أهــرامــات وشــيــوخ

space-cowboy

:: عضو مُشارك ::
إنضم
17 سبتمبر 2020
المشاركات
261
نقاط التفاعل
707
النقاط
21
العمر
41
محل الإقامة
باريس
الجنس
ذكر
rzz-ojl.gif


اقصوصة من رصيد مذكراتي..


أكلت كثيرا ، حساء يليه شواء وعدد من الفواكه: كرز ، خوخ ، تفاحة ونصف موزة. تطوعتُ لخدمة هذا الشيخ الطاعن في السن الجالس على يساري ؛ بدا ضعيفاً وكأنه يحتضر. صمته ، نحافته والضوء الخافت جعله يبدو ضعيفًا. كان يتواصل معي من خلال نظراته وإشاراته حتى يجعل رغباته مفهومة. قدمت له كل ما يحتاج إليه ، ما يطلبه مني ، وما لا يطلبه.

بعد العشاء ، عُدت إلى مقعدي أمامه. استقام فجأة وبدأ يعظ الحضور بضمير إنساني تحت غطاء ديني ، أخلاق أصيلة مشبعة بالوداعة. لم أتخيله قط قويا ومليئا بالحياة قبل العشاء. أتقن فن الكلام كما أتقن فن الصمت. رفع السبابة وقال بابتهاج أنه يحبنا جميعًا. خلال هذا الوقت ، فكرت في ذلك الصنم واهراماته العجيبة. كنت قد خرجت للتو من ظلمة الكولوار قبل أن أرى تلك القمم العالية تلمع وتفتح الباب أمامي. قفطان بنفسجي متلألئ ، وضعية مائلة ولامبالاة وحشية. سلوك متقلب لفتاة طائشة نشأت هنا. هذا الوجه الغريب ، هذا الاستهتار الأنثوي ،وهذا البنفسجي اللامع يعملان كموشور دمَّرَ التوازن اللوني في عيني.

حدق الرجل العجوز في وجهي وكان يقول أشياء يجدها مضحكة. كان لدى هؤلاء الأشخاص القدامى روح الدعابة التي لم تكن كوميديا خالصة ، بل كانت نعمة بريئة وطبيعة حيوية لم نعد نعهدها اليوم. اللطف هو ما كان يُضحكه ، بينما أنا تعلمت السخرية من الأشياء السخيفة ، والتهكم على المغامرات المهينة. لقد تهيأت لأضحك على ما هو سيء وغير أخلاقي ، وليس على ما هو جيد. اللطف لم يعد في الموضة. لا أكاد افقه جوهر بعض نكاته بوعيي الملوث بالخطيئة. اكتفيت برسم ابتسامة ميكانيكية على شفتي ، ابتسامة منكسرة ومتذبذبة.


شعرت بأنني لست اهلاً أن تخاطبني هذه النظرة الرقيقة بإفراط. أمّا الإمام الآخر الجالس على يميني فهو من زمن أكثر تقدمًا. إنه بالتأكيد يشعر بالحصانة من تهديدات ملك الموت ، ومن هنا نبع غروره وطاقته المتوقدة. درس في عدة مدارس ولم تعجبه النزعة الطائفية للشيخ التبليغي الكبير. لم يقلها لكنني فهمتها. قال إن إماماً آخر كان يسرق طلابه منه لأنه لم يتقن اللغة الفرنسية رغم معرفته الدينية العميقة. انتقد الفساد الديني لدى الشباب ، لعن اللحى الزائفة والنفاق الناشئ في المساجد ، وانكر الآيات المطبوعة على شاشات "الآي باد". بدأت الأهرامات تتفتت شيئًا فشيئًا نحت تأثير خطابه الشامخ ومفارقاته العجيبة. بعد بضع دقائق ، أخرجت هاتفي الذكي لقراءة جماعية للقرآن. كان تباين الأسود والأبيض على الشاشة سخيفًا كما هو بين الخطيئة والفضيلة وسط هذا المجمع الخُرافي.

قبل المغادرة ، التقيت الصنم مرة ثانية. هذه المرة ، بدا جمالها باهتًا والأهرامات هزيلة وأقل اكتمالًا ، أدركت أن الإثارة كانت مجرد تحريض كاذب. ثم انغمست مجددًا في ظلمة الكولوار لأتنفس نضارة الهواء البارد وتسكن الروح تحت جُنّةِ الظلام.
 
آخر تعديل بواسطة المشرف:
طرح راقي و مميز سلمت يداك على الطرح الرائع والمميز جعله الله في ميزان حسناتك يارب العالمين اجمعين
 
طرح راقي و مميز سلمت يداك على الطرح الرائع والمميز جعله الله في ميزان حسناتك يارب العالمين اجمعين

اشكرك اخي إلياس. والله تعودنا على إطلالتك الكريمة فلا تحرمنا منها.

اسعد الله مساءك
 
اشكرك اخي إلياس. والله تعودنا على إطلالتك الكريمة فلا تحرمنا منها.

اسعد الله مساءك
العفو اخي الكريم
 
اقصوصة من رصيد مذكراتي..


أكلت كثيرا ، حساء يليه شواء وعدد من الفواكه: كرز ، خوخ ، تفاحة ونصف موزة. تطوعتُ لخدمة هذا الشيخ الطاعن في السن الجالس على يساري ؛ بدا ضعيفاً وكأنه يحتضر. صمته ، نحافته والضوء الخافت جعله يبدو ضعيفًا. كان يتواصل معي من خلال نظراته وإشاراته حتى يجعل رغباته مفهومة. قدمت له كل ما يحتاج إليه ، ما يطلبه مني ، وما لا يطلبه.

بعد العشاء ، عُدت إلى مقعدي أمامه. استقام فجأة وبدأ يعظ الحضور بضمير إنساني تحت غطاء ديني ، أخلاق أصيلة مشبعة بالوداعة. لم أتخيله قط قويا ومليئا بالحياة قبل العشاء. أتقن فن الكلام كما أتقن فن الصمت. رفع السبابة وقال بابتهاج أنه يحبنا جميعًا. خلال هذا الوقت ، فكرت في ذلك الصنم واهراماته العجيبة. كنت قد خرجت للتو من ظلمة الكولوار قبل أن أرى تلك القمم العالية تلمع وتفتح الباب أمامي. قفطان بنفسجي متلألئ ، وضعية مائلة ولامبالاة وحشية. سلوك متقلب لفتاة طائشة نشأت هنا. هذا الوجه الغريب ، هذا الاستهتار الأنثوي ،وهذا البنفسجي اللامع يعملان كموشور دمَّرَ التوازن اللوني في عيني.

حدق الرجل العجوز في وجهي وكان يقول أشياء يجدها مضحكة. كان لدى هؤلاء الأشخاص القدامى روح الدعابة التي لم تكن كوميديا خالصة ، بل كانت نعمة بريئة وطبيعة حيوية لم نعد نعهدها اليوم. اللطف هو ما كان يُضحكه ، بينما أنا تعلمت السخرية من الأشياء السخيفة ، والتهكم على المغامرات المهينة. لقد تهيأت لأضحك على ما هو سيء وغير أخلاقي ، وليس على ما هو جيد. اللطف لم يعد في الموضة. لا أكاد افقه جوهر بعض نكاته بوعيي الملوث بالخطيئة. اكتفيت برسم ابتسامة ميكانيكية على شفتي ، ابتسامة منكسرة ومتذبذبة.


شعرت بأنني لست اهلاً أن تخاطبني هذه النظرة الرقيقة بإفراط. أمّا الإمام الآخر الجالس على يميني فهو من زمن أكثر تقدمًا. إنه بالتأكيد يشعر بالحصانة من تهديدات ملك الموت ، ومن هنا نبع غروره وطاقته المتوقدة. درس في عدة مدارس ولم تعجبه النزعة الطائفية للشيخ التبليغي الكبير. لم يقلها لكنني فهمتها. قال إن إماماً آخر كان يسرق طلابه منه لأنه لم يتقن اللغة الفرنسية رغم معرفته الدينية العميقة. انتقد الفساد الديني لدى الشباب ، لعن اللحى الزائفة والنفاق الناشئ في المساجد ، وانكر الآيات المطبوعة على شاشات "الآي باد". بدأت الأهرامات تتفتت شيئًا فشيئًا نحت تأثير خطابه الشامخ ومفارقاته العجيبة. بعد بضع دقائق ، أخرجت هاتفي الذكي لقراءة جماعية للقرآن. كان تباين الأسود والأبيض على الشاشة سخيفًا كما هو بين الخطيئة والفضيلة وسط هذا المجمع الخُرافي.

قبل المغادرة ، التقيت الصنم مرة ثانية. هذه المرة ، بدا جمالها باهتًا والأهرامات هزيلة وأقل اكتمالًا ، أدركت أن الإثارة كانت مجرد تحريض كاذب. ثم انغمست مجددًا في ظلمة الكولوار لأتنفس نضارة الهواء البارد وتسكن الروح تحت جُنّةِ الظلام.
أعجبتنيي القصة جداا. لكن هل بإمكانك شرح مقصدك من الاهرامات حتى ادرك اذا ما كان نفس المعنى الذي فهمته ام لا .حدث لدي بعض الخلط ربما واختلال في الفهم😊😊
 
أعجبتنيي القصة جداا. لكن هل بإمكانك شرح مقصدك من الاهرامات حتى ادرك اذا ما كان نفس المعنى الذي فهمته ام لا .حدث لدي بعض الخلط ربما واختلال في الفهم😊😊

الاهرامات تعبير مجازي عن مفاتن المرأة.
 
الاهرامات تعبير مجازي عن مفاتن المرأة.
ااااا اوكيي فهمت. القصة رائعة ومغزاها راائع .قراتها عدة مرااات حتى استطعت فهم المعنى الكامل. شكرا لمشاركتك ايانا
 
ااااا اوكيي فهمت. القصة رائعة ومغزاها راائع .قراتها عدة مرااات حتى استطعت فهم المعنى الكامل. شكرا لمشاركتك ايانا

هذا امر مُفرح صراحة. أن يكون هناك من يقرأ بشكل استنباطي وليس لهدف الإطلاع من اجل التسلية فحسب.
 
قصة هادفة تصف حال مجتمعنا اليوم
مشكور اخي استمتعت وانا اقرأ لك
اسلوبك رائع
بارك الله فيك
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top