التفاعل
11K
الجوائز
1.5K
- تاريخ التسجيل
- 16 نوفمبر 2007
- المشاركات
- 8,695
- آخر نشاط
- تاريخ الميلاد
- 2 جانفي 2004
بين الشيعة وأهل السنة
تأليف / إحسان إلهي ظهير
رئيس تحرير مجلة "ترجمان الحديث" لاهور – باكستان
والأمين العام لجمعية أهل الحديث – باكستان
تأليف / إحسان إلهي ظهير
رئيس تحرير مجلة "ترجمان الحديث" لاهور – باكستان
والأمين العام لجمعية أهل الحديث – باكستان
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المعصومين، وأشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، ومن سلك مسلكهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين، وبعد:
إن مصر قلعة من قلاع الإسلام وحصن من حصونه، وإنها لمهد للحضارة الإسلامية، معهد للعلوم والفنون، وهي بلد الأزهر، وموطن العلماء، وإنها لمحط أنظار المسلمين، ومهوى أفئدتهم وقلوبهم، كما أنها كانت ولا زالت كعبة عشاق العلم وطلابه، ومورد رواد الفكر ومشتاقي الإدراك والمعرفة، وهي مقر الكتاب، ومستقر الدعاة، وموطن الفقهاء، ومنبت المحدثين، لها ماضيها المجيد وحاضرها الحميد، ينظر إليها المسلمون في كل قطر من أقطار الأرض، وبقعة من بقاعها. . نظرة إكبار وتقدير لما لها من أياد بيضاء في إنارة الفكر الإسلامي وإضاءة الطرق أمام منتهجيها وسالكيها، فينظرون إلى كل ما صدر منها نظرة الثقة والاعتماد والتصديق لأصالة علومها، ورسوخ علمائها فيها، ولتحملهم أعباء الدعوة بوجوهها الصحيحة. وأسسها الأصيلة. وقواعدها المتينة الرزينة. . بالأمانة العلمية والمسئولية الدينية، مع اعتقادهم أن لا عصمة لأحد بعد نبي الله خاتم المعصومين وسيد المرسلين، ولا بد للعالم من زلة وهفوة، كما أنه لا بد للفارس من كبوة، فغفر الله لمقترفيها بغير قصد، ومرتكبيها بدون تعمد: ] ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا . . .[ [سورة البقرة: الآية 286].
ولكن لم يكن ليخطر على بال أحد أن علماً من أعلامها، ورجلاً من رجالاتها، يحمل قلماً في يوم من الأيام، ليكتب في موضوع حساس عويص، له أبعاده وأخطاره – وهو لا يعرف عنه شيئاً – وعفا الله عنه إن لم يكن يعرف – ولا أظنه يعرف – لأنه لا يتصور من أمثاله أن يخاطر بنفسه، ويقع في مثل هذه المزالق، التي قد تذهب به وبآثاره الماضية في مكان سحيق لا يتوقع النجاة منه، ويهدم به ما بناه من أمجاد وما أداه من خدمات إلى حيث لا يرجى استرجاعها، ويا ليتني لم أقرأ له هذه الرسالة أو يقع نظري على تلك الفقرة، التي يقرر فيها: أنه لم يدخر وسعاً في بحثه، في تحري الحقيقة! مع أنه لم يتحر الحقيقة، ولم يبذل وسعه في البحث، وإن كان هذا هو وسعه، أظهره في كتيبه، الذي نحن بصدد ذكره الآن، فما أظنه على سعة وسعه الذي بذله في كتبه الكثيرة التي نشرت قائمته في آخر كتيبه، مفخرة لعلمه وشرفاً لآثاره. .!
وإذا كان هذا هو مفهوم تحري الحقيقة عنده في هذه الرسالة فلا بد أن تتلاشى الحقائق عند من يقف على كتبه ومنشوراته!
لقد سمعت الكثير عن علم الدكتور علي عبد الواحد وافي وحدثني عنه العديد من الأصدقاء حتى دفعني الشوق إلى لقائه، فإذا أنا أطرق باب مصر وأدخلها طالباً للعلم، ومكتسباً فضائلها، ومغترفاً من بحارها، ممنياً النفس باقتناء طرف من علومها ومعارفها، متشوقاً إلى آثارها ومعالمها، وإلى كتبها وكتّابها، ومبتغياً طرائفها ونفائسها، وأثناء ترددي على مكتباتها، باحثاً عن الكتب الفاطمية وعن الوثائق الإسماعيلية التي أشتغل بالكتابة عنها، التفت إلى كتيب صادر منذ فترة وجيزة لذلك الشيخ الذي تحدث عنه المتحدثون، وسمع به السامعون، تحت عنوان: "بين الشيعة وأهل السنة".
ولقد جذبني عنوان الكتيب إليه، لما ابتليت بالقوم ابتلاء طويلاً، كما زادني انجذاباً إليه. . اسم كاتبه، فمؤلفه دكتور في الآداب من جامعة باريس، وعضو المجمع الدولي لعلم الاجتماع، وعميد كلية العلوم بجامعة أم درمان، وعميد كلية التربية بجامعة الأزهر، ووكيل كلية الآداب، ورئيس قسم الاجتماع بجامعة القاهرة سابقاً – عفا الله عما سلف – فنسيت كتب الفاطمية والفاطميين، واشتغلت بتقليب أوراق الكتيب، ولم أبخل بشراء نسختين منه، ظناً مني أن مثل فضيلته لا يكتب إلا بعد إلمام بالموضوع إلمامة كاملة، وإدراكه له حق الإدراك، وبعد معرفته بجوانبه كله، وتعمقه في سبر أغواره، وزيادة على ذلك دعواه في بداية مقدمته بأنه لم يدخر وسعاً في بحثه هذا. . في تحري الحقيقة، وأيضاً. . فقد سمعت من قبل من بعض المحبين له ولي أنه شرع في كتابة هذا الموضوع!. . فعدت بنسختين من كتابه إلى الفندق الذي نزلت به، عاجلاً. . شوقاً إلى لقياه من خلال كتيبه هذا، الذي يعد بالنسبة لي أول تصنيف له أطالعه وأقرأ فيه – فيا لحسرتي، وأسفاً لشوقي، وتسمع بالمعيدي خير من أن تراه – ولقد خاب أملي في الاستفادة منه، بل انقلبت إلى التأسف والندم.. فيا ليتني لم أقرأ شيئاً لفضيلته، واكتفيت بالسماع عنه بدل الالتقاء به من خلال رسالته هذه ، ولكن ليس السمع كالمعاينة، وليس من راء كمن سمعا، ولعل كتب فضيلته الأخرى لا تكون على شاكلة هذا المؤلف، من بذل الوسع في البحث تحرياً للحقيقة مثل هذه الرسالة، والله غافر السيئات ومكفر الخطايا، وإنه لستار العيوب.
. . وإني لعلى يقين، بأن فضيلة الدكتور كلف نفسه عناء لم يستطع حمل أعبائه في هذا العمر الأخير، حيث تضعف القوى، وتتوانى الهمم، وتكل العزائم، وينفلت زمام المبادرة من يد الفارس المغوار، كما ينفلت زمام العلم والفكر. . من يد العالم المبصر، فهو لطول حياته قد خانه البصر الحسير الكليل، وأعياه الزمان، وأقعده الدهر، وخانته الذاكرة، وله العذر..! ولولا هذا لما كتب ما كتب، ولما ألف ما ألف، ولم يبد فيه ما أبدى من العجائب والغرائب، ومن المضحكات والمبكيات، من الأخطاء الصريحة والأغلاط الفاحشة، ولم يصل إلى ما وصل إليه من الحكم والرأي في الشيعة ومعتقداتهم، ولم يرض ما تقوَّله بدون علم وبدون معرفة. ونحن مأمورون بألا نقول بدون علم، ولا نتكلم بدون معرفة: ] ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً [ [سورة الإسراء الآية36].
وخاصة في مثل هذه المباحث التي تسبب تضليل كثير من الناس، وإيقاعهم في المتاهات والضلالات، بسبب زلة عالم وهفوة كاتب، اعتماداً على من قرءوا له، وثقة لما سمعوا به عنه، وعلى ذلك يخاف أخوف ما يخاف من غلطة عالم وزلته – سامحه الله على ما كتب وغفر لنا وله إنه لغفور رحيم وعفو كريم -.
هذا ولا أدري ما هي الأسباب التي دفعت فضيلة الدكتور وافي إلى أن يكتب هذه الرسالة؟ وكان في غنى عن أن يكتبها، حيث أنه يجهل أصول مذهب الشيعة الاثنى عشرية وأسسه التي قام عليها، وليس عنده من كتب القوم شيء – كما يظهر من قراءة رسالته هذه – حتى يستطيع أن يعلم ما جهل، ويعرف ما لم يعرف، ثم يصل إلى الحكم فيهم، وفي عقائدهم ومذهبهم – ] ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ..[ [سورة البقرة الآية286] – لأنه في كتيبه هذا.. لم ينقل عبارة واحدة من كتب القوم أنفسهم رأساً وبلا واسطة، اللهم إلا ما نقله من الذين كتبوا عنهم، نقلاً محضاً بدون تعقل ولا تبصر، مع ادعائه بأنه حقق آراءهم من أوثق المصادر لديهم [بين الشيعة وأهل السنة ص20 تحت عنوان "موضوع البحث وأغراضه"].
فإن كان قصده النقل المحض عن الآخرين الذين كتبوا عن الشيعة، فما فائدة كتاباته إذن، وكفى الله المؤمنين القتال؟
ومن غرائب الأشياء أن فضيلته يضع في آخر هذه الرسالة قائمة لأهم المراجع عن الشيعة، يذكر فيها كتباً كثيرة مع أنه – حفظه الله – لم ينقل عن واحد منها عبارة واحدة بلا واسطة، كما لم يرد ذكر لكثير منها في الكتيب ولو بواسطة، ولولا حسن ظني به حسب ما أمرنا النبي عليه أفضل الصلاة والسلام " ظنوا بالمؤمنين خيراً " [وقد قيل: إنه من قول عمر بن الخطاب. انظر: كتاب خطبه ووصاياه للدكتور محمد عاشور]. لذهب بي الخيال إلى افتراض دوافع كثيرة إجابة لأسئلة محيرة.. ما الذي جعل الشيخ يكتب كتيباً، ربما يقضي على كل ما كتبه سابقاً من الكتب القيمة – حسب رجائي وتمنياتي – وتركه من الآثار الطيبة؟، وما الدوافع إلى أن يهدم في عمره الأخير كل ما بناه في ماضيه وسالف أيامه وهو يعلم ما نبه الله المؤمنين العاملين عليه بقوله: ] ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ..[ [سورة النحل الآية92].
وهذا هو حسن ظني به والذي يجعلني أقف منه موقف المعتذر عنه أن ما ذهب إليه في رسالته كلها، ما صدر منه.. إلا لعدم المعرفة والعلم بأشياء، هي ثابتة في كتب القوم وعقائدهم، وإن فضيلة الدكتور لم يبرئ ساحة الشيعة عن العقائد التي يعتقدونها، وعن الآراء التي يحملونها، ولم يدافع عنهم إلا عن جهل لا لشيء آخر – وإني لأعتذر عن هذه الكلمة الشديدة – لأنه لا يدفع الأوهام عنه إلا هذه الكلمة التي وإن كانت لكبيرة، فهي التي تدفع عنه الظنون والشبهات. في زمان كثرت فيه الأقلام المستأجرة وشاع فيه الكلام المأجور، وإلا فهل يتصور من عالم يعلم أصول مذهب الشيعة الاثنى عشرية أو الجعفرية كما يسميهم الدكتور وافي، ويعلم أسس شريعة الله التي جاء بها محمد صلوات الله وسلامه عليه ويعتقد بها المسلمون أي أهل السنة بالذات. ثم يكتب "بأن الخلاف بيننا وبينهم – مهما بدا في ظاهره كبيراً – لا يخرج في أهم أوضاعه عندنا وعندهم عن حيز الاجتهاد – المسموح به" [الرسالة المذكورة ص4]!.
فيا للسذاجة والطيبة، ويا للجهل وعدم معرفة الأمور، من رجل ذاع صيته وعمت شهرته، فمتى كانت الأحكام بهذه السذاجة وبهذه الطيبة؟ فهل يمكن لفضيلة الدكتور أو لغيره أن يثبت من كتاب واحد من كتب الشيعة، التي كتبت لبيان مذهب السنة، وتعريفه للشيعة، أن يكون الحكم فيه كهذا أو شبيهه في أهل السنة؟
كلا ورب الكعبة لم يصدر مثل هذا الحكم عن أهل السنة في كتاب شيعي على مر الزمان ومدى التاريخ، حتى ولا في كتاب دعاية كتب على التقية والمداراة والمسايرة!!.
فما الذي دفع فضيلة الدكتور علي عبد الواحد وافي عضو المجمع الدولي لعلم الاجتماع، بأن يكون اجتماعياً مع الذين لا يؤمنون بالاجتماع، وأن يدافع عنهم في بلدة سنية صانها الله وأهلها من النيل من كرامة خلفاء النبي الراشدين، الهداة المهديين، رفاقه الخيرة وأصحابه البررة، وأزواجه أمهات المؤمنين؟ البلاد التي وقاها الله وحفظها وطهرها من أناس طالما وقعوا في أسلاف هذه الأمة وقادتها وزعمائها، وطعنوا وما يزالون يطعنون في خيار خلق الله وصفوته، حملة هذه الشريعة المطهرة، ونقلة هذا الدين الحنيف، وحفظة القرآن، ورواة سنة نبينا المختار صلوات الله وسلامه عليه، نعم ماذا يريد فضيلته بدفاعه عن هذه الطائفة، الذين جعلوا القرآن عضين، ونبذوه وراء ظهورهم، واتخذوه مهجوراً؟ واعتقدوا بعدم حفظه وصيانته من وقوع التغيير والتحريف فيه، وكفروا جميع من نقلوا أخبار الرسول r إلى الناس وحملوها إلينا، وجعلوا الكذب شعارً وديناً.
وكيف يسوغ له أن يبرئ ساحتهم من الاعتقادات التي يحملونها، ويدينون بها، وهي أساس مذهبهم وديانتهم، بكل سذاجة وبكل طيبة، وبكل جرأة؛ ملتمساً لهم الأعذار التي لم يلتمسوها لأنفسهم قط، ومخترعاً لهم المعاذير التي لم يرضوها لهم، في بلدة سنية خالية من الشيعة والتشيع بعد ما ذاقت الأمرين في عصر من ماضيها أيا تسلط طائفة [أي أيام الفاطميين الذين يذكرهم الدكتور وافي في كتيبه هذا بأنه لم يكن مذهبهم بعيداً كل البعد عن مذاهب أهل السنة، ولم تكن وجوه الخلاف بينه وبينهم لتزيد كثيراً عن وجوه الخلاف بين أهل السنة بعضهم مع بعض (ص15) وسيأتي بيان ذلك قريباً في محله إن شاء الله] منهم عليها، وشهدت مساجدها وجوامعها المجالس العديدة التي كانت توجه فيها للسباب والشتائم إلى سادة أصحاب محمد r ، ووزرائه وخلفائه على ملأ من الأشهاد، وعلى مرأى من المسلمين ومسمعهم؟
هل عن قصد أو تعمد؟ – لا جعلنا الله نعتقد فيه هذا الاعتقاد – أم عن عدم فهم ومعرفة؟ – وهذا هو الظن الغالب – ولكن كان عليه أن يتعقل قبل الإقدام من عواقبه الوخيمة، ويتبصر في نتائجها السيئة حيث أن كثيراً من الشباب الذين يجهلون التشيع كلياً، ولا يعرفون حقيقته قليلاً أو كثيراً – سيقعون في شراكهم وحبائلهم الممدة والمنصوبة من كل ناحية وفي كل جانب لإيقاعهم فيها ولاصطيادهم، وخاصة في هذه الآونة الحرجة التي كثرت فيها الدعايات المزورة، ونشط فيها التبشير الشيعي، وازداد غزوه للبلاد السنية المسلمة وأهاليها، وكثرت فيها الأقلام المأجورة، وانتشرت فيها الكتب المشبوهة، مثيرة الشبهات والشكوك في عقيدة أهل السنة والجماعة، العقيدة المنقولة المتوارثة عن رسول الله r ، وعن أصحابه نقلاً متواتراً إلى يومنا هذا.
نعم! ماذا يقصد من وراء هذه الكتيبات والرسائل وأمثالها؟.. لقد كان المفروض أن يتنبه المسلمون، وشبابهم بالذات، إلى مفاسد هؤلاء الناس، وقبائحهم، وشنائع عقيدتهم، وفضائحهم التي ارتكبوها ضد المسلمين في مختلف العصور والدهور، وإن ما يجري الآن ضد المسلمين السنة في إيران من المظالم والاضطهادات راجع إلى أنهم لا يؤمنون بما يعتقده القوم، ومخالفتهم عقائدهم وأفكارهم التي يحملونها تجاه القرآن وحفظته، ونقلة سنته، وحاملي رايات الإسلام المظفرة المنصورة.
نعم! ينبغي أن يكون هذا هو مقصد علماء السنة وكتّابهم لينبهوا من كان غافلاً، ويعلموا من كان جاهلاً، ويزيدوا معرفة من كان بصيراً، بدل أن يقربوا إليهم عقائدهم، وليهونوا عليهم مساويهم، ويحيبوا إليهم أضاليلهم وأباطيلهم، بل أنه يجب على علماء مصر عامة، وعلى علماء الأزهر خاصة – لما لهم من مكان القيادة الفكرية؛ والصدارة العلمية في العالم العربي بالذات – أن يقوموا بتبصير الناس بأمر الشيعة الذين بدأ خطرهم يزداد ويكبر، بعد تربع التشيع على عرش إيران، ووضع جميع الإمكانات والوسائل في سبيل نشره وتصديره خارج إيران، وإلى البلدان الإسلامية السنية خاصة، وبعد انخداع كثير من الشباب المسلم بثورتهم لعدم معرفتهم بحقائق الأمور وخفاياها، وأنها ثورة التشيع لا ثورة الإسلام، وأنها ثورة شيعية لا ثورة إسلامية، وبتعبير صحيح وصريح أكثر: إنها ثورة شيعية على الإسلام، تريد ابتلاع المسلمين خارج إيران، وإذابتهم داخلها، وكل من يتتبع أحداث إيران اليوم ووقائعها، يدرك تماماً ماذا يقصده القوم، وإلى ماذا يهدفون.
فالمظالم التي تصب على الأكراد، والفضائح التي ترتكب في بلو شستان، والدماء التي تراق في عربستان، والاعتقادات الواسعة التي تجري في تبريز وما حولها، ليست إلا وسيلة لإبادة أهل السنة نهائياً، أو لدمجهم في صفوف الشيعة دمجاً كاملاً.
ولم يأت على أهل السنة من المسلمين في إيران زمان أشد وطأة وأثقل ضربة من هذا الزمان، ولا أصعب وأعسر في الحفاظ على دينهم ومعتقداتهم، إلا ما نقل عن الصفويين، ولعله لم يكن ذاك الزمان يضاهي هذا الزمان ويوازيه، في ظلمه وقسوته، حيث لم يكن آنذاك وسائل الإبادة والتدمير كهذه، كما لم يكن سلب الأبناء من الآباء لإيداعهم المدارس الشيعية ومراكز التشيع من الصغر، كي لا يبقى عندهم أدنى معرفة وإلمام بمذهبهم، ومعتقداتهم.
وما أشد بؤسهم وأسوأ حالهم لأن العالم الإسلامي السني في غفلة عما يجري على إخوانهم في إيران، وإنهم لصم وعمي عن صيحاتهم ونداءاتهم المتكررة لنصرتهم وإغاثتهم، وذلك أن القوم اجترءوا على غزو السنة خارج إيران، وفي بلدانهم، وعقر دارهم، وملئوا مدنهم وقراهم بمنشوراتهم الزائفة وكتبهم المزيفة، وزاد الطين بلة أنهم بدل أن يجدوا مواجهة من قبل علمائهم، لصد تيارهم الجارف، وصد هجومهم السافر، وجدوا ضمائر مبيعة، وأقلاماً رخيصة، وعقولاً مخدوعة إلا من رحم ربك، فطاروا مرحاً ونشاطاً وفرحاً وسروراً، وسهلت عليهم مهمتهم، وقربت إليهم أمنيتهم، فشمروا عن ساق الجد، واأسفا على تحقيق باطلهم، وتقاعس أهل الحق لتثبيت حقهم، والدفاع عن حوزة حرماتهم وعقائدهم.
فهل من مبصر يتبصر، وعاقل يتعقل، وعالم يعلم أنه لا يوجد في إيران كلها شخص واحد يستطيع أن يدعو الناس إلى السنة وعقائدهم، ولا من يقدر أن يمنع الشيعة عن غلوائهم في القدح والطعن في القرآن والسنة، وأصحاب رسول الله المبشرين بالجنة، وأزواجه أمهات المؤمنين بشهادة القرآن، بدل أن يدعوهم إلى التقارب والتحابب إلى أهل السنة، وإظهار القول بأن مذهبهم لا يخرج في أهم أوضاعه عن حيز الاجتهاد المسموح به؟!
فيا علماء مصر! رحمكم الله – ألا تخبرون الناس بما يكنه القوم في صدورهم من حقد وضغن وغل لهذه الأمة المجيدة وأسلافها؟ وما يكتمونه من البغضاء والعداء لتعاليم شريعتها الصحيحة، وإرشاداتها المستقيمة، الخالية من شوائب الشرك والوثنية، والصافية من أدران المجوسية واليهودية؟.
فهبوا يا علماء الأزهر.. بالواجب الديني والعلمي، الذي يحتم عليكم تنوير الرأي العام، وتبصير فكر المسلمين، بحقائق.. طالما خفيت على كثير من الناس، في زمن قلّ فيه المخلصون الغيورون، وعزّ فيه الوفاء، ورخص فيه بيع الضمائر والولاء.
أليس من المعقول أن يدعى إلى التقارب قوم جعلوا الشتائم والسباب ديناً، واللعائن والمطاعن مذهباً، بدل ناس يرونها من أفسق الفسوق، وأفجر الفجور، وخاصة في أكابرهم وأئمتهم حيث أنهم لا يراعون – إلاّ ولا ذمة في أئمتنا وأسلافنا؟.
أليس من المحتم أن تكتب كتب، وينشر بينهم في بلادهم تبين لهم حقيقة المذهب الإسلامي السني، وقواعده وأسسه، التي عليها تركهم نبيهم وقائدهم محمد صلوات الله وسلامه عليه، ومن بعده خلفاؤه الراشدون المهديون؟.
وإنه لمن المؤسف حقاً أنهم بدلاً من أن يدعوا إلى ترك السباب والشتائم لحملة هذا الدين ورواده وقادة جيوشه المظفرة، وعساكره المنصورة الميمونة، والاعتقاد بالدستور الإسلامي، والناموس الإلهي، ورسالة الله الأخيرة إلى الناس كافة، والتمسك بسنة نبيه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، أقواله وأفعاله وتقريراته، المنقولة عنه بواسطة أصحابه العدول، وتلامذته الصادقين المخلصين، وتجنب الإهانة والإساءة والقول الزور – بدلاً من هذا كله يدعى المسلمون أهل السنة إلى ترك عقائدهم ومعتقداتهم المستقاة من كتاب ربهم، وسنة نبيهم، وترك الدفاع عن أعراض الصحابة وأمهات المؤمنين، وعن السلف الصالح، وعن بلادهم، لكي يفتحوا أحضانهم لاستقبال التشيع البشع، والشيعة الحاقدين الحانقين، ويدفعوا شبابهم وأبناءهم إلى السبئية الماكرة، واليهودية الأثيمة.
وأما نحن:
فالله يشهد إنا لا نحبهم ولا نلومهم إن لم يحبونا
ولا جعلنا الله من الذين يحبون من يبغضون أصحاب حبيب الله r القائل فيهم: "من أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم" [رواه أحمد، قال صاحب الفتح الرباني (22/169): أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه].
ولا من الذين يشترون الحياة الدنيا وزخارفها، وأموالها الفانية، وشهرتها البائدة، ومديح طائفة منها، ورضاهم بالآخرة الباقية الدائمة، والضلالة بالهدى، والعذاب بالمغفرة.
يتبع
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المعصومين، وأشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، ومن سلك مسلكهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين، وبعد:
إن مصر قلعة من قلاع الإسلام وحصن من حصونه، وإنها لمهد للحضارة الإسلامية، معهد للعلوم والفنون، وهي بلد الأزهر، وموطن العلماء، وإنها لمحط أنظار المسلمين، ومهوى أفئدتهم وقلوبهم، كما أنها كانت ولا زالت كعبة عشاق العلم وطلابه، ومورد رواد الفكر ومشتاقي الإدراك والمعرفة، وهي مقر الكتاب، ومستقر الدعاة، وموطن الفقهاء، ومنبت المحدثين، لها ماضيها المجيد وحاضرها الحميد، ينظر إليها المسلمون في كل قطر من أقطار الأرض، وبقعة من بقاعها. . نظرة إكبار وتقدير لما لها من أياد بيضاء في إنارة الفكر الإسلامي وإضاءة الطرق أمام منتهجيها وسالكيها، فينظرون إلى كل ما صدر منها نظرة الثقة والاعتماد والتصديق لأصالة علومها، ورسوخ علمائها فيها، ولتحملهم أعباء الدعوة بوجوهها الصحيحة. وأسسها الأصيلة. وقواعدها المتينة الرزينة. . بالأمانة العلمية والمسئولية الدينية، مع اعتقادهم أن لا عصمة لأحد بعد نبي الله خاتم المعصومين وسيد المرسلين، ولا بد للعالم من زلة وهفوة، كما أنه لا بد للفارس من كبوة، فغفر الله لمقترفيها بغير قصد، ومرتكبيها بدون تعمد: ] ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا . . .[ [سورة البقرة: الآية 286].
ولكن لم يكن ليخطر على بال أحد أن علماً من أعلامها، ورجلاً من رجالاتها، يحمل قلماً في يوم من الأيام، ليكتب في موضوع حساس عويص، له أبعاده وأخطاره – وهو لا يعرف عنه شيئاً – وعفا الله عنه إن لم يكن يعرف – ولا أظنه يعرف – لأنه لا يتصور من أمثاله أن يخاطر بنفسه، ويقع في مثل هذه المزالق، التي قد تذهب به وبآثاره الماضية في مكان سحيق لا يتوقع النجاة منه، ويهدم به ما بناه من أمجاد وما أداه من خدمات إلى حيث لا يرجى استرجاعها، ويا ليتني لم أقرأ له هذه الرسالة أو يقع نظري على تلك الفقرة، التي يقرر فيها: أنه لم يدخر وسعاً في بحثه، في تحري الحقيقة! مع أنه لم يتحر الحقيقة، ولم يبذل وسعه في البحث، وإن كان هذا هو وسعه، أظهره في كتيبه، الذي نحن بصدد ذكره الآن، فما أظنه على سعة وسعه الذي بذله في كتبه الكثيرة التي نشرت قائمته في آخر كتيبه، مفخرة لعلمه وشرفاً لآثاره. .!
وإذا كان هذا هو مفهوم تحري الحقيقة عنده في هذه الرسالة فلا بد أن تتلاشى الحقائق عند من يقف على كتبه ومنشوراته!
لقد سمعت الكثير عن علم الدكتور علي عبد الواحد وافي وحدثني عنه العديد من الأصدقاء حتى دفعني الشوق إلى لقائه، فإذا أنا أطرق باب مصر وأدخلها طالباً للعلم، ومكتسباً فضائلها، ومغترفاً من بحارها، ممنياً النفس باقتناء طرف من علومها ومعارفها، متشوقاً إلى آثارها ومعالمها، وإلى كتبها وكتّابها، ومبتغياً طرائفها ونفائسها، وأثناء ترددي على مكتباتها، باحثاً عن الكتب الفاطمية وعن الوثائق الإسماعيلية التي أشتغل بالكتابة عنها، التفت إلى كتيب صادر منذ فترة وجيزة لذلك الشيخ الذي تحدث عنه المتحدثون، وسمع به السامعون، تحت عنوان: "بين الشيعة وأهل السنة".
ولقد جذبني عنوان الكتيب إليه، لما ابتليت بالقوم ابتلاء طويلاً، كما زادني انجذاباً إليه. . اسم كاتبه، فمؤلفه دكتور في الآداب من جامعة باريس، وعضو المجمع الدولي لعلم الاجتماع، وعميد كلية العلوم بجامعة أم درمان، وعميد كلية التربية بجامعة الأزهر، ووكيل كلية الآداب، ورئيس قسم الاجتماع بجامعة القاهرة سابقاً – عفا الله عما سلف – فنسيت كتب الفاطمية والفاطميين، واشتغلت بتقليب أوراق الكتيب، ولم أبخل بشراء نسختين منه، ظناً مني أن مثل فضيلته لا يكتب إلا بعد إلمام بالموضوع إلمامة كاملة، وإدراكه له حق الإدراك، وبعد معرفته بجوانبه كله، وتعمقه في سبر أغواره، وزيادة على ذلك دعواه في بداية مقدمته بأنه لم يدخر وسعاً في بحثه هذا. . في تحري الحقيقة، وأيضاً. . فقد سمعت من قبل من بعض المحبين له ولي أنه شرع في كتابة هذا الموضوع!. . فعدت بنسختين من كتابه إلى الفندق الذي نزلت به، عاجلاً. . شوقاً إلى لقياه من خلال كتيبه هذا، الذي يعد بالنسبة لي أول تصنيف له أطالعه وأقرأ فيه – فيا لحسرتي، وأسفاً لشوقي، وتسمع بالمعيدي خير من أن تراه – ولقد خاب أملي في الاستفادة منه، بل انقلبت إلى التأسف والندم.. فيا ليتني لم أقرأ شيئاً لفضيلته، واكتفيت بالسماع عنه بدل الالتقاء به من خلال رسالته هذه ، ولكن ليس السمع كالمعاينة، وليس من راء كمن سمعا، ولعل كتب فضيلته الأخرى لا تكون على شاكلة هذا المؤلف، من بذل الوسع في البحث تحرياً للحقيقة مثل هذه الرسالة، والله غافر السيئات ومكفر الخطايا، وإنه لستار العيوب.
. . وإني لعلى يقين، بأن فضيلة الدكتور كلف نفسه عناء لم يستطع حمل أعبائه في هذا العمر الأخير، حيث تضعف القوى، وتتوانى الهمم، وتكل العزائم، وينفلت زمام المبادرة من يد الفارس المغوار، كما ينفلت زمام العلم والفكر. . من يد العالم المبصر، فهو لطول حياته قد خانه البصر الحسير الكليل، وأعياه الزمان، وأقعده الدهر، وخانته الذاكرة، وله العذر..! ولولا هذا لما كتب ما كتب، ولما ألف ما ألف، ولم يبد فيه ما أبدى من العجائب والغرائب، ومن المضحكات والمبكيات، من الأخطاء الصريحة والأغلاط الفاحشة، ولم يصل إلى ما وصل إليه من الحكم والرأي في الشيعة ومعتقداتهم، ولم يرض ما تقوَّله بدون علم وبدون معرفة. ونحن مأمورون بألا نقول بدون علم، ولا نتكلم بدون معرفة: ] ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً [ [سورة الإسراء الآية36].
وخاصة في مثل هذه المباحث التي تسبب تضليل كثير من الناس، وإيقاعهم في المتاهات والضلالات، بسبب زلة عالم وهفوة كاتب، اعتماداً على من قرءوا له، وثقة لما سمعوا به عنه، وعلى ذلك يخاف أخوف ما يخاف من غلطة عالم وزلته – سامحه الله على ما كتب وغفر لنا وله إنه لغفور رحيم وعفو كريم -.
هذا ولا أدري ما هي الأسباب التي دفعت فضيلة الدكتور وافي إلى أن يكتب هذه الرسالة؟ وكان في غنى عن أن يكتبها، حيث أنه يجهل أصول مذهب الشيعة الاثنى عشرية وأسسه التي قام عليها، وليس عنده من كتب القوم شيء – كما يظهر من قراءة رسالته هذه – حتى يستطيع أن يعلم ما جهل، ويعرف ما لم يعرف، ثم يصل إلى الحكم فيهم، وفي عقائدهم ومذهبهم – ] ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ..[ [سورة البقرة الآية286] – لأنه في كتيبه هذا.. لم ينقل عبارة واحدة من كتب القوم أنفسهم رأساً وبلا واسطة، اللهم إلا ما نقله من الذين كتبوا عنهم، نقلاً محضاً بدون تعقل ولا تبصر، مع ادعائه بأنه حقق آراءهم من أوثق المصادر لديهم [بين الشيعة وأهل السنة ص20 تحت عنوان "موضوع البحث وأغراضه"].
فإن كان قصده النقل المحض عن الآخرين الذين كتبوا عن الشيعة، فما فائدة كتاباته إذن، وكفى الله المؤمنين القتال؟
ومن غرائب الأشياء أن فضيلته يضع في آخر هذه الرسالة قائمة لأهم المراجع عن الشيعة، يذكر فيها كتباً كثيرة مع أنه – حفظه الله – لم ينقل عن واحد منها عبارة واحدة بلا واسطة، كما لم يرد ذكر لكثير منها في الكتيب ولو بواسطة، ولولا حسن ظني به حسب ما أمرنا النبي عليه أفضل الصلاة والسلام " ظنوا بالمؤمنين خيراً " [وقد قيل: إنه من قول عمر بن الخطاب. انظر: كتاب خطبه ووصاياه للدكتور محمد عاشور]. لذهب بي الخيال إلى افتراض دوافع كثيرة إجابة لأسئلة محيرة.. ما الذي جعل الشيخ يكتب كتيباً، ربما يقضي على كل ما كتبه سابقاً من الكتب القيمة – حسب رجائي وتمنياتي – وتركه من الآثار الطيبة؟، وما الدوافع إلى أن يهدم في عمره الأخير كل ما بناه في ماضيه وسالف أيامه وهو يعلم ما نبه الله المؤمنين العاملين عليه بقوله: ] ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ..[ [سورة النحل الآية92].
وهذا هو حسن ظني به والذي يجعلني أقف منه موقف المعتذر عنه أن ما ذهب إليه في رسالته كلها، ما صدر منه.. إلا لعدم المعرفة والعلم بأشياء، هي ثابتة في كتب القوم وعقائدهم، وإن فضيلة الدكتور لم يبرئ ساحة الشيعة عن العقائد التي يعتقدونها، وعن الآراء التي يحملونها، ولم يدافع عنهم إلا عن جهل لا لشيء آخر – وإني لأعتذر عن هذه الكلمة الشديدة – لأنه لا يدفع الأوهام عنه إلا هذه الكلمة التي وإن كانت لكبيرة، فهي التي تدفع عنه الظنون والشبهات. في زمان كثرت فيه الأقلام المستأجرة وشاع فيه الكلام المأجور، وإلا فهل يتصور من عالم يعلم أصول مذهب الشيعة الاثنى عشرية أو الجعفرية كما يسميهم الدكتور وافي، ويعلم أسس شريعة الله التي جاء بها محمد صلوات الله وسلامه عليه ويعتقد بها المسلمون أي أهل السنة بالذات. ثم يكتب "بأن الخلاف بيننا وبينهم – مهما بدا في ظاهره كبيراً – لا يخرج في أهم أوضاعه عندنا وعندهم عن حيز الاجتهاد – المسموح به" [الرسالة المذكورة ص4]!.
فيا للسذاجة والطيبة، ويا للجهل وعدم معرفة الأمور، من رجل ذاع صيته وعمت شهرته، فمتى كانت الأحكام بهذه السذاجة وبهذه الطيبة؟ فهل يمكن لفضيلة الدكتور أو لغيره أن يثبت من كتاب واحد من كتب الشيعة، التي كتبت لبيان مذهب السنة، وتعريفه للشيعة، أن يكون الحكم فيه كهذا أو شبيهه في أهل السنة؟
كلا ورب الكعبة لم يصدر مثل هذا الحكم عن أهل السنة في كتاب شيعي على مر الزمان ومدى التاريخ، حتى ولا في كتاب دعاية كتب على التقية والمداراة والمسايرة!!.
فما الذي دفع فضيلة الدكتور علي عبد الواحد وافي عضو المجمع الدولي لعلم الاجتماع، بأن يكون اجتماعياً مع الذين لا يؤمنون بالاجتماع، وأن يدافع عنهم في بلدة سنية صانها الله وأهلها من النيل من كرامة خلفاء النبي الراشدين، الهداة المهديين، رفاقه الخيرة وأصحابه البررة، وأزواجه أمهات المؤمنين؟ البلاد التي وقاها الله وحفظها وطهرها من أناس طالما وقعوا في أسلاف هذه الأمة وقادتها وزعمائها، وطعنوا وما يزالون يطعنون في خيار خلق الله وصفوته، حملة هذه الشريعة المطهرة، ونقلة هذا الدين الحنيف، وحفظة القرآن، ورواة سنة نبينا المختار صلوات الله وسلامه عليه، نعم ماذا يريد فضيلته بدفاعه عن هذه الطائفة، الذين جعلوا القرآن عضين، ونبذوه وراء ظهورهم، واتخذوه مهجوراً؟ واعتقدوا بعدم حفظه وصيانته من وقوع التغيير والتحريف فيه، وكفروا جميع من نقلوا أخبار الرسول r إلى الناس وحملوها إلينا، وجعلوا الكذب شعارً وديناً.
وكيف يسوغ له أن يبرئ ساحتهم من الاعتقادات التي يحملونها، ويدينون بها، وهي أساس مذهبهم وديانتهم، بكل سذاجة وبكل طيبة، وبكل جرأة؛ ملتمساً لهم الأعذار التي لم يلتمسوها لأنفسهم قط، ومخترعاً لهم المعاذير التي لم يرضوها لهم، في بلدة سنية خالية من الشيعة والتشيع بعد ما ذاقت الأمرين في عصر من ماضيها أيا تسلط طائفة [أي أيام الفاطميين الذين يذكرهم الدكتور وافي في كتيبه هذا بأنه لم يكن مذهبهم بعيداً كل البعد عن مذاهب أهل السنة، ولم تكن وجوه الخلاف بينه وبينهم لتزيد كثيراً عن وجوه الخلاف بين أهل السنة بعضهم مع بعض (ص15) وسيأتي بيان ذلك قريباً في محله إن شاء الله] منهم عليها، وشهدت مساجدها وجوامعها المجالس العديدة التي كانت توجه فيها للسباب والشتائم إلى سادة أصحاب محمد r ، ووزرائه وخلفائه على ملأ من الأشهاد، وعلى مرأى من المسلمين ومسمعهم؟
هل عن قصد أو تعمد؟ – لا جعلنا الله نعتقد فيه هذا الاعتقاد – أم عن عدم فهم ومعرفة؟ – وهذا هو الظن الغالب – ولكن كان عليه أن يتعقل قبل الإقدام من عواقبه الوخيمة، ويتبصر في نتائجها السيئة حيث أن كثيراً من الشباب الذين يجهلون التشيع كلياً، ولا يعرفون حقيقته قليلاً أو كثيراً – سيقعون في شراكهم وحبائلهم الممدة والمنصوبة من كل ناحية وفي كل جانب لإيقاعهم فيها ولاصطيادهم، وخاصة في هذه الآونة الحرجة التي كثرت فيها الدعايات المزورة، ونشط فيها التبشير الشيعي، وازداد غزوه للبلاد السنية المسلمة وأهاليها، وكثرت فيها الأقلام المأجورة، وانتشرت فيها الكتب المشبوهة، مثيرة الشبهات والشكوك في عقيدة أهل السنة والجماعة، العقيدة المنقولة المتوارثة عن رسول الله r ، وعن أصحابه نقلاً متواتراً إلى يومنا هذا.
نعم! ماذا يقصد من وراء هذه الكتيبات والرسائل وأمثالها؟.. لقد كان المفروض أن يتنبه المسلمون، وشبابهم بالذات، إلى مفاسد هؤلاء الناس، وقبائحهم، وشنائع عقيدتهم، وفضائحهم التي ارتكبوها ضد المسلمين في مختلف العصور والدهور، وإن ما يجري الآن ضد المسلمين السنة في إيران من المظالم والاضطهادات راجع إلى أنهم لا يؤمنون بما يعتقده القوم، ومخالفتهم عقائدهم وأفكارهم التي يحملونها تجاه القرآن وحفظته، ونقلة سنته، وحاملي رايات الإسلام المظفرة المنصورة.
نعم! ينبغي أن يكون هذا هو مقصد علماء السنة وكتّابهم لينبهوا من كان غافلاً، ويعلموا من كان جاهلاً، ويزيدوا معرفة من كان بصيراً، بدل أن يقربوا إليهم عقائدهم، وليهونوا عليهم مساويهم، ويحيبوا إليهم أضاليلهم وأباطيلهم، بل أنه يجب على علماء مصر عامة، وعلى علماء الأزهر خاصة – لما لهم من مكان القيادة الفكرية؛ والصدارة العلمية في العالم العربي بالذات – أن يقوموا بتبصير الناس بأمر الشيعة الذين بدأ خطرهم يزداد ويكبر، بعد تربع التشيع على عرش إيران، ووضع جميع الإمكانات والوسائل في سبيل نشره وتصديره خارج إيران، وإلى البلدان الإسلامية السنية خاصة، وبعد انخداع كثير من الشباب المسلم بثورتهم لعدم معرفتهم بحقائق الأمور وخفاياها، وأنها ثورة التشيع لا ثورة الإسلام، وأنها ثورة شيعية لا ثورة إسلامية، وبتعبير صحيح وصريح أكثر: إنها ثورة شيعية على الإسلام، تريد ابتلاع المسلمين خارج إيران، وإذابتهم داخلها، وكل من يتتبع أحداث إيران اليوم ووقائعها، يدرك تماماً ماذا يقصده القوم، وإلى ماذا يهدفون.
فالمظالم التي تصب على الأكراد، والفضائح التي ترتكب في بلو شستان، والدماء التي تراق في عربستان، والاعتقادات الواسعة التي تجري في تبريز وما حولها، ليست إلا وسيلة لإبادة أهل السنة نهائياً، أو لدمجهم في صفوف الشيعة دمجاً كاملاً.
ولم يأت على أهل السنة من المسلمين في إيران زمان أشد وطأة وأثقل ضربة من هذا الزمان، ولا أصعب وأعسر في الحفاظ على دينهم ومعتقداتهم، إلا ما نقل عن الصفويين، ولعله لم يكن ذاك الزمان يضاهي هذا الزمان ويوازيه، في ظلمه وقسوته، حيث لم يكن آنذاك وسائل الإبادة والتدمير كهذه، كما لم يكن سلب الأبناء من الآباء لإيداعهم المدارس الشيعية ومراكز التشيع من الصغر، كي لا يبقى عندهم أدنى معرفة وإلمام بمذهبهم، ومعتقداتهم.
وما أشد بؤسهم وأسوأ حالهم لأن العالم الإسلامي السني في غفلة عما يجري على إخوانهم في إيران، وإنهم لصم وعمي عن صيحاتهم ونداءاتهم المتكررة لنصرتهم وإغاثتهم، وذلك أن القوم اجترءوا على غزو السنة خارج إيران، وفي بلدانهم، وعقر دارهم، وملئوا مدنهم وقراهم بمنشوراتهم الزائفة وكتبهم المزيفة، وزاد الطين بلة أنهم بدل أن يجدوا مواجهة من قبل علمائهم، لصد تيارهم الجارف، وصد هجومهم السافر، وجدوا ضمائر مبيعة، وأقلاماً رخيصة، وعقولاً مخدوعة إلا من رحم ربك، فطاروا مرحاً ونشاطاً وفرحاً وسروراً، وسهلت عليهم مهمتهم، وقربت إليهم أمنيتهم، فشمروا عن ساق الجد، واأسفا على تحقيق باطلهم، وتقاعس أهل الحق لتثبيت حقهم، والدفاع عن حوزة حرماتهم وعقائدهم.
فهل من مبصر يتبصر، وعاقل يتعقل، وعالم يعلم أنه لا يوجد في إيران كلها شخص واحد يستطيع أن يدعو الناس إلى السنة وعقائدهم، ولا من يقدر أن يمنع الشيعة عن غلوائهم في القدح والطعن في القرآن والسنة، وأصحاب رسول الله المبشرين بالجنة، وأزواجه أمهات المؤمنين بشهادة القرآن، بدل أن يدعوهم إلى التقارب والتحابب إلى أهل السنة، وإظهار القول بأن مذهبهم لا يخرج في أهم أوضاعه عن حيز الاجتهاد المسموح به؟!
فيا علماء مصر! رحمكم الله – ألا تخبرون الناس بما يكنه القوم في صدورهم من حقد وضغن وغل لهذه الأمة المجيدة وأسلافها؟ وما يكتمونه من البغضاء والعداء لتعاليم شريعتها الصحيحة، وإرشاداتها المستقيمة، الخالية من شوائب الشرك والوثنية، والصافية من أدران المجوسية واليهودية؟.
فهبوا يا علماء الأزهر.. بالواجب الديني والعلمي، الذي يحتم عليكم تنوير الرأي العام، وتبصير فكر المسلمين، بحقائق.. طالما خفيت على كثير من الناس، في زمن قلّ فيه المخلصون الغيورون، وعزّ فيه الوفاء، ورخص فيه بيع الضمائر والولاء.
أليس من المعقول أن يدعى إلى التقارب قوم جعلوا الشتائم والسباب ديناً، واللعائن والمطاعن مذهباً، بدل ناس يرونها من أفسق الفسوق، وأفجر الفجور، وخاصة في أكابرهم وأئمتهم حيث أنهم لا يراعون – إلاّ ولا ذمة في أئمتنا وأسلافنا؟.
أليس من المحتم أن تكتب كتب، وينشر بينهم في بلادهم تبين لهم حقيقة المذهب الإسلامي السني، وقواعده وأسسه، التي عليها تركهم نبيهم وقائدهم محمد صلوات الله وسلامه عليه، ومن بعده خلفاؤه الراشدون المهديون؟.
وإنه لمن المؤسف حقاً أنهم بدلاً من أن يدعوا إلى ترك السباب والشتائم لحملة هذا الدين ورواده وقادة جيوشه المظفرة، وعساكره المنصورة الميمونة، والاعتقاد بالدستور الإسلامي، والناموس الإلهي، ورسالة الله الأخيرة إلى الناس كافة، والتمسك بسنة نبيه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، أقواله وأفعاله وتقريراته، المنقولة عنه بواسطة أصحابه العدول، وتلامذته الصادقين المخلصين، وتجنب الإهانة والإساءة والقول الزور – بدلاً من هذا كله يدعى المسلمون أهل السنة إلى ترك عقائدهم ومعتقداتهم المستقاة من كتاب ربهم، وسنة نبيهم، وترك الدفاع عن أعراض الصحابة وأمهات المؤمنين، وعن السلف الصالح، وعن بلادهم، لكي يفتحوا أحضانهم لاستقبال التشيع البشع، والشيعة الحاقدين الحانقين، ويدفعوا شبابهم وأبناءهم إلى السبئية الماكرة، واليهودية الأثيمة.
وأما نحن:
فالله يشهد إنا لا نحبهم ولا نلومهم إن لم يحبونا
ولا جعلنا الله من الذين يحبون من يبغضون أصحاب حبيب الله r القائل فيهم: "من أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم" [رواه أحمد، قال صاحب الفتح الرباني (22/169): أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه].
ولا من الذين يشترون الحياة الدنيا وزخارفها، وأموالها الفانية، وشهرتها البائدة، ومديح طائفة منها، ورضاهم بالآخرة الباقية الدائمة، والضلالة بالهدى، والعذاب بالمغفرة.
يتبع