تفسير ابن كثير. متجدد

تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [الأحقاف : 32]
ثم قال مخبرا عنه :
( ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض ) أي : بل قدرة الله شاملة له ومحيطة به.
( وليس له من دونه أولياء ) أي : لا يجيرهم منه أحد.
( أولئك في ضلال مبين ) وهذا مقام تهديد وترهيب ، فدعوا قومهم بالترغيب والترهيب ; ولهذا نجع في كثير منهم ، وجاءوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفودا وفودا ، كما تقدم بيانه .
 
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأحقاف : 33]

يقول تعالى :
( أولم يروا ) أي : هؤلاء المنكرون للبعث يوم القيامة ، المستبعدون لقيام الأجساد يوم المعاد.
( أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن ) أي : ولم يكرثه خلقهن ، بل قال لها : " كوني " فكانت ، بلا ممانعة ولا مخالفة ، بل طائعة مجيبة خائفة وجلة ، أفليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ؟
كما قال في الآية الأخرى : ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) [ غافر : 57 ].
ولهذا قال : ( بلى إنه على كل شيء قدير ) .
 
تفسير ابن كثير

@@@@@@@



( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَٰذَا بِالْحَقِّ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا ۚ قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ) [الأحقاف : 34]



ثم قال متهددا ومتوعدا لمن كفر به : ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق ) أي : يقال لهم : أما هذا حق ؟

أفسحر هذا ؟

أم أنتم لا تبصرون ؟

( قالوا بلى وربنا ) أي : لا يسعهم إلا الاعتراف.

( قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون )

ثم قال تعالى آمرا رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالصبر على تكذيب من كذبه من قومه.
 
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@@

( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) [الجاثية : 24]
يخبر تعالى عن قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد :
( وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ) أي : ما ثم إلا هذه الدار ، يموت قوم ويعيش آخرون وما ثم معاد ولا قيامة وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون للمعاد ، ويقوله الفلاسفة الإلهيون منهم ، وهم ينكرون البداءة والرجعة ، ويقوله الفلاسفة الدهرية الدورية المنكرون للصانع المعتقدون أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه . وزعموا أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى ، فكابروا المعقول وكذبوا المنقول ؛ ولهذا قالوا: ( وما يهلكنا إلا الدهر )
قال الله تعالى : ( وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ) أي : يتوهمون ويتخيلون .

فأما الحديث الذي أخرجه صاحبا الصحيح ، وأبو داود ، والنسائي ، من رواية سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" يقول الله تعالى : يؤذيني ابن آدم ; يسب الدهر وأنا الدهر ، بيدي الأمر ، أقلب ليله ونهاره "
.. وفي رواية : " لا تسبوا الدهر ، فإن الله هو الدهر " .

وقد أورده ابن جرير بسياق غريب جدا فقال :
حدثنا أبو كريب ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" كان أهل الجاهلية يقولون : إنما يهلكنا الليل والنهار ، وهو الذي يهلكنا ، يميتنا ويحيينا ، فقال الله في كتابه : ( وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر )
قال : " ويسبون الدهر ، فقال الله عز وجل :
يؤذيني ابن آدم ، يسب الدهر وأنا الدهر ، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار " .

وكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن أحمد بن منصور ، عن شريح بن النعمان ، عن ابن عيينة مثله : ثم روي عن يونس ، عن ابن وهب ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
" قال الله تعالى : يسب ابن آدم الدهر ، وأنا الدهر ، بيدي الليل والنهار " .
وأخرجه صاحبا الصحيح والنسائي ، من حديث يونس بن زيد ، به .

وقال محمد بن إسحاق عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
" يقول الله : استقرضت عبدي فلم يعطني ، وسبني عبدي ، يقول : وادهراه . وأنا الدهر " .

قال الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما من الأئمة في تفسير قوله ، عليه الصلاة والسلام : " لا تسبوا الدهر ; فإن الله هو الدهر " :
كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة ، قالوا : يا خيبة الدهر .
فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه ، وإنما فاعلها هو الله [ عز وجل ] فكأنهم إنما سبوا الله عز وجل ; لأنه فاعل ذلك في الحقيقة ، فلهذا نهي عن سب الدهر بهذا الاعتبار ; لأن الله هو الدهر الذي يعنونه ، ويسندون إليه تلك الأفعال .

هذا أحسن ما قيل في تفسيره ، وهو المراد ، والله أعلم .
وقد غلط ابن حزم ومن نحا نحوه من الظاهرية في عدهم الدهر من الأسماء الحسنى ، أخذا من هذا الحديث . .
 
العودة
Top Bottom