية ...
2 – اقتصاد نقدي : بطبيعة الحال لا يمكن حساب الكميات الاقتصادية الكلية إلا بتغيرات نقدية ...
3 – اقتصاد تدفقي دائري : على الدولة العمل على جعل الإنفاق مساوي للدخل , و من ثمة الحيلولة دون الأضرار التي تعقب وجود مدخرات ( الإكتناز ) و ذلك بخلق منافذ الاستثمار , كل هذا يفترض منه تدفق دائري ...
4 – اقتصاد لازمني : سمة أخرى لنظام كينز , هي خلوه من عنصر الزمن , كل التعديلات التي يوليها عنايته تحدث بدون فواصل زمنية بين المتغيرات ...
المطلب الثالث : " المحددات "
1 – الميل للاستهلاك : عالجه على ثابت أساسي عبارة عن تلك النسبة من الدخل التي يتم إنفاقها عل السلع الاستهلاكية أي كلما زاد الدخل مال الاهتمام إلى تشكيل نسبة من الدخل أصغر ...
2- حافز الاستثمار : الميل لإنفاق النقود على الأصول الرأسمالية , لتمييزها عن السلع الاستهلاكية يتوقف على العائد المتوقع لرأس المال " الكفاية الحدية لرأس المال " ...
3 – الميل للادخار " تفضيل السيولة " : الميل إلى اتجاه الحفاظ على النقود عاطلة بسبب : دافع الدخل الاحتياط , المشروع , المضاربة ,...

* تحدثنا على الفرضيات , السمات و المحددات , لكن كيف كانت الرقابة عند كينز ؟
الرقابة عند كينز : ذكر في مقدمة كتابه " النظرية العامة " أن الميل للاستهلاك و الادخار هي القوى الثالثة الفاعلة في الاقتصاد القومي و أنها تميل نحو عدم الثبات أو عدم الوصول للتوازن المرغوب فيه , و هذا لـ :
* الفجوة مابين الادخار و الاستثمار نتيجة قيام أفراد مختلفين عن بعضهم بعمليتي الادخار و الاستثمار
* اختلاف الدوافع لعملية الادخار عن عملية الاستثمار .
* عدم المساواة في توزيع الدخول بين الأفراد و قد اقترح 3 رقابات :
1 – الرقابة على عرض النقود : مما يحقق رقابة مهمة على الدخل و بالتالي الرقابة على الادخار .
2 – الرقابة على سعر الفائدة : فاعلة في حجم الاستثمار .
3 – فرض الضرائب : إجراء يهدف أساسا لتحقيق العدالة في توزيع الثروات و الدخول ( ).



المبحث الثاني : الإطار العام الفكري و الركود المزمن
المطلب الأول و الثاني " منحنيي التوازن النقدي و العام "
يعتقد الكتاب المحدثون أن الاستقرار الاقتصادي الذي يمكن أن يؤمن ملاقاة التقلبات العنيفة في مستوى الدخل لابد أن ينطوي على تحقيق التوازن النقدي ( توازن القطاع النقدي ) و تتوازن الناتج و الدخل توازن القطاع الحقيقي( العام ) في آن واحد . لقد كانت هذه هي الفكرة التي أوحت بما هو معروف في التحليل الماكرو اقتصادي " باسم الشكل البياني هيكس – هانسن " نسبة إلى جون هيكس و ألفن هانسن اللذين لهما الفضل في شرح فكرة المنحنى د ث و المنحنى ل م في هذا الشكل البياني و استخدامها كمؤشرين بيانيين لمفهوم جديد لمعنى الاستقرار الاقتصادي .
تنبني فكرة هذين المنحنيين على التمييز بين قطاعين رئيسين داخل النظام الاقتصادي : القطاع النقدي الذي يتضمن العمليات النقدية المتعلقة بعرض النقود و الطلب عليها و سعر الفائدة , و القطاع الحقيقي الذي يتضمن العمليات الحقيقية المتعلقة بالادخار و الاستثمار و الناتج و الدخل .
من الواضح أن سعر الفائدة يلعب دورا مهما في كلا القطاعين , إذ أنه يتحدد في القطاع النقدي بتفاعل قوى عرض النقود و قوى الطلب على النقود . كما أن تقلبات سعر الفائدة في القطاع النقدي يؤثر على مستوى الاستثمار في القطاع الحقيقي , و بالتالي على العلاقة بين الادخار و الاستثمار في تأثيرها على مستوى الناتج و الدخل , إذ يتعادل الادخار و الاستثمار ( وضمنا يتعادل الطلب الكلي على السلع و العرض الكلي لها ) . و من ثم يتحدد مستوى الناتج و الدخل القوميين في وضع التوازن وفقا للتحليل الكينزي المعروف .
وإذا لم يتحقق التعادل بين الادخار المقصود و الاستثمار المقصود , فإن تغير الدخل – في ضوء هذا التحليل – كفيل بإعادة التوازن بين الادخار المحقق و الاستثمار المحقق .
من هنا ندرك أن سعر الفائدة همزة وصل بين القطاعين النقدي و الحقيقي , و أن هذه العلاقة – من خلال سعر الفائدة – هي التي أوحت إله هيكس و هانسن بإدخال فكرة منحنى الادخار و الاستثمار ( منحنى د ث ) في تحليل التوازن في القطاع الحقيقي , و بإدخال فكرة منحنى تفضيل فكرة السيولة و كمية النقود ( منحنى ل م ) في تحليل التوازن في القطاع النقدي .
وعلى ذلك فإن نقطة تقاطع المنحنيين د ث و ل م هي النقطة المعبرة عن التوازن في القطاع النقدي و التوازن في القطاع الحقيقي في آن واحد , مما ينم عن تحقيق الاستقرار الاقتصادي المنشود ...( )



المبحث الثالث : الجوانب المختلفة لمساهمات كينز في عملية التطور
المطلب الأول :" إسهام كينز في تطوير النظرية الكلاسيكية "
عني " كينز" بإبراز العوامل التي تؤثر بشكل مباشر على حجم العمالة منها :
1- دور الطلب : فبالنسبة للكلاسيكيين فغن الطلب يخلق العرض ( قانون الوظائف ) . غير أن " كينز " , أوضح بأن الحافز يأتي من مستوى الطلب . وهذا عكس ما يدعيه الكلاسيكيون . و يقول " كينز " في هذا المجال أن مستويات العمالة تتغير بالموازاة مع الدخل العام , الذي يقع توزيعه على 3 مستويات : الاستهلاك , الاستثمار وتراكم الراسميل . وهذه الأخيرة هي محصلة المبالغ النقدية , وهي غير منتجة و تؤدي إلى نتائج سلبية Néfaste لأنها لا تساهم بشكل مباشر في تنمية مستويات التشغيل ( التوظيف ) . لكن ما هي العوامل التي تؤثر على الطلب الفعال من منظور " كينز " ؟ * حدد " كينز " 3 عوامل نفسية إلى جانب كمية النقود و حملها مسؤولية التغيرات التي تحدث على النظام الاقتصادي الكلي و منها :
2- الطلب على النقود : أو تفضيل السيولة النقدية على غيرها من الأنواع الأخرى للثروة ,,, على اعتبار أنها العامل الدافع لتراكم الراسميل . أي وجود رغبة في الاحتفاظ بالموارد في صورة نقدية دون أية صورة أخرى .
4- دافع التمويل : يسعى رجال الأعمال وراء البحث عن العمل المنتج ليدر عليهم عائدات معتبرة ,,, و ليس من السهل تحديد كمية النقود التي يحتفظ بها رجل الأعمال لإشباع هذا الدافع . و تغدو بذلك كمية النقود المتوقع استثمارها في مشروع ما تتوقف إلى حد كبير على حجم الدخل , و طول الفاصل الزمني بين تسلم الإيرادات و إنفاقها و مستوى النشاط الاقتصادي . وتبرز ظاهرة تقدير العائدات مستقبلا بدلالة الكفاية الحدية لرأس المال المستثمر في هذا النشاط.
4- دافع الاستهلاك : و يمثل المنحنى الذي يجعل رجال الأعمال يبحثون عن عمل منتج ليدر عليهم عائدات على المستوى الميكرو- سوسيولوجي , في حين يدعو " كينز " السكان للاحتفاظ بمواردهم في صورة نقدية لمواجهة الأحداث الطارئة , كالبطالة و المرض و القلاقل الاجتماعية الأخرى على أن يتولوا صرفها / استهلاكها بمعرفتهم .
وتمارس العوامل الثلاث السالفة الذكر تأثيرات تبادلية رغم التعارض في ما بينها بالإضافة إلى عوامل كمية النقود المتاحة , جميعها تحدد حجم الطلب الفعلي من جهة , و حجم التشغيل ( التوظف ) من جهة أخرى . و يمكن القول أن المضاعفة الأولية للاستثمارات من شأنها أن تؤدي إلى الطلب الفعلي , لأن جزءا هاما من الدخول الإضافية التي تتيحها تتحول إلى نفقات قصد الاستهلاك و تؤول بالنهاية إلى الزيادة على الطلب بفعل " مضاعف الاستثمار " .
و تأسيسا على ما سبق , يبدو المنظور الكينزي يشجع على الاستهلاك و الاستثمار . فالتشجيع على الاستهلاك و ما يحثه مضاعف الاستثمار من آثار أمر كفيل بتشجيع الاستثمار الخاص بتخفيض منتظم لمعدلات سعر الفائدة من جهة , و بتوسيع صيغ الائتمان باستمرار من جهة أخرى ,,, بذلك تغدو عوامل مساعدة لرفع الكفاية الحدية لرأس المال و هو ما يؤدي في النهاية إلى مزيد الاستثمار في البلد المعني بالنمو الاقتصادي .
و يعول " كينز " كثيرا عل الاستثمارات العامة ( الأشغال الكبرى التي تنجزها السلطات السياسية في مواجهة البطالة بأنواعها المختلفة عن طريق الدعم من ميزانية الدولة ) , بما يتناسب و الإنفاق العام و الطلب الفعلي بالأجر السائد . وهي جميعها إجراءات اقتصادية كفيلة بضمان الاستخدام الكامل المطلق Full-Employment .
و يحتل تصدير المنتجات ركنا أساسا في معالجات " كينز " لقضايا البطالة و يعتقد أن التصدير معادل تماما للاستثمار بما يفرزه من آثار هي مواضيع لمواطن الشغل للبطالين كتلك التي يوفرها الاستثمار . و يأتي ذلك من خلال الحصول عل ميزان تجاري لصالح البلد المصدر خاصة إذا وفق في احتواء و تقليص الصراعات الجبائية الجمركية للسلع و الخدمات ,,, و هو ما يجعلنا نعتقد بأن الاتجاه الاقتصادي لهذا البلد أو ذاك يتوافق , جزئيا أو كليا , مع الاقتصاد العالمي و توجيهاته . و هو ما قام باقتراحه " كينز " في شكل مخطط للسياسة الاقتصادية العالمية تكون مجالات توسيع التبادلات التجارية بين مختلف الأمم , و بإتباع سياسة استثمارية عل المستوى العالمي . و هو مخطط عرضه بالفعل " كينز " غداة اجتماعات مؤتمر بريتون وودز ,,,( )



المطلب الثاني :" نقد و انتقادات المدرسة الكينزية " لكل , مساند و معارض , خاصة وأنه فكر اقتصادي ...
• الإيجابيات :
- ضرورة التدخل الحكومي لإعادة الاقتصاد إلى وضعه الصحيح , لأن الاقتصاد لا ينظم نفسه بنفسه كما كان يعتقد الكلاسيكيون .
- معالجة " كينز " لعنصر الوقت و هي خاصية السكون لنظريته .
- اهتمت نظريته بالجانب الاقتصادي الكلي , و هو مهم للاقتصاد .
• السلبيات :
- لم تتعرض نظرية كينز لتحليل مشاكل الدول النامية و لكنها اهتمت بالدول المتقدمة فقط .
- ليست نظرية عامة , جاءت لهدف الأزمة فقط .
- لم يوظف عنصر الادخار و الاقتصاد اللازمني .
- رغم اعتراف كينز بعجز النظرية الكلاسيكية إلا أنه قام بتدريسها مدة طويلة قبل الكساد( )
و هناك سلبيات أخرى منها )
- المغالاة في اعتبار الاستهلاك عاملا سلبيا في الحياة الاقتصادية .
- غموض الفكر الكينزي حول الادخار و الاستثمار ( لا يفرق بين الادخار و الاستثمار ) .
- الانتقاص من الحرية الاقتصادية و الانزلاق نحو التضخم .


المطلب الثالث :" تقدير الفكر الكينزي "
لقد استطاع " كينز" بنظريته أن يصحح الكثير من الأفكار الكلاسيكية والتي كانت من المسلمات الاقتصادية آن ذاك ...لأنه أفكاره كانت أكثر واقعية ... حيث أنه لم ينكر الحرية الاقتصادية إلا أنه طالب بالتدخل الحكومي , و وضح أهمية النقود في تنشيط الاقتصاد القومي حيث تناول كل من السياسات الضريبية , المالية و التجارية بصورة متكاملة ... و تناول أيضا مشكلة البطالة ..
فاستطاع بهذا أن يترك بصمة في الفكر الاقتصادي خلال القرن العشرين ...( )

الخاتمة

نختم بحثنا بأن نقول أنه من البديهي أن يستنتج كل من يقرأ عن المدرسة الكينزية (لا نعني هذا البحث فقط , بل بصفة عامة ) , أن يستنتج ما أضافه هذا الفكر للاقتصاد لاسيما الكلي , و لذا اخترنا هذا البحث لنثري معلوماتنا من جهة الجانب الكلي للاقتصاد وبالتالي نمهد لما هو قادم في السنوات اللاحقة ( بإذن الله ) .
إلا أننا نلاحظ في هذا البحث , بل وفي كل وثيقة تتحدث عن المدرسة الكينزية , الكثير من الصعوبات في فهم ما جاء به كينز ربما هذا النقص منا ..., المهم , ونلاحظ أمرا آخر أيضا و هو أن هناك إعادات كثيرة لبعض الجمل أو الكلمات , لكن هذا ما ورد في هذا الفكر ...
والحمد لله أولا و آخرا .

المراجع
كتاب " الاقتصاد السياسي " للدكتور : عبد الله ساقور.
كتاب " موسوعة الفكر الاقتصادي " للدكتور : حسين عمر .
كتاب " تطور الفكر و الوقائع الاقتصادية " للدكتورين أحمد فريد مصطفى / سهير محمد .




 
merciiiiii
 
رد: بحث حول النظرية النقدية الكنزية

جزاك الله خيرا
 
رد: بحث حول النظرية النقدية الكنزية

بارك الله فيك، جعلها الله في ميزان حسناتك
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top