في ثبوت وصف الشرك مع الجهل وقبل قيام الحجة

خادم أهل السنة

:: عضو مُشارك ::
13ul9.gif

fnq3dcaaeojwvx5f120t.gif


الفتوى رقم: 667
الصنف: فتاوى العقيدة والتوحيد
في ثبوت وصف الشرك مع الجهل
وقبل قيام الحجة

السـؤال:
لا يخفى عليكم ما ابْتُلِيَتْ به هذه الأمّةُ بوقوعها في أكبر الذنوب وهو الشرك بالله جلّ وعلا، وفي مدينتنا لا تكاد تجد بيتًا يخلو من التعلّق في الصالحين والاعتقادِ فيهم ببعض خصائصِ الربوبيةِ، والتقرّبِ إليهم بأنواعٍ من العبادة، وذلك عن جهلٍ وكثرةِ دُعاة الضلالة إلى ذلك.

وسؤالنا: هل يُحكم على هؤلاء بعينهم أنهم مشركون ويعامَلون معاملتَهم؟
وهل إذا ماتوا على ذلك يجوز الترحّم عليهم والدعاء لهم؟ أفيدونا، وجزاكم الله خيرًا
.



الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فلا ترتفعُ صفةُ الشِّركِ على المتلبِّسِ بالشرك الأكبرِ، وتثبتُ مع الجهل قبل قيام الحُجَّة الرِّسالية وبعدَها
لأنّ عبادةَ غيرِ اللهِ لا توجد مع الإسلام البتة
ولا توجد إلاّ من مُشركٍ وإن كان مُصرّحًا بالإسلام
ومعنى ذلك أنّ مَنْ عَبَدَ اللهَ تعالى وعَبَدَ معه إلهًا آخَرَ لم يكن مُسلمًا
ومَن لَمْ يَعْبُدْهُ بل استكبرَ عن عبادته لم يكن مُسلمًا

فالمشركُ ليس من عِداد المسلمين
لأنّ دِينَ الإسلام الذي ارتضاه اللهُ وبعثَ به رُسُلَهُ هو الاستسلام لله وحده، والخضوعُ له وحده لعبادته دون ما سواه؛

ذلك لأنّ الناس على صِنفين:
--إمّا موحّد لا يعبد إلاّ الله وحده لا شريك له
-- وإمّا مُشركٌ يعبدُ غيرَ اللهِ تعالى

وليس في بني آدمَ قسم ثالث

فكلّ من قدّم شيئًا لغير الله ممَّا لا يكون إلاّ لله من خصائص الإلهية فليس ممَّن عَبَدَ اللهَ مُخلصًا له الدِّين
وإذا لم يكن مُوحِّدًا كان مُشركًا ولا ثالث لهما

وقد ذَكَرَ ابنُ القيِّم -رحمه الله- في معرِض قوله تعالى: ﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ [البقرة: 130]، أنّ الله تعالى قسم الخلائق قسمين: سفيهًا لا أَسْفَهَ منه، ورشيدًا؛

فالسفيهُ من رَغِبَ عن مِلَّتِهِ إلى الشِّرك،
والرشيدُ من تَبَرَّأَ من الشِّرك قولاً وعملاً وحالاً فكان قولُه توحيدًا، وعملُه توحيدًا، وحالُه توحيدًا، ودعوتُه توحيدًا.

فالمعرِضُ عن التوحيد مُشرك شاءَ أم أبى
والمعرِض عن السُّنَّة مُبتَدِعٌ ضالٌّ شاء أم أبى
(١).

هذا، وينبغي أن يعلم أنّ ثبوت صفة الشرك قبل قيام الحُجَّة عليه له حكم يختلف عنه بعد قيام الحُجَّة،

-- فصاحبُ الشِّرْكِ قَبْلَ قيام الحُجَّة مُشركٌ لكن لا يستحقُّ صاحبُه العقوبةَ في الدَّارَيْنِ: القتل في الدنيا، والخلود في النار في الآخرة،

وهذا إنما يكون للمشرِك بعد قيام الحجَّة الرِّسالية
(٢)؛ لأنّ العقوبةَ والعذابَ متوقّفٌ على بلاغ الرسالة لقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [الإسراء: 15]،

فالشركُ ثابتٌ في كِلتا الحالتين: قبل البلاغ وبعده
،
غير أنه من لم تبلغه الحُجَّة الرِّسالية فشركه غير معذّب عليه؛ لأنه «لاَ تَكْلِيفَ إِلاَّ بِشَرْعٍ»، «وَالشَّرْعُ يَلْزَمُ بِالبَلاَغِ مَعَ انْتِفَاءِ المُعَارِضِ»، وأهله قبل بلوغ الحُجَّة ليسوا بموحِّدين.


فالحاصـل:
إنّ مَنْ لَمْ تبلغْهُ الدعوةُ والحُجَّة الرِّساليةُ وكان متلبِّسًا بالشرك الأكبر فمعذورٌ لعدم البلاغ لا لمجرّد الجهل،
إذ لا يعذر في أصول الإيمان بجهله، قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
«وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»
(٣)،

فمن لم تبلغه الدعوةُ بحالٍ ولا سمع بها بخبر فينتفي عنهم الكفر باعتبار ما يترتَّب عليه من العقوبة في الدارين -كما تقدّم- غير أنه لا يُحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مُسَمَّى المسلمين؛
لأنّ الشرك يصدق عليهم واسمه يتناولهم ولا يبقى إسلام مع مناقضة قاعدته الكبرى شهادة: «أن لا إله إلاّ الله»؛
فشأنهم كشأن أطفال المشركين الذين ماتوا قبل أن يميّزوا شيئًا فينتفي عنهم الشرك باعتبار أنه لا يترتَّب عليهم من العقوبة في الدارين غير أنهم مشركون في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم.

أمّا مَنْ بلغته الحُجَّة الرِّسالية -خاصّة ممّن يعيش في البلدان الإسلامية- فإنّ وصف الشِّرك يثبت في حقّه بمجرّد فِعله ويستحقّ الوعيد بالعذاب ولا عُذر له بالجهل بأصول الإيمان، -لِمَا تقدَّم من حديث أبي هريرة السابق-

ولا علاقةَ ترابطية بين حُكم الشِّرك ونفي العذاب، فكلُّ مُعذّب في الدارين فهو مُشرك، وليس كلّ مشركٍ معذّبًا إلاّ بعد قيام الحجّة الرسالية.


هذا، ويفترض في الناطق بالشهادتين تحقّق شروط التوحيد «لا إله إلاّ اللهُ»،

وتجري عليه أحكام الإسلام ما لم يقترن به شركٌ أو تغيَّر اعتقاده بإتيانه بناقِضٍ من نواقض الشهادتين، فتجري عليه أحكام الردّة.


والواجب على المسلم بُغْضُ الشِّركِ وأهلِْهِ بلا محبّةٍ فيه ويوافق ربَّه فيما يَسخَطُه ويكرهه ولا يرضاه من الأقوال والأفعال والاعتقادات،

فيتبرّأ منها على وجه الملازمة والاستمرار،

ومن حقوق البراء عدم مودّة أهل الشرك واتخاذهم أولياء، لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ﴾ [الممتحنة: 1]،

وألا يستغفر لهم ولا يترحّم عليهم، قال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ﴾ [التوبة: 113]،

غير أنّ معاداةَ أهل الشرك وعدمَ الرضا عنهم لا تعني الإساءة إليهم بالأقوال والأفعال، فبرُّ الوالدين المشركَين ومعاشرةُ الزوجةِ الكتابية بالإحسان والتعاملُ مع الكفار عمومًا بالمخالَقَةِ الحَسَنَةِ خُلُقٌ نَبِيلٌ يأمر به الشرعُ، حيث يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: 15]،
وقال سبحانه: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19]،

وقال تعالى: ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]،

هذا من حيث المعاملةُ، أمّا تأييد أهل الشرك على شركهم ونصرته لهم فحرامٌ، وقد ترتقي حُرمَتُهُ إلى حدِّ الكفر بالله تعالى، قال عزّ وجلّ: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: 51].


هذا، ونسأل اللهَ تعالى أن يُبْعِدَنَا من الشِّرك والفِتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يوفِّقَنَا لأَنْ نكون كُلُّنَا له في محيانا ومماتِنا وسائرِ تصرّفاتِنا وأعمالِنا، مِصْدَاقًا لقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: 162-163].

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.



أبي عبد المعز محمد علي فركوس

الجزائر في: 9 ربيع الأول 1428ﻫ
الموافق ﻟ: 28 مارس 2007م

108jkl.gif

المصـــــــــدر
.
np27.gif

١- مدارج السالكين لابن القيم: (3/446).

٢- مسألة إيقاع العقوبة على المشرك الداخلة في مسائل الردّة والتكفير إنما هي من اختصاص القضاء الشرعي الذي يخوّله الحاكم المسلم لأهل العلم والمشهود لهم بالتمكين والعدل من أهل السنّة الذين أخذ الله عليهم العهد والميثاق، وليس لأحد أن يولي نفسه لهذا الأمر بدون تخويل من السلطة الشرعية.

٣- أخرجه مسلم في «الإيمان»: (153)، وأحمد: (8397)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

514.gif



 
آخر تعديل:
وجزاك الله كل خير ومتعك بالصحة والعافية ورحم والديك

لنا ولكم من صالح الدعاء اخي الحبيب خادم اهل السنة
جعلك الله دخرا لدينه ولسنة نبيه
لافض فوك.....
 
لعل هذا الكلام يكون شافيا لغليل المناقشات و الاستفسرات التي قامت من خلال ردود موضوع
حكم الذي ينصب الأصنام والأضرحة والقبور ويمكَّن الناس من عبادتها والطواف حولها ودعائها والذبح لها ؟

علما أني طالعته اجابتا لرغبتك أخي الحبيب، و لم يمكني حينها الرد، فكفيتنى هذا العبئ الثقيل، وتلك المسألة العظيمة التي لا يفصل فيها الا كلام أئمة أهل العلم، ممن يأخذون العلم غضا طريا، صحيحا سويا، من مكامنه و مصادره الوثيقة، و كذلكم الظن بفضيلة الشيخ الجلبل، العالم النبيل، محمد علي فركوس.

أشهد الله على حبك فيه و على حب هذا الرجل الذي نفع الله به الكثير من خلقه.

سلمت لك أناملك أيها الحبيب الفاضل.
 
آخر تعديل:
توقيع ابو ليث
لعل هذا الكلام يكون شافيا لغليل المناقشات و الاستفسرات التي قامت من خلال ردود موضوع
حكم الذي ينصب الأصنام والأضرحة والقبور ويمكَّن الناس من عبادتها والطواف حولها ودعائها والذبح لها ؟

علما أني طالعته اجابتا لرغبتك أخي الحبيب، و لم يمكني حينها الرد، فكفيتنى هذا العبئ الثقيل، وتلك المسألة العظيمة التي لا يفصل فيها الا كلام أئمة أهل العلم، ممن يأخذون العلم غضا طريا، صحيحا سويا، من مكامنه و مصادره الوثيقة، و كذلكم الظن بفضيلة الشيخ الجلبل، العالم النبيل، محمد علي فركوس.

أشهد الله على حبك فيه و على حب هذا الرجل الذي نفع الله به الكثير من خلقه.

سلمت لك أناملك أيها الحبيب الفاضل.
السلام عليكم وجزاك الله كل خير.
الله أعلم يا أخي الله أعلم
لكن إحقاقا للحق وكي لا يستدل على مقصود شيخ بمقصود شيخ آخر .فكل منهما موضوع مستقل
وإن كان بينهما علاقة
فإن كلام الشيخ فركوس هذا في ثبوت وصف الشرك على المتلبس بالشرك الأكبر قبل قيام الحجة
وبعدها.
وفي كلامه إشارة إلى الموضوع الآخر:
[FONT="]هذا من حيث المعاملةُ، أمّا تأييد أهل الشرك على شركهم ونصرته لهم فحرامٌ، وقد ترتقي حُرمَتُهُ إلى حدِّ الكفر بالله تعالى، قال عزّ وجلّ: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: 51].[/FONT]
أما كلام الشيخ الفوزان ذاك في الموضوع الآخر لم يأت فيه ثبوت وصف الكفر على المتلبس بذاك
الفعل(في الموضوع) قبل قيام الحجة وبعدها !
هذا التنبيه كي لا يُقَوَّل الشيخ ما لم يقله في كلامه.أو يحصل لبس.ووجدتني ملزما به .
وهذا كلامه :
. سائل يسأل: يقول: فضيلة الشيخ سؤالي هو: هل يجوز لطالب العلم الذي تمكَّن من مسائل التكفير أن يكفر شخصا بعينه دون الرجوع إلى العلماء اعتمادًا على ما عنده من العلم في مسائل التكفير؟ الجواب: مسائل التكفير أمرها خطير، مزلة أقدام ومضلة أفهام، يُرجَع فيها إلى أهل العلم ولا يُحكَم على أحد بالكفر إلا إذا قُدِّم للمحكمة الشرعية ونظرت فيما يقتضي كفره من القول والعمل فَيُكَفَّر، أما أن كل واحد ويكفر؟! فهذا الأمر لا يجوز، نعم. لكن على سبيل العموم تقول من فعل كذا أو قال كذا أو اعتقد كذا فهو كافر، أما التعيين والأشخاص فلا بد أن يُرجَع أمرهم إلى المحاكم الشرعية مع الإثبات عليهم، نعم.
المصدر: http://www.alfawzan.ws/node/4439

ولمن وقع له لبس في كلام أهل العلم عليه بسؤالهم . والسلام عليكم.
 
آخر تعديل:
جزاك الله خيرا و نفه بك
و جعل ما سطرت في ميزان حسناتك
وفقك الرحمن

 
تنبيه: نظرًا لتوقف النقاش في هذا الموضوع منذ 365 يومًا.
قد يكون المحتوى قديمًا أو لم يعد مناسبًا، لذا يُنصح بإشاء موضوع جديد.
العودة
Top Bottom