لنتعلَّم معًـا عقيدة التوحيد (4): الشِرك الأكبر وصوره "1"

إنسانة ما

:: عضو فعّال ::
أوفياء اللمة
بسم الله الرحمـن الرحيـم

السلام عليكم ورحمـة الله وبركاتـه


حياكم الله
~ * ~ * ~ * ~

1) تعريف الشِـرك الأكبر:

وهو الذِّي يُنافي التوحِيد بالكُليّـة ويُخرج صاحبه من الإسلام، ويوجب لِصاحبه الخلود في النّار إذا مات ولم يتُب منه، ومن هذا الشِرك؛ صرف عبادة من العبادات لغير الله تعالى، أو مشاركة الله تعالى فيما هو من خصائصه، من اِدعاء علم الغيب ونحو ذلك.
فإن العبد إذا صرف أي عبادة لغير الله عزّ وجل فقد اِتخذ هذا الغير نِدّا لله -عزّ وجل-، قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّـهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّـهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ﴾ [البقرة: 165]، وعن بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبِّي -صلّى الله عليه وسلم- قال: ((من مات وهو يدعو من دون الله ندًّا دخل النّار))؛ رواه البخاري. وعنه -رضي الله عنه- قـال: قلتُ: يا رسول الله أي الذّنب أعظم؟ قال: ((أن تجعل لله ندّا وهو خلقك))؛ رواه البخاري. والنِدّ: هو المثل والشبيه.

قال بن القيِّم -رحمه الله-:
(النِـدّ الشبيـه، يُقال: فلان نِـد فلان، وند يده أي مثلـه وشبيهه).
وقد يكون هذا النِـد إنسان، أو حجر أو شجر، أو شيخ أو غير ذلك.

قال العلامـة بن القيِّم -رحمه الله-: والشِـرك فاحذره، فشرك ظاهر ذا القسم ليس يُقابل الغُفران ومـن اِتخذ النِد للرحمن أيا كان مـن حـجر ومـن إنسـان يدعـوه، أو يـرجـوه، ثم يخافـه ويُحِبـه كـمحبـة الديـان فكلُ من صرف أي عبادة من العبادات لغير الله -عزّ وجل- فقد شبّه المخلوق بالخالق، وأشركه معـه في خصائص الإلهيـة: من ملك الضر والنفع، والعطاء والمنع، الذي يُوجب تعلق الدعـاء والخوف والرجاء، والتوكل وأنواع العبادة كلّها بالله وحده، فمن علّق ذلك بمخلوق فقد شبّهه بالخالق وجعل من لا يملك لنفسـه ضرًا ولا موتًا ولا حياة ولا نُشورًا، شبيها بمن لـه الحمد كلّه، ولـه الخلق كلّه، ولـه الملك كلّـه، وإليـه يُرجع الأمر كلّه، وبيده الخير كلّه، فالأمور كلها بيده سبحانه ومرجعها إليه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. لا مانع لما أعطى ومُعطي لما منع، الذي إذا فتح للنّاس رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسِل لـه من بعده وهو العزيز الحكيم.

فأقبح التشبيه تشبيه العاجز الفقير بالذّات: بالقادر الغني بالذّات.


ومن خصائص الإلهيـة: الكمال المطلق من جميع الوجوه، الذِّي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وذلك يُوجب أن تكون العبادة كلّها لـه وحده، والتعظيم والإجلال، والخشية والدُعاء والرجاء والإنابـة، والتوكل والتوبـة والاِستعانـة، وغايـة الحب مع غايـة الذُل: كلُ ذلك يجب عقلاً وشرعًا فمن فعل شيئًا لغيره فقد شبّه ذلك بمن لا شبيه له ولا مثيل لـه، ولا نِـد لـه، وذلك أقبح التشبيه وأبطلـه. فلهذه الأمور وغيرها أخبر سبحانه وتعالى أنه لا يغفره، مه أنـه كتب على نفسـه الرّحمـة.

~ * ~ * ~ * ~
2) صور من الشِـرك الأكبر:

إن صور الشِـرك الأكبر كثيرة ومُتعدِّدة.

قال بن القيِّم -رحمه الله-: ومن أنواعـه طلبُ الحوائج من الموتى، والاستغاثـة بهم والتوجـه إليهم.

أ) دعاء غير الله:

وهذا أصل شِـرك العالم. فإن الميّت قد اِنقطع عملـه. وهو لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا فضلا عمن استغاث بـه وسألـه قضاء حاجته، أو سألـه أن يشفع لـه إلى الله فيها. وهذا جهله بالشافع والمشفوع لـه عنده، فإنه لا يقدر أن يشفع لـه عند الله إلّا بإذنه ... والله لم يجعل استغاثته وسؤالـه سببًا لإذنه وإنما السبب لإذنه كمال التوحيد. فجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن. وهو بمنزلـة من استعان في حاجة بما يمنع حصولها. وهذه حالـة كل مشرك. والميت محتاج إلى من يدعو لـه، ويترحّم عليه ويستغفر لـه كما أوصانا النبِّي -صلّى الله عليه وسلّم- إذا زُرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم ونسأل لـه العافيـة والمغفر (1)، فعكس المشركون هذا. وزاروهم زيارة العبادة، واِستقضاء الحوائج، والاِستغاثـة بهم مع أنهم لا يملكون لأنفسهم فضلاً عن أن يملكوا لغيرهم ضرًا ولا نفعًا، قال تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا﴾ [الإسراء: 56].فقد بيّنت الآيـة أن المدعو لا يملك لداعيـه كشف ضرر ولا تحويلـه من مكان إلى مكان، ولا من صفة إلى صفة، ولو كان المدعو نبيًّا أو ملكًا وهذا يُقرِّر بطلان دعوة كل مدعومن دون الله كائِنًا من كان، لأن دعوتـه تخون داعيـه أحوج من كان إليها؛ لأنه أشرك مع الله من لا ينفعه ولا يضره.فقد أنكر الله على من يدعو أحدًا من دونـه فمن لا يملك ضرًا ولا نفعًا. فقال تعالى: ﴿ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّـهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [المائـدة: 76].وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّـهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّـهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 71].وقال تعالى: ﴿وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: 106].وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْوَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْوَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر: 13، 14]. ففي هذه الآيـة يُخبر تعالى عن حال المدعويين من دونـه بما يدل على عجزهم وضعفهم وأنهم قد انتفى عنهم الأسباب التي تكون في المدعو وهي الملك، وسماع الدُعاء، والقُدرة على اِستجابته، فمتى لم توجد هذه الشُروط تامّـة بطُلت دعوتـه فكيف إذا عُدِمت بالكليّـة؟ فنفى عنهم الملك بقولـه: ﴿يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾. قال بن عباس ومجاهد وعكرمة وعطاء والحسن وقتادة: "القطمير: اللفافـة التي تكون على نواة التمر"، ونفى سماع الدعاء بقولـه: ﴿وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ لأن ذلك ليس بمقدروهم، بل ليس بمقدور أي أحد من البشر مهما ارتفعت منزلتـه وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يملك نفسـه ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، فضلاً عن أن يملك ذلك لغيره. قال تعالى عن نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ﴾ [يونس: 49]، وقال تعالى عن نبيِّه: ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًاُ﴾ [الجن: 21].وإذا كان النبِّي -صلى الله عليه وسلم- لا يملك لنفسـه ولا لغيره جلب نفع أو دفع ضر، وهو في حياته، فهل يملك ذلك من هو دونـه مماته؟؟ فاعتبروا يا أولي الألباب.

ب) الاِستعاذة بغير الله:
الاِستعاذة: الالتجاء والاعتصام، ولهذا يُسمّى بـه مُعاذًا وملجا، فالعائذ بالله قد هرب مما يؤذيه أو يهلكه، إلى ربه ومالكه، واعتصم واستجار بـه والتجأ إليـه، وهذا تمثيل، وغلّا فما يقوم بالقلب من الاِلتجاء إلى الله؛ والاعتصام بـه، والانطراح بين يدي الرَّب، والافتقار إليـه، والتذلل لـه، أمر لا تحيط به العبارة. قالـه بن القيِّم رحمه الله.
وقال بن كثير: (الاستعاذة هي الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابـه من شر كل ذي شر. والعياذ يكون لدفع الشر. واللياذ لطلب الخير). اهـ.
قال الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ -رحمه الله-: (وهي من العبادات التي أمر الله تعالى بها عباده؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [فصلت: 26]. وأمثال ذلك في القرآن كثير كقولـه: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقُِ﴾ و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾. فما كان عبادة لله فصرفه لغير الله شِرك في العبادة، فمن صرف شيئًا من هذه العبادات لغير الله جعله شريكًا لله في عبادته ونازع الرّب في إلهيتـه) أهـ.وقد كان بعض أهل الجاهلية يعوذون بالجن، فما زادهم ذلك إلا وبالاً وخُسرنًا، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: 6].

قال بن كثير: (أي كنّا نرى أن لنا فضلاً على الإنس لأنهم كانوا يعوذون بنا، أي إذا نزلوا واديا أو مكانًا موحشًا من البراري وغيرها كما كانت عادة العرب في جاهليتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يُصيبهم بشيء يسوءهم كما كان أحدهم يدخل بلاد أعداءه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته، فملا رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم وهقًا، أي خوفًا وإرهابًا وذُعرًا، حتى يبقوا أشد منهم مخافـة وأكثر تعوذًا بهم) إلى أن قال: (قال أبو العاليـة والربيع وزيد بن أسلم: "رهقًا" أي خوفًا، وقال العوفي عن بن عباس: "فزادوهم رهقًا" أي إثما). أهـ.

قال الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ -رحمه الله-: (وبعض النّاس الآن يعوذون بالجن كما كان يفعل أهل الجاهليـة، وذلك عندما يدخولون مكانًا -منزلاً كان أو غيره- فيقولون: "دستور يا أسيدي"؛ والدستور هو العهد والميثاق، والأسياد هم الجن!! وهذا الأمر أكثر ما يكون من النساء.وبعض النّاس أيضًا يذبحون للجن استعاذة به ويسمون هذا عقد وكل هذا شرك بالله، وعبادة للشيطان.

قال بن القيم -رحمه الله-: ومن ذبح للشيطان ودعاه، واستعاذ به وتقرّب إليه بما يجب فقد عبده، وإن لم يسم ذلك عبادة ويُسميه استخدامًا، وصدق، هو استخدام من الشيطان له، فيصير من خدم الشيطان وعابديه، وبذلك يخدمه الشيطان؛ لكن خدمـة الشيطانه لـه ليست خدمـة عبادة، فإن الشيطان لا يخضع لـه ولا يعبده كما هو يفعل بـه). أهـوبعض الناس أيضًل يعوذون بالأولياء المقبورين، فنجد أحدهم يُخاطب المقبور بقولته: أنا في رحابك أو أنا في جنابك، أو نحو ذلك من العبارات.

المراجع:
فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد: الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ -رحمه الله-
الوجيز في العقيدة للنساء: محمد بيومي
 
آخر تعديل:
السلام عليكم
بارك الله فيك على الطرح القيم
تسلسل السرد وسلاسة الالفاظ يجعلان من الطرح سهل الفهم
زادك الله من علمه وفضله ونفع بك
اسال الله ان يجعل كل كلمة تخطها يمناك
في موازين حسناتك يارب

كثر الله من مثيلاتك
 
وعليكم السلام
جزاك الله خير ما كتبت
بارك الله فيك
 
توقيع Soumia hadj mohammed
تنبيه: نظرًا لتوقف النقاش في هذا الموضوع منذ 365 يومًا.
قد يكون المحتوى قديمًا أو لم يعد مناسبًا، لذا يُنصح بإشاء موضوع جديد.
العودة
Top Bottom