احكام الاضحية والذكاة للشيخ العثيمين

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

kaya44

:: عضو مُشارك ::
إنضم
11 نوفمبر 2008
المشاركات
442
نقاط التفاعل
1
النقاط
7
احكام الاضحية والذكاة

هو واحد من الكتب التي الفها الشيخ ابن العثيمين رحمه الله نقلت منه بعض الاحكام المتعلقة بالاضحية

تعريف الاضحية

الأضحية: ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام الأضحى بسبب العيد؛ تقرباً إلى الله عز وجل.
وهي من العبادات المشروعة في كتاب الله وسنة رسوله النبي صلى الله عليه وعلي آله وسلم وإجماع المسلمين.
فأما كتاب الله : وقال تعالي:(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:162،163) .

وهذه الآية تدل على أن الذبح تقرباً إلى الله تعالي مشروع في كل ملة لكل أمة، وهو برهان بين على أنه عباده ومصلحة في كل زمان ومكان وأمَة.

وأما سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم : فقد ثبت مشروعية الأضحية فيها بقول النبي صلي الله عليه وسلم وفعله وإقراره، فاجتمعت فيها أنواع السنة الثلاثة: القول، والفعل، والتقرير.
ففي : ((الصحيحين)) عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (( من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه، وأصاب سنة المسلمين). وفيهما أيضاً عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قسم بين أصحابه ضحايا، فصارت لعقبة جذعة، فقال: يا رسول الله؛ صارت لي جذعة. فقال ((ضح بها)).



حكم الاضحية


وأما إجماع المسلمين على مشروعية الأضحية فقد نقله غير واحد من أهل العلم .
قال في (( في المغني )) : أجمع المسلمون على مشروعية الأضحية . وجاء في (( فتح الباري شرح صحيح البخاري )) : ولا خلاف في كونها من شرائع الدين .




وبعد إجماعهم على مشروعية الأضحية اختلفوا : أواجبة هي أم سنة مؤكدة ؟ على قولين :



القول الأول : أنها واجبة

وهو قول الأوزاعي ، والليث ، ومذهب أبي حنيفة ، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد ، قال شيخ الإسلام : وهو أحد القولين في مذهب مالك ، أو ظاهر مذهب مالك .



القول الثاني : أنها سنة مؤكدة



وهو قول الجمهور ، ومذهب الشافعي ، ومالك ، وأحمد في المشهور عنهما ، لكن صرح كثير من أرباب هذا القول بأن تركها يكره للقادر ، ذكره أصحابنا ، نص الإمام أحمد وقطع به في الإقناع ، وذكر في (( جواهر الإكليل شرح مختصر خليل )) . أنها إذا تركها أهل بلد قوتلوا عليها ؛ لأنها من شعائر الإسلام .


وللاطلاع على ادلة القولين والرد راجع الرابط الاتي




هل ذبح الاضحية افضل ام التصدق بثمنها

وذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها ، نص عليه الإمام أحمد رحمه الله ، قال ابن القيم ـ وهو أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيميه البارزين ـ : (( الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه ، ولو زاد ( يعني ولو زاد في ثمنه فتصدق بأكثر منه ) كالهدايا والضحايا ، فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود ، فإنه عبادة مقرونة بالصلاة كما قال تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2) ، وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) ، ففي كل ملة صلاة ونسيكة لا يقوم غيرهما مقامهما ، ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقران أضعاف القيمة ؛ لم يقم مقامه ، وكذلك الأضحية . اهـ .
ويدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها : أنه هو عمل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، فإنهم كانوا يضحون ، ولو كانت الصدقة بثمن الأضحية أفضل ؛ لعدلوا إليها وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعمل عملا مفضولا يستمر عليه منذ أن كان في المدينة إلى أن توفاه الله مع وجود الأفضل وتيسره ثم لا يفعله مرة واحدة ، ولا يبين ذلك لأمته بقوله ، بل استمرار النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه على الأضحية يدل على أن الصدقة بثمن الأضحية لا تساوي ذبح الأضحية فضلا عن أن تكون أفضل منه ، إذ لو كانت تساويه لعملوا بها أحيانا ؛ لأنها أيسر وأسهل ، أو تصدق بعضهم وضحى بعضهم كما في كثير من العبادات المتساوية ، فلما لم يكن ذلك ؛ علم أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها .
ويدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها : أن الناس أصابهم ذات سنة مجاعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في زمن الأضحية ، ولم يأمرهم بصرف ثمنها إلى المحتاجين ، بل أقرهم على ذبحها ، وأمرهم بتفريق لحمها كما في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة في بيته شيء )) فلما كان العام المقبل قالوا : يا رسول الله ، نفعل كما فعلنا في العام الماضي ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : (( كلوا وأطعموا وادخروا ، فإن ذلك العام كان في الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها )) .
وفي صحيح البخاري أن عائشة رضي الله عنه سئلت : أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الأضاحي أن تؤكل فوق ثلاث ؟ فقالت : ما فعله إلا عام جاع الناس فيه فأراد أن يطعم الغني الفقير .

ويدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها : أن العلماء اختلفوا في وجوبها ، وأن القائلين بأنها سنة صرح أكثرهم أو كثير منهم بأنه يكره تركها للقادر ، وبعضهم صرح بأنه يقاتل أهل بلد تركوها ، ولم نعلم أن مثل ذلك حصل في مجرد الصدقة المسنونة .
ويدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها : أن الناس لو عدلوا عنه إلى الصدقة ؛ لتعطلت شعيرة عظيمة نوه الله عليها في كتابه في عدة آيات ، وفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعلها المسلمون ، وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة المسلمين.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه : فكيف يجوز أن المسلمين كلهم يتركون هذا لا يفعله أحد منهم ، وترك المسلمين كلهم هذا أعظم من ترك الحج في بعض السنين ، كذا قال .
قال : وقد قالوا إن الحج كل عام فرض على الكفاية ؛ لأنه من شعائر الإسلام ، والضحايا في عيد النحر كذلك ، بل هذه تفعل في كل بلد هي والصلاة ، فيظهر بها من عبادة الله وذكره والذبح له والنسك له ما لا يظهر بالحج كما يظهر ذكر الله بالتكبير في الأعياد . اهـ. .








يتبع .....
 
في وقت الاضحية




الأضحية عبادة موقتة لا تجزئ قبل وقتها على كل حال ، ولا تجزئ بعده إلا على سبيل القضاء إذا أخرها لعذر .


وأول وقتها بعد صلاة العيد لمن يصلون كأهل البلدان ، أو بعد قدرها من يوم العيد لمن لا يصلون كالمسافرين وأهل البادية ، فمن ذبح قبل الصلاة فشاته شاة لحم ، وليست بأضحية ويجب عليه ذبح بدلها على صفتها بعد الصلاة ؛ لما روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ، وليس من النسك في شيء )) ، وفيه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه ، وأصاب سنة المسلمين )).


والأفضل أن يؤخر الذبح حتى تنتهي الخطبتان ؛ لأن ذلك فعل النبي صل الله عليه وسلم ، قال جندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه : صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ثم خطب ثم ذبح . الحديث رواه البخاري .

والأفضل أن لا يذبح حتى يذبح الإمام إن كان الإمام يذبح في المصلى اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى . يعنى يبرز أضحيته عند المصلى العيد فيذبحها هناك ؛ إظهاراً لشعائر الله ، وليعلم الناس بالفعل كيفية ذبح الأضحية ، وليسهل تناول الفقراء منها ، وليس المعنى أنه يذبحها في نفس المصلى ؛ لأنه مسجد ، والمسجد لا يلوث بالدم والفرث .

وفي صحيح البخاري أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب يوم عيد الأضحى قال : فانكفأ إلى كبشين ـ يعنى فذبحهما ـ ثم انكفأ الناس إلى غنيمة فذبحوها .

وينتهي وقت الأضحية بغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق ، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، فيكون الذبح في أربعة أيام : يوم العيد ، واليوم الحادي عشر ، واليوم الثاني عشر ، واليوم الثالث عشر . وثلاث ليال : ليلة الحادي عشر ، وليلة الثاني عشر ، وليلة الثالث عشر .

هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم ، وبه قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -في إحدى الروايتين عنه ، قال ابن القيم : وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن البصري ، وإمام أهل الشام الأوزاعي ، وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي ، واختاره ابن المنذر .

قلت : واختاره الشيخ تقي الدين بن تيميه وهو ظاهر ترجيح ابن القيم لقوله تعالى : ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ)(الحج: 28 ) . قال ابن عباس رضي الله عنهما : الأيام المعلومات : يوم النحر ، وثلاثة أيام بعده .

وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( كل أيام التشريق ذبح )) رواه أحمد ، والبيهقي ، وابن حبان في صحيحه ، وأعل بالانقطاع لكن يؤيده قوله صلى الله عليه وسلمً : (( أيام التشريق أكل وشرب وذكر لله عز وجل )) . رواه مسلم .

فجعل النبي صلى الله عليه وسلم باب هذه الأيام واحدا في كونها أيام ذكر لله عز وجل ، وهذا يتناول الذكر المطلق والذكر المقيد على بهيمة الأنعام ، ولأن هذه الأيام مشتركة في جميع الأحكام ما عدا محل النزاع ، فكلها أيام منى ، وأيام رمي للجمار ، وأيام ذكر لله وصيامها حرام ، فما الذي يخرج الذبح عن ذلك حتى يختص منها باليومين الأولين ؟


والذبح في النهار أفضل ، ويجوز في الليل ؛ لأن الأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي ، ولذلك دخلت الليالي في الأيام في الذكر حيث كانت وقتا له كما كان النهار وقتا له ، فكذلك تدخل في الذبح فتكون وقتا له كالنهار .


ولا يكره الذبح في الليل ؛ لأنه لا دليل على الكراهة ، والكراهة حكم شرعي يفتقر إلى دليل . وأما ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبح ليلا ، فقال في (( التلخيص )) : فيه سليمان بن سلمة الخبائري ، وهو متروك .

يتبع ..............
 

جنس ما يضحى به

الجنس الذي يضحى به : بهيمة الأنعام فقط لقوله تعالى : ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) (الحج: 34) .



وبهيمة الأنعام هي :

الإبل

والبقر

والغنم من ضأن ومعز

جزم به ابن كثير وقال : قاله الحسن وقتادة وغير واحد ، قال ابن جرير : وكذلك هو عند العرب . اهـ . ولقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن )) . رواه مسلم .

والمسنة : الثنية فما فوقها من الإبل والبقر والغنم ، قاله أهل العلم رحمهم الله . فالثني من الإبل : ما تم له خمس سنين ، والثني من البقر ما تم له سنتان ، والثني من الغنم ضأنها ومعزها ما تم له سنة ، والجذع من الضأن : ما تم له نصف سنة .


ولأن الأضحية عبادة كالهدي ، فلا يشرع منها إلا ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أهدى أو ضحى بغير الإبل والبقر والغنم .


والأفضل منها : الإبل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز ثم سبع البعير ثم سبع البقرة .

والأفضل من كل جنس أسمنه ، وأكثره لحما ، وأكمله خلقة ، وأحسنه منظراً ، وفي (( صحيح البخاري )) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بكبشين أقرنين أملحين . والأملح ما خالط بياضه سواد .


وعن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ضحى اشترى كبشين سمينين ، وفي لفظ : موجوأين يعنى خصيين . رواه أحمد . فالفحل أفضل من الخصي من حيث كمال الخلقة ؛ لأن جميع أعضائه لم يفقد منها شيء ، والخصي أفضل من حيث أنه أطيب لحما في الغالب .


يتبع ............
 

شروط ما يضحى به وبيان العيوب المانعة من الاجزاء

الأضحية عبادة وقربة إلى الله تعالى فلا تصح إلا بما يرضاه سبحانه ، ولا يرضى الله من العبادات إلا ما جمع شرطين :

أحدهما : الإخلاص لله تعالى ، بأن يخلص النية له ، فلا يقصد رياء ولا سمعة ولا رئاسة ولا جاهاً ، ولا عرضاً من أعراض الدنيا ، ولا تقربا إلى مخلوق .


الثاني : المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)(البينة: 5) فإن لم تكن خالصة لله ؛ فهي غير مقبولة ، قال الله تعالى في الحديث القدسي : (( أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، ومن عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه )) .

وكذلك إن لم تكن على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي مردودة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )) أي مردود .


ولا تكن الأضحية على أمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا باجتماع شروطها وانتفاء موانعها .


شروط المضحي به :

الأول : أن يكون ملكا للمضحي غير متعلق به حق غيره ، فلا تصح الأضحية بما لا يملكه ؛ كالمغصوب والمسروق والمأخوذ بدعوى باطلة ونحوه ؛ لأن الأضحية قربة إلى الله عز وجل ، وأكل مال الغير بغير حق معصية ، ولا يصح التقرب إلى الله بمعصية ، ولا تصح الأضحية أيضا بما تعلق به حق الغير كالمرهون إلا برضا من له الحق ، ونقل في (( المغني )) عن أبي حنيفة فيمن غصب شاة فذبحها عن الواجب عليه تجزئه إن رضي مالكها ، ووجهه أنه إنما منع منها لحق الغير ، فإذا علم رضاه بذلك زال المانع .


الثاني : أن يكون من الجنس الذي عينه الشارع ، وهو الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها ، وسبق بيان ذلك .

الثالث : بلوغ السن المعتبر شرعا ، بأن تكون ثنيا إن كان من الإبل أو البقر أو المعز ، وجذعا إن كان من الضأن ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن )) رواه مسلم .

وظاهره لا تجزئ الجذعة من الضأن إلا عند تعسر المسنة ، ولكن حمله الجمهور على أن هذا على سبيل الأفضلية وقالوا : تجزئ الجذعة من الضأن ولو مع وجود الثنية وتيسرها ، واستدلوا بحديث أم بلال ـ امرأة من أسلم ـ عن أبيها هلال عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يجوز الجذع من الضأن ضحية )) ، رواه أحمد وابن ماجهوله شواهد منها :
حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجذع من الضأن ، رواه النسائي ، قال في (( نيل الأوطار )) : إسناد رجاله ثقات .

الرابع : السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء ، وهي المذكورة في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( أربع لا تجوز في الأضاحي ـ وفي رواية : لا تجزئ ـ : العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ظلعها ، والكسير التي لا تنقي )) . رواه الخمسة . وقال الترمذي : حسن صحيح.



فهذه أربع منصوص على منع الأضحية بها وعدم إجزائها .
الأولى :

العوراء البين عورها :

وهي التي انخسفت عينها أو برزت ، فإن كانت لا تبصر بعينها ولكن عورها غير بين أجزأت ، والسليمة من ذلك أولى .

المريضة البين مرضها

وهي التي ظهر عليه آثار المرض مثل الحمى التي تقعدها عن المرعى ، ومثل الجرب الظاهر المفسد للحمها أو المؤثر في صحتها ، ونحو ذلك مما يعده الناس مرضا بينا ، فإن كان فيها كسل أو فتور لا يمنعها من المرعى والأكل أجزأت لكن السلامة منه أولى .


العرجاء البين ظلعها

وهي التي لا تستطيع معانقة السليمة في الممشى ، فإن كان فيها عرج يسير لا يمنعها من معانقة السليمة أجزأت ، والسلامة منه أولى .


الكسيرة أو العجفاء ( يعنى الهزيلة )

التي لا تنقي ، أي ليس فيها مخ ، فإن كانت هزيلة فيها مخ أو كسيرة فيها مخ أجزأت إلا أن يكون فيها عرج بين ، والسمينة السليمة أولى .


هذه هي الأربع المنصوص عليها ، وعليها أهل العلم ، قال في (( المغني )) : لا نعلم خلافا في أنها تمنع الإجزاء . اهـ . ويلحق بهذه الأربع ما كان بمعناها أو أولى ، فيلحق بها :


العمياء :

التي لا تبصر بعينها ؛ لأنها أولى بعدم الإجزاء من العوراء البين عورها .
فأما العشواء التي تبصر في النهار ، ولا تبصر في الليل فصرح الشافعية بأنها تجزئ ؛ لأن في ذلك ليس عورا بينا ولا عمى دائما يؤثر في رعيها ونموها ، ولكن السلامة منه أولى .

المبشومة حتى تثلط

لأن البشم عارض خطير كالمرض البين ، فإذا ثلطت زال خطرها وأجزأت إن لم يحدث لها بذلك مرض بين .


ما أخذتها الولادة حتى تنجو

لأن ذلك خطر قد يودي بحياتها ، فأشبه المرض البين ، ويحتمل أن تجزئ إذا كانت ولادتها على العادة ولم يمض عليها زمن يتغير به اللحم ويفسد .


ما أصابها سبب الموت كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع ؛ لأن هذه أولى بعدم الإجزاء من المريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ظلعها .

الزمنى وهي العاجزة عن المشي لعاهة

لأنها أولى بعدم الإجزاء من العرجاء البين ظلعها .
فأما العاجزة عن المشي لسمن فصرح المالكية بأنها تجزئ ، لأنه لا عاهة فيها ولا نقص في لحمها .


مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين

لأنها أولى بعدم الإجزاء من العرجاء البين ظلعها ، ولأنها ناقصة بعضو مقصود فأشبهت ما قطعت أليتها .

هذه هي العيوب المانعة من الإجزاء وهي عشرة : أربعة منها بالنص وستة بالقياس ، فمتى وجد واحد منها في بهيمة لم تجز التضحية بها ؛ لفقد أحد الشروط وهو السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء .
 
بارك الله فيك وحفظك وزادك علما ووقارا ونفع بك المسلمين دائما
 

العيوب المكروهة في الاضحية

ذكرنا في الفصل السابق العيوب المانعة من الإجزاء المنصوص عليها والمقيسة ، وها نحن بعون الله نذكر العيوب المكروهة التي لا تمنع الإجزاء وهي :

العضباء

وهي مقطوعة القرن أو الأذن ، لما روى قتادة عن جري بن كليب عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي أن يضحي بأعضب الأذن والقرن . فأما مفقودة القرن والأذن بأصل الخلقة فلا تكره ، لكن غيرها أولى .


المقابلة

وهي التي شقت أذنها من الأمام عرضاً .

المدابرة

وهي التي شقت أذنها من الخلف عرضاً .

الشرقاء

وهي التي شقت أذنها طولا .

الخرقاء

وهي التي خرقت أذنها .

لحديث على رضي الله عنه ، قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ، وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء . رواه الخمسة ،وقال الترمذي :حسن صحيح .


المصفرة

وهي التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها ، وهكذا في الخبر ، وفي (( التلخيص )) : أنها المهزولة ، وذكرها في النهاية بقيل كذا وقيل كذا .


المستأصلة

وهي التي ذهب قرنها من أصله .


البخقاء

وهي التي بخقت عينها ، قال في (( النهاية )) : والبخق أن يذهب البصر وتبقى العين قائمة . وفي (( القاموس )) : البخق أقبح العور وأكثره غمصا ، وعلى هذا فإذا كان البخق عورا بينا لم تجز كما يدل عليه حديث البراء السابق .


المشيعة

وهي التي لا تتبع الغنم عجفاً وضعفا ، تكون وراء الغنم كالمشيع للمسافر ، وقيل بفتح الياء لحاجتها إلى من يشيعها لتلحق بالغنم ، وهذه إن لم يكن فيها مخ فلا تجزئ لحديث البراء ، وإن كان فيها مخ ولا تستطيع معانقة الغنم لم تجز أيضا ؛ لأنها كالعرجاء البين ظلعها ، وإن كانت تستطيع معانقة الغنم إذا زجرت فهي مكروهة ؛ لحديث يزيد ذي مصر قال : أتيت عتبة بن عبد السلمي فقلت : يا أبا الوليد ، إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئا يعجبني غير ثرماء فما تقول ؟ . قال : ألا جئتني أضحي بها ؟ قلت : سبحان الله ، تجوز عنك ولا تجوز عني . قال نعم ، إنك تشك ولا أشك ، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصفرة والمستأصلة والبخقاء والمشيعة ، والكسراء ، فالمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها ، والمستأصلة التي ذهب قرنها من أصله، والبخقاء التي تبخق عينها ، والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفاء وضعفا ، والكسراء التي لا تنقي ، رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه ، وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقوله : والكسراء التي لا تنفي سبق ذكرها في العيوب المانعة من الإجزاء .


وإنما قلنا : هذه العيوب التسعة مكروهة لورود النهي أو الأمر بعدم التضحية بما عاب بها ، ولم نقل : إنها مانعة من الإجزاء ؛ لأن حديث البراء بن عازب رضي الله عنه خرج مخرج البيان والحصر ؛ لأنه جواب سؤال ، والظاهر أنه كان حال خطبة وإعلان ، ولو كان غير العيوب المذكورة فيه مانعاً من الإجزاء ؛ للزم ذكره لامتناع تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فالجمع بينه وبين هذه الأحاديث لا يتأتى إلا على هذا الوجه بأن نقول :
العيوب المذكورة في حديث البراء مانعة من الإجزاء ، والعيوب المذكورة في هذه الأحاديث موجبة للكراهة غير مانعة من الإجزاء لما يقتضيه سياق حديث البراء ؛ ولأنها دون العيوب المذكورة فيه ، وقد فهم الترمذي رحمه الله ذلك فترجم على حديث البراء : ( باب ما لا يجوز من الأضاحي ) وعلى حديث علي : ( باب ما يكره من الأضاحي ) .


ويلحق بهذه العيوب المكروهة ما يأتي :

البتراء من الإبل والبقر والمعز

وهي التي قطع ذنبها ، فتكره التضحية بها قياسا على العضباء ؛ لأن في الذنب مصلحة كبيرة للحيوان ودفاعا عما يؤذيه ، وجمالا لمؤخره ، وفي قطعه فوات هذه الأمور .
فأما البتراء بأصل الخلقة فلا تكره لكن غيرها أولى .

وأما البتراء من الضأن وهي التي قطعت أليتها أو أكثرها فلا تجزئ ؛ لأن ذلك نقص بين في جزء مقصود منها .

فأما إن قطع من أليتها النصف فأقل فإنها تجزئ مع الكراهة قياسا على العضباء ، قال الشافعية : إلا التطريف وهو قطع شي يسير من طرف الألية ، فإنه لا يضر ؛ لأن ذلك ينجبر بزيادة سمنها فأشبه الخصاء .

وأما مفقودة الألية بأصل الخلقة فإن كانت من جنس لا ألية له في العادة أجزأت بدون كراهة ؛ لأنها لا نقص فيها عن جنسها ، وإن كانت من جنس له ألية في العادة لكن لم يخلق لها أجزأت ، وفي الكراهة تردد ؛ لأننا إذا نظرنا إليها باعتبار جنسها قلنا : إنها ناقصة بفقد جزء مقصود لكن لا يمنع الإجزاء لأنه بأصل الخلقة ، وإذا نظرنا إليها باعتبار الخلقة قلنا : إنها ناقصة فلم تكره كالجماء . وعلى كل حال فغيرها أولى منها .

ما قطع ذكره فتكره التضحية به

قياسا على العضباء ، فأما ما قطعت خصيتاه فلا تكره التضحية به لما سبق من الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى به ، ولأن الخصاء يزيد في سمنه وطيب لحمه .


الهتماء

وهي التي سقط بعض أسنانها ، فتكره التضحية بها قياسا على عضباء القرن ، فإن في الأسنان جمالا ومنفعة ، ففقد شيء منها يخل بذلك .
فإن فقد شيء منها بأصل الخلقة لم تكره إلا أن يؤثر ذلك في اعتلافها .

ما قطع شيء من حلمات ضرعها

فتكره التضحية بها قياساً على العضباء.
فإن فقد شيء منها بأصل الخلقة لم تكره قياسا على المخلوقة بلا أذن .
وإن توقف ضرعها عن الدر فنشف لبنها أجزأت بلا كراهة ؛ لأنه لا نقص في لحمها ولا في خلقتها ، واللبن غير مقصود في الأضحية ، والأصل الإجزاء وعدم الكراهة حتى يقوم دليل على خلاف ذلك .


هذه هي العيوب المكروهة التي يوجب وجودها في الأضحية كراهة التضحية بها ، ولا يمنع من إجزائها وهي ثلاثة عشر : تسعة منها ورد بها النص ، وأربعة منها رأيناها مقيسة على ما ورد به النص ، وأسأل الله تعالى أن نكون فيها موفقين للصواب هداة مهتدين .

 

فيما يؤكل من الاضحية وما يفرق


قال الله تعالى : ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) (الحج:28) ، وقال تعالى : ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ )(الحج: 34) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (( كلوا وادخروا وتصدقوا )) . رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( كلوا وأطعموا وادخروا )) . رواه البخاري من حديث سلمة بن الأكوع، وهو أعم من الأول ؛ لأن الإطعام يشمل الصدقة على الفقراء والهدية للأغنياء ، وقال أبو بردة للنبي صلى الله عليه وسلم : إني عجلت نسيكتي لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري ـ أي أهل محلتي.


وليس في هذه الآية والأحاديث نص في مقدار ما يؤكل ويتصدق به ويهدى ، ولذلك اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في مقدار ذلك ،

فقال الإمام أحمد :

نحن نذهب إلى حديث عبد الله : يأكل هو الثلث ، ويطعم من أراد الثلث ، ويتصدق بالثلث على المساكين

وقال الشافعي :

أحب أن لا يتجاوز بالأكل والادخار الثلث ، وأن يهدي الثلث ، ويتصدق بالثلث

ويعني الإمام أحمد بحديث عبد الله ما ذكره علقمة قال بعث معي عبد الله ـ يعني ابن مسعود ـ بهدية فأمرني أن آكل ثلثا ، وأن أرسل إلى أهل أخيه عتبة بثلث ، وأن أتصدق بثلث ، وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : الضحايا والهدايا : ثلث لك ، وثلث لأهلك ، وثلث للمساكين . ومراده بالأهل : الأقارب الذين لا تعولهم ، نقل هذين الأثرين في (( المغني )) ثم قال : ولنا ما روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم قال : ويطعم أهل بيته الثلث ، ويطعم فقراء جيرانه الثلث ، ويتصدق على السؤال بالثلث . رواه الحافظ أبو موسى الأصفهاني في الوظائف وقال : حديث حسن ؛ ولأنه قول ابن مسعود وابن عمر ، ولم نعرف لهما مخالفا في الصحابة فكان إجماع . اهـ .

والقول القديم للشافعي

يأكل النصف ، ويتصدق بالنصف ؛ لقوله تعالى : (ِفَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)(الحج: من الآية28) فجعلها بين اثنين فدل على أنها بينهما نصفين قال في (( المغني)) : والأمر في ذلك واسع، فلو تصدق بها كلها أو بأكثرها جاز ، وإن أكلها إلا أوقية تصدق بها جاز . وقال أصحاب الشافعي :يجوز أكلها كلها . أه .


وما ذكرناه من الأكل والإهداء ؛ فعلى سبيل الاستحباب لا الوجوب ، وذهب بعض العلماء إلى وجوب الأكل منها ، ومنع الصدقة بجميعها لظاهر الآية والأحاديث ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في حجة الوداع من كل بدنة ببضعة ، فجعلت في قدر فطبخت ، فأكل من لحمها وشرب من مرقها . رواه مسلم من حديث جابر.


ويجوز ادخار ما يجوز أكله منها ؛ لأن النهي عن الادخار منها فوق ثلاث منسوخ على قول الجمهور ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : بل حكمه باق عند وجود سببه وهو المجاعة ؛ لحديث سلمة بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء )) ، فلما كان العام المقبل قالوا يا رسول الله ، نفعل كما فعلنا في العام الماضي ، فقال صلى الله عليه وسلم : (( كلوا وأطعموا وادخروا ، فإن ذلك العام كان الناس في جهد فأردت أن تعينوا فيها )) . متفق عليه . فإذا كان في الناس مجاعة زمن الأضحى ؛ حرم الادخار فوق ثلاث وإلا فلا بأس به .


ويحرم أن يبيع شيئا منها من لحم أو شحم أو دهن أو جلد أو غيره ؛ لأنها مال أخرجه لله فلا يجوز الرجوع فيه كالصدقة ، ولا يعطي الجازر شيئا منها في مقابلة أجرته أو بعضها ؛ لأن ذلك بمعنى البيع .

فأما من أهدي له شيء منها أو تصدق به عليه فله أن يتصرف فيه بما شاء من بيع وغيره ؛ لأنه ملكه ملكا تاما فجاز له التصرف فيه ، وفي (( الصحيحين )) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيته فدعا بطعام فأتي بخبز وأدم من أدم البيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ألم أر البرمة فيها لحم ؟ )) قالوا : بلى ، ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة ، قال (( عليها صدقة ولنا هدية )) وفي لفظ البخاري : (( ولكنه لحم تصدق به على بريرة فأهدته لنا )) ولمسلم : (( هو عليها صدقة ، وهو منها لنا هدية )) .

 
فيما يجتنبه من اراد الاضحية



عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا رأيتم هلال ذي الحجة ـ وفي لفظ : إذا دخلت العشر ـ وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره )) . رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وفي لفظ لمسلم وأبي داود والنسائي : (( فلا يأخذ من شعره شيئا حتى يضحي ))


ففي هذا الحديث النهي عن أخذ شيء من الشعر أو الظفر أو البشرة ممن أراد أن يضحي من دخول شهر ذي الحجة حتى يضحي ، فإن دخل العشر وهو لا يريد الأضحية ثم أرادها في أثناء العشر أمسك عن أخذ ذلك منذ إرادته ، ولا يضره ما أخذ قبل إرادته .


وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذا النهي ، هل هو للكراهة أو للتحريم ؟

والأصح أنه للتحريم ؛ لأنه الأصل في النهي ولا دليل يصرفه عنه ، ولكن لا فدية فيه إذا أخذه لعدم الدليل على ذلك .

والحكمة في هذا النهي ـ والله أعلم ـ أنه لما كان المضحي مشاركا للمحرم في بعض أعمال النسك ، وهو التقرب إلى الله بذبح القربان ، كان من الحكمة أن يعطى بعض أحكامه ، وقد قال الله في المحرمين : ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)(البقرة: 196) .


( تنبيه ) :

يتوهم بعض العامة أن من أراد الأضحية ثم أخذ من شعره أو ظفره أو بشرته شيئا في أيام العشر ؛ لم تقبل أضحيته ، وهذا خطأ بين ، فلا علاقة بين قبول الأضحية والأخذ مما ذكر ، لكن من أخذ بدون عذر فقد خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإمساك ، ووقع فيما نهى عنه من الأخذ ، فعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه ولا يعود ، وأما أضحيته فلا يمنع قبولها أخذه من ذلك .


وأما من احتاج إلى أخذ الشعر والظفر والبشرة فأخذها فلا حرج عليه ، مثل أن يكون به جرح فيحتاج إلى قص الشعر عنه ، أو ينكسر ظفره فيؤذيه فيقص ما يتأذى به ، أو تتدلى قشرة من جلده فتؤذيه فيقصها ، فلا حرج عليه في ذلك كله .


( تنبيه ثان ) :

ظاهر الحديث وكلام أهل العلم أن نهي المضحي عن أخذ الشعر والظفر والبشرة يشمل ما إذا نوى الأضحية عن نفسه أو تبرع بها عن غيره ، وهو كذلك ، وذكر بعض المحشين من أصحابنا أن من تبرع بالأضحية عن غيره لا يشمله النهي ، وما ذكرناه أولى وأحوط . فأما من ضحى عن غيره بوكالة أو وصية ؛ فلا يشمله النهي بلا ريب .


وأما من يضحى عنه فظاهر الحديث وكلام كثير من أهل العلم أن النهي لا يشمله ، فيجوز له الأخذ من شعره وظفره وبشرته ، ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي عن آل محمد ولم ينقل أنه كان ينهاهم عن ذلك ، وذكر المتأخرون من أصحابنا أنه يشمل المضحى عنه ، فلا يأخذ من شعره ولا ظفره ولا بشرته من دخول شهر ذي الحجة ، أو من حين يعلم أنه سيضحى عنه إن كان لم يعلم حتى تذبح الأضحية وذلك لأنه مشارك للمضحي في الثواب ، فشاركه في الحكم ، والله أعلم.
 

الذكاة وشروطها

الذكاة : نحر الحيوان البري الحلال أو ذبحه أو جرحه في أي موضع من بدنه .
فالنحر للإبل ، والذبح لما سواها ، والجرح لكل ما لا يقدر عليه إلا به من إبل وغيرها

شروط الذكاة

الأول : أن يكون المذكي ممن يمكن منه قصد التذكية ، وهو المميز العاقل .

الثاني : أن يكون مسلما أو كتابيا .

الثالث : أن يقصد التذكية .

الرابع : أن لا يذبح لغير الله .

الخامس : أن لا يهل لغير الله به ، بأن يذكر عليه اسم غير الله .

السادس : أن يسمي الله عليها .

السابع : أن تكون الذكاة بمحدد ينهر الدم غير سن وظفر .

الثامن : إنهار الدم في موضعه .

التاسع : أن يكون المذكى مأذوناً في ذكاته شرعا .

ولا تأثير للذكاة في محرم الأكل ؛ كالحمار والكلب والخنزير ، فهذه ونحوه من الحيوانات المحرمة لا تحل بالذكاة ، ولا تشترط الذكاة في حل حيوان البحر ، فجميع ما في البحر من حيوان فهو حلال حيا وميتا صغيرا أو كبيرا ؛ لقوله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ )(المائدة: 96) قال ابن عباس رضي الله عنهما : صيد البحر ما أخذ حياً ، وطعامه ما لفظه ميتاً ، وروى ذلك عن غير واحد من الصحابة والتابعين . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الوضوء بماء البحر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( هو الطهور ماؤه الحل ميتته )) قال في (( بلوغ المرام )) : أخرجه الأربعة وابن أبي شيبة واللفظ له ، وصححه ابن خزيمة والترمذي ، ورواه مالك والشافعي وأحمد.

ولا تشترط الذكاة في حل الجراد ونحوه مما لا دم له ، لحديث ابن عمر : (( أحلت لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان : فالجراد والحوت ، وأما الدمان : فالكبد والطحال )) أخرجه أحمد وابن ماجه .
ولأن الغرض من الذكاة إنهار الدم ، فما لا دم له لا يحتاج لذكاة .

وللاطلاع على هذه الشروط بالتفصيل راجع الرابط الاتي

http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_17995.shtml


 

اداب الذكاة ومكروهاتها

للذكاة شروط تجب مراعاتها ، ولا تحل المذكاة بدونها ، وتقدم الكلام عليها في الفصل السابق ، ولها آداب ينبغي مراعاتها وتحل المذكاة بدونها

فمن آدابها :

استقبال القبلة بالذبيحة عند الذبح ؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال : ضحى النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد بكبشين فقال حين وجههما ( الحديث ) . رواه أبو داود وابن ماجه ، وفي إسناد مقال .

2ـ الإحسان إلى الذبيحة بعمل كل ما يريحها عند الذكاة ، بأن تكون الذكاة بآلة حادة ، وأن يمرها على محل الذكاة بقوة وسرعة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم ؛ فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم ؛ فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته )) رواه مسلم .


3ـ أن ينحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى ؛ لقوله تعالى : ( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافّ)(الحج:36) قال ابن عباس رضي الله عنهما : قياما على ثلاث قوائم معقولة يدها اليسرى . وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها . رواه أبو داود ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها فقال : ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم . متفق عليه ، فإن لم يتيسر له نحرها قائمة ؛ جاز له نحرها باركة إذا أتى بما يجب في الذكاة لحصول المقصود بذلك .


أن يذبح غير الإبل مضجعة على جنبها ، ويضع رجله على صفحة عنقها ليتمكن منها ؛ لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين ـ وفي رواية : أقرنين ـ فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما يسمى ويكبر فذبحهما بيده . رواه البخاري . ويكون الإضجاع على الجنب الأيسر، لأنه اسهل للذبح، فإن كان الذابح أعسر وهو الأشدف الذي يعمل بيده اليسرى عمل اليد اليمني ، وكان اليسر له أن يضجعها على الجنب الأيمن، فلا بأس أن يضجعها عليه؛ لأن المهم راحة الذبيحة.

وينبغي أن يمسك برأسها ويرفعه قليلاً ليبين محل الذبح، وأما الإمساك بيدي الذبيحة ورجليها عند ذبحها لئلا تتحرك، فظاهر حديث أنس السابق أنه لا يستحب؛ لأنه لم يذكر أن أحداً امسك بها عندما ذبحها النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو كان مشروعاً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم ثم نقل عنه لأهميته كما نقل عنه وضع قدمه على صفاحهما ، بل صرح النووي في شرح المهذب أنه يستحب أن لا يمسكها بعد الذبح مانعاً لها من الاضطراب، إلا أنه ذكر استحباب شد قوائهما الثلاث وترك الرجل اليميني ولم يذكر له دليلاً، وابدي بعض المعاصرين حكمة في إرسال قوائمها وعدم إمساكها بأن من فوائد إطلاقها وعدم إمساكها أن حركتها تزيد في إنهار الدم وإفراغه من الجسم، ولا أعلم للإمساك بيدي الذبيحة ورجليها عند ذبحها أصلاً سوى ما سبق من حديث أبي الأشد عن أبيه عن جده في السبعة الذين اشتركوا في أضحية وتقدم ما فيه، وأما لي يد الذبيحة من وراء عنقها كما يفعله بعض العامة فلا أصل له، ولا ينبغي فعله؛ لأنه تعذيب للبهيمة بلا فائدة ولا حاجة.


5- استكمال قطع الحلقوم والمريء والودجين، وسبق الكلام على ما يشترط قطعه من هذه الأربعة، ولا يتجاوز قطع هذه الأربعة.

6- عرض الماء عليها عند الذبح، ذكره بعض الشافعية ولم يذكروا دليله، ولا أعلم له أصلاً، لكن لو علم منها طلب الماء مثل أن تري الماء فتحاول الذهاب إليه فلا ينبغي منعها منه حينئذ.

7- أن يواري عنها السكين، يعني يسترها عنها بحيث لا تراها إلا ساعة ذبحها، قال الإمام أحمد رحمه الله: تقاد إلى الذبح قوداً رفيقاً، وتوارى السكين عنها، ولا يظهر السكين إلا عند الذبح ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أن توارى الشفار . اهـ . الشفار جمع شفرة وهي السكين . وفي مسند الإمام أحمد عن معاوية بن قرة عن أبيه أن رجلاً قال : يا رسول الله ؛ إني لأذبح الشاة وأنا ارحمها أو قال : إني لأرحم الشاة أن أذبحها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( والشاة إن رحمتها رحمك الله )). وفي الصحيحين عن أسامة ابن زيد رضي الله عنه في قصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إنما يرحم الله من عباده الرحماء )) .

8ـ زيادة التكبير بعد التسمية فيقول : بسم الله والله أكبر ؛ لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين يسمي ويكبر . متفق عليه . وعموم كلام الأصحاب أن زيادة التكبير سنة في ذبيحة القربان وذبيحة اللحم .

ولا تسن الزيادة في الذكر على التسمية والتكبير لعدم وروده ، ولا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هنا ؛ لأنه غير لائق بالمقام ، وذكر في (( شرح المهذب )) عن القاضي عياض أنه نقل عن مالك وسائر العلماء كراهة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا : ولا يذكر عند الذبح إلا الله وحده .


أن يسمي عند ذبح الأضحية أو العقيقة من هي له ؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم عيد الأضحى ، فلما انصرف أتى بكبش فذبحه فقال : (( بسم الله والله أكبر ، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي )) . رواه أحمد وأبو داود والترمذي

وإذا ذبحها ونوى من هي له بدون تسمية أجزأت النية ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى )) .

والتسمية المشروعة هي ما ذكرناه من تسمية من هي له حال الذبح ، وأما ما يفعله بعض العامة من مسح ظهر الأضحية مرددين اسم من هي له ، فلا أعلم له أصلا ، ولا ينبغي فعله ؛ لأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد علمت كيفية تسميته .


10ـ أن يدعو عند ذبح الأضحية بالقبول ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ، ويبرك في سواد ، وينظر في سواد ، فأتي به ليضحي به فقال لها : (( يا عائشة ، هلمي المدية )) ثم قال : (( اشحذيها بحجر )) ففعلت ، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال : (( بسم الله ، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد )) رواه أحمد ومسلم . وقولها : ثم ذبحه ثم قال : بسم الله متأول بمعنى : ثم شرع في ذبحه أو هيأه للذبح أو بأنه على التقديم والتأخير ، والله أعلم .


وأما مكروهات الذكاة فهي :

أن يذكيها بآلة كالة ؛ لمخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإحداد الشفرة ولما فيه من تعذيب الحيوان ، وقيل : يحرم ذلك .

أن يحد السكين والبهيمة تنظر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تحد الشفار ، وأن توارى عن البهائم . رواه أحمد وابن ماجه ، ورأى رجلا أضجع شاة وهو يحد شفرته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لقد أردت أن تميتها موتان ، هلا حددتها قبل أن تضجعها )) . رواه الحاكم والطبراني . ولأن حد الشفرة وهي تنظر يوجب إزعاجها وذعرها ، وهو ينافي الرحمة المطلوبة .


أن يذكيها والأخرى تنظر إليها ، هكذا قال أهل العلم ، وذلك ؛ لأنها تنزعج إذا رأت أختها تذكى بنحر أو ذبح ، فإنها تشعر بذلك كما هو مشاهد ، فإنك ترى القطيع أو الذود ينفر إذا نفرت منه واحدة وإن لم ير السبب الذي نفرت منه .


أن لا يفعل ما يؤلمها قبل زهوق نفسها ، مثل أن يكسر عنقها ، أو يبدأ بسلخها ، أو يقطع شيئا من أعضائها قبل أن تموت ، وقيل : يحرم ذلك ، وهو الصحيح لما فيه من الألم الشديد عليها بدون فائدة أو حاجة ، وعلى هذا فلو شرع في سلخها ثم تحركت وجب عليه أن يمسك حتى يتيقن موتها .


أن يوجهها إلى غير القبلة عند الذبح ، ذكره الأصحاب ولم يذكروا دليلا يوجب الكراهة ، والأصل عدمها ، وترك المستحب لا يلزم منه الكراهة ؛ لأن الكراهة حكم وجودي يحتاج إلى دليل وإلا لقلنا : إن كل من ترك شيئا من المستحبات لزم أن يكون فاعلا مكروها ، ولا شك أن الأولى توجيه الذبيحة إلى القبلة لاسيما الذبح الذي يتقرب به إلى الله كالأضحية .


انتهى

 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top