واحات إيمانية ..

ابن غرداية الباهية

:: عضو مُتميز ::
إنضم
17 فيفري 2009
المشاركات
665
نقاط التفاعل
5
النقاط
17
واحات إيمانية .. هي واحات يحتاجها كل مسلم منا
هي واحات غفل عنها البعض
هي واحات نود تطبيقها في حياتنا

الواحة الأولى:-

" ولئن شكرتم لأزيدنكم"عندما أمر الله سبحانه وتعالى بالسجود لآدم عليه السلام ، أطاع الملائكة هذا الأمر ونفذوه ، إلا إبليس أبى فكان جزاؤه الطرد واللعنة ، لكنه لم يكتف بسماع أوامر الطرد والامتثال ، إنما قام بكل وقاحة يسرد خطته لإغواء بني آدم الذي طرد بسببه ..
"لأقعدن لهم صراطك المستقيم (16) ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين(17)".(الأعراف)
فهنا يكشف إبليس حقيقة تخفى عن كثير من الناس وهي أن معظم الناس لا يقومون بشكر الله ، والناجي منهم هو الذي يقوم بأداء الشكر .​
فلنتأمل قليلاً الآية التالية " اعملوا آل داود شكرا"
لم يقل الله تعالى " قولوا آل داود شكرا" بل قال اعملوا
لم يا ترى ؟؟
لأنه أراد أن يبين لنا حقيقة الشكرة ، وأنها لا تتم إلا بالعمل بما أمرنا الله به والابتعاد عما نهانا عنه .
إذاً فالشكر هو الأداء العلمي للعبادة ,، وليس كما يظن البعض أنه ثناء باللسان وتمتمة بعد الصلوات أو بعد الشبع من الطعام .

والآن بعد أن عرفنا معنى الشكر ، فلنلتف إلى رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم- قدوتنا في هذه الحياة ، ولنرى تطبيقه للشكر وهو من غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر منه ..
فهاهي أم المؤمنين تعجب من قيامه حتى تتفطر قدماه، وتسأله بتعجب :"تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟" فيقول عليه أفضل الصلاة والتسليم : " أفلا أكون عبداً شكوراً"..

فلم لا نكون نحن من عباد الله الشاكرين ؟؟!!
ولماذا لا نجعل من رمضان هذا العام بداية لتطبيق مفهوم الشكر ؟؟!!
ويبقى السؤال موجهاً إليكم :-

• كيف يمكننا تطبيق الشكر وبأفكار إبداعية مميزة؟؟!!




الواحة الثانية :-

التوكل على الله

معناها :-
هي كلمة يقولها كثير من الناس في كل صباح. ويقولونها في مناسبات كثيرة ، ولكن .. قليل من يفقه معناها ، وقليل من هذا القليل الذي يطبقها ويحولها من ألفاظ ومعان إلى واقعه الذي يحياه بينه وبين نفسه وبينه وبين الله وبينه وبين الناس ..
فالتوكل إذا : هو تفويض الله بكل أمر من أمورك ، وهو الثقة بالله والإيمان بقدرته وقوته وعلمه.​


هل تعلم لم لبث يوسف في السجن بضع سنين ؟؟!!!

يرجح الإمام ابن القيم في تفسيره أن عقاب الله ليوسف عليه السلام بأنه لبث في السجن بضع سنين جاء من استعانته ببشر قبل استعانته بالله وذلك قوله للذي ظن أنه ناج منهما ( اذكرني عند ربك) أي عند سيدك الملك ( فأنساه الشيطان ذكر ربه ) أي أن الشيطان أنسى يوسف عليه السلم الاستعانة بذكر ربه الحقيقي واستعان بغيره ، لأن غيره لا حول له ولا قوة وغيره مهما ملك من القوة والسلطان والعج والعتاد فإنه لا يتعدى أن يكون عبداً من عبيده حركاته وهمساته وإذادته كلها تحت إرادة الله وقدرته..

ياليتنا معهم ...
هنيئاً للمطبق لهذا المعنى الإيماني الكبير ( التوكل) في كل جزئية من حياته، فإن البشارات تأتيه تترى ..
أولها : رجاء أن يكون من السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب .. كما جاء في الصحيحين والذين جاء من صفاتهم ( وعلى ربهم يتوكلون).

ثانيها: ترك الشرك ، وترك الالتفات لغير الله فيزداد بذلك عزة.
ثالثها: يزداد رضا بما يقدر الله ، وهو الاستسلام الكامل القلبي لله سبحانه وتعالى.
رابعها: يزول من قلبه كل أثر للخوف من المخلوق ، الذين قيل لهم ( إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ).
خامسها : زيادة الهداية والوقاية من كل شر والكفاية من كل حاجة، وذلك لقوله – صلى الله عليه وسلم – " من قال – يعني إذا خرج من بيته – بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، يقال له – هديت ووقيت وكفيت ، فيقول الشيطام لشيطان آخر : كيف لك برجل قد هدى وكفى ووقي ) رواه الترمذي وصححه الألباني ..
أبعد كل هذا نتوكل على غير الله ، ونطلب المعونة من غيره ؟؟!!!!
فلنعيد ترتيب أولوياتنا ، ولنجعل الله هو الأول في حياتنا
فإذا استعنا ، لا نستعين بغير الله
وإذا سألنا ، لا نسأل غير الله..

الواحة الثالثة:-

الخشوع المفقود

إن الظواهر التي بدأت تظهر على الكثير من قسوة للقلب ، وقحط للعين ، واضطراب للجسد ، وانعدام للتدبر ، بسبب المادية التي طغت على قلوبنا فأصبحت تشاركنا في صلاتنا، وقراءتنا للقرآن ، حتى إذا أحدنا لا يكثر من قراءة القرآن،و إن أكثر فلا يعي قلبه ما يقرأ ، وإن قام أسرع بالصلاة ، ونقرها نقر الغراب.
فهذا هو أمير المؤمنين عثمان بن عفان يضع يده على الداء لهذه الظاهرة فيقول:" لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلا الله عز وجل" . فلا تكفي طهارة الجسد بالماء عن طهارة القلب من عوالق الدنيا ليحصل الخشوع المفقود.
بين الخشوع والتخاشع:-
الخشوع الحق هو استشعار لعظمة الله وأنت واقف بين يديه ، كما أنه شهود النعم الكثيرة التي أنعمها الرب ، والتي لا تحصى لكثرتها ، وبالمقابل تذكر التقصير أما هذا لكم من النعم مما يورث الحياء، ويبدأ القلب بالانكسار ، ويصل القلب إلى قمة الإنكسار عندما يتذكر ما اقترف من المعاصي ، عندها يخشع القلب وتنبه الجوارح.
أما الخشوع المغشوش فهو ما أطلق عليه الإمام بن القيم " خشوع النفاق" وهو أن تخشع الجوارح تصنعا وتكلفاً ، والقلب غير خاشع ، وكان بعض الصحابة يقول: أعوذ بالله من خشوع النفاق ، قيل وما خشوع النفاق ؟ قال: أن يرى الجسد خاشعاً والقلب غير خاشع.
مواكب الخاشعين:
لنقف معاً لحظات ، لنذكر لكم قصة ابن الزبير والذي يقول عنه يحيى بن وثاب:" إن ابن الزبير ، كان يسجد حتى تنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا حذم حائط (( أي أصل حائط ، لسكونه وطول سجوده)) ". فهو مستغرق بالسجود يناجي ربه وقد نسي كل ما على الأرض من طين ، وتعلق قلبه بالخالق كأنه يراه ، فما أجملها من لحظات !! عندما تسمو النفس إلى هذه المنزلة ..​


الدموع الغالية:

إن نيران المعاصي التي تأتي على قلب الإنسان فتحيله إلى فحم أسود ، لا يطفئها إلا تلك الدموع التي تتفجر خوفا من الحساب يوم القيامة، لذلك يقول الإمام الحسن البصري:" ما اغرورقت عين بمائها من خشية الله، إلا حرم الله جسدها على النار، فإن فاضت على خدها لم يرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة، وليس من عمل إلا له وزن وثواب، إلا الدمعة من خشية الله فإنها تطفئ ما شاء الله من حر النار..." ...هاهي نيران المعاصي والغفلة قد اشتعلت ، وحالت بيننا وبين الخشوع ،،

فلم لا نطفئها بالدموع الغالية ونبدأ المسير؟؟!

الواحة الرابعة:-

العجوز الشمطاء--محبة الدنيا

" عن العلا بن زياد قال: رأيت الناس في النوم يتبعون شيئاً فتبعته، فإذا عجوز كبيرة هماء عوراء عليها من كل حلة وزينة، فقلت ما أنت؟ فقالت: أنا الدنيا. قلت : أسأل الله أن يبغضك إلي . قالت : نعم إن أبغضت الدرهم"
حب المال هو العنصر الرئيسي لحب الدنيا، والنفس بطبعها محبة للمال، وإن صاحب المال يحب أن يزيد ماله كما لا يحب أن ينقص، لأن الشيطان أنساه أن هذا المال ملك لله يعطيه من يشاء وينزعه ممن يشاء، كما أنه فتنة للنا إلا أولئك المدركون لحقيقة المال، الذين مدحهم الله بقوله" ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" ، فلم يقبلوا أن يكونوا عبيداً لأنفسهم ،وأبوا إلا أن يكونوا هم السادة الاحرار من قيود النفس فنالوا واستحقوا الفلاح في الدنيا وفي الآخرة.
صمود أبو حنيفة :-

هذا هو الإمام أبو حنيفة أحد أولئك الذين انتصروا على نفوسهم، ولم يدخلوا في قلوبهم حبيباً غير الله، ورفضوا بعد ذلك أن يذلوا ويخضعوا لغيره سبحانه وتعالى، يأمر له المنصور ( بعشرة آلاف درهم، وكان المتولي لإعطاء ذلك، (( الحسن بن قحطبه))، فلما أحس أبو حنيفة بأنه يرسل بها إليه أصبح لا يكلم أحداً كأنه مغمى عليه، فأتى في ذلك اليوم بالدراهم، فجاء بها رسول الحسن بن قحطبة، فدخل بها عليه، فقالوا له: ماتكلم اليوم بكلمة. فقال: كيف أصنع؟ قالوا : انظر ما ترى
فوضعها في مسجده في ناحية البيت، فانصرف، فمكثت تلك البدرة في ذلك الموضع حتى مات أبو حنيفة، فلما مات كان ابنه حماد غائبا، فقدم بعد موته فحمل البدرة، فأتى بها باب الحسن بن قحطبة، فاستأذن فأذن له فدخل فقال: إني وجدت في وصية أبي: إذا دفنت فخذ هذه البدرة التي في زاوية البيت فأت بها الحسن بن قحطبة، فقل: هذه وديعتك التي كانت عندنا)
هذا من الرجال الذين أدركوا حقيقة المال فتعامل معه على هذا الفهم.​


أقوال:-

قال الحسن البصري:" ابن آدم . مالي مالي ، هل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت، أو أعطيت فأمضيت"
وقال الامام ابن القيم: " الدنيا جيفة ، و الأسد لا يقع على الجيف".​


لذات الدنيا:-

إن هؤلاء الذين أدركوا حقيقة الدنيا وفتنتها، ففضلوا الآخر عليها إنما انطلقوا من حقيقة زوال هذه الدنيا وخلود الجنة ونعيمها ، فقارنوا بين هذه وتلك، فقدموا الباقي على الفاني، فكل ما في الدنيا مؤقت ، حتى لذاتها مؤقتة، ولا تحصل إلا بعد تعب ونصب، يوضح هذه الحقيقة الإمام ابن الجوزي فيقول :" وليس في الدنيا أبله ممن يطلب النهاية في لذات الدنيا، وليس في الدنيا على الحقيقة لذة، إنما هي راحة من مؤلم".


الواحة الخامسة:-

الواعظ الصامت

هو ما يفتأ صمتاً لا يتكلم، ولكن صوته في أعماق الناس أعلى من صوت الواعظ الجهوري الصوت ، لا يملك العبارات المنمقة المصفوفة، ولكن منظره أعمق من كل عبارات الوعاظ. لا يحرك يديه ولا وجهه ميمنة وميسرة ليجذب جمهور المستمعين والمشاهدين لخطبته، لأن الجاذبية تركزت فيه، تجذب القلوب قبل الأجساد، ما هو إلا تلك ((( الحفرة ))) التي سينام بها الانسان، عندما تتوقف الآلة التي كان يعمل من خلالها، بعد أن ينتهي من أداء الاختبار الذي كلف به، ليرى النتائج الأولية للاختبار في تلك الحفرة بعد أن يستقر بها ، فما ذلك الواعظ الصامت إلا تلك ((( الحفرة ))) التي تسمى ((( القبر ))).

الرافعي يناديه:-

أو هو كما يناديه مصطفى صادق الرافعي رحمه الله (( واها لك أيها القبر! لا ترال تقول لكل انسان تعال، ولا تبرح كل الطرق تفضي إليك، فلا يقطع بأحد دونك، ولا يرجع من طريق راجع، وعندك وحدك المساواة، فما أنزلوا قط فيك ملكا عظامه من ذهب ، ولا بطلاً عضلاته من حديد، ولا أميراً جلده من ديباج، ولا وزيرا وجهه من حجر ، ولا غنياً جوفه خزانة، ولا فقيرا علقت في أحشائه مخلاه)).

الهاربون من الموت:-

و بسبب تلك القساوة والغفلة، يمعن البعض بعدم سماع أي شيء يذكرهم بالموت، ظانين بذلك أنهم سيفلتون من الموت، أو يضللونه أثناء الطريق فيخطئهم، هذا التفكير الطفولي يرد عليه الله سبحانه وتعالى بقوله :" قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم".
يقول الرافعي :" من يهرب من شيء تركه وراءه، إلا القبر فما يهرب منه أحد إلا وجده أمامه ، هو أبدا ينتظر غير متململ، وأنت أبدا متقدم إليه غير متراجع".

التراب الصامت:

فزيارة الواعظ الصامت ، من أكبر أسباب تقوية القلب ، وإزلة تلك الغشاوة، فأنت عندما تذهب إلى المسجد يوم الجمعة تستمع إلى واعظ واحد، فالمصلون كثيرون والواعظ واحد، ولكن الصورة قد تنقلب في المقبرة، حيث تتحول كل القبور إلى وعاظ، وأنت تستمع إليهم في آن واحد، فالمستمعون قليل والوعاظ أكثر، وهذه حالة فريدة لا تكون في أمور الدنيا إلا في ذلك المكان! يقول الرافعي : " فتحنا القبر وأنزلنا الميت العزيز الذي شفي من مرض الحياة ، ووقفت هناك، بل وقف التراب المتكلم يعقل عن التراب الصامت ويعرف منه أن العمر على ما يمتد محدود بلحظة ، وأن القوة على ما تبلغ محدودة بخمود ، وأن الغايات على ما تتسع محدوجة بانقطاع ، وحتى القارات محدودة بقبر!...".
ولولا قساوة القلوب ، والانشغال بالوسائل التي تعين على أداء الهدف من الهدف الذي خلقنا من أجله، لتكر الإنسان عند ولادة كل مولود اليوم الذي يدفن فيه ، فكما يقول ابن الجوزي:-
"عبر مهد الطفل عنوان اللحد" فكما يلف الطفل المولود بقطعة بيضاء من الثياب، ويوضع في المهد بلا حراك ، فكذلك الميت يلف بقطعة بيضاء هي آخر ثوب يلبسه بالدنيا، ليبقى في مهد الأرض دون حراك إلى يوم البعث.


الواحة السادسة:

حقيقة البؤس والنعيم

روى مسلم في " صحيحه" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في النار صبغة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول : لا والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول : لا والله ما مر بي بؤس قط . ولا رأيت شدة قط".
أشد الناس بؤساً :وهنا نجد المؤمن من أهل الدنيا ، الذي كان يعيش حياة مليئة بالبؤس من فقر مقدع، وتعذيب وتشريد واضطهاد من قومه لا لذنب سوى قوله لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا لذنب سوى أنه رفض أن يركع ويسجد لغير الله . هذا الصنف من الناس من أهل الجنة يؤتى به يوم القيامة فيغمس تلك الغمسة في الجنة ، ويسأل بعدها هل مر به بؤس أو شدة قط ؟؟
ورغم تزاحم مناظر البؤس التي مر بها وكثرتها ، ورغم المعاناة الطويلة التي عاشها ، إلا أنه وفي تلك اللحظة يقسم بالله أنه ما مر به .. ليس كذبا ولكنه شعور تملكه عندما صبغ صبغة في الجنة ، رأى من خلالها قصور الجنة ، ورأى الأنهار تطرد من تحتها أنها اللبن والعسل والخمر والماء ، في منظر لم يعهده في الدنيا ، ورأى كذلك تربتها من الزعفران ، وطينها من المسك ، وحصاؤها من اللؤلؤ ، ورأى ورأى ..... مما جعلها ينسى ذلك البؤس والشقاء الذي عاشه في الدنيا .

كيف كان يعيش؟

إنه كان يعي حقيقة الدنيا عندما كان فيها ، فكان يعيش فيها عيش الغرباء امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يكون يقول لابن عمر " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " وكان ابن عمر يقول :" إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك".

أكثر الناس نعيماً:

أما أولئك الذين لم يكونوا يشعرون بهذا الشعور فإن أحدهم مع ماكان يملك من النعيم الدنيوي ، من قصور ومال ومنصب وجاه وخدم وجند وسلاح ، إلا أنه ما إن يصبغ صبغة في النار ويرى زقومها الذي لو قطرت منه في الدنيا لأفسد على أهل الأرض معاشهم ، ويرى ضرس الكافر الذي يكون يحجم جبل واحد ، ويرى الماء الحميم يشرب منه أهل النار فتقطع أمعاءهم ، ويرى بكاء أهل النار وعويلهم وندمهم ويرى ويرى .... ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، فينسى ذلك النعيم كله ، فيقسم أنه ما مر بنعيم قط وتتضاءل في عينه مدة لبثه في الدنيا إلى أقل مما لبثه حقيقة على الأرض
اللهم اجعلنا من إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ..
يتبع
 

الواحة السابعة:

اليقظة والمتيقظون

يقول تعالى "اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (3)"
فالحساب يقترب يوما بعد يوم، وكلما ذهب يومك ذهب بعضك كما قال الحسن البصري. فالناس في غفلة عجيبة عن الهدف الذي خلقوا من أجله ، وعن الإدراك العملي لأسماء الله وصفاته، فكلنا يعلم أن من أسمائه " الرزاق" وكثير منا يخاف إن هدده بشر بقطع رزقه، وكلنا يعلم أن من أسمائه أيضاً " الضار والنافع" والكثير يخاف ويرجو غير الله ، والناس في غفلة عن اليوم الذي سيرحلون فيه من هذه الدنيا ، وفي غفلة عما سيلاقونه في القبر، وفي غفلة عن أهوال يوم القيامة ، وفي غفلة عن أمور كثيرة قد غطى حب الدنيا معرفتها وإدراكها.العمر
موسم :
يقول الإمام ابن الجوزي " ينبغي لمن عرف شرف الوجود أن يحصل أفضل الموجود . هذا العمر موسم ، والجارات تختلف ، والعامة تقول: عليكم بما خف حمله وكثر ثمنه. فينبغي للمستيقظ ألا يطلب إلا الأنفس. وأنفس الأشياء في الدنيا معرفة الحق عز وجل"
واليقظة هي علامة من علامات حب الله للعبد وإرادة الخير به لذلك كان التابعي الجليل محمد بن سيرين يقول " إذا أراد الله عز وجل بعبد خيراً جعل له واعظا من قلبه يأمره وينهاه" فكلما حاد وغفل عن إدراك ما خلق من أجله ذكره ذلك الواعظ الذي في قلبه فرجع إلى الجادة فتجده في يقظة دائمة .


اليقظة الدائمة:


ويصف الإمام ابن الجوزي صاحب اليقظة الدائمة فيقول: همة المؤمن متعلقة بالآخرة ، فكل ما في الدنيا يحركه إلى ذكر الآخرة. وكل من شغله شيء فهمته شغله.

فالمؤمن إذا رأى ظلمة ذكر ظلمة القبر ، وإن رأى مؤلماً تذكر العقاب ، وإن سمع صوتاً فظيعاً ذكر نفخة الصور ، وإن رأى الناس نياماً ذكر موتى القبور ، وإن رأى لذة ذكر الجنة. فهمته متعلقة بما ثم فذلك يشغله على كل ماتم" . فهو في يقظة دائمة يربط كل ما يراه على الأرض بالآخرة وهو يأبى أن يغفل لحظة عما خلقه الله من أجله ، وبهذا فهو في عبادة دائمة ، ومع ذلك فالمتيقظون ليسوا على مستوى واحد بل هم أقسام
أقسام المتيقظون:

منهم من يغلبه هواه ، ويقتضيه طبعه ما يشتهي ، مما قد أعاده، فيعود القهقرى ولا ينفعه ما حصل له من الانتباه. فانتباه مثل هذا زيادة في الحجة عليه.
• ومنهم من هو واقف في مقام المجاهدة بين صفين، العقل الآمر بالتقوى والهوى المتقاضي بالشهوات، فمنهم من يغلب بعد المجاهدات الطويلة فيعود إلى الشر ويختم به ، ومنهم من يَغلب تارة ويُغلب أخرى فجراحاته لا في مقتل.
• ومنهم من يقهره عدوه فيسجنه في حبس، فلا يبقى للعدو حيلة إلا الوسواس . ومن الصفوة أقوام مذ تيقظوا ما ناموا ، ومذ سلكوا ما وقفوا فهمهم صعود وترق ، كلما عبروا مقاما إلى مقام رأوا نقص ما كانوا فيه فاستغفروا"
هؤلاء هم الصفوة الذين تعلقت نفوسهم العالية بالغاية العالية فترفعت عن كل ما التصق بالطين ، هؤلاء هم الذين ذهلوا حتى عن النوم الذي يحتاجه إنسان فها نحن نسمع تلميذ ابن عباس التابعي طاوس يقول: " طيَّر ذكر جهنم نوم العابدين "​


الواحة الثامنة:

سوء الخاتمة

أورد الإمام القرطبي في كتابه " التذكرة" قصة ذلك المؤذن الذي كانت تبدو عليه بهاء العبادة وأنوار الطاعة، يقولا لقرطبي " فرقي يوما المنارة على عادته للأذان ، وكانت تحت المنارة دار لنصراني ذمي ، فاطلع فيها فرأى ابنة صاحب الدار، فافتتن بها وترك الأذان ، ونزل إليها ودخل الدار قالت له: ما شأنك ما تريد؟ فقال: أنت أريد. قالت : لماذا ؟ قال لها : قد سلبت لبي وأخذت بمجامع قلبي . قالت : لا أجيبك إلى ريبة . قال لها : أتزوجك . قالت له : أنت مسلم وأنا نصرانية وأبي لا يزوجني منك . قال لها : أتنصر . قالت: إن فعلت أفعل . فتنصر ليتزوجها، وأقام معهم في الدار . فلما كان في أثناء ذلك اليوم رقى إلى سطح الدار فسقط منه فمات ، فلا هو بدينه ولا هو بها"
"الخاتمة" أخطر محطة سيمر بها الإنسان قبل الآخرة ، فبها سيتحدد إن كان من أهل السعادة أو كان من أهل الشقاء ، " لحظات الخاتمة" هي التي أقضت مضاجع القوم ، فحرمتهم النوم الهانئ ، والعيش الهادئ ، ولم يغتروا بعبادتهم مع كثرتها ، ولا بصلواتهم مع خشوعها ، وقيامهم في الثلث الأخير من الليل ، وهم يسمعون قول نبيهم صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بخواتيمها" فيزيدهم ذلك خوفاً من الله.

ذراع من الجنة:
جاء في حديث ابن مسعود المتفق عيه قوله صلى الله عليه وسلم" فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع، فيسبق عليه كتابه ، فيعمل بعمل أهل النار. ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة".فهذا الذي عمل هذه الأعمال الكثيرة من صلاة و صيام وصدقة حتى قبل أنه من الصالحين ، يختم له بخاتمة السوء ، ويحرم من الجنة التي ما كان يحجزه عنها إلا ذراع بالفترة الأخيرة من عمره ، فينقلب ذلك النور إلى عتمة ، وذلك الصلاح إلى فجور ، وتكون أعماله التي عملها فيما قبل هباء منثوراً.
حتى يقول الرسول صلي الله عليه وسلم واصفا حال مثل هؤلاء " إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة، ثم يختم له بعمل أهل النار , وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار ، ثم يختم له بعمل أهل الجنة"

سبب سوء الخاتمة:
يقول الإمام ان القيم:" لما كان العمل بآخره وخاتمته لم يصبر ذلك العامل على عمله حتى يتم له، بل كان فيه آفة كامنة ، ونكتة خذل بها في آخر عمره فخانته تلك الآفة والداهية الباطنة في وقت الحاجة، فرجع إلى موجبها ، وعملت عملها ، ولو لم يكن هناك غش وآفة لم يقلب الله إيمانه" فهذه الآفة الكامنة التي أصابت المقتل في اللحظات الأخيرة قد تكون كسل عن أداء بعض العبادات ، وقد تكون حبا للنظر للنساء ، وقد تكون عادة بالسخرية على الآخرين، قد يكون أي شيء غير هذا لا ينتبه إليه ويحسبه صغيراً وإذا به ينمو يوما بعد يوم حتى يتحول إلى آفة تفتك به وترديه قتيلاً على أبواب حياة البرزخ.

مما قــــــــرأت

__________________
 
السلام عليكم
موضوع رائع وذو عبر
اللهم ارزقنا حسن الخاتمة
اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا
اللهم اعفوا عنا وعافينا
اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك يارب

شكرا اخي بارك الله فيك​
 
مااروعها من لوحات وما اجملها من معاني سامية
سلمت يمناك اخي ابن غرداية الباهية وتقبل مروري
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top