التفاعل
2.6K
الجوائز
233
- تاريخ التسجيل
- 15 أوت 2013
- المشاركات
- 1,051
- آخر نشاط

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الراغب: رضا العبد عن الله أن لا يكره ما يجري به قضاؤه، ورضا الله عن العبد هو أن يراه مؤتمرًا بأمره ومنتهيًا عن نهيه.
وقيل: الرضا هو سرور القلب بمر القضاء
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: من لزم ما يُرضي الله من امتثال أوامره واجتناب نواهيه لا سيما إذا قام بواجبها ومستحبها فإن الله يرضى عنه، كما أن من لزم محبوبات الحق أحبه الله. كما قال في الحديث الصحيح الذي في البخاري: «من عادى لي وليًّا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته...» الحديث
إن الرضا بالله ربًّا يلزمك أن ترضى بأحكامه الشرعية، فترضى بأوامره ممتثلاً، وترضى بنواهيه مجتنبًا، وترضى بأقداره المؤلمة، فترضى بكل نعمة ومصيبة، وكل منع وعطاء، وشدة ورخاء، ترضى عنه سبحانه إذا عافاك وشفاك، ومن كل بلاء حسن أبلاك، وترضى عنه إذا أمرضك وأسقمك، وترضى عنه إذا وضعك في السجن وحيدًا فريدًا، ترضى عنه إذا أغناك وحباك، وترضى عنه إذا أفقرك وأعدمك، لأنه سبحانه يحب أن يرضى عنه، فهو حكيم لا يُشك في حسن وصلاح قضائه، وهو مدبر لا يُتهم في جميل تدبيره، وهو يختار الأجمل والأكمل والأفضل لعبده، فلا يعارض اختياره بكرهٍ، ولا يصادم تقديره برفض، ولا يجابه فعله برد
والرضا باب اليقين الأكبر، وبستان العبودية الأخضر وهو مستنزل الرحمة، ومستدر الزيادة، ومستوجب الرضا منه "رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ"[المائدة: 119]،
والرضا مطردة للهموم والغموم،مذهبة للأحزان، وهو علاج التردد والحيرة والاضطراب، لأنه التسليم بالحكمة، والتصديق بالشرع، والركون إلى اللطف والاطمئنان لحسن الاختيار، من دخل بيت الرضا فهو آمن، ومن استقبل كعبته فهو مخبت، ومن صلى في محراب الرضا فهو حليم أواه منيب ([1])
([1]) حدائق ذات بهجة للشيخ عائض القرني (ص: 78-79
فالرضا بإلهيته: يتضمن الرضا بمحبته وحده، وخوفه، ورجائه، والإنابة إليه، والتبتل إليه، وانجذاب قوى الإرادة والحب كلها إليه، فعل الراضي بمحبوبه كل الرضا، وذلك يتضمن عبادته
والإخلاص له.
والرضا بربوبيته: يتضمن الرضا بتدبيره لعبده، ويتضمن إفراده بالتوكل عليه، والاستعانة به،والثقة به، والاعتماد عليه، وأن يكون راضيًا بكل ما يفعل به.
-----\فالأول: يتضمن رضاه بما يؤمر به، والثاني: يتضمن رضاه بما يقدر عليه.------\
وأما الرضا بنبيه رسولاً:
فيتضمن كمال الانقياد له، والتسليم المطلق إليه، بحيث يكون أولى به من نفسه، فلا يتلقى الهدى إلا من موقع كلماته، ولا يحاكم إلا إليه، ولا يحكم عليه غيره، ولا يرضى بحكم غيره ألبتة، لا في شيء من أسماء الرب وصفاته وأفعاله، ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان مقاماته، ولا في شيء من أحكام ظاهره وباطنه، لا يرضى في ذلك بحكم غيره، ولا يرضى إلا بحكمه،
وأما الرضا بدينه:
فإذا قال، أو حكم، أو أمر، أو نهى: رضي كل
الرضا، ولم يبق في قلبه حرج من حكمه، وسلم له تسليمًا
كان رضا رسول الله عن ربه فوق ما يصفه الواصفون، فهو راضٍ في الغنى والفقر، راضٍ في السلم والحرب، راض وقت القوة والضعف، راض وقت الصحة والسقم، راض في الشدة والرخاء.
عاش مرارة اليُتم، وأسى اليُتم، ولوعة اليتيم فكان راضيًا، وافتقر حتى ما يجد دقل التمر، وكان يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع، ويقترض شعيرًا من يهودي ويرهن درعه عنده، وينام على الحصير فيؤثر في جنبه، وتمر ثلاثة أيام لا يجد شيئًا يأكله، ومع ذلك كان راضيًا عن الله رب العالمين: "تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا" [الفرقان: 10].
ويرضى عن الله وهو يخرج من مكة مُرغمًا، فيسير إلى المدينة ويطارد بالخيل، وتوضع العراقيل في طريقه أينما ذهب.
يحضر أحدًا فيُشج رأسه، وتكسر ثنيته، ويٌُقتل عمه ويُذبح أصحابه، ويُغلب جيشه، فيقول: «صُفوا ورائي لأثني على ربي».
يرضى عن ربه وقد ظهر خلف كافر ضده من المنافقين واليهود والمشركين، فيقف صامدًا متوكلاً على الله، مفوضًا الأمر إليه.
وجزاء هذا الرضا منه : "وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى" [الضحى]
وهذه زوجة فتح الموصلي انقطعت إصبعها فضحكت فقال لها بعض من معها: أتضحكين، وقد انقطع إصبعك؟! فقالت: أخاطبك على قدر عقلك، حلاوة أجرها أنستني مرارة قطعها.
قال ابن القيم: إشارة إلى أن عقله لا يحتمل ما فوق هذا المقام، من ملاحظة المبتلى، ومشاهدة حسن اختياره لها في ذلك البلاء، وتلذذها بالشكر له والرضا عنه، ومقابلة ما جاء من قبله بالحمد والشكر، كما قيل:
لئن ساءني أن نلتني بمساءة
فقد سرني أني خطرت ببالكا([1])
([1]) مدارج السالكين (2/168)
وها هو عروة بن الزبير - رضي الله عنه - الذي يُضرب به لمثل في الصبر على البلاء والرضا بقضاء الله تعالى... ها هو يتعرض لهذا البلاء الشديد الذي سيظل العلماء والخطباء يرددونه من على المنابر وفي مجالس العلم في كل زمان، بل وفي كل مكان.
فعن هشام بن عروة عن أبيه قال: وقعت الأكلة في رجله فقيل له: ألا ندعو لك طبيبًا؟ قال: إن شئتم فجاء الطبيب، فقال: أسقيك شرابًا يزول فيه عقلك فقال امض لشأنك ما ظننت أن خلقًا يشرب شرابًا ويزول فيه عقله حتى لا يعرف ربه، قال: فوضع المنشار على ركبته اليسرى ونحن حوله فما سمعنا له حسًّا فلما قطعها جعل يقول: لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليت لقد عافيت،... وما ترك حزبه من القراءة تلك الليلة ([1])
([1]) تهذيب الكمال (20/ 20-21).
* عطاء بن أبي رباح عالم الدنيا في عهده، مولى أسود أفطس أشل مفلفل الشعر.
* الأحنف بن قيس، حليم العرب قاطبة، نحيف الجسم، أحدب الظهر، أحنى الساقين، ضعيف البنية.
* الأعمش محدث الدنيا، من الموالي، ضعيف البصر، فقير ذات اليد، ممزق الثياب، رث الهيئة والمنزل.
بل الأنبياء الكرام صلوات الله وسلامه عليهم، كل منهم رعى الغنم، وكان داود حدادًا وزكريا نجارًا وإدريس خياطًا، وهم صفوة الناس وخير البشر.
إذًا فقيمتك مواهبك، وعملك الصالح ونفعك وخلقك، فلا تأس على ما فات من جمال أو مال، أو عيال، وارض بقسمة الله
.........
"فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ"[الأعراف: 144]،
في أمان الله وحفظه
:regards01:
آخر تعديل: