مدينة ندرومة عبر العصورج3

وفي 8 مارس 1842، زحفت على ندرومة كتيبة تحت قيادة الجينرال" بيدو" (Bedeau) معززة بخيالة دواير مصطفى بن اسماعيل ؛فاستسلمت جماعة من سكان ندرومة.

امتنع الجنرال بيدو من اقتحام المدينة؛ وسلمت المدينة للفرنسيين 12 رهينة حرية؛ 6 منها من ندرومة وأخرى من بني مسهل.

ولكن بني منير لم يدفعوا أيّ رهينة، لأنّ رئيسهم كان قد استلم بتلمسان : ومصطفى بن اسماعيل هو الذي عيّن الرّهائن ; وقد عرض القائد الغماري ، والقاضي حمزة بن رحّال نفيسها بنفيسها ليكونا من عدد الرّهائن . وفي تلك الأثناء أصبحت قيادة ندرومة تحت رئاسة الحاج محمّد النّقّاش وفي سنة1843، عاد الأمير إلى ناحية ندرومة ، وحاصرها ووقع إشتباك بين جيشه والجيش الفرنسي تحت قيادة « Bedeau » في باب تازة قرب ندرومة في الطّريق المؤدّي ألى مغنية : انتهى باحتلال ندرومة من جديد ورجوع ... الفرنسيين إليها. وفي سنة 1844 ، بعد معركة إسلي ، أقامت فرنسا مركزا عسكريا بالغزوات تحت إشراف الكولونيل مونتانياك Montagnac) (.

وفي سبتمبر1845تكبد مونتانياك خسائر فادحة وهزيمة شنعاء وأعدم جيشه بضريح سيّدي إبراهيم قرب ندرومة ويبعد عنها بـ 18 كلم ، وكان القائد النقّاش وسيطة بين الفرنسيين ورؤساء القبائل الفائزة لنواحي ندرومة ، وبعد معركة سيدي إبراهيم ،عزل من منصبه ، وعاد الحاج حمزة من رحال إلى منصبه السّابق . وقد تأثّرت معركة سيدي إبراهيم.المقاومة ...

وكانت جيوش الأمير عبد القادر تتردّد مرارا

هذه المدينة ونواحيها ، وقد خرجت جيوش ... لمّا توجّه إلى معركة سيدي، إبراهيم سنة1845 م

وفي يوم 24 سبتمبر 1847 ، بعد محاصرة شديدة ، وسدود حميع المنافد على الحدود إستلم الأمير عبد القادر للجنرال قرب ضريح سيدي إبراهيم ، تحت نخلة لازالت قائمة لحد الآن ، وبها لوحة سجل عليها تاريخ الإستلام.

ومن هناك سيق الأمير إلى الغزوات وحمل على متن باخرة المنفى وكان قائد مدينة ندرومة أنداك السيّد الحاج بوزيان الغماري الدي صار صهر الحاج حمزة.

وبعد هده الحوادث ، استمرّت البلدة تسيّر نفسها بواسطة جماعة من أعيان المدينة على شرط أن توافق عليها السّلطات الإستعمارية وبعد ذلك صارت القيادة على يد الحاج الأحسن ... من عرش بني منير ، ثمّ عين آغا ندرومة وترارة ، وتوفي سنة 1858 عند إرسال حملة على بني وفي تلك السّنة خلفه الحاج حمزة بن رحال قائدا على الغزوات : وذلك سنة 1860 م ، 29 رمضان 1276 هــ.

ولم تبقى للجماعة المسيرة للبلدة ، أيّة حرية في تصرّفاتها : حيث أصبحت تحت حكم السّلطات الإستعمارية : وتحت تصرّفاتها . وفي سنة 1880 م ، أصبحت ندرومة بلدية مختلطة ، وأصبح رئيس الجماعة يحل محلّ آغا ومعترف به من طرف السّلطات الفرنسية . كان تحت تصرّف مدينة ندرومة سبعة دواوير بني مير ، بني مسهل ، السّواحلية ، زاوية. من الحوادث التي أقلت الشعب الجزائري ، ومن ضمنه سكان مدينة ندرومة ونواحيها ، قضية التجنيد العسكري الإجباري ، حيث أثار التجنيد الإجباري ضجّة كبيرة ووقعت مظاهر صاخبة يوم الخميس 25 أفريل 1912، وفي ليلة 21 ماي وقعت محاولة قتل قائد عرش جبالة . وقامت ضجّة أخرى يوم الخميس 23 مارس ثار السّكان إثرها ، ونودي للجهاد في سبيل اللّه.

ولمعارضة هذا التجنيد ، هاجر كثير من السّكان إلى الخارج ، وفرّوا إلى الجبال . فقد أثارت هذه القضية مشاعر السّخط في كل أنحاء البلاد (1) ساءت الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية خلال العشرينات والثلاثينات والأربعينات.

وفي سنة 1932 : قام الإمام عبد الحميد بن باديس ، بجولة زار خلالها مدينة ندرومة والمدن المجاورة لها (2)

وقام الشيخ البشير الإبراهيمي بزيارة إلى تلمسلن يوم الخميس من يبتمبر 1949م ، وبات ليلة السّادس منه بندرومة ، ثم عاد إليها يوم 11 سبتمبر 1949م لأفتتاح مدرسة "عبد المؤمن بن علي" التابعة لحركة جمعية العلماء وبهذه المناسبة أقيم مهرجان كلّه بهجة وحماس : واسبشرا الأهالي بهذه المبادرة الطيّبة ، واستقبلت الوفود بجمعية الآمال بحفاوة ، وكان لهذه المدرسة الحرّة الأثر البالغ في تكوين الشباب وتثقيف وتهذيبه وتوعية الجماهير التي أقفلت أبوابها للسّطات الإستعمارية يوم الأربعاء 7 مارس 1956 بأمر من عامل العمالة ، إثر حادثة قتل وقت في ....... تميّزت فترة الخمسينات بظهور نشاط إجتماعي وسياسي وثقافي ، فقامت الحركة الإصلاحية بدور فعّال في المساجد والمدرسة الحرّة .

أحدثت يقظة وتوعية عن طريق التّدريس ، وإلقاء دروس الوعظ والإرشاد وبت الرّوح الوطنية ، وتوجيه الشعب توجيها عربيا إسلاميا وطنيا .

وقامت حركة جمعية العلماء الطّرقيّة والإنحراف الدّيني : وأحدثت ضجّة كبيرة لدى الطريقتين المتزمنين الذين أصبحوا من المنبوذين : وكانت عداوة حادة بين الإصلاحيين والطرقيين.

وكان مدير المدرسة الحرة الشيخ عبد الوهاب بن منصور ، من الرواد الدين ساهموا في بعث اليقظة العربية الإسلامية عن طريق التّدريس في المدرسة والمسجد ، فبدأت الأذهان تنفتح ، والعقول تبحث عن غداء جديد في الفكر الإسلامي .

ولعبت الكشّافة الإسلامية دورا بارزا في تعليم الأبناء ، وتكوينهم تكوينا وطنيا . فكانت الجمعية والكشفيّة تعلّم الأناشيد الوطنية الّتي تعرف بالشّخصية الإسلامية ، وتحت عللى التّضحية وحبّ الوطن .

ولاشكّ أن تلك الشبيبة الّتي تعلّمت في المدرسة الحرّة ، وتكونت في الكشافة الإسلامية ، أنها كانت طليعة المجاهدين إبّان الثورة ، وهي من الإطارات الساميين في الحكومة الجزائرية.

وزيادة على الدّور الذي قامت به الحركة الإصلاحية والكشفية ، هناك الهيئات والحركات السياسية التي كان لها الدور الهام في توعية الجماهير ، وبثّ الرّوح النّظالية فيهم ، كانت توجد بالمدينة فرق من حركة إنتصار الحريّات الدّيموقراطية (M.T.L.D) وفرّقمن حزب الإتّحاد الدّيموقراطي للبيان الجزائري (U.D.M.A) وفئات أخرى من هيئات سياسية مختلفة .

وهكذا دبّ النشاط واليقظة خلال الخمسينات وتتغيّرت الأوضاع الإجتماعية وأصبحت واعية بالأحداث ، تنتظر بفارغ الصّبر إندلاع الثورة التحريرية الكبرى.

ندرومة إبّان الثورة التحريرية:

بعد تجربة النّضال السّياسي ، وبعد مرور مرحلة من النضج السياسي اتّضح للشّعب أنّ الثورة المسلّحة هي الوسيلة الوحيدة لنيل الإستقلال والحريّة . يعتبر قيام الثورة المسلّحة فاصلا تاريخيا هاما بين عهد الإستعباد وعهد الحرية والكرامة .

كانت مدينة ندرومة وقرارها على إستعداد ومهيئة لخوض غمار الثورة التحررية في يوم 15 أكتوبر1953 ، بدأت بوادر العمل الثوري ، حيث صرع حاكم المدينة بضربة عصا إلى الرأس وجرح شرطي وجمركي ، ووفعت مظاهرة ، صاخبة ألقي خلالها القبض على خمسين شخصا ، وذلك في شهر فبراير 1954 ، واستمر النّضال سريّا إلى اندلاع الثورة ، محدثنا عن بداية الكفاح في هذه الناحية ، أحد قادة جيش التحرير بهذه المنطقة وهو الصاغ الأول السي رشيد ، أحمد المستغنيمي ، أدلى بهذه المعلومات خلال الملتقى الأول لتاريخ الثورة.

يقول : وبعد تقسيم المناطق ، جاء الأخ العربي بن مهيدي ، والأخ بو الصوف والحاج بن علة ، ووقع الإتصال وسطرنا معهم خطّة العمل لتكوين خلايا عسكرية وسياسية ، ومن حسن الحظّ وجدنا رجالا في تلك المرحلة تربطنا وإيّاهم روح الثقة والكفاح . وهذه الخلايا توجد بعرش السّواحلية وبني منير وعرش جبالة ، ومسيردة ، مغنية وتلمسان ، وجبال سبدو وبلعبّاس ، وهذه الخلايا يشرف على تدريب أعضائها ، الأخ الزماني الأخضر وحمدون ، وسليمان ، وفرطاس مصطفى ، وبجبال تلمسان كان الأخ يحي ، وفراح وعمي بلحسن وجماعة أخرى من المناضيل : ووقعت بهذه الأعمال وهذه المواقف في أوّل نوفمبر 1954 .

عمليات عديدة في غرب البلاد ... أمّا المناطق التي لم تعلن اإن

دلاع مع أنّها منظّمة ومهيّأة للعمل غير أنّها تمّ فعل ذلك إمتثالا لأوامر القيادة ولأسباب ضرورية حفاظا على طريق مرور الأسلحة الواردة عن طريق المغرب ، وسهل لنا ذلك إدخال شحنة باخرة من سلاح أتتنا بمرسى كبودياوي بالمغرب في شهر فبراير 1955 ، ولحسن الحظّ كان المجاهدون في إنتظارها وكانت البلاد مهيّأة لإدخالها ، كما وقع عليها التدريب مدّة من الزّمن الإنقضاض على العدوّ. وفي شهر جوان جاءتنا شحنة أخرى في المكان المذكور ، ووقع تقسيمها في جبال ندرومة ، وجبال بلعبّاس ثمّ بعد ذلك وقع الهجوم على العدوّ في 2 أكتوبر 1955 ، حيث هجم المجاهدون على حراية الليل وشن آخرون هجوما على مركز عسكري على بعد خمس كلم

(5 كلم) عن ندرومة عللى جانب الطريق المؤدّي إلى مغنية في المزرعة التي كان جيش الإستعمار مقيما بها وجرت هجومات أخرى على مزارع المعمرين في الأيام الموالية.

وفي شهر أكتوبر 1955 وقعت حملة تفتيّشية واسعة ، في حين سيدي عبد الرّحمن الموجودة في جنوب البلدة : ألقي القبض خلالها على عدّة أشخاص.

في السّابع نوفمبر 1955، جرت معركة بجبل زكري المطل على أراضي جبالة . وفي 19 فبراير 1956 وقعت عمليات ح الصبابنة ، فرّ عدد من الجنود الجزائريين إلى صفوف جيش التحرير، وكبدوا خسائر في العتاد الذي أخدوه وأعطوه إلى المجاهدين.

وفي السابع مارس 1956 ، عند مرور عامل العمالة بمدينة ندرومة. تمّ إلقاء القبض على عدّة شخصيات من جمعية العلماء ، ومن عمالة البلدية الممزوجة وفي يوم الخميس 10 ماي 1956 ، وقعت حملة تفيتشية عبر المدينة ، لم ينجى منها أي ساكن ، وحدثت عمليات للإرهاب والقمع إزاء الأهالي .

وفي الخامس عشر جويلية سنة 1956 ، وقعت معركة أولى بجبل فلاوسن ، واستمرت طيلة يومين ، كما جرت الإشتباكات والأعمال الفجائية في هذه المنطقة الجبلية (أنظر سلسلة المجاهدين في 3 أجزاء).

ووقع إشباك ألزجة في ناحية فلاوسن في أوائل أكتوبر 1956. ويوم الجمعة 30 نوفمبر 1956، تفجّرت قنبلتان في ندرومة بمسكن الربي جزيرة : وبمختبر محمد ميدون قتل إثرها 26 موتى ، وأصيب 10 أشخاص بجروح.

وفي بداية شهر جانفي 1957 : وقعت حملة تفتيشية في كهوف المنطقة ، وتعرّض سكان المدينة ، إثر الإضراب الذي وقع في هذا الشهر عبر أنحاء الجزائر ، تعرّضوا خلال هذا التفتيش إلى الزجر والقمع والسّجن .

وفي يوم الأحد 3 فبراير 1957 تفجرت قنبلتان في البلدة في بيت المعمّر ساهوت Sahut : وأخرى بمحطّة النفط لليهودي ليفي ، عدم بمفعولها وقتلى من اليهود وأصيب عدد بالجروح.

وفي 20 أفريل 1957 ، في العشرين من رمضان ، وقعت معركة فلاوسن تكبّد العدوّ هزيمة شنعاء .

وفي يوم الإثنين 12 أوت 1957 شنّ العدوّ عملية إجرامية أطلق جيوشه من السينغاليين نار شاشاتهم على جموع من النّاس في السّوق وعلى تلاميذ المدرسة وهذه الجريمة : ذهب ضحيتها أكثر من خمسين منهم رجال ونساء وشيوخ صبيان.

لم ينساها سكان ندرومة على مدى الدّهر ، وأصبحت تسمّى الملحمة العظمى بيوم سوق الإثنين بوهران.

بعد هذه الجريمة فترة هدوء ، وبقيت نيران الثورة ملتهبة فيى الجبال ، والقرى ، واستمرّت الإشتباكات في أولاد حسنة بوادي السباع وفي بداية جانفي 1957، في زاوية سيدي بن عمر في فبراير 1957 ، ويوم 2 ماي في أولاد داود ، وفي 3 ماي 1957 في تاجرة ، ببني عابد ، وقد أصبحت على إثرها بجروح خطيرة.

وفي سيدي سوفيان سيدي وارسوس ، يوم 22 جوان 1957 ، وبما أنّ هذه المنطقة ، تمتدّ من الحدود المغربية إلى ولهاصة ، يعتبر موقعها إستراتيجية هامّة جدّا لإنّها معبر للأسلحة والمعدّات ، وبوّابة لكل أنحاء القطر منها يدخل الثوالر إلى الجزائر ويخرجوا إلى المغرب ، ولدى عرفت هذه المنطقة ضغوطا وحصارا شديدا من طرف القواة الإستعمارية.

حيث شهدت إشتباكات دامية عديدة عند محاولة عبور الحدود المفروشة بالألغام، والأسلاك الشائكةالكهربائية التي تسمى بخط موريس (Morisse) التي وضعت لعرقلة عبور المجاهدين ، وحصدت هذه الألغام العديد من الثّوار الأبطال ، منهم الصاغ الثاني الحنصلي ورناقة – رحم اللّه الشّهداء الأبرار.

هكذا يبدو لنا أن أبرز خصائص الثورة التحريرية أبعادها الشعبية ؛ فانظم فيها مختلف فئات الشعب من فلاحين وعمال وشباب ونساء وأظم مجاهدي هذه المنطقة من النواحي المجاورة ؛ ومن البلدة أثناء الثورة؛ ومنهم من كان يقطن بالمغرب قبل 1954.

وكانت مشاركة المرأة في النضال مشاركة فعالة؛ حيث استقبل جيش التحرير المرأة المجاهدة بكل فخر واعتزاز؛ وعاملها باحترام وتقدير. وكانت توجد بالمحطة مجاهدة



أما التي تعيش وسط سكان القرى فهي تقوم بمعالجة المدنيين؛ وكانت المجاهدة تؤدي أدوارا إنسانية لتحسين وضع المجتمع الريفي؛ وقد شاركت مثل أخيها المجاهد في الاشتباكات و المعارك؛ واستشهدت في سين الشرف، مثل الشهيدة عويشة الحاج سليمان المدعوة فوزية.

ولعبت المرأة الريفية دورا حاسما أثناء الثورة؛ فهي تتسم بالكرامة والجود والشجاعة والروح الوطنية؛ كانت تقدم تأييدا مستمرا لجيش جبهة التحرير؛ حيث أن الأخبار و الاتصالات و المأوى و التموين كانت تؤديها باستمرار إلى الثوار. واستقبلت المجاهدات بكل ترحيب وبدون كلل أو ملل وتعرضت لقمع العدو الفرنسي وللسجن و التعذيب و التقتيل؛ فما حزنت لرؤية ابنة الشهداء؛ وديارها المخربة، أثبتت صمودها أمام حرب الإبادة وأساليب التعذيب؛ وبقيت تناضل إلى أن انتصرت البلاد من براثن الاستعمار وبقيت مدينة ندرومة مسرحا للنشاط الثوري إلى أن استرجع الشعب الأبي استقلاله وعزته
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top