ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

seifellah

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
16 جانفي 2009
المشاركات
5,964
نقاط التفاعل
7,169
النقاط
351
بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف النبيين والمرسلين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا وبعد:


فهذا فصل نفيس في جزء لطيف، تكلم فيه ابن القيم الجوزية رحمه الله عن صفة الصلاة في مواضع من كتبه، بطريقة مبتكرة، لم يسبق إليها فيما أعلم. حيث تكلَّم عن لُبَّ الصلاة ومخها، وهو الخشوع من التكبير إلى التسليم، فأتى فيه بكل عجيب ومفيد.


أما الموضع الأول: فذكره في طيَّات كتابه عن مسألة السَّماع([1]) وقال في آخره: «فهذه إشارة ما، ونبذة يسيرة جدًا في ذَوق الصلاة».


والموضع الثاني: ففي كتابه عن الصلاة وحكم تاركها([2]) ولما كان هذا الفصل على نفاسته مغمورًا بين تلك الصفحات، كان من المفيد جدًا إفراده ليعمَّ نفعه المسلمين كافة, معنونًا بكلمات تناسب فقراته.


والموضع الثالث: في رسالة له إلى أحد إخوانه.
وعن كلمة الذوق قال ابن تيمية رحمه الله: «فلفظ الذوق يستعمل في كل ما يحسُّ به ويجد ألمه أو لذته»([3]).


وقال أيضًا: «فهذان الحديثان الصحيحان هما أصل فيما يُذْكرُ من الوَجْد والذَوْق الإيماني الشرعي دون الضلالي البدعي» ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًا».


وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار»([4]).


ونقل ابن القيم عن شيخه ابن تيمية قال: «إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحًا فاتَّهمْه فإن الربَّ تعالى شكور».


قال ابن القيم معقبًا عليه: «يعني أنه لا بد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه وقوة انشراح وقرة عين، فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول»([5]) أ.هـ كلامه.

http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=291#_ftnref1[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][1][/FONT][/FONT][FONT=&quot])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]طبعه دار العاصمة بالرياض عام 1409 هـ بتحقيق راشد الحمد، وقد أثبت أهم تعليقاته على النص.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=291#_ftnref2[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][2][/FONT][/FONT][FONT=&quot])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]طبعته مؤسسة الرسالة عام 1405هـ بتحقيق تيسير زعيتر وقد أثبت أهم تعليقاته على النص، مع تصويب ما يلزم بطبعة دار ابن كثير بتحقيق محمد نظام الدين.[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=291#_ftnref3[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][3][/FONT][/FONT][FONT=&quot])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]الفتاوى (7/109).[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=291#_ftnref4[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][4][/FONT][/FONT][FONT=&quot])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]الفتاوى (10/48).[/FONT]

http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=291#_ftnref5[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][5][/FONT][/FONT][FONT=&quot])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]مدارج السالكين (منزلة المراقبة).[/FONT]
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

[FONT=&quot] [/FONT]​
الرسالة الأولى:
قال ابن القيم رحمه الله



حقيقة الصلاة

لا ريب أن الصلاة قرة عيون المحبين، ولذة أرواح الموحدين، ومحك أحوال الصادقين، وميزان أحوال السالكين، وهي رحمته المهداة إلى عبيده هداهم إليها وعرفهم بها رحمة بهم وإكرامًا لهم؛ لينالوا بها شرف كرامته، والفوز بقربه، لا حاجة منه إليهم، بل منه منًا وفضلاً منه عليهم، وتعبد بها القلب والجوارح جميعًا، وجعل حظ القلب منها أكمل الحظين وأعظمهما وهو إقباله على ربه سبحانه وفرحه وتلذذه بقربه وتنعمه بحبه وابتهاجه بالقيام بين يديه وانصرافه حال القيام بالعبودية عن الالتفات إلى غير معبوده، وتكميل حقوق عبوديته حتى تقع على الوجه الذي يرضاه.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

الصلاة مأدبة وغيث



ولما امتحن سبحانه عبده بالشهوات وأسبابها من داخل فيه وخارج عنه، اقتضت تمام رحمته به وإحسانه إليه أن هيَّأ له مأدبة قد جمعت من جميع الألوان والتحف والخِلَع وال****ا، ودعاه إليه كل يوم خمس مرات، وجعل كل لون من ألوان تلك المأدبة لذة ومنفعة ومصلحة لهذا العبد الذي قد دعاه إلى المأدبة ليست في اللون الآخر؛ لتكمل لذة عبده في كل لون من ألوان العبودية، ويكرمه بكل صنف من أصناف الكرامة، ويكون كل فعل من أفعال تلك العبودية مكفرًا لمذموم كان يكرهه بإزائه, وليثبه عليه نورًا خاصًا وقوة في قلبه وجوارحه وثوابًا خاصًا يوم لقائه.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

الصدور من المأدبة




فيصدر المدعو من هذه المأدبة وقد أشبعه وأرواه وَخَلَعَ عليه بخلَع القبول وأغناه؛ لأن القلب كان قبل قد ناله من القحط والجدب والجوع والظمأ والعُري والسقم ما ناله، فأصدره من عنده وقد أغناه عن الطعام والشراب واللباس والتحف ما يغنيه.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

تجديد الدعوة




ولما كانت الجدوب متتابعة، وقحط النفوس متواليًا، جدد له الدعوة إلى هذه المأدبة وقتًا بعد وقت رحمة منه به، فلا يزال مستسقيًا مَنْ بيده غيث القلوب وسقيها مستمطرًا سحائب رحمته؛ لئلا ييبس ما أنبتته له تلك من كلأ الإيمان وعشبه وثماره، ولئلا تنقطع مادة النبات والقلب في استسقاء واستمطار، هكذا دائمًا يشكو إلى ربه جدبه وقحطه وضرورته إلى سقيا رحمته، وغيث بره فهذا دأب العبد أيام حياته.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

الغفلة قحط


فإن الغفلة التي تتنزل بالقلب هي القحط والجدب، فما دام في ذكر الله والإقبال عليه فغيث الرحمة واقع عليه كالمطر المتدارك، فإذا غفل ناله من القحط بحسب غفلته قلة وكثرة، فإذا تمكنت الغفلة واستحكمت صارت أرضه ميتة، وسنته جرداء يابسة، وحريق الشهوات فيها من كل جانب كالسمايم([1]).

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1874201#_ftnref1[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][1][/FONT][/FONT][FONT=&quot])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]السمايم: الريح الحارة. لسان العرب (12/304).[/FONT]
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

عاقبة الغفلة



وإذا تدارك عليه غيث الرحمة اهتزت أرضه وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، فإذا ناله القحط والجدب كان بمنزلة شجرة رطوبتها ولينها وثمارها من الماء، فإذا منعت من الماء يبست عروقها وذبلت أغصانها، وحبست ثمارها وربما يبست الأغصان والشجرة، فإذا مددت منها غصنًا إلى نفسك لم يمتد ولم ينقد لك وانكسر فحينئذ تقتضي حكمة قيم البستان قطع تلك الشجرة وجعلها وقودًا للنار.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

يبوسة القلب



فكذلك القلب، إنما ييبس إذا خلا من توحيد الله وحبه ومعرفته وذكره، ودعائه فتصيبه حرارة النفس، ونار الشهوات فتمتنع أغصان الجوارح من الامتداد إذا مددتها والانقياد إذا قدتها، فلا تصلح بعد هي والشجرة إلا للنار: [FONT=&quot]}أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ[FONT=&quot]{[/FONT] [الزمر: 22].[/FONT]​
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

مطر القلب


فإذا كان القلب ممطورًا بمطر الرحمة كانت الأغصان لينة منقادة رطبة، فإذا مددتها إلى أمر الله انقادت معك، وأقبلت سريعة لينة وادعة، فجنيت منها من ثمار العبودية ما يحمله كل غصن من تلك الأغصان ومادتها من رطوبة القلب وريه, فالمادة تعمل عملها في القلب والجوارح، وإذا يبس القلب تعطلت الأغصان من أعمال البر؛ لأن مادة القلب وحياته قد انقطعت منه فلم تنشر في الجوارح، فتحمل كل جارحة ثمرها من العبودية.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

استعمال الجوارح




ولله في كل جارحة من جوارح العبد عبودية تخصه، وطاعة مطلوبة منها، خلقت لأجلها وهيَّئت لها.



والناس بعد ذلك ثلاثة أقسام:



أحدها: مَن استعمل تلك الجوارح فيما خُلقت له وأُريد منها، فهذا هو الذي تاجر مع الله بأربح التجارة وباع نفسه لله بأربح البيع، والصلاة وضعت لاستعمال الجوارح جميعها في العبودية تبعًا لقيام القلب بها.



الثاني: مَن استعملها فيما لم تُخلَق له، ولم يُخلق لها، فهذا هو الذي خاب سعيه وخسرت تجارته، وفات رضى ربه عنه وجزيل ثوابه وحصل على سخطه وأليم عقابه.



الثالث: مَنْ عَطَّلَ جوارحَه وأماتها بالبطالة، فهذا أيضًا خاسر أعظم خسارة، فإن العبد خلق للعبادة والطاعة لا للبطالة، وأبغض الخلق إلى الله البطال الذي هو لا في شغل الدنيا ولا في سعي الآخرة، فهذا كَلٌ على الدنيا والدين.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

جوارح الطاعة

فالأول: كرجل أُقْطع أرضًا واسعة وأُعين بآلات الحرث والبذار، وأُعطيَ ما يكفيها لسقيها، فحرثها وهيّأها للزراعة وبذر فيها من أنواع الغلال، وغرس فيها من أنواع الثمار والفواكه المختلفة الأنواع، ثم لم يهملها بل أقام عليها الحرس وحفظها من المفسدين وجعل يتعاهدها كل يوم فيصلح ما فسد منها، ويغرس عوض ما يبس وينفي دغلها ويقطع شوكها، ويستعين بمغلها على عمارتها.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

جوارح المعصية



والثاني: بمنزلة رجل أخذ تلك الأرض فجعلها مأوى للسباع والهوام ومطرحًا للجيف والأنتان، وجعلها معقلاً يأوي إليه كل مفسد ومؤذ ولص، وأخذ ما أعين به على بذارها وصلاحها, فصرفه معونة ومعيشة لمن فيها من أهل الشر والفساد.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

جوارح البطالة

والثالث: بمنزلة رجل عطلها وأهملها وأرسل ذلك الماء ضائعًا في القفار والصحاري فقعد مذمومًا محسورًا.


فهذا مثال أهل الغفلة، والذي قبله مثال أهل الخيانة والجناية، والأول مثال أهل اليقظة والاستعداد لما خلقوا له.


فالأول: إذا تحرك أو سكن أو قام أو قعد أو أكل أو شرب أو نام أو لبس أو نطق أو سكت كان ذلك كله له لا عليه، وكان في ذكر وطاعة وقربة ومزيد.
والثاني: إذا فعل ذلك كان عليه لا له، وكان في طرد وإبعاد وخسران.
والثالث: إذا فعل ذلك كان في غفلة وبطالة وتفريط.
فالأول يتقلب فيما يتقلب فيه بحكم الطاعة والقربة.
والثاني: يتقلب في ذلك بحكم الخيانة والتعدي, فإن الله لم يملكه ما ملكه ليستعين به على مخالفته، فهو جان متعد خائن لله في نعمه، معاقب على التنعم بها في غير طاعته.
والثالث: يتقلب في ذلك ويتناوله بحكم الغفلة وبهجة النفس وطبيعتها، لم يبتغ بذلك رضوان الله والتقرب إليه، فهذا خسران بَيِّنٌ إذ عطل أوقات عمره التي لا قيمة لها عن أفضل الأرباح والتجارب.


فدعا الله سبحانه الموحدين إلى هذه الصلوات الخمس رحمة منه عليهم، وهيأ لهم فيها أنواع العبادة؛ لينال العبد من كل قول وفعل وحركة وسكون حظه من ****اه.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

وافد الملك


وكان سِرُّ الصلاة ولبها إقبال القلب فيها على الله وحضوره بكليته بين يديه فإذا لم يقبل عليه واشتغل بغيره وَلَهًا بحديث النفس، كان بمنزلة وافد وفد إلى باب الملك معتذرًا من خطئه وزلِله, مستمطرًا لسحايب جوده ورحمته, مستطعمًا له ما يقوت قلبه؛ ليقوى على القيام في خدمته، فلما وصل إلى الباب ولم يبق إلا مناجاة الملك التفت عن الملك وزاغ عنه يمينًا أو ولاه ظهره، واشتغل عنه بأمقت شيء إلى الملك وأقله عنده قدرًا فآثره عليه وصيره قبلة قلبه، ومحل توجهه، وموضع سره، وبعث غلمانه وخدمه، ليقفوا في طاعة الملك، ويعتذروا عنه وينوبوا عنه في الخدمة، والملك شاهد ذلك ويرى حاله.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

كرم الملك




ومع هذا فكرم الملك وجوده وسعة بره وإحسانه يأبى أن ينصرف عنه تلك الخدم والأتباع فيصيبها من رحمته وإحسانه.



لكن فَرْقٌ بين قسمة الغنائم على أهل السُّهمان من الغانمين وبين الرضخ([1]) لمن لا سهم له: [FONT=&quot]}وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ[FONT=&quot]{[/FONT] والله سبحانه خلق هذا النوع الإنساني لنفسه واختصه وخلق له كل شيء كما في الأثر الإلهي: «ابن آدم خلقتك لنفسي, وخلقت كل شيء لك، فبحقي عليك لا تشتغل بما خلقته لك عما خلقتك له».[/FONT]

وفي أثر آخر: «خلقتك لنفسي فلا تلعب، وتكفلت برزقك فلا تتعب، ابن آدم، اطلبني تجدني، وإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا خير لك من كل شيء».

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1874201#_ftnref1[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][1][/FONT][/FONT][FONT=&quot])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]الرضخ: العطية القليلة. انظر النهاية لابن الأثير (2/228).[/FONT]
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

سبب القرب



وجعل الصلاة سببًا موصلاً له إلى قربه ومناجاته ومحبته والأنس به، وما بين صلاتين تحدث له الغفلة والجفوة والإعراض والزلات والخطايا، فيبعده ذلك عن ربه، وينحيه عن قربه، ويصير كأنه أجنبي عن العبودية ليس من جملة العبيد، وربما ألقى بيده إلى أسر العدو فأسره وغله وقيده وجنه في سجن نفسه وهواه, فحظه ضيق الصدر ومعالجة الهموم والغموم والأحزان والحسرات، ولا تدري السبب في ذلك.



فاقتضت رحمة ربه الرحيم به أن جعل له من عبوديته عبودية جامعة مختلفة الأجزاء والحالات، بحسب اختلاف الأحداث التي جاءت من العبد وبحسب شدة حاجته إلى نصيبه من كل خير من أجزاء تلك العبودية.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

طهارة القدوم

فبالوضوء يتطهر من الأوساخ ويقدم على ربه متطهرًا والوضوء له ظاهر وباطن، وظاهره طهارة البدن وأعضاء العبادة، وباطنه وسره طهارة القلب من أوساخه وأدرانه بالتوبة ولهذا يقرن سبحانه بين التوبة والطهارة في قوله: [FONT=&quot]}إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ[FONT=&quot]{[/FONT] [البقرة: 222] وشرع النبي صلى الله عليه وسلم للمتطهر بعد فراغه من الوضوء أن يتشهد ثم يقول: «اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين»([1]). فكمل له مراتب الطهارة باطنًا وظاهرًا.[/FONT]


فإنه بالشهادة يتطهر من الشرك، وبالتوبة يتطهر من الذنوب، وبالماء يتطهر من الأوساخ الظاهرة فشرع أكمل مراتب الطهارة قبل الدخول على الله والوقوف بين يديه، فلما طهر ظاهرًا وباطنًا أذن له بالدخول عليه بالقيام بين يديه إذ يخلص من الإباق بمجيئه إلى داره ومحل عبوديته.


ولهذا كان المجيء إلى المسجد من تمام عبودية الصلاة الواجبة عند قوم والمستحبة عند آخرين.

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1874201#_ftnref1[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][FONT=&quot][1][/FONT][/FONT][FONT=&quot])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرجه الترمذي، كتاب الطهارة، باب فيما يقال بعد الوضوء (1/77).[/FONT]
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

استقبال القبلة



والعبد كان في حال غفلته كالآبق عن ربه وقد عطل جوارحه وقلبه عن الخدمة التي خُلِق لها، فإذا جاء إليه فقد رجع من إباقه فإذا وقف بين يديه موقف العبودية والتذلل والانكسار، فقد استدعى عَطْف سيده عليه وإقباله عليه بعد الإعراض.



وأمر بأن يستقبل القبلة بيته الحرام بوجهه، ويستقبل الله عز وجل بقلبه لينسلخ مما كان فيه من التولي والإعراض، ثم قام بين يديه مقام الذليل الخاضع المسكين المستعطف لسيده وألقي بيديه مسلمًا مستسلمًا ناكس الرأس خاشع القلب مطرق الطرف لا يلتفت قلبه عنه ولا طرفه يمنة ولا يسرة بل قد توجه بقلبه كله إليه وأقبل بكليته عليه.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

حقيقة التكبير




ثم كَبَّرَه بالتعظيم والإجلال وواطأ قلبه في التكبير لسانه فكان الله أكبر في قلبه من كل شيء وصدق هذا التكبير بأنه لم يكن في قلبه شيء أكبر من الله يشغله عنه، فإذا اشتغل عن الله بغيره وكان ما اشتغل به أهم عندهم من الله كان تكبيره بلسانه دون قلبه.



فالتكبير:



1- يخرجه من لبس رداء التكبر المنافي للعبودية.

2- ويمنعه من التفات قلبه إلى غير الله.

فإذا كان الله عنده وفي قلبه أكبر من كل شيء منعه حق قول الله أكبر والقيام بعبودية التكبير عن هاتين الآفتين اللتين هما من أعظم الحجب بينه وبين الله.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

دعاء الاستفتاح



فإذا قال: «سبحانك اللهم وبحمدك» وأثنى على الله بما هو أهله، فقد خرج عن الغفلة التي هي حجاب أيضًا بينه وبين الله.

وأتى بالتحية والثناء الذي يخاطب به الملك عند الدخول عليه تعظيمًا له وتمجيدًا ومقدمة بين يدي حاجته، فكان في هذا الثناء من أدب العبودية ما يستجلب به إقباله عليه ورضاه عنه وإسعافه بحوائجه.
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top