التفاعل
7.2K
الجوائز
1.3K
- تاريخ التسجيل
- 16 جانفي 2009
- المشاركات
- 5,960
- آخر نشاط
- الأوسمة
- 1

خرافات عن النحس
بقلم : اياد العطار

لماذا يتشاءم الناس من بعض الأمور ؟ ..
"لا تفعل ذلك .. إنه أمر سيء " .. عبارة طالما شنفت أسماعنا منذ نعومة أظفارنا ونحن نهم بالقيام ببعض الأمور , عادة ما يطلقها كبار السن من الأهل والأقارب وهم يلوحون بأصابعهم محذرين . وتنضوي تحت هذه العبارة مجموعة من النواهي والمكروهات التي يجب على الإنسان أن يبتعد عنها ويتجنبها لئلا تعود عليه بالبؤس والنحس والبلاء . والناس منقسمون في آرائهم حول هذه المحذورات , فهناك من يضحك منها ويستهزأ بها , وهناك أيضا من يؤمن بها إلى درجة تؤرق خياله وتنغص عليه حياته .
أذكر شخصيا بأني في فترة ما من حياتي كنت أحرص أشد الحرص على أن تكون أول خطواتي عندما أغادر المنزل بالقدم اليمنى , وأن أفتح الباب وأغلقه باليد اليمنى مع أني أعسر , وقد تحول ذلك إلى هاجس رافقني لفترة طويلة .. إنه وسواس .. وهو لا يعتمد دوما على الموروث الشعبي , بل قد يبتكر الناس أحيانا أشكالا وأنماطا خاصة بهم من هذه الوساوس , كأن يعتقد شخص ما بأن ارتداءه لقميص معين يجلب له الحظ وأن رؤيته لشخص بذاته في الصباح يجلب له النحس .
وعموما فأن الذاكرة البشرية تختزن كما كبيرا ومتنوعا من هذه المحاذير التي يخشاها ويتجنبها الناس , ونحن في مقالنا هذا سنتطرق إلى أكثرها شهرة في عالمنا العربي .
العين الشريرة

يؤمن الناس بالحسد .. ويحاولون درءه بكل وسيلة ..
الحسد بحسب المعجم هو تمني زوال النعمة عن الآخرين . بمعنى آخر هو قدرة العين على إلحاق الأذى بالآخرين , ولهذا تسمى العين الحاسدة بالعين الشريرة . والاعتقاد بالحسد متأصل في منطقتنا العربية , جذوره ضاربة في القدم , ففي مصر الفرعونية اشتهرت عين حورس بأنها تدرأ الحسد , وفي سومر كانوا يعلقون التمائم على أبواب البيوت للغرض ذاته . وكانت العرب في الجاهلية تتطير من العين , خصوصا الملونة منها . والحسد مذكور في القرآن الكريم .
ولدرء الحسد قد يقدم الناس على أمور عجيبة , كأن يطلق بعضهم على أولاده أسماء قبيحة , فترى أحدهم يسمي أبنه "زبالة" ! .. وذلك لكي لا تناله عيون الحاسدين , وهناك من يلبس ولده الصغير ملابس البنات ويطيل شعره , خصوصا عندما يكون الولد جميلا , أو يهمل نظافته حتى ليظن من يراه بأنه متشرد .. كل ذلك من أجل إبعاد العين الشريرة عنه . وقد يمنعون المرأة العاقر من دخول منازلهم , لئلا تحسد أطفالهم ولو عن غير قصد منها .. هذه الأمور وغيرها لم تكن غريبة عن مجتمعاتنا في الماضي , خصوصا فيما يتعلق بالأطفال , كونهم كانوا يموتون بكثرة لعدم توفر الدواء والطبيب , وكان هناك اعتقاد راسخ بأن مرض الطفل وموته سببه العين الحاسدة . وحتى في أيامنا هذا فليس من الغريب بأن تسمع أما تردد بغضب وهي تحمل طفلها المريض قائلة : " لقد حسدوه .. بالأمس لم يكن به شيء!" .

تلطيخ الحائط بدم الأضحية لدرء الحسد وابعاد الجن ..
وهناك أمور أخرى قد يقوم بها الناس لحماية أنفسهم من الحسد , كالرقية وتعليق التمائم ولبس الحجب , وتعليق حذاء قديم بالسيارة الجديدة , وتلطيخ جدار البيت الجديد بدم الأضحية . ولعل الخمسة التي تكون على شكل يد في وسطها عين زرقاء مفتوحة هي الأشهر , تعلق على البيوت والسيارات وقد تلبس كقلادة , ومنها جاء القول المأثور : "خمسة وخميسة" . والبخور والحرمل وسيلة أخرى تستعمل لرد العين الحاسدة , حيث دأبت بعض ربات البيوت على تبخير منازلهن لحماية أحبابهن وهن يرددن : "عين الحسود فيها عود" .
لعلماء الدين آراء متباينة فيما يختص بالعين الشريرة , يرى بعضهم أن فهم وأدارك الناس لمسألة الحسد يشوبها الكثير من الخطأ , فعين البشر ليس بإمكانها أن تؤذي الآخرين بمعزل عن إرادة الخالق , ذلك أن الله هو الذي يقدر ويجري الأمور , وعليه فالمقصود بالنهي عن الحسد والتحذير منه هو أن يترفع الإنسان عن الأفكار السيئة والشريرة , وأن لا يضمر لأخيه سوى الخير والمحبة , إذ لا يليق بالإنسان المؤمن الصالح أن يضمر الشر في قلبه .
الجدير بالذكر هو أن الحسد ليس كله مذموم , فهناك نوع منه محمود , وهو الغبطة , ويعني التطلع إلى النعم التي بيد الغير من دون تمني زوالها عنهم , كأن تطمح لأن تصبح ثريا مثل جارك , فأنت تغبطه على ثرائه لكنك لا تحسده ولا تتمنى أن يفتقر , أو تتمنى أن تصبح طبيبا مثل أخيك من باب الإقتداء والإعجاب . وهناك من يرى بأنه لولا الحسد الذي يولد المنافسة لما وصلت البشرية إلى ما وصلت إليه من تطور ورقي .