شاعر الجنوب
:: عضو منتسِب ::
سقطت ورقة
جلس في الغابة وحيدا تحت شجرة سامقة ، يتأمل قدرة الله في عجائب خلقه ،
نبش صدره فتدافعت همومه كالأسود المفترسة نحو صحراء مخيّلته تنهش
قلبه بمخالبها الحادّة .
ظلّ يقاوم ويصارع ، كاد أن يسقط فريسة لها لولا أن سقطت ورقة ، نظر إليها تتأرجح
كأنما ترقص على أنغام النسيم ...شخص ببصره نحوها... لملم نفسه...كثّف تركيزه
كان لهذه الورقة فضل كبير في الذّود عن قلبه ، وإبعاد تلك الوحوش الكاسرة
للحظات..
ثم سقطت ورقة ثانية من نفس الغصن ، تابعها بكل اهتمام مثلما فعل مع الأولى..
ثم سقطت الورقة الثالثة ...فالرابعة...فالخامسة...ظلّ يرقب تساقط الأوراق
بدقّة واهتمام كأنما وجد الباب السرّي للغابة...الباب الذي ظلّ يبحث عنه طوال عمره
ودخل مع الأوراق في حوار فلسفي عميق...
سقطت السادسة ..فالسابعة....
سقطت جميع الأوراق ما عدا واحدة...حدّق ببصره نحوها وظلّ ينتظر سقوطها..
طالت المدة هذه المرّة ولم تسقط الورقة ...انتظر وانتظر بدأ يشعر بالملل خاطبها
قائلا : هيا اسقطي إنّي أريد المغادرة ..أرجوك ..ما بك ؟ ما يخيفك ؟ ...أم أنك تظنّين
نفسك أفضل من بقيّة الأوراق ؟..
لم تعره الورقة أدنى اهتمام ..تملّكه الغضب...قرّر أن يسقطها بنفسه ..قام من مكانه
مدّ يده نحوها جذبها برفق فلم تسقط حاول مرّة أخرى لكن دون جدوى..استجمع
قوّاه هذه المرّة وجذبها بقوّة ..سقط هو ولم تسقط الورقة...غضب غضبا شديدا
وراح يشتمها : يا لك من ورقة لعينة أقسم أنّي سأسقطك ماذا تظنّين نفسك ؟.
غاب برهة وعاد وفي يده حبل شدّه في ساقها وجذب بكلّ ما أوتي من قوّة...لم ينفع
ذلك أيضا.. حاول المرّة تلو المرّة حتّى آلمته يداه .. كان الفشل حليفه في كل مرّة
فاستعان بصديق ثم اثنين ثم ثلاثة...ثم استنجد بجميع أهل القرية وقف الجميع في طابور
واحد وأمسكوا بالحبل وجذبوا في آن واحد حتى أنهكهم التعب ولم تسقط الورقة.
جلسوا يستردّون أنفاسهم..قال أحدهم :
دعونا من قطع هذه الورقة إنها ورقة غير عادية. وافقه كلّ أهل القرية إلاّ هو فرغم
اقتناعه برأيهم ظلّ مصرّا على قطعها كي يبرّ بقسمه .
كثر الجدال واحتدم النقاش فقال آخر:
هاهو الحكيم قادم وهو أكبرنا سنّا وأوسعنا علما وأكثرنا تجربة...لنسأله رأيه فيها .
قال الحكيم ويحكم ما أشنع وأفظع ما صنعتم..لو أنكم أسقطتموها لكانت نهايتكم جميعا
ألا تدرون ما هذه الورقة ؟
- قالوا لا.
- قال : إنها ورقة الأمل .
http://mohtemmar.maktoobblog.com
