الإفصاح عن منهجية الإسلام في المزاح

seifellah

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
16 جانفي 2009
المشاركات
5,964
نقاط التفاعل
7,169
النقاط
351
بسم الله الرحمن الرحيم



المقدمة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
إن شريعتنا الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، تنظم حياة الفرد لتكون حركاته وسكناته مضبوطة فلا إفراط ولا تفريط، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم رؤوف رحيم بنا، لا خير إلا ودلنا عليه ولا شر إلا وحذرنا منه، ونهجه أكمل نهج وسيرته أجمل سيرة، ولقد ضرب لنا أروع الأمثلة في حسن الخلق والتعامل مع الغير وترويض النفس والتصدي للشيطان.


هذا ولم يغفل النبي صلى الله عليه وسلم جانب الترويح عن النفس، فكان يمازح أهله وأصحابه طيبا بعيدا عما يشوبه من كذب أو أذية أو إحراج، ولنا في رسولنا صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وبعض الناس اليوم أفرطوا في جانب الترويح عن النفس وفهموا قوله صلى الله عليه وسلم: «ولكن يا حنظلة ساعة وساعة» فهما خاطئا، ففصلوا ساعة الجد عن ساعة الترويح عن النفس، وقالوا:ساعة لربك وساعة لقلبك، وعزلوا الساعة التي لربك عن الساعة التي لقلبك، فصارت الساعة التي لقلبك قناة للهو والعبث، وربما أدخلوا فيها المزاح المحرم، والله -عز وجل- يقول في كتابه: [FONT=&quot]]قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[FONT=&quot][[/FONT] [الأنعام: 162].[/FONT]


ومن هنا كان لابد من الإفصاح عن منهجية الإسلام في المزاح كي يكون الإنسان على بصيرة من أمره، وتكون عباداته ومعاملاته منضبطة لا إفراط فيها ولا تفريط ولا غلو ولا تقصير، وتظل كل ساعات المؤمن في طاعة ربه، وكل لحظات عمره في مرضات خالقه، بل وكل أنفاسه في حدود ما شرعه مولاه.


وبما أن المزاح يصدر عن النفس كان حريا أن نتحدث عنه ونتطرق إليه، وما هذه السطور إلا محاولة مني لتوضيح المسلك الصحيح في هذا الموضوع الذي عمت به البلوى حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها، والله أسأل أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
* * *
 
رد: الإفصاح عن منهجية الإسلام في المزاح

تمهيـد

المزاح: هو الإزاحة عن الحقيقة سواء كان بالقول أو الفعل، لأن المازح لا يقصد بقوله وفعله حقيقة الأمر ولكن يقصد شيئا آخر وهو الانبساط والدعابة والترويح عن النفس، ويسمونه الهزل أو عدم الجد.


أما بالنسبة لحكمه في الشريعة فهو مباح إن لم يخرج عن حد الاعتدال، وسأذكر بعض الضوابط التي من خلالها نعرف المزاح المباح والمزاح المحرم، مع ذكر بعض الأمثلة على كل منهما والأدلة عليها؛ ليتضح لكل باحث عن الحق متجرد عن الهوى رأيُ الإسلام في المزاح ولتقوم الحجة على من علم.


وإقامة الحجة والسعي وراء المحجة هو الواجب على كل طالب علم وداعية إلى الله تعالى، يقول سبحانه [FONT=&quot]]وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ[FONT=&quot][[/FONT]
[آل عمران: 187]. وقال صلى الله عليه وسلم: «بلغوا عني ولوآية».
[/FONT]
 
رد: الإفصاح عن منهجية الإسلام في المزاح

ضوابط المزاح:

الصدق: فلا بأس بالمزاح إذا كان صدقا خاليا من الكذب، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح ولكن لا يقول إلا حقا كما سيأتي، والصدق من أعظم الأخلاق، والتحلي به من أفضل السمات، ولهذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصدق يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا».


عدم الأذية: فلا بأس بالمزاح إذا لم يكن فيه أذى للناس أو تجريحًا لمشاعرهم؛ لأن الأذية محرمة بأي شكل كانت، والله يقول: [FONT=&quot]]وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا[FONT=&quot][[/FONT] [الأحزاب: 58]، وهي ظلم لعباد الله، والله يقول: [FONT=&quot]][/FONT]وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ[FONT=&quot][[/FONT] [إبراهيم: 42]، لكن فئة من الناس تأبى الجلوس دون تجريح المشاعر والسخرية والتنقص من الغير، وكل هذا مردود غير حميد، وربما أحدث في النفوس بغضاء وفي الصدور وغرا، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يمزح ولكن لا يؤذي أحدا كما سيأتي.[/FONT]


عدم الإفراط فيه والمداومة عليه: لأن ذلك يؤدي إلى كثرة الضحك الذي يميت القلب ويقسيه ويصرفه عن الجدية، والعبد مسؤول عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه، وكثير من الناس مع الأسف يقطعون أوقاتهم ويهدرونها في المزاح الذي لا فائدة منه، ويستغرقون الساعات الطوال فيه، وهذا من الخطأ، فإن الفراغ نعمة عظيمة ينبغي أن يستغل فيما ينفع، فالله الله باغتنام الأوقات وعدم تضييعها دون فائدة.


والوقت أنفس ما عنيت بحفظه



وأراه أسهل ما عليك يضيع


والمزاح في الكلام كالملح في الطعام، إن عدم أو زاد على الحد فهو مذموم


أفد طبعك المكدود بالجد راحة




يجم وعلله بشيء من المزح


ولكن إذا أعطيته المزح فليكن




بمقدار ما تعطي الطعام من الملح





وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح ولكن كان مزاحه نادرا.


أن يكون المزاح في وقته: فهناك أوقات لا بأس بالمزاح فيها لقطع السأم وإبعاد الملل والترويح عن النفس بعد العناء، ولكن بعض الناس ينتقون أوقات الجد فيهزل فيها وهذا تصرف سيئ، والذي يلاحظ وضع المجتمع يجد فئة من الناس يمزحون في كل وقت، ولا يهمهم شرف الزمان، فيغرقون في المزاح حتى في أوقات العبادات كالصلاة والصوم والحج وغيرها..


أن يكون المزاح في مكانه: إذ ليس كل مكان صالحا للمزاح، فالمساجد مثلا ينبغي أن تعمر بعبادة الله تعالى من ذكر وصلاة واعتكاف، وليس بحسن أن يكون فيها مزاح، فهو يتنافى معها إذ إن بيوت الله لابد أن يسودها الجدية والخشوع، ولا يتطرق فيها إلى شيء من أمور الدنيا، وللأسف اليوم طال الهزل بيوت الله، فعلت الأصوات فيها بالضحك تارة وبالشجار تارة وبالمعاصي تارة أخرى، وهذا لا يليق أبدا.


أن يكون المزاح مع بعض الفئات: ممن يصلح المزاح معهم ولا يكون له عواقب وخيمة، فالأحمق مثلا ينبغي أن يُتجنب المزاح معه لئلا يؤدي الحال إلى شيء غير مُرْضٍ، لذلك قال بعض الحكماء: احذر من الأحمق إذا مازحته، وكذلك لا يكون المزاح مع السفيه لئلا يتجرأ عليك ويفقدك هيبتك، ولا بأس أن يكون مع الصبيان والنساء وضعفة الرجال، وهذا هو فعله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي، وأما المزاح مع طالب علم شرعي أو مع عابد تقي فلا حرج فيه إن لم يخرج عن حد الاعتدال، وكان قليلا دون المساس بالهيبة والوقار.
 
رد: الإفصاح عن منهجية الإسلام في المزاح

مضار المزاح:

إن بعض الناس ينهمكون في المباحات والملهيات ويحسبون أنهم لا يحاسبون عليها، والحقيقة أن المزاح ما دام يصدر عن النفس فإن الإنسان محاسب عليه، قال تعالى: [FONT=&quot]]مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[FONT=&quot][[/FONT] [ق: 18]. وبعضهم يداوم عليه ويفرط فيه بحجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف لعائشة وأذن لها أن تنظر إلى الأحباش وهم يلعبون، وهذه حجة واهية، فإن حكم النادر ليس كحكم الدائم.[/FONT]


وعندما أتحدث عن المضار لا أقول: إن المزاح كله محرم أو منهي عنه، وإنما أقصد بذلك المضار الناتجة عن المزاح الذي لم يضبط بالضوابط السابقة، فلاشك أن عواقبه ليست حميدة، ومن ذلك على سبيل المثال:


تقليل الهيبة: والتي هي بهاء الرجل وجوهره، وهي التي تعكس مدى عمق أخلاقه، وكم تحتاج في زماننا هذا إلى الهيبة!!، والمزاح من أكبر عوامل ضعفها وقلتها إذا كان هذا المزاح غير مقيد، إضافة إلى أن الذي يكثر من المزاح يتجرأ عليه السفهاء فيقل قدره وينقص ميزانه وبالتالي يضعف احترامه، وقد قيل: المزاح يأكل الهيبة كما تأكل النار الحطب وقيل: من كثر مزاحه زالت هيبته.


فإياك إياك المزاح فإنه




يجري عليك الطفل والدنس النذلا


ويذهب ماء الوجه بعد بهائه




ويورثه من بعد عزته ذلا





خرم المروءة وقلة الحياء: فالإنسان بمروءته وحيائه، وخوارم المروءة كثيرة لعل من أعظمها كثرة المزاح.


يعيش المرء ما استحيا بخير



ويبقى العود ما بقي اللحاء


فلا والله ما في العيش خير



ولا الدنيا إذا ذهب الحياء


ولكن في زماننا كثر الذين لا يستحيون لا من الله ولا من خلقه، فأطلقوا ألسنتهم وجوارحهم دون حياء فأزهقت المروءة وقل الحياء.


مررت على المروءة وهي تبكي



فقلت: علام تنتحب الفتاة


فقالت: كيف لا أبكي وأهلي



جميعاً دون خلق الله ماتوا


ومن الناس من يخل بعرضه ويخدش دينه لكي يمزح ويضحك الناس، فإلى الله نشكو حال المسلمين اليوم وإفراطهم في مسألة المزاح غير المنضبط وقلة حياء وخلل مروءة البعض وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلم النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ماشئت»!!.


بل إن من أهل العلم من لا يقبل شهادة مخروم المروءة والضحاك والمهرج لأن عدالتهم مقدوح فيها.


الوقوع في الحرام من أذيةٍ وظلمٍ وغيبة وسخرية وعداوة، فمن المزاح ما يوقع في مثل هذه الأشياء وغيرها، لأن بعض الناس لا يبالون بالكلمة يتلفظون بها، ولا يهمهم أبعادها، فيؤذون ويجرحون المشاعر ويستهزئون بمسمى المزاح، فيجنون على أنفسهم وعلى غيرهم، فينتج من هذا عداوة في القلوب ونفرة وضغائن وأحقاد، وفتن كقطع الليل المظلم كلها من وراء المزاح المذموم، قال ابن عبد البر: وقد كره جماعة من العلماء الخوض في المزاح لما فيه من ذميم العاقبة ومن التوصل إلى الأعراض واستجلاب الضغائن وإفساد الإخاء، وكان يقال: لكل شيء بدء وبدء العداوة المزاح ويقال: "لو كان المزاح فحلا ما ألقح إلا الشر".


وقال سعيد بن العاص: "لا تمازح الشريف فيحقد، ولا الدنيء فيجترئ عليك.
وقال ميمون بن مهران: "إذا كان المزاح أمام الكلام، فآخره الشتم واللطام".
وقال آخر:


مازح صديقك ما أحب مزاحاً



وتوق منه في المزاح جماحاً


فلربما مزح الصديق بمزحة



كانت لباب عداوة مفتحاً


وقال آخر:


لا تمزحن فإذا مزحت فلا يكن



مزحاً تضاف به إلى سوء الأدب


واحذر ممازمحة تعود عداوة



إن المزاح على مقدمة الغضب



ويعقب ذلك الندم على ما حصل، ولكن لا ينفع الندم بعد العدم ولا ينفع الصوت بعد الفوت، وربما عض الإنسان على أصابعه، والخير كل الخير في الابتعاد عن مثل هذا المزاح والانضباط بتعاليم الشريعة، يقول تعالى: [FONT=&quot]]فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[FONT=&quot][[/FONT] [النور: 63].[/FONT]


الغفلة عن ذكر الله: فإن من يكثر من المزاح يلهيه الشيطان فيقسو قلبه الإنسان ليس له همٌّ إلا أن يضحك الناس، فيحفظ الطُّرَف الكاذبة، ويكتب الوقائع المضحكة والمحرجة، فإذا جلس في المجلس حسب أنه هو السيد فيه، وللأسف ترى الناس يبحبونه ويجلسون بجواره ليمتعهم بأضحوكاته، أما علم هذا وأمثاله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما اجتمع قوم في مجلس لم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم ترة يوم القيامة»: أي حسرة، أما علم أنه لو ذكر الله ولو بكلمات قليلة كان ذلك خيرا له من الدنيا وما عليها.


يقول أحد الحكماء: إن المزاح إزاحة عن الحقوق ومخرج إلى القطيعة والعقوق، يصم المازح، ويؤذي الممازح، فوصمة المازح أن تذهب عنه الهيبة والبهاء، ويجرؤ عليه السفهاء، ويجلب له الغوغاء، وأما أذية الممازح فلأنه معقوق بقول كريه وفعل سفيه، إن أمسك عنه أحزن قلبه وإن قابل عليه جانب أدبه، فحق على العاقل أن يتقيه وينزه نفسه عن وصمة مساويه.

* * *
 
رد: الإفصاح عن منهجية الإسلام في المزاح

أمثلة للمزاح المحرم


الكذب: فالإسلام حث على الصدق دائما وفي جميع الأحوال إلا أشياء يسيرة تدخل تحت المصلحة فهي من الكذب المباح؛ كالكذب في الحرب والكذب للإصلاح بين متخاصمين والكذب على الزوجة للوصول إلى منفعة، أما غير ذلك فالكذب كله حرام سواء كان الإنسان جادا فيه أو مازحا، وبعض الناس يرون أن الكذب إذا كان مزاحا يسمى كذبا أبيض، وهذا خطأ فالكذب هو الكذب والشريعة لم تقسمه إلى أبيض وأسود، ومن الكذب ما يتداوله الناس ويتسلون به من الطرائف المكذوبة والنكت المصطنعة والقصص الخيالية فهي محرمة في شريعتنا، ويشتد التحريم إذا كانت على سبيل الغيبة أو السخرية، يقول صلى الله عليه وسلم: «ويل لمن كذب الكذبة ليضحك بها القوم ويل له ويل له» وقال أيضا: «الكذب يهدي إلى الفجور، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا».


ويستند بعضهم إلى إباحتها بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يضحك ويمازح أصحابه، وأن الدين الإسلامي دين سماحة ويسر، وأنه يحث على الابتسامة بل عدها من الصدقة، فنقول: نعم هذا صحيح، ولكن شتان بين مزاح الرسول صلى الله عليه وسلم وبين مزاح الكثيرين اليوم، فالرسول يصدق بالمزاح وهم يكذبون، والرسول لا يغتاب ولا يسخر وهم يغتابون ويسخرون، والرسول لا يكثر من المزاح وهم يكثرون، والرسول لا يجرح المشاعر ولا يخل بالمروءة وهم يجرحون ويخلون.
 
رد: الإفصاح عن منهجية الإسلام في المزاح

وهذه الأكاذيب هي دَيْدَن كثير من مجالسنا اليوم ومدارسنا واجتماعاتنا ومنتدياتنا وبيوتنا، ألا فلننتبه إلى ذلك، ولا ننظر إلى صغر المعصية ولكن ننظر إلى عظم من عصينا، ولا يغرنا كثرة الهالكين وقلة السالكين، ولا ننظر إلى الهالك كيف هلك، وإنما ننظر إلى الناجي كيف نجا. ومن الكذب ما يفعله بعض الناس حيث ينادي الطفل الصغير ويقول له: تعال أعطيك ما في يدي فيفرح الصغير ويأتي إليه ثم لا يجد شيئا، وهذا درس عملي يتربى عليه الطفل، وهو مزلق خطير بل فاعله آثم، يقول عبد الله بن عامر: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيتنا وأنا صبي، فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله تعال أعطيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أردت أن تعطيه؟ قالت: أعطيه تمرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة» ومنه ما يفعله الكبار مع بعضهم فيتكلمون بكلام كبير كله كذب بغية إثارة المستمع أو إعجابه، ثم إذا حصل منه ما يحصل من غم وحزن أو فرح وسرور يقولون: كنا نمزح.


يقول خالد بن صفوان: يصك أحدكم صاحبه بأشد من الجندل، وينشقه أحرفًا من الخردل، ويفرغ عليه أحر من المرجل، ثم يقول: إنما كنت أمازحك! ويذكر أن أحد السلف سافر طلبا للعلم عند شيخ ذكر له في مكان بعيد، فتجشم العناء وكابد الصعاب حتى وصل إليه، فلما اقترب منه وإذا بالشيخ عنده ماشية ودواب ومعه حزمة من العلف يرفعه لتراه الدابة حتى إذا اقتربت منه أمسكها، فما أن رأى الطالب هذا المنظر أمامه قال: والله لا أخذت منه حديثا فشيخ يكذب على البهائم؛ لا يصلح أن أكون له طالبا فرجع حيث أتى!!


الترويع والتخويف: بعض الناس يستعملون المزاح في تخويف غيرهم وترويعه، وهذا مما نهى عنه الشرع وحذر منه، وكم سمعنا من القصص التي يحزن الإنسان لها ذهب ضحيتها أناس أبرياء، وكان السبب هو المزاح الذي ليس في محله. فمن ذلك إشارة المسلم إلى أخيه بالسلاح، قال عليه الصلاة والسلام: «لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار» فنهينا عن ذلك سدا للذريعة، ولأن العاقبة قد تكون وخيمة، ومثله الترويع بالسكين والعصا والحديد وغيرها.


ومن ذلك أن يعمد بعضهم على سبيل المزاح إلى متاع لأحد أصحابه كنعال غيرها فيخفيها عنه، قال عليه الصلاة والسلام: «لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جادا ًومن أخذ عصا أخيه فليردها».


ومن ذلك فعل بعض الشباب -هداهم الله- إذا كانوا في رحلة مثلا فنام رفاقه تزيَّ بزي آخر وأحدث صوتا ليخفهم وربما نتج عن ذلك اخلال في العقل لأحد رفاقه أو صرع أو فزع، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنام رجل فانطلق بعضهم إلى حبل معه وأخذ فأفزع غيره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يروع مسلما»، والأمثلة كثيرة، فكل ما كان فيه ترويع فهو محرم شرعا سواء كان على وجه الجد أو المزاح، وعلى هذا فينبغي للإنسان أن يبتعد عن هذا الأسلوب الذي ينتج عنه عواقب وخيمة.
 
رد: الإفصاح عن منهجية الإسلام في المزاح

الحركات السيئة: إن من المزاح المذموم ما يفعله بعض الناس حيث يطعنون بعضهم بأيديهم في أماكن حساسة على سبيل المزاح والدعابة مما يخل بالمروءة، بل تعدى الأمر إلى أكبر منه فأخذوا يطعنون في أماكن العرض والشرف في القبل أو الدبر لاسيما إذا أرادوا المزاح مع العريس في اليوم الثاني من ليلة الزفاف، وهذه من العادات القبيحة القذرة ولا أدري من الذي جرأهم؟ أهو عدم حيائهم؟ أم عدم التصدي لهم؟، بل وصل الأمر أن يمزح المحرم مع محارمه فيشد الفتاة من خصرها أو أماكن أخرى، ويتضاحكون بحجة أنه خالها أو عمها أو قريبها، والطامة الكبرى أن يحدث ذلك المزاح السيئ من الولد مع ابنة عمه أو ابنة خاله، وحقا: إذا لم تستح فاصنع ما شئت!!!


الاستهزاء والسخرية: لا زال بعض الناس يسخرون على سبيل المزاح فيتجاوزوا حدهم وأسرفوا في غيهم رغم أنهم يسمعون قوله تعالى: [FONT=&quot]]لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ[FONT=&quot][[/FONT] [الحجرات: 11]، ويعمدون إلى التفكه في المجالس والتندر خصوصاً بأهل الدين والصلاح، وفي هذا خطر عظيم لاسيما إذا كان تندرهم بهؤلاء الصالحين لأجل تمسكهم بالدين، والأشنع من ذلك أن يتعدى المازح حدوده فيتطرق إلى القرآن فيضيف ويحذف، وربما تطاول بعضهم على الرحمن، فيا ويلهم من الخسران ولا ينفع قولهم: كنا نمزح، لقد قالها من قبلهم بعض المنافقين فاستحقوا لعنة الله وسخطه، ففي غزوة تبوك قال بعضهم يعنون الرسول وصحابته: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء، فوصل الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحضرهم وكانوا يعتذرون ويقولون: كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله آيات تتلى إلى يوم القيامة تكفرهم وتطردهم من رحمة الله قال تعالى: [FONT=&quot]][/FONT] قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ[FONT=&quot][[/FONT] [التوبة: 65-66].[/FONT]


وكان الذي قال هذا الكلام تضرب رجليه الحجارة مكبا على الأرض متعلقا بسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكرر: كنا نخوض ونلعب.


وبعض الهازلين تجرؤوا على خالقهم وعلى السخرية بالغيب كالجنة والنار والبعث وغير ذلك، وقد سمعنا أن أحدهم يتندر ويقول: إذا جاء الملائكة ليضعونني في النار سأصطحب معي مكيف مركزي، ومنهم من سخر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسم ديكا خلفه تسع دجاجات وقال: هذا محمد جمعة زوج التسعة، وهم يعدون أنفسهم من المسلمين بل من أفضل المؤمنين!!!.


فليتقوا الله هؤلاء الهازلون، وليعلموا أن لله سطوات وانتقامات ليست منهم بعيدة فقدسية الله مصونة، ولحوم الصالحين مسمومة، وعادة الله وعقوبته في حق منتقصهم معلومة!


السب واللعن: فبعض الناس وخاصة الشباب يسبون بعضهم ويلعنون آباءهم وأمهاتهم بطريقة سيئة، وهم لا يعدون ذلك شيئا لأنهم تعارفوا على أنه مزاح، والمسلم ينبغي أن يطهر لسانه عن السب واللعن، فتجد الشاب مثلا يقابل أحد أصحابه وقد كان يبحث عنه فيسلمان على بعض، ويقول الواحد منهم للآخر الله يلعنك أين كنت! أو يقول أحدهم لأحد رفاقه إذا أخذ منه شيء مثلا يلعن والديك! وكلمات كثيرة تصدر لا يحسبون لها حسابا مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر».


أو قول أحدهم لأخيه: يا حمار أو يا كلب، فهذا قبيح من جهتين الأولى الكذب، والثانية الإيذاء وتجريح المشاعر.


وأما سب الوالدين فقد قال صلى الله عليه وسلم: «من الكبائر شتم الرجل والديه، قالوا: وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه».


وأما اللعن فهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، ومن صفات المؤمن ألا يكون لعانا أو طعانا ولا فاحشا ولا بذيئا لأن هذه الصفات هي صفات الفساق.
قال عليه الصلاة والسلام: «لعن المؤمن كقتله»، وقال: «من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة على صاحبها».


بل حرم الإسلام لعن الكافر بعينه فكيف بالمسلم، وروي أنه بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «خذوا ما عليها –أي الناقة- ودعوها فإنها ملعونة».


وقال في حديث آخر: «لا تصاحبنا راحلة عليها لعنة من الله».


ومن ذلك سب الدهر والزمان، فتجد بعضهم على سبيل المزاح يقول: يلعن يومك أو يلعن الساعة التي رأيتك فيها، وهكذا، وهذا محرم فإن الله هو خالق الزمان وهو المتصرف فيه، كما قال صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: «يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار» وفي رواية: «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر»، فلا يجوز لأحد أن يتساهل في السب والشتم واللعن ولو كان مازحا.
 
رد: الإفصاح عن منهجية الإسلام في المزاح

العبث: وما أدراكم ما العبث، داء خطير ونتاجه عسير، وهذا يحصل غالبا عند بعض الشباب من جراء الفراغ في حياتهم، والعبث مذموم ومنهي عنه، وعبث يختلف عن عبث فمنه ما يجلب العداوة ومنه ما يفضي إلى القتل، وترى في مجتمعنا اليوم من يعبثون سواء بألسنتهم أو جوارحهم، ويعدونه من المزاح، فيحصل أحيانا أن يتكلم المرء بكلام يخيف فيه الناس ثم لا يلبث أن يقول: أمزح، وربما أفرحهم بخبر سار ثم يقول أمزح.


وبعض الناس يمزحون ويتحدثون بأخبار مفزعة حتى إذا فرغ الواحد من الحديث قال بسذاجة، كنت أمزح.


وقد ذكر لي يوماً أن أحد الشباب في يوم زفافه في وقت الظهر جاءه أصحابه العابثون وطلبوا منه أن يذهب معهم إلى البر فرفض، فأقنعوه أن يذهب معهم وسيعودون بعد العصر، ولكن أصحابه ذهبوا به إلى مكان بعيد ولم يعيدوه إلا في صبيحة الثاني، ففوتوا عليه ليلة الزفاف وانقلب الفرح ترحاً والسرور مأتماً، وهرع أهل الزوج يبحثون عنه وصار الوضع مريراً، إنه وضع لا يحسده عليه أحد! ثم بعد ذلك تعلو ضحكات أصحابه بقولهم: كنا نمزح، فما رأيك في مثل هذا المزاح أليس من العبث؟ وإذا تجرأ الشباب على مثل هذا العبث فما النتيجة!! لا حول ولا قوة إلا بالله.


ومن العبث ما يفعله بعض الشباب هداهم الله حيث يلعبون بالسيارات فيمارسون (التفحيط) والسرعة، وبعضهم يتجه بسيارته نحو صاحبه ليمزح معه، وكم حدثت حالات دهس كان سببها المزاح الثقيل، وإني أنصح كل ولي أمر وكل أب أن يتقي الله في أبنائه، وأن يربيهم التربية الصالحة، وأن لا يسلمهم الزمام ومفتاح السيارة إذا لم يكونوا راشدين فيؤذون أنفسهم ويؤذون المسلمين، وهذا والله من العقوق للمجتمع، وجناية يتحملها الأب وخيانة للأمانة التي حملها.


وكم نرى ونسمع من الشباب الذي تخبطوا في الحياة فأصبح لزيمهم الطفش والحيرة والمخدرات والسجون والموت، وربما سبب ما حل بهم هم آباؤهم الذين تركوا لهم الحبل على الغارب في الصغر وفتحوا لهم الدنيا، فإذا اجتمع للشباب المال مع الفراغ فلا تسأل عن النتيجة!!!


إن الشباب والفراغ والجدة



مفسدة للمرء أي مفسدة!


ومن العبث أيضا ما يفعله حدثاء السن من الكتابة على الجدران من العبارات الساقطة والكلمات الماجنة مما يدل على سوء التربية، فيؤذون المسلمين ويجرحون مشاعر الغيورين، فيكتبون ألقاب الحب والغرام (يا روحي) و(أحبك حتى الموت) فيخدشون عقيدتهم وولاءهم يهذه التصرفات الشيطانية، وربما كتبوا أسماء الفنانين والفنانات وأصحاب الفساد والمجون ولا حول ولا قوة إلا بالله، فالمسؤولية ملقاة على عاتق الجميع، وينبغي على أولياء الأمور والمعلمين والناصحين توجيه الشباب إلى عدم فعل مثل هذا العمل وتوضيح خطورته لعلنا نتفادى سلبياته.


وبعضهم يلعبون بالنار ويشعلون الفتيل من خلال التحديات التي يريدون بها إثبات الشخصية، فيمزحون بما لا يسوغ فيه المزاح كقوله عليه الصلاة والسلام: «ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة». فيقول أحدهم لصاحبه: أنت لا تستطيع أن تتزوج على امرأتك فيقول صاحبه: زوجني بنتك فيقول: زوجتكها فيقول صاحبه: قبلت الزواج وقد يكون صاحبه تكلم بجدية لكنه هو كان يمزح فيقع النكاح ويتم الزواج ويتلون وجه هذا المازح، وقد يكون هناك إحراجات وتراجعات ومطالبات فإما أن يحرج هذا المازح وتضيع هيبته ورجولته أمام أصحابه ويسخرون منه، أو أن يصمم على قوله فيزوجها له على كره وقد تحصل عداوة ومشاكل بسبب هذا المزاح الأهوج، ومثله الطلاق فبعضهم يمزح مع زوجته بألفاظ الطلاق فيقول: أنت طالق ثم يتراجع بحجة أنه يمزح وهذا يقع طلاقه، وكذلك الرجعة فلو تلفظ بما يجعل زوجته المطلقة ترجع له ثم نفى ذلك وقال: كنت أمزح فإن الزوجة تعد راجعة له.


وهذا كله من المزاح المذموم، والذي يترتب عليه أحكام شرعية عظيمة، فلينتبه الناس ولا يغرقون في مزاحهم بكل صغير وكبير، فإن في المزاح كما ذكرنا مالا تحمد عقباه!.


الإحراج: إن الإسلام يمنع الحرج مطلقا ويسد كل طريق يفضي إليه صونا لكرامة المؤمن ورفعا للمشقة عنه، وفي مجتمعنا اليوم يواجه الإنسان إحراجات الناس السذج الذين لا يهمهم إلا إحراج غيرهم عن طريق المزاح، وهذا مما يجرح شعور المؤمن أحيانا، وفي أحيان أخرى قد يؤدي إلى القطيعة والعداوة ووغر الصدر أو المساس بالشخصية وذهاب الوقار، وقد قيل: احذر من العاقل إذا أحرجته.


وبعض الإحراجات محرمة؛ لأنها قد تجعل الإنسان الحيي يتنازل عن حقه اضطرارا، وقد قيل: ما أخد بسيف الحياء فهو باطل.
* * *
 
رد: الإفصاح عن منهجية الإسلام في المزاح

أمثلة للمزاح المباح

إن من المزاح ما هو مباح إذا كان منضبطا بضوابط سبق ذكرها وخلا من كل منكر وضرر، فإذا كان كذلك فإنه يفرح النفس ويبعث على النشاط ويكون بمثابة محطات يستريح فيها المسلم ليواصل أعماله، فيتجدد العطاء وتندمل الجراح، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح مع أصحابه مزحا يدل على حكمته وتواضعه، ومزاحه نبراس لكل مسلم ينبغي أن لا يتعداه أحد، فكان صلى الله عليه وسلم يرقص الحسن والحسين ويداعبهما، وسابق عائشة فسبقها مرة وسبقته مرة، وكان يداري زوجاته، وكان يخرج لسانه للحسن بن علي فيرى الصبي حمرة لسانه، وكان يلاعب زينب بنت أم سلمة ويقول: يا زوينب، وكان يقول لعائشة: يا عائش، ويقول محمود بن الربيع: علقت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي من دلو من بئر كانت في دارنا وأنا ابن خمس سنين، يقول أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل علينا ولي أخ صغير يكنى أبا عمير وكان له نغر يلعب به –طائر يشبه العصفور- فدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فرآه حزينا فقال له: ما شأنه؟ قالوا مات نغره، فقال: يا أبا عمير ما فعل النغير؟، فهي كلمة طيبة وابتسامة حانية ومداعبة لطيفة، وذات يوم ركب الحسن والحسين على ظهره وهو يصلي، فأطال الصلاة ثم اعتذر للصحابة عن الإطالة وقال: إن ابني ارتحلني، وروى البخاري أن رجلا كان يقال له عبد الله ويلقب بحماره وكان مضحك النبي صلى الله عليه وسلم.


وقال أبو هريرة: يا رسول الله إنك تداعبنا قال: إني لا أقول إلا حقا –أي صدقا- وقال صلى الله عليه وسلم لرجل: يا ذا الأذنين، وورد أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: احملني على الدابة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا حاملوك على ولد الناقة فقال: وما أصنع بولد الناقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل تلد الإبل إلا نوق؟ وجاءت عجوز تطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها بدخول الجنة، فقال: إنه لا يدخل الجنة عجوز فولت تبكي ثم قرأ: [FONT=&quot]]إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا[FONT=&quot][[/FONT] [الواقعة: 35-36]. وقال لأخرى سألت عن زوجها: «زوجك الذي في عينه بياض» فظنت أن زوجها عمي فأُعلمت أن العين لا تخلو من البياض، ولم يخرج مزاحه عن الحق أبدا، وعن أنس أن رجلا من البادية اسمه زاهر بن حرام وكان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من البادية فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج، فقال رسول الله: إن زاهر باديتنا ونحن حاضروه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه وكان دميما، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره.[/FONT]


فقال زاهر: من هذا؟ فالتفت وعرف أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فألصق ظهره بصدر رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يشتري العبد؟» فقال زاهر: إذاً والله تجدني كاسدا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكن عند الله لست بكاسد».

وهذا كله من حسن تصرفه ومعاملته وحسن خلقه صلى الله عليه وسلم، فكان مزاحه رحمة وأنسا وبلسما يعكس آثارا عظيمة في النفوس، فرحمك الله من مربٍ فاضل، وصدق الله: [FONT=&quot]]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[FONT=&quot][[/FONT] [الأنبياء: 107].[/FONT]


وقد حذا سلفنا الصالح حذو قائدهم وخطوا خطوه في مزاحهم، يقول علي بن أبي طالب: إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة.
قال أبو الدرداء: إني لأستخدم قلبي بشيء من اللهو ليكون أقوى لي على الحق.


قال عبدالله بن مسعود: أريحوا القلوب فإن القلب إذا أكره عمي.


وقال أيضا: إن للقلوب شهوة وإقبالا، وفترة وإدبارا، فخذوها عند شهواتها وإقبالها، وذروها عند فترتها وإدبارها. وقيل للخليل بن أحمد: إنك تمازح الناس، فقال: الناس في سجن ما لم يتمازحوا.


وكان يقال: الملالة تفسخ المودة، وتولد البغضة وتنغص اللذة.
وقال أحد العلماء: حادثوا هذه القلوب فإنها تصدأ كما يصدأ الحديد.
وقال آخر: القلوب تحتاج إلى قوتها من المزاح كما تحتاج إلى قوتها من الغذاء.


وفي صحف إبراهيم -عليه السلام-: وعلى العاقل أن يكون له ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فها نفسه، وساعة يخلي فيها بين نفسه و لذاتها فيما يحل ويجمل، فإن هذه الساعة عون له على سائر الساعات.


قال عمر بن عبد العزيز: تحدثوا بكتاب الله تعالى، وتجالسوا عليه، وإذا مللتم فحديث من أحاديث الرجال حسن جميل. وسئل النخعي: هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزحون ويضحكون؟ قال: نعم والإيمان في قلوبهم مثل الجبال الراوسي.


وكان الصحابة يتحاذفون بقشر البطيخ فيما بينهم ولكن إذا جد الأمر كانوا الرجال.


وخرج عبد الله بن عمر وعبد الله بن عياش من المسجد فلما كانا على بابه كشف كل واحد منهما ثيابه حتى بدت ساقاه وقال لصاحبه: ما عندك خير. هل لك أن أسابقك؟.


وقد كان السلف يمازحون أطفالهم وزوجاتهم وأصحابهم.


يقول حنظلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما مازح أهله وداعبهم: يا رسول الله نافق حنظلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قال حنظلة: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نكون عندك تذكرنا بالجنة والنار حتى كأنا نراها رأي العين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو أنكم تدومون على ما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي رواية حتى تسلم عليكم في الطرق».


فانظر إلى إقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم وتأييده لمزاحهم مع زوجاتهم وأولادهم.
 
رد: الإفصاح عن منهجية الإسلام في المزاح

يقول أحد السلف: من كان له صبي فليتصاب له، وقال آخر: العاقل إذ خلا بزوجاته ترك العقل في زاوية وداعب ومازح وهازل ليعطي الزوجة والنفس حقها، وإن خلا بأطفاله خرج في صورة طفل ويهجر الجد في ذلك الوقت، -طبعا المقصود المزاح غير المخل بآداب التربية- وقيل: إن أبا بكر -رضي الله عنه- رأى رجلا بيده ثوب فقال له: هو للبيع؟ فقال الرجل: لا أصلحك الله! فقال أبو بكر: هلا قلت: لا وأصلحك الله لئلا يشتبه الدعاء لي بالدعاء عليَّ!.


قال الربيع: دخلت على الشافعي وهو مريض فقلت: قوَّى الله ضعفك فقال: لو قوى الله ضعفي قتلني، قلت: والله ما أردت إلا الخير قال: أعلم أنك لو شتمتني لم ترد إلا الخير.


وجاء رجل إلى أبي حنيفة فقال له: إذا نزعت ثيابي ودخلت النهر أغتسل فإلى القبلة أتوجه أم إلى غيرها؟ فقال له: الأفضل أن يكون وجهك إلى جهة ثيابك لئلا تسرق.


وعن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: قالت عائشة: كان عندي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسودة، فصنعت خزيرا فجئت به فقلت لسودة: كلي، فقالت، لا أحبه. فقلت: والله لتأكلين أو لألطخن وجهك. فقالت: ما أنا بباغية، فأخذت شيئا من الصحفة فلطخت به وجهها ورسول الله صلى الله عليه وسلم ما بيني وبينها، فخفض لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبتيه لتستقيد مني فتناولت من الصحفة شيئا فمسحت به وجهي وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك.


قيل لأحد السلف: هل نصافح النصارى؟ فنظر إلى السائل وقال: نعم برجلك!


وسأل رجل أحد السلف عن المسح على اللحية فقال له خللها: قال الرجل: أخاف أن لا أبلها، فقال له: إذا انقعها بالماء من أول الليل.


وجاء رجل إلى أحدهم وقال: إني تزوجت امرأة ووجدتها عرجاء فهل لي أن أردها إلى أهلها؟ فقال له: إن كنت تريد أن تسابق بها فردها!.


فانظر أخي لحال السلف الصالح فهم أكثر الناس جَدًّا ورزانة، ومع ذلك لم يتحرجوا من طرفة تأتي عفو الخاطر، أو ملحة يستدعيها الموقف، أو مزحة يفرج بها أحدهم عما في نفسه -فرضي الله عنهم-، وعلى هذا المزاح إذا كان نادرا منضبطا ليس فيه منكر فهو مما يفرح النفس ويجدد النشاط، كما ذكرنا سابقا وأهل العلم قديما وحديثا لا يرون فيه بأسا إذا كان كذلك، وقرأنا وسمعنا بل رأينا من علمائنا ومشايخنا المعاصرين من يمزحون مع طلابهم ويضحكون ويسمرون، والمواقف كثيرة لا حصر لها وليس المجال يتسع الآن لذكرها.
* * *
 
رد: الإفصاح عن منهجية الإسلام في المزاح

علاج المزاح المحرم

لا شك أن المزاح المحرم معصية عظيمة، وأن علاج كل معصية يكمن في تأملها ومعرفة مغبتها واستشعار عظمة من يعصى بها ومن المعلوم أن اقتراف السيئة يعد من سوء خلق صاحبها سواء مع خالقه أو مع الناس، يقول أحد السلف: مساوئ الأخلاق تعالج بمعجون العلم والعمل، فلابد أن يعلم المازح خطر هذا المزاح، وأن يعمل على اجتنابه ما استطاع عن طريق ما يلي:


أن يحفظ الإنسان لسانه، فمن أعظم أسباب السلامة حفظ اللسان، ومن أعظم أبواب الوقاية الصمت في وقته.


احفظ لسانك أيها الإنسان



لا يلدغنك إنه ثعبان


كم في المقابر من قتيل لسانه



كانت تخاف لقاءه الشجعان


ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: «من يحفظ لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة». ولو حاسب الإنسان نفسه وتأمل كل كلمة قبل أن يخرجها من فمه لاستقام حاله ولصلحت أعماله ولكن!!


ولهذا جاء عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يستقيم إيمان العبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه».


وجاء في الحديث عن عقبة بن عامر قال: قلت: يا رسول الله ما النجاة؟ قال: «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك».


والمرء بأصغريه قلبه ولسانه فليتعاهدهما وليكبح جماحهما، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قلت هيبته، ولئن كان القلب هو أمير الجوارح فإن اللسان هو الجلاد، فيه يكون الإنسان رفيعا وبه يكون الإنسان وضيعا، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء تُكَفِّر اللسان تقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا».


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله،فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي».


وورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل: أمسك عليك لسانك، فقال: وهل نحن مؤاخذون بما نقول؟ قال: «ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس على وجهوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم».


وورد أن عمر دخل على أبي بكر وهو يجبذ لسانه فقال له: مهْ غفر الله لك؟ فقال أبو بكر: هذا الذي أوردني الموارد.


قال ابن مسعود: ما شيء أحوج إلى طول سجن من لساني.
قال أبو الدرداء: أنصف أذنيك من فيك، فإنما جعلت لك أذنان وفم واحد لتسمع أكثر مما تتكلم.


واعلم أن خطر اللسان عظيم جدا، وخطره أكثر من غيره من الأعضاء، فالعين لا تصل إلى غير الصور والألوان، والأذن لا تصل إلى غير الأصوات، واليد لا تصل إلى غير المحسوسات، أما اللسان فيصول ويجول في كل شيء، وبه الرابح من ذي الخسران، والمؤمن من ذي الفجور والعصيان، لذلك يقول مخلد بن الحسين: ما تكلمت منذ خمسين سنة بكلمة إلا وقد نظرت في عواقبها.


فما أحوجنا إلى حفظ ألسنتنا وكفها عن الكلام فيما لا يعنيها، فإذا حصل هذا فلا مجال للمزاح المحرم إذن!
هذا، وما أطلت في هذه النقطة إلا لأهميتها والله المستعان.


ومن العلاج أيضا أن يستشعر العبد أنه بهذا المزاح المذموم يتعرض لسخط الله ومقته، وأن قوله وفعله مسجل عليه في كتاب [FONT=&quot]]لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا[FONT=&quot][[/FONT]. ويعلم أنه [FONT=&quot]][/FONT]مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[FONT=&quot][[/FONT].[/FONT]


ومن تجرأ على إسخاط الله فهو سفيه لا يعرف مصلحة نفسه ولا الطريق لنجاتها وهو غير راشد في تصرفه، والله -سبحانه وتعالى- له سطوات وانتقامات ليست من الظالمين ببعيدة فليحذر كل إنسان أن يتعرض لغضب الله، والمعافى من عافاه الله.


أن يعلم أنه يهدي غيره من حسناته؛ لأن المزاح المحرم منه ما يكون غيبة وأذية وظلما، والظالم يوم القيامة يؤخذ من حسناته وتعطى للمظلوم، فإن انتهت حسناته أخذ من سيئات المظلوم فطرحت عليه ثم طرح في النار وبئس القرار، ولا أتوقع أن عاقلا يرضى بأن يعطي غيره من حسناته، لأنه محتاج إلى الحسنة الواحدة في ذلك اليوم العصيب [FONT=&quot]]وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[FONT=&quot][[/FONT] [فصلت: 19-20].[/FONT]


فلا تعرض نفسك أخي إلى زوال حسناتك وذهابها إلى غيرك وأنت في أشد الحاجة إليها غدا.


معاملة الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به: فبعض الناس أناني يريد الناس أن يعاملوه بأفضل معاملة ولكن لا يهمه أن يعاملهم بأي معاملة ولو كانت سيئة، وهذا من الخطأ فإذا أردت الناس أن يحترموك فاحترمهم، وإذا أردت الناس أن يساعدوك فساعدهم وهكذا.


لتكن منصفا من نفسك، فإما أن تكف عن مزحك وسخريتك بالناس أو ترضى بأن يسخروا منك، ولا شك أن الأول أسهل.


فإذا رغبت في العلاج من هذا الداء فتذكر هذه القاعدة دائما وضعها نصب عينيك «عامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به» ومن الجفاء أن تعامل الناس بنقيض ما يعاملوك به، وهذا من التطفيف في الكيل والبخس من الوزن، والله يقول: [FONT=&quot]]وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ[FONT=&quot][[/FONT] [المطففين: 1-3].[/FONT]


يقول عمر بن الخطاب في خطبته: لا يعجبنكم من الرجل طفطفته، ولكن من أدى الأمانة وكف عن أعراض الناس فهو الرجل.


ومن أعظم العلاج الخوف من الله ومراقبته وتقواه، فإن تقوى الله تعالى تمنع صاحبها من ارتكاب المعاصي، وتكون واقيا له من الانغماس في الشهوات؛ لأن العبد كلما همَّ بمعصية جعل أمامه ربه كأنه يراه فخاف منه فانزجرت نفسه عن الوقوع فيما نهى عنه.


وإذا خلوت بريبة في ظلمة



والنفس داعية إلى العصيان


فاستحي من نظر الإله وقل لها



إن الذي خلق الظلام يراني


كذلك كثيرا ما يوصينا الله في القرآن الكريم بالتحلي بها [FONT=&quot]]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ[FONT=&quot][[/FONT] [آل عمران: 102].[/FONT]


ويقول عليه الصلاة والسلام: «اتق الله حيثما كنت». يقول أحد السلف: من قوي إيمانه انكف عن المزاح المذموم لسانه.


الاشتغال بعيوب النفس عن عيوب الغير، فهو علاج لكثير من آفات القلب واللسان ومنها المزاح المذموم.


يقول أحد السلف: إذا عرض لك المزاح بذكر عيوب أخيك فتذكر عيوب نفسك.
وقال ابن عباس: إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوبك.
ويقول بعضهم: أدركنا السلف وهم لا يرون العبادة في الصوم والصلاة، ولكن في الكف عن أعراض المسملين حتى ولو على سبيل المزاح.


ما أحسن الاشتغال بعيوب النفس، وطوبى لمن شغلته عيوبه عن عيوب غيره، وكان بلسان حاله يقول:


لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها







لنفسي عن نفسي من الناس شاغل
شاغل




بعض الناس -هداهم الله- يرون القذاة في أعين إخوانهم ولا يرون الجذع معترضا في أعينهم فهؤلاء غير منصفين:


فإن عبت قوماً بالذي فيك مثله




فكيف يعيب الناس من هو أعور


وإن عبت قوما بالذي ليس فيهم




فذلك عند الله والناس أكبر





وبعض الناس يغضون عن عيوب من يحبون، ويختلقون عيوبا فيمن لا يودون حتى ولو على سبيل المزاح.


وعين الرضا عن كل عيب كليلة




ولكن عين السخط تبدي المساويا





فيا ليت العيون تتساوى وتغض عن عيوب الناس فذلك هو خلق المرسلين.
يقول الحسن: يا ابن آدم لن تنال حقيقة الإيمان حتى لا تعيب الناس بعيب هو فيك، وتبدأ بذلك العيب من نفسك فتصلحه، فما تصلح عيبا إلا ترى عيبا آخر فيكون شغلك في خاصة نفسك. وقيل لربيع بن خيثم: ما نراك تعيب أحدا ولا تذمه فقال: ما أنا على نفسي براض فأتفرغ إلى غيرها. ولقد أحسن القائل:


شر الورى من يعيب الناس مشتغلا




مثل الذباب يراعي موضع العلل





وقال آخر:



إذا ما ذكرت الناس فاترك عيوبهم




فلا عيب إلى دون ما منك يذكر




فإن عبت قوما بالذي هو فيهم




فذلك عند الله والناس منكر








وقال آخر:


يمنعني من عيب غيري الذي



أعرفه عندي من العيب


عيبي لهم بالظن مني بدا



ولست من عيبي في ريب


إن كان عيبي غاب عنهم فقد



أحصى عيوبي عالم الغيب


وقال آخر:


أرى كل إنسان يرى عيب غيره



ويعمى عن العيب الذي هو فيه
وما خير من تخفى عليه عيوبه



ويبدو له العيب الذي بأخيه


وكيف أرى عيباً وعييبي ظاهر



وما يعرف السوءات غير سفيه
الصحبة الطيبة والجلساء الصالحون ومخالطتهم هي نوع من العلاج فهم يعينون صاحبهم على الطاعة ويحذرونه عند الغفلة، ولو لم يكن منهم إلا أنهم "هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم" كما قال عليه الصلاة والسلام لكفى.


وحسبك في مدحهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شبههم بحامل المسك الذي "إما يحذيك أو تبتاع منه أو تجد منه ريحا طيبة".
 
رد: الإفصاح عن منهجية الإسلام في المزاح

فإن وجدت صحبة طيبة صالحة فتمسك بهم وعض بنواجذك عليهم، وتخير الكفء منهم لأنه ليس كل من قال: أنا صالح كان حقا صالحا.


إذا صاحبت قوماً فصاحب خيارهم

ولا تصحب الأردي فتردى مع الردي


ولا تصحب يا أخي إلا من ينهض بك حاله ويدلك على الله مقاله، أقول هذا الكلام لأنه وجد من الشباب الصالحين من يمزحون مزاحا مذمومما ويسخرون بالناس ويعصون الله، فهؤلاء ادعوا الصلاح فهم لا يصلحون للصحبة.


الجدية:


ما أجمل أن نعيش جادين في حياتنا بعيدين عن النزاهات مستغلين أوقاتنا فيما يعود علينا بالنفع، إن كثرة المزاح تضعف القلب وتثبط القوة وتشل الحماس. كيف كان حال السلف عندما كانوا جادين، وكيف حالنا اليوم عندما أصبح الكثير مستهترين؟.


عمر بن عبد العزيز عندما تسلم الخلافة جمع وزراءه وأعوانه ومنع المزاح في مجلسه، واشترط عليهم أن لا يغتابوا مسلما.


وهذا صلاح الدين الأيوبي تأتيه رسالة على لسان المسجد الأقصى وقد كان الأقصى أسيرا في يد الصليبيين آنذاك تقول الرسالة:


يا أيها الملك الذي



لمعالم الصلبان نكس


جاءت إليك ظلامة



تسعى من البيت المقدس


كل المساجد طهرت



وأنا على شرفي أنجس


فينتخي صلاح الدين ويشحذ الهمم، ويمنع المزاح والضحك في جيشه، ويقودها حملة لا تبقي ولا تذر، فيكسر شوكتهم ويعيد الأقصى إلى حظيرة المسلمين آنذاك، فانظر إلى الجدية تلعب دورها بعد توفيق الله تعالى، فيا ليت أنَّا نكون جادين.


ثم عاد اليوم بعد صلاح الدين اليهود فاحتلوا الأقصى وعبثوا به ودنسوه يوم أن تخلى من تخلى عن مبادئ صلاح الدين وغرق في المزاح.


الوسطية:


ما أجمل التوسط في كل شيء فلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا تقصير، يقول تعالى: [FONT=&quot]]وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا[FONT=&quot][[/FONT] [/FONT]


[البقرة: 143] أي عدولا. إنني بعد كل ما قلت لا أحرم المزاح على إطلاقه، ولكن لابد من الوسطية، فنمزح في وقت المزاح –مزحا مباحا- ونُجدُّ في وقت الجد، وإننا لا ندعو بأن يكون المسلم عابس الوجه قاطب الشكل يبكي ولا يضحك يكشر ولا يبتسم لا, لأن ذلك في الحقيقة مجانب للصواب، ومخالف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله، فقد كان يبتسم عليه الصلاة والسلام، وكان يقول: «وابتسامتك في وجه أخيك صدقة» ويقول: «لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» وقد مر بنا آنفا أنه كان يمزح مع أصحابه ومع نسائه ومع أطفاله، ولكنه كان مثالا وقدوة، فإذا مزح لا يغلو وإذا جد لا يجفو.


فما أحوجنا والله إلى معرفة منهج الإسلام في المزاح، وقد أفصحت عن شيء من ذلك يا صاح.
[FONT=&quot]
[/FONT]
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top