الشراكة ألأورومتوسطية: المغرب، الجزائر وتونس نموذجا

CYRINE

:: عضو مُشارك ::
إنضم
3 أكتوبر 2009
المشاركات
218
نقاط التفاعل
2
النقاط
7
مقد مة :
سنحاول من خلال هذه الورقة تقييم العلاقات الأورومتوسطية بشكل عام، والأورو- مغاربية بشكل خاص ، هذه العلاقات أصبحت تكتسي أهمية خاصة بالنسبة للجانبين وذلك للأسباب التالية :
1- أسباب جيواستراتيجية : تعرف مختلف مكونات حوض البحر الأبيض المتوسط ، أي أوروبا والمغرب الكبير (المغرب العربي) والشرق ألأوسط ، عدة تحولات اقتصادية وسياسية وجيواستراتيجية ، هذه التحولات أصبحت تشكل تحد يات بالنسبة لدول المنطقة ولمجتمعاتها ، فارضة عليها ضرورة التفكير والمبادرة المشتركة لبناء مستقبل يحول حوض البحر الأبيض المتوسط إلى مجال حقيقي للحوار والتقارب والنماء والتضامن المتبادل. وأول هذه التحديات ، هو ترسيخ " السلام والاستقرار" وذلك عن طريق الإصلاح السياسي والدفاع عن حقوق الإنسان وتطويق كل أشكال التطرف ، بالإضافة إلى الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تبدو أكثر حدة من غيرها.
2- أسباب اقتصادية : الخاصية الأساسية لحوض البحر الأبيض المتوسط ، هو عدم وجود توازن بين شمال غني يعرف تقدما متواصلا في مختلف المجالات ، وجنوب يعاني من صعوبات اقتصادية واجتماعية ومؤسساتية ، هذا الخلل قد يتزايد ويتعمق ، مما سيشكل مصدرا حقيقيا لتهديد التوازنات على صعيد المنطقة ، وأكثرها خطورة بالنسبة لمستقبل الجنوب المتوسطي هو مجموعة من التحديات أولهما : التحدي الديموغرافي و الغذائي ، التحدي الاقتصادي والتجاري بالإضافة إلى التحدي العلمي والتكنولوجي.
والمعطيات الأكثر دلالة لهذا الخلل بالنسبة للتحدي الديموغرافي هو تقرير للأمم المتحدة في هذا المجال(1)
إن ساكنة شمال حوض البحر الأبيض المتوسط عرفت تزايدا ، بلغ مقدارها 193 مليون نسمة سنة 2000 ، بعدما كان هذا العدد 162 مليون نسمة سنة 1990 (31 مليون نسمة ) ،
في حين عرف سكان جنوب ضفة البحر الأبيض المتوسط ، 235 مليون نسمة خلال نفس الفترة، بعدما كان هذا العدد 188 مليون نسمة فقط سنة 1990 ( 47 مليون نسمة).
و من المرتقب انه في أفق سنة 2025 سيشكل سكان فرنسا واسبانيا واليونان وايطاليا ويوغوسلافيا سابقا 36 % من مجموع سكان الحوض المتوسطي ، في حين سيشكل سكان المغرب والجزائر وتونس ومصر وليبيا وتركيا وسوريا ما لايقل عن 60 % من مجموع سكان المنطقة ، وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموارد اعتمادا على الناتج الوطني الخام للسكان بالدولار الأمريكي للسنوات القليلة الماضية ، سنلاحظ أن المعادلة تناهز 1 إلى 5 بين الشمال والجنوب المتوسطي.
أما إذا اعتمدنا معيار مؤشرا للنمو البشري ، والذي يأخذ بعين الأعتبارالدخل الفردي ومستويات الصحة والتربية والحريات ، فإن المعادلة تصل نسبتها من 1 إلى 10. كما أن طبيعة عدم التوازن هذا بين الموارد والسكان داخل حوض البحر الأبيض المتوسط لها انعكاسات متعددة على نمو واستقرار المنطقة.
- الانعكاس الأول : يبرز على المستوى البيئي بشكل يبعث على القلق ، ويتجلى هذا:
- في الاستغلال غير المعقلن للموارد الطبيعية
- وفي الندرة المتزايدة للماء والطاقة
- وفي صعوبة التحكم في تدبير النفايات على اختلاف أنواعها.
هذه الظواهر لها انعكاسات خطيرة على المستوى الاقتصادي ، وعلى مستوى حماية النوع البشري والحيواني والنباتي في المنطقة المتوسطية.
- الانعكاس الثاني : يهم التشغيل والهجرة من الجنوب نحو دول شمال البحر الأبيض المتوسط.
وهكذا أصبحت قضايا الهجرة في القوانين والممارسات السياسية لأغلب دول الإتحاد من أهم القضايا الأمنية التي ما فتئت تتصاعد فيها الإجراءات في العشر السنوات الأخيرة ، من تضييقات على نظام التأشيرات ، وطرد فردي وجماعي في أحوال المخالفات(2)..
ومن بين الوسائل التي تستخدمها في هذا المجال ، مراقبة تأشيرة الدخول مراقبة صارمة. وقد أصبحت معاهدة شنغن Schengen وما تتضمنه من قواعد وآليات ، وسيلة للحد من هذه الهجرة عن طريق فرض نظام التأشيرة على الأفراد القادمين من خارج أوروبا ، وتعقيد شروطها ، فأصبحت قضية الهجرة حاليا تطرح علامات استفهام كبيرة ، باعتبارها ارتبطت بصميم الاقتصاديات في دول شمال وجنوب حوض المتوسط .
وهذه الظاهرة بدأت تقرر سلوكات سياسية لاحضارية ذات آثار جذب سلبية على طبيعة ومستوى تطور علاقات الاتحاد الأوروبي بباقي الأطراف وخاصة دول المغرب الثلاث.
من هنا تنظر دول الجنوب المصدرة للهجرة إلى الإجراءات الاحترازية من قبل الشمال كأضرار بمصالحها الحيوية ، وإمعان في تكريس الفوارق التنموية العالمية ، فضلا عن كونها تعبر عن توجه معاكس لدينامية التحرير والانفتاح التي تطبع العولمة ( حرية تنقل الرساميل ، الخدمات ، البضائع ، المعلومات….) والتي أرستها كثير من الاتفاقيات ، كاتفاقية المنظمة العالمية للتجارة ، والتجمعات الجهوية للتبادل الحر ، ( إعلان برشلونة ). بل إن أهداف دول الشمال الحقيقية ، هو فتح أسواق الشريك النامي من جهة ، ومحاصرة التدفقات البشرية الواردة منه من جهة ثانية ( الضفة الجنوبية للمتوسط بالنسبة للإتحاد الأوروبي) هذا مع الأسف الشديد هو الواقع الذي تعيشه دول البحر الأبيض المتوسط.
مؤتمر برشلونة : جاء مؤتمر برشلونة لصياغة الإشكالية المتوسطية بمضامينها وأبعادها الحقيقية، ولبلورة مقاربة لبناء وتأطير العلاقات ما بين ضفتي المتوسط ، على قاعدة من التعاون المثمر والتوازن الاقتصادي والاجتماعي . ومما لاشك فيه فإن الأهمية الإستراتيجية للمجال المتوسطي ، باعتباره معبرا حيويا ، يعطي لقضية الأمن والاستقرار أبعادا مترامية ، تتجاوز محيطه الإقليمي وتتعدى مصالح بلدانه وشعوبه لتطال قضايا الأمن والاستقرار والتعاون في العالم بأسره.
ومما لاشك فيه ، فإن الإكراهات الظرفية ، السياسية منها والاقتصادية لأوربا من جانب ، والاعتبارات الإستراتيجية على مستوى المجال المتوسطي من جانب آخر، قد أديتا بالإتحاد الأوروبي إلى التعجيل بوضع المبادرة قيد التنفيذ ، ذلك أن انشغالات الأمن والإستقرارفي المحيط الأوروبي ، في ظل شروط الكساد الاقتصادي والتوترالأجتماعي ، وتفاحش ظواهر التطرف والعنف والهجرة السرية الخ.... ومضاعفات هذه السلبيات على مستوى العلاقات الأوروبية المتوسطية ، الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية ، كل ذلك حذا بالأوروبيين إلى البحث عن إطار جديد للعلاقات مع بلدان الجنوب، باعتباره الطرف الآخر في إشكالية الأمن والأستقراربالمنطقة. فمؤتمر برشلونة اليوم يضع دول حوض المتوسط الشمالية منها والجنوبية ، أمام تحد دقيق ينطوي على رهان بالغ الدقة ، بالإضافة إلى المفارقة في الأوضاع الاقتصادية والاختلال في المستويات الاجتماعية والثقافية وغير ذلك. ومن هذا المنطلق فان تفعيل المبادرة الأوروبية في مجال العمل المشترك من أجل خلق ( فضاء متوسطي) آمن ومستقر، يتطلب أن تعكس ( الشراكة الأوروبية المتوسطية ) التي يمثل مؤتمر برشلونة منطلقا لتحديد مضامينها ، وصياغة قوالبها ، وبرمجة ديناميكيتها.
- الإشكاليات الحقيقية القائمة في المجال المتوسطي ، بلوغا إلى تحديد المقاربات الناجعة لمعالجتها ، بما يضمن توفير الشروط الموضوعية والذاتية لتجاوز الهوة السحيقة التي تفصل اقتصاديا واجتماعيا ، الضفة الجنوبية عن الضفة الشمالية للمتوسط ، لهذه الأسباب جاء المؤتمر بمضامين جديدة تتركز في ثلاثة محاوراساسية:
1- المحور الأول سيا سي : الهدف منه هو تقوية الحوار السياسي بين الدول الأورومتوسطية والعمل على دمقرطة المؤسسات السياسية بدول الجنوب .
2- المحور الثاني اقتصادي ومالي : يهدف إلى تنمية العلاقات ، ودعم التعاون الاقتصادي والمالي بين مكونات هذه المنطقة ، وذلك عن طريق تقريب مستويات نموها ، والتقليص من الهوة الكبيرة التي تفصل بين دولها.
3- المحور الثالث الذي تضمنه مؤتمر برشلونة : هو المجال الاجتماعي والثقافي والإنساني .
فيما يخص التعاون الاقتصادي والمالي ، أكد الإعلان على ضرورة تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة ودائمة
- التقليص من الفوارق بين دول الضفتين، ولتحقيق هذه الأهداف أقر الإعلان مجموعة من التدابير التي يجب اعتمادها من بينها :
- إقامة شراكة متوازنة اقتصادية ومالية عن طريق إنشاء منطقة للتبادل الحر الأورومتوسطية في أفق 2010 ، ( ومع الإستعدادلإقامة منطقة تبادل حر مع الإتحاد الأوروبي ، المقررة العام المقبل بناء على اتفاقات الشراكة التي وقعت عليها ثلاثة بلدان مغاربية مع الإتحاد ، يبدو الأمر أكثر إلحاحا كون النسيج الاقتصادي المحلي مهدد بسبب إدارته التقليدية وصغر حجمه وضعف إمكاناته التكنولوجية والتسويقية .
- تفعيل التعاون الاقتصادي بجميع أشكاله.
الجانب المالي، كان هو الآخر من بين المرتكزات الأساسية الذي تعهد به الإتحاد الأوروبي توفيره ، وذلك من اجل التأقلم مع ظروف وشروط الشراكة الجديدة .
بالمقابل ، فان دول الجنوب تتعهد بإجراء مجموعة من التعديلات الأساسية على بنياتها وعلى جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، تمهيدا لتوفير الشروط الضرورية لنجاح هذه الشراكة وتوسيع مجالاتها.
وتتعلق النقطة الأساسية في برنامج الإتحاد الأوروبي فيما يتعلق بهذا الدعم ، تخصيص أو رصد غلاف مالي يناهز خمسة الآلف مليون دولار لمدة خمس سنوات. وهو ما اصطلح عليه بصندوق ميدا1 (1 MEDA). إلا أن الدول المستفيدة اعتبرت هذا الغلاف ضئيلا بالنظر لجسامة الحاجيات التي تتطلبها عملية التأهيل (3).
في جميع الأحوال يصعب تقييم الآن مستقبل هذه الشراكة وتأثيراتها المستقبلية على دول المنطقة . الذي يمكن تأكيده هو انه رغم الصعوبات التي تعرقل عملية تطبيق مقتضيات إعلان برشلونة الذي يهدف إلى تحقيق التكامل المطلوب بين مكوناتها والحد من الفوارق التي تعرقل تقريب مستويات دول الشمال ، بدول الجنوب .
جانب آخر أكثر أهمية ، قد يؤثر على تحقيق هذه الشراكة ، هو عدم وجود استقرار سياسي في المنطقة المتوسطية بشكل عام . بالإضافة إلى الخصاص الكبير الموجود في رؤوس الأموال واليد العاملة المؤهلة في غالبية الدول .
الشراكة الأورومتوسطية وتطور العلاقات المغاربية فيها :
بالنسبة لتطور هذه العلاقات مع البلدان المغاربية الثلاث ( المغرب ، الجزائر وتونس ) ، فإن ارتباطها بالشمال يرجع أساسا إلى العلاقات التاريخية التي جمعت بين هذه الأخيرة وأوروبا منذ الفترة الاستعمارية ، حيث أصبحت منذ استقلالها أكثر انفتاحا عليها ، وكذلك الأقرب نوعا ، مقارنة مع باقي الدول الأخرى في المنطقة .
المغرب وتونس من السباقين إلى اتفاقيات مع الإتحاد الأوروبي بناء على مضامين مؤتمر برشلونة ( كانت تونس أول بلد متوسطي وقع على اتفاق شراكة مع الإتحاد الأوروبي عام 1995 لكنه لم يدخل حيز التنفيذ سوى اعتبارا من عام 1998 ، فيما كان المغرب البلد الثاني الذي وقع على اتفاق مماثل عام 1998 ، ولم تتوصل الجزائر إلى اتفاق شراكة مع الأوروبيين سوى عام 2005 ) . وبالتالي قبولها التقيد بالشروط التي تضمنها هذا الإعلان خاصة الجانب المتعلق بإعادة الهيكلة والتقويم ، وبالأخص في المجالات ألاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، تمهيدا لتحسين قدراتها التنافسية وبناء اقتصادياتها استعدادا للانفتاح الكامل على دول المنطقة. هذه الدول رغم ضعف مستويات نموها مقارنة مع الدول الأوروبية ، ومعاناتها من البطالة وقلة فرص الشغل ، وضعف مرد وديتها خاصة في المجال الصناعي ، إلا أنها تتوفر على العديد من المؤهلات التي تمكنها من الدخول بقوة في هذه الشراكة بالنظرالى توفرها على احتياط كبير من المحروقات ( الجزائر ) ، وعلى إنتاج فلاحي موجه أساسا للتصد ير ،
( المغرب وتونس ).
إن العديد من النقاط الحساسة والملفات العديدة ، ما زالت موضع خلاف دائم بينهما ، حيث تم إقصاء المنتوجات الفلاحية من منطقة التبادل الحر (المغرب)(4) .
فمشكل تحرير القطاع ألفلاحي ، وحرية تنقل الأشخاص في المنطقة الأورومتوسطية ، وهما يشكلان إحدى النقاط الغامضة في هذه الشراكة ، باعتبار أنها تدخل ضمن المجالات الحساسة التي يرغب الاتحاد الأوروبي في الحفاظ عليها وحمايتها. لكن التحليل المنطقي للأمور يقتضي بالنسبة للإتحاد الأوروبي ، رفع العراقيل التي تحول دون تحرير قطاع الفلاحة ، وان يسمح لسكان هذه البلدان بالتنقل في جميع أرجاء المنطقة ، ما د منا نتحدث في إعلان برشلونة عن مسالة الاندماج الاقتصادي وتحقيق التقارب بين جميع مكونات منطقة البحر الأبيض المتوسط.
هناك مشكل آخر، يتعلق أساسا بالاستثمارات الأجنبية الأوربية ، الشيء الذي يمكن تفسيره بعوامل عدة ، منها :
ضعف السوق المتوسطية ، وانعدام الاستقرار السياسي بالمنطقة ، بالإضافة إلى هشاشة الجانب الاجتماعي ، وغياب البنيات التحتية ، والانسجام المطلوب في النصوص القانونية لغالبية دول المنطقة ، وكثرة التعقيدات الإدارية بشكل يجعل من عملية تسهيل الاستثمارات في المنطقة أمرا جد معقد ومكلف بالإضافة إلى :
عدم الاستقرار السياسي ، خاصة في منطقة الشرق الأوسط .
وهناك جانب آخر مهم هو مسألة التعاون في المجال العلمي والتكنولوجي ، التي بقيت لحد الآن إحدى النقاط المهمشة على ارض الواقع ، حيث نص الإعلان على ضرورة العمل بتدعيم التعاون في هذين المجالين.
فالإقلاع الاقتصادي للدول المغاربية مرتبط بشكل كبير بالمعطيات التالية:
n الأزمة الاقتصادية العالمية التي عرفتها هذه البلدان في فترة الثمانينيات ، والتي تسببت في انخفاض أسعار المواد الأولية ، التي تشكل العمود الفقري لاقتصاديات هذه الأخيرة.
n مشكل المديونية الذي يشكل أهم العقبات أمام تطور اقتصاديات هذه البلدان.
n التبعية الشبه التامة للدول المغاربية ( المغرب وتونس ) والتي تعود أسبابها إلى عوامل خارجية ، مرتبطة أساسا بانخفاض أسعار المنتوجات الفلاحية ، ومعاناتها مع العراقيل الجمركية ، التي تحد من قدرتها التنافسية في الأسواق الأوروبية ، خاصة بعد انضمام كل من البرتغال واسبانيا إلى حظيرة السوق الأوربية المشتركة آنذاك ( 1986 ).
n انعدام استراتيجيات اقتصادية متوازنة ومنسجمة مع المعطيات الداخلية لبلدان المنطقة ، وقادرة على التأقلم مع الوضعية الحالية للاقتصاد العالمي ، الشيء الذي يفسر إلى حد كبير تعدد الانتكاسات الاقتصادية والعجز الحاصل في الموازين التجارية لهذه البلدان.
n انعدام الاكتفاء الذاتي في كثير من القطاعات الحيوية ( كالفلاحة مثلا).
n انعدام التكتلات الإقليمية ، والتي بواسطتها تستطيع استيعاب التناقضات التي تجمع دول المنطقة ، وخلق نوع من التوازن في العلاقات ، وثقلا اكبر في المفاوضات ، لذا يجب العمل على خلق تكتلات جديدة في المنطقة ، ودعم التكتلات الموجودة ، وتوسيع مجالاتها لتمكينها من أداء دورها بالشكل المطلوب ، الشيء الذي لن يتم إلا بتجاوز التناقضات التي تعرقل السير السليم لمهامها ، خاصة مسالة الصراعات السياسية والاعتبارات الأيديولوجية وتغليبها على الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية كما هو الحال بالنسبة لدول المغرب الكبير.
الجانب الآخر الذي يمكن أن نفسر به فشل اتحاد الدول المغاربية في القيام بالدور المنتظر به ، في ظل التحولات التي تعرفها التجارة العالمية حاليا ، والعلاقات الأورومتوسطية بشكل خاص ، هو انعدام تكامل اقتصادي فيما بينها . فان غياب الاندماج الاقتصادي واستمرار الحواجز الجمركية ، يضيع على المنطقة فرصا هائلة للاستثمار الدولي (5)، بسبب العوائق التي تحول دون تنقل السلع ورؤوس الموال ، نتيجة إغلاق الحدود البرية وأحيانا تناقض التشريعات في مجال الاستثمارات. وتقدر خسائر المنطقة من وقف العمل بمعاهدة اتحاد المغرب العربي بعد 18 سنة من إعلان تأسيسه من قبل القادة المغاربة الخمس في مؤتمر القمة بمراكش في فبراير1989 بنحو 16 مليار دولار (6) .
وتسجل معظم الخسائر في الإقتصادات المغربية والجزائرية ، ويتضرر السكان الحد وديون من هذه الوضعية التي يستفيد منها تجار التهريب. لذلك فتحقيق نوع من التوازن بين الشمال والجنوب يقتضي من الدول المتوسطية بشكل عام والدول المغاربية بشكل خاص دعم التكتلات الاقتصادية والإقليمية ، وتقوية التعاون في المجالات المختلفة ، للضغط على الإتحاد الأوربي ،
و دفعه للأخذ بعين الأعتباروضعيتها كدول لاتملك من المؤهلات ما يمكن أن يؤهلها للدخول في شراكة من هذا النوع . وعليه فمسألة دعم التكتلات الجهوية أو الإقليمية من الأمور الضرورية التي يجب أخذها بعين الاعتبار ، وذلك للتخفيف من تبعية دول المنطقة للإتحاد الأوربي الذي يحاول من خلال إعلان برشلونة دفع هذه الأخيرة إلى القبول بالشروط التي تدخل في إطار السياسة العامة التي يتبناها لتحقيق
استمرا يته ، وتجاوز العقبات التي تعرقل تقدمه مقارنة مع القوى الاقتصادية الكبرى الأخرى . ذلك أن الآليات التي سطرها إعلان برشلونة لحد الآن ، لايمكن أن تسمح للدول السائرة في طريق النمو في المنطقة من تطوير نفسها كما أن المساعدات
الممنوحة لذلك لا يمكن أن تفي بكل أغراضها. وتحقيق إقلاع اقتصادي متوازن في بلدان اغلب ساكنتها يعانون من الفقر الشديد والأمية ، وتفشي ظاهرة البطالة (7).
بالإضافة إلى اعتمادها على أنماط اقتصادية تقليدية نوعا ما مقارنة مع بلدان الشمال التي منحت لمنتجاتها ( الصناعية خاصة ) مجالات أوسع وفرصا أكثر للدخول لأسواق الجنوب ، دون مضايقات التي يمكن أن تسببها الحواجز الجمركية والسياسات الحمائية. في حين أن المنتوجات الفلاحية التي تكون العمود الفقري لاقتصاديات دول الجنوب لا تملك نفس الامتيازات ، مما يعني غزوا اقتصاديا جديدا ، شعاره التقارب والوحدة والحوار، لكنه في الحقيقة استغلال من نوع جديد ، وضمان اكبر قسط ممكن من مناطق النفوذ الاقتصادي ، تمهيدا لإغراق الأسواق الداخلية للدول الأورومتوسطية بالمنتجات الأوربية ، وبالتالي ضمان مجالات جديدة لتسويق آليته ، وخلق مجتمعات استهلاكية في إطار العولمة ، والنظام الاقتصادي الجديد .
القطب الثالث في المنطقة المتوسطية تكونه دول المشرق ( سوريا- لبنان- الأردن- وإسرائيل ). هذه الدول لاتملك نفس المؤهلات التي تتمتع بها الدول المغاربية سواء على مستوى الانفتاح الاقتصادي على الدول الأوروبية ، أو على مستوى قطاعاتها الحيوية ، باعتبار أن القطاع ألفلاحي فيها يعاني من مشاكل عديدة وعلى رأسها عدم توفره على قدرة تنافسية عالية على صعيد الأسواق العالمية ، الرابط الوحيد بينها وبين الدول المغاربية السابقة الذكر، هو توفرها على العديد من المقومات التي يمكن أن تؤهلها لتحقيق إقلاع اقتصادي سريع ومتوازن ، رغم الصراعات السياسية التي تجتاح المنطقة وعدم الاستقرار الذي يحد من وجود تعاون إقليمي خاصة الصراع العربي الإسرائيلي.
- الجزء المتبقي من دول المنطقة الأورومتوسطية التي يهمها إعلان برشلونة يتعلق بدول مثل : تركيا - ألبانيا - قبرص – مالطا ، بالإضافة إلى الدول التي كانت تكون سابقا يوغوسلافيا . فقبرص ومالطا يستفيدان من موقعهما الجغرافي كصلة وصل بين شمال المنطقة وجنوبها ، وكذلك كعضوين رسميين في الإتحاد اعتبارا من فاتح مايو 2004 ، لكن صغر حجمهما لايسمح لهما بالتأثير على التوازن في المنطقة الأورومتوسطية بشكل عام
- أما الدول المنبثقة عن تفكك الجمهورية اليوغوسلافية سابقا فقد تضررت بشكل كبير من آثار الحرب الأهلية فيها ، والنزاعات السياسية والأيديولوجية وبالتالي فهي تعيش فترة بناء ما هدمته الحرب فيها.
فبالنسبة لكرواتيا وسلوفينيا (سلوفينيا عضو في الإتحاد منذ 2004 ) فهما يتبنيان نهجا اقرب نوعا ما من النهج والسياسة العامة للإتحاد الأوروبي ، ولهما علاقات وطيدة مع ألمانيا ، تغنيهما لحد الآن عن الانفتاح على المنطقة الأورومتوسطية .
أما صربيا ، فبعد التغيير الذي حدث فيه أخيرا تستطيع أن تقيم علاقات جديدة مع المنتظم الدولي ومنها الإتحاد الأوروبي الذي بدأ يخلق مع دول البلقان " عملية الاستقرار والشراكة ".
أما ليبيا التي كانت تصنف من قبل الإتحاد الأوروبي خارج إطار الدول المغاربية السابقة الذكر لوضعيتها الخاصة ، فهي مرشحة في المستقبل القريب لإقامة علاقات مع المنظومة الدولية وبالتالي تبقى احد العناصر التي يمكن أن يكون لها تأثير كبير في مستقبل المنطقة بشكل عام ، نظرا لتمتعها بقدرات اقتصادية كبيرة ، وعليه فان المنطقة الأورومتوسطية تعاني من اختلال كبير في العلاقات بين مكوناتها ، وتناقضات اقتصادية واجتماعية وثقافية صارخة ، بالإضافة إلى غياب الاستقرار السياسي والعسكري فيها ، مما يحد نوعا ما من إمكانيات تحقيق الأهداف المسطرة في إعلان برشلونة ، ومن احتمالات إيجاد أرضية مشتركة ترضي جميع الأطراف المكونة لها.
فحظوظ نجاح الشراكة المتوسطية يتوقف على أسس ثابتة ، تأخذ بعين الإعتبارجميع الحيثيات التي يتطلبه هذا النجاح . بدءا القيام بعدد هائل من الإصلاحات للاستجابة لمتطلباتها ، باعتماد العديد من الوسائل على رأسها محاولة وضع أسس سوق حرة في المنطقة والاستعانة بالدعم المالي من الإتحاد الأوروبي طيلة فترة الانتقال بالإضافة إلى تحديث البنيات الاقتصادية.
إن إنشاء منطقة للتبادل الحرفي المنطقة المتوسطية ليس هدفا في حد ذاته ، بل هو مجرد وسيلة لتدعيم العلاقات بين مكونات المنطقة ، والتقليص من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بينها لتحقيق تقدم دائم عن طريق دعم جميع أشكال التعاون الإقليمي ، تمهيدا لتحقيق عملية الاندماج الاقتصادي بين الدول الأورومتوسطية من جهة وبين الاقتصاد العالمي من جهة ثانية.
 
.
إن إنشاء منطقة للتبادل الحرفي المنطقة المتوسطية ليس هدفا في حد ذاته ، بل هو مجرد وسيلة لتدعيم العلاقات بين مكونات المنطقة ، والتقليص من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بينها لتحقيق تقدم دائم عن طريق دعم جميع أشكال التعاون الإقليمي ، تمهيدا لتحقيق عملية الاندماج الاقتصادي بين الدول الأورومتوسطية من جهة وبين الاقتصاد العالمي من جهة ثانية.
وكذلك التقليص من الفوارق الدينية هذا شيء مؤكد فلننتبه0
شكرا لك
 

المواضيع المشابهة

لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top