كنت أجلس بقربها و أستمتع بالنظر إليها و هي تُمشِّط شعرها الطويل الأسود كظلام اللّيل الحالك، الناعم ك

امير الجزائر

:: عضو مُتميز ::
إنضم
27 جوان 2009
المشاركات
543
نقاط التفاعل
1
النقاط
17
كنت أجلس بقربها و أستمتع بالنظر إليها و هي تُمشِّط شعرها الطويل الأسود كظلام اللّيل الحالك، الناعم كالحرّير، تمدّده على طول جسدها
و تربط أطرافه في إصبعي قدمها، تسرّحه و كأنها عروسُ بحرٍ تعزف على آلة الهارب (القيثارة
تغني و كم كان يطربني صوتها الدّافئ الحنون، كنت أقلّدها و أفك ضفائري الطويلة و أمدّد شعري مثلها، لكنه لا يصل إلى أخمس قدمي،
فقد كانت تنقصه بعض السنتيمات
icon.aspx
، و رغم ذلك أحاول و أُجهد نفسي حتى يؤلمني رأسي لأدرك حينها أني عبثاً أحاول،
icon.aspx

فتنظر إليّ جدّتي الحبيبة و تبتسم
icon.aspx
و تضعني بين يديها و بكل رقة و حنان تمشط شعري مواصلة غناءها،
حتى أستسلم و أنام بين ذراعيها....
كم أشتاق لها و أحّن لزمنها الجميل أسكنها الله فسيح الجنان و طيّب ثراها.
image395.gif

حتى يقلّل من حدّة البرد القارص و لكبره في السّن، كان يرتدي رداءً من الوبر به قبعة تتدلى على ظهره المنحني قليلا من أثر السنين،
كان يمّد يده خلف ظهره ليضعها في تلك القبعة و يخرج منها بعض الحلوى لكل من كان يجيب إجابة صحيحة في القسم
و حتى للذي لم يوفق في الإجابة فطيبته تعدّت كل الحدود..
لكن كان بدل أن يخرج الحلوى كان يفتح يده أمامنا ليجد كومة من الأوراق و الطباشير و الذي يخطر و لا يخطر على بال أحدهم (ليس عباس طبعا)
icon.aspx

كان يرمي بكل ذلك و يبتسم في صمت و يعيد الكرّة دون أن يغضب أو يتذمر بل أكثر من ذلك كان يقول:
"سبحان الله مع أني متأكد أني وضعت فقط الحلوى و لا أعلم من أين جاء كل هذا الخير؟!".
icon.aspx

رغم أنه كان يعلم أننا نحن من كنا ننتهز كل الفرص في غفلة منه و نضع تلك الأشياء في قبعته لأن الأمر كان ممتعاً
icon.aspx

إلاّ أنه كان يتغافل و كان يستمتع لذلك أيضاً..
كان هذا أستاذ اللّغة العربية الذي وصلني أنه التحق بالرّفيق الأعلى منذ سنوات طيبّ الله ثراه و أسكنه فسيح الجنان.
image395.gif

تحرس دوماً أن تكون أوّل المتواجدات في المدرسة الخاصة بالبنات -التي زاولت فيها مرحلتي الإبتدائية
تتابع بنفسها كل الأمور و جميع شؤونها، تعاملنا كبناتها و ليس كتلميذاتها، تعرف متى تحّن و متى تقسو علينا،
تشعر بأحزاننا و تقاسمنا أفراحنا و تسعى لإسعادانا و لو على حسابها... أتذكر يوماً دخلنا القسم فرأيناها تضع رأسها بين يديها،
فلما رأتنا رسمت إبتسامة على وجهها الشاحب، و الذي من خلاله كان يبدو أن الإرهاق و المرض نالا منه..
و رغم ذلك كانت حاضرة من أجلنا...
وزّعت علينا أوراق أسئلة الإمتحان و هي تتمنى لنا التوفيق، لم نهتم بما وضعت بين أيدينا أكثر من اهتمامنا بتحركاتها و نظراتها الذابلة كزرع جفت تربته من الماء...
خيّم الصمت في القسم و هي واقفة في وسطه كالصقر تترقب كل تحركاتنا حتى انتهى الوقت الرّسمي، جمعت الأوراق المتبقية و خرجنا جميعاً نراجع ما حدث،
و ما هي إلاّ لحظات حتى سمعنا صوت سيارة الإسعاف يدوّى أرجاء المدرسة جاءت تنقل معلمتنا التي أغمي عليها لشدة مرضها،
حينها فقط علمنا أنها كانت تعاني من ظروف صحية قاسية لكنها لم تشأ أن تتركنا حتى في أحرج حالاتها...
رغم أن المشهد كان مؤثراً إلا أنه يبقى من الزّمن الجميل؛
أين كان المعلم رمزاً للتضحية و عنواناً للعطاء و يستحق كل الإحترام و التقدير.
icon.aspx

إطمئنوا هي ما تزال على قيد الحياة و لم تمت
icon.aspx
أطال الله في عمرها و أعماركم جميعاً أحبتي في الله.
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top