التفاعل
2K
الجوائز
123
- تاريخ التسجيل
- 17 سبتمبر 2020
- المشاركات
- 462
- آخر نشاط
- تاريخ الميلاد
- 11 فيفري 1983
- الجنس
- ذكر
- الأوسمة
- 17

طريقة تحضير رضّاعة الحليب... وتأمّلات في الذوق، والهالة، ويد المرأة 


مُلاحظة: كان المفروض نشر الموضع في منتدى الطبخ الجزائري، لكن نظرًا لجدية الموضوع، وما يحمل قلب صاحبُه وحاجته لتفريغٍ عاطفي، ارتأينا أن ننشره في قسم "فرغ واش في قلبك"، وعليه تم البلاغ والسلام.
أولاً، كعربون مودة وعِرفان لأعضاء اللمّة، سأبدأ بمشاركتكم شيئًا بسيطًا: طريقة إعداد رضاعة. لعلها تنفع أحدكم في يوم من الأيام.
- تأخذ حليبًا لم يتجاوز تاريخ صلاحيته.
- تُسخّنه لمدة 30 إلى 40 ثانية.. عينك ميزانك.
- على أي درجة حرارة؟ لا أعلم... عينك ميزانك مجدداً
- تُحكم إغلاق رأس الرضاعة (انتبه، بعضها خدّاعات... ولا يأمنها مؤمن)
- تُهرق بضع قطرات الحليب على ظهر يدك. يجب أن لا تكون ساخنة جدًا، ولا باردة...
- ثم تقترب من الصغير وتناوله الرضاعة بلطف، وتقول له: "اترك لي قليلاً من الحليب، رجاءً"
إن كان الطفل من النوع المشاكس، لن يترك منها قطرة واحدة... فقط ليُغيظك. قليلٌ من الحُبّ... قليلٌ من الفهم النفسي... وهكذا، أُنجزت المهمة. بنجاح.
ندخل الآن في صلب الموضوع. حتى وإن كنتُ كسولًا في المطبخ... فذوقي رفيع. إذا قلت إن الطعام لذيذ؟ فهو لذيذ. وإن رأيتموني صامتًا... فاعلموا أن هناك شيئًا مريبًا. وهذا لا يجعل مني مُتكبراً أو نخبويًّا. عندي قدرة على تمييز الأطباق الجيدة ونكهاتها الدقيقة... لكنني لست صعب الإرضاء في حياتي اليومية. ضع أمامي قطعة زبدة بلدية، بعض الزيتون، خبز طازج، وكأس شاي... وسأكون أسعد إنسان. أو حتى بعض البطاطس المقلية بشكل جيد، بيضتان مقليتان، قليل من التين مع خبز منزلي... يكفيني ذلك.
في الحقيقة، أمي وأخواتي هنّ فقط من يعرفن هذه "الحساسية النقدية" لدي. حين أكون مدعوًّا، ألتزم الصمت احترامًا، ولا أتكلم إلا لمدح صادق. وإذا لم يعجبني الطبق، قولة "الله يخلف" تفي بالغرض. وإن أصرّوا عليّ، أقول "والله عاد كي كليت"... حتى وإن كُنت أكلت ثلاث حبّات كرز فقط قبل خروجي من المنزل... حتى لا تُسجّل في صفيحتي كِذبة.
في سنوات البقرات العجاف، كُنت أكتفي بما يوجد في الثلاجة. حتى "البوتي سويس" و"السيريلاك" (purée) المُخصص للرضّع كان ضمن احتمالاتي، ما دام فيه شيء من الفيتامينات والبروتينات. لكن بيننا: طعام الرُّضع ممل جدًا وذوقع فضيع. ولحسن الحظ أنهم لم يتعلمّوا بعد الكلام ليُعبّروا عن سخطهم كما أفعل الآن... فيا معشر النساء، رِفقًا بالرُّضع.
الطبخ يمكن تعلّمه، لكن لكل إنسان بصمته الخاصة، حتى وإن تشابهت المُكوّنات وطريقة التحضير. كما نقول عندنا: "كل امرا ومصيرها"، أي أن النكهة تُحدّدها اليد التي أعدّت الطبخ. وقد وصلت إلى قناعة - جرّاء تجاربي الشخصية - أن هناك نساء لا يمكنني ببساطة أكل طعامهن. لا يهم الطبق، ولا الوصفة... هناك دائمًا هالة غريبة. أحياناً اللون، أحياناً الشكل، أحيانًا ذِكرى (كشعرة وجدتها يوماً مثلا...). ثم هناك الشخص الذي يُقدّم الطعام. نحن نأكل بأعيننا أولاً. والدي أخبرني عن امرأة كانت تطبخ كالمحترفين. لكن إن كانت هي من يُقدّم الطعام... لا أحد يأكل. فكانوا يطلبون من شخص آخر أن يتولى الأمر. لم يخبرني لماذا، لكن يبدو أنه كان بها شيئًا منفّرًا... ربما لا تنظّف أسنانها، أو لا تغسل وجهها... سأسأله يومًا ما.
ثم نحن نأكل بآذاننا. فحتى لو كان الطبق لذيذًا والطاولة جميلة، تبقى المائدة شيئًا مقدّسًا. قد يكون الطعام شهيّاً، لكن الصحبة سيئة، وفي هذه الحالة أفقد شهيتي. الجوّ الثقيل، أو شخص يزعجك بمواضيع غير مناسبة أثناء الأكل... كفيل بإفساد كل شيء.
بالإضافة إلى ما ذكرنا، هناك نفسية الطباخ التي تلعب دورًا. لو طبخ الشخص بنفسية ركيكة (طبيخ الجميل - من غير نفس) تشعر به في طبخه. لأن كل ما هو حيّ يشعر بالطاقة: الماء، النباتات، الفواكه، الخضار... وبالتالي، الطبق كذلك. لكن الأمر يحتاج إلى حساسية معينة لإدراك ذلك. بعض الناس لديهم حاسة تذوق مخدّرة، يأكلون البولِسْتِرين مع الهريسة ويقولون عنه لذيذ! وبالمناسبة، أظن أن الفلفل الحار (عندما يُستخدم بكثرة) يطمس كل النكهات الأخرى... (لا لا أقصد التوانسة).
لدي نظرية، قد تبدو غريبة... لكني أؤمن بها إيمانًا راسخًا: جودة الطبق، أو "المصير ديال المرا"، يمكن استشعارها من يدها فقط. لا أتحدث عن الجمال، بل عن الهالة، الروح التي تنبعث من اليد. هناك تردّد خفي ألتقطه... إن لم تُعجبني يدها، يصعب أن يُعجبني طعامها. ولدي نظريات أخرى عن يد المرأة... نحن لا ندرك كم من المعلومات تنكشف من خلالها.
PS: بما أنني مغربي، وأملك فراسة فقيه سوسي. إن كنتِ تعانين سَيِّدَتي من النحس في يدك، فإن شئتِ يمكننا أن نحاول فكّ النحس، لكننا سنحتاج إلى قُنفذ، وبيضة بومة على الريق، وقليل من زنطيط فأر يتيم... بشرط إزالة كل آثار المانيكير، وإلا فلن تنجح الوصفة. وبالمناسبة... نسيت أن أذكر النساء اللاتي يتركن أظافرهنّ تطول... هذا وحده كافٍ ليفقدك الرغبة في تذوق أي شيء يطبخنه.