الدنيا كالماء المالح يوم لك ويوم عليك تبتسم لك وتوهمك بأنك ملكتها لكن فجأة
وبلا مقدمات تسحب البساط من تحت قدميك، وهذا ما كنت أشعر به مرارا بعد أن
أزور مريضا قد جنت عليه الأيام ورمته في دوامة الآلام وجعلته يعاني
الأسقام وأمله الوحيد هو أن ينام ويصحوا من الأحلام بفرح وسلام لكن حلمه
بعيد وألمه يزيد وتمسكه بالحياة يبقى رجاءه الوحيد وهذا ما كان يشعر به
مؤنسي الوحيد الذي أوهمني أن حياته ستزيد إن شاء المولى المجيد لكن أمر
الله وفى ونور حياتي انطفأ وتعودت على الجفاء بعد أن ضاع الوفاء دموعي لم
تفي بحزني ولم تطفأ نار غبني الحياة سارة مرارا وانتشر الخراب والدمار لم
أعد أرى غير السواد الذي خيم على البلاد حاولت كثيرا الانتحار لكن إيماني
جعلني أحسن الاختيار وألجأ إلى بعض من النسيان الذي من به الله على
الإنسان إلا أن هذا لم يعزلني عن الحزن والأسى كلما تذكرت كلماته نضرا ته
و ابتساماته آه من ابتساماته إنه حنون وقد أحببته بجنون وسأحبه في سكون
ولن أخون لن أخون…لن أخون وعده وسأضل على عهده
كيف أنساه؟ وقد مات بين ذراعيا حقا لم أكن أعي أنه يحتضر حين نضر إلى عينا يا بعينيه
الزر
قوين فرأيت فيهما أمواج البحر وهي تتلاطم ووضع يده المرتعشة على يدي بلطف
وقال بصوت خافت وكلمات متقطعة:لا تحزني يا حبيبتي فالحياة ستستمر حتى وان
غادرت لم أمتلك نفسي أمام حنانه الفائض كلماته الرقيقة وبريق عينيه ارتميت
بين أحضانه وبكيت بمرارة فقال لي:هوني عليك فالحياة أمامك …تأكدي سأبقى
معك بروحي سأفرح لنجاحك واحزن لحزنك وسكت لم أشعر بشيء إلا بدفء حضنه
ودموعي التي أغرقت قميصه الأبيض كبياض قلبه الطيب الذي لم يعرف الكره
والغل له طريقا
دخلت الممرضة على حين غفلة قالت له:كيف حالك؟ فلم
يرد…نادت على الطبيب و قالت له:ربما دخل في غيبوبة …أمسك الطبيب بيده ونضر
إلى ساعته وسكت لبرهة ثم قال:إن لله وأن إليه راجعون….لم أدرك الموقف لم
أحس بشيء إلا و أنا في العناية المركزة وسط المحاليل الطبية إستيقضت
وليتني لم أستقض.يا لي هول الصدمة أدركت أني لن أراه بعد اليوم تجرعت
مرارته كأس الموت لأول مرة أحسست بحرقة الفراق وشعرت بأن الموت قريب
والحياة لا تساوي شيء فنحن فيها مجرد ضيوف إذ أن الموت يأتي بغتة والقبر
صندوق العمل....لم يعد للحياة طعم…صرت أراه في كل زوايا المنزل…في كل شيء
لمسته أنامله…وأحيانا يزور أحلامي كنت أستمتع بتلك اللحظات حتى وإن كانت
سراب…إلا أني كنت أتلذذ برفقته ولو في الأحلام لكني سرعان ما أصحو على
واقع الحرمان
