سلسلة شرح الثلاثة أصول للشيخ صالح أل الشيخ (مع ذكر فوائد أهل العلم).

ابو ليث

:: عضو مَلكِي ::
أوفياء اللمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له واشهد ان محمد عبده ورسوله .
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))
(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ))
(( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) .

أما بعد ..
نشرح في هذه المحاضرة وهي القسم الاول رسالة ثلاثة الاصول وادلتها لشيخ الاسلام محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله .
طبعاً لابد في البدء من التعريف بمصنِّف هذه الرسالة وهو علم لايحتاج الى تعريف لولا أنها سنة الشارحين في بيان شيء من أحوال مصنفي الرسائل والكتب .
ومصنف هذه الرسالة : هو شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن على التميمي ، فنسبه يرجع الى قبيلة تميم ، ولد رحمه الله في بلدة العيينة عام 1115 من الهجرة ، وتلقى فيها علومه الأولية ، وحفظ القران عن ظهر قلب ، قيل قبل أن يبلغ سن العاشرة ، فقد كان رحمه الله حاد الفهم وقّاد الذهن ذكي القلب سريع الحفظ ، وتلقى العلم عن أبيه وجده فقد كان جده وهو سليمان ابن علي عالما جليلا من علماء العيينة ، أما والده عبدالوهاب فقد كان قاضي العيينة ، فأخذ العلم عنهم وعن مشايخ بلده فتلقى الفقه على طريقة الحنابلة ، وأما في المعتقد فمعتقد الحنابلة على الغاية من الصحة والجودة فيما كان متعلقاً بالمسائل العلمية الخبرية ، إلا أن القدر المتعلق بالمسائل الانشائية الطلبية قد شابهوا الكثير من البدع والشركيات عياذاً بالله ، ورحل الشيخ رحمه الله من العيينة لطلب العلم الى الحجاز واليمن والبصرة فتلقى علوماً كثيره وحفظ متوناً عديدة ، فقرأ كتب الحديث والتفسير والأصول ، وعني رحمه الله عناية خاصة في مؤلفات شيخ الاسلام بن تيمية وتلميذه ابن القيم حتى ظهر أثر هذه العناية في مؤلفاته رحمه الله ، ثم عاد الشيخ بعد ذلك الى حريملاء حيث كان والده قد انتقل من العيينة إليها ، فدرس على والده وشرعَ يدعو الناس الى توحيد الله سبحانه وتعالى ونبذ صور الشرك والبدع فلقي محاربة جمة وكان ممن حاربوه والدهُ رحمه الله ، وكان لهذه المحاربة أثر في دعوته حيث الجأته إلى أن يُسِر بها ولا يجهر ، فلما توفي والده أعلنَ دعوته وقرر ترك حريملاء إلى غيرها بسبب المضايقة التي لقيها فيه , فانتقل الى العيينة والتقى بـأميرها عثمان ابن معمّر فدعاهُ إلى التوحيد والسنة وناصرهُ عثمان ولكن لكثرة المناوئين والمحرّشين انقلب عليه وكـاد به فيما اضطرهُ الى الانتقال الى الدرعية ، حيث التقى فيها بالأمير محمد ابن سعود رحمه الله فتآزرا وتعاونا وتطاوعا وكان لهذا التأزر والتعاون والتطاوع بين العلم والـسيف ، الاثر الكبير بالقيام بهذه الدعوة وانتشارها في ربوع الارض وقد مد الله سبحانه في عمر الشيخ محمد بن عبدالوهاب حيث توفاه الله سبحانه عن عمر اثنتين وتسعين عام فتوفي في العام 1206 ه ، ولم يخلف رحمه الله ديناراً ولا درهماً ، فلم يخلف إلا العلم والدعوة والتوحيد فكانت خير تركة تقاسمها ابناؤه وأحفاده وتلامذته ، وكتب الله سبحانه لهذا الشيخ الجليل القبول في كثير من أصقاع الارض وعمت دعوته وانتشرت ومانحن الا بركات دعوة الشيخ رحمه الله .

و بعد التعريف بالمُصنف رحمه الله، نشرع الأن في تدارس شرح الرسالة الطيبة (الثلاثة أصول)، والتي جمعت الخير الكثير والعلم الغزير بالعبارة المختارة و الكلام البديع مع ذكر للأدلة التي تقوم بها حجة المنصوص عليه من خلال هذا المتن المتين.
 
توقيع ابو ليث
شرح كتاب ثلاثة الأصول
لشيخ الإسلام الإمام المجدد
محمد بن عبد الوهاب المشرفي التميمي
1115هـ - 1206هـ
-رحمه الله تعالى-
شرحها الشيخ
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
[(6.) أشرطة مفرّغة] ينبغي لنا أن نحرص على هذه الرسالة؛ تعليما لها للعوام، وللنساء في البيوت، وللأولاد ونحو ذلك، على حسب مستوى من يخاطب في ذلك، وقد كان علماؤنا رحمهم الله تعالى يعتنون بثلاثة الأصول هذه تعليما وتعلما، بل كانوا يلزمون عددا من الناس بعد كل صلاة فجر أن يتعلموها، أن يحفظوا هذه الأصول ويتعلموها، وذلك هو الغاية في رغبة الخير، ومحبة الخير لعباد الله المؤمنين، إذْ أعظم ما تُسدي للمؤمنين من الخير، أن تسدي لهم الخير الذي ينجيهم حين سؤال الملكين للعبد في قبره، لأنه إذا أجاب جوابا حسنا -جوابا صحيحا- عاش بعد ذلك سعيدا، وإن لم يكن جوابه مستقيما ولا صحيحا عاش بعد ذلك، والعياذ بالله على التوعد بالشقاء والعذاب.[صالح آل الشيخ]

نسأل الله جل وعلا أن يبصرنا بالحق وأن يمن علينا بالالتزام به، وبالثبات عليه، حتى يتوفانا وهو راضٍ عنّا.
هذه الدروس متنوعة، منها درس في ثلاثة الأصول وهي رسالة لإمام هذه الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وبعدها درس في الورقات للجويني في أصول الفقه, وهذا بعد العصر, وبعد المغرب إن شاء الله تعالى, يكون ثَم درسان؛ الأول في التفسير؛ وسنفسر إن شاء الله تعالى سورة تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير؛ المسماة سورة الملك، وبعدها درس في الحديث؛ نشرح فيه إن شاء الله تعالى، ما نتمكن من شرحه من الأربعين النووية، على وجه الاختصار والإيضاح إن شاء الله تعالى.
سبب الاختيار، أن هذه الدروس مدتها وجيزة أولا من حيث الزمن؛ لأنها مُقْتَطَعة من هذه العطلة، وبالتالي هي غير متصلة، فلهذا يناسب أن يشرح فيها أشياء تُنبه طلاب العلم إلى ما يجب أن يسلكوه في طلب العلم؛ لأن الكثير من الشباب يحب العلم، ويروم طلبه, لكنه لا يوفق إلى الطريق الصحيح لطلب العلم، فمنهم من مضى عليه سِنُون عددا يقرأ وربما يبحث، لكن لو فتّش في نفسه لوجد أنه لم يحصل من العلم، ما به يكون على أرض يمكنه المشي عليها في طريق العلم اللاّحد الطويل، وسبب ذلك أنه فقد التأصيل العلمي الذي كان يعتني به العلماء منذ قرون كثيرة.
رسالة ثلاثة الأصول, رسالة مهمّة لكل مسلم، وكان العلماءُ -أعني علمائنا- يعتنون بها شرحا، في أول ما يشرحون من كتب أهل العلم، ذلك؛ لأن فيها الجواب عن أسئلة القبر الثلاث؛ ألا وهي سؤال الملكين العبد عن ربه، وعن دينه، وعن نبيه، وهي ثلاثة الأصول يعني معرفة العبد ربه؛ وهو معبوده، ومعرفة العبدِ دينه؛ دين الإسلام بالأدلة، ومعرفة العبد نبيه عليه الصلاة والسلام، فمن هاهنا جاءت أهمية هذه الرسالة؛ لأن فيها من أصول التوحيد والدين الشيء الكثير.
وأصول الفقه مهمة أيضا والعناية بها ضعيفة فيما أحسب وأسمع، وتأتي أهميتها لأنه كثر المجتهدون دون معرفةٍ لأصول الاستنباط، والاستنباط له أصوله؛ أصول الاستنباط هي أصول الفقه, فكم سمعنا من متكلم في مسائل شرعية, لم يحسن الكلام عليها تأصيلا و لا استنباطا, ويظن أنه محسن مصيب في استدلاله, لما؟ من أين أتاه الغلط؟ أتاه من ضعفه بأصول الفقه, نعم, إن هذه الورقات مقدمة في أصول الفقه, لم تشتمل من أصول الفقه إلا على أشياء يسيرة, فلا تهيئ تلك الرسالة طالب العلم إلى أن يفهم الأصول كما ينبغي, ولكنها تعطيه مفاتيح يدخل بها بيت أصول الفقه.
وأما التفسير, تأملتُ فترة فيما أختاره في التفسير, هل أختار تفسير سورة الفاتحة؟ أم أختار تفسير جزء عم؟ باعتبار أنه كثيرا ما يقرأ في المساجد في الصلوات الجهرية, وربما قرأه كثيرا من المسلمين, بله طلاب العلم, في صلاتهم، وربما لم يدركوا، أو لم يعلموا كثيرا من معاني التي يتلونها كثيرا ويسمعونها كثيرا, لكن لقصر الوقت نظرت في أن سورة تبارك اشتملت على أصول عظيمة, ويمكن ببيان وتفسير آياتها ما يُنبه طلاب العلم على ضرورة الاعتناء بالتفسير, خاصة تفسير الآيات التي تحفظُها, والتي تقرأُها في صلاتك والتي تسمعها، فكم يُعاب المرء أن يَسمع كلاما يردد عليه وهو يجهل معناه، تُردد عليه قصار السور وربما جهل بعض تلك المعاني ليس الجهل عيبا, لكن الإصرار على الجهل هو العيب, وما أحسن قول أبي الطيب المتنبي حيث قال:

ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام وأنتم أيها الشّبَبَة قادرون بلا شك على التعلم، قادرون على الفهم, قادرون على الفقه, لكن العيب يأتي من إضاعة الوقت في غير ما ينفع, التفسير مهم ومعرفة معاني الآيات وسيلة, لاشك من وسائل الثبات على الإيمان, وتحصيل العلم النافع.
بعد التفسير الأربعون النووية, وهذه الأربعون النووية جمعت أحاديث، شهد العلماء بعد محي الدين يحيى بن زكريا النووي -رحمه الله تعالى رحمة واسعة- على حسن اختياره لها, وعلى أنها جمعت الأحاديث التي عليها مدار الإسلام, لهذا اعتنى العلماءُ بشرحها هذه الأربعون, ينبغي لنا أن نحفَظَها, وينبغي أن نفهم معانِيَها, وأن نقرأَ ما قاله العلماء في شرحها.
هذه مقدمات لهذه الدروس, هذه المقدمات التي قدمتُ بها, أردتُّ منها أن أرشدك إلى أن العلم لا يُنال مرة واحدة, وإنما يُنال العلم على مر الأيام والليالي, كما قال ابن شهاب الزهري رحمه الله تعالى، فيما رواه ابن عبد البر في كتاب الجامع قال: "من رام العلمَ جملة ذهب عنه جملة، إنما يُطلب العلم على مرِّ الأيام والليالي" وهذا حق, العلم يبدأ بتحصيل صغاره قبل كباره، إذا حصلت صغار المسائل قبل الكبار فأنت على طريق العلم، وأما إذا ابتدأت بالكبار دون معرفة الصغار؛ صغار المسائل؛ واضحات المسائل, وابتدأت بالكبار التي فيها خلاف، تحتاج إلى بحث، تحتاج إلى ترتيب, تنازع العلماء فيها, كما هو ديدن بعض طلبة العلم، أو بعض المبتدئين في العلم، فإنه يذهب عنك العلم، لهذا أأكد على ضرورة تأصيل العلم والسير فيه خطوة فخطوة, وإنما يطلب العلم على مر الأيام والليالي:
اليوم علم وغدا مثلُـه من نُخب العلم التي تُلتقط يُحصِّل المرء بها حكمة وإنما السيل اجتماع النقط وهذا واقع وقد ذكر الخطيب البغدادي بإسناده في كتاب الجامع ببيان أدب السامع، ذكر حكاية عن أحد رواة الأحاديث، بأنه طلب العلم، وحرص على لقاء الشيوخ، وأخذ عنهم، لكنه لم يحفظ، مرت عليه الأيام ولم يحفظ، لم يفهم، ومضى الوقت وهو على هذا فظن أنه لا يصلح للعلم فترك العلم، فبينما هو يسير مرة إذا بماء يتقاطر على صخرة، وهذا الماء قد أثَّر في الصخرة، فحفر فيها حفرة، فنظر متأملا فقال: هذا الماء على لطافته أثر في هذا الصخر على كثافته، فليس العلم بألطفَ من الماء، يعني بأخف من الماء، وليس قلبي وعقلي بأكثف من الصخر، ورجع يطلب العلم من جديد، وحصَّل وأصبح من رواة الحديث الذين لهم شهرة، إذن فالعلم يحتاج إلى مواصلة ما نيأس نواصل, نواصل, نحفظ، ندارس, لكن ينبغي بل يجب أن يكون على أصوله خطوة فخطوة، ومن بدأ من الأهم ثم أعقبه بالمهم، فإنه يحصل إن شاء الله تعالى.
 
توقيع ابو ليث
هلا من مستزيد قبل مواصلة التقييد للشرح المفيد.
 
توقيع ابو ليث
تنبيه: نظرًا لتوقف النقاش في هذا الموضوع منذ 365 يومًا.
قد يكون المحتوى قديمًا أو لم يعد مناسبًا، لذا يُنصح بإشاء موضوع جديد.
العودة
Top Bottom