التفاعل
10.3K
الجوائز
2.5K
- تاريخ التسجيل
- 8 جانفي 2010
- المشاركات
- 10,646
- آخر نشاط
- الوظيفة
- تاجر
- الأوسمة
- 2

الرّشـــوة:في اللّغة: قال ابن الأثير: الرّشوة الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة، وأصله من الرّشاء الذي يتوصل به إلى الماء؛ وفي الاصطلاح: قال الجرجاني: " ما يُعْطَى لإِبْطَالِ حَقٍّ أو لإِحْقَاقِ بَاطِلٍ".وهو من أوضح التعاريف التي قيلت في الرشوة وأشملها بيانا.وفي الشّق القانوني – تعرف الرشوة على أنها استيلاء موظف عام على مبالغ من أجل القيام بمهام وظيفته [3].
أركان الرشوة:
الرّاشي: هو الذي يبذل المال أو المنفعة لمن يحقق له مصلحة، أو يعينه على باطل.
والمرتشي: هو الشخص المستفيد من غيره مالا أو منفعة لإيصال حقّ يجب عليه أداؤه إلى الراشي ، أو أن يقوم له بمصلحة غير مشروعة.
والرّائش (أو الواسطة): الذي يسعى بينهما ليحقق مصلحة الطرفين.
الرشوة: وهي المال أو المنفعة التي تبذل بقصد حمل المرتشي على قضاء المصلحة المذكورة[4].
مسميات مختلفة للرّشوة والمقصد واحد:
جاءت ألفاظ مرادفة للرشوة سواء في القرءان أو السنة أو كلام الناس: منها السّحت، والبرطيل، وَفِي الْمَثَل: الْبَرَاطِيل تَنْصُرُ الأَبَاطِيل[5]. وفي بعض الأوساط الشعبية يقولون: الإكرامية، والحلاوة، والهدية، والقهوة[6]، وحقّ القات[7]، والْمُصَانَعَةُ: وقد قيل: مَنْ صَانَعَ بِالْمَال لَمْ يَحْتَشِمْ مِنْ طَلَبِ الْحَاجَةِ [8].وغيرها من الكلمات المصطنعة التي في ظاهرها أنها بعيدة عن الرّشوة، وفي حقيقتها وجوهرها هي السّحت الحرام ، فالمسمّيات لا تغيّر من الحقائق شيئا، ومن ذلك أيضا ما جرى في عالمنا اليوم وقلّدناه تسمية "غسل الأموال" و"تبييض الأموال" و"تطهير الأموال" وغيرها من المصطلحات بدلاً من المال الحرام.
والسحت لغة: الحرام، أو ما خبث من المكاسب فلزم عنه العار؛ سمّي بذلك لأنه يسحت البركة ويذهبها، يقال: (سحته الله) أي أهلكه، ويقال: (أسحته)، وقرئ بهما في قوله تعالى: ﴿ فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ ﴾[9] أي يستأصلكم ويهلككم.
أما البرطيل: فقيل هو الحجر المستطيل، وسميت به الرّشوة لأنّها تُلْجِم المرتشي عن التّكلم بالحقّ، كما يلقمه الحجر الطّويل.
هل هناك فرق بين السحت والرشوة:
يقول الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله تعالى: " أنّ ما كان فيه اشتراك بين طرفين في ارتكاب الإثم فهو الرّشوة؛ لوجود راش ومرتش، وما كان الإثم فيه من طرف واحد مع اضطرار الطرف الثاني فهو السّحت.ويشهد لهذا ما رواه البيهقي [10] بسنده عن مسروق قال: سألت ابن مسعود -رضي الله عنه- عن السّحت أهو رشوة في الحكم؟ قال: لا؛ ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾، و﴿ الظَّالِمُونَ ﴾ و﴿ الْفَاسِقُونَ ﴾[11]، ولكن السّحت أن يستعينك رجل على مظلمة فيهدي لك فتقبله، فذلك السّحت.وحكم الرشوة أنها حرام، وسحت يأكله صاحبه، ونصوص الوحيين واضحة في حكمها على الكسب الخبيث.
النّصوص الواردة في الرّشوة في القرآن الكريم:لقد جاءت الأوامر والتوجيهات في القرآن الكريم إلى النّاس أن ينالوا حقوقهم بالوجوه المشروعة، ونهى عن أكل أموال النّاس بالباطل والطرق الممنوعة قال تعالى: ﴿ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾[12] فجاءت الآية الكريمة بعد انتهاء آيات الصيام، وكأنّ الحقّ جلّ في علاه يقول يا معشر الصّائمين عن الحلال في شهر رمضان، صوموا عن الحرام طيلة الأيام، وإيّاكم وأكلَ مال الغير بالباطل سواء كان بالقمار أو الميسر أو الرّبا أو دفع الرّشوة للحكام، "اعتماداً على المغالطة في القرائن والأسانيد، واللّحن بالقول والحجّة، حيث يقضي الحاكم بما يظهر له، وتكون الحقيقة غير ما بدا له"[13].وقوله تعالى: ﴿ وتدلوا بها إلى الحكام ﴾ شبيه بمن يدلي دلوه في ظلام البئر لينال شيئا منه، وكذلك الرّاشي كأنه يدلي بدلو الرّشوة ليأخذ شيئا خفيّا لا يستحقّه في الوضوح، فيرجع إلى الحيل والواسطات.وذكر ابن كثير في تفسير الآية: « قال علي بن أبي طلحة، وعن ابن عباس: هذا في الرّجل يكون عليه مال، وليس عليه فيه بيّنة، فيجحد المال، ويخاصم إلى الحكّام، وهو يعرف أنّ الحقّ عليه، وهو يعلم أنّه آثمٌ آكلُ حَرَامٍ. وكذا روي عن مجاهد وسعيد بن جبير، وعكرمة والحسن وقتادة والسّدّي ومقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنّهم قالوا: لا تخاصم وأنت تعلم أنّك ظالم ".وقد ورد في الصحيحين عن أمّ سلمة رضي الله عنها أنّ رسول الله – -صلى الله عليه وسلم- - قال: « إنّما أنا بشر، وإنّما يأتيني الخصم فلعلّ بعضَكم أن يكون ألحنَ بحجّته من بعض فأقضيَ له، فمن قضيتُ له بحقّ مسلم فإنّما هي قطعة من نار فليحملها أو ليذرها ».وهكذا يتركهم لما يعلمونه من حقيقة دعواهم. فحكم الحاكم لا يحلّ حراماً، ولا يحرّم حلالاً. إنّما هو ملزم في الظّاهر، وإثمه على المحتال فيه.وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾(النساء 29)، قال ابن كثير: نهى (4) تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضا بالباطل، أي: بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية، كأنواع الربا والقمار، وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل... ولا تتعاطوا الأسباب المحرّمة في اكتساب الأموال، لكن المتاجر المشروعة التي تكون عن تراض من البائع والمشتري فافعلوها وتسببوا بها في تحصيل الأموال"[14].وقال تعالى في معرض ذكره لأخلاق اليهود: ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ﴾[15].وهنا ملازمة أكل السحت للكذب؛ فالكذب والإثم والعدوان ملازمات لأكل السّحت لا ينفك عنها لتحقيق غرضه والوصول إلى هدفه وعدوانه.وقال تعالى: ﴿ وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾[16]، "وترى كثيراً من هؤلاء يسارعون في المعاصي والاعتداء على غيرهم، وفى أكل المال الحرام كالرّشوة والرّبا ولبئس ما يفعلونه من هذه القبائح، ثمَّ أنحا باللاّئمة على العلماء الساكتين عن الحق المصانعين لأهل الباطل، فقال لهم: أما كان ينبغي أن ينهاهم علماؤهم وأحبارهم عن قول الكذب وأكل الحرام، ولبئس ما كانوا يصنعون من ترك النّصيحة والنّهى عن المعصية "[17].وقد خصّص قوله تعالى ﴿ ولا تأكلوا أموالكم بالباطل... ﴾ الرّشوة في الحكام مع أنّها ليست قاصرة عليهم، ولكنّها منهم أعظم خطرا وأشدّ فتكا؛ لأنّهم ميزان العدالة؛ فإذا فسد الميزان اختلّ الاتِّـزان، وإذا خان الوَازَّنُ ضاع التّوازنُ، ومن ثمّ ينتشر الفساد.
الرّشوة في الأحاديث النبوية:روى التّرمذي وأحمد وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « لعن الله الرَّاشي والمُرْتَشِي »، وفي رواية عند أحمد: «والرَّائش» وهو الذي يمشي بينهما[18].
ويؤخذ من هذا الحديث:
1- أن الرشوة من كبائر الذنوب.
2- أن صاحبها ملعون ومطرود من رحمة الله تعالى سواء كان المعطي أو الآخذ أو الواسطة ، نعوذ بالله من ذلك.وروى الطبراني بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: « الرّشوة في الحكم كفر، وهي بين النّاس سحت » [19]،
ويعني بالكفر هنا أنّـه إذا أعطي الحاكم أو القاضي ومن في معناهما من أهل الولايات الرّشوة من أجل استحلال حقوق الناس وغصبها وإعطائها لآخرين، فإنّ في ذلك تحليل لما حرّم الله، أو تحريم لما أحلّ الله فذاك هو الكفر لقوله تعالى ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ﴾.ولما بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معاذًا -رضي الله عنه- إلى اليمن أرسل في أثره، فلمّا جاءه قال: « أتدري لِمَ بعثتُ إليك؟ لا تصيبنّ شيئًا بغير إذني فإنّه غلول، " ومن يغلل يأت بما غلَّ يوم القيامة"، لهذا دعوتك فامض لعملك » رواه الترمذي (1335)[20].وذلك أنّ من أخذ شيئا من الناس من غير طيب نفوسهم، أو أخذه من المال العام دون إجازة الحاكم له فإنما هو غلول والرشوة نوع من هذا الغلول.
وعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنه-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: « مَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمُ الرِّبَا، إِلاَّ أُخِذُوا بِالسَّنَةِ[21]، وَمَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمُ الرُّشَا، إِلاَّ أُخِذُوا بِالرُّعْبِ » أخرجه أحمد 4/205(17976).قال السّاعاتي في معناه: أي الخوف والفزع بحيث يسلّط الله عليهم من يخيفهم من الأعداء، أو يخيفهم بالطاعون ونحو ذلك "[22]، وقال ابن حجر: وفي هذا الحديث ما يقتضي أن الطاعون والوباء ينشأ عن ظهور الفواحش "[23]، الله اكبر !! أليس هذا حالنا يا قوم، أمة لما فشا فيها الرشا جبنت أن تواجه أعداءها بل صار منها فئام عملاء لهم، أمة أصابها الفزع كلّما قالوا هناك انفلونزا كذا أو كذا، وما هو والله إلا وعيد الحبيب -صلى الله عليه وسلم- الذي أوعد به.
الفرق بين الهدية والرشوة:
الهدية: هي أن يعطي شخص لشخص شيئا دون أن يشترط عليه العوض.
والهدية مشروعة ومرغّب فيها، ولها أثر ضدّ أثر الرشوة؛ لأنها تؤلف القلوب وتورث المحبة، كما قال -صلى الله عليه وسلم- « تهادوا تحابوا »[24].
• والهدية تزيل أضغان النّفوس، بينما الرّشوة على العكس تورث القطيعة وتوقع العداوة.
• والهدية يدفعها المهدي عن طيب نفسٍ تقديرا للمهدي إليه، أو تطييبا لخاطره أو تأليفا له، وكلها مقاصد حسنة وعن طواعية، ولذا فهو لا يخفيها كما يخفي الراشي رشوته، والمهدي إليه قد يكافئ عليها إن عاجلا أم آجلا.
• بينما الرشوة يدفعها الرّاشي مُكرها ويأخذها المرتشي متستّرا، وقد جاء الحديث: "لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفس"[25]، وهو موافق للهدية معاكس للرشوة.
• أنّ الرّشوة عطاء مع شرطِ أن يُعِينَهُ، والهدية لا شرط معها[26].
تحـذير: وهنا يلزم التحذير الشديد من تسمية الرشوة باسم الهدية؛ لأنّ من أكلها عالما بها أنها رشوة مستحلاًّ إيّاها فإنه يخشى عليه الكفر؛ لأنّه يدخل في عموم من استحلّ ما علم تحريمه بالضرورة[27].
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/39666/#ixzz3RZ1rBKG0
أركان الرشوة:
الرّاشي: هو الذي يبذل المال أو المنفعة لمن يحقق له مصلحة، أو يعينه على باطل.
والمرتشي: هو الشخص المستفيد من غيره مالا أو منفعة لإيصال حقّ يجب عليه أداؤه إلى الراشي ، أو أن يقوم له بمصلحة غير مشروعة.
والرّائش (أو الواسطة): الذي يسعى بينهما ليحقق مصلحة الطرفين.
الرشوة: وهي المال أو المنفعة التي تبذل بقصد حمل المرتشي على قضاء المصلحة المذكورة[4].
مسميات مختلفة للرّشوة والمقصد واحد:
جاءت ألفاظ مرادفة للرشوة سواء في القرءان أو السنة أو كلام الناس: منها السّحت، والبرطيل، وَفِي الْمَثَل: الْبَرَاطِيل تَنْصُرُ الأَبَاطِيل[5]. وفي بعض الأوساط الشعبية يقولون: الإكرامية، والحلاوة، والهدية، والقهوة[6]، وحقّ القات[7]، والْمُصَانَعَةُ: وقد قيل: مَنْ صَانَعَ بِالْمَال لَمْ يَحْتَشِمْ مِنْ طَلَبِ الْحَاجَةِ [8].وغيرها من الكلمات المصطنعة التي في ظاهرها أنها بعيدة عن الرّشوة، وفي حقيقتها وجوهرها هي السّحت الحرام ، فالمسمّيات لا تغيّر من الحقائق شيئا، ومن ذلك أيضا ما جرى في عالمنا اليوم وقلّدناه تسمية "غسل الأموال" و"تبييض الأموال" و"تطهير الأموال" وغيرها من المصطلحات بدلاً من المال الحرام.
والسحت لغة: الحرام، أو ما خبث من المكاسب فلزم عنه العار؛ سمّي بذلك لأنه يسحت البركة ويذهبها، يقال: (سحته الله) أي أهلكه، ويقال: (أسحته)، وقرئ بهما في قوله تعالى: ﴿ فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ ﴾[9] أي يستأصلكم ويهلككم.
أما البرطيل: فقيل هو الحجر المستطيل، وسميت به الرّشوة لأنّها تُلْجِم المرتشي عن التّكلم بالحقّ، كما يلقمه الحجر الطّويل.
هل هناك فرق بين السحت والرشوة:
يقول الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله تعالى: " أنّ ما كان فيه اشتراك بين طرفين في ارتكاب الإثم فهو الرّشوة؛ لوجود راش ومرتش، وما كان الإثم فيه من طرف واحد مع اضطرار الطرف الثاني فهو السّحت.ويشهد لهذا ما رواه البيهقي [10] بسنده عن مسروق قال: سألت ابن مسعود -رضي الله عنه- عن السّحت أهو رشوة في الحكم؟ قال: لا؛ ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾، و﴿ الظَّالِمُونَ ﴾ و﴿ الْفَاسِقُونَ ﴾[11]، ولكن السّحت أن يستعينك رجل على مظلمة فيهدي لك فتقبله، فذلك السّحت.وحكم الرشوة أنها حرام، وسحت يأكله صاحبه، ونصوص الوحيين واضحة في حكمها على الكسب الخبيث.
النّصوص الواردة في الرّشوة في القرآن الكريم:لقد جاءت الأوامر والتوجيهات في القرآن الكريم إلى النّاس أن ينالوا حقوقهم بالوجوه المشروعة، ونهى عن أكل أموال النّاس بالباطل والطرق الممنوعة قال تعالى: ﴿ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾[12] فجاءت الآية الكريمة بعد انتهاء آيات الصيام، وكأنّ الحقّ جلّ في علاه يقول يا معشر الصّائمين عن الحلال في شهر رمضان، صوموا عن الحرام طيلة الأيام، وإيّاكم وأكلَ مال الغير بالباطل سواء كان بالقمار أو الميسر أو الرّبا أو دفع الرّشوة للحكام، "اعتماداً على المغالطة في القرائن والأسانيد، واللّحن بالقول والحجّة، حيث يقضي الحاكم بما يظهر له، وتكون الحقيقة غير ما بدا له"[13].وقوله تعالى: ﴿ وتدلوا بها إلى الحكام ﴾ شبيه بمن يدلي دلوه في ظلام البئر لينال شيئا منه، وكذلك الرّاشي كأنه يدلي بدلو الرّشوة ليأخذ شيئا خفيّا لا يستحقّه في الوضوح، فيرجع إلى الحيل والواسطات.وذكر ابن كثير في تفسير الآية: « قال علي بن أبي طلحة، وعن ابن عباس: هذا في الرّجل يكون عليه مال، وليس عليه فيه بيّنة، فيجحد المال، ويخاصم إلى الحكّام، وهو يعرف أنّ الحقّ عليه، وهو يعلم أنّه آثمٌ آكلُ حَرَامٍ. وكذا روي عن مجاهد وسعيد بن جبير، وعكرمة والحسن وقتادة والسّدّي ومقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنّهم قالوا: لا تخاصم وأنت تعلم أنّك ظالم ".وقد ورد في الصحيحين عن أمّ سلمة رضي الله عنها أنّ رسول الله – -صلى الله عليه وسلم- - قال: « إنّما أنا بشر، وإنّما يأتيني الخصم فلعلّ بعضَكم أن يكون ألحنَ بحجّته من بعض فأقضيَ له، فمن قضيتُ له بحقّ مسلم فإنّما هي قطعة من نار فليحملها أو ليذرها ».وهكذا يتركهم لما يعلمونه من حقيقة دعواهم. فحكم الحاكم لا يحلّ حراماً، ولا يحرّم حلالاً. إنّما هو ملزم في الظّاهر، وإثمه على المحتال فيه.وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾(النساء 29)، قال ابن كثير: نهى (4) تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضا بالباطل، أي: بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية، كأنواع الربا والقمار، وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل... ولا تتعاطوا الأسباب المحرّمة في اكتساب الأموال، لكن المتاجر المشروعة التي تكون عن تراض من البائع والمشتري فافعلوها وتسببوا بها في تحصيل الأموال"[14].وقال تعالى في معرض ذكره لأخلاق اليهود: ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ﴾[15].وهنا ملازمة أكل السحت للكذب؛ فالكذب والإثم والعدوان ملازمات لأكل السّحت لا ينفك عنها لتحقيق غرضه والوصول إلى هدفه وعدوانه.وقال تعالى: ﴿ وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾[16]، "وترى كثيراً من هؤلاء يسارعون في المعاصي والاعتداء على غيرهم، وفى أكل المال الحرام كالرّشوة والرّبا ولبئس ما يفعلونه من هذه القبائح، ثمَّ أنحا باللاّئمة على العلماء الساكتين عن الحق المصانعين لأهل الباطل، فقال لهم: أما كان ينبغي أن ينهاهم علماؤهم وأحبارهم عن قول الكذب وأكل الحرام، ولبئس ما كانوا يصنعون من ترك النّصيحة والنّهى عن المعصية "[17].وقد خصّص قوله تعالى ﴿ ولا تأكلوا أموالكم بالباطل... ﴾ الرّشوة في الحكام مع أنّها ليست قاصرة عليهم، ولكنّها منهم أعظم خطرا وأشدّ فتكا؛ لأنّهم ميزان العدالة؛ فإذا فسد الميزان اختلّ الاتِّـزان، وإذا خان الوَازَّنُ ضاع التّوازنُ، ومن ثمّ ينتشر الفساد.
الرّشوة في الأحاديث النبوية:روى التّرمذي وأحمد وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « لعن الله الرَّاشي والمُرْتَشِي »، وفي رواية عند أحمد: «والرَّائش» وهو الذي يمشي بينهما[18].
ويؤخذ من هذا الحديث:
1- أن الرشوة من كبائر الذنوب.
2- أن صاحبها ملعون ومطرود من رحمة الله تعالى سواء كان المعطي أو الآخذ أو الواسطة ، نعوذ بالله من ذلك.وروى الطبراني بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: « الرّشوة في الحكم كفر، وهي بين النّاس سحت » [19]،
ويعني بالكفر هنا أنّـه إذا أعطي الحاكم أو القاضي ومن في معناهما من أهل الولايات الرّشوة من أجل استحلال حقوق الناس وغصبها وإعطائها لآخرين، فإنّ في ذلك تحليل لما حرّم الله، أو تحريم لما أحلّ الله فذاك هو الكفر لقوله تعالى ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ﴾.ولما بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معاذًا -رضي الله عنه- إلى اليمن أرسل في أثره، فلمّا جاءه قال: « أتدري لِمَ بعثتُ إليك؟ لا تصيبنّ شيئًا بغير إذني فإنّه غلول، " ومن يغلل يأت بما غلَّ يوم القيامة"، لهذا دعوتك فامض لعملك » رواه الترمذي (1335)[20].وذلك أنّ من أخذ شيئا من الناس من غير طيب نفوسهم، أو أخذه من المال العام دون إجازة الحاكم له فإنما هو غلول والرشوة نوع من هذا الغلول.
وعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنه-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: « مَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمُ الرِّبَا، إِلاَّ أُخِذُوا بِالسَّنَةِ[21]، وَمَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمُ الرُّشَا، إِلاَّ أُخِذُوا بِالرُّعْبِ » أخرجه أحمد 4/205(17976).قال السّاعاتي في معناه: أي الخوف والفزع بحيث يسلّط الله عليهم من يخيفهم من الأعداء، أو يخيفهم بالطاعون ونحو ذلك "[22]، وقال ابن حجر: وفي هذا الحديث ما يقتضي أن الطاعون والوباء ينشأ عن ظهور الفواحش "[23]، الله اكبر !! أليس هذا حالنا يا قوم، أمة لما فشا فيها الرشا جبنت أن تواجه أعداءها بل صار منها فئام عملاء لهم، أمة أصابها الفزع كلّما قالوا هناك انفلونزا كذا أو كذا، وما هو والله إلا وعيد الحبيب -صلى الله عليه وسلم- الذي أوعد به.
الفرق بين الهدية والرشوة:
الهدية: هي أن يعطي شخص لشخص شيئا دون أن يشترط عليه العوض.
والهدية مشروعة ومرغّب فيها، ولها أثر ضدّ أثر الرشوة؛ لأنها تؤلف القلوب وتورث المحبة، كما قال -صلى الله عليه وسلم- « تهادوا تحابوا »[24].
• والهدية تزيل أضغان النّفوس، بينما الرّشوة على العكس تورث القطيعة وتوقع العداوة.
• والهدية يدفعها المهدي عن طيب نفسٍ تقديرا للمهدي إليه، أو تطييبا لخاطره أو تأليفا له، وكلها مقاصد حسنة وعن طواعية، ولذا فهو لا يخفيها كما يخفي الراشي رشوته، والمهدي إليه قد يكافئ عليها إن عاجلا أم آجلا.
• بينما الرشوة يدفعها الرّاشي مُكرها ويأخذها المرتشي متستّرا، وقد جاء الحديث: "لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفس"[25]، وهو موافق للهدية معاكس للرشوة.
• أنّ الرّشوة عطاء مع شرطِ أن يُعِينَهُ، والهدية لا شرط معها[26].
تحـذير: وهنا يلزم التحذير الشديد من تسمية الرشوة باسم الهدية؛ لأنّ من أكلها عالما بها أنها رشوة مستحلاًّ إيّاها فإنه يخشى عليه الكفر؛ لأنّه يدخل في عموم من استحلّ ما علم تحريمه بالضرورة[27].
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/39666/#ixzz3RZ1rBKG0