بسم الله الرحمن الرحيم
السبت 27 محرم 1430
الموافق لـ24 جانفي 2009
بيان: حكم دفع الزكاة للأنظمة والسلطة الفلسطينية المتخاذلة.
* الحمد لله القائل في كتابه العزيز "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين"البقرة249، والقائل جلّ جلاله "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"النساء05، الصلاة والسلام على أشرف المرسلين القائل "إنما النصر مع الصبر" وهو القائل أيضا "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع.....وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه؟" وعلى اله وصحبه أجمعين.
* مما لا شك فيه عند أولي الألباب أن الحرب في غزة وأرض الإسراء والمعراج لم تضع بعد الحرب أوزارها كما يحاول الترويج له سياسيا وإعلاميا، ذلك أن الحرب لا يمكن أن تضع أوزارها إلا بعد التحرير والاستقلال واسترجاع الحقوق المغتصبة، وهذه حقيقة يجب أن لا يغفل عنها ذي لبّ، غير أنه ما إن توقف إطلاق النار من طرف الكيان الصهيوني الغاشم الأثيم حتى طفت على السطح أصوات منكرة، تسعى حثيثا لتشويه حركة الجهاد والمقاومة والنيل من سمعتها وصمودها وثباتها حسدا من عند أنفسهم ويتزعم هذه الأصوات النشاز الشاذة ساسة مرتزقة فاسدون، وعلماء سوء مأجورون وفضائيات عربية اللفظ عبرية المضمون، ومما زاد الطين بلةّ والقلب علة، الخلاف المرير حول الجهة الجديرة باستلام الأموال التي رصدت لإعمار غزة بعد الدمار الشامل الذي لحقها على يد الطغمة الصهيونية المعتدية، ونتج عن هذا الخلاف المؤسف الذي شاهده العام والخاص على شاشات الفضائيات العربية والغربية والسؤال محير لدى جماهير الشعوب العربية والإسلامية، لمن تعطى أموال الزكوات والصدقات والإعانات؟ أللسلطة الفلسطينية التي تندد على لسان رئيسها أبو مازن وعصابته بالمقاومة والمقاومين، أم تسلم للمجاهدين المقاومين وعلى رأسهم حركة حماس التي حقق الله تعالى على يدها نصرا هشت له قلوب جماهير الشعوب العربية والإسلامية، ورد الله كيد الصهاينة الغاصبين، لم ينالوا خيرا؟، وأدرك اليهود أن إرادة المقاومة أقوى من الإسمنت المسلح الذي قصف بالحمم وأصبح أطلالا وأثرا بعد عين.
* في ظل ما سبق ذكره، أفتى بعض علماء السلطان بتسليم أموال الزكوات والصدقات والمساعدات المختلفة إلى الجهات الرسمية التي تشرف عليها الأنظمة العربية التي خذلت المقاومة على أكثر من صعيد، فعلى الصعيد السياسي لم تتخذ قرارات سياسية تدعم المقاومة، بل بعضها جرّمها وتمنى أن يقضى عليها على يد الصهاينة المعتدين وانتصر لعصابة أبي مازن المتخاذلين، وعلى الصعيد العسكري، حرموا المقاومة من سلاح الدفاع عن النفس، وعلى الصعيد الشعبي، قمعوا وسجنوا المتظاهرين الهاتفين بدعم المجاهدين في غزة، وعلى الصعيد الشرعي، غلقوا الأبواب في وجه المتطوعين للجهاد في أرض ثالث الحرمين الشريفين، وعلى الصعيد الإنساني، سبقتهم إلى ذلك دول وشعوب العالم الغربي، بل إن المظاهرات الكبرى كانت في قلب أوروبا، فهل مع كل هذا التخاذل يجوز شرعا أن تدفع الأموال إلى هذه الأنظمة ثم تحولها إلى عصابة أبي مازن التي تستهزئ بالجهاد والمجاهدين والمقاومة والمقاومين؟!!!، وقبل الشروع في الرد على علماء السلطان وبيان خطرهم على الأمة، وتفصيل القول فيمن يجوز شرعا أن تعطى له الزكاة، والمساعدات المادية المختلفة، يجب أن ننبه إلى مصادر الأموال المرصودة للإعمار، ويمكن حصرها فيما يلي:
1- الدول والأنظمة العربية، 2-الدول الإسلامية، 3- الدول الغربية، 4- بعض المؤسسات الدولية الإنسانية، 5-الشعوب العربية والإسلامية وبقية الشعوب الغربية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية إنسانيا، ولا شك أن مصادر الشعوب العربية والإسلامية المعتمدة على صرف الزكاة والصدقات تفوق بكثير ما ترصده الدول والمؤسسات السالفة الذكر، ولو فسح لأبناء هذه الشعوب المجال للإعمار بأنفسهم لعمروها في بضعة أشهر، ولكن الأنظمة العميلة ما زالت تصر على غلق الأبواب في وجه المجاهدين والمساعدين في الإعمار، وهناك سؤال بالغ الخطورة يجب أن يطرح، إلا وهو "هل الأموال المرصودة تقتصر على الإعمار المادي أم يجوز صرف بعضها في الإعمار، وبعضها في التسليح وشراء العتاد العسكري لرد العدوان وبعضها لكفالة اليتامى الأرامل والجرحى، وفي الحديث "من جهز غازيا في سبيل الله، فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله بخير، فقد غزا" وما هو شكل هذا الإعمار المادي، أهو إعمار دولة مستقلة أم دولة مستعمرة، مهددة بالدمار بعد الإعمار؟!!، ، كل هذه الأسئلة يجب أن تجد الإجابة الشافية الواضحة. ولا شك أن النصرة لإخواننا في غزة المجاهدة ما زالت متواصلة خاصة بحق العلماء والدعاة، إذ يجب عليهم الإجابة الشرعية على ما سبق طرحه من أسئلة هامة، إزالة للغبش واللبس الذي يحاول علماء السلطان غرسه في الأذهان والله المستعان.
* لقد ابتلت الأمة الإسلامية في تاريخها القديم والحديث بنوع من العلماء كانوا وبالا على الشعوب المسلمة وقد وجد فيهم طغاة الحكام أداة طيّعة لتخذير الشعوب وتدجينها واتخاذهم برادع لتمرير وتبرير سياسات جائرة، تضر بمصالح الشعوب العامة، فضلا عن الإمعان في إذلال الناس، كما وجد فيهم –قديما- الاستعمار الخارجي، آلة لتبرير الاستعمار وإضفاء الشرعية عليه، والأمثلة لمثل هؤلاء العلماء الذين ساروا في ركاب الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي تفوق الحصر لمن استنطق صفحات التاريخ، وقد حذر السلف الصالح الأوائل من علماء السوء أو علماء السلطان الذين ينزلون على هوى السلطان لا على هدي القرآن، وتقسيم العلماء إلى قسمين علماء السلطان وعلماء الرحمن ليس تقسيما محدثا أو بدعة أحدثناها، بل هو تقسيم له أصل في الكتاب والسنة وآثار السلف الأوائل، قال تعالى "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين" الأعراف175، قال ابن تيمية رحمة الله "هذا مثل علماء السوء" وقال الجشمي رحمه الله "بين في هذه الآية حال علماء السوء الذين يختارون الدنيا على الآخرة"، وقال ابن عمر رض الله عنه "علماء السوء جسور جهنم" وقال الثوري رحمه الله "لله قرّاء وللشيطان قرّاء، وصنفان إذا صلحا، صلح الناس، السلطان والقرّاء" وقال الغزالي رحمه الله "فمن المهمات العظيمة معرفة العلامات المفرقة بين علماء الدنيا وعلماء الآخرة، ونعني بعلماء الدنيا، علماء السوء"، ولله در العالم المجاهد عبد الله بن المبارك رحمه الله إذ يقول: وهل أفسد الدين إلا الملوك * وأحبار سوء ورهبانها.
والتحذير من علماء السوء ووعّاظ السلاطين ليس مقصورا على العلماء الأقدمين بل وقع التحذير منهم وبيان مخاطرهم على الأمة من العلماء في كل عصر ومصر، قال محمد رشيد رضا رحمه الله "ولو أنهم –أي العلماء- أقاموا الكتاب كما أمروا بالبيان له والعمل به وإلزام الحكام بهديه لما عمّ الفسق والفجور" وقال شكيب أرسلان رحمه الله "لقد عهد الإسلام إلى العلماء بتقويم أود الأمراء ......إلا أنه بمرور الأيام خلف من بعد هؤلاء خلف اتخذوا العلم مهنة للعيش وجعلوا الدين مصيدة للدنيا، فسوغوا للفاسقين من الأمراء أشنع الموبقات وأباحوا لهم باسم الدين خرق حدود الدين. هذا والعامة المساكين مخدوعون بعظمة عمائم هؤلاء العلماء وعلو مناصبهم، يظنون فتياهم صحيحة وآراءهم موافقة للشريعة والفساد بذلك يعظم ومصالح الأمة تذهب والإسلام يتقهقر والعدو يعلو ويتنمر، وكل هذا إثمه في رقاب هؤلاء العلماء"، وخير من بين مفاسد علماء السوء الإمام ابن الجوزي رحمه الله في كتابه الفذ "تلبيس إبليس" حيث قال "ومن تلبيس إبليس على الفقهاء مخالطتهم الأمراء والسلاطين ومداهنتهم وترك الإنكار عليهم مع القدرة على ذلك، وربما رخصوا لهم فيما لا رخصة لهم فيه لينالوا من دنياهم عرضا، فيقع بذلك الفساد لثلاثة أوجه، الأول: الأمير، يقول لو لا أني على صواب لأنكر علي الفقيه، وكيف لا أكون مصيبا وهو يأكل من مالي، الثاني: العامّي، يقول لا بأس بهذا الأمير، ولا بماله، ولا بأفعاله فإن فلانا الفقيه لا يبرح عنده، الثالث: الفقيه، فإنه يفسد دينه بذلك"، وعلماء السوء قد يتولون مناصب عند السلطان وقد يكونون خارج دائرة السلطان، وقد يتولى أحد العلماء منصبا عند السلطات ولكن لا تنطبق عليه صفة علماء السوء، والفيصل في التفريق بين هؤلاء وهؤلاء ما ذكره الغزالي في الإحياء وغيره من العلماء، فهذا أبو يوسف كان تولى منصبا رسميا ولكنه كان يصدع بكلمة الحق.
- يتبع -