قرينة البراءة الأصلية

CHEMSO

:: عضو مُشارك ::
إنضم
7 ديسمبر 2011
المشاركات
285
نقاط التفاعل
8
النقاط
7
تمارس الدولة بواسطة السلطة القضائية حقها في توقيع العقاب على المجرمين وتحقيق الردع العام للحفاظ على الأمن العام داخل المجتمع ، فتتولى سلطة الإتهام متابعة كل شخص اشتبه في إرتكابه لجريمة إذا إنعدمت دواعي الحفظ القانونية والموضوعية ، غير أنه يناط دستوريا بالدولة حماية الحقوق والحريات الأساسية والمضمونة لكل مواطن حتى و إن كان محل متابعة جزائية مادام لم تثبت بعد إدانته بموجب حكم قضائي بات صادر عن سلطة قضائية نظامية مع توفير كل الضمانات القانونية و القضائية الكفيلة بتدعيم وحماية قرينة براءته الأصلية .
ويجد مبدأ البراءة الأصلية أساسه في الشريعة الإسلامية وكذا في المواثيق والإعلانات العالمية فضلا عن تكريسه في دساتير الدول وفي قوانينها الداخلية .
فقد كرّمت الشريعة الإسلامية النفس الإنسانية وأقرت ببراءة المتهم صراحة وذلك ما يستشف من قوله صلى الله عليه وسلم :« إدرؤوا الحدود عن المسلم ما إستطعتم ، فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله ، فإن الإمام لئن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة ».
وبذلك لا تقبل الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي الجنائي دعوى مجردة من دليل ، كما يأمر الإسلام القاضي بألا يصدر حكمه الا بناءا على بينة قطعية لقوله صلى الله عليه وسلم :« إدرؤوا الحدود بالشبهات ».
لقد كانت الشريعة الإسلامية سباقة الى إقرار مبدأ البراءة الأصلية لتحذوا حذوها فيما بعد الدول الغربية بعد ظهور الأفكار التي تنادي بالحرية الفردية ، فلقد بين« بيكاريا» في كتابه « الجرائم والعقوبات ».لسنة 1864 بأنه :«لا يجوز وصف الشخص بأنه مذنب الا بعد صدور حكم القضاء »، وإعتبر «مونتيسكيو» في كتابه « روح القوانين ».«بأنه عندما لاتضمن براءة المواطنين فلن يكون للحرية وجود ».
ونظرا لأهمية مبدأ البراءة الأصلية فقد تم تكريسه في أغلب الإتفاقيات والإعلانات العالمية الدولية والإقليمية، فنصت عليه العديد من الصكوك الدولية وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 11 منه التي نصت على أنه : « كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن يثبت إرتكابه لها قانونا في محاكمة علنية تكون قد وفرت له جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه ».
وقد تضمن العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية من جهته نصا مماثلا في المادة 14/2 منه التي تنص على مايلي :« من حق كل متهم بإرتكاب جريمة أن يعتبر بريئا إلى أن يثبت عليه الجرم قانونا »، وإعتبرت بدورها المادة 40 /1 ب من إتفاقية حقوق الطفل أن قرينة البراءة ضمانة لكل طفل يدعى بأنه إنتهك قانون العقوبات .
أما فيما يتعلق بالإتفاقيات الإقليمية فقد نصت الإتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان في مادتها 06/2 على أنه :« كل شخص متهم بإرتكاب جريمة يعد بريئا حتى تثبت إدانته قانونا ». وبدورها الإتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان نصت في المادة 08/2 منها على أنه :« لكل متهم بجريمة خطيرة الحق في أن يعتبر بريئا طالما لم تثبت إدانته وفقا للقانون »، وكذا الإعلان الأمريكي في المادة 26 منه .
كما تم تكريس هذا المبدأ في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب حيث نصت المادة 07ب منه على أن:« الإنسان بريء حتى تثبت إدانته أمام محكمة مختصة » وهو الأمر نفسه الذي أكدته كل من اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب وكذا الميثاق العربي لحقوق الإنسان في المادة 07 منه .
كما تضمنت القوانين الأساسية للمحاكم الجنائية الدولية النص صراحة على مبدأ قرينة البراءة ويبرز منها بشكل خاص النص الوارد في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعروف ب «النظام الأساسي لروما ».لكونه متعلق بمحكمة جنائية دولية دائمة وأيضا لمضمونه المتميز إذ جاء في نص المادة 66 منه ما يلي« : قرينة البراءة:
الإنسان بريء الى أن تثبت إدانته أمام المحكمة ووفقا للقانون الواجب التطبيق .
يقع على المدعي العام عبء إثبات أن المتهم مذنب .
يجب على المحكمة أن تقتنع بأن المتهم مذنب دون شك معقول قبل إصدار حكمها بإدانته».
إن النص السابق الذكر لم يكتف على غرار ما جاء في المعاهدات والإتفاقيات والمواثيق السابقة بإعلان مبدأ قرينة البراءة وإنما أضاف بعض القواعد الأساسية التي تعتبر من مقتضيات قرينة البراءة وتشكل في مجموعها الحد الأدنى لضمان إحترامها .
إن الإهتمام الدولي بقرينة البراءة إنعكس على القوانين الداخلية للدول التي تبنت المبدأ في دساتيرها قصد الإلزام والإلتزام به بل أن بعض الدول لم تكتف بإعتباره مبدأ دستوريا وإجرائيا وإنما أقرته بموجب قواعد موضوعية مستقلة وقائمة بذاتها ومقترنة بجزاءات حقيقية نتيجة للمساس به . كالتشريع الفرنسي الذي تبنى قانونا كاملا ومستقلا في إطار برنامج إصلاح العدالة بموجب قانون 15 جوان 2000 «المتعلق بدعم حماية قرينة البراءة وحقوق الضحايا »
كما كرس المبدأ في القانون المدني وهذا في نص المادة 09-1 منه وإعتبره من الحقوق اللصيقة بالشخصية والتي يترتب عن إنتهاكها حق للشخص المتضرر في الحصول على التعويضات المناسبة عن الأضرارالمادية والمعنوية التي تعرض لها ، كما خول له مجموعة من الآليات والإجراءات التي تكفل له الدفاع عن قرينة براءته وحمايتها ، وفضلا عن ذلك فقد تم إدراج قاعدة البراءة الأصلية في نص المادة التمهيدية من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي بإعتبارها مبدأ أساسيا وجوهريا في الخصومة الجزائية .
وفيما يخص المشرع الجزائري فإنه بدوره قد تبنى مبدأ قرينة البراءة وكرسه في جميع الدساتير الجزائرية بما فيها دستور 96 حيث تنص المادة 45 منه على أنه : « كل شخص يعتبر بريئا ، حتى تثبت جهة قضائية نظامية إدانته مع كل الضمانات التي يتطلبها القانون .»
وإذا كان المشرع قد كرس هذا المبدأ في أسمى قوانين الجمهورية إلا أنه لم يقنن له نصوص قانونية مستقلة وقائمة بذاتها ، وبالرجوع الى قراءة نص هذه المادة الأخيرة من الدستور نجدها تتعلق بالخصومة الجزائية ومركز الشخص المتابع جزائيا والذي يعتبر بريئا طيلة فترة سير الإجراءات مادام لم يدان بعد من قبل جهة قضائية نظامية – مختصة – وهذا بعد تمكينه من كل الضمانات التي يتطلبها القانون .

الموضوع منقول للامانة
 
شكرا علي المرور الكريم
 
جـزيل الشكـر أخـي
واصـل تميـزك
سلآلآمي :re_gards:
 
بارك الله فيك علي المرور
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top