تأمُّلاتٌ في قول اللَّه عزَّ وجلَّ {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}

الطيب الجزائري84

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
14 جوان 2011
المشاركات
4,033
نقاط التفاعل
4,408
النقاط
191
العمر
39
الجنس
ذكر
  • حسن أيت علجت



لقد ذَكَرَ اللهُ عز وجل هذه الجُمْلَةَ: {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} في ثلاثَةِ مَوَاضِعَ من كتابِِهِ العَزِيزِ:
الموْضِعُ الأوَّل: في سورة الأنعام: {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُون}[الأنعام:91].
الموْضِعُ الثَّاني: في سورة الحجِّ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوب * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز}[الحج:73-74].
الموْضِعُ الثَّالث: في سورة الزُّمَر: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون}[الزُّمَر:67].
* ولعُلَمَاءِ التَّفْسير في هذه الجملة: {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أرْبَعَةُ تَأويلاتٍ ذكَرَها المَاوَرْدِيُّ في «النُّكَت والعُيُون» (2 /141):
أَحَدُها: وما عظَّمُوهُ حَقَّ عظَمَتِه، قاله الحسن البصريُّ، والفرَّاء، والزَّجَّاج.
والثَّاني: وما عَرَفُوهُ حقَّ معْرِفَتِه، قاله أبو عبيدة.
والثَّالث: وما وصَفُوه حَقَّ صِفَتِه، قاله الخليل.
والرَّابع: وما آمَنُوا بِأَنَّ اللهَ على كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ، قاله ابن عبَّاس رضي الله عنه.
وعلى هذا؛ فإنَّ هذه الأقْوَالَ تَدُورُ على ثلاثَةِ أُمُورٍ:
الأول: إثبْاَتُ توحيدِ الله عز وجل وعَظَمَتِه.
الثَّاني: إثْبَاتُ صِفَاتِه السَّنِيَّةِ العُلْيَا مِنْ: تكْليمِه سبحانه رُسُلَهُ، وإرْسَالِهِ إيَّاهُم، ومِنْ قَبْضِه الأرَضِين، وطَيِّهِ للسَّمَاواتِ بيمِينِه يَوْمَ القِيَامَةِ.
الثَّالث: إثْبَاتُ قُدْرَتِه على البَعْثِ وإحْيَاءِ الْمَوْتَى.
ففي سورة الحجِّ، ذَكَرَ سبحانه هذه الجُمْلَةَ في مَعْرِضِ إثْبَاتِ وَحْدَانِيَّتِهِ، وَأَنَّهُ لاَ يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ إلاَّ هُوَ؛ وفي سورة الأنعام، في مَعْرِضِ إثْبَاتِ مَا أَنْزَلَهُ ـ جَلَّ وعلا ـ عَلَى رُسُلِهِ، وفي سورة الزُّمَرِ في مَعْرِضِ إثْبَاتِ المَعَادِ وقيامِ النَّاس لربِّ العالمين.
وهذه الأصُولُ الثَّلاثةُ؛ وهي: التَّوحيدُ، والنُّبُوَّاتُ، والمَعَادُ، هي الأصُولُ الاعْتِقَادِيَّةُ الَّتي اتَّفَقَتْ عليها جميعُ المِلَلِ، وجاءَتْ بها جميعُ الرُّسُلِ عليهم الصَّلاة والسَّلام.
وعَامَّةُ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ تَضَمَّنَتْ هذه الأُصُولَ الَّتِي اتَّفَقَتْ عَلَيْهَا رُسُلُ اللهِ؛ إذْ كَانَ الْخِطَابُ فِيهَا يَتَضَمَّنُ الدَّعْوَةَ لِمَنْ لا يُقِرُّ بِأَصْلِ الرِّسَالَةِ(1).
لهذا نجِدُ أنَّ السُّوَرَ الَّتي ورَدَتْ فيها هذه الجملةُ: {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} وهي سورُ: الأَنْعَامِ، والحَجِّ، والزُّمَر، وهي سُوَرٌ مكيَّةٌ، على خِلاَفٍ في سُورة الحَجِّ؛ وَمِنَ المعْلُومِ أنَّ الاعْتِنَاءَ في السُّوَرِ المكيَّةِ، إنَّما هو بمسَائِلِ الاعْتَقَادِ ـ أو المسائل العِلْميَّة الخبَرِيَّة ـ، مِنْ تَقْرِيرِ التَّوحيدِ، والمَعَادِ، والنُّبُوَّة؛ وأمَّا تَقْرِيرُ الأحكام والشَّرَائِع ـ أو المسائل العَمَلِيَّة الطَّلَبيَّة ـ فمظِنَّةُ السُّوَرِ المدنيَّة(2).
من أجْلِ ذلك، نَجِدُ أنَّ في كُلِّ مَوْطِنٍ مِنَ المَوَاطِن الثَّلاثَةِ الَّتي ذُكِرَتْ فيه هذه الجُمْلةُ، ردًّا على صِنْفٍ مِمَّنْ تنكَّبَ طريقَ الحقِّ في باب الاعْتِقَادَات فَلَمْ يَقْدُرْ ربَّ العَالمَيِنَ حقَّ قَدْرِه(3):
الصِّنْفُ الأوَّل: المُشْرِكُونَ الَّذين عَبَدوا مع اللهِ عز وجل غيْرَهُ، وهم المذكورون في سُورة الحجِّ.
الصِّنْفُ الثَّاني: المُعَطِّلةُ النُّفَاةُ للصِّفَات الإلهيَّة العُلْيا، الَّذين يُنْكِرُونَ أنْ يكونَ للهِ عز وجل يَدَانِ، فَضْلاً عنْ أنْ يقْبِضَ بِهِمَا شَيْئًا، وهم المذكورون في سورة الزُّمَر.
وقد روى البخاريُّ ـ واللَّفْظُ له ـ، ومسلمٌ عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ: «إِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، جَعَلَ اللهُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْخَلاَئِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ»؛ فَلَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَضْحَكُ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ؛ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون}[الزُّمَر:67].
ومن ذلك أيضًا، ما رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون}[الزُّمَر:67]، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ هَكَذَا بِيَدِهِ، وَيُحَرِّكُهَا، يُقْبِلُ بِهَا وَيُدْبِرُ: «يُمَجِّدُ الرَّبُّ نَفْسَهُ: أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْمُتَكَبِّرُ، أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْعَزِيزُ، أَنَا الْكَرِيمُ»؛ فَرَجَفَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْمِنْبَرُ حَتَّى قُلْنَا لَيَخِرَّنَّ بِهِ(4).
الصِّنْفُ الثَّالث: مُنْكِرُو النُّبُوَّاتِ، الَّذين يُنْكِرُونَ إنْزَالَ شَيْءٍ عَلَى الْبَشَرِ، فيُكذِّبُون بذلك بإرْسَالِ اللهِ عز وجل للرُّسُلِ، وإنْزالِ كُتُبِه عليْهِمْ.
قال الإمامُ ابن القيِّم رحمه الله في «الجواب الكافي» (ص220) مبيِّنا هذا المعنى: «فَمَا قَدَرَ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ مَنْ عَبَدَ مَعَهُ غيْرَهُ، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوب * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز}[الحج:73-74]؛ فَمَا قَدَرَ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ مَنْ عَبَدَ مَعَهُ مَنْ لا يَقْدِرُ على خَلْقِ أضْعَفِ حَيَوانٍ وأصْغَرِه، وإنْ يسْلُبْهُم الذُّبابُ شيئًا ممَّا علَيْهِ، لَمْ يقْدِرُوا على الاسْتِعَاذة منه.
وقال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون}[الزُّمَر:67]؛ فما قَدَرَ ـ مَنْ هذا شَأْنُهُ وعَظَمَتُه ـ حقَّ قدْرِه مَنْ أشْرَكَ معه في عِبَادَتِه مَنْ ليْسَ له شَيْءٌ مِنْ ذلك ألْبَتَّةَ، بَلْ هو أعْجَزُ شَيْءٍ وأضْعَفُه؛ فمَا قَدَرَ القويَّ العزيزَ حقَّ قدْرِه مَنْ أشْرَكَ مَعَهُ الضَّعيفَ الذَّليلَ.
وكذلك ما قَدَرَه حَقَّ قَدْرِهِ مَنْ قَالَ: إنَّه لَمْ يُرْسِلْ إلى خَلْقِهِ رسُولاً، ولا أنْزَلَ كتابًا؛ بَلْ نَسَبَهُ إلى ما لا يَلِيقُ به، ولا يَحْسُنُ مِنْهُ، مِنْ: إهْمَالِ خَلْقِه وتَضْيِيعِهِم، وتَرْكِهِم سُدًى، وخلْقِهِم باطِلاً عَبَثًا.
وكذا ما قَدَرَه حَقَّ قَدْرِه مَنْ نَفَى حَقَائِقَ أسْمَائِه الحُسْنَى، وصِفَاتِهِ العُلَى: فَنَفَى سَمْعَهُ، وبَصَرَهُ، وإرادَتَه، واخْتِيَارَه، وعُلُوَّه فوق خَلْقِه، وكَلاَمَه وتَكْلِيمَه لمِنَ ْشاء مِنْ خَلْقِهِ بِما يُرِيدُ»... إلى آخر كلامه.
فيتقرَّرُ من هذا أنَّ في هذه الجملة ردًّا على المشركين والْمُعَطِّلِين الجَاحِدِين لتَوحِيدِهِ ولصِفَاتِه، وردًّا على مُنْكِري كُتُبِه ورُسُلِه، وهذان هما أصْلاَ الإسلام: شهادةُ أن لاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ(5).
ودَلَّتْ هذه الجُمْلَةُ على أنَّ للهِ جلَّ وعَلاَ قدْرًا عَظِيماً، فَكَمَا أنَّهُ لا يُحْصِي ثَناءَهُ سُبْحَانَه أحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ، كذلك لا يُحْصِي تَعْظِيمَهُ أحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ التَّعْظِيمَ الذي يستحِقُّهُ جَلَّ في عُلاَهُ، ولهذا قال أعْلَمُ الخلْقِ بِاللهِ عز وجل، ألاَ وهو عبْدُهُ ورسولُهُ مُحَمَّدٌ ﷺ: «لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ»(6).
فهو سبحانه وتعالى: {ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَام}[الرحمن:27]، أيْ: أَهْلٌ أَنْ يُجَلَّ فِي نَفْسِهِ، وَأَهْلٌ أَنْ يُكْرَمَ.
قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية في «المجموع» (16 /320): «وَالْعِبَادُ لا يُحْصُونَ ثَنَاءً عَلَيْهِ، فَهُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ؛ كَذَلِكَ هُوَ أَهْلٌ أَنْ يُجَلَّ وَأَنْ يُكْرَمَ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُجِلُّ نَفْسَهُ وَيُكْرِمُ نَفْسَهُ، وَالْعِبَادُ لا يُحْصُونَ إجْلالَهُ وَإِكْرَامَهُ؛ وَالإِجْلالُ: مِنْ جِنْسِ التَّعْظِيمِ، وَالإِكْرَامُ: مِنْ جِنْسِ الْحُبِّ وَالْحَمْدِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ}[التغابن:1]؛ فَلَهُ الإِجْلالُ وَالْمُلْكُ، وَلَهُ الإِكْرَامُ وَالْحَمْدُ» اهـ.
وفي هذا جاءَ حديثُ أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعًا إلى النَّبِيِّ ﷺ: «إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ»(7).
ولمَّا كان الأمْرُ بهذه المَثَابَةِ، أمَرَ رسولُ الله ﷺ بالإكْثَارِ من الدُّعَاء بـ «يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ»، ففي الحديثِ المرْوِيِّ عن جماعةٍ من الصَّحَابة مرفوعًا: «أَلِظُّوا بِـ (يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)»(8).
قال ابن الأثير في «النِّهاية» (4 /252): «أيْ: الْزَمُوهُ، واثْبُتُوا عليه، وأكْثِرُوا من قوْلِه، والتَّلَفُّظِ به في دُعائِكم؛ يُقَال: أَلَظَّ بالشَّيْءِ، يُلِظُّ، إلْظَاظًا: إذا لَزِمَه، وثابرَ عليه» اهـ.
وقد أنْكَرَ نبيُّ اللهِ نوحٌ عليه السلام على قوْمِهِ عَدَمَ تَعْظِيمِهِم لِرَبِّ العالمين فقال: {مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}[نوح:13]؛ أي: لا تُعَامِلُونَه مُعَامَلَةَ مَنْ تُوَقِّرُونَه، والوَقَارُ: العَظَمَةُ، اِسْمٌ مِنَ التَّوْقِيرِ وهو: التَّعْظِيمُ؛ ومنه قوْلُهُ تعالى: {وَتُوَقِّرُوهُ}[الفتح:9](9).
وهذا التَّعْظِيمُ الَّذي يَجِبُ على العبْد نحْوَ خالِقِه ـ جلَّ وعَلاَ ـ هو أحَدُ رُكْنَيْ العِبَادَة الَّتي خَلَقَهُ اللهُ عز وجل لأجْلِهَا؛ ذلك بِأَنَّ «العبادَةَ مبنيَّةٌ على أمرَيْن عَظِيمَيْن، هما: المَحَبَّةُ والتَّعْظِيمُ، النَّاتِجُ عَنْهُما: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين}[الأنبياء:90]؛ فبِالمحَبَّةِ تَكُونُ الرَّغْبَةُ، وبالتَّعْظِيمِ تكونُ الرَّهْبَةُ والخَوْفُ؛ ولهذا كانت العبادةُ أوَامِرَ ونَوَاهِيَ:
ـ أوامِرَ مَبْنيَّةً على الرَّغْبَةِ، وطَلَبِ الوُصُولِ إلى الآمِرِ.
ـ ونَوَاهِيَ مَبْنيَّةً على التَّعْظيمِ، والرَّهْبَةِ مِنْ هذا العظيم»(10).
فتضمَّنتْ هذه الجُملةُ أحَدَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ تَقُومُ عَلَيْهِما عِبَادةُ الإنسانِ لرَبِّه عز وجل وهو التَّعظيم.
والله تعالى أعلم، والحمد لله ربِّ العالمين.


(1) انظر: «فتاوى ابن تيمية» (15 /159 ـ 160)، و«شرح العقيدة الأصفهانية» (ص211).

(2) انظر: «التِّبيان في أقسام القرآن» لابن القيِّم (ص140).

(3) انظر: «فتاوى ابن تيمية» (8 /24)، و«الصَّواعق المرسلة» لابن القيّم (4 /1363 ـ 1364).

(4) صحيح: أخرجه أحمد ـ والسِّيَاقُ له ـ، وابن أبي عاصم في »السُّنَّة»، وابن خزيمة في »التَّوحيد». انظر: »الصَّحيحة» (7 /1 /596 ـ597).

(5) انظر: «الصَّواعق المرسلة» لابن القيِّم (4 /1363).

(6) رواه مسلم من حديث عائشة ل (485).

(7) حسن: رواه أبو داود. «صحيح التَّرغيب» (98).

(8)صحيح: رواه أحمد والحاكم. «الصَّحيحة» (1536).

(9) انظر: «تفسير البغوي» (ص231)، و«الفوائد» لابن القيِّم (ص 242 ـ ط: دار النفائس).

(10) قاله العلاَّمة ابن عثيمين في «شرح الواسِطِيَّة» (1 /24 ـ 25، ط: ابن الجوزي).

* منقول من مجلة الإصلاح «العدد 8»


المصدر..موقع راية الاصلاح
 
oussama9694، تم حظره "حظر دائم". السبب: تكرار المخالفات / الاعتراض في كل مرة على إجراءات إدارية
رد: تأمُّلاتٌ في قول اللَّه عزَّ وجلَّ {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}

سبحانه عز وجل
-------------
لنجعل التفسير لآي القرءان صافيا لا يشوبه هجوم و لا تهجم على فرق معينة كالاشاعرة مثلا ... (وقد ورد ذلك تلميحا في موضوعك)

بارك الله فيك اخي الكريم ونفعنا و اياكم بالذكر الحكيم
 
رد: تأمُّلاتٌ في قول اللَّه عزَّ وجلَّ {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}

بارك الله فيك ..

انظر الفهرس الذي اعتمد عليه الشيخ حفظه الله في موضوعه ..اخي الكريم
جزاك الله خيرا
 
رد: تأمُّلاتٌ في قول اللَّه عزَّ وجلَّ {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}

بارك الله فيك
موضوع مفيد جداا
شكرا

 
رد: تأمُّلاتٌ في قول اللَّه عزَّ وجلَّ {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}

وفيكم بارك الله ..العفو ..جزاكم الله خيرا
 
رد: تأمُّلاتٌ في قول اللَّه عزَّ وجلَّ {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}

موضوع مفيد جداا
شكرا
 
رد: تأمُّلاتٌ في قول اللَّه عزَّ وجلَّ {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}

العفو ..بارك الله فيك
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top