- إنضم
- 4 جوان 2011
- المشاركات
- 3,063
- نقاط التفاعل
- 3,058
- النقاط
- 191
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
محمد وآله و صحبه و من اتبع هداه
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
محمد وآله و صحبه و من اتبع هداه
وبعد ,
فعلى المسلم الذي يسعى لرضى الإله العظيم واتباع سنة رسوله الكريم أن يلتزم بتعاليم هذا الدين القويم , فيفعل ما يؤمر به و يبتعد عن ما يُنهى عنه
أي : " الالتزام و الاستقامة "
وكلنا نعلم أنه : 'من السهل الصعود الى القمة.....ولكن من الصعب الحفاظ عليها'
فبداية علينا أن نعلم ما معنى الاستقامة ؟
لغة : مصدر استقام مأخوذة من مادة (ق و م) التي تدل على معنيين : أحدهما جماعة من الناس، والآخر اعتدال أو حزم، والمعنى الثاني هو المراد.
و أما في الشرع : فمن أفضل التعريفات ما ذكره ابن رجب – رحمه الله - بقوله : " الاستقامة : هي سلوك الطريق المستقيم، وهو الدين القويم من غير تعويج عنه يمنة و لا يسرة، و يشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة و الباطنة و ترك المنهيات كلها كذلك "
وبالاستقامة تتحقق الخيرات وتحصل اللذة بالطاعات
فقال الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }[ فصلت30 ]
فما أعظمه من فضل وما أشرفها من منزلة , وكفى بها مبتغى
وفي الحديث عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الله الثَّقَفِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ قُلْ لِي فِي الإِسْلاَمِ قَوْلاً، لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحدا بَعْدَكَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ غَيْرَكَ قَالَ: «قُلْ آمَنْتُ بِالله ثُمَّ اسْتَقِمْ» .
ففي الحديث دليل على أن جماع الخير في الاستقامة بعد الإيمان و لأن شأنها عظيم أرشد النبي صلى الله عليه و سلم لها حينما سأله عن شيء جامع، و جواب النبي صلى الله عليه وسلم هو الموافق لقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. [الأحقاف: 13].
فلما كان شأن الاستقامة عظيماً وهي أيضا عزيزة أرشد إليها النبي صلى الله عليه و سلم بعد الإيمان، فمن الناس من يأتي بالإيمان اعتقاداً و قولاً و عملاً لكنه يعوجُّ في طريقه ويقصِّر في عمله، و الاستقامة هي الثبات على طريق الحق و الاستمساك به، فهي طريق النجاة، و لذا أمر الله عز وجل بها و رتب عليها فضائل عدة كما سيأتي.
و الاستقامة تكون في النيات و الأقوال و الأعمال
فمن زعم أنه استقام على شرع الله تعالى و ظاهره يخالف ذلك و تراه ربما يشير إلى صدره و يقول : ( التقوى هاهنا ) فزعمه باطل و دعواه كاذبة، فاستقامة القلب تنقاد إليها الجوارح , فهي امتحانه ودليله وكما قال الشاعر :
إن ما تدعيه حقاً كذَّبته شواهد الامتحان
و كذا من استقام ظاهره ولم يستقم قلبه فاستقامته مخرومة , فليست هي الاستقامة التي يريدها الله تعالى، فمن عمر قلبه بفتن الشهوات و ساء عمله حمل قلبا مسودَّاً أو قلبا قليل التعلق بربه و مهابته و خشيته و إجلاله و تعظيمه و التقرب إليه بالعبادات القلبية فأنى لقلبه استقامة؟
و غالبا ما يُظهر ما في القلب اللسان فتجده معبِّرا عما فيه , فمن ساء قوله فكان كذابا أو مغتابا أو نماما أو فاحشا بذيئا و نحو ذلك من آفات اللسان فأي لسان استقام معه؟
و لذا فإن الاستقامة تكون بالقلب و اللسان و الجوارح.
يقول ابن القيم رحمه الله : " و الاستقامة تتعلق بالأقوال و الأفعال والأحوال والنِّيَّات، فالاستقامة فيها وقوعها لله و بالله و على أمر الله. قال بعضهم: كن صاحب الاستقامة لا طالب الكرامة، فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، و ربك يطالبك بالاستقامة، فالاستقامة للحال بمنزلة الروح من البدن، فكما أن البدن إذا خلا عن الروح فهو ميت فكذلك إذا خلا عن الاستقامة فهو فاسد...و سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: أعظم الكرامة لزوم الاستقامة"
و يقول ابن رجب – رحمه الله - : " أصل الاستقامة استقامة القلب على التوحيد... فمتى استقام القلب على معرفة الله و على خشيته و إجلاله و مهابته و محبته و إرادته ورجائه و دعائه و التوكل عليه و الإعراض عما سواه، استقامت الجوارح كلها على طاعته، فإن القلب هو ملك الأعضاء، و هي جنوده فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه، و أعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح اللسان فإنه ترجمان القلب والمعبِّر عنه".
أمر الله عز و جل بالاستقامة و حث عليها في عدة آيات منها:
- قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }( فصلت 30 )
- و قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ( الأحقاف :14)
- و قوله تعالى : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ * غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} ( الفاتحة : 5،6 )
- و قوله تعالى :{ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ }(فصلت : 6 )
- و قوله تعالى :{ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}( هود :112 )
- و قوله تعالى :{قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} ( يونس : 89 )
- و قوله تعالى :{فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ } ( الشورى : 15 )
و غيرها من الآيات التي فيها الحث على سلوك الصراط المستقيم وهي كثيرة.
من ثمرات الاستقامة:
من تأمل الآيات السابقة عرف أن للاستقامة ثمرات عديدة منها:
1- تتنزل على أهل الاستقامة السكينة
قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} فالملائكة تتنزل عليهم بالسرور و الحبور و البشرى في مواطن عصيبة، قال وكيع :" البشرى في ثلاثة مواطن: عند الموت، و في القبر، و عند البعث "
2- الطمأنينة و السكينة
حيث قال تعالى:{ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا } أي لا تخافوا مما تقدمون عليه من أمور الآخرة، و لا تحزنوا على ما فاتكم من أمور الدنيا، و قال عطاء – رحمه الله - : " لا تخافوا ردَّ ثوابكم فإنه مقبول و لا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم "
3- البشرى بالجنة
فقال تعالى: { وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } وهذا هو الهدف الذي ينشده كل مسلم نسأل الله من واسع فضله.
4- سعة الرزق في الدنيا
قال تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً} ( الجن : 16 ) أي كثيراً و المراد بذلك سعة الرزق و كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" أينما كان الماء كان المال "
5- الانشراح في الصدر و الحياة الطيبة
قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ( النحل : 97 ) و من جاء بالاستقامة فقد عمل أحسن العمل فاستحق الحياة الطيبة الهنية.
ليس مفهوم الاستقامة عدم الوقوع في الذنب
بل لابد من الذنب ففي حديث أنس - رضي الله عنه - مرفوعا (( كل ابن آدم خطاء و خير الخطائين التوابون )) رواه أحمد و الترمذي .
و الله عز و جل أمر مع الاستقامة الاستغفار من الذنب مما يدل على أن الاستقامة قد يقع فيها خلل و هذا أمر وارد و يجبر بالاستغفار فقال تعالى:{ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ } (فصلت : 6 )
قال ابن رجب-رحمه الله - : "و في قوله عز وجل : { فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ } إشارة إلى أنه لابد من تقصير في الاستقامة المأمور بها، فيُجبَر ذلك بالاستغفار المقتضي للتوبة و الرجوع إلى الاستقامة، فهو كقول النبي صلى الله عليه و سلم لمعاذ رضي الله عنه : (( اتق الله حيثما كنت، و أتبع السيئة الحسنة تمحها )) و قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس لن يطيقوا الاستقامة حق الاستقامة فقال عليه الصلاة و السلام : ((استقيموا و لن تحصوا، و اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، و لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن )) و في رواية للإمام أحمد – رحمه الله - (( سددوا و قاربوا، و لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن )) و في الصحيحين: (( سددوا و قاربوا )) فالسداد : هو حقيقة الاستقامة، و هو الإصابة في جميع الأقوال و الأعمال و المقاصد... والمقاربة: أن يصيب ما قرب من الغرض إذا لم يصب الغرض نفسه، و لكن بشرط أن يكون مصمماً على قصد السداد و إصابة الغرض"
من معوقات الاستقامة
فكما أن للاستقامة مغذيات و مقويات فإن لها معوقات وتكون ، بإهمال الطاعات والتقلل منها، و ترك مجالس العلم و الذكر، وعدم مجاهدة النفس على الإخلاص وترك الدعاء و قراءة القرآن و مصاحبة أهل المعاصي وتتبع الرخص أو الغلو في الدين وكذلك التعرض للفتن و الشهوات و أماكن الغفلات كل هذه و غيرها مما تضعف الاستقامة، و يضاف إليها أيضا:
1- الاستهانة بالمعصية
فإذا كان العبد ممن يستهين بالمعاصي وفي الخلوات مع الشهوات كان ذلك سبباً في مرض قلبه و بعده عن ربه، و في مسند الإمام أحمد قال النبي صلى الله عليه و سلم:" إياكم و محقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه"
2- الانشغال بالدنيا عن الآخرة
قال النبي صلى الله عليه و سلم : (( ما الفقر أخشى عليكم و لكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، و تهلككم كما أهلكتهم )) متفق عليه،
و كذلك التوسع في المباحات يضعف القلب و يجر إلى التقصير في الواجبات.
3- الوسط السيء
فالوسط السيء سواء كان في الصحبة أو الوظيفة او الأسرة أو المجتمع بشكل عام مما يضعف الاستقامة، و تقدم قول الله تعالى: { وَلا تَرْكَنُوا إلَى الَذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} ( هود 13 )
أسأل الله أن يرزقنا إيمانا صادقا و استقامة ثابتة على طاعته إنه ولي ذلك و القادر عليه.
فعلى المسلم الذي يسعى لرضى الإله العظيم واتباع سنة رسوله الكريم أن يلتزم بتعاليم هذا الدين القويم , فيفعل ما يؤمر به و يبتعد عن ما يُنهى عنه
أي : " الالتزام و الاستقامة "
وكلنا نعلم أنه : 'من السهل الصعود الى القمة.....ولكن من الصعب الحفاظ عليها'
فبداية علينا أن نعلم ما معنى الاستقامة ؟
لغة : مصدر استقام مأخوذة من مادة (ق و م) التي تدل على معنيين : أحدهما جماعة من الناس، والآخر اعتدال أو حزم، والمعنى الثاني هو المراد.
و أما في الشرع : فمن أفضل التعريفات ما ذكره ابن رجب – رحمه الله - بقوله : " الاستقامة : هي سلوك الطريق المستقيم، وهو الدين القويم من غير تعويج عنه يمنة و لا يسرة، و يشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة و الباطنة و ترك المنهيات كلها كذلك "
وبالاستقامة تتحقق الخيرات وتحصل اللذة بالطاعات
فقال الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }[ فصلت30 ]
فما أعظمه من فضل وما أشرفها من منزلة , وكفى بها مبتغى
وفي الحديث عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الله الثَّقَفِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ قُلْ لِي فِي الإِسْلاَمِ قَوْلاً، لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحدا بَعْدَكَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ غَيْرَكَ قَالَ: «قُلْ آمَنْتُ بِالله ثُمَّ اسْتَقِمْ» .
ففي الحديث دليل على أن جماع الخير في الاستقامة بعد الإيمان و لأن شأنها عظيم أرشد النبي صلى الله عليه و سلم لها حينما سأله عن شيء جامع، و جواب النبي صلى الله عليه وسلم هو الموافق لقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. [الأحقاف: 13].
فلما كان شأن الاستقامة عظيماً وهي أيضا عزيزة أرشد إليها النبي صلى الله عليه و سلم بعد الإيمان، فمن الناس من يأتي بالإيمان اعتقاداً و قولاً و عملاً لكنه يعوجُّ في طريقه ويقصِّر في عمله، و الاستقامة هي الثبات على طريق الحق و الاستمساك به، فهي طريق النجاة، و لذا أمر الله عز وجل بها و رتب عليها فضائل عدة كما سيأتي.
و الاستقامة تكون في النيات و الأقوال و الأعمال
فمن زعم أنه استقام على شرع الله تعالى و ظاهره يخالف ذلك و تراه ربما يشير إلى صدره و يقول : ( التقوى هاهنا ) فزعمه باطل و دعواه كاذبة، فاستقامة القلب تنقاد إليها الجوارح , فهي امتحانه ودليله وكما قال الشاعر :
إن ما تدعيه حقاً كذَّبته شواهد الامتحان
و كذا من استقام ظاهره ولم يستقم قلبه فاستقامته مخرومة , فليست هي الاستقامة التي يريدها الله تعالى، فمن عمر قلبه بفتن الشهوات و ساء عمله حمل قلبا مسودَّاً أو قلبا قليل التعلق بربه و مهابته و خشيته و إجلاله و تعظيمه و التقرب إليه بالعبادات القلبية فأنى لقلبه استقامة؟
و غالبا ما يُظهر ما في القلب اللسان فتجده معبِّرا عما فيه , فمن ساء قوله فكان كذابا أو مغتابا أو نماما أو فاحشا بذيئا و نحو ذلك من آفات اللسان فأي لسان استقام معه؟
و لذا فإن الاستقامة تكون بالقلب و اللسان و الجوارح.
يقول ابن القيم رحمه الله : " و الاستقامة تتعلق بالأقوال و الأفعال والأحوال والنِّيَّات، فالاستقامة فيها وقوعها لله و بالله و على أمر الله. قال بعضهم: كن صاحب الاستقامة لا طالب الكرامة، فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، و ربك يطالبك بالاستقامة، فالاستقامة للحال بمنزلة الروح من البدن، فكما أن البدن إذا خلا عن الروح فهو ميت فكذلك إذا خلا عن الاستقامة فهو فاسد...و سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: أعظم الكرامة لزوم الاستقامة"
و يقول ابن رجب – رحمه الله - : " أصل الاستقامة استقامة القلب على التوحيد... فمتى استقام القلب على معرفة الله و على خشيته و إجلاله و مهابته و محبته و إرادته ورجائه و دعائه و التوكل عليه و الإعراض عما سواه، استقامت الجوارح كلها على طاعته، فإن القلب هو ملك الأعضاء، و هي جنوده فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه، و أعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح اللسان فإنه ترجمان القلب والمعبِّر عنه".
أمر الله عز و جل بالاستقامة و حث عليها في عدة آيات منها:
- قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }( فصلت 30 )
- و قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ( الأحقاف :14)
- و قوله تعالى : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ * غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} ( الفاتحة : 5،6 )
- و قوله تعالى :{ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ }(فصلت : 6 )
- و قوله تعالى :{ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}( هود :112 )
- و قوله تعالى :{قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} ( يونس : 89 )
- و قوله تعالى :{فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ } ( الشورى : 15 )
و غيرها من الآيات التي فيها الحث على سلوك الصراط المستقيم وهي كثيرة.
من ثمرات الاستقامة:
من تأمل الآيات السابقة عرف أن للاستقامة ثمرات عديدة منها:
1- تتنزل على أهل الاستقامة السكينة
قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} فالملائكة تتنزل عليهم بالسرور و الحبور و البشرى في مواطن عصيبة، قال وكيع :" البشرى في ثلاثة مواطن: عند الموت، و في القبر، و عند البعث "
2- الطمأنينة و السكينة
حيث قال تعالى:{ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا } أي لا تخافوا مما تقدمون عليه من أمور الآخرة، و لا تحزنوا على ما فاتكم من أمور الدنيا، و قال عطاء – رحمه الله - : " لا تخافوا ردَّ ثوابكم فإنه مقبول و لا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم "
3- البشرى بالجنة
فقال تعالى: { وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } وهذا هو الهدف الذي ينشده كل مسلم نسأل الله من واسع فضله.
4- سعة الرزق في الدنيا
قال تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً} ( الجن : 16 ) أي كثيراً و المراد بذلك سعة الرزق و كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" أينما كان الماء كان المال "
5- الانشراح في الصدر و الحياة الطيبة
قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ( النحل : 97 ) و من جاء بالاستقامة فقد عمل أحسن العمل فاستحق الحياة الطيبة الهنية.
ليس مفهوم الاستقامة عدم الوقوع في الذنب
بل لابد من الذنب ففي حديث أنس - رضي الله عنه - مرفوعا (( كل ابن آدم خطاء و خير الخطائين التوابون )) رواه أحمد و الترمذي .
و الله عز و جل أمر مع الاستقامة الاستغفار من الذنب مما يدل على أن الاستقامة قد يقع فيها خلل و هذا أمر وارد و يجبر بالاستغفار فقال تعالى:{ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ } (فصلت : 6 )
قال ابن رجب-رحمه الله - : "و في قوله عز وجل : { فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ } إشارة إلى أنه لابد من تقصير في الاستقامة المأمور بها، فيُجبَر ذلك بالاستغفار المقتضي للتوبة و الرجوع إلى الاستقامة، فهو كقول النبي صلى الله عليه و سلم لمعاذ رضي الله عنه : (( اتق الله حيثما كنت، و أتبع السيئة الحسنة تمحها )) و قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس لن يطيقوا الاستقامة حق الاستقامة فقال عليه الصلاة و السلام : ((استقيموا و لن تحصوا، و اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، و لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن )) و في رواية للإمام أحمد – رحمه الله - (( سددوا و قاربوا، و لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن )) و في الصحيحين: (( سددوا و قاربوا )) فالسداد : هو حقيقة الاستقامة، و هو الإصابة في جميع الأقوال و الأعمال و المقاصد... والمقاربة: أن يصيب ما قرب من الغرض إذا لم يصب الغرض نفسه، و لكن بشرط أن يكون مصمماً على قصد السداد و إصابة الغرض"
من معوقات الاستقامة
فكما أن للاستقامة مغذيات و مقويات فإن لها معوقات وتكون ، بإهمال الطاعات والتقلل منها، و ترك مجالس العلم و الذكر، وعدم مجاهدة النفس على الإخلاص وترك الدعاء و قراءة القرآن و مصاحبة أهل المعاصي وتتبع الرخص أو الغلو في الدين وكذلك التعرض للفتن و الشهوات و أماكن الغفلات كل هذه و غيرها مما تضعف الاستقامة، و يضاف إليها أيضا:
1- الاستهانة بالمعصية
فإذا كان العبد ممن يستهين بالمعاصي وفي الخلوات مع الشهوات كان ذلك سبباً في مرض قلبه و بعده عن ربه، و في مسند الإمام أحمد قال النبي صلى الله عليه و سلم:" إياكم و محقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه"
2- الانشغال بالدنيا عن الآخرة
قال النبي صلى الله عليه و سلم : (( ما الفقر أخشى عليكم و لكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، و تهلككم كما أهلكتهم )) متفق عليه،
و كذلك التوسع في المباحات يضعف القلب و يجر إلى التقصير في الواجبات.
3- الوسط السيء
فالوسط السيء سواء كان في الصحبة أو الوظيفة او الأسرة أو المجتمع بشكل عام مما يضعف الاستقامة، و تقدم قول الله تعالى: { وَلا تَرْكَنُوا إلَى الَذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} ( هود 13 )
أسأل الله أن يرزقنا إيمانا صادقا و استقامة ثابتة على طاعته إنه ولي ذلك و القادر عليه.
ومن كل ما سبق ذكره أردتُ أن يكون هذا الموضوع ترغيبا للمارين من هنا على الاستقامة و تحبيبا فيها
و أيضا أن يحتوي على تجارب لأعضاء ملتزمين أو في طريقهم للالتزام حول المعيقات التي تعترض طريقهم نحو طريق النجاة والفلاح
فحبذا لو يشاركنا الإخوة والأخوات بمشكلات وقعوا فيها و بعون الله نجحوا في التخلص منها وكذا بحلول فعلية بإمكان أي شخص يطمح للاستقامة قولا و فعلا أن يستفيد منها و ينجح في تطبيقها
و أيضا أن يحتوي على تجارب لأعضاء ملتزمين أو في طريقهم للالتزام حول المعيقات التي تعترض طريقهم نحو طريق النجاة والفلاح
فحبذا لو يشاركنا الإخوة والأخوات بمشكلات وقعوا فيها و بعون الله نجحوا في التخلص منها وكذا بحلول فعلية بإمكان أي شخص يطمح للاستقامة قولا و فعلا أن يستفيد منها و ينجح في تطبيقها
أرجو أن يُصحح لي إذا أخطأت
و أن أرى تشجيعات ومشاركات (بتجارب ونصائح) الأعضاء ممن نحسبهم صالحين وعلى استقامة و الله حسيبهم
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
و أن أرى تشجيعات ومشاركات (بتجارب ونصائح) الأعضاء ممن نحسبهم صالحين وعلى استقامة و الله حسيبهم
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته