الطفل المعجزة في عصر العولمة

سفير اللمة

:: عضو مُشارك ::
إنضم
21 مارس 2006
المشاركات
288
نقاط التفاعل
1
النقاط
7
غريبة فعلا قصة هذا الفتى البورمي الذي لاقيناه أيام منى، والذي كان عمره لا يتجاوز التسع سنوات، إلا أنه كان يحمل في جوفه وبين جنبات صدره كنزا ثمينا، فبينما كنت أنا والشيخ محمد الجهمي رئيس حملة دار الإيمان ننتظر مجيء الحافلات التي تنقل الحجاج من منى إلى مكة المكرمة، إذ بصبية صغار يبدو وكأنهم من جنوب شرق آسيا، يلعبون في مخيمات منى، حفاة ونصف عراة، ثيابهم متسخة وبعضها ممزق ومقطع، عليهم أثر الفقر والفاقة والحرمان، كان من بينهم طفل عليه علامات النجابة والذكاء، يفترش الأرض ويبيع القهوة والشاي للحجاج في منى، كان وكأنه زعيمهم، يأتمرون بأمره، ويلوذون به عند الحاجة، وأنا أرقب تحركاتهم وسكناتهم، ناديت على ذلك الصبي، سألته: "ما اسمك". قال: "اسمي عمر". قلت له: "ومن أين أنت". قال: "أنا من بورما". فأخذنا نسأله أنا والشيخ محمد الجهمي، رئيس الحملة، والطفل يجيب عن أسئلتنا وابتسامته المشرقة تعلو محياه الصغير، حتى سأله الشيخ محمد هل تحفظ شيئا من القرآن، فأومأ الطفل برأسه أن نعم، فقال له الشيخ محمد وكم تحفظ من القرآن يا عمر، فكانت المفاجأة التي أذهلتنا، أجاب الطفل بلكنة عربية ضعيفة: "كلّو"، أي يحفظ كل القرآن.

للوهلة الأولى لم نصدق ما يقوله الطفل، وخاصة أنه أتبع إجابته بضحكة قوية متتابعة تستشف من خلالها أنه قد يكون مازحًا أو ربما كاذباً، فبدأ الشيخ محمد في اختبار الطفل، وطلب منه أن يقرأ سورة البقرة، وكأن الشيخ محمد أراد في عجالة أن يعجل بإنهاء الحديث مع الطفل، ويبين له كم كان كاذباً عندما ادعى حفظ القرآن الكريم كاملا، لكن الطفل لم يمهلنا حتى بدأ بقراءة سورة البقرة بصوت ندي تطرب له الآذان، واستمر الشيخ محمد يسأل الطفل، والطفل يجيب، اقرأ بداية سورة آل عمران، والطفل يجيب ويرتل، اقرأ سورة الأنعام، والطفل يجيب، اقرأ سورة التوبة والطفل يرتل، ثم انتقل الشيخ محمد بأسئلته عن مواقع الآيات ونهاية السور، وكأن الشيخ محمد يمعن في قسوة الاختبار، إلا أن الطفل كان يجيب ويقرأ بأحكام وتلاوة وترتيل عجيب، وبعد حديث مطول مع الصبي ومع خاله الذي انضم إلينا لاحقا، تبين أن الطفل عمر يتيم الأب، وهو سليل أسرة محبة لكتاب الله، وله عدد من الإخوة كلهم يحفظ القرآن، ربتهم أمهم بعد وفاة أبيهم على حب كتاب الله عز وجل، والعيش في كنفه.

وانتهى الحديث مع الطفل عمر بأن اتفق أحد الحجاج الذين رأوا المشهد الرائع مع خال الطفل، بأن يتكفل ذلك الحاج بمصاريف ذلك الطفل عن طريق راتب شهري للطفل يكفيه إلى أن يكبر ويتخرج من الجامعة ويتزوج، ويفتح حلقة تحفيظ للقرآن الكريم، ويعلم أبناء المسلمين كما تعلم الطفل عمر.

ليس الشاهد من هذه القصة مسألة الغرابة، أو حداثة سن الطفل البورمي فحسب - وإن كانت غريبة فعلا- فهناك الكثير من أطفال المسلمين يحفظون القرآن ويستجمعونه في صدورهم برغم حداثة أعمارهم، شأنهم شأن الطفل البورمي عمر، إنما الشاهد هو ظروف الطفل عمر القاسية والتي تبدو من خلال ملابسه الرثة التي كان يرتديها، وبيعه للقهوة والشاي مفترشا الأرض، ولا حذاء له يحميه من عوالق ومؤذيات الأرض، على الرغم من أنه من حفظة القرآن الكريم؛ وهو ما يدمي القلب حقيقة،

تساءلت حينها في نفسي ألم يكن حريا بمثل هذا الطفل أن يكرم هو ويكرم أهله معه، وتكرم أمه التي أرضعته حب القرآن الكريم، حتى صار ابنها من أهل الله وخاصته؟ ولعل عمر وجد من حجاج بيت الله من يكرمه ويتكفل به حسب جهده وطاقته وقدرته، لكن هل يجد أمثال عمر من أطفال المسلمين الفقراء والمتميزين من يتكفل بهم ويعينهم على لأواء الحياة وقسوتها؟ نتمنى ذلك.
 
يسلمو الايادي
بارك الله فيك
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top