القضاء والقدر مفهومه ومراتبه وأنواعه

البحر الهادي

:: أستاذ ::
أوفياء اللمة
تعريف القضاء والقدر وحكم الإيمان به


تعريف القضاء والقدر:
القضاء لغة: كما قال ابن فارس في مادة (قضى): القاف، والضاد، والحرف المعتل؛ أصل صحيح يدل على إحكام أمر، وإتقانه، وإنفاذه لجهته، قال الله تعالى: ﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ﴾ [فصلت: 12].






والقضاء: هو الحكم، والصنع، والحتم، والبيان، وأصله القطع، والفصل، وقضاء الشيء، وإحكامه، وإمضاؤه، والفراغ منه؛ فيكون بمعنى الخلق.


وفي الاصطلاح: تقدير الله للكائنات حسبما سبق به علمُه، واقتضته حكمته.

والقدَر لغة: مصدر قدَرتُ الشيء أقْدُره قَدْرًا؛ أي: أحطتُ بمقداره، فهو الإحاطة بمَقادير الأمور.
وفي الاصطلاح:هو علم الله تعالى بالأشياء وكِتابته لها قبل كونها، على ما هي عليه، ووجودها على ما سبَق به عِلمُه، وكتابته بمشيئته وخلقه.
وعليه فكلٌّ مِن القضاء والقدر يأتي بمعنى الآخر؛ فمعاني القضاء تؤول إلى إحكام الشيء، وإتقانه، ونحو ذلك من معاني القضاء، ومعاني القدر تدور حول ذلك، وتعود إلى التقدير، والحكم، والخلق، والحتم، ونحو ذلك.
حكم الإيمان بالقضاء والقدر:الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان الستة التي وردت في حديث جبريل الطويل فقال: "وأن تُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ".

وقد دلَّ القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع المسلمين والفطرة والعقل على وجوب الإيمان بالقدر، وأن من أنكر الإيمان بالقدر فقد كفر بالله تعالى وخرج من ملة الإسلام.
الأدلة من القرآن الكريم:قال تعالى: ﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ﴾ [الأحزاب: 38]، وقال تعالى: ﴿ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ﴾ [الأنفال: 42، 44]، وقال تعالى: ﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴾ [النساء: 47]، وقال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11].

وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 166]، وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 156، 157]، وغير ذلك من الآيات.
الأدلة من السنة النبوية:لقد تضافرت الأدلة من السنة المطهرة على الإيمان بالقضاء والقدر، ومنها:يقول -صلى الله عليه وسلم- في حديث جبريل الطويل: "وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ".

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ؛ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ الله وَمَا شَاءَ فَعَلَ"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزُ وَالْكَيْسُ"، وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة.

دليل الإجماع:فقد أجمع المسلمون على وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره من الله، قال النووي: وقد تظاهرت الأدلة القطعيات من الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة، وأهل الحل والعقد من السلف والخلف؛ على إثبات قدر الله سبحانه وتعالى، وقال ابن حجر: ومذهب السلف قاطبة أن الأمور كلها بتقدير الله تعالى.

وقال في تذكرة المؤتسيِ: (وأجمع أئمة السلف من أهل الإسلام على الإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قليله وكثيره بقضاء الله وقدره، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يجري خير وشر إلا بمشيئته، خلق من شاء للسعادة واستعمله بها فضلًا، وخلق من أراد للشقاء واستعمله به عدلًا، فهو سر استأثر به، وعِلمٌ حجبه عن خلقه، ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 23]، قال الله عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ﴾ [الأعراف: 179]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [السجدة: 13]، وقال عز وجل: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49].

دليل الفطرة:الإيمان بالقدر معلوم بالفطرة قديمًا وحديثًا، ولم ينكره إلا الشواذُّ من المشركين من الأمم، ولم يقع الخطأ في نفي القدر وإنكاره، وإنما وقع في فهمه على الوجه الصحيح؛ ولهذا قال سبحانه عن المشركين: ﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا ﴾ [الأنعام: 148].
فهم أثبتوا المشيئة لله، لكنهم احتجوا بها على الشرك، ثم بيَّن سبحانه أن هذا هو شأنُ من كان قبلهم، فقال: ﴿ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ [الأنعام: 148].
وكانت العرب في الجاهلية تعرف القدر ولا تنكره، ولم يكن هناك من يرى أن الأمر مستأنف، وهذا ما نجده مبثوثًا في أشعارهم كما مر في المقدمة، وكما في قول عنترة:

ياعبل أين من المنية مهربي........إن كان ربي في السماء قضاها

ولم يقل أحد منهم بنفيه إطلاقًا، كما صرح بذلك أحد كبار علماء العربية، وهو أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب بقوله: لا أعلم عربيًا قدريًّا، قيل له: يقع في قلوب العرب القول بالقدر؟ قال: معاذ الله، ما في العرب إلا مثبت القدر خيره وشره أهل الجاهلية والإسلام، وكلامهم كثير بيِّن، ثم أنشد:

تجري المقادير على غرز....الإبر ماتنفذ الإبرة إلا بقدر

دليل العقل:
أما دلالة العقل فهي أن العقل الصحيح يقطع بأن الله هو خالق هذا الكون، ومدبره، ومالكه، ولا يمكن أن يوجد على هذا النظام البديع، والتناسق المتآلف، والارتباط الملتحم بين الأسباب والمسببات هكذا صدفة؛ إذ الموجود صدفة ليس له نظام في أصل وجوده، فكيف يكون منتظمًا حال بقائه وتطوره؟
فإذا تقرر عقلًا أن الله هو الخالق لزم ألا يقع شيء في ملكه إلا ما قد شاءه وقدَّره.
ومما تقدم فإن من لم يؤمن بالقدر لا تقبل أعماله، فلا ينتفع لا بصلاة ولا بصيام ولا بصدقة ولا غير ذلك، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 5].
فإيمان العبد ودينه لا يمكن أن ينتظم إلا إذا آمن بأقدار الله جل وعلا، وأنَّ كلَّ شيء بقدر، وأن يؤمن بالقدر كلِّه حلوه ومره، وأنَّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
فلا إيمان لمن لم يؤمن بالقدر، ومن كذب بالقدر فلا إيمان له ولا توحيد، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال: (الإيمان بالقدر نظام التوحيد، فمن آمن وكذب بالقدر فهو نقض للتوحيد)، ومما يوضح هذا قول الإمام أحمد: (القدر قدرة الله)، فأي توحيد عند من ينكر قدرة الله.
 
توقيع البحر الهادي
رد: القضاء والقدر مفهومه ومراتبه وأنواعه

مراتب الإيمان بالقضاء والقدر:
مراتب الإيمان بالقضاء والقدر تتضمن أربعة أمور هي باختصار:أولاً: الإيمان بعلم الله القديم (مرتبة العلم):وهو الإيمان بأن الله تعالى علم بكل شيء جملة وتفصيلاً، أزلاً وأبداً، بما في ذلك أفعال العباد طاعتهم ومعاصيهم، قال تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحشر: 22].
ثانيا:ً الإيمان بالكتاب الأول (مرتبة الكتابة):وهو الإيمان بأن الله كتب ما سبق علمه من مقادير الخلائق إلى يوم القيامة في اللوح المحفوظ - وهو أم الكتاب - قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحج: 70]، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص بـ - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كتب الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة".
ثالثاً: الإيمان بعموم المشيئة (مرتبة الإرادة والمشيئة):وهو الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله سواء أكانت مما يتعلق بفعله سبحانه أم مما يتعلق بفعل المخلوقين، قال تعالى فيما يتعلق بفعله: ﴿ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 137].وأنه لا يكون شيء في السموات والأرض إلا بإرادته ومشيئته الدائرة بين الرحمة والحكمة، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء برحمته، فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فما شاء كونه فهو كائن بقدرته لا محالة: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82].
رابعاً: الخلق (مرتبة الخلق):وهو الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله بذواتها وصفاتها وحركاتها: ﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2].إذن هو الخالق لكل شيء فلا خالق غيره، ولا رب سواه، فهو خالق كل عامل وعمله، وكل متحرك وحركته، وكل ساكن وسكونه، ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الصافات: 96] .

 
توقيع البحر الهادي
رد: القضاء والقدر مفهومه ومراتبه وأنواعه

يتعلّق الركن السادس من أركان الإيمان بالقضاء والقدر، أما القضاء فهو الإحكام والإتقان وإتمام الأمر الإلهي، وأما القدر: هو تقدير الله تعالى الأشياء في القدم، وعلمُه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وعلى صفات مخصوصة، وكتابتُه سبحانه لذلك، ومشيئته لها، ووقوعها على حسب ما قدّرها، وخلقُه لها.

وبالنظر إلى طبيعة التقدير الإلهي كفعل من الأفعال المتعلّقة بالله جلّ وعلا، فإننا نجد أن تقدير الله للكائنات ومشيئته لها يمكن أن ينتظم تحت الأنواع التالية:

أولاً: التقدير العام، ويسمّيه بعض العلماء بالتقدير الأزلي، وهو ما يُقدّره الله عز وجل لجميع المخلوقات بما يتضمّن مراتب القدر الأربعة المعروفة، بمعنى علمه بها، وكتابته لها، ومشيئته لها وإرادتها، وخلقه لها.

وهذا النوع بشموله قد دلّت عليه النصوص الكثيرة وتعلّقت به، ونذكر في هذا السياق قوله تعالى: { واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم } (البقرة:41)، ومنها قوله سبحانه: { عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} (سبأ:3)، وقول الله عز وجل: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} (الحديد:22)، وقوله سبحانه: { لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين} (التكوير:28-29)، وقوله سبحانه: { والله خلقكم وما تعملون} (الصافات:96).

ومن الأحاديث ما جاء في في صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان وعرشه على الماء).

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب. فقال: ربِّ، وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة) ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من مات على غير هذا فليس مني) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما.

ثانياً: التقدير المتعلّق بالبشريّة، وهو التقدير الحاصل حينما أخذ الله عز وجل الميثاق على ذرية آدم، فاستخرجهم من ظهره، وأشهدهم على أنفسهم، وقرّرهم بإثبات ربوبيته، بما أودعه في فطرهم من الإقرار، بأنه ربهم وخالقهم ومليكهم، وهذا العهد والميثاق وما يتضمّنه من التقدير البشري، حين كانوا في عالم كالذر، فلذلك لا يذكره أحد، وإنما الشأن فيما أودعه الله في الفطر بما يمكن من خلاله التمييز بين الحق والباطل على وجه العموم.

ويدل على هذا التقدير قوله سبحانه: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون} (الأعراف:172-174).

وعن هشام بن حكيم رضي الله عنهما قال: أتى رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أتُبدأ الأعمال، أم قد قُضي القضاء؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله أخذ ذرية آدم من ظهورهم، ثم أشهدهم على أنفسهم، ثم أفاض بهم في كفيه، ثم قال: هؤلاء في الجنة، وهؤلاء في النار. فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة، وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار) رواه الطبراني.

ثالثا: التقدير العمري، وهو تقدير شقاوة العبد وسعادته، ورزقه وأجله وعمله، وسائر ما يلقاه من أحداثٍ وأقدار منذ أوّل لحظةٍ من عمره، وحتى نهاية أجله، وهذا التقدير حاصلٌ للعبد حينما يكون في رحم أمّه في الظلمات الثلاث، فيُقدّر مصير العبد وسجلّ حياته الحافل في تلك المرحلة.

وفي هذا السياق وردت الكثير من الأحاديث وإن كانت مختلفةَ الألفاظ إلا أن مضمونها واحد، ونكتفي هنا بذكر حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق، قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً فيُؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع، فيسبق عليه كتابه، فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة) رواه البخاري ومسلم.

وعنه رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ألا إنما الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وُعظ بغيره) رواه ابن ماجة وأصله في مسلم.

رابعاً: التقدير السنوي، وهو الذي يكون في ليلة القدر من كل سنة، وقد ورد في شأن هذا التقدير قوله تعالى: { إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم * أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين} (الدخان:3-5)، وفيها يقضي الله كل أجلٍ وعملٍ ورزق، وما يكون في السنة من موت وحياة ومطر، حتى الحجّاج يُقال: يحج فلان، ويحج فلان، كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما.

خامساً: التقدير اليومي، وهو الوارد في قوله سبحانه وتعالى: {يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن} (الرحمن:29)، فكل يومٍ يُجري سبحانه وتعالى أحكامه القدريّة التي قدّرها في الأزل، فيُغني فقيراً، ويُسعد حزيناً، ويُطعم جائعاً، ويّذلً عزيزاً، ويرفع أقواماً ويضع آخرين، ولا يشغله سبحانه في ذلك شأنٌ عن شأن، فتبارك الله رب العالمين.

فهذا -كما يقول الإمام ابن القيم- تقديرٌ يومي، والذي قبله تقدير حولي سنويّ، والذي قبله تقدير عمري عند نشأة الحياة بالنسبة لكل فرد، والذي قبله تقديرٌ عامّ جرى للخليقة عندما كانوا في عالم الذرّ، والذي قبله تقدير عامّ جرى قبل خلق الكائنات، وكل واحد من هذه التقادير كالتفصيل للتقدير السابق له، وفي ذلك دليل على كمال علم الرب وقدرته وحكمت
 
توقيع البحر الهادي
رد: القضاء والقدر مفهومه ومراتبه وأنواعه

قضاء الله -عز وجل- ينقسم إلى قسمين:
1 - قضاء شرعي.
2 - قضاء كوني.

فالقضاء الشرعي: يجوز وقوعه من المقضي عليه وعدمه، ولا يكون إلا فيما يحبه الله. ويرضاه
مثال ذلك: هذه الآية: سورة الإسراء الآية 23 وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء: 23]؛ فتكون قضى بمعنى: شرع، أو بمعنى: وصى، وما أشبههما.
والقضاء الكوني: لا بد من وقوعه، ويكون فيما أحبه الله، وفيما لا يحبه.
مثال ذلك: قوله تعالى: سورة الإسراء الآية 4 وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا [الإسراء: 4] فالقضاء هنا كوني؛ لأن الله لا يشرع الفساد في الأرض، ولا يحبه.ولايرضاه
 
توقيع البحر الهادي
رد: القضاء والقدر مفهومه ومراتبه وأنواعه

جزاك الله خيرا وبارك الله فيك
 
توقيع mixicali
تنبيه: نظرًا لتوقف النقاش في هذا الموضوع منذ 365 يومًا.
قد يكون المحتوى قديمًا أو لم يعد مناسبًا، لذا يُنصح بإشاء موضوع جديد.
العودة
Top Bottom