نحن العُزّل.

ابو مصعب الهاملي

:: عضو منتسِب ::
إنضم
13 سبتمبر 2012
المشاركات
44
نقاط التفاعل
15
النقاط
3
محل الإقامة
الهامل- ولاية المسيلة
القطط المريضة تكتب وصاياها بأيد غير مرتعشة، وتقصد المستشفيات تشجيعا للعلم، ودعما للعصاميين من الأطباء المفترسين.
الجائعون يقصدون مالكي الطعام طالبين الشهادة أو النصر.
الأدباء يقصدون دور النشر خجلين أنّ نتاجهم الابن غير الشرعي.
أما نحن العزّل الذين ما زلنا نتصف بقليل من الصدق والفضول، فنقصد الصرح التليد مستغيثين، واثقين بأنّه الوحيد القادر على تلبية استغاثتنا، فلم يطردنا أو يزدرينا خفية مثلما يفعل مع الناس بعض الطارئين من ذوي المناصب، بل رحّب بنا بحرارة، وقال لنا: " احكوا عمّا شئتم، واسألوا أيّ سؤال، وستكون منابري خادما مطيعا لكم"، لم نبادر في الكلام فورا، فمن تهطل فوقه القنابل والصواريخ والقوانين والقيود لا يشبه من تهطل فوقه أمطار الربيع، ولمّا تكلّمنا قلنا لهذا الصرح التليد: " بوركت من صرح، ولكن قبل الكلام لنا كلمة مع صاحب المناصب"، بدأنا كلامنا مع صاحب المناصب باكتئاب قائلين: " نحن نزرع القمح، ولكننا في موسم الحصاد لا نظفر إلا بقشر البصل، فمن المسئول؟"، قال:" اسألوا التراب، فهو وحده الذي يعرف الجواب"، قلنا:" نحن نبتهج حين نأكل حتى الشبع، وحين نحكي دون أن نُقصى، وحين ننام تحت سقف، فمتى نعرف ذلك الفرح العظيم؟"، فابتسم صاحب المناصب ابتسامة ساخرة، وقال:" لكلّ أمّة فرحها الخاص بها والمستمدّ من أحوالها، والفرح المسموح به، ليس أكثر من كلام جميل مطبوع على ورق مصقول، ولا وجود له حقيقيا، ومن يطمح إلى نيل ما هو غير موجود يفترسه الإخفاق والشقاء"، قلنا:" بيوتنا خاوية، جيوبنا خاوية، رؤوسنا خاوية، قلوبنا خاوية"، قال:" الخاوي أفضل من الملآن، فالخروف حين يكون هزيلا ينتقم من آكليه، إذ يفسد شهيتهم، ويضطرون إلى مضغ لحمه على مضض"، قلنا:" ماذا نفعل كي نظفر بالطمأنينة والرّاحة؟"، قال:" لا تطلبوا ما لا يُنال، فإذا مشيتم تعبت أقدامكم، واهترأت أحذيتكم، وإذا قعدتم تعبت رؤوسكم"، قلنا:" في كل ليلة نرى مناما واحدا لا يتبدّل، أنّ شقّنا الأيمن ينتزع منّا انتزاعا قويا، فما تفسيره؟"، قال:" عمّا قريب ستفرض عليكم ضرائب جديدة بحجّة ترضية بعض الجيران لحماية أرض الأجداد"، قلنا:" متى ننبذ التناحر ونتحد؟"، قال:" ما الفائدة من الحياة إذا ربحتم الوئام والاتحاد وخسرتم رضا الأعداء؟"، قلنا:" من المسئول الظالم؟"، قال:" ماذا قلتم؟ لم أسمع سؤالكم"، فكرّرنا سؤالنا، ولكن صاحب المناصب قال لنا:" لن أستطيع سماعه لأنّني في كثير من الأحيان أُصاب بصمم مباغت"، قلنا:" انصحنا نصح العالم الصديق"، قال دون تردّد:" اشتروا خياما وتأهّبوا لما سيأتي".
عندها قلنا لبعضنا تكلّموا في صرحكم ولا تأبهوا فمن عاش وتحميه الأسوار تلو الأسوار لا يلتفت لعزّل مثلنا، والحمد لله أنّ لنا صرحا نتنفس فيه وإلا لانفجرنا.
والسلام.
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top