فارسة الصحراء

بسم الله الرحمــــــــن الرحيم

فارسة الصحراء
Isabelle-eberhardt-portrait-3.jpg

ايزابيل ابرهارت
Isabelle Eberhardt

isabel13.jpg



شخصية تاريخية مثيرة للجدل،ليس لأنها عشقت الجزائر وعاشت ثم ماتت ودفنت بأرضها.
لكن أيضا لشهرتها العالمية ككاتبة وما أحيط حولها من جدل يحاول أن يثير الشكوك.

لست سوى إنسانة أصيلة، فريدة وغريبة نوعا ما، وصاحبة أحلام وأفكار، تريد أن تعيش بعيدا عن هذا العالم المعاصر المليء بالنفاق والخداع، تريد أن تعيش حرة، حياة البدووالرحل
نقرأ في تقارير الشرطة السرية السويسرية:
تاريخ الميلاد:17 فيفري 1877
المدينة: ميران قرب جنيف
ابنة: الأب مجهول
و: نـتالي مـوردر
المهنة: دون عمل
العنوان: طريق ميران،جنيف،فيلا نانوف
القامة: 1.65 م تقريبا
البنية الجسدية: رشيقة ورهيفة
الشعر: أشقر قصير
البشرة: بيضاء
العينان: أزرق مبقع
الاسم واللقب: إيزابيل إبرهارت
علامات خصوصية: تلبس لباس رجال.

20020911.jpg


فتاة لا تتعدى العشرين من عمرها ، في هندام رجل و الرجل هندام في مجتمع نصفه رجال و نصفه ضحايا رجال ، في لباس فارس عربي و العرب من المحيط الى الخليج "اما نعجة مذبوحة أو حاكم قصاب"...جاءتنا ايزابيل ابرهارت أو محمود سعدي كما كانت تمضي بذلك قصصها و تحقيقاتها في الصحافة الجزائرية في بداية القرن العشرين فكانت بيننا رسول حب و سلام.

ولدت في سويسرا سنة 1877 من أم روسية مسيحية و أب؟؟؟-احتار الناس في نسبها- قالت عنه هي أنه تركي مسلم و قال بعض من كتبوا عنها أنه ذلك الكاهن الارمني ، الارثذوكسي الذي ترك الكنيسة و قد أتى به الجنرال زوج أمها ليعلم له أبناءه الخمسة ففر بالزوجة من معتقل الاستبداد القيصري الى سويسرا و هي البلد الهادئ المسالم الذي يتقاطع فيه الحب و السلم.


الجنرال "بول كارلويتش دي موردر" مات قبل ثلاث سنوات من ميلاد ايزابيل فهو ليس والدها ، و المعلم الارمني الحر أعطاها من فكره و قلبه و لكنه لم يمنحها اسمه هو المقيد في سجلات الحالة المدنية تحت اسم "ألكسندر تروفيموسكي" .و ذهب أحد كتاب سيرتها و هم كثر "بيار آرنو" و هو المهووس ب"أرثر رامبو" و جعل الشاعر المنبوذ أبا لها لعلاقة روحية أو ربما وراثية تربطهما: كلاهما كانا متمردين ، مسحورين بالانطلاق نحو الآفاق البعيدة و المغامرات الغريبة.


و ليس مهما أن نعرف نسبها -نحن المولعون بالبحث في الأنساب- فربما جهلته هي نفسها فجعلت لها الأب الذي تريده لكل فترة من حياتها و طارئ من طوارئ أيامها .و ما منعها ذلك من أن تكون امراة فوق العادة ، مهمتها أن تحب فوق العادة شيئين اثنين: الشرق و الحرية.


و الشرق عند ايزابيل فوق ما أتى به المستشرقون .الشرق ليس بوابة افريقيا و افريقيا أسد هصور يغفو لفترة و ينتفض لفترات..الشرق عند ايزابيل عمق الانسانية في بساطتها و حرارتها و سجيتها..الشرق ليس عالما مجهولا ، سحريا ، اكزوتيكيا ..انه أرض تفور منها روائح الثورة و الحب و الجمال و شعب رغم الأصفاد حر الحواس ، حر المشاعر ، حر العقيدة..الشرق اسلام اعتنقته و أحبته حد التصوف أحيانا ، و اله رأته على أرضه البكر و في أعماقها حين تصفو الاعماق و ترتاح في كنف القوي العزيز و قد تحررت من كل العلائق التي ترهق و من كل شيء.


في سن العشرين تكسر الفتاة كتل الجليد الذي أحاط بها في أروبا و تنطلق بها أهواءها ، شيء في طبيعتها و أشياء في نفسها الى أجواء ترى فيها الوجه الآخر للحياة ، للأرض ، للانسان ، و تتلمس ذلك البعد الذي ان تحركت وفقه خفض الكوكب من سرعته احتراما لآهليه و حبا في ساكنيه، مثلها مثل الكثير من الأروبيين الذين خنقتهم بورجوازية القرن التاسع عشر فانطلقوا باحثين عن أراض عذراء يمتلئ فوقها ذلك الخواء الروحي الذي جوّف خلاياهم كلها و يجدون فيها شيئا جديدا ساحرا و جذابا.


في سن العشرين اذن تتبع الفتاة والدتها الى عنابة بالجزائر .و هناك تعتنق الوالدة الاسلام و تموت بعد ذلك بقليل فتعود الصبية الى جنيف لتقوم بواجبها اتجاه ذاك الذي رباها .و لكنه يموت هو الآخر بعد زمن قصير فتعود الى افريقيا و تعبر على صهوة حصان تونس و الشرق الجزائري حتى الجنوب و هي في لباس فارس عربي و قد تمكنت من لغة البلد فأتقنت التعامل بها .


و في الجزائر و بالضبط في صحرائها تجد ايزابيل نفسها ، حنينها ، قلمها و حتى دينها حيث تنضم في مدينة"الوادي" الى الجمعية الدينية "اخوان القادرية" و تزور الزوايا و تجد في التصوف راحة داخلية سرعان ما يحطمها القلق الفطري الذي يركب الفتاة .ذلك أن هذه الحسناء ، القوية ، الساحرة، كانت تتميز بطبيعة متقلبة و أهواء متناقضة تجعلها تتألم و لا تستقر على حال كما قالت هي عن نفسها.فتمضي حياتها متأرجحة بين النقيضين : بين بيوت العبادة و بيوت اللهو و المجون .و في صعودها و هبوطها كانت روحها تواجه قدرا سيزيفيا قاسيا.


غير أن أبرز و أسعد فترة في حياتها هي تلك التي قضتها في مدينة "عين الصفراء" أين التقت بالجنرال "ليوتاي" المكلف من طرف الادارة الفرنسية باعادة الامن الى الحدود الجزائرية المغربية فتنشأ بينهما صداقة عميقة مكنتها من القيام بتحقيقاتها الصحفية بكل حرية ، فجابت الصحراء مع قوافل البدو تقاسمهم حياتهم الصعبة على الرمال الساخنة و المرتفعات القاحلة فزارت القصور و القرى الصحراوية و الزوايا و الاماكن المقدسة و ذابت في المجتمع البدوي كل الذوبان .فاذا استحوذ عليها حب المغامرة انطلقت باحثة عن جماعات المتمردين لوحدها هي التي انضمت الى أحد معسكرات الجنود الفرنسيين و عاشت معهم و خضعت مثلهم لصرامة النظام العسكري.


جربت كل شيء اذن و قبلت من الرجال كل شيء أيضا الا أن تعامل كأنثى.

هل هو الجنون؟
هل هو التحدي؟ تحدي الانوثة أم تحدي الانثى التي تعرقلها الانوثة عن اتيان المعجزات و لكنها تأتيها رغم ذلك؟أم هو تحد للرجال في عقر قوتهم؟
أم هو بكل بساطة البحث عن معنى للحياة ، عن عمقها ، عن عصارتها ؟
ربما هو كل هذا ..و ربما لاشيء من هذا فقد اشتط الناس في الحديث عن عاشقة البادية التي لفها السحر و الغموض.
لم تقم ايزابيل ابرهارت بأي دور سياسي ، بل كانت دارسة لحياة أهالي البلد الذين استضافوها و أحبوها فاتخذت منهم أصدقاء لها و رفضت أن تلعب معهم دور الاستشراق الذي كان موضة ذلك العصر فتنظر اليهم بعين الدهشة و الغرابة و الفوقية ، فأثارت بذلك حفيظة المستوطنين الذين لم يحبوها و لا استساغوا مقالاتها و قصصها و أفكارها بل قاوموها و هاجموها و ربما هم الذين خططوا لمحاولة اغتيالها الفاشلة.
و لكن يشاء الموت أن يأتيها بغتة و هي في عمق الجنوب ..يأتيها ذات صباح خريفي من يوم 21 اكتوبر 1904 و هي في سن السابعة و العشرين اثر فيضان أحد الأودية بعد هطول امطار غزيرة أدت الى ردم قرية كاملة بعين الصفراء كانت الشابة تقطن فيها.و لم يعثر على جثتها الا بعد ثلاثة أيام غارقة في الأوحال تحت أنقاض بيتها.


و قد كتب عنها صديقها الجنرال "ليوتاي" كلمات تأبينية جميلة فقال:" كنا متفاهمين كثيرا محمود(ايزابيل) و أنا و سأظل محتفظا بالذكرى الرائعة لحكايانا المسائية .كانت أكثر ما يجذبني في هذا العالم: متمردة.أن تجد شخصا يمثل نفسه صادقا خارج المتعارف عليه و خارج القوالب المصنوعة و الكليشيهات الجاهزة ، يمضي في الحياة حرا كأنه طائر في الفضاء انه لشيء رائع .لقد أحببتها لما كانته و لما لم تكنه".


لم تترك ايزابيل وراءها غير بضعة مقالات منشورة في الصحف و بعض القصص (ياسمينة ، الخطيبة ، تاسعديت ، الساحر،...) و محاولة روائية (راخيل) و لكن حياتها العجيبة هي أكبر رواية تتركها.
و قد نشرت أعمالها بعد موتها .كما نشر الكثير عن حياتها .و لازالت الى يومنا هذا تثير الدهشة و الاستغراب و تسيل الكثير من الحبر.


و كانت كثيرا ما تسأل نفسها:لماذا أكتب؟
هوذا سؤال أي أديب...
الحب و الكتابة : حياة الأديب ..عالم الأديب ..رسالة الاديب، فان ربط بينهما بذلك الخيط الحريري الرفيع الذي يسمونه الصدق ، الصدق مع النفس و الصدق مع الناس و الصدق مع القلم كاد الاديب أن يكون قديسا.


فكانت ايزابيل تكتب بحب و كانت صاقة فيما كانت تكتبه الى أبعد الحدود كما كانت صادقة مع الناس الذين عاشرتهم و كتبت عنهم.كانت تريد أن تكون هي نفسها في كتاباتها كما في واقعها : مترفعة عن القوالب الاجتماعية و الأدبية السائدة في وقتها .و كانت تملك موهبة فذة تنبئ بمستقبل أدبي زاهر لولا أن الصمت جاء مبكرا.


"هذه هي حياتي ..حياة روح مغامرة ، متحررة من استبداد آلاف الأشياء الصغيرة التي نسميها "المكتسبات" و "العادات" و "الاعراف " و متشوقة الى حياة تحت الشمس ..حياة متغيرة و حرة "
أما أنا فأكتب عنها على بعد أكثر من قرن منها و على بعد مئات الاميال من ضريحها الذي أصبح مزارا و محجا للسواح و المهتمين بسيرتها في أصقاع العالم عرفانا لمحبتها لهذا الوطن و للشعب البسيط الذي يعمر جنبات هذا الوطن.و كانت تجيب في مذكراتها:"أكتب لانني أحب عملية الابداع الأدبي .أكتب كما أحب .و لأن ذاك على الأرجح هو قدري ..ذاك هو سلوتي الحقيقية".


***************

إنها من مواليد 17 فيفري 1877 بميران جنيف، من أم روسية ناتالي كرلوفتش(أرملة الجنرال الروسي موردر كرلوفتش) وأب مجهول الهوية ، لكنها تقول في مذكراتها: إنني ولدت مسلمة من أب روسي مسلم وأم روسية مسيحية، ولم أغير ديني أبدا وتقول في مقام آخر سوف أموت مسلمة مثل أبي.
وحسب الروايات أبوها أرمني إعتنق الاسلام بعد ما كان قسيسا يدعى ألكسندر تروفيموفسكي.
إنها فارسة الصحراء، عاشقة الجزائر وإنها اللغز القائم إلى الأبد، لقد بقيت في رحلة التيه منذ ولادتها حتى وافتها المنية بمدينة عين الصفراء في الجزائر يوم 21 أكتوبر 1904
نشأت في بيت أنيق يحوي حديقة وأشجار جميلة وتعلمت اللغات الروسية، الألمانية ، العربية والفرنسية وبعدها التركية والأمازيغية.
كانت إيزابيل ابرهارت تحب منذ صغرها تقليد الرجال في ملابسهم ومشيهم، حيث يمنح لها ذلك الراحة والحرية أكثر كما تقول في مذكراتها.
تبدأ قصتها مع الجزائر عندما كان عمرها 15 ربيعا حيث قرأت إعلانا بجريدة نشره ضابط فرنسي برتبة ملازم مصاب بالسأم والوحدة وعدم الرضا بوضعه خلال أدائه الخدمة العسكرية بمدينة باتنة



فسرعان ما توصل الشاب على رد من الآنسة نادية، -الاسم المستعار- وتكررت المراسلات لثلاث سنوات متتالية فتوطدت العلاقة بينهما.
في تلك الأثناء غادرت أختها سويسرا عائدة لروسيا، أما أخويها فان فلاديمير انتحر وأوغستان التحق بااللفيف الأجنبي بسيدي بلعباس.

سنة 1896 توجهت ايزابيل الى فرنسا فتعرفت بالصحفي المصري أبو نظارة صديق جمال الدين الأفغاني،كما تعرفت بالتونسي علي عبد الوهاب الذي أصبح من أعز أصدقائها.
في جو الوحدة العائلية ومضايقات البوليس الفرنسي والسويسري اتخذت القرار النهائي بضرورة الاستقرار بالأرض التي تعشقها والحياة التي تحنو اليها.أرض الجزائر .

حلت في شهر ماي 1897 بمدينة عنابةمع والدتها ومن ثم لتلتقي بحبيبها وأخيها، لكن سرعان ما فقدت والدتها التي أسلمت الروح لبارئها، فعادت اليزابيل إلى سويسرا لتبقى مع تروفيموفسكي (زوج أمها)الذي كان على فراش الموت يصارع المرض بمفرده، وسرعان ما فارق الحياة هو أيضا.
فبقيت شهرا واحدا هناك ثم توجهت نحو تونس وبمساعدة صديقها علي عبد الوهاب شرعت في الرحلة الحقيقية نحو الجزائر، فاتخذت لنفسها اسم " محمود السعدي" وتنكرت في لباس فارس جزائري متجهة نحو مدينة باتنة لملاقاة حبيبها الملازم لـيـتور لكنها لم تجده بحيث كان غائبا عن باتنة في مهمة.
استأجرت حصانين وراحت تجوب مدن الشرق وقراها في انتظار عودة صديقها، الذي التقته بعد ذلك عند عودته، لكنها لم تجد فيه الطموح الذي كانت تسعى اليه، لهذا بقيت معه ثلاثة أيام فقط ثم شدت الرحال نحو الجنوب الجزائري.
لقطة من فيلم Isabelle Eberhardt انتاج 1992 اخراج Ian Pringle Mathilda May,Tchéky Karyo,Peter O’Toole​



cinema14.jpg



كانت اليزابيل وهي على ظهر جواد أو ماشية على قديمها أو مستلقية إلى جذع شجرة تـُدون في مذكراتها تلك اللحظات بدقة كبيرة فتصف سحر الجزائر والمشاعر التي تغمر كيانها.
حينما وصلت إلى مدينة وادي سـوف قررت الاستقرار بها بعد أن أحبتها كثيرا، فتقول في احدى رسائلها لأخيها:
إنني بعيدة عن العالم الغربي ، عن الحضارة ومهازلها وتفاهاتها، إنني وحدي هنا في دار الاسلام والسلام، في الصحراء حرة طليقة، وفي أحوال صحية جيدة...
وادي سوف هذه البلدة كثيرة القبـب، هذه هي البلدة الوحيدة التي أقبل أن أعيش فيها إلى الأبد ... أريد شراء أرض صالحة للزراعة وأجعل فيها بئرا، ونخلا وبستان...




إشتـرت اليزابيل أو محمود السعدي حصانا وأطلقت عليه اسم ســـوف وبدأت رحلتها في المنطقة، فأحبت الصحراء وسوف وأهلها، تقول في مذكراتها:
يا قوم.. بساطتكم تستهويني، دفؤكم يملؤني، دينكم ملاذ جنوني، صحراءكم مرتع أحلامي، إنتمائي إليكم وحبي لأرضكم وهو شيء يشرفكم فاقبـلـوني.
في هذه الأرض في صحراء الجزائر تجد إليزابيل عمق الانسانية وبساطتها وتنسى كل همومها خاصة بعد اتباعها للطريقة القادرية على يد مشايخها: سي الطيب ، سي محمد الحسين، سي الهاشمي وسي محمد اليمام.
اتخذت بلدة " بهيمة" سكنا لها والتي تسمى حاليا حساني عبد الكريـم حيث لا يزال مسكنها متواجدا يعرف باسم حـوش الـروميـة، فتعرفت على شاب من الشمال عسكري خيال " سبايسي" يدعى سـلـيـمان إهـني الذي تزوجها وتسمت مـريـم فكتبت تقـول:
إن الله قد أشفق عليّ، لأنه استجاب لدعائي، ومنحني الرفيق الذي كنت أرغب فيه، والذي دونه كانت حياتي ستكون مفككة وحزينة
وتقول فيما بعد عندما رجعت إلى الزمـالـة بمدينة باتنة حيث يوجد لها بيتا لا يزال قائما تقـول:
إذا كان هناك شخص أحببته حقا في حياتي فهو سـلـيمان إهني





يتبع...

 
آخر تعديل:
تابع فارسة الصحراء " ايزابيل ابرهارت Isabelle Eberhardt "

بسم الله الرحمــــــــن الرحيم

تابع فارسة الصحراء
Isabelle-eberhardt-portrait-3.jpg

ايزابيل ابرهارت
Isabelle Eberhardt

isabel13.jpg


20020911.jpg


كانت ايزابيل من خلال كتاباتها تعبر عن آلام الجزائريين ومشاعرهم، فتقول في هذا الشأن:
لماذا أتوا بحضارتهم الفاسدة والزائفة وأدخلوها هذا البلد؟ أين حضارة الذوق والفن والفكر التي هي لدى النخبة الأوربية ؟

من الواجب القول أن كتابات ايزابيل أبرهارت في جريدة الأخبار و La Depeche d'Algerie وعبر قصصها ومؤلفاتها قد ساهمت في التعريف بالقضية الجزائرية .
ألفت الآنسة ايزابيل أبرهارت ما لا يقل عن 10 كتب وأكثر من 200 مقال صحفي ، كانت كتاباتها تنبع من قلب مجروح وتحمل في طياتها معانات البسطاء الذين عايشتهم فكانت تسعى لتغيير ما أمكن تغييره .
فعاشت محن البسطاء والفقراء والمضطهدين وبذلت كل ما بوسعها لمساعدتهم ، فتعتبر كتاباتها توثيق للذاكرة وتراثا للشعب الجزائري في تلك الفترة بالذات.

خلال فترة اقامتها بمدينة حساني عبد الكريم حاليا التي استمرت 07 أشهر قامت بعدة أعمال خيرية .
لكن ذات صبيحة من شتاء سنة 1901 أقدم أحد عملاء فرنسا وهو عبد الله بن محمد بمباغتة ايزابيل فوجه لها ضربة غادرة بسيفه أصابت ذراعها الأيسر إصابة بليغة ، مما أقعدها سرير المستشفى 40 يوما، وادعى أنها تهين الاسلام والشريعة.
وقد حكمت المحكمة على المعتدي بالأشغال الشاقة وعلى ايزابيل بالنفي ، لعلهم بذلك يتمكنون من طمس الحقائق التي كانت تنقلها ايزابيل عن انتهاك للحقوق

تأسفت ايزابيل لقساوة الحكم وكتب تقول:
تقول في رسالة نشرت بجريدة لا ديبش دالجيري يوم 07 جوان 1901 :
إنني لست سياسية ولا عميلة لأي حزب ولا لأي دولة ..... إنني أريد العيش بعيدا عن العالم المتحضر المليء بالنفاق .
أريد حياة حرة ، حياة بدوية ، وهذا ما أحلم به طوال حياتي لأنقل لكم ما أراه وأنقل قشعريرة الحزن والسحر الذي أحس به أمام العظائم المحزنة ، هذا كل ما في الأمــــر ....


وتعبر عن شعورها نحو خصمها فتقول:
بحثت في عمق قلبي عن حقد نحو هذا الرجل فلم أجده، ولم أجد كرها نحوه كذلك...

وتقول في رسالة نشرتها لا ديبش دالجيري:
..... إن أهل سوف ومتتبعو الطريقة الطريقة القادرية وكذلك الطريقة التيجانية قد أظهروا بالغ حزنهم وكامل تأثرهم بعدما سمعوا بالخبر والحادث المؤلم الذي تعرضت له خلال محاولة السيد عبد الله بن محمد اغتيالي، لذا فأنا مدينة لهم ولأهل سوف الطيبين وما يتصفون به من حنان ومودة وايخاء ، غمروني بها خلال تواجدي معهم وفي معالجتي لهم بما لي من معرفة في الطب من أمراض العيون المختلفة كالرمد ، وأمراض أخرى منتشرة في المنطقة كلها .. لقد وهبت نفسي لعمل الخير وخير الانسانية في كل مكان أوجد فيه.


photo+17-2.jpg


عاشت ايزابيل في جو قاس جدا ، ظلم الفرنسيين وقساوة الحياة البدوية التي اختارتها و عبء الرسالة التي تحملها ، خاصة في مدينة باتنة عندما رحلت مع زوجها سليمــــان .
فبعد الاعتداء تعرضت لشتى أنواع الاعتداءات السياسية والاجتماعية والفكرية، يقول عنها الفرنسيون:
إنها عميلة المافيا ، لقيطة وعاهرة تعيش من جسدها ، وصفوها بأبشع الصفات وراقبوها بعين شرسة
هذه المرأة الروسية الأصل الألمانية الاسم تلبس لباس الرجال وزي الفرسان ، تدخن الكيف والأفيون ، وتجلس في المقاهي وتعاشر القبائل والأهالي ، ترسم وتتكلم عدة لغات إنها بـحق جـاســــوســـــة.


ان موقف ايزابيل في المحكمة أبهر حاكم المحكمة العسكرية ، حيث كان ينتظر أن يجد أمامه هذه الفتاة الأوربية تتهم المعتدي بشتى التهم وتصفه بأقبح النعوت.
لكنه فوجئ بها تدافع بحماس عن الجاني وعن الاسلام، فلم يعجبه ذلك ولم يعجب كذلك المعمرين الفرنسيين عساكر ومدنيين ، فقد وجدوا كذلك في زواجها وفي اسلامها عارا وفضيحة.

فأصدر الحاكم العسكري حكما بابعاد ايزابيل ، فعاشت ايزابيل بمرسيليا سنة واحدة ، فلحق بها زوجها سليمان هناك ،
في 17 أكتوبر 1901 تم تسجيل زواجهما في مرسيليا لتصبح " مـريم مـحمـــودة " ، وبهذا الزواج اصبحت فرنسية الجنسية مما سمح لها بالعودة تارة أخـرى للجـــــزائـــــــر.

في 1902 عادت للجزائر واتخذت في شارع سودان بالقصبة مسكنا ، كما تنقلت لبلدية الهامل ببوسعادة .
عند عودتها للعاصمة التحقت بجريدة الأخبار كأول امرأة مراسلة حرب ، مما استدعاها للسفر والاقامة بمدينة عين الصـــفــــراء على الحدود الجزائرية المغربية من أجل تغطية العمليات العسكرية للجيش الفرنسي .
تعرفت بالجنرال لـــيــــوتي ، مما أتاح لها التحرك في المنطقة بكل حرية بزي فارس مع قوافل البدو تقاسمهم حياتهم الصعبة في الصحراء القاحلة وكان دليلها في تلك الرحلات فارس أسمته جلول بن بختي .
بالاضافة للتقارير الميدانية كمراسلة كانت تكتب قصائدها ورواياتها في تلك الرحلات

isabel11.jpg

في تلك الظروف ما كان جسمها ليتحمل ، فبدأت صحتها تتدهور وكانت الحمى لا تنقطع عنها ، فادخلت المستشفى عدة مرات ، لكنها في الاخير اصرت على زوجها ان يعيدها للبيت ، حيث كانت تكتب تقاريرها عن الأحداث التي جرت بالمنطقة ، وعن مقاومة الشيخ بوعمامة وأحداث قمع السكان المحليين.
كانت تدون مسيرتها الاستكشافية لمليلية ووجدة المغربيتين، وكذلك لمدينتي بني ونيف والقنادسة وكانت تُـشبـه تلك المناطق بالسجن المفتوح ،
21 أكتوبـر 1904 شهدت مدينة عين الصفراء سقوط أمطار غزيرة أحدثت فيضانات أغرقت المدينة وانهار بيت الزوجة مريم محمودة فماتت وكانت نهايتها كحياتها مملوءة بالمآسي ، وقد عثر على جثتها بعد فترة من البحث تحت الأنقاض . و شهد ذلك اليوم وفاة 25 شخصا

في جو جنائزي مهيب سار فيه الأهالي وشهد حضور الجنرال لـيـوتي ، دفنت مريم بمقبرة سيدي بوجمعة، وقد كانت محبوبة من الاهالي لشجاعتها ، لحبها للاسلام والجزائر وأعمالها الخيرية في كل منطقة تذهب اليها،
رحمك الله يا ايزابيل ايبرهارت وجعل مثواكِ الجنّة باذنه تعالى وجمعنا بكِ فيها ان شاء الله.
لقد رحلت ايزابيل تاركة وراءها كتب ومقالات عديدة من بينها كتاب " في ظلال الاسلام الدافئة" الذي كتب عنه المفكر مالك بن نبي يقول:
لقد قرأت مرارا كتاب تلك المرأة المغامرة التي انهت حياتها في عين الصفراء في ظروف مؤسفة ، كنت أبكي وأنا أقرأ ذلك الكتاب الذي عرفت فيه شاعرية الاسلام وحنين الصحراء..."

تلكم هي ايزابيل أبرهارت ، ماتت وفي قلبها حب الجزائر ، ولم تقم للدنيا وزنا ولم تشعر بمتاعب الحياة ، ماتت وساد الصمت كل شيء وحزن سليمان إهني على فراقها وهو يتبع بعينيه وفكره خطوات الرجال الذين يحملونها الى مثواها الأخير .
ماتت ايزابيل ومات معها لغزها.
تقول ايزابيل : في كثير من المرات وعلى طر ْق حياتي الشريدة كنت اسائل نفسي ، إلى أين أذهب؟ وتوصلت الى أن أفهم أنني بين أبناء الشعب وعند البدو أتجه الى ينابيع الحياة... إنني أقوم بسفر في أعماق الانسانية.

أهدت ايزابيل الأجيال الجديدة عدة روايات وقصص عن مسيرتها :
ياسمينة - النقيب - المنافسة - القصص الجزائرية - في ظلال الاسلام الدافئة - اليوميات
وقد نشرت لها الصحافة الفرنسية في حينها عدة قصص قصيرة : جهنم - رؤية المغارب ،
وكتبت "راخيل " الرواية التي لم تكملها ن وكذلك المخطوط الذي عثر عليه تحت أنقاض بيتها " الوهراني الجنوبي " حيث دونت خواطرها وانطباعاتها في آخر رحلة لها الى الصحراء

كتابات إيزابيل تخفي روحا متعطشة للعدل, وروحية الإسلام, كما توضح مواقفها المؤازرة للمظلومين, وكشفها لأساليب الاحتلال في إخضاع الشعب بالقهر والرعب, حيث كتبت وعمرها 20 سنة في جريدة (لانفال روفي مودرن) بعنوان (رؤية المغرب عن المجزرة التي قامت بها فصائل الجيش الفرنسي من القبعات البيض, والترايور ضد أهالي قرية أولاد نايل).

وكذلك القصص المتعددة التي كتبتها ما بين 1900 و1904 والتي نشرت وأدت إلى إحراج الأوساط الاستعمارية. فقصة (الفلاح) تصور وضعية الفلاحين الذين تنتزع ملكياتهم بالقوة كما في قصة (مجرم), هذه القصة التي جاءت مرافعة لصالح عصاة نزع الملكية بتاريخ 26 أبريل 1901 بمدينة مليانة, هذا الحدث الدموي المعروف باسم (تمرد مارقريت).



 
فارسة الصحراء من خلال قرائتى لما جاء فى موضوعك امراءة فوق العادة بجد
شكرا استاذنا الكريم على الموضوع المميز كالعادة
دائما فى متابعة جديدك ومايسطره قلمك
تحياتى وتقديرى
 
شكرا لك اختي نور على مرورك العبق الذي عطر سطور متصفحي
وشكرا لتعليقك الطيب
مع خالص التحايا و اجمل الشكر وكل والتقدير
 
موضوع رائع لم أسمع بها من قبل

شكرا أخي على تنويرنا​
 
شكرا على المرور اخوتي
جزاكم الله خيرا
تحياتي وتقديري
 
رد: فارسة الصحراء

كثير من أبطال الجزائر مجهولين
لدى الشعب الجزائري
من بينها هذه المجاهدة
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا
 
رد: فارسة الصحراء

كثير من أبطال الجزائر مجهولين
لدى الشعب الجزائري
من بينها هذه المجاهدة
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا
فيك البركة وكل الخير اخي الكريم
مشكور على كرم المرور العطر
تحياتي لك وكل تقديري .
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top