جاء ليسرقنا فسرقناه!

حيدرة

:: عضو مُشارك ::
جاء ليسرقنا فسرقناه!
خبَّاب بن مروان الحمد
جاء في كُتب السِّيَر والتراجِم: رُوي عن السَّرِي بن مُغَلِّس السَّقَطي أنَّ لصًّا دخَل بيت مالك بن دينار، فما وجَد شيئًا، فجاء ليخرجَ، فناداه مالك: سلام عليكم، فقال: وعليكم السلام، قال: ما حصَل لكم شيء من الدنيا، فترغَب في شيءٍ من الآخرة، قال: نعم، قال: توضَّأ من هذا المِرْكَن وصَلِّ ركعتين، واستغفرِ الله، ففعَل، ثم قال: يا سيِّدي، أجْلس إلى الصبح؟ قال: فلمَّا خرَج مالك إلى المسجد، قال أصحابه: مَن هذا معك؟ قال: جاء يَسْرقنا فسرقناه[1].

حينما يكون الداعية إلى الله شخصًا تجتمع لَدَيه نوازعُ الخير والرحمة، والبُعد عن الانتقام والتشفِّي، فإنَّه سيكون بالفعل خيرَ قُدوة يُقْتَدى بها يومَ أن قلَّ الراحم للآخرين، وكَثُر التشفِّي والانتقام من الغَير، وباتَ كثيرٌ من الناس يردِّدون عبارة: "لن أطلبَ الرحمة من أحدٍ، ولكن سيأتي يومٌ لن أرحمَ فيه أحدًا!".

يتبيَّن أنَّ كثيرًا من الناس باتتْ لَدَيهم قناعات لا تنفكُّ عن حُبِّ الأنا، وكراهية الغير، والبُعد عن الإحسان إلى الناس، والنظر إليهم جميعًا بمنطق العَداء والبُغض، لكنَّنا حينما نقف مَشدوهين من موقف الإمام مالك بن دينار مع ذلك اللص، فسنجده بالفعل يُعطينا دروسًا تربويَّة، لعلَّ من أبرزها:

1- زُهْد الدُّعاة إلى الله - تعالى - وابتعادهم عن زُخرف الحياة الدنيا وزِينتها، ورائدهم في ذلك محمد بن عبدالله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فما كان هنالك من شيءٍ في بيت مالك بن دينار يردُّ العين كرَّة بعد أخرى لقيمته أو نَفاسته، بل كانت أمتعته وأثاثه شيئًا زهيدًا لَم يستفدْ منها ذلك السارق شيئًا.

2- ثبات قلب الداعية أمام الفُسَّاق، وقوَّة قلبه في مواجهتهم، وذلك حينما ألْقَى عليه مالك بن دينار السلام، فلم يجزعْ منه أو يَتلكَّأ، بل واجَهه بثبات الجبال الراسيات.

3- استغلال الموقف بالدعوة إلى الله، وذلك أنَّه حينما رأى ذلك السارق لَمْ يَعثر على شيءٍ من متاع الحياة الدنيا، واجَهه مالك بن دينار بمناقشة عقلانيَّة عظيمة، وهي: "ما حصل لكم شيء من الدنيا، فترغَب في شيء من الآخرة"، ولقد كان هذا الخطاب بالفعل انتهازًا للفرصة المواتية لأنْ يقولَ مالك بن دينار هذه الكلمة، والتي قرَّت في سويداء قلب ذلك السارق.

4- الداعية إلى الله يترفَّق بالمخطئين والمذنبين، ويعلم أنَّ نوازع الشرِّ التي عندهم تقابلها أيضًا نوازعُ خيرٍ بداخلهم، وقد كان بإمكانه أن يذهبَ به إلى الشرطة؛ لينال العقاب والجزاء، ولكنَّه يبدو أنَّه آثَر ما لدى ذلك السارق من ضَعفٍ وفقرٍ، فترفَّق به، بل علَّمه شيئًا من أمور دينه، كالاستغفار عمَّا حصَل منه، وصلاة ركعتين يتوب إلى الله فيهما، والقعود في المسجد إلى الصبح؛ لينال شيئًا من هدوء النفس والخَلوة مع ربِّ العالمين.

5- جواب الإمام مالك لطلابه عن ذلك الشخص الذي رأوه واستغربوا وجودَه؛ إمَّا لمظهره، أو لأنَّه جديدٌ عليهم، وقولته لهم: "جاء يسرقنا فسرقناه"، تُبيِّن أنَّ الداعية إلى الله شخصٌ ذكي، يُحْسِن استغلال المواقف، فما دام أنَّ ذلك السارق فَشِل في سرقته لِمَا في بيت ذلك العالِم، ولَم يجد لَدَيه شيئًا من متاع الدنيا، فاقتنَص الفرصة، واصطاد ذلك السارق في شباكه الدعوية، فاصطاده بعفوه عند المقدرة، واصطاده بخُلُقه الحسن؛ إذ لَم يُسئ إليه، أو يعامله بالسوء، واصطاده بتعليمه أمورَ الشريعة؛ من الاستغفار والدعاء، والصلاة والذهاب به إلى المسجد.

6- طُرق تعامل الناس مع اللصوص تختلف، فلو حدَث هذا الموقف اليوم بين لِصٍّ وآخرين، لأوسعوه ضرْبًا وسبًّا وشَتْمًا، وحُقَّ لهم ذلك، وهو يستحق؛ فالله - تعالى - يقول: ﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ﴾ [النساء: 148].

لكنَّ المقصد من الفكرة أنَّ هنالك أساليبَ للتعامل، أحيانًا قد تكون ناجعة وناجحة، وتؤدِّي نتيجة وثمارًا يانعة لَم تكنْ تخطر ببال أحدٍ، ولا يوفَّق لها إلاَّ الأخيار.

والله ولي التوفيق.

-------------------------
[1] "تاريخ الإسلام"؛ للذهبي، 2/ 144.​
 
عرفوا الله حقا وعرفوا أسلوب الحسن في الدعوة إليه وأثره فلقد أسره بكلمات طيبة كانت سببا في رجوعه إلى الطريق الصحيح وكما تفضلتم حينما يكون الداعية إلى الله شخصًا تجتمع لَدَيه نوازعُ الخير والرحمة، والبُعد عن الانتقام والتشفِّي، فإنَّه سيكون بالفعل خيرَ قُدوة يُقْتَدى بها يومَ أن قلَّ الراحم للآخرين بارك الله فيكم وجزاكم كل الخير ونسأل الرحمان أن لا يحرمكم من شرف الدعوة إليه وأن يستخدمكم ولا يستبدلكم
 
عرفوا الله حقا وعرفوا أسلوب الحسن في الدعوة إليه وأثره فلقد أسره بكلمات طيبة كانت سببا في رجوعه إلى الطريق الصحيح وكما تفضلتم حينما يكون الداعية إلى الله شخصًا تجتمع لَدَيه نوازعُ الخير والرحمة، والبُعد عن الانتقام والتشفِّي، فإنَّه سيكون بالفعل خيرَ قُدوة يُقْتَدى بها يومَ أن قلَّ الراحم للآخرين بارك الله فيكم وجزاكم كل الخير ونسأل الرحمان أن لا يحرمكم من شرف الدعوة إليه وأن يستخدمكم ولا يستبدلكم

وفيكِ بارك الله، وجزيت بمثله وزيادة اُخية
آمين لدعائك ولكِ بالمثل.. آمين
شكرا لمرورك أختي..
 
حينما يكون الداعية إلى الله شخصًا تجتمع لَدَيه نوازعُ الخير والرحمة، والبُعد عن الانتقام والتشفِّي، فإنَّه سيكون بالفعل خيرَ قُدوة يُقْتَدى بها


رائعة جدا.. هولاء هم أتباع ديننا العظيم السمح ،،
الرحمة والعفو عند المقدرة ..
قلَّ الراحم للآخرين، وكَثُر التشفِّي والانتقام من الغَير، وباتَ كثيرٌ من الناس يردِّدون عبارة: "لن أطلبَ الرحمة من أحدٍ، ولكن سيأتي يومٌ لن أرحمَ فيه أحدًا!".
فعلا ،، أصبحت النفوس ضعيفة ،، مهزوزة ..
الله يصلح الأحوال,,

موضوع مميز وقيم جدا..
أسأل الله أن ينفع به وبكم أخي الكريم،،
وفي موازين حسناتكم .. لباري..ووفقكم الباري..
سلامي..

 
توقيع Autumn leaves
موضوع مميز وقيم جدا..
أسأل الله أن ينفع به وبكم أخي الكريم،،
وفي موازين حسناتكم .. لباري..ووفقكم الباري..
سلامي..

آمين آمين
ولك بالمثل بارك الله فيك اختي الكريمة..
 
موضوع مميز وقيم جدا..
أسأل الله أن ينفع به وبكم أخي الكريم،،
وفي موازين حسناتكم .. لباري..ووفقكم الباري..
سلامي..

آمين آمين
ولك بالمثل بارك الله فيك اختي الكريمة..
 
سبحان الله
بارك الله فيك اخي الحبيب
 
تنبيه: نظرًا لتوقف النقاش في هذا الموضوع منذ 365 يومًا.
قد يكون المحتوى قديمًا أو لم يعد مناسبًا، لذا يُنصح بإشاء موضوع جديد.
العودة
Top Bottom