بهذا المنولوج القصير ـ إن جاز لنا الوصف ـ كشف العلامة الجزائري محمد البشير الإبراهيمي مكمن الخلل في تعامل المسلمين مع ام القضايا فلسطين من غير ان يوظف دراسات إستراتيجية ومصطلحات سياسية في رسم خارطة استعادتها، واستعراض التاريخ كفيل بوزن عادل لمردودهم وكفيل بفضح المنكرين منهم والمجادلين والدائرين في فلكهم.إن معركة كارثة فلسطين لاتعدو ان تكون أسئلة وأجوبة، فإن استطعنا ان نعرف الداء ثم نعالجه... اما السؤال الأول فهو: هل أضعنا فلسطين؟
الجواب: نعم.
السؤال الثاني: هل أعطيناها ام أخذوها منا؟
الجواب: أعطيناها نحن...
السؤال الثالث: هل يمكن استرجاعها؟
الجواب: يمكن استرجاعها...
ـ بماذا أضعنا فلسطين؟
الجواب: أضعناها بالكلام.
فقد كان الشعراء ينظمون القصائد الطويلة العريضة في مديح العرب وتسفيل اليهود، والكتاب والساسة يصرحون فبين النظم والتصريح والكتابة والخطابة ضاعت فلسطين...
ـ الرجل البطل يعمل كثيرا ولايقول شيئا...
إن أخذ السنون الأربع الأخيرة من عمر القضية الفلسطينية كعينة للدراسة حتما سيفي بالغرض، فالمد الممدود لمداد كلمات ممدودة لم يوقف سرطان التهويد قيد الأنملة ولم يعط الجرعة المغنية لأهلنا المحاصرين في غزة في الوقت الذي أوشكت فيها مبادرة واحدة لبضع حملات اوربية متعاقبة ان توقع جدار هذا الحصار الجائر.
لقد تعلمنا من غزوة البحر الأبيض المتوسط ( قافلة الحرية ) كما طاب لي أن أسميها درسين مهمين: أولاهما ان التحجج والتعذر بعوائق المحيط ماهو إلا أوهام تقتات من الوهن والتثاقل وان العامل الصادق لايمكن لأي كبوة او حاجز ان يوقفاه او يحاصراه ، واما ثانيهما فإن نبتة التحرير لاينميها غير محلول العمل والجد وان كلام القاعدين ماهو إلا ماء مقطر فاقد للقدرة على بعث الحيوية في هاته النبتة.
وعليه بات الأجدر بنا القيام بمبادرات جريئة وخطوات عملية مدروسة بدء بالتحرك الفوري للمساهمة في إعداد قوافل كسر الحصار أيا كانت صفة كل منا أو موقعه لأن هذه الخطوة هي الاستكمال الوفي لدماء شهداء الحرية والاستمرار المنطقي لفلسفة أثبتت نجاعتها وآتت أكلها في حينها بإذن ربها وهي أيضا المحفز القوي لما يمكن ان ياتي بعدها.
إن العاملين هم المبادرون بداية والكاسبون للرهان على الدوام لأنهم وحدهم صناع الأحداث ولأن التاريخ لايقبل غير اوراق اعتمادهم والأثمن أنهم المرتقون في جنان الخلد.