سياحة روحية - مُميزون على طريق الدعوة -

Nilüfer

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
15 أكتوبر 2011
المشاركات
11,103
نقاط التفاعل
16,877
النقاط
351

4wd77810.png








19.gif





نحن في عصر تزينت فيه الشهوات ، وتنوعت فيه الشبهات

وتزايدت المغريات ، وكثرت الملهيات ، حتى كادت معها أن تعمي القلوب

وتموت الأرواح ..

والمسلم اليوم يبحث عن لذة الروح ، وخشوع القلب ، ودموع العين

فلا يجد من ذلك إلا أقل القليل ، فأين قوت القلوب وغذاء الأرواح ؟

وأين لذة العبادة ، وحلاوة الطاعة ؟

وأين ترطيب الألسنة بالأذكار ؟

وأين الاستغفار بالأسحار ؟

أين صفاء النفوس والسرائر ؟ وأين جلاء القلوب والبصائر ؟

أين حسن الأقوال وصلاح الأعمال وصدق الأحوال ؟

إنه لا بد من استشعار الخطر ومعرفة الأثر ، فإن داء القلوب أشد فتكا

وأعظم ضررا ، وإن هزال الأرواح وكدر النفوس بلية البلايا

ورزية الرزايا???????? ..

والعجيب أن هذا الخطر الماحق لا يفطن له كثيرون ، ولا يشعرون به !!

إنهم رغم أدواء قلوبهم وعلل نفوسهم يمضون في حياتهم كأن شيئا لم يكن

وكأنهم لم يفقدوا شيئاً يتحسرون عليه ، مع أنهم في أعظم خطر

وأكبر خسارة ..


وصدق من قال : "
من فقد الله فماذا وجد ؟ ومن وجد الله فماذا فقد ؟ "

ولله در ابن القيم حين قال :

" ومن أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه

وأن تسمع داعيه ثم تتأخرعن الإجابة

وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره

وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له

وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته

وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه

ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته

وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب منه إلى

نعيم الإقبال عليه والإنابة إليه

وأعجب من هذا علمك أن لا بد لك منه ، وأنك أحوج شيء

إليه وأنت عنه معرض
"


حقا إنه لأمر عجب .. فكيف يسعد من قلبه قاسٍ خرب ؟

" اطلب قلبك في ثلاثة مواطن : عند سماع القرآن ، وفي مجالس الذكر

وفي أوقات الخلوة ، فإن لم تجده في هذه المواطن فسل الله

أن يمن عليك بقلب فإنه لا قلب لك
"

الله أكبر كم للقلوب في تلك المواطن من موات وغفلة ، فكيف إذن يعيش

ويحيا من لا قلب له ؟!!

كلما عرض عارض صحي التمس الناس له الشفاء ، وبحثوا عن الدواء

والتزموا الحمية ، وصبروا على العلاج ، ومع ذلك فإنهم عن داء قلوبهم

وسلامتها غافلون !!


" القلب يمرض كما يمرض البدن وشفاؤه في التوبة والحمية ..

ويصدأ كما تصدأ المرآة وجلاؤه بالذكر ..

ويعرى كما يعرى الجسد وزينته التقوى ..

ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن ، وطعامه وشرابه المعرفة والمحبة

والتوكل والإنابة والخدمة
"

فأين المؤمنون من علاج أدواء قلوبهم وجلائها وزينتها وحسن كسائها ؟

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :


" إن الدنيا قد ترحلت مدبرة وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة

ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا

فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل
"



وكلما صح القلب من مرضه ترحل إلى الآخرة وقرب منها حتى

يصير من أهلها .. وكلما مرض القلب واعتل آثر الدنيا واستوطنها

حتى يصير من أهلها ..

ومن علامات صحة القلب أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى

ينيب إلى الله ويخبت إليه ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه

الذي لا حياة له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا برضاه

وقربه والأنس به ..

فبه يطمئن ، وإليه يسكن ويأوي ، وبه يفرح ، وعليه يتوكل

وبه يثق ، وأياه يرجو وله يخاف ..

ذكره قوته وغذاؤه ومحبته ، والشوق إليه حياته ونعيمه ولذته وسروره

والالتفاف إلى غيره والتعلق بسواه سقامه وداؤه والرجوع اليه شفاؤه ودواؤه ...

فإذا أقبل عليه مولاه سكن إليه واطمأن به وزال ذلك الاضطراب

والقلق وانسدت تلك الفاقة .. فإن في القلب فاقة لا يسدها شيء سوى

القرب من الله .. وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه .. وفيه مر
لا يشفيه غير الإخلاص له وعبادته وحده ..

فحينئذ يباشر روح الحياة ويذوق طعمها ويصير له حياة أخرى

غير حياة الغافلين المعرضين عن هذا الأمر الذي له خلق الخلق

وله أرسلت الرسل ونزلت الكتب ..


: قال بعض العارفين

" مساكين أهل الدينا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها

قيل : وما أطيب ما فيها ؟!

قال : محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره وطاعته
"

وقال آخر :

" إنه ليمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا

إنهم لفي عيش طيب
"

وقال آخر :

" والله ما طابت الدنيا إلا بمحبته وطاعته ولا الجنة إلا برؤيته ومشاهدته "

وقال أبو الحسين الوراق :

" حياة القلب في ذكر الحي الذي لا يموت .. والعيش الهني الحياة

مع الله تعالى لا غير .. ولهذا كان الفوت عند العارفين بالله

أشد عليهم من الموت !

لأن الفوت انقطاع عن الحق ، والموت انقطاع عن الخلق

وشتان بين الانقطاعين !!
"

وقال آخر :


" من قرت عينه بالله تعالى قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله

تقطع قلبه على الدنيا حسرات
"

وقال يحيى بن معاذ :

" من سر بخدمة الله سرت الأشياء كلها بخدمته ومن قرت عينه بالله

قرت عيون كل الخلق بالنظر إليه
"

ومن علامات صحة القلب :

أن لا يفتر عن ذكر ربه ولا يسأم من خدمته ولا يأنس بغيره

إلا بمن يدله عليه ويذكره به ويذاكره بهذا الأمر ..

ومن علامات صحته :

أنه إذا فاته ورده وجد لفواته ألما أعظم من تألم الحريص

بفوات ماله وفقده ..

ومن علامات صحته :

أنه يشتاق إلى الخدمة كما يشتاق الجائع إلى الطعام والشراب ..

ومن علامات صحته :

أنه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همه وغمه بالدنيا واشتد عليه

خروجه منها ووجد فيها راحته ونعيمه وقرت عينه وسرور قلبه ..

ومن علامات صحته :

أن يكون همه واحدا وأن يكون في الله ..

ومن علامات صحته :

أن يكون أشح بوقته أن يذهب سدى من أشد الناس شحا بماله ..

ومن علامات صحته :

أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل فيحرص

على الإخلاص فيه والنصحية والمتابعة والإحسان ويشهد مع ذلك

منة الله عليه فيه وتقصيره في حق الله ..

فهذه سبعة مشاهد لا يشهدها إلا القلب الحي السليم ..

وبالجملة فالقلب الصحيح هو الذي همه كله في الله وحبه كله له وقصده له

وبدنه له وأعماله له ونومه له ويقظته له وحديثه والحديث عنه أشهى إليه

من كل حديث وأفكاره تحوم على مراضيه ومحابه ، فكلما وجد

من نفسه التفاتا إلى غيره تلا عليها :


" يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية "

فهو يردد عليها الخطاب بذلك ليسمعه من ربه يوم لقائه فينصبغ القلب

بين يدي إلهه ومعبوده الحق بصبغة العبودية فتصير العبودية صفة له

وذوقا لا تكلفا ..

فكلما عرض له أمر من ربه أو نهي أحس من قلبه ناطقا ينطق :

لبيك وسعديك إني سامع مطيع ممتثل ولك علي المنة في ذلك

والحمد فيه عائد إليك ..

وإذا أصابه قدر وجد من قلبه ناطقا يقول :

أنا عبدك ومسكينك وفقيرك وأنا عبدك الفقير العاجز الضعيف

المسكين وأنت ربي العزيز الرحيم لا صبر لي إن لم تصبرني ولا قوة لي

إن لم تحملني وتقوني لا ملجأ لي منك إلا إليك ولا مستعان لي

إلا بك ولا انصراف لي عن بابك ولا مذهب لي عنك ..

فينطرح بمجموعه بين يديه ويعتمد بكليته عليه فإن أصابه بما يكره

قال : رحمة أهديت إلي ودواء نافع من طبيب مشفق ..

وإن صرف عنه ما يحب قال : الحمد لله ، شرا صرف عني ..

لله هاتيك القلوب وما انطوت عليه من الضمائر وما أودعته

من الكنوز والذخائر ..

لقد رفع لها علم عظيم فشمرت إليه .. واستبان لها صراط مستقيم

فاستقامت عليه .. ودعاها ما دون مطلوبها الأعلى فلم تستجب إليه

واختارت على ما سواه وآثرت ما لديه ....

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا قلوبا صحيحة

خاشعة منيبة راضية مرضية ترجو رحمته وتخاف عذابه

إنه هو الرحمن الرحيم ..

 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top