التفاعل
17
الجوائز
617
- تاريخ التسجيل
- 14 فيفري 2009
- المشاركات
- 2,568
- آخر نشاط
إيران إلي أين؟ ولاية الفقيه أم ولاية الأمة؟
شدّت إيران أنظار العالم أجمع تقريبا خلال الأسبوع الماضي، باستثناء هؤلاء الذين يعيشون في عوالم خاصة معزولين عن الدنيا، أو لا يحبون أن يروا ما يكرهون أو لا يريدون الاستفادة من تجارب الآخرين.كان السؤال الأبرز خلال تصاعد الأحداث هو إلي أين تتجه إيران؟
وراود المراقبين إحساس غريب: هل تتكرر أحداث الثورة الإيرانية؟
وهل تكون تلك المظاهرات المحجوبة بداية ثورة مخملية تعيد ترتيب الأوراق في إيران؟
وشغل المختصين والمتعمقين في الشأن الإيراني والشأن الشيعي سؤال ما وراء الأحداث: هل تُحْدِث المظاهرات والاختلافات داخل أبناء البيت الواحد وأولاد الثورة الإسلامية مراجعة كبيرة تحوّل الولاية السياسية من المرشد الأعلي ولي الفقيه إلي ولاية الأمة الإيرانية والجماهير الشيعية؟
إذا أردنا أن ندرك أهمية ذلك السؤال علينا أن نعود إلي الوراء لنتفهم طبيعة المذهب الشيعي ولماذا حدث الخلاف والانقسام في الأمة الإسلامية بين سنة وشيعة؟
لقد حدث الانقسام في البداية سياسياً حول من الأحق بتولي الخلافة بعد الرسول -صلي الله عليه وسلم -ورأي أقلية أن الأولي هو عليّ بن أبي طالب - كرّم الله وجهه ورضي الله- عنه بينما اختارت الأغلبية الساحقة أبا بكر الصديق- رضي الله عنه- خليفة لرسول الله -صلي الله عليه وسلم- وبايعته جموع الصحابة بيعة السقيفة.
بعدها بدأ التأصيل للخلاف حيث لم يدّع أحد في بداية الخلاف وجود نظرية متكاملة للإمامة فتم وضع أسس فقهية وأصولية لنظرية الإمامة عند الشيعة بعد معارك الإمام علي في الجمل وصفين وتصاعد الأحداث التاريخية في الخلاف المشهور مع معاوية -رضي الله عنه- ثم تحول الخلافة إلي ملك عضوض ووراثة ملكية في الدولة الأموية.
جوهر نظرية الإمامة عند الشيعة جميعا هو أن من يتولي أمر المسلمين وحكمهم لابد أن يكون بنص إلهي وليس باختيار من الأمة لخطورة الأمر ولذلك جاءت النصوص التي يتم تأويلها بتعسف شديد أو حتي لا يعترف بها كل المسلمين لتؤكد تلك النظرية، ثم اختلف الشيعة فيما بينهم، ولكن اشتهرت نظرية الإمامية الإثني عشرية التي حصرت الأئمة في آل البيت من ولد الحسين بن علي -رضي الله عنهم- لعدد 12 إماماً كان آخرهم هو «محمد بن الحسن العسكري» الذي عند وفاته قال الشيعة بغيبته غيبة صغري، ثم غيبة كبري طالت حتي يومنا هذا.
المذهب الشيعي بدأ خلافاً سياسياً واستمر كذلك إلي يومنا هذا، لذلك كانت الخلافات الفقهية الفرعية التي حدثت خلال تلك القرون الطويلة قليلة ومرجعها إلي اعتماد الروايات الحديثية وقبول الرجال الذين حملوا الأحاديث والشك في عدالتهم ثم عاش الشيعة طوال تلك القرون في ظل ما يعتبرونه مظلمة تاريخية حرمتهم وحرمت أئمتهم من حق إلهي، وعاشوا صراعات سياسية مريرة في كل العصور مع كل الولاة صالحين أو طالحين.
ويشعر الزائر اليوم لإيران نفسها أو مناطق الشيعة في بلاد أهل السنة بغياب المظاهر الإسلامية التعبدية المشهورة، فبينما كان المظهر الأبرز للصحوة الإسلامية في البلاد الإسلامية انتشار المساجد، والإقبال علي الصلاة في المسجد وانتشار الحجاب بين النساء والفتيات وكثرة حفظ القرآن والإقبال علي العلم الشرعي بمنهجية علمية أو بعشوائية فردية، والمطالبة المستمرة بالعودة إلي تطبيق الشريعة الإسلامية في كل مناحي الحياة، والمحاولات المستمرة لإحياء التطبيقات الإسلامية في الاقتصاد والسياسة والإعلام والفن.. إلخ، كان المظهر الأكبر للصحوة الإسلامية في إيران هو الثورة الشعبية التي قادها الإمام الخميني منذ 30 سنة، ثورة سياسية قلعت عرش الطاووس وأنهت حكم الشاه محمد رضا بهلوي الذي تلقَّب بملك الملوك وأنهت معه عصر التشيع الصفوي الذي مارس معادلة سياسية - دينية مع المراجع الكبري طوال قرون، كما سماه ووصفه المفكر الإيراني الكبير «علي شريعتي»، وعندما انتشرت خارج إيران فشلت في تصدير أفكارها إلي أهل السنة بينما نجحت في رص صفوف الشيعة في عمل سياسي بارز في لبنان والعراق والبحرين واليمن.. إلخ.
ويحاول الزائر إلي إيران أن يجد الملامح التي تعودها من الصحوة الإسلامية فلا يجد مساجد، لا للشيعة ولا للسنة ولا يسمع الأذان في مواقيته الخمسة ولا يجد الحجاب الذي تعود عليه، بل يجد زيّاً مفروضا علي النساء بقوة القانون، ويجد التدخين سائداً ومنتشراً بين الملالي جميعا تقريبا!
كانت النقلة الكبيرة التي أحدثها الإمام الخميني هي نظرية جديدة للإمامة أو «الحكومة الإسلامية» كما سماها في كتابه الأشهر الذي حمل نفس العنوان.
خلاصة ما وصل إليه الخميني أن الشيعة ليسوا في حاجة إلي انتظار عودة الإمام الغائب ليقودهم في دولة إسلامية، بل يمكن أن يتولي أحد المراجع الكبري الولاية السياسية مع الولاية الدينية فيتولي حكم المسلمين ويطبق فيهم حكم الإسلام.
جوهر الفكرة أن المذهب عند تأصيله جعل التقليد في الأحكام حكراً علي الأئمة من آل البيت، ولكن عند المظلومية ظهرت الحاجة إلي وكلاء للأئمة انتقل التقليد إليهم وعند الغيبة الكبري بقيت هذه الولاية الدينية يتوارثها العلماء الذين تم تأسيس نظام محكم لترقّيهم، وعلي كل مسلم شيعي أن يتخذ أحد هؤلاء المراجع الكبار مرجعاً للتقليد ويدفع إليه زكاة ماله التي تبلغ «الخمس» ولا يجوز لعموم الأفراد التفقه في الدين منفردين ولا يجوز من باب أولي تقليد من لم تجزه الحوزات العلمية في مسلسل معروف ومشهور يبدأ بطالب العلم، ثم حجة الإسلام وينتهي بـ«آية الله العظمي» وكانت حجة الخميني الأساسية أنه إذا كنا اتبعنا وكلاء عن الإمام الغائب في أمور ديننا فكيف نتخلف عن اتباعه وتقليده في أمور الدنيا والسياسة؟!
وبذلك أسس لتطوير جديد وخطير في المذهب الشيعي الإثني عشري، لم تكن تلك النظرية لتصمد طويلا أمام التجربة ولابد لها أن تتطور وتتغير للأسباب الآتية:
الأول: هو ضعف السند الفقهي، فإذا كان الملالي حجة في أمور الفقه والشريعة بسبب تخصصهم الطويل وتدرجهم في المناهج العلمية التي قد تصل إلي 30 سنة في الحوزات، فإنهم ليسوا متخصصين في أمور الحياة السيياسة المعقدة التي تحتاج إلي عشرات المتخصصين في جميع المجالات.
الثاني: هو المعارضة الأصلية للنظرية «ولاية الفقيه» فلم يوافق الخميني عليها كبار الفقهاء من آيات الله العظمي مثل «الخوئي» و«السيستاني» و«الكلبايكاني» و«بروجردي» الذين حرصوا علي تمييز «دولة العلم» عن «دولة الدنيا» وأرادوا شغل الفقهاء بالأولي فقط، حيث نجح العلماء في الحفاظ علي استقلاليتهم طوال قرون.
الثالث: هو الممارسة العملية فقد تنافس آيات الله علي المناصب السياسية وفي الصراع السياسي الحالي المحتدم طالت الاتهامات رؤساء كبيرة، وقد لا تتوقف عند رافسنجاني وكروبي ورضا نوري، بل قد تصل إلي «الولي الفقيه خامنئي» نفسه إذا فشل في احتواء الصراع الحالي وهو ليس من الآيات العظمي.
الرابع: هو صحوة الشعب الذي يجد لنفسه اليوم مكاناً في الصراع الدائر، لأنه صراع سياسي يمس أمور حياتهم العادية ولهم فيه رأي وحجة، بينما كان الآيات والملالي مراجعهم في التقليد الديني الذي لا يتخصصون فيه، ولا حجة لهم فيه ولا قدرة لهم عليه.
الخامس: هو الضغوط العالمية ودور الدول الكبري والدول المجاورة، فقد عاش الشيعة لقرون طويلة في عزلة عن العالم، وها هم اليوم في قلب الصراعات الإقليمية والعالمية، يؤثرون ويتأثرون، وهذا لم يرد في كتب الأقدمين منهم ويحتاج إلي اجتهاد جديد جماعي، لا ينفرد به الفقهاء فقط وهو ما لا تتعود عليه الحوزات العلمية، فضلا عن دور الإعلام الخطير.
السؤال اليوم هو: إلي أين تتجه إيران؟
وهل تتطور نظرية «ولاية الفقيه» إلي نظرية جديدة هي «ولاية الأمة»؟ وهل يدرك الشيعة أن غيبة الإمام التي طالت قد تطول أكثر وأكثر وأن الحاجة ملحة إلي العودة إلي الأمة نفسها لتتولي أمور دنياها وتختار بحرية من يحكمها وتحاسبه علي ذلك وتعزله إن أرادت؟
وهل يمكن ترجمة إجابات تلك الأسئلة في تطوير دستوري في إيران دون الحاجة إلي نظرية فقهية جديدة تحتاج إلي فقيه في حجم الخميني وقائد سياسي محنَّك له مثل قدراته القيادية وكاريزمته الشخصية؟!