في " التجديد والتطوير " عرض ونقد :

د.سيد آدم

:: عضو مُتميز ::
إنضم
28 مارس 2014
المشاركات
787
نقاط التفاعل
472
النقاط
23
(1) :
يصح القول إنه كما لا يصح لغير المتخصص في الطب ، أو الهندسة ، الكلام فيهما ، فإنه لا يصح الكلام في علوم الدين كـ العقيدة والتفسير والحديث والفقه وأصوله إلا لمن ألمَّ بها .
فباسم التجديد ، والتطوير ، كتبَ في الأمور الدينية ، والفكر الإسلامي ، نفرٌ ممن لم يتعرض لدراسات تبيّن ، ناهيك عن أن تقوّي ، حجته وبيانه .
بعضٌ من هؤلاء أثار ، ولو بشكل خفي ، شبهاتٍ حول مصادر التشريع في الإسلام ، بينما المتابع لهذا النفر يلاحظ ، دون مشقة ، عدمَ المعرفة ، ولو من بعيد ، بالعلوم الإسلامية ... فضلاً عن مناهجها ، وكل بضاعة هؤلاء الانبهار ، لحد الاستلاب ، بالمناهج الغربية ، كذا بالعلوم المادية والحضارة المعاصرة .
رفع هؤلاء الدعوةَ إلى إجراءات من قبيل : " تشذيب " ، أو تهذيب ، أو عقلنة ، الإسلام ، ليكون " متطوراً " بما يوافق " الأهواء " و " الرغبات " الإنسانية ، فأشاع القوم ضرورة أن يتلاءم القرآنُ مع " عصر العولمة " و " الألفية الثالثة " .
معظم بضاعة هؤلاء فكرٌ استشراقيٌّ ، لا يجد الدارسُ مشقة لينتهي إلى أنه فكر " فارغ " المحتوى .
ومما أشاعه القوم أن " القرآن " يختلف عن " الكتاب " بزعم اختلاف المصطلحين ( = غير مترادفين ) ... ومن باب أولى ينطلق الكلام باتجاه كل من : السنة ، التي هي ، عندهم ، صناعة يهودية ، والإجماع والقياس والفقه الإسلامي ، وبالجملة ... الأحكام الشرعية ... : " قد كانت هذه ( = أصول الأحكام الأربعة : القرآن والسنة والإجماع والقياس ) قطعةً أكاديمية تُدرّس في المعاهد المتخصصة ، حتى جاءت أزمة الدعوة الإسلامية فعمّمتْها بين الجمهور ، بحيث لم تعد مجرد قاعدة في أصول الفقه ، ولكن قاعدة للفكر الإسلامي ، لأن الفقه الإسلامي يشمل مجالات الحياة " .
وصاحب النص الوارد أعلاه يرى ، أيضاً ، أن لهذا المنهج أصلَه التاريخي والمبدئي . ورغم ذلك الأصل " التاريخي والمبدئي " ، فإنه يؤكد القصور ... : " على أن انتفاء الخطأ في المنهج ، إذا طُبّقَ تطبيقاً سليماً ، لا ينفي وجود قصور عن التوائم مع تطور الأوضاع السياسية والاقتصادية " . ثم ... : " ولا يقلُّ عن هذا أهميةً ، أن المنهج قلما طُبق تطبيقاً سليماً ؛ لأن العودة إلى القرآن اكتنفتْها تأويلاتٌ ، وتفسيراتٌ ، مجافيةٌ للقرآن ، بحيث أن المسلمين عندما أخذوا بفكرة أن هذا هو القرآن ، فإنهم ، بحقيقة الحال ، أخذوا بشيء آخر غير القرآن ، بل مما يجافي القرآن " .
• الموقف من القرآن الكريم وعلومه :
يُتْبع ...
 
رد: في " التجديد والتطوير " عرض ونقد :

• : الموقف من القرآن الكريم :
[/B][/SIZE][/FONT]
(2) :
يرى أحد " دعاة التنوير " في عالمنا العربي / الإسلامي من الحداثيين الجدد " أنه لا بد من البحث ، والتنقيب ، في القرآن الكريم " ، كما لا بد من تجاوز " منهج " الصحابة الواقف مع بعض آيات القرآن موقفَ التفويض ... : " فإذا سألني سائل الآن : ألا يسعك ما وسع الصحابة في فهم الكتاب والقرآن ؟ . فجوابي ، بكل جرأة ويقين ، هو : كلا . لا يسعني ما وسعهم ؛ لأن أَرضيّتي العلمية تختلف عن أرضيتهم ، ومناهج البحث العلمي عندي تختلف عنهم ، وأعيش في عصر مختلف تماماً عن عصرهم ، والتحديات التي أواجهها تختلف عن تحدياتهم . إنني أواجه فلسفاتٍ قويةً ومنيعةً دخلت عقر داري ، وأواجه تقدماً علمياً يؤثر على كل حركة وكل قرار أتخذه في حياتي ، وأكون متوهماً إذا قلتُ ، أو قبلتُ ، أنه يسعني ما وسعهم " .
والحقيقة التي أراها ، أن الصحابة ، رضي الله عنهم ، لم يقفوا " موقف التفويض " إلا بآيات الصفات والمتشابهات ، وفيما عدا ذلك ، فقد فسروا القرآن للناس ( وليراجع ، من يشاء ، تفسير : الطبري ، والسيوطي في " الدر المنثور في التفسير بالمأثور " والرازي في " التفسير الكبير " ) .
ويملي علينا الكاتبُ منهجيتَه ... وهو ، وهو شخص عادي ، من سبق ورفض منهج الصحابة ، وهم ليسوا " عاديين " ، فيذهب إلى أن التأويلاتِ الجديدةَ التي جاء بها غير نهائية ، وغير ملزمة للآتين بعد ... : " علينا أن لا ننسى أن التأويلات التي نؤولها في عهدنا قابلة للتطوير ، أو النقض ، على مر السنين ؛ لأن تأويلات عصرنا تقوم على أساس نسبـية معرفتنا للحقيقة . وهذا هو أهم بند علينا أن لا ننساه ، وعلينا أن نؤكد عليه للأجيال القادمة ، لكي لا تتحجر ، ولا تتزمت ، ولكي تكون روح المنهج العلمي في البحث عن الحقيقة هي المهيمنة على أجيالنا المقبلة " .
وما نراه أن " تأويلات " الرجل هي " ظنون " حول تأويل النص ، أو محاولة لبيان المراد من النص .
يرى الرجل أن طبيعة الإسلام ، وهو " دين الحنيفية " ، هي : ( " التطور " و " التغير " ( هذا " متنور " ولا يفرّق بين التطور والتغير ... كما لا يفرق بين " الدين " و " فهم " الدين ) لملاءمة أوضاع الناس وأحوالهم ) ... : " إن الإسلام دين الفطرة ، وهو دين الحنيفية المتغيرة حسب الزمان والمكان ، وحسب الأحوال الاجتماعية والاقتصادية ، وهو متطابق تماماً مع فطرة الناس ، والتي تحمل تشابهاً كبيراً مع قوانين الطبيعة " .
هذا الكلام فيه خلطٌ عجيب ؛ لأن تغير الحنيفية ، وهي متوافقة مع الفطرة ، يستلزم تغير الفطرة نفسِها . ثم من قال إن الفطرة متغيرة ؟ ... إن الله ، عزّ وجلّ ، فطرَ النفسَ الإنسانيةَ على الخير والشر معاً ... " " ونفسٍ وما سواها ، فألهمها فجورَها وتقواها " . وفطر الإنسانَ على حب الشهوات ... : " زُين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث " . وفطره ، الإنسانَ ، على حب الخير أيضاً ... " وإنه لحب الخير لشديد " .
الحنيفية لا تتغير ، ولا تتطور ؛ لأن التغير معناه فقدُ الخصائص الأولى : فحين تتحول الخمرُ إلى خل ، لا يمكن بيعها على أنها خمر ، كذلك حين يتحول أي مبدأ إلى مبدأ آخر ، لا يمكن القول إن المبدأ الجديد هو المبدأ القديم ، لأن هذا المبدأ الجديد يمكن أن يتحول إلى مبدأ ثالث ، والثالث إلى رابع ... وهكذا . وإذا قلنا إن الحنيفية تتبدل ، فهذا يعني أن الصورة التي تبدلت إليها الحنيفية ليست هي الصورة الأولى التي كان عليها أبو الأنبياء إبراهيمُ عليه السلام .
ويضيف صاحب النص نفسِه أن العرب لم يهتموا بفهم القرآن ، بل هجروه . ويعلل ذلك بعدم توفر أدوات البحث العلمي لديهم . وهو يسوّي ، في الهجران ، بين الكافرين وأكابر ، وأفاضل ، الصحابة رضي الله عنهم ... كالخلفاء الراشدين ... : " لقد اهتم العرب بفهم الرسالة اهتماماً شديداً ، وأعطوْها كل وقتهم وجهدهم ، وجاهدوا في نشرها بين الأمم . ولكنهم لم يهتموا بفهم القرآن ، لأن القرآن بحاجة إلى تفرغ ، ووضع حضاري معين ، وبحث علمي . لذا قال تعالى " وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث " . قال : ( على الناس ) ولم يقل على الذين اتقوا . فكلما زادت معاهد البحث العلمي ، وزاد عدد المتفرغين لهذا البحث ، وزاد عدد الاختصاصات ، زاد فهم الناس للقرآن . هذه الشروط لم تكن متوفرة في عهد النبـي صلى الله عليه وسلم . وهذه الظاهرة وردت في سورة الفرقان بقوله : ( وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ) . فقوم الرسول هم العرب ، كل العرب . لاحظ قوله ( إن قومي ) إذ لم يقل : إن الذين كفروا من قومي ، ولو عنى المسلمين لقال أمتي ، لأن العرب قومه ، والمسلمون أمته . هذه الآية تنطبق على العرب جميعاً ، بما فيهم الصحابة والخلفاء الراشدون من أبي بكر الصديق إلى علي بن أبي طالب " .
هكذا يسوق " متنورنا " اتهاماً للصحابة رضي الله عنهم . وقد لا يعلم أن اتهام هذه الكوكبة بعدم فهم القرآن ، وبهجرانه ، وجعلهم مع الكافرين في مستوى واحد ، هو باطل للآتي :
1- أن القرآن الكريم قد نزل بلغة هؤلاء ، وهم كانوا أكثر علماً باللغة منه ، ولذلك كان القرآن الكريم ينتقل ، لديهم ، من " النظري " إلى " العملي " مباشرة ، ولا يبقى الواحد منهم يدور في دائرة من الجدل عقيمة . هذا ، إضافة إلى أن القرآن الكريم قد أثنى عليهم بما لا يحتاج معه إلى مزيد .
2- أن القرآن الكريم ، في المقام الأول ، كتابُ هداية ، وهو موجّهٌ ، من الله عز وجل ، إلى خَلْقه على اختلاف مستوياتهم العلمية والثقافية والمعرفية ، ومن ثم لا يُعقل أن يكون " العلماء " هم ، وحدهم ، الذين يفهمونه ، بينما العامة تبقى هاجرةً له ... : " لمّا كان مقصود الشرع تعليم العلم الحق والعمل الحق ، وكان التعلم صنفين : تصوراً وتصديقاً ، وكانت طرق التصديق الموجودة للناس ثلاثاً : البرهانية والجدلية والخطابية ، وطرق التصور اثنتين : إما الشيء نفسه . وإما مثاله ، وكان الناس كلهم ليس في طباعهم أن يقبلوا البراهين ولا الأقاويل الجدلية ... فضلاً على الأدلة البرهانية ، ، مع ما في الأقاويل البرهانية من العسر والحاجة في ذلك إلى طول الزمان لمن هو أهل لتعلُّمِها ، وكان الشرع مقصوده تعليم الجميع ، وجب أن يشتمل الشرع على جميع أنحاء طرق التصديق وأنحاء طرق التصور . ولما كانت طرق التصديق منها ما هي عامة لأكثر الناس ... أي حصول التصديق من قِبلها ... وهي : الخطابية والجدلية ، والخطابية أعم من الجدلية ، ومنها ما هي خاصة بأقل الناس وهي البرهانية ، وكان الشرع مقصوده الأول العناية بالأكثر مع عدم إغفال تنبيه الخواص ، كانت أكثر الطرق المصرح بها في الشريعة هي الطرق المشتركة للأكثر في حصول التصور التصديق " .
3- أن لفظ " قومي " الذي يتذرع به صاحب النص هو من باب " إطلاق العام " و " إرادة الخاص " ، بمعنى : الذين كفروا من قومي اتخذوا القرآن مهجوراً ، وهذا معروف في أساليب اللغة ... فنقول : حضر الطلاب ... بمعنى جُلهم ، و " غاب الطلاب ... بمعنى بعضهم . ذلك من قبيل ما جاء في القرآن الكريم : " وكذب به قومك وهو الحق " . فهل كذّب الصحابة الكرام ، رضي الله عنهم ، بالقرآن ؟ ، أم كانوا أول من صدّق به ، وها هو أبو بكر ، رضي الله عنه ، يلقّب بـ الصدّيق . إذاً ، فيكون المقصود هنا أن " بعض " القوم كذّبوا بالقرآن الكريم ، لا " كلهم " . ونلاحظ ادعاء الكاتب أنه سيستخدم " المنهج اللغوي " في التفسير ، فكيف فاته معرفة قاعدة بسيطة في البلاغة العربية ؟.
4- هل يكون مقبولاً ، فضلاً عن أن يكون معقولاً ، إنزالُ القرآن الكريم لقوم لن يفهموه لأنهم " ليس لديهم أدواتُ البحث العلمي " ؟ !!! إن قولاً كهذا يعد كلاماً قادحاً في إيمان قائله بـ حكمة الله تعالى .
وحتى يحيط الكاتب نفسَه بهالة " علمية " زعمَ توصله لـ " نتيجة خطيرة " تتمثل في التفرقة بين كل من لفظ " الكتاب " ولفظ " القرآن " . ونحن واجدون ، وعارفون ، بهكذا منهج ... : " مُلاحَظٌ على " تلاميذ المستشرقين " من الحداثيين أن أكثر المعلومات التي ينقلونها من العلوم الإسلامية قد لا تكون للبرهنة على أصل الفكرة . لكن الدافع وراء هذا كله الرغبة في " الإيحاء " للقارئ في عرْض " بطاقة ترخيص " لممارسة التحريف ولتضليل القارئ . كأن أحد هؤلاء يريد أن يوهم القارئ أنه يعرف هذه العلوم ، وبالتالي يكون له الحق في كتابة ما يكتب بشأنها حتى لو كان المكتوب شاذاً ، ومخالفاً ، لبدهيات هذه العلوم التي يكتب فيها هذا الحداثي " .
وبحال " ارتكاس الفطرة " لا يعدم الرجل أنصاراً ينافحون عن فكرته تلك ... : " قد يصاب القارئ بصدمة عند وصوله إلى النتيجة المعروضة في باب الذكر ، والتي تقول بعدم ترادف القرآن والكتاب ، ووجود فرق بينهما ، لأن هذه النتيجة تهدم التصور السائد في فهم الإسلام القائم على ترادف القرآن والكتاب . وبعد قبول النتيجة قد يصاب القارئ بحيرة ، لأن قبول هذه النتيجة يستوجب ، بالضرورة ، تقديم تصور جديد في فهم الإسلام قائم على تباين القرآن والكتاب . وقد أدرك الدكتور شحرور ذلك ، فلم يترك القارئ في حيرته بعد الصدمة ، بل قدم له التصور الجديد الذي يقترحه في فهم الإسلام " .
نحن ، على صعيد اللغة ، عارفون أن دلالةَ لفظ ( كتب ) غيرُ لفظ ( قرأ ) ، ما يعني الإعلان أن دلالة لفظ " الكتاب " تختلف عن دلالة لفظ " القرآن " : فلفظ الكتاب يدل على أنه " قراطيس " مكتوبٌ فيها ، بينما لفظ " القرآن " يدل على " القراءة " ، لكننا نشير إلى أنه قد " يقرأ " الإنسان من دون أن يكون أمامه " كتاب " ، وقد " يكتب " دون أن يقرأ ما يكتبه ، ما يعني أن دلالة اللفظين ليست واحدة على مستوى اللغة ، لكنهما قد يدلان على شيء واحد حال تَسمّى بهما هذا الشيء المشار إليه ، فما أنزله الله ، عز وجل ، على نبيه محمد ، صلى الله عليه وسلم ، وحياً ، هو كتاب بمعنى أنه " مكتوب " ، وهو قرآن بمعنى أنه " مقروء " ، فكلاهما تعبير عن مسمى واحد : وهو ما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم بين دفتي المصحف ، وليس معنى هذا أن الله أنزل شيئاً اسمه الكتاب ، وشيئاً آخر اسمه القرآن . مثلاً : " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى " . فلفظ الجلالة غيرُ مرادف ، دلالياً ، للفظ الرحمن ، وإلا كان تكراراً لا طائل من ورائه ، لكن ، في المقابل ، فإن اللفظين هما لمسمىً واحدٍ ... هو الذات الإلهية العظمى .
ولا يجوز ، عقدياً ، اعتبار قيام " ذات إلهية " هي الرحمن ، و " أخرى " هي الله عز وجل ، وإلا لتساوى صاحبُ هكذا اعتبار بالمشركين ، وهذا عين القول عن الأسماء الحسنى إنها مترادفة ، أي من حيث دلالتها على مسمّىً واحدٍ ، وليس من حيث معانيها اللغوية . ونفس الأمر بالنسبة للفظي الكتاب والقرآن : هما مترادفان من حيث دلالتهما على ما أنزله الله ، تعالى ، على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وليس من حيث المدلول اللغوي . وتاريخ العقائد ، والتفسير ، يُظهران أن علماء الأمة أقروا بالترادف ، حتى ليذكر السيوطي كيف أنكر على المعارضين / المخالفين الفخرُ الرازي ... : " وتعسفات الاشتقاقيين لا يشهد لها شبهةٌ ، فضلاً عن حجة " . وهناك من وقف بين بين محاولاً التوفيق بين الفريقين ... : " من جعلها مترادفة ، ينظر إلى اتحاد دلالتها على الذات ، ومن يمنع ، ينظر إلى اختصاص بعضها بمزيد معنى . فهي تشبه المترادفة في الذات ، والمتباينة في الصفات " .
والرجل ، صاحبنا المتنور ، يرى أن المسلمين ، بل والعلماء منهم حصراً وقصراً ، لم يفقهوا القرآن الكريم كما فقهه سعادته ، فيطالب ، لزومَ مايلزم ، بسحب القرآن منهم ... : " علينا أن نسحب القرآن ، قبل أن يفوت الأوان ، من أيدي السادة الوعاظ المعروفين بالعلماء الأفاضل ، أو رجال الدين ، حيث يجب أن يكون موقف هؤلاء العلماء الأفاضل من القرآن هو كموقف العامة تماماً : التسليم . لأن معلوماتهم بالنسبة للقرآن لا تزيد عن معلومات العامة بتاتاً ، وإن كان لهؤلاء الناس دور ، فدورهم وعظي بحت " .
وهذا موقف يؤيد ما وصفْنا به ، نحن الإسلاميين ، تنويريينا بالإقصائيين لمن خالفهم .
وهاك أسئلة تدين الرجل :
- ما معنى قول الرجل " نسحب القرآن " ؟ ،
- وما هذا التعميم الخاطئ ، والتعميم يدل على اللامنهجية ؟ ،
- وكيف يقيم " مثقفُنا " هذا هذا تسويةً بين العلماء والعامة ؟ ، ومن هم العلماء الذين يقصدهم ؟ .
لنا أن نبين أمرين نعتقد كونهما على قدر كبير من الخطورة :
الأول : أن كثيراً من " علماء " ، ولا أقول رجال ، الدين ، اليوم ، يعرفون عن علوم الحياة والدين مثلما يعرف صاحبنا هذا ، وربما أكثر . ومنهم من يجيد من اللغات الأجنبية مثلما يجيده صاحبنا هذا ، وربما أكثر .
الثاني : أن طرح الرجل الأمرَ على هذه الصورة ، إنما هو " حملة " على العلماء تضعه إلى جانب المخططين للسخرية من " العلماء " علماً / درايةً منهم أن السخرية من " الحامل " سيتبعها ، لزومَ ما يلزم ، سخريةٌ من المحمول ... : " لقد وجّهنا اهتماماً كبيراً إلى الحط من كرامة رجال الدين الأمميين ، غيرِ اليهود ، في أعين الناس ، وبذلك نجحنا في الإساءة إلى رسالتهم ، والإضرار بها ، وهي التي كانت تشكل عقبة كبيرة في طريقنا . إن نفوذ رجال الدين على الناس يتضاءل يوماً بعد يوم . اليوم تسود الحرية الدينية في كل مكان ، ولن يطول الوقت لسنين قليلة حتى تنهار المسيحية انهياراً تاماً ، سيبقى علينا بعد ذلك السهل اليسير للقضاء على الديانات الأخرى " .
• : نماذج من " انحرافات " التفسير الحديثة :
يُتْبع ...

 
آخر تعديل:
رد: في " التجديد والتطوير " عرض ونقد :

• : نماذج من " انحرافات " التفسير الحديثة :
[/B][/SIZE][/FONT]
(3) :
1- قول الله ، تبارك وتعالى ، : " بل هو آياتٌ بيناتٌ في صدور الذين أوتوا العلم " .
يقول صاحب دعوة " سحب " القرآن حتى من العلماء ... : " فالصدر ، هنا ، ليس جوف الصدر ، ولا جوف الرأس : الجمجمة ، وإنما هو ، كما يقول الشاعر :
ونحن أناسٌ لا توسط بيننا ،،، ،،، لنا الصدر دون العالمين أو القبر . فالصدر ، هنا ، تعني ما نقوله الآن الصدارة . كأن نقول إن إسحاق نيوتن يحتل مركز الصدارة بين علماء الرياضيات . وإن أينشتاين يحتل مركز الصدارة بين علماء الفيزياء . فالراسخون في العلم هم من الناس الذين يحتلون مكان الصدارة بين العلماء والفلاسفة . وهؤلاء من أمثال البيروني والحسن بن الهيثم وابن رشد وإسحاق نيوتن وأينشتاين وتشارلز دارون وكانت وهيجل " .
وهذا مثالٌ للشطط في الـ تفسير ؛ فلفظ " الصدور " تكرر ، كثيراً ، في القرآن بمعناه الدلالي الأوَّلي ، لا بمعناه المجازي كما يسعى صاحب النص ليضبَّب علينا فكراً وتصوراً فحُكماً على الأشياء والمعتقدات . ومعروف ، بلاغياً ، أن الحقيقة هي الأصل ... : " ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " . و : " ألم نشرح لك صدرك " .
والصدر: " الجوف الذي فيه القلب " ، وليس ، كزعم الرجل ، من الصدارة : فعن الراغب الأصفهاني ... : " الصدر : الجارحة ... قال بعض الحكماء : حيثما ذكرَ اللهُ تعالى القلب ، فإشارةٌ إلى العقل والعلم . نحو : إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب . وحيثما ذُكِرَ الصدر ، فإشارةٌ إلى ذلك ، وإشارةٌ إلى سائر القوى من الشهوة والهوى والغضب ونحوها " .
2- قول الله تبارك وتعالى : " قل أعوذ برب الناس ، ملك الناس ، إله الناس ، من شر الوسواس الخناس ، الذي يوسوس في صدور الناس ، من الجِنة والناس " .
يقول الرجل : " الاستعاذة بالله ، سبحانه وتعالى ، من الوسواس الخناس الذي يوسوس في الناس الذين يحتلون مكان الصدارة في مجتمعهم ، أو في العالم بأسره . إن النتيجة المباشرة لما قلنا هي أن كل التفاسير الموجودة بين أيدينا ليست أكثر من تفاسير تاريخية مرحلية للقرآن ، أي لها قيمة تاريخية ، لأنها نتاج أشخاص عاشوا منذ قرون " .
يرى متنورنا أن " الناس " هم الذين يحتلون " مراكز الصدارة " ، أما غيرهم ، ممن لا يحتل هكذا " مراكز " ... هنا تثار أسئلة :
- هل هم من الناس ؟ .
- أم ليسوا من الناس ؟ .
- هل يوسوس لهم الشيطان أم لا ؟ .
عسى الرجل لا يعرف أن لفظ " الناس " اسم يعم " جميع الإنسان " دونَ القصر على طائفة بعنيها . أما حملة الرجل على " كتب التفسير " فأمر " ممنهج " ، لكنه المنهج غير الصحيح ؛ فتفسير الرجل للقرآن الكريم هو ، أيضاً ، تفسير تاريخي باعتبار أنه قد دخل التاريخ ، فليس له قيمة الآن ، وإنما له قيمة تاريخية . ثم :
- متى يكون التفسير تاريخياً ؟ ،
- ومتى يكون غيرَ تاريخي ؟ ،
- وما هي المدة التي ينبغي أن تمر على " وفاة " المفسر حتى يكون تفسيره تاريخياً ؟ .
إن العلم المتضمن بكتب الفسير ليس سهلاً ، ولا صحياً ، إسقاطه باعتبار الزمن ، وأما على صعيد " المفاهيم الكونية " عند بعض المفسرين ، فسننظر إليها باعتبارها " آراء " لهذا المفسر أو ذاك ، وتلك بالإمكان اعتبارها " مرحلة تاريخية " ، أما " العقيدة " ، و " أحكام الدين " ، و " القَصص " ، و " التشريع " ، و " الفقه " و " التاريخ " و " السيرة " فمما لا يمكن ، ولا يصح ، إسقاطه .
3- قول الله تبارك وتعالى : " فلا أقسم بمواقع النجوم ، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ".
يقول الرجل ، مفسراً ، : " إن الانتباه لمواقع النجوم ، في الكتاب كله ، وهي الفواصل بين الآيات ، لا مواقع النجوم في السماء ، هي من مفاتيح تأويل القرآن ، وفهم آيات الكتاب كله " .
ولنعرض ، قبل الرد ، الآتي :
- قال الزمخشري : " ومن المجاز : أنزل القرآن نجوماً . ونجم عليه الدين ) .
- قال الراغب ، في قوله تعالى : " والنجم إذا هوى " . : " قيل : أراد به الكوكب . وقيل : أراد بذلك القرآن المنجم المنزل قدَراً فقدَراً ، وعلى هذا قوله " فلا أقسم بمواقع النجوم " . فقد فسر على الوجهين " .
- قال أبو حيان : " قال ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ... وغيرهم : هي نجوم القرآن التي أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويؤيد هذا القول [ إنه لقرآن] ، فعاد الضمير على ما يفهم من قوله : [ بمواقع النجوم ] . أي نجوم القرآن . وقيل : النجوم : الكواكب ومواقعها . قال مجاهد ، وأبو عبيدة ، عند طلوعها وغروبها " .
قال الألوسي : " أي بمساقط كواكب السماء ومغاربها ، كما جاء في رواية عن قتادة والحسن ، على أن الوقوع بمعنى السقوط والغروب ، وتخصيصها بالقسم لما في غروبها من زوال أثرها والدلالة على وجود مؤثر دائم لا يتغير . ولذا استدل الخليل ، عليه السلام ، بالأفول على وجود الصانع جل وعلا " .
على هذا ، فكلامُ صاحبِنا الحداثيّ منقولٌ من " كتب التفسير " ، ولكن المفسرين جوّزوا الرأيين في كلامهم عن " مواقع النجوم " : فإما أن يكون المراد نجوم السماء ، أو الفواصل القرآنية . والكاتب اعتنق رأياً منهما ورفضَ الآخر بلا حجةٍ ولا دليل ، عِلماً أن الرأي الذي يقول بأن المراد نجوم السماء هو الأقرب للعقل والنفس ، وهو الأقرب إلى دلالة الكلام عند العرب ؛ فعندما يطلق لفظ النجوم يتبادر إلى الذهن المعنى الحسي قبل غيره ، وهذه الفواصل التي يتكلم عنها مختلَفٌ في بعضها ، ولذلك اختلفوا في عدد آيات بعض السور ، وقد أقسم الله بما هو ظاهر ملموس أمام الأعين ... وهو مواقع نجوم السماء . وأما القرآن ، فلم يكن مكتوباً ، وموزعاً ، على الصحابة ، رضي الله عنهم ، بالصورة التي في أيدينا حتى يتأملوا في " فواصل الآيات " ، بل لقد كان أكثرهم أمياً ، وإنما نشأ " علم الفواصل " بعد ذلك ما يرجّح الرأيَ الأول ولا ينفيه كما فعل صاحبنا الحداثي . وأما قول أبي حيان إن الضمير في " إنه لقرآن" عاد إلى ما يفهم من قوله : " مواقع النجوم " أي : نجوم القرآن ، ففيه نظر ... لقول الله تعالى : " فلا أقسم بالخنس ، الجوار الكنس ، والليل إذا عسعس ، والصبح إذا تنفس ، إنه لقول رسول كريم" . لأن الضمير ، هنا ، في أنه يعود على القرآن ، ولا صلة للقرآن بالخنس . كما أنه لا صلة له بمواقع النجوم . وقد أقسم الله مرة بالنجم ، ومرة بالخنس ، ومرة بمواقع النجوم ، ومرة بالشمس والقمر ... وغير ذلك ، على أن ما أنزله على محمد ، صلى الله عليه وسلم ، هو كلامٌ من لدنه سبحانه وتعالى .
4- قول الله تبارك وتعالى : " وأنزلنا من السماء ماء بقدَر فأسكّناه في الأرض ، وإنا على ذهاب به لقادرون . فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون . وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين " .
يقول الرجل ، مفسّراً ، " الشجرة " : " الآية 20 معطوفةٌ على الآية 19 ، ولكنها مفصولةٌ عنها منجمة . ذكر في هذه الآية شجرة واحدة فقط ، وما هي هذه الشجرة ؟ لا ندري . ولكننا نقول إنها مهمة جداً ؛ لأنها في آية وحدها ، ومن المرجح أنها لا تصلح للطعام الآدمي ... لذا قال : " وصبغ للآكلين " ، ولو كانت هذه الشجرة ، كما يقول بعضهم ، هي الزيتون ، لوضعَها في الآية 119 الزيتون طعام الآدمي " .
إن هذه الشجرة تخرج في " طور سيناء " ، فهي " محددة الموقع " ، فلا يعقل أن يذكر الله ، عز وجل ، للعرب وصفَ شجرةٍ في مكان يقع على مشارف الجزيرة ، وهم لا يعرفون هذه الشجرة مع علمهم بذلك المكان . والحداثي الذي عاب على الصحابة " هجرانهم " للقرآن ، مع أنهم لم يهجروه ، حيث فسر هؤلاء الآيةَ بالزيتون ، ما يعني أنه هو من " هجر " القرآن ، حين قرر ، بعد أكثر من أربعة عشر قرناً من نزول القرآن ، أنه لا يدري المراد من الشجرة . ألم يسبق وقال إن العلماء ، في عصرنا هذا ، أقدرُ على فهم القرآن ممن سبقهم ؛ من حيث امتلاك المنهج العلمي وأدوات البحث ؟ . فهل " تجهيل الناس بالحقائق العلمية هو المنهج العلمي الذي يتبعه " ؟ .
أما القول " لا تصلح للأكل " فقولٌ " مخالف للحقيقة " ،فالآية تقول " تنبُت بالدهن " ، والدهن ، هذا ، هو المادة الدهنية المستخرَجة من الزيتون ... : الزيت . وصبغٌ للآكلين ... بمعنى : بالإضافة لكونها تعطي الإنسان الدهنَ ، وكلنا يعرف أن له منافعَ كثيرةً ، فهي تعطي الصبغ .... : " وصبغ للآكلين : أي أدم لهم . من قولهم : اصطبغت بالخل " . ولذلك جاء القول " للآكلين " عقيب الصبغ ليبين أن ثمر هذه الشجرة مما يؤكل ويُنتفع به . وأما وضعُ هذه " الشجرة " في آية مستقلة ، فهو من باب العناية بها بالنظر لأهميتها ، بل وفضلها ... وهذا شائع في لغة ، كما في أساليب ، العرب .
1- قول الله تبارك وتعالى : " وما يعلم تأويله إلا الله . والراسخون في العلم " .
يقول الرجل ، مفسراً ، : " أي الراسخون في العلم يعلمون ما هي النظريات ، والحقائق العلمية ، التي يمكن استنتاجها من الآية القرآنية ، كل حسب اختصاصه ، وحسب الأرضية المعرفية لعصره . وحيث يمكن استنتاج نظريات علمية جديدة تعتبر قفزات هائلة في المعرفة الإنسانية ، مثل نظرية النشوء والارتقاء لداروين ؛ لأنها تعتبر نموذجاً حياً ممتازاً للتأويل " .
ها نحن نرى الرجلَ وقد قصر مصطلح " الراسخين في العلم " على علماء العلوم البحتة ، دون علماء العلوم الإنسانية بغير وجه حق ( = سند ) لا من لغة ، ولا من اصطلاح ، فضلاً عن قواعد ، وأصول ، التفسير التي يبدو أن صاحبنا الحداثي يخاصمها بشكل قطعي .
الراسخون في العلم هم الذين يمتلكون المعرفة من شتى جوانبها ، وليسوا فئةً من أصحاب " التخصصات " النادرة دون غيرهم ... : " الراسخ في العلم : المتحقق به ، الذي لا يعرضه شبهة " .
أما " دارون " فنظريته ، برأينا ، غير صحيحة ؛ فهي " تأويل لنشأة الخلق عن غير غائية ، وعن غير خالق ".
يُتْبع ...

 
رد: في " التجديد والتطوير " عرض ونقد :

(4) :
6- قول الله تبارك وتعالى : " يسبح لله ما في السماوات والأرض " .
يقول الرجل ، مفسّراً : " والتسبيح ، جاءتْ مِن سَبح ، وهو الحركة المستمرة ، كالعوم في الماء ، كقوله عن حركة كل شيء ( كل في فلك يسبحون ) الأنبياء/ 13، هذا الصراع يؤدي إلى التغير في الأشياء ، وينتج عنه مقولة أن الموت حق ، والله حي باق " .
التسبيح ، هنا ، ليس من السباحة ، كما قال سعادة المفسّر الحداثي ، لأنه لو كان من الـ سباحة ، وهي الحركة ، لقلنا إن ما لا يتحرك لا يسبّح لله ، فهناك أشياء ساكنة في الكون ... " وله ما سكن في الليل والنهار " .
الصواب ... : " التسبيح : تنزيه الله . وأصله : المر السريع في عبادة الله تعالى " .
والفارق بين التسبيح والتحميد ، أن التسبيح هو : " تنزيه الله عما لا يليق به . وأما التحميد ، فهو إثبات المحامد له ، والكمالات اللائقة به " .
7- قول الله تعالى : " ليلة القدر خير من ألف شهر " .
يقول الرجل ، مفسّراً : " وهنا الشهر لا تعني الشهر الزماني ، كأن نقول ألف شهر أي 83 سنة وثلث . أما إذا فهمناها على أنها من الشهرة والإشهار فيتطابق المعنى مع مفهوم الإنزال والجعل . وهنا كلمة ألف إما أن تعني أن إشهار القرآن خير من ألف إشهار آخر ... أو نفهم ألف شهر ، ألف تعني تأليف الأشياء بعضها مع بعض ، كأن نقول الأليف والألفة والتأليف ، فنفهم ألف شهر على أنه إذا جمعت كل الأوامر الأخرى الصادرة من رب العالمين ، وتألفت بعضها مع بعض ، فإن إشهار القرآن خير منها جميعا " .
وهذا ، برأينا ، تحريفٌ للمعنى الأساس ؛ فإن القرآن الكريم ذكر لفظ ( ليلة ) أولاً ، ثم استعمل صيغة التفضيل ، والمتمثلة في كلمة ( خير ) . والعادة أن تفضل ليلةٌ على غيرها من الليالي والأزمنة ، فذكر ، بالمقابل لها ، ألفَ شهر . و : " لم يرد ، قَط ، في القرآن الكريم استعمال لفظ شهر بمعنى الإشهار " . كما أنه حال نسمع كلمة شهر ، نصرف معناها إلى " الزمن المعروف " بداهةً .
كما أن العادة أن يقال : يومٌ كسنةٍ ، ويومٌ كشهرٍ ، فتشبه الأيام ببعضها البعض ... : قال أبو تمام :
أعوام وصل كان ينسي طولها ،،، ذكر النوى فكأنها أيــــــــام
ثم انبرت أيام هجر أردفــــــت ،،، بجوى أسى فكأنها أعــوام
8 – قول الله تعالى في غير آية بالقرآن الكريم : " سبحان " .
يقول الرجل ، مفسّراً لـ / معقباً على ، عدد من الآيات ورد فيها هذا اللفظ الكريم : " أما القول سبحان الله هو تنزيه الله عن النقائض والعيوب ، فهو قول قد مضى زمانه ، حيث إن النقائض والعيوب تحمل معنى معرفياً ، ومعنى اجتماعياً إنسانياً ، فهي تحمل مفهوم النسبية حيث تتغير هذه المفاهيم من مكان لآخر ومن زمن لآخر . إن التسبيح الحقيقي للأشياء كلها في وجودها لله تعالى يرجع إلى كون الله مصدر الحركة الجدلية الداخلية في الأشياء كلها ، منذ أن خلق الله هذا الكون المادي ، وهو منزه عن هذه الحركة في ذاته ، لأنه واحد أحد صمد ، ليس كمثله شيء ، حيث إن هذه الحركة تؤدي إلى هلاك الأشياء : الموت " .
وتفسير التسبيح بمعنيـين مختلفين خطأ ، من حيث إن اللغة هي اللغة ، فإذا حملت الألفاظ معاني مغايرةً ، تماماً ، عبر الأزمنة ، تتغير اللغة ، ولا تبقى صلة وصل بين الأمس واليوم إلا الأصوات اللغوية فقط . والأصوات ، نفسُها ، قد تتغير تبعا للهجات والألسنة ، ما يعني أن تنقطع علاقة اللفظ ، صوتاً ودِلالةً ، بين ماضيه وحاضره ، فنصبح أمام لغة أخرى مغايرةٍ للأولى ولكن مكتوبة بحروف عربية ... وهذا ، لعمرك ، منهجٌ عقيم في فهم اللغة ، كذا في تفسير النصوص القديمة والحديثة وفهمها على حد سواء .
وأما قول الرجل : إن الله مصدر الحركة . فنقول إن الله مصدر الإيجاد أولاً ؛ لأن الشيء لا يتحرك قبل أن يوجَد ، فالله أبدع ، وأوجد ، ثم نفخ الروح في الكائنات اللاحية لتصبح كائناتٍ حيةً ، وبعد ذلك تحركت الكائنات ، ولكنها لا بد أن تسكن عقب الحركة ، فالحركة والسكون زوجان متعاقبان على الأحياء حتى نهاية رحلتها بالموت ، فإذا مات الحي بعثَه الله بعد ذلك فتحرك . فالنهاية هي الحركة الدائمة لا السكون . ويبقى أن الله ، تعالى ، ليس مصدر الحركة وحدها ، بل هو مصدر السكون أيضاً ، لأن الشيء قبل أن يكون لا يوصف بحركة ولا سكون .
9- قول الله تعالى : " وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبـيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يُظلمون " . ( سورة الزمر ، الآية 69 ) . ينطلق منه الكاتب ليؤكد : " أنه لا بعث للنبيين والشهداء ، لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، لأنهم ، أصلاً ، موجودون عند ربهم " . ( الكتاب والقرآن قراءة معاصرة د. محمد شحرور ص 382 ) .
واستدلال الرجل هو ، برأينا ، باطل ؛ ... : " يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها " . فهل هذا ينفي أنها ، النفسُ ، كانت ميتةً قبل أن " تأتي " ، من حيث إن الإتيان ينافي الموت ؟ . والصواب : أن هذه النفس كانت ميتة ، فبُعثت ، وجاءت . وهذا من مجاز " الحذف " في اللغة العربية . كذلك الشهداء والأنبياء : لهم حياة خاصة بهم ، ولكنهم يُبعثون من قبورهم ، ويُؤتَى بهم ... : " إنك ميت وإنهم ميتون " .
10- قول الله تعالى : " لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً ) .
يقول رجل ، حداثي آخر ، مفسّراً : " تنص هذه الآيةُ على معنىً خطيرٍ في التشريع ، إذ تقول ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) ولتحليل تركيب هذا النص ، يمكن إيراده على نواحي شتى لاستبانة الفارق في المعنى ، [ لكل منكم جعلنا شرعة ومنهاجا ] في هذا المبنى المحرف يعني أن الله قد قيد التشريع به ، وأنزله أمراً دينياً دون الرجوع إلى أبعاد أخرى ، هذا معنى لكل منكم جعلنا . أما النص لكل جعلنا منكم فيعني أن الله يرد التشريع إلى [ منكم ] ، أي جعلنا التشريع منكم أي مطابقاً لخصائصكم وتكوينكم وأعرافكم ، وبمعنى أكثر تحديداً أن الله ينزل حكمه متوافقاً مع أخلاقية الواقع وسلوكيته ، ضمن توافق تام مع الظرف التاريخي ، فالشرعة والمنهاج هما استخلاص إلهي مقيد بشخصية الواقع ، وقد أراد الله عبر هذا النص أن يطلعنا على نسبية التشريع المنزل تبعاً للحالات التاريخية والأوضاع الاجتماعية المختلفة ، إن عقوبات القطع والرجم والجلد كانت سارية المفعول في ذلك العصر التاريخي وكان العرب يقطعون يد السارق اليمنى فحولهم الإسلام إلى اليسرى وبشروط معينة " .
ثم يزيد : " إن الثابت ، في التشريع ، هو مبدأ العقوبة ، أو الجزاء ، أما الأشكال التطبيقية لهذا المبدأ فموكولة لكل عصر على حسب أوضاعه وأعرافه وقيمه ، وبهذا يستوعب القرآن متغيراتِ العصور ويبقى كما أراد الله له صالحاً لكل زمان ومكان " .
وهذا ، برأينا ، خلط عجيب ، وربما تعدى ليكون تحريفاً منكَراً للنص القرآني ... : " الظاهر أن المضاف إليه كل المحذوف هو أمة ، أي لكل أمة . والخطاب في منكم للناس ، أي أيها الناس : لليهود شرعة ، ومنهاج . وللنصارى كذلك . قاله علي وقتادة والجمهور ، ويعنون في الأحكام ، وأما المعتقد فواحد " . و ... : " اللام للاختصاص ، فيكون لكل أمة دين يخصها ، ولو كان متعبداً بشريعة أخرى لم يكن ذلك الاختصاص " .
وأما إعراب الآيات فهو : " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً : كلام مستأنف مسوق لحمل أهل الكتابين من معاصريه على الانصياع لما جاء به . ولكل متعلق بجعلنا ، أو أنه مفعول أول لجعلنا . ومنكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة للاسم المحذوف الذي ناب عنه تنوين العوض اللاحق بـ : لكل ، أي لكل أمة منكم . وشرعة مفعول جعلنا . ومنهاجاً عطف على شرعة " .
وأما معنى جعل في اللغة ، فهو .. : " جعل : لفظٌ عام ، وهو أعم من فعل وصنع وسائر أخواتها . ويتصرف على خمسة أوجه :
يُتْبع ...
 
رد: في " التجديد والتطوير " عرض ونقد :

• : الموقف من القرآن الكريم :
[/B][/SIZE][/FONT]
(2) :

والحقيقة التي أراها ، أن الصحابة ، رضي الله عنهم ، لم يقفوا " موقف التفويض " إلا بآيات الصفات والمتشابهات ، وفيما عدا ذلك ، فقد فسروا القرآن للناس ( وليراجع ، من يشاء ، تفسير : الطبري ، والسيوطي في " الدر المنثور في التفسير بالمأثور " والرازي في " التفسير الكبير " ) .
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و بعدلعل الدكتور سيد أدم (سدد الله على طريق الحق خطاه) هذه المرة عاد مناقشا لأراء التنويريين، ردا لشبههم منابذا لمنهجهم المحدث الدخيل على أمة التوحيد، و الذي لا ينطلي على ذي علم و بصيرة و إنما جمع علومهم وكتباتهم كما سبق و أن أشار الدكتور إيحاءات تجسدت في شكل شبهات هي في الحقيقة و بعد السبر و عند تسليط ضوء الشرع عليها أهون من خيوط العنكبوت، و لعل الدكتور بهذا يدلل براءته من منهجهم، وأن العقل مناطه محدود في علوم الدين، لا يعدوا قدره و لا يتجاوز حدَّه من إعمال لأصول السلف في فهم نصوص الكتاب و السنة بعيدا عن كل فلسفة أو منطق سقيم لا يخدم شرع و لا يعضده دليل، و أن معنى صلاحية الدين لكل زمان و مكان تعني بقاء أصوله على ما هي عليه، لا إحداث أصول ما أنزل الله بها من سلطان، حينها و لما يكون الأمر متعلقا بمفهومات البشر لن تجد لهم حاكما حكما، فصلا عدلا، يتحاكمون إليه إذا اختلفوا ( و يقين يقع الاختلاف)، كما يشهد له واقع الجماعات السابقة و اللاحقة، السالفة و الوارثة، و كما قيل لكل قوم وارث.
و تعليقا على النص المذكور أعلاه، و الذي يقرر أن الصحابة و أمام نصوص الصفات وقفوا موقف التفويض، فإن كان الدكتور يعني بالتفويض تفويض المعنى، و أن الصفات و مدلولاتها مبهمة المعنى و أن معانيها لم تأتي وفق ما يدل عليه اللسان العربي المبين و ما يقتضيه من الفهم، فهذا هو عين قول المفوضة، أحد الفرق التي ضلت في باب الأسماء و الصفات، و حاشى الصحابة و السلف الصالح أن يكونوا من هؤلاء، إذ كانوا مثبتين لمعاني الأسماء معتقدين دلالة كل اسم على صفته اللازمة على وجه لا تكيف معه و لا تشبيه، كما أنهم لم يكونوا معطلين و لا محرفين مؤولين التأويل الذي أحدثه أهل الكلام، حملهم على هذا تمام تسليمهم حتى قالوا فيما أثر عنهم أمروها كما جاءت بلا تكييف، مما حماهم الزيغ و جنبهم الضلال.

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
"المفوضة قال أحمد فيهم : إنهم شر من الجهمية ، والتفويض أن يقول القائل : الله أعلم بمعناها فقط ، وهذا لا يجوز ; لأن معانيها معلومة عند العلماء . قال مالك رحمه الله : الاستواء معلوم والكيف مجهول ، وهكذا جاء عن الإمام ربيعة بن أبي عبد الرحمن وعن غيره من أهل العلم ، فمعاني الصفات معلومة ، يعلمها أهل السنة والجماعة ; كالرضا والغضب والمحبة والاستواء والضحك وغيرها ، وأنها معاني غير المعاني الأخرى ، فالضحك غير الرضا ، والرضا غير الغضب ، والغضب غير المحبة ، والسمع غير البصر ، كلها معلومة لله سبحانه ، لكنها لا تشابه صفات المخلوقين" انتهى .
"فتاوى نور على الدرب لابن باز" (ص 65) .
وقال أيضا :
"أنكر الإمام أحمد رحمه الله وغيره من أئمة السلف على أهل التفويض , وبدّعوهم لأن مقتضى مذهبهم أن الله سبحانه خاطب عباده بما لا يفهمون معناه ولا يعقلون مراده منه , والله سبحانه وتعالى يتقدس عن ذلك , وأهل السنة والجماعة يعرفون مراده سبحانه بكلامه ، ويصفونه بمقتضى أسمائه وصفاته وينزهونه عن كل ما لا يليق به عز وجل . وقد علموا من كلامه سبحانه ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم أنه سبحانه موصوف بالكمال المطلق في جميع ما أخبر به عن نفسه أو أخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (3/55) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"التفويض نوعان : تفويض المعنى ، وتفويض الكيفية .
فأهل السنة والجماعة يفوضون الكيفية ، ولا يفوضون المعنى ، بل يقرُّون به ، ويثبتونه ، ويشرحونه ، ويقسمونه ، فمن ادعى أن أهل السنة هم الذين يقولون بالتفويض - ويعني به تفويض المعنى - فقد كذب عليهم" انتهى .
"لقاء الباب المفتوح" (67/24) .
وقد قرب معنى ما جاء من عبارات السلف الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال :
"اشتهر عن السلف كلمات عامة وأخرى خاصة في آيات الصفات وأحاديثها فمن الكلمات العامة قولهم: " أمروها كما جاءت بلا كيف".
روي هذا عن مكحول ، والزهري ، ومالك بن أنس ، وسفيان الثوري ، والليث بن سعد ، والأوزاعي .
وفي هذه العبارة رد على المعطلة والممثلة ، ففي قولهم: " أمروها كما جاءت" رد على المعطلة. وفي قولهم : " بلا كيف" رد على الممثلة .
وفيها أيضا دليل على أن السلف كانوا يثبتون لنصوص الصفات المعاني الصحيحة التي تليق بالله تدل على ذلك من وجهين :
الأول : قولهم : "أمروها كما جاءت" . فإن معناها إبقاء دلالتها على ما جاءت به من المعاني ، ولا ريب أنها جاءت لإثبات المعاني اللائقة بالله تعالى ، ولو كانوا لا يعتقدون لها معنى لقالوا : "أمروا لفظها ولا تتعرضوا لمعناها" . ونحو ذلك .
الثاني : قولهم : "بلا كيف" فإنه ظاهر في إثبات حقيقة المعنى ، لأنهم لو كانوا لا يعتقدون ثبوته ما احتاجوا إلى نفي كيفيته ، فإن غير الثابت لا وجود له في نفسه ، فنفي كيفيته من لغو القول" انتهى .
"
مجموع فتاوى ابن عثيمين" (4/32) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"فقول ربيعة ومالك : (الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب) موافق لقول الباقين : (أمروها كما جاءت بلا كيف) فإنما نفوا علم الكيفية ، ولم ينفوا حقيقة الصفة .
ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، ولما قالوا : أمروها كما جاءت بلا كيف ، فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً ، بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم .
وأيضاً : فإنه لا يحتاج إلى نفى علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى ، وإنما يحتاج إلى نفى علم الكيفية إذا أثبتت الصفات .
وأيضاً : فإن من ينفى الصفات لا يحتاج إلى أن يقول : بلا كيف ، فمن قال : إن الله ليس على العرش ، لا يحتاج أن يقول : بلا كيف ، فلو كان مذهب السلف نفى الصفات في نفس الأمر لما قالوا : بلا كيف .
وأيضاً : فقولهم : "أمروها كما جاءت" يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه ، فإنها جاءت ألفاظ دالة على معانٍ ، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال : أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد ، أو : أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة ، وحينئذ فلا تكون قد أُمِرّت كما جاءت ، ولا يقال حينئذ : بلا كيف ، إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول" انتهى .
"مجموع الفتاوى" الفتوى الحموية (5/41) .
يتبع بإذنه تعالى، ريثما يطالع العم سيد أدم بادرة الردود، و التي نريد به التصحيح و العضد على يد الدكتور في رده، لا إضعاف ساعده، و خذلان رده علما أن المردود عليه هنا فرد ينتمي إلى شر الفرق و الطوائف التي تريد هدم الإسلام، و القضاء على مبانيه العظام .

102205
 
آخر تعديل:
رد: في " التجديد والتطوير " عرض ونقد :

العم سيد أدم [/B][/SIZE][/FONT][/RIGHT]
[/RIGHT]

102205

دعك من العم سيد آدم ، فهو ناقل .
للعلم ، وإحسان الظن .
وعليك ، إن شئت دقةً ، أن ترجع لكتابات هؤلاء ليأتي ردك علمياً ، فوق كونه منهجياً .
 
آخر تعديل:
رد: في " التجديد والتطوير " عرض ونقد :


دعك من العم سيد آدم ، فهو ناقل .
للعلم ، وإحسان الظن .
وعليك ، إن شئت دقةً ، أن ترجع لكتابات هؤلاء ليأتي ردك علمياً ، فوق كونه منهجياً .
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد.
لست أدري ماذا تعني بالرد العلمي، و ما لازم الرد العلمي المنهجي عندك، و هأنت هنا ترد بطريقة ترجلية من غير ذكر مصادر النقل، ثم تقول أنك ناقل للعلم، و من بركة العلم نسبته لأهله، فاذكر ان كنت ناقلا عن من تنقل ليأتي على وزن فهمك ووفقا لمنطوقك و منطقك المختار الرد وفقا لما قررت و ألزمت به غيرك، أم يصدق قول القائل
أحلال على بلابله الدوج .... حرام للطير من كل جنس.
ما سبق كان احالات الى كتب العلماء الكبار، تقرر منهج المفوضة، فما الذي تراه فيه غير منهجي أو علمي أم من لازم المنهجي العلمي الرد بطريقة الفلاسفة و أهل الكلام؟
ان كنت مريد حق راجع المصادر و أطلب الدليل بلا تعطيل أو تأويل حينها سيأتيك الفتح و يتجلى لك أنك أحوج ما تكون الى طريقة أهل الحديث في فهم النصوص.
 
رد: في " التجديد والتطوير " عرض ونقد :


من غير ذكر مصادر النقل

لا ورب الكعبة ... المصادر موجودة عندي بالاسم والصفحة والطبعة والناشر اسماً ومكاناً ، لكنني لا أكتبها ، فأنا ، كأستاذ جامعي جاوز الرابعة والسبعين ، ما يعني أن لديه خبرة بأعمال كـ أن يكون هناك " هاجمون " على موضوعات الغير ناسبين إياها لأنفسهم !!! لذلك أحتفظ بمصادري إلا للضرورة .
أما غير ذلك فدع عنك باقي ما تقوله ، فالحمد لله رب العالمين أنا أعرف كيف أتناول ديني بما هو ، وأنا ، أهل له .
واضح أننا مختلفان ، فليكن كل منا في طريقه .
... : ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا ) .
 
آخر تعديل:
رد: في " التجديد والتطوير " عرض ونقد :

يتصرف على خمسة أوجه :
[/B][/RIGHT][/SIZE][/FONT]
(5) :
الأول : يجري مجرى صار ، وطفق ... نحو : " جعلَ زيدٌ يقول كذا " .
والثاني : يجري مجرى أوجد ... نحو قوله تعالى : " وجعل الظلماتِ والنور " .
والثالث : في إيجاد شيء من شيء ، وتكوينه منه ... نحو قوله تعالى : " والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً " .
والرابع : في تصيير الشيء على حالة دون حالة ... نحو قوله تعالى : " الذي جعل لكم الأرض فراشاً ".
والخامس : الحكم بالشيء على الشيء ، حقاً كان أو باطلاً ، فأما الحق ، فنحو قوله تعالى : " إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين " . وأما الباطل ، فنحو قوله تعالى : " ويجعلون لله البناتِ " .
واضح ، من ثم ، أنه لا المعنى ، ولا الإعراب ، يساعد الكاتب فيما دعواه ، ما يجعل طرحه أقرب إلى تضبيب الرؤية لدى المتابع ، فالله ، بمعتقد غالبية المسلمين ، خلَق الخلقَ ، وهو – عز وجل – أعلم بهم ... : " ألا يعلم من خلق " ، ما ينفي حاجته ، سبحانه ، لواقع يستند إليه تشريعه ، بل هو يضع ، لعباده ، ما ينسبهم من تشريع ، ويكون مناسباً لهم في كل زمان ومكان ، تبعاً لفطرتهم التي فطرهم عليهم ، كذا لتكوينهم العقلي ، والنفسي ، الذي زودهم بهم . ذلك غير " الواقع " الذي هو متغير زماناً ومكاناً .
وفي الوقوف بوجه توجه الكاتب الحداثي نسأل : أين يذهب سيادته بلفظ ( لكلٍّ ) وقد تجاهله تماماً ؟ ، إذا كان التركيب ( جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً ) فما هو دور اللفظ ( لكل ) في السياق هنا ؟ ، هل يتحول الإنسان ، بحسب تفسير الرجل ، إلى " شريعة ومنهج " ؟ . إن " جعل " تفيد عدة معانٍ ... منها :
- التحويل ... : " جعل الماءَ ثلجاً " ، بمعنى : صيّره ، فلم يَعُدْ على حالته الأولى . فهل البشر ، الآن ، " شرائع " و " مناهج " وليسوا بشراً " .
- كما تأتي " جعل " بمعنى أوجد ، وهذا لا يستقيم بحسب ترتيب الجملة التي " اخترعها " الرجل ، فهل " توجد " المناهج من الناس ؟ ، وإذا كانت مخلوقةً منهم ، فإن الناس فيهم من يعبد الشيطان ، ومنهم من يعبد الأوثان ويشرب الخمر . فلماذا لا تتطابق الشريعة مع " واقع هؤلاء " بدلاً عن مجاراته وتغييره " . ثم ، ما رأي الرجل بكثير من الآيات التي توضح أن حق التشريع بيد الله وحده ... : " ألا له الخلق والأمر " . و ... : " إنِ الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه " . وهذه الايات الكريمة " جزءٌ " من " كل " يُلزم المسلمَ أن يتبع " أمر " الله .
ولو دقّقَ الرجل في أحد معاني " الإسلام " لغوياً ، لخلص إلى " التسليم " الذي بان في قوله تعالى : " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " . والأشدُّ ، لو " تأمّلَ " الرجلُ ختامَ الآية : " ومن يعصِ الله ورسوله فقد ضل ضلالاً بعيداً " .
كتابة الرجل ( = تَوجهه ) تدعو إلى التحلل مما " شرعه " الله ضوابطَ تصب باتجاه أمن المجتمع الذي سيؤسسه الإسلام جديداً جدةً كاملة من : قطع ، أو رجم ، أو جلد ، أو " تجريس " كـ رادع مجتمعي . هذه الإجراءات غير مقبول عند الرجل .
إن كل أنظمة الدنيا ، قديمها وحديثها ، تؤمن بـ " مبدأ " العقوبة ، وتضع " عقوباتٍ " على الجرائم التي تمس سلامة المجتمع بشكل أو بآخر ، لكن ، وبما أن المميز لنظام العقوبة في تشريع ما عن تشريع آخر هو " نوعية " الجزاء ، وإذا قلنا أن المهم هو " فكرة " الجزاء ، لا " نوعه " فإن هذا سيلزمنا أن تكون " جميع " القوانين ، والأنظمة القضائية ، في العالم هي " قوانين إسلامية " ، لأنها تتلاءم مع " واقع " الناس من جهة ، ومع " الشريعة " التي تقر بالعقوبة دون تحديدها من جهة أخرى !!! وهنا نذكّر بمقولة البعض إن " أمريكا دولة إسلامية " بناءً على هكذا كلام !!! وبمد الحبل على استقامته ، صح أن يُصرح : " أمريكا أفضل من بعض البلاد الإسلامية التي لا يأمن فيها المسلم على نفسه وماله ، لذلك وجبت الهجرة إليها " .
11- ويفسر حداثيونا " آدم " تفسيراً يتماهى مع ما جاء به تشارلز داروون ... : " إن البشر وُجِد على الأرض نتيجة تطور استمر ملايين السنين : البث ، حيث إن المخلوقات الحية بث بعضُها من بعض طبقاً للقانون الأول للجدل . وتكيفت مع الطبيعة ، وبعضها مع بعض طبقاً للقانون الثاني للجدل . وقد وجد البشرُ ، وانتشر ، في مناطقَ حارة مغطاةٍ بالغابات حيث يوجد في هذه الغابات مخلوقاتٌ حيةٌ أخرى كان يفترسها البشر ، ( يسفك الدماء ) ، وكان يسلك سلوك الحيوانات الأخرى : أي كان كائناً غيرَ عاقل ، إذ لم تظهرْ فيه ظاهرةُ العمل الواعي وهو بشر " . و ... : " وهنا ، أيضاً ، يجب أن نفهم أن آدم ليس شخصاً واحداً ، وإنما هو جنس نقول عنه الجنس الآدمي " .
وفي موضع آخر نقرأ : " إنه من الخطأ الفادح أن نظن أن الله خلق الأفاعي وحدها ، ونفخ فيها الروح ، وخلق القطط وحدها ونفخ فيها الروح ، وخلق الأسماك وحدها ونفخ فيها الروح . ونؤكد ، هنا ، أننا نفهم الروح على أنها ليست سر الحياة ، وإنما هي سر الأنسنة . ونقصد بها تحول البشر ، الذي هو من الفصيلة الحيوانية ، إلى إنسان " .
ونقرأ : " ليس المهم ، إذن ، تحقيقات داروين نفسها ، ولكن المهم هو ما أصبح عبر العلم منظوراً ، أو مُسَلّمة ، أي : التحول والخلق عبر التطور . هذه الخلفية تشكل خلفية للذهنية المعاصرة ، وبالتالي فيمكن لأي عقل معاصر أن يقبل بمفهوم ألا يكون الإنسان مخلوقاً في كماله منذ اليوم الأول ، ولكنه متطور إلى شكله الراهن عبر هذه الملايين من السنين ، مثله مثل الكائنات الأخرى " .
ولنفس صاحب النص السابق : " بالنسبة لنا ، يختلف منظور التطور باختلاف الذهنية ومقومات تكوينها ، ولادة الشيء من نقيضه ولادة ممكنة " .
وقد بات معروفاً ، أن نظرية التطور ( = النشوء والارتقاء ) نظرية قديمة جداً ، بحيث ترجع إلى آلاف السنين ، وتوجد آثارُها في آثار كثيرٍ من الخرافات الدينية التي وضعها حكماء كلٍّ من بابل وآشور ومصر القديمة . وقد نجد لدى أرسطو نتفاً منها حيث أعلن الرجل : " أن الإنسان هو نهاية عملية ارتقاء طويلة مستمرة " . كما نجد نتفاً من نفس النظرية لدى الإنجليزيين توماس هكسلي وتشارلز داروون ، والألماني أرنست هوكل . وقد افترض داروون ، العام 1859م ، أن كل الأنواع الحالية من الأحياء يمكن أن تكون ذات أصل واحد ، أو بضعة أصول ، تتنوع طبقاً لقانون الانتخاب الطبيعي ( = بقاء الأصلح ) . وقد كتب غير واحد يبين أن داروون ، في أخريات أيامه ، تراجع عن تلك النظريات ، ليخلص إلى : " أن ما في العالم من نظام يشهد بعناية إلهية ، وأنه قد اختار لنفسه مذهب اللاأرديين ، وبأن المسألة خارجة عن نطاق العقل . حيث يستحيل على العقل الرشيد أن تمر به ذرة من الشك في أن هذا العالم الفسيح بما فيه من الآيات البالغة والأنفس الناطقة المفكرة ، قد صدر عن مصادفة عمياء ، لأن المصادفة لا تخلق نظاماً ، ولا تبدع حكماً . وذلك أكبر دليل على وجود الله " .
ونظرية داروون هذه ، ثبت بطلانها علمياً ؛ لأن : " نظرية النشوء والارتقاء عاجزة عن التدليل على حدوث أي ارتقاء تقدمي ، وإنما على العكس من ذلك تؤدي إلى انحطاط ، وانقراض ، الحياة على وجه الأرض " . فعن البيولوجي الأمريكي أوستن كلارك ( 1830م : 1954م ) : " إنه لا توجد علامة واحدة تحمل على الاعتقاد بأن أياً من المراتب الحيوانية الكبرى ينحدر مع غيرها ، وأن كل مرحلة لها وجودها المتميز الناتج عن عملية خلق خاصة منفصلة " .
ما تناوله الرجل بشأن " القانون الثاني للجدل " ، ظاهرٌ أنها محاولة إسقاط التفسير المادي للتاريخ على التاريخ الإسلامي ؛ فالجدلية نظرية فلسفية نادى بها إنجلز ، تماماً كما نادى ماركس بالشيوعية ، والرجلان يهوديان . وبات معروفاً كيف سقطت الشيوعية من داخلها لتضادها ، بل وتناقضها ، مع الفطرة البشرية ، ومن ثم سقط التفسير المادي للتاريخ .
• إعجاز القرآن الكريم :
يُتْبع ...

 
رد: في " التجديد والتطوير " عرض ونقد :

• إعجاز القرآن الكريم :
[/B][/SIZE][/FONT]
(6) :
• إعجاز القرآن الكريم :
بعقيدتنا : القرآن الكريم معجز ، وقد تعددت / اختلفت وجوه إعجازه : فمنها ما يتعلق بالبلاغة والفصاحة ، ومنها ما يتعلق بالإخبار عن الغيب ، ومنها ما يتعلق بالتشريع والأحكام .
تحدى القرآن الكريم العربَ : أن يأتوا بمثله ، فعجزوا . فانتقل التحدي : أن يأتوا بعَشْر سور ، فعجزوا . فانتقل التحدي : أن يأتوا بسورة واحدة ، فعجزوا . ثم بيّن القرآنُ لهؤلاء ، وهم أول من نزل فيهم القرآن الكريم ، أنهم " لن " يستطيعوا أن يأتوا بمثل القرآن على وجه الإطلاق ... : " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين " .
لكن ... يبدو أن " مثقفينا " ، و " الحداثيون " منهم تحديداً ، لهم رأي آخر ( !!! ) ، فيرى أحدهم : " أن بعض القرآن معجز دون بعضه الآخر " . ومن ثم قسّمَ الرجل ما أنزله اللهُ ، تعالى ، على محمد صلى الله عليه وسلم إلى : الكتاب ، وأم الكتاب ، والنبوة ... وتضم القرآن والسبع المثاني وتفصيل الكتاب " . و ... : " أم الكتاب هي مجموعة الآيات التي تشكل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وفيها العبادات والحدود والتعليمات والفرقان " .
وهذا دفع الرجلَ ، الحداثيَّ ، أن ينكر الإعجاز في أحكام الكتاب ... : " إن الأحكام من الكتاب ، وليست من القرآن ، وهي الكتاب بالنسبة لموسى وعيسى ، ولا يوجد فيها أي إعجاز " . و ... : " إن الإعجاز جاء في القرآن فقط ، وليس في أم الكتاب " .
وحداثيٌّ آخر ينكر إعجاز القرآن بالكلية ... : " يتجه البعض إلى القول بأن الله قد أبقى معجزته لمحمد في حيز القرآن ، وهي معجزة مستمرة تحدى بها الله المجتمع العربي الجاهلي ، ولا زال التحدي مستمراً . لكننا لا نأخذ بهذا نهائياً . وطبقاً لمنهجنا ، فإننا نفسر خلو التجربة المحمدية العربية من الآيات المعجزة برد أصول التجربة إلى الرحمة الإلهية في مقابل الخير العربي " .
نحن ، والشاهد قائمٌ بيننا ، أمام نصين لاثنين من " مشاهير " حداثيينا يتعلقان بقضية إعجاز القرآن الكريم : الأول نفى الإعجاز جزئياً ، والثاني نفاه على الإطلاق ، فكان النفي أشبهَ بتجريد الدعوى من سند هو دليلها أسوة بغيرها من الدعوات التي جاء بها أنبياء ، ورسل ، سابقون لدعوة نبينا صلى الله عليهم جميعاً . وهذا الإجراء من الرجلين يجرد " النبوة " من أحد أهم مرتكزاتها : إعجاز القرآن .
التاريخ ، تاريخ الفِرق ، يبين لنا أنه لم يقل أحدٌ بنفي الإعجاز عن القرآن الكريم : المعتزلة قالت بنظرية الصِّرفة على لسان النظّام . حتى ابن الراوندي ، في كُتبه سيئةِ السمعة ، لما نفى ذلك ، خرج عليه أبو العلاء يهدم ، لا منهجه فقط ، بل أهدافه في المقام الأول ... : " وأما ابن الراوندي ، فلم يكن إلى المصلحة بمهدي ، وأما تاجه ( اسم أحد كتب ابن الراوندي ) ، فلا يصلح أن يكون نعلاً ، ولم يجد من عذاب وعْلا ( = ملجأ ) . وأما الدامغ ( اسم كتاب آخر لابن الراوندي ) ، فما إخاله دمغ فيه إلا من ألفه ، وبسوء الخلافة خلفه . وفي العرب رجل يعرف بدميغ الشيطان ، وهذا الرجل كذاوي الخيطان ( = أسراب النعام ) . وإنما المنكَر أنه في الآونة يُذكر ، دل ممن وضعه على ضعف دماغ ، فهل يؤذن لصوت ماغ ( = صياح السنور ) .
... : " وأجمع ملحد ومهتد ، وناكب عن المحجة ومقتد ، أن هذا الكتاب ، الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، كتابٌ بهر بالإعجاز ، ولقي عدوه بالإرجاز ، وما حذي على مثال ، ولا أشبه غريب الأمثال ، ولا هو من القصيد الموزون ، ولا الرجز من سهل وحزون ، ولا شاكل خطابة العرب ، ولا سجع الكهنة ذي الأرَب . وجاء كالشمس اللائحة نورا للمسرة والبائحة . ولو فهمه الهضب الراكد لتصدع ، أو الوعول المعصمة لراق الفادرة والصدع ، وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون . وإن الآية منه ، أو بعض الآية ، لتعترض في أفصح كلم يقدر عليه المخلوقون ، فتكون فيه كالشهاب المتلألئ في جنح غسق ، والزهرة البادية في جدوب ذات نسق " .
... : ( خارقة الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، الذي تحدى به الناس ، وجعله دليلاً على صدقه فيما ادّعى من رسالة ، هو الكتاب العزيز . وكون القرآن دلالةً على صدق نبوته ، صلى الله عليه وسلم ، ينبني على أصلين :
- الأصل الأول : وجود هذا الصنف من الناس ... وهم الأنبياء والرسل ، وهذا بيّن بنفسه . هذا الصنف هو الذي يضع الشرائع للناس بوحي من الله لا بتعلم إنساني ... ومُنْكِر هكذا أمر كمُنْكِر " وجود الأشياء المتواترة " كـ : سائر الموجودات التي لم نشاهدها ، وكـ وجود الأشخاص المشهورين بالحكمة " .
هذا الأصل يهدم فكرة الدهريين المنكِرين وجود أشخاص يوحَى إليهم ، لكن الأجماع بين " العقلاء " قائم على وجود أشخاص يوحَى إليهم ، وتكون وظيفتهم الأساس " ينبّهون الناس إلى أمور من العلم والأفعال الجميلة بها تتم سعادتهم " . وأيضاً " ينهون الناس عن اعتقادات فاسدة وأفعال قبيحة " ... وهذا من فعلِ الأنبياء ... فهذه ، كلها : " من أعمال الشرائع " ... : ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبوراً . ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليماً . رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً ) .
الأصل الثاني : يتأسس هذا الأصل على أن مَن وضع الشرائع بوحي من الله فهو نبي ، وهذا الأصل غير مشكوك فيه في الفطرة الإلهية ؛ لأنه لما كان فعل الطب هو الإبراء ، وأن من وُجِد من الإبراء فهو طبيب ، كذلك من المعلوم بنفسه أن فعل الأنبياء هو وضعُ الشرائع بوحي من الله ، وأن من وُجِدَ منه هذا الفعل فهو نبي ... : " يا أيها الناس قد جاءكم برهانٌ من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً " .
• الموقف من علم التفسير وكتبه :
يُتْبع ...

 
رد: في " التجديد والتطوير " عرض ونقد :

• الموقف من علم التفسير وكتبه :
[/B][/SIZE][/FONT]
(7) :
جزءٌ من مشكلتنا المعرفية ، ومن ثم التصورية فالتصديقية ، التعميمُ الذي يأتي به مرسِلُه قاطعاً برأيه وكأنه امتلك الحقيقة المطلقة !!! وهذا المرسِل غالباً يأتي طرحه عبر تعميمات قاطعة ... : " لقد فهم المفسرون أن الدين كله هو اليهودية والنصرانية : الأديان السابقة . ولكن الدين كله هو اسم جنس . وأعتقد أن الدين كله ، بالإضافة إلى كل الديانات السابقة ، يعني الدين الإسلامي بمركباته الثلاث ، ودين الحق هو أحد مركباته وهو أقواها جميعا " . و ... : " كثيراً ما يغفل المفسرون الارتباط الموضوعي والتاريخي بين الإسلام المحمدي والإسلام الإبراهيمي ، ويظنون أن الإسلام مقتصر ، كاسم ومصطلح ، على الدعوة المحمدية " . ولعل توصيفنا هذا أخذ بالملاحظة المنهجية ذات التعلق بالحداثيين ... : " مُلاحَظ على الحداثيين كثرةُ النقول ، والاقتباسات ، بشكل مستغرَب ، حتى أن المعلومات التي ينقلونها من العلوم الإسلامية قد لا تكون ، في أغلبها ، للبرهنة على أصل الفكرة . لكن الدافع وراء هذا كله الرغبة في " الإيحاء " للقارئ في عرْض " بطاقة ترخيص " لممارسة التحريف ولتضليل القارئ . كأن أحد هؤلاء يريد أن يوهم القارئ أنه يعرف هذه العلوم ، وبالتالي يكون له الحق في كتابة ما يكتب بشأنها حتى لو كان المكتوب شاذاً ومخالفاً لبدهيات هذه العلوم التي يكتب فيها هذا الحداثي " .
ما طرحه حداثيونا يدل على نقص ، وربما عدم ، معرفة بالتفسير علماً وكُتاباً وكتباً ... : " إن الدين عند الله الإسلام . المعنى : إخبار منه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام ، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين ، حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن لقي الله بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بدين على غير شريعته ، فليس بمقتبل عند الله ، كما قال تعالى : ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه " . و ... : " والإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة ، وإن تنوعت شرائعهم ، واختلفت مناهجهم ، كما قال تعالى : وما أرسلنا قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون . والآيات في هذا كثيرة ، والأحاديث ، فمنها قوله صلى الله عليه وسلم : نحن ، معاشر الأنبياء ، أولاد علات ، ديننا واحد " .
... : " ماذا قدم السادة العلماء للناس ؟ . لقد تصدر العلماء المجالس والإذاعة والتلفزيون على أنهم علماء المسلمين ، وجلهم ناقل وليس بمجتهد ، أي إنهم قدموا لنا ماذا فهم السلف من القرآن على أنه تفسير للقرآن . والواقع أنهم بذلك لم يقدموا ما يؤكد أن القرآن صالح لكل زمان ومكان ، بل قدموا لنا تراثاً ميتاً " .
وهذا تعميم بلا أدلة ، ما ينقض الحكم من أساسه ، وذلك المجرى يتنافى مع أبسط قواعد المنهجية العلمية ... " التعميم الباطل أحد الأصول الكبرى التي تقتات عليها مغالطات المضلين والمفسدين في الأرض " .
... : " وبذلك أصبح الإسلام دينَ نقل ، ومات العقل والنظرة النقدية إلى النصوص . أقوال هؤلاء ليس لها قيمة علمية كبيرة بالنسبة لنا ، ولكن لها قيمة تراثية أكاديمية بحتة " .
... : " بغض النظر عن حقيقة التطورية ، أو بطلانها ، المهم : أن التطورية ، بمدارسها المختلفة الآن ، هي جزء من الدماغ المعاصر ، وتتضمن إسقاطاته النظرية على كل المواضيع بما فيها آيات الكتاب ، وبالتالي فإن الفارق بين التفسير السلفي والإسقاطات الراهنة هو فارق في الزمان والمكان ، وليس مجرد تأويل عصري ، أو تفسير بالرأي يخالف ما أجمع عليه أهل الحل والربط في مسائل التفسير . إن الإصرار على المنظور السلفي في التفسير بالمأثور والمنقول هو استلاب الحاضر لمصلحة الماضي ، ومصادرة الزمن لصالح لحظة تاريخية معينة " .
لكن المعتبر أن التفاسير لها قيمتها العلمية ، فهي ليست ( مجرد ) تفاسير تاريخية كزعم هؤلاء ، ولا تعني العودة إليها استلاب الحاضر لمصلحة الماضي ؛ فالماضي كان حاضراً ، والحاضر سيصير ماضياً . وتبقى الحقيقة هي الحقيقة ماضيةً كانت أو حاضرة . ألسنا ، ونحن في القرن الواحد والعشرين ، نعود إلى مصدر الفلسفة الذي هو : فلاسفة اليونان ؟ دون أن يقال إن هكذا إجراء يجب تجاوزه حتى " لا يستلب حاضر الفلسفة لحساب الماضي " ، فلماذا ، إذاً ، تعاب العودة إلى التفاسير المأثورة ؟ .
نرى أن هذه الحملة على كتب التفسير ، والتفسير المأثور حصراً ، يراد من ورائها كسر حاجز الهيبة بين العامة ، فيصير يتعاطى علم التفسير " كل من هب ودب " بدون منهجية ولا مرجعية علمية ، وهذا يضع القرآن الكريم بوجه أهواء كاتبين بأعينهم لا سند لهم إلا " ما تهوى الأنفس " .
وهذا موجز رأي أحدهم في التفاسير ... : " نقول لهؤلاء السادة ليس هنالك داع ، أصلاً ، لتفسير القرآن للاعتبارات التالية :
1- إن أي تفسير لا بد وأن يمثل إسقاطاً بشرياً على الوحي الإلهي ، وهو مرفوض رواية ودلالة ، لأنه تحكيم للأدنى في الأعلى : الظنون في اليقين ، وإنه لا بد أن يسفر عن إساءة ، أو انتقاص ، بحكم القصور البشري .
2- إن التفسير الوحيد المؤتمن الذي لا تعلق به شائبة هو تفسير القرآن نفسه بنفسه .
3- إن القرآن نزل أساساً لهداية الناس ، لتحويلهم من الظلمات إلى النور ، وهذا ما يحققه القرآن بطريقته الخاصة والفريدة من نظم موسيقي إلى تصوير فني إلى معالجة سيكيولوجية للنفس الإنسانية ... : " وقد حقق القرآن الكريم غايته في خلق النفس الإيمانية أفضل تحقيق في العهد النبوي حيث لا تفاسير ولا شروح ، وعاش الصحابة وقاموا بإنجازاتهم العظيمة ، وختموا حياتهم وهم لا يلمون بشيء مما وضعه المفسرون من فنون " .
صاحب النص يريد أن يضيق على المسلمين ، فيحصر الثقافة الإسلامية بالقرآن وحده من دون تفاسير ، وبذلك يتم حرمان المسلمين من جهود ، وثمرات عقول ، مفسريهم بحجة أنها " إسقاط بشري " على الوحي الإلهي ، علما أن الله تعالى دعا إلى تدبر آيات القرآن الكريم وسوره ، وبين أن معانيها لا يحاط بها ، وأنه أنزل القرآن بلسان عربي مبين ، وطلب منا سؤال أهل الذكر عندما نجهل شيئاً منها ، وأمرنا بالتفقه بالدين . وهذه الأمور ، كلها ، مدعاةٌ للبحث والتفكر في القرآن الكريم .
لا شك أن الوحيّ هو ، في المقام الأول ، خطابٌ إلهيٌّ من : الله ، عز وجل ، إلى رسول ملَك ( = جبريل عليه السلام ) ، إلى رسول ، أو رُسل ، بشر ( آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم ) إلى مكلفين . ففي حالات الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم كان الخطاب موجهاً إلى قوم محددين ، ذلك لكون الرسالات قبل محمد صلى الله عليه وسلم خاصة وليست عامة ، أما في حالة رسالة محمد عليه الصلاة والسلام ، فإن الرسالة موجهة إلى الناس ، المكلفين ، جميعاً : مؤمنهم وكافرهم ، وهنا يتميز الخطاب من الرسول البشر ( = محمد ) قسمين : فخطاب المكلف المؤمن يقارف العقيدة بالشريعة في آن ، بينما خطاب المكلف غير المؤمن ، أو غير المسلم ، يضع فاصلة زمنية بين الخطاب العقدي والخطاب الشرعي .
كما أنه لا شك أن الناس متفاوتون في العلم والفهم وما يتبع هذين الأمرين من تدبر / تفقه ، وهذا يمهد لأن تتباين كتب المفسرين إنْ من شخصٍ لآخر ، أو من عهد لآخر . ولا يعني هذا إسقاطاً لفهمٍ بشري على الوحي الإلهي ، تأسيساً على أن للتفسير منهجاً يرتكز إليه وينطلق منه ، كما أن له أدلة يلزم المفسر ، سواء كان تفسيره بالماثور ، أو كان بالمعقول ، أو كان باللغة ، أن يقوم تفسيره عليها . ويصح ادعاء الكاتب في حالة واحدة فقط : لو كان هذا المفسر ، أو ذاك ، يفسر بلا منهجية ، أو يُعمل " رأيه " في الآية ، أو الآيات ، بغير دليل ، فهذا ، فقط ، هو الإسقاط البشري على الوحي الإلهي ، وهذا لا يتم إلا إذا ألغينا كتب التفسير ، وبدأ كل واحد يفهم القرآن على طريقته الخاصة ، وهذا هو ما دعا إليه صاحب النص .
بقيت مسألة عدم الحاجة إلى كتب التفسير
يُتْبع ...

 
رد: في " التجديد والتطوير " عرض ونقد :

مسألة عدم الحاجة إلى كتب التفسير .
[/B][/SIZE][/FONT][/FONT]

(8) :
من قراءة تاريخ العلم عند العرب ، وتحديداً في كتابات جورج سارتون ، نخلص إلى أنه من المعلوم أن علماً كـ النحو لم يكن موجوداً بعهد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ولا بعهد عصر الصحابة رضي الله عنهم ، لكن الثابت ، تاريخياً ، أن القوم كانوا يتكلمون العربيةَ الفصحى بسليقتهم من غير حاجة لهكذا علم ، ثم حدث أن اقتضت طبيعة الحياة ، وتطور الظروف والأحوال ، والاحتكاك بالأمم الأخرى ، خاصة تلك التي فتحها المسلمون وكانت ، قبل الفتح ، ذات حضارة بشكل ما كبلاد الفرس وبلاد مصر ، اقتضت طبيعة الحياة إلى تدوين العلوم ، ومن بين هذه العلوم علومٌ كـ : النحو والتفسير . وأصبح في حكم المسلمات أن تدوين العلوم هو جزء مما يفخر به المسلم حال يطالع تراثه الإسلامي ، ولو لم يتم هذا الإجراء لضاع الكثير ، والمهمُّ ، من الأعمال العلمية .
إن القول بعدم وجود التفاسير في عهد الصحابة رضي الله عنهم لا يعني ، ولا يجب أن يعني ، عدم الحاجة إلى هذه التفاسير ؛ فالصحابة ، رضي الله عنهم ، كانوا ، في الغالب الأعم ، يفسرون القرآن للناس دون تحري الكتابة ، ثم جاء مَن جمعَ هذه الشروح ، عنهم وعن النبـي صلى الله عليه وسلم ، ورأى الجمعون أن يُسمى هذا المجموع بـ التفسير بالمأثور ، وبمرور الوقت ، وبحكم سنن الأشياء ، نشأت / ظهرت مدارس للتفسير مختلفة .
هذه واحدة ، وأخرى : أن هكذا دعوى تحمل في طياتها السعي باتجاه حرمان الأمة من جهود علمائها السابقين ، وعدم الاستفادة من الدراسات العلمية بوجهٍ عام ، وما له تعلق بالقرآن بوجه خاص ... بل وبكل الدراسات التي قامت بغرض فهم ، ومن ثم نشر ، الدين .
• السلبية باتجاه علوم التنزيل :
وبطبيعة الإجراءات ذات الطابع الحداثي ، سيقف الحداثيون ، بدرجات ، موقفاً سلبياً من " علوم التنزيل " ، وهذا موقف ، برأينا ، متسق مع موقفهم السلبي من علم التفسير بالأصل ... : " وليس يهمنا سبب النزول ، كما هو شأن المفكرين التقليديين في التفسير ، ولكن يهمنا موقع الآية ضمن إعادة ترتيب آيات الكتاب ، كما أمر بها الرسول في آخر أيامه " . و ... : " ويلاحظ الدارس المسلم اليوم أن مفهوم النسخ ، بوضعه التقليدي ، قد تعرض لعدد من مبادئ أساسية في الوحي والرسالة بالإلغاء ، وقصر مجالات الرسالة ، وأبعادها ، على آخر ما نزل من النصوص ، وما اقتضته ممارسات الرسول صلى الله عليه وسلم وحاجة المسلمين على العهد المدني الثاني . ومن أمثلة الآثار السلبية للنسخ بهذا المفهوم قضية العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين ، وما يترتب على ذلك من مفاهيم في الدعوة والعلاقات الدولية الحضارية ، وكذلك قضية علاقة المرحلة المدنية بالمرحلة المكية ، وما يمكن أن ينشأ بينهما من علاقة التناسخ ، وأثر ذلك على عمل الدعوة الإسلامية ، والتشريع الإسلامي ، واستراتيجيات العمل السياسي في هذا العصر . ففي مجال العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين نجد أن آية السيف : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) التوبة/5 تمثل نموذجاً واضحاً للآثار السلبية للسائد في منهج النسخ التقليدي ، فآية السيف نزلت في نهاية العهد المدني الثاني ، والمسلمون يتمتعون بالقوة والغلبة ، وذلك في مواجهة مشركي العرب ، الذين بالغوا في عداء المسلمين ، والاعتداء عليهم ، ونقض عهودهم ، رغم انقضاء ما يزيد على عشرين عاماً من الدعوة والمسالمة والبر والصبر من المسلمين ودولتهم ، فأمر القرآن الكريم بقتال المشركين القساة الكواسر ، الذين مازالوا يعيشون بدائية اجتماعية وحضارية ، وأخذهم بالقوة والعنف والإذلال ، حتى يخضعوا للإسلام ويدخلوا في مجتمع حضاري منظم ، فيصلح حالهم وتهذب نفوسهم ، وينتهوا عن عدوانهم ، ويكفوا أذاهم وقسوتهم وعدوانيتهم الناجمة عن بدائية تكوينهم الاجتماعي عن أنفسهم وعن الإسلام والمسلمين . وهنا نجد مفهوم النسخ في المنهجية التقليدية لا يستخلص الدلالة التنظيرية المطلوبة من مجالها الذي تعلقت به ، وهو الإصلاح والتهذيب وأخذ الظالم المعتدي بالقوة الرادعة ، ولكنه ينتهي إلى مجالات الدعوة كافة ، وعلاقات التعامل ، والحوار ، مع غير المسلمين جميعاً في كل الأحوال . إن مجرد تعارض الأحكام ، والنصوص ، الظاهرة لا يعني ، بالضرورة ، ولا في الغالب ، النسخ والإلغاء ، ولكن يعني أن الحياة الإنسانية في أوضاعها المختلفة تحتاج إلى مواقف وأحكام مختلفة ، وكلما تحققت العلاقات والشروط والظروف الموضوعية لحكم ، أو توجيه ، بعينه ، كان الحكم والتوجيه المعني هو الحكم والتوجيه الملزم للمسلم " .
ويخلص كاتب النص السابق إلى : " إن مفهوم النسخ بأن آخر ما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ، وآخر ما نزل من القرآن ، قد ألغى ، ونسخ ، ما سبق من تشريع وتنزيل وأحكام ، إنما هو في الحقيقة إلغاء لمعنى ختم الرسالة وأبدية توجهها ، بل ودفعها إلى أضيق السبل " .
لكن نفس الكاتب يتناقض مع نفسه ، فيعود ليقول : " لا نشك أن هناك نصوصاً نسخت نصوصاً أخرى ، كما أننا لا نشك أن الدين ، والرسالة ، جسدٌ واحد متكامل قد تم بلاغه للناس ، ويلزمهم اتباعه لما فيه مصلحتهم في الدنيا والآخرة " .
والرجلُ " خاتلَ " القاريءَ ؛ فهو جاء بما سبقه إليه " علماء " المسلمين الذي سبق وأعلن رفضه لهم جملةً وتفصيلاً . المأخوذ على الرجل أنه ما أشار إلى الذين سبقوه إلى ما قاله : لقد سبق وأدرك علماء المسلمين القدامى قاعدة " تغير الأحكام " بحسب " تغير الزمن " ؛ ففي قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلمو أن الله مع المتقين " ( سورة التوبة ، الآية 123 ) جاء قول أحد هؤلاء " المرفوضين " من الكاتب الحداثي : " أي قاتلوا الكفار ، وتوكلوا على الله ، واعلموا أن الله معكم إذا اتقيتموه وأطعتموه . وهكذا الأمر لما كانت القرون الثلاثة ، الذين هم خير هذه الأمة ، في غاية الاستقامة والقيام بطاعة الله تعالى ، لم يزالوا ظاهرين على عدوهم ، ولم تزل الفتوحات كثيرة ، ولم تزل الأعداء في سفال وخسار . ثم لما وقعت الفتن والأهواء والاختلافات بين الملوك ، طمع الأعداء في أطراف البلاد ، وتقدموا إليها ، فلم يُمانَعوا لشغل الملوك بعضهم ببعض . ثم تقدموا إلى حوزة الإسلام ، فأخذوا من الأطراف بلداناً كثيرة ، ثم لم يزالوا حتى استحوذوا على كثير من بلاد الإسلام ، ولله الأمر من قبل ومن بعد ، فكلما قام ملك من ملوك الإسلام ، وأطاع أوامر الله ، وتوكل على الله ، فتح الله عليه من البلاد ، واسترجع من الأعداء بحسبه ، وبقدر ما فيه من ولاية الله " .
فهذا النص من أحد علماء المسلمين / المفسرين القدامى ، والذين يرفضهم ، وعلمَهم ، الحداثيون ، يبين أن تطبيق الآية يكون بحسب الاستطاعة لتغير الظروف عما كانت عليه في القرون الثلاثة الأولى . كما يشير النص إلى أن آية السيف لم تنسخ ما قبلها من آيات السلم ... : ( " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم " ) : " وإن جنحوا : أي مالوا . للسلم : أي المسالمة والمصالحة والمهادنة . فاجنح لها : أي : فمل إليها ، واقبل منهم ذلك . ولهذا لما طلب المشركون ، عام الحديبية ، الصلح ووضع الحرب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين ، أجابهم إلى ذلك مع ما اشترطوا من الشروط الأخر . وقال عبد الله بن الإمام أحمد : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إنه سيكون اختلاف ، أو أمر ، فإن استطعت أن يكون السلم فافعل ] . وآية " براءة " فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك ، فأما إذا كان العدو كثيفاً ، فإنه يجوز مهادنتهم ، كما دلت عليه هذه الآية الكريمة ، وكما فعل النبـي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، فلا منافاة ، ولا نسخ ، ولا تخصيص ) .
والمشكور للكاتب الحداثي ، ونحن ، كمسلمين ، مأمورن بالقسط حتى مع الأعداء ، المشكور له جهده الكبير لإثبات أن آية السيف لم تنسخ آياتِ السلم ، ونعتبر هذا منه ذوداً عن الإسلام ، وتأصيلاً للعلاقات الدولية بين المسلمين وغيرهم ، لكن المأخوذ عليه أنه له لو رجع إلى تفسير علمائنا القدامى ، لوجد أنهم قد سبقوه إلى هذا الرأي ، فقد تبنوا ، ونصوصُهم شاهدةٌ ، القول بأن آية السيف لم تنسخ آيات السلم . وهذا يدلل على أن " الاجتهاد " ، و " دراية الواقع " أمر قائم عند علماء الأمة عبر العصور . مع الإشارة اللازمة إلى أن هذا لا يعني ، بالضرورة ، نفي فكرة النسخ من القرآن ، وقد رأينا أن الكاتب الحداثي أقر به .
ثم نقرأ لحداثي آخر قوله : " نحن لا نأخذ بالنسخ ، ولا بأسباب النزول ، ولا غيرهما ، مما يُفتات على القرآن " .
هكذا ، وكأن " القضية " ، في التعامل مع القرآن الكريم ، قضيةُ هوى ، أو قضية " مِزاج " : ماذا نأخذ ، وماذا لا نأخذ . وإذا كان هذا الحداثي لا يأخذ بأسباب النزول ، فكيف سيفسر لنا قصة الإفك ، وسورة تبت ، وسورة المجادلة ، وغير ذلك ؟ . وإذا كان الرجل يرفض النسخ ، فهل له أن يفتي الناس بشرب الخمر في غير أوقات الصلاة لأن الله ، تعالى ، قال : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) . ؟ . فإذا لم تكن هذه الآية منسوخةً ، فإن شرب الخمر ، في غير أوقات الصلاة يقتضي الإباحة ... مع ورود عير نص بأنها " أم الخبائث " .
وهاك نصاً يبين رؤية حداثيينا لمؤهلات دراسة القرآن والسنة ... : " وأول الأصول الأساسية هما الكتاب الكريم والسنة النبوية ، وأهم ما يلاحظ على مفهوم هذين الأصلين الأساسيين أن مؤهلات دراستهما والنظر فيهما في إطار المنهج التقليدي هي مؤهلات لغوية نظرية تاريخية ، تجعل الدراسة العلمية الإسلامية فيهما دراسة نظرية ، وما يخالطهما من فهم ودراية بالواقع وإمكاناته وحاجاته وتحدياته هي قضية ثانوية " . ثم ... : " مما ساعد على غبش الرؤية الإسلامية المعاصرة تلك العوائق النفسية التي روضت العقل المسلم ترويض الحيوانات الكاسرة ، فلا يجرؤ على إمعان النظر التحليلي في تراثه ومقدساته ، بالقدر والعمق المطلوب لكي يدرك كنهها وموضع اللباب منها " .
نرى أن " إمعان النظر التحليلي " في " التراث " مطلوب ، ولكن في المقدسات فيه نظر ؛ فأما بالنسبة للقرآن الكريم ، فلا مجال فيه ، وأما السنة النبوية ، فالصحيح منها لا ينبغي إعادة تصحيحه من جديد عبر العصور ، وإلا سنبقى إلى يوم القيامة في دوامة ، ولن يكون للقوم شغل إلا تصحيح السنة " الصحيحة " ، ولا ينبغي أن يكون هذا هو الشغل الشاغل للأمة بأسرها ، ولكن يدركه ، ويقوم به المختصون ، وإنما ينطبق كلام صاحب النص على الأحاديث الضعيفة وأقوال الصحابة لا أكثر .
لكن يبدو أن بعض الحداثيين يريد إعادة النظر في الكِـتاب ذاته ، وفي السنة الصحيحة . وهنا مكمن الخطورة ؛ فهذا الإجراء سيزعزع ما هو " ثوابت " الإسلام عبر إثارة الشكوك والشبهات التي غالباً ما سترتدي ثوب العلمية والحيادية ودعوى البحث العلمي ... إلى آخر هذه المعميات التي أوجدها ، وصدّرها إلينا ، غيرُ مستشرق .
وأما " حكاية " دراية الواقع وإمكاناته ، فقد عني بها علماء الأمة قديماً وحديثاً ، ولكن ينبغي أن نعي أن الواقع متغير من بلد لآخر ، ومن وقت لآخر ، لذلك لا يمكن اعتباره مصدراً للتفسير لكي يُدرس مع علوم الشريعة واقع كل بلد وكل أمة في كل وقت ، ولذلك تعتبر دراسة السيرة النبوية هي النموذج الأمثل لدراسة التعقيدات والتحديات التي واجهها النبـي صلى الله عليه وسلم في حقل الدعوة . والمفسر ، أو المحدّث ، يستمد من حياة النبـي صلى الله عليه وسلم ما يناسب عصره وواقعه . كما يعتبر التاريخ الإسلامي سجلاً كبيراً للتجارِب الإنسانية التي ينبغي على المفسر الإلمام بها ، وكذلك تجارب الأمم والشعوب . وكتب علم الاجتماع ، ووسائل الإعلام المعاصرة تمد المفسر ودارس الدين ، بدراية كبيرة حول واقعه ، وماذا يجري من حوله ، ولذلك نحن لا نعتقد بأن تجاهل الواقع أمر ممكن في الدعوة في هذا العصر ، ولا نعتقد أن العلماء يتجاهلون دراسة الواقع وتحدياته ، ولكن يجب أن نفرق بين تحديهم للواقع الذي يدعو إلى الانجراف من الدين والقيم ، فيثبتون على الحق وكأنهم يرفضون الواقع ، وبين انزلاق بعضهم بفتاوى تحلل للناس ما حرم الله ، وتجيز للناس تعدي حدود الله تحت شعار الواقعية وفهم الواقع ، وهذا منهج مرفوض من الدين ذاته ، فضلاً عن العلماء ذوي الاعتبار .
الملاحَظ أن " نظرية " " إعادة النظر " في المقدسات تلقى صدى عند البعض ، فكان أن أعيد طرح قضيايا أكل الدهر عليها وشرب كـ علاقة الوحي بالعقل ؛ فأحدهم يرفع ضرورة تقديم العقل على النقل عند التعارض وعدم إمكانية التوفيق بحجة أن : " النظر العلمي يقتضي إلحاق الجزئي بقاعدة كلية ، فإن تعذر نظرنا في إمكان تعديل القاعدة الكلية لدفع التعارض بين الكلي والجزئي ، فإن تعذر فلا مفر من التوقف باعتبار الجزئي واستمرار العمل بالكلي ، أي التوقف في النص ، واعتماد منظومة القواعد الكلية التي تشكل البنية الداخلية لعقل الناظر في النص " .
والتاريخ يبين لنا أن إشكالية " تقديم العقل على النقل " هي من بين القضايا التي " قُتلتْ بحثاً " بدءاً من بحوث المعتزلة مروراً بالكندي وليس انتهاءً بابن رشد . وقد انتهى هؤلاء إلى أنه لا ضرورة لإقحام العقل في قضايا الإيمان بالغيب تحديداً ، وباقي القضايا فيها نظر / اختلاف بين المدارس الكلامية ، ومن باب أولى بين الفلاسفة المسلمين كـ صفات الله تعالى ، والمتشابهات . لا شك أنه ليست جميع العقول مستنيرة ، وأن ما يقبله عقل واحد من الناس قد يرفضه عقل آخر . أما إذا اتفق جميع العقلاء على رفض شيء ، فهذا ، من باب أولى ، سيرفضه الدين ، وبالتالي يتصدر بيان ابن رشد المناداة باعتماد دليل النقل مع الاعتبار بدليل العقل ، واعتبار دليل العقل مع عدم وصاية له على دليل النقل . ويبقى الصواب ، برأينا : أن الحقيقة العلمية ليست ، بالضرورة ، ما يؤيدها الدين ، بقدر ألا تكون متعارضة مع الدين ... بمعنى أن المعول عليه ليس " الاتفاق " بقدر ما هو " عدم التعارض " .
• الموقف من السنة النبويـة :
يُتْبع ...
 
رد: في " التجديد والتطوير " عرض ونقد :

• الموقف من السنة النبويـة :
[/SIZE][/FONT]
(9) :
أولاً : المصطلحات :
استحدث مفكرونا الحداثيون تعريفاً جديداً يفارق التعريف الذي هو للسنة النبوية ، والذي تلقّته الأمة ، خلفاً عن سلف ، بقبول حسن ... والتعريف المستحدَث على يد الحداثيين ، والذي يريدون تسييده تصوراً وتصديقاً ، هو : " السنة هي : منهج في تطبيق أحكام أم الكتاب بسهولة ويسر دون الخروج عن حدود الله في أمور الحدود ، أو وضع حدود عُرفية مرحلية في بقية الأمور ، مع الأخذ بعين الاعتبار عالم الحقيقة الزمان والمكان ، والشروط الموضوعية التي تطبق فيها هذه الأحكام " . و ... : ( ندعو إلى اكتشاف الوحدة البنائية في القرآن الكريم ، وقراءته باعتباره معادلاً للكون وحركته ، واعتبار السنة النبوية الصادرة عن المعصوم ، صلى الله عليه وسلم ، تطبيقاً لقيم القرآن ، وتنزيلاً لها في واقع معين ، والنظر إليها كوحدة في ذاتها متحدة مع القرآن بياناً له ، وتنزيلاً لقيمه في واقع نسبي محدد " .
ما دامت " الحكاية " أن السنة " تطبيق للقرآن في واقع محدد " ، وبدَهيٌّ أنه قد تغير الواقع اليوم عن الأمس ، فالرجل يقول : " علينا اعتبار كل الأحاديث المتعلقة بالحلال والحرام ، والحدود التي لم يرد نص فيها في الكتاب ، على أنها أحاديث مرحلية : مثل الغناء والموسيقى والتصوير ، واعتبارها أحاديث قيلت في حينها حسب الظروف السائدة . وعلينا ، أيضاً ، اعتبار كل أحاديث الغيبيات التي لا تنطبق مع القرآن : مثل عذاب القبر والروح على أنها سر الحياة ، على أنها أحاديث ضعيفة ، أو موضوعة ، وعدم الأخذ بها " .
وهذا الموقف سيؤدي ، لا محالة ، إلى إنكار " كل " حديث من السنة النبوية لا يوافق " هوى " نفس هذا أو ذاك من غير لا منهجية ولا مرجعية ... فضلاً عن " دراسة " متخصصة " حيث الأمر سيكون " سداحاً مداحاً " ، فقد أورد واحدٌ من القوم الحديث التالي : ( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) . ثم علّق : " ولكن في الحياة الآخرة يوجد في الجنة حور عين للجماع . والرجل ليس بحاجة إلى أن يخدمه أحد في الجنة ( قطوفها دانية ) الحاقة / 23 ، ففي هذه الحالة الرجل ليس بحاجة إلى المرأة ، فأرسلها إلى النار معتمداً على الحديث : ( أُرِيتُ النارَ . فلم أر منظراً كاليوم ، قط ، أفظع . وأُريتُ أكثرَ أهلها من النساء ) . البخاري ج2 ص93 ، هذان الحديثان يناقضان كل ما أوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب شكلاً ومضموناً . وقد شرحت ، في مفهوم الأزواج في الجنة ، مفهوم الحور العين . وقد قلنا إن آيات الجنة والنار هي من الآيات المتشابهات " .
ونحن نتهم صاحب النص بأنه يتهم " أهل العلم " ، ونراه ليس منهم ، بوضع الحديثيْن : فالحديث الأول ، فيه بيانُ " فضل " الزوج الذي يتحمل أعباءَ الأسرة . وهناك أحاديث كثيرة في فضل المرأة أيضاً . والثاني ، ذكرَ فيه أن أكثر أهل النار النساء . ومعلوم أن ما تجاوز نسبة 50 % بقليل ، يكون " أكثر " من الآخر . فهل ينبغي أن يتساوى عدد الداخلين إلى النار من الجنسين ؟ ، أم ينبغي أن يكون حظ الرجال من النار أكثر ؟ . إن الأمر لا يعدو كونه " قضية غيبية " ، وما نراه ، لحد الاعتقاد ، أنه لا ينبغي التعامل مع قضايا الغيب بهكذا بساطة عبر تأويل هو أقرب إلى التلوين منه إلى التأويل . هذه واحدة ، وأخرى : من أين لصاحب النص أن يدّعي أن " الحور العين " سـ تخدم الرجال في الجنة ؟ ، ومن ثم فلا حاجة لهم بنساء الدنيا . إن المرأة في الجنة ، أو الحور العين ، لا تعمل ، ولا تخدم ؛ فهناك " غلمان " مخلدون يقومون بوظيفة الخدمة ، ما يعني أن " الخدمة " في الجنة هي على عاتق " الذكور " لا الإناث . وقد ثبت في الآثار النبوية ( = السنة ) أن المرأة التي تدخل الجنة تكون أكرمَ ، وأجملَ ، من الحور العين ، ومن ثم فرأيُنا في " طرح " الرجل أنه لا يعدو كونه " ابتزازاً " للمرأة ليثير سخطها على دينها الذي هو ، برأي الرجل ومن يسير بركبه ، دينٌ ذكوريٌّ .
ثانياً : افتعال الخلاف بين القرآن والسنة :
يدّعي واحدٌ وجود " خلط " بين القرآن والسنة ... : " ويلاحَظ على دراسات الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة ، في إطارها التقليدي ، الخلطُ بينهما ، والجدل على موضع كل منهما ، وعلاقتهما فيما بينهما ، حتى لا يكاد يوجد إدراك موضوعي واضح حاسم لدور متميز لكل منهما ولعطائه الخاص ، وبذلك سطرت على دراستهما المعاصرة مفهوم التقليد التاريخي وفكرة النسخ " .
ولا نرى " علمية " في هذا الكلام ، من حيث إنه أدخَلُ إلى الإنشائيات منه إلى العلميات مفتقراً ، بذلك ، إلى الحجة والبرهان .
إنه ، وعلى سبيل الجزم ، لا أحدَ من المسلمين ينكر أن القرآن الكريم مُقَدمٌ على السنة النبوية ( القرآن الكريم ، بالنظر إلى السنة ، مصدرٌ أساس ، وهي مصدر ثانوي . بينما هي ، بالنظر إلى القياس ، أو الإجماع ، مصدرٌ أساس ، وهما ، أو أحدهما ، مصدر ثانوي ) ما يعني تأخير " أهمية " السنة درجةً على القرآن الكريم .
لكن صاحب النص يدعي على الإمام الشافعي مساواته السنة بالقرآن الكريم ... : " واستمر رد الحديث ، أو التوقف فيه ، عند تعارضه مع القواعد القرآنية ، إلى أن قام الإمام الشافعي بتأسيس الحديث كمصدر مستقل بذاته ، لا كمصدر تابع للكتاب ؛ ففي كتابه الهام الرسالة ، جعل الشافعي السنة مصدراً تشريعياً مستقلاً ، وذلك بإعطائها خاصية ثالثة إضافةً إلى الخاصيتين اللتين أجمع عليهما علماء السلف قبله : متابعة أحكام الكتاب وتبيين مجملها . الخاصية الثالثة التي أثبتها الشافعي هي : إنشاء حُكم لم ينص عليه الكتاب . أو بتعبير الشافعي : " ما سن رسول الله فيما ليس فيه نص كتاب " . دلل الشافعي على خاصية إنشاء الأحكام التي تتمتع بها السنة بالإشارة إلى الأحاديث التي تأمر برجم الثيب الزاني ليكرس بذلك استقلال الحديث ، ويرفع مرتبته إلى مرتبة القرآن الكريم " . ثم ، ... : " لا بد من فكرة تبعية الحديث للكتاب ، ورفض فكرة استقلاليته ، وبالتالي ، فإن قبول متن الحديث الصحيح ، أو التوقف فيه ، مرهون بموافقته للقواعد ، والمبادئ العامة ، المستخرجة من عملية استقراء النصوص . لذلك لا يصح الاستدلال على شرعة بنية ، أو ممارسة سياسية ، بالاستناد إلى أحاديث منفردة ، أو حتى آيات منفردة " .
واضح أن صاحب النص لم يزوّد نفسه بأبجديات ما تكلم فيه هنا !!! ما يعني ، بأحسن الفروض ، أن لدى الرجل " سوءَ فهم " لما نقل عن الشافعي ؛ فالسنة ليست ، عند الشافعي وغيره ، بمنزلة الكتاب وإنما هي ، عند الجمهور ، وحي ، ما يعني أحقيتها في التحليل والتحريم ، مع التشديد على أنها ليست مثل القرآن الكريم لا في الفضل ، ولا في الرتبة ، ولا في الأهمية . وقاريء ، ناهيك عن دارس ، السنة يستطيع التأكد من ذلك ، فكم من أمور ، وأحكام ، وردت في السنة ولم ترد ، على التحديد ، في القرآن الكريم كـ : علامات الساعة الكبرى ، ونزول المسيح عليه السلام ، وخروج الشمس من مغربها . هذا على صعيد الاعتقاد ، كذلك على صعيد الشتريع : تحريم الذهب على الرجال ... وغير ذلك من أمور ، وأحكام ، جاءت بالسنة ، ولم تأتِ في القرآن الكريم . لكن تيقى " حجيتها " في ردها إلى " عموم " ما أمر به القرآن الكريم ، ما يعني أن ما ورد ، صحيحاً ، في السنة أصله يرجع إلقرآن الكريم .
اتهمْنا صاحبَ النص بأنه فاته العلم بأبجديات ما يكتب فيه هنا ... وهاك دليلاً : الكاتب يدعي أن " الإيمان بالقدر " ورد بالسنة دون القرآن ... : " وتحدد مقومات الإيمان ، كما تعرضها نصوص الكتاب ، في خمس : الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر … وتضيف نصوص الحديث مقوماً سادساً إلى مقومات الإيمان ، فتشترط الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى ، كما ورد في حديث جبريل ، إذ سأل رسول الله عن الإيمان ، فأجاب : أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره " . وما فات الرجل أن " القدَر " مذكور ، نصاً ، في القرآن الكريم ، ما يعزز سطورنا الأولى الناعية على المتكلمين في " علم " دون معرفة ، ناهيك عن امتلاك ، أدواته ... : " إنا كل شيء خلقناه بقدر " . ( سورة القمر الآية 49 ) . ) والشيء بالشيء يُذكر : توقفنا عن " مناقشة " أحد الأكارم من المكثرين من الكتابة الدينية ، والعقدية تحديداً ، لدرجة " الإفتاء " لما كتب أن معنى " يأتوك رجالاً " أي " رجال " المقابلة لـ نساء . ولم يُجب عن معنى " فرجالاً أو رُكباناً " : هل هي ، أيضاً ، بمعنى " رجال " المقابلة للنساء ؟ أم الكلمتان بمعنى " راجلين " أي آتين ماشين على الأقدام ( = الأرجل ) .
فكيف فات صاحب النص هذه الآية ؟ : أهو : عدم معرفة ؟ ، أم هو : تجاهل كتمهيد للتبرير ، ومن ثم التمرير ؟ .
هذا واحد ، و آخر جعل مسعاه ، ونراه ، أو نتمناه ، غير مأجور ، افتعال الخلاف بين القرآن الكريم والسنة لينتهي الأمر بالقاريء ، خاصة من معرفته الدينية محدودة ، إلى أن يتشكك فيما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا سينتهي ، حتماً ، إلى علامات استفهام بشأن القرآن نفسه ، كما حدث مع المستشرقين الذين نعتقد ، يقيناً ، أن منهج هذا ، وأصحابه ، إما أنه " مأخوذ " عن هؤلاء ، أو هو متماهٍ معه ... : " وقد لخص القرطبي ، في تفسيره ، حجج وبراهين الطرف المجوز لصناعة هذه الجماليات المجسدة . والملاحظ هنا أن حجج المجوزين تعتمد على القرآن فيما رواه عن سليمان وعيسى . وحجج المحرمين تعتمد على أسانيد الأحاديث ، وأهمها الحديث المنسوب إلى الرسول برواية ابن عمر ، وهو حديث متفق عليه ، في قوله : [ الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة ، يقال لهم أحيوا ما خلقتم ] . وما روي ، مرفوعاً إلى الرسول ، عن ابن عباس : [ من صور صورة عذبه الله يوم القيامة ، حتى ينفخ فيها الروح ، وما هو بنافخ ] هنا نجد فارقاً كبيراً بين ما أتى به القرآن ، وما أسنده الرواة إلى الرسول . وكان بإمكاننا حل المسألة في هذه الحدود بتكذيب مسندات الأحاديث ، لأنها متعارضة مع نص قرآني . والرواة ، كما نعلم ، ليسوا أنبياء مهما تحققوا من مصادر الإسناد . ولكننا نتجه إلى الأمر بشيء من التحليل " . ثم : " ولكننا نتساءل : كيف أمكن دس هذا الحديث ، بإسناد قوي ، إلى الرسول ؟ ، وكيف تقبله علماء السلف وجزموا به ؟ . إن صحة هذا الحديث لا تقل عن صحة الحديث المنسوب إلى الرسول حول تناول المصحف ، وكلاهما باطلان من الأساس لغوياً وبلاغياً ، لا يمكننا البحث عن مبررات خارج البيئة الروحية التي نشأ فيها الإسلام ، وخارج التأثير التلمودي على بعض المفسرين " .
والمسألة " أبسط " من ذلك بكثير ، لكنها " تضخّمت " لغياب ، أو تغييب ، المعرفة العلمية بالمجال الذي يكتب فيه صاحب النص الهاجم على السنة ... إن قاعدةً أصولية تحسم الإشكاليةَ من بدايتها : " شرعُ مَن قبْلنا ليس شرعاً لنا " أو : " شرع مَن قبْلنا شرعٌ لنا ، ما لم يُنسخ " ، وهذا صحيح ، بدليل : هل " فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم " ( سورة البقرة ، الآية 54 ) ، وهي من شروط قبول التوبة عند " مَن قبْلنا " ( = اليهود ) ، تبقى " شرعاً " لنا ، فلا تصح التوبة ، في ديننا ، إلا بقتل أنفسنا ؟ .
إن ما ذكر في القرآن عن أحوال الأمم الماضية ، ليس ، كله ، من أجل أن نقتدي به تشريعاً ، بل لنأخذ منه العظة والعبرة .
وعن السنة عند حداثي آخر : " وتكررت المأساة بالنسبة إلى السنة ، بل زادت ، لأن الله حفظ القرآن من التحريف ، ولكن السنة تعرضت لأسوأ أنواع التحريف والوضع والرواية بالمعنى … إلخ ، بحيث إن المسلمين عندما أخذوا بها ظانين أنهم يأخذون ما قرره الرسول ، فإنهم في أغلب الحالات أخذوا بشيء آخر قرره اليهود أو أعداء الإسلام أو حاشية السلطان " .
ولمزيد من بث البلبلة ، والتشكك ، يقول الرجل : " ففي غيبة شخص الرسول يصبح الأمر نقولاً ورواياتٍ تتضمن الغث والسمين ، والضابط الوحيد للتمييز بينها هو العقل الخليفة الوحيد المؤتمن عند غيبة الرسول . دق هذا كله على الأسلاف ، فمضوا في تطبيق المنهج الذي وضعوه ، وعززت ذلك عوامل سياسية عديدة . وعندما قطعوا شوطاً في هذا ، أخذت العودة إلى القرآن تتقلص لحساب السنة ، ثم أغلق باب الاجتهاد ، فأصبحت السنة هي المسيطرة على الفقه الإسلامي . القضية في السنة أن الشبهات تكتنفها ، وتحيط بها في مجال الثبوت والدلالة " .
ويأخذ / يعيب صاحب النص على المسلمين ، خاصة من تصدر منهم للدعوة ، رؤية : " أن كل ما صدر عن الرسول سنة ملزمة " .
وبشيء من " التبصر " ، نخلص إلى أن كلام الرجل لا يصمد أمام أية آلية من آليات البحث العلمي ، فهو " يقرر " أن السنة النبوية " صنعها اليهود " أو " أعداء الإسلام " ... فمن أين ، يا تُرى ، أخذ هذه المعلومة التي تصب ، بنهاية المطاف ، في خانة الاعتقاد ؟ . وبفرض أن الرجل أمدّنا بالمصدر ، فما أدلته ؟ .
إن " تقرير " نتيجة كهذه يحتاج إلى دراسة مفصلة ذات مقدمات ، وأسس ، منهجية ، وذات استقراء واستقصاء ، ذلك حتى نصدق هكذا نتيجة . هذه واحدة ، وأخرى : من هم اليهود الذين زعم الرجل أنهم من صنعوا السنة ؟ فالتاريخ يذكر لنا أن كعب الأحبار ، ووهب بن منبه ، قد اعتنقا الإسلام ، وحدث أن دخلت " بعض " مروياتهم في كُتب السنة ... فما " حجم " مروياتهم ؟ ، وهل " وجود " " بعض " المرويات لهؤلاء يكفي لنفي السنة بأكملها ؟ ، وما الدليل " العلمي " الذي استند إليه الرجل ليقدم لنا شكاً بشأن إسلام هؤلاء ؟ .
نعلم أنه قد كان في المدينة المنورة منافقون ، بل ووجِد منافقون بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ، رأوه وبقيت قلوبهم على ريبتها ... بل ومنهم من كفر !!! لكننا نعلم ، وبنفس القدْر أن علماء الحديث ، أو المحدثين ، اعتمدوا ، وبموضوعية شهد لها كثير من الباحثين ، عدالة الصحابة، وهذا دفعهم لأن لا يأخذوا بمرويات المنافقين والفساق . وتمت دراسة " أحوال الرواة " واتمييز بينهم ، فكان أن قدموا لنا تصنيف الحديث إلى : صحيح ، وضعيف ، وموضوع . وما دام هؤلاء قبلوا " عدالة " الصحابة ، والتابعين ، ممن أسلم وكانوا ، قبل ذلك ، على الشرك قبل ذلك ، فلمَ لا يقبلون عدالة الرواة من أهل الكتاب ، وقد أعلنوا إسلامهم وشهد المسلمون لهم بذلك ؟ ... : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب " . و ... " لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك " . ما يعني أنْ لا غضاضةَ على المفسرين ، والمحدّثين ، في نقل مرويات الصادقين من أهل الكتاب ، فلا يجوز تفسيق الناس ، واتهامهم ، بناء على الظن ... فالظن هو " أكذب الحديث " .
وأيضاً ، من هم " حاشية السلطان " الذين " قرروا السنة " ؟ . إن هكذا اتهام يدل على عدم معرفة بالتاريخ بأنواعه ومنها : تاريخ الأفكار ، وتاريخ الأفراد ؛ فالثابت ، تاريخياً ، أن " أكابر " علماء السنة لم يكونوا على وفاق مع أهواء السلاطين :
- البخاري تم تعذيبه بسبب خلافه مع أمير بلده ، ثم نُفي خارج وطنه .
- وابن حنبل تعرّض للسجن بسبب قضية عقدية حوّلها الخليفة إلى قضية سياسية ظناً منه أن سلطة السياسة يجب أن تكون فوق سلطة العلم . لكن ابن حنبل رفض وتحمل التعذيب حتى شُلتْ ، أو كادت أن تُشل ، يدُه ، وجاءت " فتواه " بـ بطلان طلاق المكره ، وما لهكذا فتوى من دلالة سياسية سلبية خلخلت قبضة السلطة السياسية آنذاك .
- و الشافعي هرب من حاضرة السلطان في بغداد بعد أن سيق إليها مكبلاً من اليمن لخوف السلطة من فكره ونشاطاته الفقهية ذات الظلال السياسية ، فهرب إلى مصر نظراً لبعدها عن مركز السلطان .
في الوقت نفسه ، نحن نوافق الكاتب في أن العقل هو الخليفة المؤتمن بعد الرسول ، بل حتى في حياته صلى الله عليه وسلم ، فالعقل : أساس دليل البلوغ من حيث إنه " البلوغ كمال الإدراك " . والعقل " هو مناط التكليف " . والعقل : " حجة الله على عباده " ، هذه قضية " مفروغٌ منها " لكن جزئياتها تحتاج بياناً ؛
المراد بالعقل ، هنا ، ليس مجرد البعد عن الهوى ، فيُستحسَن حديث ويُرفض آخر بدون منهجية علمية ، بل هناك ضرورة لضبط القبول والرفض بحسب آلية منهجية تواضع عليها علماء تلقتهم الأمة ، ومناهجهم ، بالقبول الحسن ... والناس " شهداء الله في الأرض " :
- لا تكفي صحة السند لإثبات صحة المتن ، فإذا عارض الحديث ، ولو كان صحيحاً ، سنداً / نصاً قرآنياً ، صار الأخذ بالقرآن لا بالحديث .
- لو عارض الحديث اية حقيقة علمية ، أو تاريخية ، صار الأمر باتجاه هذه الحقيقة ... أو الحقائق .
هذا مع الإشارة إلى أن السنة النبوية قد تعرضت للدس والتحريف ، لكن ، وفي نفس الوقت ، لا بد من الإشارة إلى أن الأمر لم يترك هكذا : فقام علماء ميزوا بين الصحيح والمنحول حفاظاً على التطبيق العملي لما جاء في القرآن الكريم .
أما زعم الرجل سيطرة " السنة " على " الفكر الإسلامي " على حساب القرآن ، فهذه ، أيضاً ، دعوى تدشن لإقامة اختلاف بين مقاصد الاثنين : القرآن والسنة ، وهذا غير صحيح ، إذ الثابت أن " حفاظ " السنة ، ولا نستثني ، يبدأون بحفظ القرآن أولاً تمهيداً للاستشهاد به من خلال شروحهم للسنة ، ما يعني أن ليس ثمة فصام بين القرآن الكريم والسنة ، لا في مناهج البحث العلمي عند المسلمين ، ولا في تفكيرهم .
وملحظ أخير على الرجل ذو تعلق بما ادعاه من سيطرة السنة على الفكر الإسلامي حالياً ، لأن الملاحَظ أن ما سيطر على الفكر الإسلامي هو الجمود والتخلف والبدع والخرافات ، وهذه أمور حاربتها السنة اعتماداً على محاربة القرآن الكريم لها باديء ذي بدء .
ثالثاً : حجية السنة :
يُتْبع ...


 
رد: في " التجديد والتطوير " عرض ونقد :

ثالثاً : حجية السنة :
[/B][/SIZE][/FONT][/FONT]
(10) :
ادّعى البعض القول على ابن حنبل " السُّنَّةُ قَاضِيَةٌ عَلَى الْكِتَابِ " ، وأغفل هؤلاء ، عم عمد قاصد ، رد الرجل : " ما أَجسرُ علَى هذا أَنْ أَقولَه ، ولَكِنِّي أَقول : إِنَّ السُّنةَ تُفَسِّرُ الْكتابَ وَتُبَيِّنه " ما يعني صحة القول : " لا يَنْسخُ الْقرآنَ إِلا القرآنُ " .
جزء من عقيدتنا أنه لا حجية للسنة إلا بمرجعية القرآن الكريم .
وقد يصح القول إن " الحكمة " المشار إليها في بعض مواضع آيات القرآن الكريم هي السنة ... : " من الأدلة على سعة علمه ، وكثرة علومه صلى الله عليه وسلم ، الحكمة التي أنزلها الله عليه ، قال الله تعالى : [ وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة ] وقال تعالى : [ واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيراً ] . والحكمة هي السنة الظاهرة في أفعاله صلى الله عليه وسلم وأقواله وأحواله وإقراره . وقد سميت السنة النبوية بالحكمة لأن الحكمة تشتمل على سداد القول وصواب العمل ، وإيقاع ذلك في مواقعه ، ووضعه في مواضعه اللائقة به . ولا شك أن أقواله صلى الله عليه وسلم ، وأفعاله ، وأحواله ، وإقراره ، جميع ذلك هو عين الحكمة . ويدل على ذلك قوله تعالى : [ وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى] . فإن النطق أعم من التلاوة ، فلم يقل ، سبحانه ، وما يتلو ، أو ما يقرأ عن الهوى ، حتى يقال إن ذلك خاص بالقرآن الكريم . بل قال سبحانه : [ وما ينطق عن الهوى ] أي : وما ينطق محمد رسول الله عن الهوى ، [ إن هو ] أي : ما نطقه بذلك : [ إلا وحي يوحى ] يوحيه الله إليه بنوع من أنواع الوحي " .
وغني عن اليبان الإشارة إلى أن الإسلام ، بمصدريه القرآن الكريم والسنة النبوية ، يتفق مع العقل ، وما توجه خطاب الإسلام إلا إلى العقل ... : " دخل خالد بن الوليد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسلم عليه بالنبوة ، قال: فرد علي السلام بوجه طلْق ، فقلت : إني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله . فقال له : تعال . فأقبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله الذي هداك ، قد كنت أرى لك عقلاً رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير " .
ولا يوجد تناقض بين الكتاب والسنة ، من ناحية ، وبين العقل ، من ناحية ثانية . وينبغي على العقل أن يخضع لعلم الوحي المرشد إلى مصلحة الدنيا والآخرة ... : " إن العقل الرجيح يلزم صاحبه بالتمسك بهذا الدين ؛ لأنه دين كامل صحيح ، وهو غاية بغية العقل الرجيح . فالإسلام هو الدين المحكم ، وهو المعقول المبرم ، قال الله تعالى : [ إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون] ، أي تعقلون معانيه وأوامره ومناهيه ، فتعلمون ، يقيناً ، أنه لا يأمركم إلا بما هو خير لكم ، ولا ينهاكم إلا عما هو شر لكم . وكل من استمع إلى هذا الدين وعقله ، ووعاه وفهمه ، لا بد أن يسلم له ، ويستسلم إليه " .
رابعاً : ماوراء " التشكيك " بالسنة :
... : " إن التشكيك في السنة النبوية الصحيحة التي تذعن لها جماهير المسلمين ، والتي أقامت جزءاً معتبراً من صرح الفقه الإسلامي ، هو مثل بارز لمحاولات القديم والحديث الإخلال بالمنظومة الإسلامية ككل ، فقد أخذ هذا طريقه إلى عقول بعض الفرق الإسلامية في الماضي ، كما أخذ طريقه إلى عقول بعض الكتاب الإسلاميين في الحاضر . كما أن المستشرقين اليهود ، واللاهوتيين ، يلحون على ذلك إلحاحاً شديداً في كل ما يكتبون " .
وتاريخياً ، فقد عقدت مؤتمرات لأجل تفعيل هذا الهدف ، فقد : " عقد ، منذ سنوات ، مؤتمر للدراسات الإسلامية في لاهور بباكستان ، حضره علماء مسلمون من سورية ومصر ، كما حضره عدد من المستشرقين ، وقد ظهر للعلماء المسلمين أن هؤلاء المستشرقين هم الذين أوصوا بفكرة عقد هذا المؤتمر ، ودعوا إليه عدداً من تلاميذهم الفكريين في الهند وباكستان . وكان مما ألح عليه المستشرقون بحث السنة والوحي النبوي ، ومحاولة إخضاعهما لقواعد العلم كما يزعمون . وقد انتهى بعض تلاميذتهم إلى إنكار الوحي كمصدر للإسلام ، واعتبار الإسلام أفكاراً إصلاحية من محمد صلى الله عليه وسلم " .
يُتْبع ...

 
رد: في " التجديد والتطوير " عرض ونقد :

(11) :
خامساً : الموقف من شخص النبـي صلى الله عليه وسلم :
نقرأ في كتب ، وكتابات ، الحداثيين ، أموراً ليست تليق بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وهم – في ذلك – بزّوا حتى من درس هذا الأمر من المستشرقين من غير المسلمين ... : " إن النبـي ، في زيجاته ، لا يعتبر أسوة لنا أبداً . وكذلك زوجاته ، لا يعتبرن أسوة لنساء المسلمين [ يا نساء النبـي لستن كأحد من النساء ] الأحزاب /32 ، قال نساء النبـي ليبين لنا أن هذا تعليم وليس تشريعاً " .
ما ذهب إليه صاحب النص ، وله تعلق بأمهات المؤمنين ، رضي الله عنهن ، غير صحيح ... : " النبـي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم " . فهل : لا يقتدي الولد بأمه ، وهي من قامت عليه تربيةً وتنشئةً ؟ . وحال لم يقتد نساؤنا ، نحن المسلمين ، بزوجات النبـي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين فبمن يقتدين ؟ .
ويعود أحد حداثيينا ليلوك ما " قُتل بحثاً " لكنه " العامل النفسي " الساعي وراء كتابات المستشرقين بشأن أي حادث من شأنه إثارة شبهة هنا أو شبهة هناك ... : " كانت التجربة العربية التي نشأ ضمنها محمد تتقبل بواقعية تامة الزواج من صغيرات السن ، وقد تزوج محمد عائشة بنت أبي بكر ، وهي في السابعة . ونحن ننظر الآن من منطلق قيم مختلفة . وكم يود بعضنا ألا يكون الرسول قد فعل ذلك " .
وهذا ، برأينا ، كلام مرذول ، سبق ترداده من المستشرقين وأتباعِهم من التلاميذ العرب / المسلمين . ويبقى أن نشير إلى أن الزواج لا يكون لغرض جنسي فقط ؛ فقد تزوج الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، في أوج شبابه ، وفتوته ، خديجةَ رضي الله عنها ، وكانت تكبره ، سناً ، بفارق كبير ، ثم بقي ، عليه الصلاة والسلام ، معها حتى تجاوز الخمسين ولم يتزوج عليها . ولو كان زواجه من عائشة لغرض جنسي ، لكان تزوج قبلها من يريد وهو في فتوته وشبابه . هذا إضافةً إلى أن " سن " عائشة ، رضي الله عنها ، مختلف فيه .
أما مطالبة الرجل " الاحتكام " إلى " عصرنا " للكلام في " صحة " أو " خطأ " ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ، فواجب على طالبه ، أولاً ، أن " يفتينا " :
- هل " عصْرُنا " حجة على شرع الله ؟ ،
- ما قوله في " رضا " " عصْرِنا " بزواج المثليين ( = الشواذ ) ؟ ،
- ما قوله في " إباحة " " عصْرِنا " الفجور مع الأطفال ؟ ... بل والحيوانات ؟ ،
- ما قوله في " دعارة " " عصْرِنا " بكل صورها وألوانها ، مما تتقزز منه النفس ، ويعف عن ذكره اللسان .
إن الواضح الجلي غرق العصر المراد تنصيبه حكماً في هكذا أمر في المنكرات المحرمة ، ولا يملك " رشيد " تغيير هذا كله ، ولا حتى بعضه ؛ فألأمر " محمي " بقوة القانون ، كما بالعيون الساهرة .
وتزداد جرأة الرجل سعياً لتشويه كل قيمة تنتسب للإسلام ليجرده من فضائله حتى سواء كانت عقدية أو تشريعية ... : " ففي التبني ، تحركت نفسية الرسول باتجاه زوجة ابنه بالتبني . والتحرك لا يؤثر على مقام العصمة النبوي ؛ فقد كان من أمر يوسف أنه قد هم بها وهمت به ، ولكن أحاطت به العصمة النبوية . وحين أورد الله مسألة يوسف ، فلم يكن ليجرح يوسف إلا في مظان العقول المشوهة " .
وهذا لا يليق بمقام النبوة بحال ، تأسيساً على أنه قد لا يليق بأحاد الناس ... :
وأغض طرْفي ما بدت لي جارتي ،،، حتى يواري جــــارتي مأواها .
ألم يعلم الكاتب الحداثي ... : " أن الله ، تعالى ، لما أراد نسخ تحريم زوجة المتبنى ، أوحى إليه ، عليه الصلاة والسلام ، أن يتزوج زينب إذا طلقها زيد . فلم يبادر له صلى الله عليه وسلم مخافةَ طعن الأعداء ، فعوتب عليه " .
وهذا حداثي آخر ينسب للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، الجهلَ ... : " النبـي ، صلى الله عليه وسلم ، كان يجهل القصص أيضاً " .
ولو عدنا إلى القرآن الكريم ، فلن نجده يصف النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بالجهل ، بل يأتي الوصف بـ : " لاتدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً " و : " وعلمك مالم تكن تعلم " .
نعلم عن الكاتب اعتناقه فكرة ألّا ترادف في اللغة العربية ، ما يعني أنه كان عليه أن يعلم الفارق بين الصيغتين : لا تدري ، وتجهل . فهما لا تؤديان نفس المعنى ، كان واجباً عليه التحرز من وصف النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بما لا يليق بمقام النبوة .
... : " وضع الفقهاء النبي في عالم المطلق من حيث التشريع ، فحولوا بذلك الإسلام ، ورسول الله ، إلى تحجر وتزمت من حيث التشريع " .
وقول صاحب النص هذا مخالف للحقيقة ؛ فالنبي ، صلى الله عليه وسلم ، قدوة المؤمنين في سيرته ، ومرجعهم في سنته وأحكامه وتشريعاته بنص القرآن ... : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " .
يُتْبع ...
 
رد: في " التجديد والتطوير " عرض ونقد :

(12) :
سادساً : الموقف من علوم الحديث :
يقف الحداثيون موقف الرفض المطلق للسنة ، ولكل ما يتصل بها كـ علم الحديث ، وعلم المصطلح ، وعلمي الجرح والعدل ... : " هذا التيار نتج عنه أمران في منتهى الخطورة :
1- وضع حياة النبـي صلى الله عليه وسلم في عالم المطلق ، بينما كانت حياته منسوبة إلى شبه جزيرة العرب في القرن السابع ، بكل ما أحاطها من معطيات اقتصادية واجتماعية وسياسية .
2- الإصرار على أن أوامر النبـي ، ونواهيه ، هي وحي ، وأن السنة هي وحي ، والوحي دائما من الله ، والله مطلق . علماً بأن طاعة النبـي متصلة بطاعة الله في الحدود : حدود الله والعبادات والأخلاق : الصراط المستقيم فقط .
هذان السببان نتج عنهما أننا وقعنا في عمق المزلق المسيحي دون أن ندري ، حيث إن الديانة المسيحية مرتبطة بشخص المسيح حصراً ، وقد كان كلام المسيح عندهم هو كلام الله ، لذا فإننا نرى أن كل الأناجيل على اختلاف أنواعها عبارة عن السيرة الذاتية للسيد المسيح ، والأحاديث هي السيرة الذاتية للسيد النبـي صلى الله عليه وسلم . فكما أن هنالك عدة أناجيل ، فهناك عدة كتب للحديث ، فلماذا نعيب على المسيحيين أن لديهم عدة نسخ للأناجيل ، ولا نعيب هذا على أنفسنا في الحديث ، تقوم المسيحية على تأييد المسيح ، فشعائرهم الدينية مرتبطة بشخصية المسيح ، عيد الميلاد ، عيد الفصح ، حتى القداس هو الحضور الحي للمسيح ، فالمسيح بذاته هو الشهادة الإلهية لا الإنجيل ، أما عندنا نحن المسلمين فالشهادة الإلهية هي الكتاب المنزل وليس شخصية النبـي ، ولكن بمفهوم السنة التقليدي الموروث أصبح محمد صلى الله عليه وسلم هو الشهادة الإلهية إلى جانب الكتاب ، بل أصبح فعلياً الحديث النبوي هو المعتمد عليه أكثر من الكتاب في بعض الأحيان " .
نحن ، بهذا النص ، أمام مجموعة أغاليط بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ :
- منها ، خطأ مقارنة الأناجيل بكتب الســنة النبوية ، وإن أريد عقد مقارنة ، فتكون بين الأناجيل وبين القرآن الكريم ، تاسيساً على أن منزّل الاثنين هو الله تعالى : " نزل عليك الكتاب بالحق وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان " .
هنالك ، لا شك ، إنجيل منزل من السماء ، يقابله ، عندنا نحن المسلمين ، القرآن الكريم . والقضية الآن : إذا كان الإنجيل ، الموجود حالياً ، هو السيرة الذاتية للسيد المسيح ، وهي ، كما هو معروف ، مجموعة أناجيل ، فهذا يعني أن " الإنجيل الأصل " الذي نزل من السماء قد ضاع . وإذا كانت هي ، ذاتها ، ما نزل من السماء ، فلماذا هي عدة كتب وليست كتاباً واحداً كالقرآن ؟ . وهذا يعني أن المقارنة بين الأناجيل ، من ناحية ، وبين كتب السنة من ناحية ثانية ، قائمة على قياس غير سليم . إضافةً إلى إن السنة النبوية ليست مقدمة على القرآن الكريم بحال ، بل هي شرح ، وتوضيح ، وتفصيل ، للقرآن الكريم . كما أنها تختلف عن القرآن الكريم بغير وجه .
ولنا أن نشير إلى أن كثرة كتب السنة ظاهرة إيجابية ؛ لأن ورود الحديث في أكثر من كتاب ، ولدى أكثر من راو ، مما يعزز مكانة الحديث ، ويفتح المجال أمام العلماء للتحسين والتضعيف ، والقبول والرفض ، بخلاف ما لو كانت السنة محصورةً في كتاب واحد ، فذلك سيقلل فرص الاجتهاد ، ويلزم المتلقي بنص واحد .
إنه من حسن طالع هذه الأمة أنها لا تخضع إلى رأي مجتهد واحد ، أو راوية واحد لكتب السنة ، أو جامع واحد لهذه الكتب ، فالتعددية روح هذه الأمة ، وهي مجال خصب لحرية الفكر ، وتنوع المناهج ، وتعزيز الاجتهاد . كما أن اتفاق عدة رواة ، في كتب مختلفة ، على متن حديث واحد ، يؤكد صحة الحديث ، ويزيد من توثيقه على المستوى العلمي .
وموقف الكاتب من السنة ، ومن شخص النبي نفسه ، أقرب شبهاً بموقف سلمان رشدي ، صاحبِ آيات شيطانية ، بل لا نستبعد أن يكون موقف الرجل مستوحىً من موقف سلمان نفْسِه ... الذي يقول ما نصه : " لم يكن _ أي محمد – إلا رسولاً . والرسالة هي التي يجب أن تبجل " . ويزيد : " ولكن في أيامنا هذه ، استولت على الإسلام طائفةٌ متسلطةٌ من رجال الدين ، وهم الآن شرطة الفكر المعاصرون ، وقد حولوا محمداً إلى كائن كامل الأوصاف ، وحياته إلى حياة مثالية ، ووحيه إلى حدث جلي لا لبس فيه . وهو ما لم يكن عليه أصلاً ، وأقيمت محرمات صارمة ، ولم يعد في وسع المرء أن يرى محمداً بشراً له فضائل البشرية ، ونقاط ضعف البشرية " .
ونلاحظ أن هذا القول ليس جديداً ، فالكاتب " ناقل " ، ونقله يكاد أن يكون بالنص من أسوته : الاستشراق وأهله .
يُتْبع ...
 
رد: في " التجديد والتطوير " عرض ونقد :

(13) :
• الموقف من الإجماع :
الإجماع ، أصولياً ، هو : " اتفاق مجتهدي أمة ، محمد صلى الله عليه وسلم ، بعد وفاته ، في عصر من العصور ، على حكم شرعي في واقعة من الوقائع " .
والإجماع أحد مصادر معرفة الدين ... : " هو حق مقطوع به في دين الله عز وجل ، وأصل عظيم من أصول الدين ، ومصدر من مصادر تشريعنا بعد كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . ولذلك كان على المسلم أن يعرف ، حتماً ، مسائله ليعمل بها ، وليس له يزعم أنه يستطيع أن يتعداه ويعمل الرأي والفكر . قيل : إذا سئل أحدكم ، فلينظر في كتاب الله . فإن لم يجد ، ففي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإن لم يجد ، فلينظر فيما اجتمع عليه المسلمون ، وإلا فليجتهد " .
ويمكن حصر إنكار الإجماع في النظّام المعتزلي وبعض من فرق الشيعة . ونقل بعضٌ عن أحمد بن حنبل إنكاره ، وعن ابن تيمية : " من ادعى الإجماع في الأمور الخفية ، بمعنى أنه يعلم عدم التنازع ، فقد قفا ما ليس له به علم ، وهؤلاء الذين أنكر عليهم أحمد ، وأما من احتج بالإجماع ، بمعنى عدم العلم بالمنازع ، فقد اتبع سبيل الأئمة ، وهذا هو الإجماع الذي كانوا يحتجون به " .
هذا " حزء " من تراث الأمة ، أما " المجددون " ، فقد رفضوا حجية الإجماع ، فهو ، عندهم ، " لا يعتد به " ... : " إن المفهوم الموروث بأن الإجماع هو ما أجمع عليه السلف أو جمهور الفقهاء ، هو مفهوم وهمي " . و ... : " الإجماع الأصولي في مفهومه التقليدي لا يعتمده إلا فئة العلماء المتخصصين ، والأكاديميين في دراسات الكتاب والسنة ، مما يجعله ، لو تحقق ، قضية نظرية لا تستجيب بالضرورة لحاجات الناس ، ولا تخاطب عقولهم ، ولا تتحرك بهم . فالإجماع الأصولي هو مفهوم نظري بحت لا يمثل في الحقيقة مصدراً علمياً يعتد به ، ولا أسلوباً حقيقياً للعطاء الإسلامي الاجتماعي والسياسي والحركي " .
ويمثل الإجماع إحدى آليات " تجدد " الفقه عبر بوابة الشرع ، لذا لا يصيب من رفض الإجماع ، فهذا الرفض لن يطال الإجماع فحسب ، بل ما استند عليه الإجماع ليصح اعتباره حجةً ودليلاً في التحليل والتحريم .
بان ، إذاً ، كيف هو السعي نحو تقويض غير دعامة دينية : دعامة الدراسات القرآنية ، ودعامة السنة النبوية ، ثم ها نحن أمام تقويض دعامة الإجماع ، ليقفز إلى أذهاننا سؤال : ماذا يبقى من الإسلام الذي نريده عاملاً ؟ ، وسؤال آخر : هل يعقل أن المسلمين ، على مر عصورهم ، لم يتفقوا على شيء من أحكام الدين منذ وفاة النبـي صلى الله عليه وسلم ؟ .
يُتْبع ...
 
رد: في " التجديد والتطوير " عرض ونقد :

(14) :
• الموقف من القيــاس :
هو ، اصطلاحاً ، سواءً لدى الأصوليين والفقهاء : " إلحاق معلوم بمعلوم في الحق الشرعي ، إثباتاً أو نفياً ، للاشتراك في العلة " .
وتدليلاً على " رحابة " الفكر الإسلامي لدى سلفنا ... نجد أن القياس لم يكن مقبولاً عند غير فقيه / أصولي ، فقد رفضه : النظّام ، والقاساني ، والنهرواني ، والظاهريان : داود وابن حزم ، وفي المقابل ، أخذ به جل جمهور الفقهاء والمتكلمين / الأصوليين ... خاصة من كان منهم منظّراً للفرق الإسلامية .
وبطبيعة الحال ، سنجد لدى المانعين أدلةً ... فقد استدلوا بآيات قرآنية رأوا فيها ما يؤيد ذهابهم في إنكار القياس ، ونحن نراها غير ذات صلة مؤكدة ... : " ما فرطنا في الكتاب من شيء " و ... : " تبيانا لكل شيء " و ... : " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " و ... : " وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " .
لكن الحادث ، أنه بأيام الصحابة ، رضي الله عنهم ، حدثت قضايا لم ينص عليها لا القرآن الكريم ولا السنة النبوية كـ قضية الجد والأخ ، والعول ، والمبتوتة ، وقول الزوج أنت علي حرام . فكان أن قضى فيها الصحابة ، رضي الله عنهم ، بحكم الله معتمدين على " الاستنباط " إما من القرآن الكريم ، وإما من السنة النبوية . والشاهد ، أنه لا تزال الحوادث تتجدد ، وعلينا أن نجد لها استنباطاتٍ من أحد المصدرين : القرآن والسنة ، بطريق القياس والاجتهاد . فالتشريع الإسلامي قابل للتطور ، ما يعني أن " الجمود على ظواهر الآيات لا يتفق مع جوهر التشريع الإسلامي " .
وحديثاً ، رفض الكُتاب المحدثون القياس ، وأعلن أحدهم عدمَ مناسبة القياس لعصرنا هذا ... : " والقياس هو الأصل الأساسي الرابع … ومنذ اتسعت رقعة أرض الإسلام ، وتعددت شعوبه في عهد الخليفة الثاني عمر رضي الله عنه ، ومع مضي القرون ، والحقب ، وتغير الأحوال والإمكانات والحاجات والتحديات ، فإن التغير في كثير من الحالات ليس تغيراً جزئياً ، وإنما هو تغيير في بعض جوانبه واسع شامل . إن من المهم أن ندرك أن القياس الجزئي لم يعد مناسباً للدراسة والنظر في كثير من الحوادث والتغيرات " . وعند آخر : " إن قياس الشاهد على الغائب هو قياس باطل ومجحف ، فلا يصح أن نقيس أي مجتمع معاصر على المجتمع الذي عاش فيه النبـي صلى الله عليه وسلم ، وإلا فإننا نقع في الوهم . أما القياس الحقيقي فهو قياس الشاهد على الشاهد ضمن الحدود " . وعند ثالث : " إنه يصور سذاجة الفقهاء ، وهي سذاجة لم يكن منها مناص بحكم عصرهم وعهدهم ، وبساطة المعيشة ومحدودية المجتمع وثبوتيته . ولهذا ظهر أن القياس لا يكفي ، وأن الفقهاء خالفوا الأصل الذي أقره الرسول ، والذي يقوم على العقل وإعمال الذهن . وجاء في حديث معاذ المشهور: اجتهد ولا آلوا ( هكذا ) . في حين أن القياس مقيد بالعلة التي جعلته قميص كتاف للاجتهاد . وحتى لو استبعدنا القصور الذي يتعرض له هذا المنهج نتيجة لتطور الأوضاع ، فإن سلامته أيام الرسول لا تستتبع سلامته بعدها " .
نرى أن موقف هؤلاء المحدثين من القياس لا يقوم على سند علمي ؛ فهو كلام " إنشائي " يعوزه الدليل / البرهان .
القياس ، في الحقيقة ، محاكاةُ قضية لأخرى ، وإلحاقها بها . والمحاكاة لا يمكن الاستغناء عنها بحال . وعلى صعيد آخر : فالأدب ، كما عرّفه أرسطو ، هو محاكاة للواقع والطبيعة . والتربية للأطفال لا تكون إلا من طريق المحاكاة . والمسرح ، بحد ذاته ، محاكاةٌ للواقع . فالمحاكاة لا غنى عنها إطلاقاً ، لا في العلوم ولا الفنون ، وهي أساس فكرة القياس ، ما يعني أن القياس لا يمكن الاستغناء عنه بحال ، من حيث إنه أحد أدوات التفكير المهمة ، فالحوادث يشبه بعضها بعضاً . وربما جاء من هنا القول : " لا جديد تحت الشمس " . ثم ، إن الفقهاء عندما يقررون العودة إلى الأصول الأربعة ، فإن أداتهم في هذا كله ستكون العقل ، لا مجرد النقل ، فالعقل ، وطريقة التفكير ، عند كل واحد منهم جعلتهم يستنبطون من الآية الواحدة ، أو الدليل الواحد ، أحكاماً مختلفة ، ولذلك تباينت المذاهب والأحكام الفقهية ، فليست العودة إلى الأصول لغرض تعطيل العقل لحساب النص الشرعي ، وإنما لاستنباط الحكم الشرعي الذي يتناسب مع الحالة الواقعة في ضوء فهم النص .
إذاً ... رأينا ، عبر هذه الدراسة ، أن إثارة الشبهات المعاصرة حول مصادر التشريع الإسلامي تبدأ حول القرآن وعلومه وإعجازه وتفسيره ، ثم تنتقل لتشكك بالسنة وعلومها وتدوينها وحجيتها ، ثم تُسقط الإجماع والقياس بدعوى عدم ملائمتهما لعصرنا ، ما يعني " نسف " منظومة التشريع الإسلامي برمّتها ، ونصبح ، نحن المسلمين المعاصرين ، أمام بدعٍ وأفكار تخالف ، في معظمها ، الدينَ نفسَه . ونداؤنا بالمسلم أن يتوخى السلامة لدينه ، وأن لا يتقبل ما يثار حول مصادر دينه من شبهات ، وليست المناهج غير السوية هي ، فقط ، التي ترفض النص المقدس مطلقاً ، بل هي ، أيضاً ، تلك التي تقبله ظاهراً ، ولكن تعطيه مدلولاً يغاير ما تعرفه لغة العرب ، أو ما تعارف عليه الناس في السلف الأول ... : " فعلى المسلم الاعتصام بالكتاب والسنة ، وأن يجتهد في أن يعرف ما أخبر به الرسول ، وأمر به علماً يقينياً . وحينئذ ، فلا يدع المحكم للمشتبه المجهول ، فإن مثال ذلك مثل من كان سائراً إلى مكة في طريق معروفة ، لا شك أنها توصله إلى مكة ، إذا سلكها ، فعدل عنها إلى طريق مجهولة لا يعرفها ولا يعرف منتهاها . وهذا مثال من عدل عن الكتاب والسنة إلى كلام من لا يدري هل يوافق الكتاب والسنة أو يخالف ذلك " .
انتهى .
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top