ورع عمر بن عبد العزيز

LOTFI2044

:: عضو مُتميز ::
أحباب اللمة
ذكر ابن سعد في الطبقات ‏ عن عمر بن عبد العزيز ‏‏ أنه كان إذا خطب على المنبر فخاف على نفسه العجب قطعه، وإذا كتب كتابا فخاف فيه العجب مزقه ويقول‏:‏ اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ‏.‏

اعلم أن العبد إذا شرع في قول أو عمل يبتغي به مرضاة الله مطالعا فيه منة الله عليه به وتوفيقه له فيه وأنه بالله لا بنفسه ولا بمعرفته وفكره وحوله وقوته ، بل هو الذي أنشأ له اللسان والقلب والعين والأذن ، فالذي من عليه بذلك هو الذي من عليه بالقول والفعل فإذا لم يغب ذلك عن ملاحظته ونظر قلبه لم يحضره العجب الذي أصله رؤية نفسه وغيبته عن شهود منة ربه وتوفيقه قلبه لم يحضره العجب الذي أصله رؤية نفسه وغيبت عن شهود منه ربه وتوفيقه وإعانته ‏.‏ فإذا غاب عن تلك الملاحظة وثبت النفس وقامت في مقام الدعوى ، فوقع العجب ففسد عليه القول والعمل، تارة يحال بينه وبين تمامه ويقطع عليه ويكون ذلك رحمة به حتى لا يغيب عن مشاهدة المنة والتوفيق ‏.‏ وتارة يتم له ولكن لا يكون له ثمرة، وإن أثمر ثمرة ضعيفة غير محصلة للمقصود‏.‏ وتارة يكون ضرره عليه أعظم من انتفاعه، ويتولد له منه مفاسد شتى بحسب غيبته عن ملاحظة التوفيق والمنة ورؤية نفسه وإن القول والفعل به‏.‏


من هذا الموضع يصلح الله سبحانه أقوال عبده وأعماله ويعظم له ثمرتها أو يفسدها عليه ويمنعه ثمرتها فلا شيء أفسد للأعمال من العجب ورؤية النفس ، فإذا أراد الله بعبده خيرا أشهده منته وتوفيقه وإعانته له في كل ما يقوله ويفعله فلا يعجب به‏.‏ ثم أشهده تقصيره فيه وأنه لا يرضى لربه به فيتوب إليه منه ويستغفره، ويستحي أن يطلب عليه أجرا وإذا لم يشهده ذلك وغيبه عنه فرأى نفسه في العمل ورآه بعين الكمال والرضا، لم يقع ذلك العمل منه موقع القبول والرضا والمحبة ، فالعارف يعمل العمل لوجهه مشاهدا فيه منته وفضله وتوفيقه ، معتذرا منه إليه مستحييا منه إذ لم يوفه حقه، والجاهل يعمل العمل لحظه وهواه ناظرا فيه إلى نفسه يمن به على ربه راضيا بعمله، فهذا لون وذاك لون آخر‏.‏



فوائد هجر العوائد


الوصول إلى المطلوب موقوف على هجر العوائد وقطع العوائق ‏.‏ فالعوائد السكون إلى الدعة والراحة وما ألفه الناس واعتادوه من الرسوم والأوضاع التي جعلوها بمنزلة الشرع المتبع، بل هي عندهم أعظم من الشرع فإنهم ينكرون على من خرج عنها وخالفها ما لا ينكرون على من خالف صريح الشرع، وربما كفروه أو بدعوه وضللوه، أو هجروه وعاقبوه لمخالفة تلك الرسوم، وأماتوا لها السنن، ونصبوها أندادا للرسول يوالون عليها ويعادون ،فالمعروف عندهم ما وافقها والمنكر ما خالفها‏.‏


وهذه الأوضاع والرسوم قد استولت على طوائف بني آدم من الملوك والولاة والفقهاء والصوفية والفقراء والمطوعين والعامة‏.‏ فربي فيها الصغير ونشأ عليها الكبير واتخذت سننا بل هي أعظم عند أصحابها من السنن‏.‏ الواقف معها محبوس والمتقيد بها منقطع ‏.‏ عم بها المصاب، وهجر لأجلها السنة والكتاب ‏.‏ من استنصر بها فهو عند الله مخذول ، ومن اقتدى بها دون كتاب الله وسنة رسوله فهو عند الله غير مقبول، وهذه أعظم الحجب والموانع بين العبد وبين النفوذ إلى الله ورسوله‏.‏



الفوائد_الإمام شمس الدين أبي عبد الله بن قيم الجوزية
 
آخر تعديل بواسطة المشرف:
الإنسان عندما يريد أن يتحدث عن العظماء يقف حيراناً من أين يبدأ؟ وإلى أين ينتهي؟ وماذا يقدم وماذا يؤخر؟ ذلك أن العظماء لا يستغني الإنسان عن فوائد موقف من مواقفهم العظيمة
لقد كان عمر بن عبد العزيز مثلاً أعلى في الزهد في زمانه؛ فعن مكحول قال: "لو حلفت لصدقت ما رأيت أزهد ولا أخوف لله من عمر بن عبد العزيز"، وقال مالك بن دينار: "الناس يقولون: إني زاهد؛ إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها"، وقال عمر في بعض خطبه: "إن الدنيا لا تسر بقدر ما تضر، تسر قليلاً وتحزن طويلاً".
نعم لقد كان عمر بن عبد العزيز أزهد أهل زمانه؛ قال ابن عبد الحكم: "لما ولي عمر بن عبد العزيز زهد في الدنيا، ورفض ما كان فيه، وترك ألوان الطعام"، فكان لا يهمه من الأكل إلا ما يسد جوعه، ويقيم صلبه، وكانت نفقته وعياله في اليوم درهمين، كما في الأثر عن سالم بن زياد قال: "كان عمر ينفق على أهله في غدائه وعشائه كل يوم درهمين"، وكان لا يلبس من الثياب إلا الخشن، وترك مظاهر البذخ والإسراف التي سادت قبله وأمر ببيعها وأدخل أثمانها في بيت مال المسلمين، بل إنه في مرض موته لم يكن له إلا ثوب واحد؛ فعن مسلمة بن عبد الملك قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز أعوده في مرضه فإذا عليه قميص وسخ, فقلت لفاطمة بنت عبد الملك -زوجة عمر-: يا فاطمة اغسلي قميص أمير المؤمنين. قالت: نفعل إن شاء الله. ثم عدت فإذا القميص على حاله, فقلت: يا فاطمة ألم آمركم أن تغسلوا قميص أمير المؤمنين؟! قالت: والله ما له قميص غيره".
وكان من زهده -رحمه الله- أنه كانت إذا جاءته الأموال يقسمها على الناس ولا يأخذ منها شيئاً؛ فعن الفهري عن أبيه، قال: كان عمر بن عبد العزيز يقسم الفيء فتناول ابن له صغير تفاحة، فانتزعها من فيه، فأوجعه فسعى إلى أمه مستعبراً -يبكي- فأرسلت إلى السوق فاشترت له تفاحاً، فلما رجع عمر وجد ريح التفاح، فقال: يا فاطمة هل أتيت شيئاً من هذا الفيء؟ قالت: لا. وقصت عليه القصة، فقال: والله لقد انتزعها من ابني لكأنما نزعتها من قلبي، ولكن كرهتُ أن أضيع نصيبي من الله -عز وجل- بتفاحة من فيء المسلمين.
وأما عن زهده في المال وجمعه فإن الإنسان يقف مندهشاً في ذلك؛ قال ولده عبد العزيز: سألني أبو جعفر المنصور: كم كانت غلة أبيك حين أفضت الخلافة إليه؟ قلت: أربعين ألف دينار، قال: فكم كانت حين توفي؟ قلت: أربعمائة دينار ولو بقي لنقصت"، وذلك لأنه لم يرتزق من بيت المسلمين شيئاً.
لقد كان عمر مثالاً رائعاً في الزهد، قال ذات مرة لمولاه مزاحم: "إني قد اشتهيت الحج، فهل عندك شيء؟ قال: بضعة عشر ديناراً، قال: وما تقع مني؟! ثم مكث قليلاً، ثم قال له: يا أمير المؤمنين تجهّز، فقد جاءنا مال سبعة عشر ألف ديناراً من بعض مال بني مروان، قال: اجعلها في بيت المال، فإن تكن حلالاً فقد أخذنا منها ما يكفينا، وإن تكن حراماً فكفانا ما أصابنا منها، قال مزاحم: فلما رأى عمر ثقل ذلك علي، قال: ويحك يا مزاحم لا يكثرن عليك شيء ضعته لله، فإن لي نفساً توّاقة لم تَتُق إلى منزلة فنالتها إلا تاقت إلى ما هي أرفع منها، حتى بلغت اليوم المنزلة التي ليس بعدها منزلة، وإنها اليوم قد تاقت إلى الجنة"، نرجو من الله أن يبلغه ما تاقت إليه نفسه من الجنة كما حقق له ما تاقت إليه نفسه في الدنيا.
والأخبار في زهد عمر كثيرة جداً لا يسع المقام لذكرها، ولكن هذه بعضا منها، ذكرناها لنأخذ منها العبرة، ولنتشبه به في ذلك، فإن التشبه بالكرام فلاح.


 
شكرا وجزاك الله خيرا
 
بارك الله فيكما على الفائدة الطيبة والموعظة البليغة.
 
توقيع ابو ليث
تنبيه: نظرًا لتوقف النقاش في هذا الموضوع منذ 365 يومًا.
قد يكون المحتوى قديمًا أو لم يعد مناسبًا، لذا يُنصح بإشاء موضوع جديد.
العودة
Top Bottom