الإرهاب والترهيب... نووياً!

عوماوي

:: عضو مُشارك ::
بسم الله الرحمن ارحيم

ليس معقولا أن يتقاطر زعماء 46 دولة الى "قمة الامن النووي" التي عقدت في واشنطن بدعوة من الرئيس باراك أوباما، وأن تخلو كل الكلمات والخطب والتصريحات والبيانات تقريبا من السياسة، من أي كلمة في السياسة أو في واقع الصراعات والاعتداءات والظلامات المرعبة والحروب، ولكأن مسألة الامن في المطلق تشكل عنوانا منفصلا لا علاقة له بالعدالة او الحقوق او الطغيان او سطوة الاقوياء على الضعفاء.
واذا كان الرئيس الاميركي اختار شعارا لا يخلو من عناصر "الترهيب" التلقائي او الضمني، عندما دعا الدول الى اتخاذ اجراءات تمنع وقوع قنابل نووية او مواد انشطارية في أيدي منظمات ارهابية، قائلا: "ان التهديد الأكبر لأمن أميركا على المدى القصير أو المتوسط او الطويل هو امتلاك منظمة ارهابية سلاحا نوويا..."، فان المثير فعلا ان تقتصر النقاشات في هذه القمة على المسائل التقنية والاجراءات الامنية والخطط الاحترازية التي يراد لها أن تكفل عدم توصل الارهابيين الى الحصول على مثل هذه الاسلحة، من دون التطرق الى الاسباب والمبررات التي تدفعهم الى السعي للحصول على هذه الاسلحة المخيفة، سواء كانت هذه الدوافع تأتي في سياق صراع له جذوره المتصلة بالسياسة والجغرافيا مثلا او في سياق تلقائي ينبع من رفض الآخر ويسعى الى فنائه!

❒❒❒
وهكذا لا نغالي اذا قلنا إن قمة واشنطن النووية، على أهميتها، ورغم ما اتخذ فيها من قرارات بجعل المخزونات النووية والمواد الانشطارية تحت حراسة اكثر وعيا وتشددا، راوحت عند حدود القشرة الخارجية لهذه المسألة الحساسة والخطيرة، لأنها لم تأخذ على عاتقها، مثلا، أن تطلق حوارا عميقا على المستوى الدولي يهدف الى معالجة موضوع الارهاب والسعي الى اسقاط او نزع الدوافع التي تجعل الارهابيين يطمحون الى امتلاك أسلحة التدمير الكلي.


بهذا المعنى يمكن القول إنها قمة الارهاب والترهيب النووي، التي سعت الى معالجة السرطان ببعض من الحبوب المسكنة. فاذا كان في العالم 1600 طن من المواد الانشطارية، التي تكفي كما قيل لصنع 100 الف قنبلة نووية، واذا كان السباق على امتلاك السلاح النووي لم يتوقف، ولن يتوقف، ما دام مؤشر الصراعات والحروب يسجل تصاعدا مستمرا وخصوصا في قارتي آسيا وافريقيا، فان العلاج الاعمق والاجدى والأمثل يبقى على صعوبته، وربما على استحالته، ماثلا في معالجة الاسباب والدوافع لا في محاولة وضع سدود او حدود عند النتائج المخيفة والاحتمالات المقلقة.

❒❒❒
صحيح أن "التهديد بحرب نووية قد تراجع لكن حصول عمل ارهابي نووي ارتفع"، كما تقول هيلاري كلينتون، فالحرب النووية تراجعت بعد فاجعة احتراق الوجدان الانساني المطلق في هيروشيما وناكازاكي، لكن حصول عمل ارهابي نووي ارتفع على وقع سياسات عمياء كتلك التي جعلتنا مثلا نقرأ على هامش القمة كلاما أميركيا رسميا يقول:

"ان واشنطن تعتقد ان اسرائيل ستكون جزءا من تحرك جماعي يتعلق بالامن النووي والارهاب النووي"، ولكأن الفوسفور الابيض في سماء غزة لم يوحِ لأهل المنطقة هنا على الاقل او يذكّر بما فعله الرايخ الثالث في اوشفيتز!

تتحدث الاخبار عن 18 محاولة فاشلة لسرقة سلاح أو مواد نووية، وأن "القاعدة" تحاول منذ 15 عاما الوصول الى امتلاك مثل هذا السلاح. لكن هذا لا ينسي الكثيرين ان اميركا هي التي صنعت "القاعدة" في افغانستان وجعلت منها حركة "مقاتلين من أجل الحرية" في مواجهة السوفيات آنذاك.

لا يشكل هذا الكلام دعوة الى البكاء على الماضي او الوقوف عند أخطائه دون أي مبادرة او معالجة. ولكن ما يجعل العالم أكثر أمانا فعلا ليس السهر على عدم تسلل الارهاب الى الاسلحة النووية فحسب، بل السهر ايضا على قيام علاقات بين الشعوب والأوطان وحتى بين الحضارات والاديان، في اطار من العدالة والحق والقانون والانفتاح والتسامح واحترام الآخر، وعندها يتمّ فعلا تجفيف مستنقعات الارهاب.

قبل 65 عاما نظم فرانكلين روزفلت أكبر تجمع لزعماء العالم الذين أوجدوا منظمة الأمم المتحدة كاطار لخلق بيئة كونية تحترم الحقوق وتصون العدالة وتسهر على قانون منصف بين الدول. الآن مع التجمع الكبير الذي هندسه أوباما يبدو المشهد مخزيا بعض الشيء: إنها قمة المخيفين الخائفين تسعى لمنع تسرب النووي الى الارهاب وتغفل عن منع تسرب الارهابي الى الانساني!



 
تنبيه: نظرًا لتوقف النقاش في هذا الموضوع منذ 365 يومًا.
قد يكون المحتوى قديمًا أو لم يعد مناسبًا، لذا يُنصح بإشاء موضوع جديد.

المواضيع المشابهة

العودة
Top Bottom