موسوعة الفتاوى الإسلامية ( تبحث عن مسألة ادخل هنا التشفي غليلك وتتفقه في دينك)

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,283
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
موسوعة الفتاوى الإسلامية


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الواحد القهار ، العزيز الغفار ، مصرف الأمور ، مكور الليل على النهار ، تبصره لأولى القلوب والأبصار الذي أيقظ من خلقه من اصطفاه في جملة الأخيار أحمده أبلغ الحمد على جميع نعمه ، وأسأله المزيد من فضله وكرمه ، وأشهد أن لا إله إلا الله العظيم الواحد الصمد العزيز الحكيم وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله أفضل المخلوقين وأكرم السابقين أجمعين واللاحقين

وبعد :

فحياكم الله وبياكم أيها الأفاضل في هذا المنتدى الشهم الشامخ وجعلنا الجنة مثوانا ومثواكم وثبت على الحق خطانا وخطاكم.

أضع بين أيديكم هذه الموسوعة الفقهية وهي مجموعة من الفتاوى الإسلامية لفضيلة العلماء الأجلاء : سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، فضيلة الشيخ محمد بن صـالح بن عثيمين،
وفضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين، رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته، إضافة إلى اللجنة الدائمة وقرارات المجمع الفقهي سائلا المولى عز وجل أن تعود عليكم وعلينا بالنفع والفائدة لنتفقه في ديننا الذي هو عصمة أمرنا وليصلح الله لنا دنيانا التي فيها معاشنا وليصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ويصلح لنا أمرنا كله انه أكرم مسؤول وخير مأمول.

وأحيطكم علما بأن الموضوع الذي بين أيدينا موضوع ضخم جدا ومهم في نفس الوقت، وسأحاول أن أضع بين الفينة والأخرى فتاوى جديدة لتسهيل المتابعة والقراءة على المتلقي الكريم بدلا من إضافة الموضوع بأكمله دفعة واحدة لما سيسببه ذلك من شق الأنفس واتعابها على المتابعة والقراءة..



الجزء الأولــ
إلى نهاية كتاب الصلاة

جمع وترتيب
محمد بن عبدالعزيز المسند



كتاب العقيدة


ص 15 / من يذبح للجن لا يقبل منه عمل حتى يتوب

الحمد لله وبعد : فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على هذا الاستفتاء ونصه " يأتينا مطاوعة في البادية ويقولون : الذي يذبح للجن ماله صلاة ولا حج ، وأنا عندما سمعت منهم هذا الكلام تبت إلى الله أني ما أذبح للجن وقد حججت ويقولون أن حجك باطل فهل حجي باطل ، أم صحيح ؟ فإذا كان باطلاً فسأحج من جديد " ؟ .

- وأجابت بمايلي :


الذبح للجن شرك بالله سبحانه وتعالى ، ولو مات فاعله عليه دون توبة منه لكان خالداً مُخلّداً في النار ، والشرك لا يصحُّ معه عمل ، لقول الله سبحانه : { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } . ( سورة الأنعام ) . فالحمد لله تعالى أن وفقك للتوبة من هذا الذنب العظيم الذي لا يُقبل معه عمل ، وحُجَّ من جديد ، وإن صدقت توبتك فقد وعد الله التائب بالمغفرة وإبدال سيئاتك حسنات ، لقوله سبحانه : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } ( سورة الروم ) .
وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه .
اللجنة الدائمة

10.gif


حكم من أحل ذبيحة المشرك

س : مَن أحل ذبيحة المشرك ، وهو يحتج بقول الله تعالى : { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } ( سورة الأنعام ) . ويقول إن هذه الآية لا تحتاج إلى تفسير ، ولم يسمع قول أحد هل يكون كافراً ؟

ج : مَن أحل ذبيحة مشرك الشرك الأكبر لذكره اسم الله عليها فهو مخطىء ، لكنه ليس بكافر لوجود الشبهة ولا حجة له في الآية ، لأن عمومها خُصّص بالإجماع على تحريم ذبيحة المشرك ، وعلى من قَوِيَ على البيان وعَلِمَ ذلك منه إرشاده .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 16 / حكم الحج عن المشرك والاستغفار له

س : شخص لا يصوم ولا يصلي في حياته ، ويذبح للجن والشجر والحجر كأصنام له ، ومات مُصرًّا على ذلك ، هل يجوز لقريبه أن يحج عنه أو أن يستغفر له ؟

ج : من مات على الحالة المذكورة في السؤال ، يعتبر مشركاً شركاً أكبر لا يجوز الحج عنه ولا الاستغفار له ، لقوله سبحانه وتعالى : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } ( سورة التوبة ) . ولما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " استأذنتُ ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي ، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي " .
اللجنة الدائمة

10.gif


معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " كُلهم في النار إلا واحدة "

س : ما المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمة حيث يقول في حديث : " كلهم في النار إلاواحدة " وما الواحدة ؟ وهل الاثنان والسبعون فرقة كلهم خالدون في النار على حكم المشرك أم لا ؟ وإذا قيل أمة النبي صلى الله عليه وسلم ، هل هذه الأمة تقال لأتباعه وغير الأتباع أو تقال لأتباعه فقط ؟

ج : المراد بالأمة في هذا الحديث أمة الأجابة ، وأنها تنقسم ثلاثاً وسبيعين : اثنتان وسبعون منها منحرفة مبتدعة بدعاً لا تخرج بها من ملة الإسلام ، فتعذب ببدعتها وانحرافها إلا من عفا الله عنه وغفر له ، ومآلها الجنة ، والفرقة الواحدة الناجية هي أهل السنة والجماعة الذين استـنُّوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولزِموا ما كان عليه هو وأصحابه رضي الله عنهم ، وهم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تزال طائفة من أمتي قائمة على الحق ظاهرين لا يَضرُّهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله " . أما من أخرجته بدعته عن الإسلام ، فإنه من أمة الدعوة لا الإجابة ، فيخلد في النار ، وهذا هو الراجح .
وقيل المراد بالأمة في هذا الحديث أمة الدعوة ، وهي عامة تشمل كل من بُعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، مَن آمن منهم ومن كفر ، والمراد بالواحدة أمة الإجابة وهي خاصة بمن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ، إيماناً صادقاً ومات على ذلك ، وهذه هي الفرقة الناجية من النار : إما بلا سابقة عذاب وإما بعد سابقة عذاب ، ومآلها الجنة .
وأما الاثنتان والسبعون فِرقة : فهي ما عدا الفرقة الناجية ، وكلها كافرة مخلدة في النار وبهذا يتبين أن أمة الدعوة أعمُّ من أمة الإجابة ، فكل من كان من أمة الإجابة فهو من أمة الدعوة ، وليس كل من كام من أمة الدعوة من أمة الإجابة .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 17 / معنى الورود في قوله تعالى : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا }

س : لقد قرأت آية من سورة مريم وهي الآية ( 71 – 72 ) التي تقول : بسم الله الرحمن الرحيم { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا . ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } . أنا أريد أن أعرف معنى هذه الآية الكريمة وخاصة معنى الورود ؟

ج : قد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، على أن المراد بالورود هو المرور عليها فوق الصراط ، وهو منصوب على متن جهنم أعاذنا الله والمسلمين منها ، والناس يمرون عليه على قدر أعمالهم كما ذكر في الأحاديث .

الشيخ ابن باز

10.gif


كيف يقوم الناس من قبورهم

س :كيف يقوم الناس من قبورهم يوم القيامة ، وكيف يقوم الأ نبياء والأ قطاب والأبدال ؟ ومن
أول مَن يُكسى ؟

ج : يُعيد الله سبحانه خَلقَ الناس يوم القيامة من عجب الذنب ، فينبتون منه خلقاً سوياً كما ينبت الزرع من الحب ، والنخل من النوى ، ثم يخرجون من قبورهم حفاة عراة غُرْلاً ، سراعاً كأنهم جراد منتشر أو فراش مبثوث لا يضلون طريق الموقف ، بل هم أهدى إليه من القَطا ، كأنهم إلى نصب يوفضون ، وأول من تنشق عنه الأرض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو أول من يفيق من الصَّعق . أما أول مَن يكسى بعد البعث فخليل الرحمن عليه الصلاة والسلام ، ويشتد الهول بجميع الناس حتى يقول كل نبي يومئذ : نفسي نفسي . ومَن قرأ آيات البعث من سورة القمر والمعارج والقارعة وأمثالها ، تبين له الكثير مما تقدم ، وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنكم محشورون حفاة عُراة غُرلاً " ثم قرأ : { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } . وأول من يُكسى يوم القيامة إبراهيم ، وإن أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول أصحابي . فيقول : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح : { وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ } إلى آخر قوله : { الْحَكِيمُ } وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن الناس يُصعقون يوم القيامة فأكون أول من تَنْشق عنه الأرض .. " . الحديث . وفيهما أيضا : " أن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق " الحديث .
انظر تحقيق الحديثين في شرح الطحاوية عند كلام الطحاوي في أحوال الناس يوم القيامة .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 18 / حقيقة التوكل على الله

س : ليس من التوكل على الله أن تَقذف بنفسك في حوض السباحة وأنت لا تعرف العوم ، أو تخاطر بنفسك في حركة رياضية لم تدرَّب عليها ، فما هي حقيقة التوكل على الله ؟ نرجو الإفادة ، مع جزيل الشكر .

ج : التوكل على الله تفويض الأمر إليه تعالى وحده ، وهو واجب بل أصل من أصول الإيمان ، لقوله تعالى : { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } . وهو من الأسباب المعنوية القوية لتحقيق المطلوب وقضاء المصالح . لكن على المؤمن أن يضم إليه ماتيسر له من الأسباب الأخرى سواء كانت من العبادات كالدعاء والصلاة والصدقة وصلة الأرحام ، أم كانت من الماديّات التي جرت سنة الله بترتيب مسبّباتها عليها ، كالأمثلة التي ذكر السائل في استفتائه ونحوها اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه خير المتوكلين ، وكان يأخذ بالإسباب الأخرى المناسبة مع كمال توكله على الله تعالى ، فَمَن ترك الأسباب الخرى مع تيسرها واكتفى بالتوكل فهو مخالف لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويسمى توكله عجزاً ، لا توكلاً شرعياً وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


حكم افتتاح المساجد بالحفلات والاجتماع لذلك


الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد :
فقد اطّلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم إلى سماحة الرئيس العام ، ونصه : ( إذا بُني عندنا مسجد جديد وأريد ابتداء الصلاة فيه دعي الناس من البلدان فيجتمعون لهذا الذي يسمونه افتتاح المسجد ، فما حكم إتيانهم لهذا الغرض ؟ وهل حديث : " لا تُشد الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد " يدل على تحريم ذلك ؟ وإذا كان جائزاً فما الدليل على ذلك ؟ وهل حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ، دعاه بعض الصحابة ليصلي في ناحية من بيته ليتخذها مصلّى .. يدل على جوازه ؟ وكذلك هل يدل عليه مفهوم ما جاء في قصة مسجد الضِّرار بحيث لم يوجّه ربنا نهيه إلى مجرد عزمه على الذهاب ، وإنما نهاه لأن المسجد لم يُبنَ إلا ضراراً وكفراً ؟ إلخ . أفيدونا أفادكم الله ) .

وأجابت بما يلي :

افتتاح المساجد يكون بالصلاة فيها وعمارتها بذكر الله ، من تلاوة قرآن والتسبيح والتحميد والتهليل وتعليم العلوم الشرعية ووسائلها ونحو ذلك مما فيه رفع شأنها ، قال الله تعالى :{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ . رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ .لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } . بهذا ونحوه من النصائح والمواعظ والمشورة كان يعمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم . وتبعه في هذا الخلفاء الراشدون وسائر صحابته وأئمة الهدى من بعده رضي الله عنهم ورحمهم ، والخير كل الخير في الاهتداء بهديهم في الوقوف عندما قاموا به في افتتاح المساجد ، وعمارتها بما عمروها به من العبادات ومافي معناها من شعائر الإسلام ، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم ، ولا عمّن اتبعه من أئمة الهدى أنهم افتتحوا مسجداً بالاحتفال وبالدعوة إلى مثل ما يدعو إليه الناس اليوم ، من الاجتماع من البلاد عند تمام بنائه للإشادة به ، ولو كان ذلك مما يُحمد لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسبق الناس إليه ولسنَّه لأمته ولتبعه عليه خلفاؤه الراشدون وأئمة الهدى من بعده ، ولو حصل ذلك لنُقل .
وعلى هذا فلا ينبغي مثل هذه الاحتفالات ، ولا يُستجاب للدعوة إليها ولا يُتعاون على إقامتها بدفع مالٍ أو غيره ، فإن الخير في اتباع من سلَف ، والشر في ابتداع من خلف ، وليس في دعوة بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلى بيته ليصلي في مكانٍ منه ركعتين كي يتخذ صاحبه مصلى يصلي فيه ما قدر له من النوافل دليل على ما عُرف اليوم من الاحتفالات لافتتاح المسجد ، فإنه لم يَدْعُه إلى احتفال ، بل لصلاة ، ولم يسافر لأجل تلك الصلاة ، ثم السفر إلى ذلك الاحتفال أو للصلاة في ذلك المسجد داخل في عموم النهي عن شدِّ الرِّحال إلى غير المساجد الثلاثة المعروفة ؛ فينبغي العدول عن تلك العادة المُحْدثة ، والاكتفاء في شؤون المساجد وغيرها بما كان عليه العمل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأتباعه أئمة الهدى رحمهم الله ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 20 / علي رضي الله عنه لا يعين أحدا بعد موته

س : ورد إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء هذا السؤال : هل يُعين علي رضي الله عنه أحداً عند المصائب ؟

ج : قُتل علي رضي الله عنه ولم يَعلم بتدبير قاتله ، ولم يستطع أن يدفع عن نفسه ، فكيف يُدّعى أنه يدفع المصائب عن غيره بعد موته وهو لم يستطع أن يدفعها عن نفسه في حياته ؟ فمن اعتقد أنه أو غيره من الأموات يجلب نفعاً أو يعين عليه أو يكشف ضراً ، فهو مشرك ، لأن ذلك من اختصاص الله سبحانه ، فمَن صَرَفه إلى غيره عقيدةً فيه ، أو استعانة به : فقد اتخذه إلهاً . قال الله تعالى : { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } .
اللجنة الدائمة

10.gif


حكم وضع باقة من الزهور على القبر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد :
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم إلى سماحة الرئيس العام ، ونصه ( وضع باقة من الزهو على قبر الجندي المجهول ، هل ينطبق على ذلك ما ينطبق على عمل الذين عظَّموا أولياءهم وصالحيهم حتى عُبدوا ) . ؟

وأجابت بما يلي :


هذا العمل بدعة وغُلو في الأموات ، وهو شبيه بعمل أولئك في صالحيهم من جهة التعظيم واتخاذ شعار لهم ، ويُخشى منه أن يكون ذريعة على مر الأيام إلى بناء القباب عليهم والتبرك بهم واتخاذهم آلهة مع الله سبحانه ، فالواجب تركه سداًّّ لذريعة الشرك ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


مصير أصحاب الكبائر إذا ماتوا وهم مصرون عليها

س : قال تعالى :{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } وقال تعالى : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ] وقال تعالى : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .
فهؤلاء الذين يرتكبون مثل هذه الكبائر ، ولا يوجد مَن يطبق عليهم الأحكام ، وماتوا وهم غير تائبين ، فما حكم الله فيهم يوم القيامة ؟

ج : عقيدة أهل السنة والجماعة أن من مات من المسلمين . مُصرًّا على كبيرة من كبائر الذنوب كالزنا والقذف والسرقة ، يكون تحت مشيئة الله سبحانه إن شاء الله غفر له ، وإن شاء عذّبه على الكبيرة التي مات مُصرًّا عليها ، ومآله إلى الجنة لقوله سبحانه وتعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } . وللأحاديث الصحيحة المتواترة الدالة على إخراج عصاة الموحدين من النار ، ولحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه المُخرّج في الصحيحين ، وهو نص في الموضوع وهذا لفظه : قال عبادة رضي الله عنه : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " أتبايعونني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تزنوا ولا تسرقوا ، وقرأ آية النساء – يعني الآية المذكورة – وأكثر لفظ سفيان قرأ الآية – فمن وفّى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب فهو كفارة له ، ومن أصاب منها شيئاً من ذلك فستره الله فهو إلى الله ، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له " .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 21 /حكم السجود على المقابر والذبح لها

س : ما حكم السجود على المقابر والذبح لها ؟

ج : السجود على المقابر والذبح عليها وثنية جاهلية وشرك أكبر ، فإن كلًّا منهما عبادة والعبادة لا تكون إلا لله وحده ؛ فمن صرفها لغير الله فهو مشرك . قال تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } ( سورة الأنعام ، الآيتان : 162 ، 163 ) . وقال تعالى : { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ . فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } . إلى غير هذا من الآيات الدالة على أن السجود والذبح عبادة ، وأن صرفهما لغير الله شرك ، ولا شكَّ أن قَصْد الإنسان إلى المقابر للسجود عليها أو الذبح عندها ، إنما هو لإعظامها وإجلالها بالسجود والقرابين التي تُذبح أو تُنحر عندها ، وروى مسلم في حديث طويل في باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعْن فاعله ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال فيه : حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات : لعن الله من ذبح لغير الله ، لعن الله من لعن والديه ، ولعن الله من آوى محدثا ، ولعن الله من غيَّر منار الأرض " ، وروى أبو داود في سننه من طريق ثابت بن الضحاك – رضي الله عنه – قال : نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " هل كان فيها وَثَن من أوثان الجاهلية يُعْبَد ؟ " قالوا : لا ، فقال : " فهل كان فيه عيدٌ من أعيادهم ؟ " قالوا : لا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أوفِ بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله " . فدل ما ذكر على لعن من ذبح لغير الله ، وعلى تحريم الذبح في مكان يُعظَّم فيه غير الله من وثن أوقبر ، أو كان فيه اجتماع لأهل الجاهلية اعتادوه وإن قصد بذلك وجه الله . وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 22 / حكم الذبح للأموات

الحمد لله وبعد : فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على هذا السؤال ونصه : إن بعض الناس في بلادي يعبدون غير الله سبحانه وتعالى ، ولهم عادة متبعة وموروثة وهي أن كل إنسان يموت عندهم يذبحون له ذبيحة من البقر أو خروفاً أو غير ذلك من بهيمة الأنعام ، ولهم طريق في ذلك . وبعد ذبح الذبيحة توزّع لحومها على بعض المسلمين حولهم ، وفي حالة توزيع اللحوم عليهم يكون جوابهم رفض أخذ هذه اللحوم لأنها حرام ، وعندما سمعوا جواب المسلمين برفض أخذ اللحوم قالوا لهم : خذوا هذه البقرة واذبحوها على طريقتكم وكلوا منها ليكون صدقة على هذا الميت الذي يعبد غير الله سبحانه وتعالى .
فهل يجوز لنا أخذ هذه البقرة وذبحها على الطريقة الإسلامية ، وتوزيع لحومها على المسلمين أم لا يجوز ؟ وهل يعتبر عمل ذلك مشاركة في أفعالهم ؟ جزاكم الله خيراً .

وأجابت بما يلي :

عبادة غير الله كالنذر أو الاستعانة بغير الله من الأموات والغائبين والأشجار ونحو ذلك شرك ، وقد أحسَنَ من رفض أخذ لحوم الأبقار التي ذبحها من يعبد غير الله لموتاهم ، ولا بأس بأخذ ما يدفعه هؤلاء من البقر أو الأبقار الحية ليذبوحها على الطريقة الإسلامية غير متحيّرين لذبحها وقت موت الميت ، وليس في ذلك مشاركة لهم في بدعتهم ، وليس لهم أن يقصدوا بذبحها ولا بتوزيعها الصدقة على الميت ، إذا كان هذا الميت ممن يعبد غير الله . فإن قصدوا ذبحها وقت موته أو السير بجنازته ، لم يجز لما في ذلك من المشاركة لهم في بدعتهم .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 23 / حكم كتابة العزائم والحروز والرقى

س : يوجد أناس تكتب العزائم على المرضى والمجانين والمصابين بالأمراض النفسية يكتبون حروزاً معروفة من القرآن والسنة ولا نزكيهم نحن ، فقد نصحناهم وأبوا يقولون : كتاب الله وسنة رسوله ليسا ممنوعين ، ومنهم من يعلّقه على المريض بنفسه وهو غير طاهر كالحائض والنفساء والمجنون والمعتوه والصغير الذي لا يعقل ولا يتطهر ، فهل يجوز ذلك ؟

ج : أذِن النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية بالقرآن والأذكار والأدعية ما لم تكن شركاً أو كلاماً لا يُفهم معناه ، لما روى مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك قال : كنا نرقي في الجاهلية ، فقلنا : يا رسول الله كيف نرقي ذلك ؟ فقال : " اعرضوا عليَّ رقاكم ، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً " .
وقد أجمع العلماء على جواز الرقى إذا كانت على الوجه المذكور آنفاً ، مع اعتقاد أنها سبب لا تأثير له إلا بتقدير الله تعالى . أما تعليق شيء بالعنق أو ربطه بأي عضو من أعضاء الشخص ، فإن كان من غير القرآن فهو محرم ، بل شرك لما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صفر ، فقال : " ما هذا ؟ " قال من الواهنة . فقال : " انزعها فإنها لاتزيدك إلا وهناً ، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً " . وفي رواية لأحمد أيضاً : " مِن تعلّق تميمة فقد أشرك " . وما رواه أحمد وأبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " . وإن كان ما علقه من آيات القرآن ، فالصحيح أنه ممنوع أيضاً لثلاثة أمور هي :
1- عموم أحاديث النهي عن تعليق التمائم ولا مُخصص لها .
2- سد الذريعة فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك .
3- أن ما عُلَّق من ذلك يكون عرضة للامتهان ، بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء والجماع ونحو ذلك.
وأما كتابة سورة أو آيات من القرآن في لوح أو طبق أو قرطاس ، وغسله بماء أو زعفران أو غيرهما ، وشرب تلك الغسالة ، رجاء بركة أو استفادة علم أو كسب مال أو صحة وعافية ونحو ذلك ، فلم نعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله لنفسه أو غيره . ولا أنه أذن فيه لأحد من أصحابه أو رخص فيه لأمته ، مع وجود الدواعي التي تدعو إلى ذلك ، وعلى هذا فالأولى تركه وأن يُستغنى عنه بما ثبت في الشريعة من الرقية بالقرآن وأسماء الله الحسنى ، وما صح من الأذكار والأدعية النبوية ونحوها مما يعرف معناه ولا شائبة للشرك فيه ، وليتقرب إلى الله بما شرع رجاء للمثوبة وأن يفرج الله كربته ويكشف غمته ويرزقه العلم النافع . ففي ذلك الكفاية ومن استغنى بما شرع الله أغناه الله عما سواه . والله الموفق .
اللجنة الدئمة

10.gif


ص 24 / الذبح لغير الله شرك أكبر

س : التقرب بذبح الخرفان في أضرحة الأولياء الصالحين ما زال موجودا في عشيرتي . . نَهيتُ عنه لكنهم لم يزدادوا إلا عنادا . قلت لهم : إنه إشراك بالله . قالوا : نحن نعبد الله حق عبادته ، لكن ما ذنبنا إن زرنا أولياءه وقلنا لله في تضرعاتنا : " بحق وليك الصالح فلان . . اشفنا أو أبعد عنا الكرب الفلاني . . " قلت : ليس ديننا دين واسطة . قالوا : اتركنا وحالنا . سؤالي : ما الحل الذي تراه صالحا لعلاج هؤلاء ؟ ماذا أعمل تجاههم . . وكيف أحارب البدعة ؟ وشكرا .

ج : من المعلوم بالأدلة من الكتاب والسنة أن التقرب بالذبح لغير الله من الأولياء أو الجن أو الأصنام أو غير ذلك من المخلوقات ، شرك بالله ومن أعمال الجاهلية والمشركين . قال الله عز وجل : { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } . والنسك هو : الذبح ، بيَّن سبحانه في هذه الآية أن الذبح لغير الله شرك بالله كالصلاة لغير الله . وقال تعالى { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } . أمر الله سبحانه نبيه في هذه السورة الكريمة أن يصلي لربه وينحر خلافا لأهل الشرك الذين يسجدون لغير الله ويذبحون لغيره . وقال تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ } قال سبحانه : { وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } والآيات في هذا المعنى كثيرة . والذبح من العبادة فيجب إخلاصه لله وحده ، وفي صحيح مسلم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعن الله من ذبح لغير الله " . وأما قول القائل : أسأل الله بحق أوليائه أو بجاه أوليائه أو بحق النبي أو بجاه النبي فهذا ليس من الشرك ولكنه بدعة عند جمهور أهل العلم ومن وسائل الشرك ؛ لأن الدعاء عبادة وكيفيته من الأمور التوقيفية ولم يثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم ما يدل على شرعية أو إباحة التوسل بحق أو جاه أحد من خلقه ، فلا يجوز للمسلم أن يُحدِث توسلا لم يشرعه الله سبحانه ؛ لقول الله سبحانه وتعالى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق على صحته . وفي رواية لمسلم وعلقها البخاري في صحيحه جازما بها : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " . ومعنى قوله : " فهو رد " أي مردود على صاحبه لا يُقبل . فالواجب على أهل الإسلام التقيد بما شرعه الله والحذر مما أحدثه الناس من البدع . أما التوسل المشروع فهو التوسل بأسماء الله وصفاته وبتوحيده وبالأعمال الصالحات . والإيمان بالله ورسوله ومحبة الله ورسوله ونحو ذلك من أعمال البر والخير . والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز

10.gif


ص 25 / الرقى المنهي عنها والجائزة

س : عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : "إن الرقى والتمائم والتِّولةَ شرك ". وعن جابر رضي الله عنه قال : " كان ليَ خال يرقي من العقرب فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى ، قال : فأتاه فقال : يا رسول الله ، إنك نهيت عن الرقى وأنا أرقي من العقرب . فقال : " من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ". وما هو الجمع بين أحاديث المنع والجواز في موضوع الرقى ؟ وما حكم تعليق الرقى من القرآن على صدر المبتلى ؟

ج : الرقى المنهي عنها هي الرقى التي فيها شرك أو توسل بغير الله أو ألفاظ مجهولة لا يُعرف معناها . أما الرقى السليمة من ذلك فهي مشروعة ومن أعظم أسباب الشفاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا "، وقوله صلى الله عليه وسلم : "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه " ، خرجهما مسلم في صحيحه ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لا رقية إلا من عين أو حمة " . ومعناه لا رقية أولى وأشفى من الرقية من هذين الأمرين وقد رَقى النبي صلى الله عليه وسلم ورُقي . أما تعليق الرُّقى على المرضى أو الأطفال ، فذلك لا يجوز . وتسمى الرقى المعلقة ( التمائم ) وتسمى الحروز والجوامع ، والصواب فيها أنها محرمة ، ومن أنواع الشرك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من لبس تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق وَدَعَة فلا وَدَع الله له "، وقوله صلى الله عليه وسلم : "من تعلق تميمة فقد أشرك "، وقوله صلى الله عليه وسلم : "إن الرقى والتمائم والتولة شرك " . واختلف العلماء في التمائم إذا كانت من القرآن أو من الدعوات المباحة هل هي محرمة أم لا . والصواب تحريمها لوجهين : أحدهما : عموم الأحاديث المذكورة فإنها تعم التمائم من القرآن وغير القرآن . والوجه الثاني : سد ذريعة الشرك ، فإنها إذا أبيحت التمائم من القرآن اختلطت بالتمائم الأخرى واشتبه الأمر وانفتح باب الشرك بتعليق التمائم كلها ، ومعلوم أن سد الذرائع المفضية إلى الشرك والمعاصي من أعظم القواعد الشرعية ، والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز

10.gif


ص 26 / حكم ذبيحة من يعلق التمائم

س : ماحكم ذبيحة من يعلق التميمة من القرآن أو غيره ، ومن يعقد العقد من الخيوط وغيرهما ؟

ج : التمائم جمع تميمة ، وهي ما يعلق من الخَرَز والوَدَع والحُجب في أعناق الصبيان والحيوانات والنساء ونحوهم ، وقد يوضع ذلك في أحزمتهم أو يعلق في شعرهم للحفظ من الشر ، أو دفع ما نزل من الضرر ، وهذا منهي عنه بل هو شرك ، لأن الله هو الذي بيده النفع والضر ، وليس ذلك لأحد سواه ، لما ثبت عن ابن مسعود أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " . رواه أحمد وأبو داود ، ولما روى عبدالله بن حكيم مرفوعاً : " من تعلق شيئاً وُكِلَ إليه " . ولما في الصحيحن عن أبي بشير الأنصاري أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فأرسل رسولاً ألاّ يبقين في رقبة بعير قِلادة من وَتر أو قلادة إلا قُطعت ، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم تعليق الأوتار على الإبل مطلقاً معقودة وغير معقودة وأمر بقطعها ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يشدون الأوتار على الإبل ويضعون القلائد في أعناقها ويعلقون عليها التمائم والعوذ للحفظ من الآفات ودفع العين ، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عنها وأنكرها كليًّا حيث أمر بقطعها ، ومَن اعتقد أن للتميمة ونحوها تأثيراً في جلب النفع أو دفع ضر فهو مشرك شركاً أكبر يخرجه من الملة والعياذ بالله ، وذبيحته لا تؤكل ، ومن اعتقد أنها أسباب فقط وأن الله هو النافع الضار وأنه هو الذي يرتب عليها المسببات فهو مشرك شركاً أصغر ، لأنها ليست بأسباب عادية ولا شرعية ، بل وهمية . وقد استثنى بعض العلماء من ذلك ما عُلَّق من القرآن ، فرخص فيه وحصر ما ثبت من أحاديث نهي النبي عن تعليق التمائم على ما كان من غير القرآن . لكن الصحيح أن أحاديث النهي عامة لعدم ورود مخصص لها عنه صلى الله عليه وسلم ، ولسد الذريعة فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك ، كما أنه يفضي إلى امتهان القرآن ، لكن ذبيحة من علق القرآن تُؤكل ، لأنه اعتقد التأثير أو البركة فذلك لا يخرجه من الإسلام ، ولأن القرآن كلام الله تعالى وكلامه صفة من صفاته .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 27 / حكم تعليق التمائم

س‏:‏ هل تعليق التمائم من القرآن وغيره يكفر به الإنسان ؟

ج‏:‏ التمائم التي يعلقها الشخص قسمان‏ : أحدهما‏ :‏ أن تكون من القرآن‏ . والثاني‏ :‏ أن تكون من غير القرآن ‏.‏ فإن كانت من القرآن فقد اختلف فيها السلف على قولين :‏
الأول‏ :‏ لا يجوز تعليقها ، وقال به ابن مسعود وابن عباس ، وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن عكيم وبه قال جماعة من التابعين ، منهم أصحاب ابن مسعود وقاله أحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه ، وجزم بها المتأخرون وهذا القول مبني على ما رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه قال ‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏ :‏ " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " . قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله : قلت ‏:‏ هذا هو الصحيح ؛ لوجوه ثلاثة تظهر للمتأمل ‏: الأول ‏:‏ عموم الأدلة ولا مخصص لها ‏.‏ الثاني‏:‏ سد الذريعة فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك ‏.‏ الثالث‏ :‏ أنه إذا علق فلا بد أن يمتهنه المعلق بحمله معه في حالة قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك ‏.‏ القول الثاني‏ :‏ جواز ذلك ، وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو ظاهر ما روي عن عائشة ، وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية ، وحملوا الحديث على التمائم التي فيها شرك‏ .‏ لعموم حديث : " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 28 / حكم العلاج عند المشعوذين

س: هناك فئة من الناس يعالجون بالطب الشعبي على حسب كلامهم ، وحينما أتيت إلى أحدهم قال لي : اكتب اسمك واسم والدتك ثم راجعنا غداً ، وحينما يراجعهم الشخص يقولون له : إنك مصاب بكذا وكذا ، وعلا جك كذا وكذا ، ويقول أحدهم أنه يستعمل كلام الله في العلاج . فما رأيكم في مثل هؤلاء ، وما حكم الذهاب إليهم ؟

ج: من كان يعمل هذا الأمر في علاجه فهو دليل على أنه يستخدم الجن ويدعى علم المغيبات ، فلا يجوز العلاج عنده ، كما لا يجوز المجيء إليه ولا سؤاله ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الجنس من الناس : " من أتى عرّافا فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة " أخرجه مسلم في صحيحه .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث النهي عن إتيان الكهان والعرافين والسحرة والنهي عن سؤالهم وتصديقهم ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " . وكل من يدعي علم الغيب باستعمال ضرب الحصى أو الودع أو التخطيط في الأرض أو سؤال المريض عن اسمه واسم أمه أو اسم أقاربه ، فكل ذلك دليل على أنه من العرافين والكهان الذين نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤالهم وتصديقهم .
الشيخ ابن باز


يتبع
 
الموسوعة بجمَّتها مقتبسة من موضوع للأخ مغامر من شبكة حنين، وضعتها هنا لأهميتها، نسأل الله ن يرزقنا الفقه في دينه.
 
حكم الحروز والتمائم المجهولة

س : شيخي الفاضل ، لقد وجدت ورقة في طريقي مكتوبة فأردت أن أبعدها عن الطريق حتى لا تدوسها الأقدام فألقيت نظرة فيها لأعرف إذا كان بها قرآن حتى آخذها ، إلا أني وجدت بها هذا النص . أرجو أن تفيدوني عن تفسير كامل له ، وما أصله في الأحكام هل هو حلال أم حرام ؟ ونص العبارة هو :
( يُنقش في خاتم ذهب ، ويُبخر بعود وعنبر ويُلبس على طهارة تامة ، ويديم ذكر اسم الله تعالى على عظيم في دبر كل صلاة ألف ومائة وثلاثون (1130) مرة لمدة أسبوع من بعد صلاة الصبح يوم الجمعة أول الشهر تنتهي يوم الخميس بعد صلاة العشاء ، ثم بعد ذلك يذكر الاسمين بعد كل فريضة بقدر المستطاع ، له من الأسرار ما فيه العجب العجاب - لا يقدر له قيمة ولا تكشف أسرارهما أبدا ، ولا لابنك أو أي شخص آخر حتى لا يعبث بهما في مضرة أو أذى لعباد الله ) .

ج : كل ما ذُكر في السؤال لا يجوز عمله ولا اتخاذه حرزًا أو تميمة ، ولا يجوز العمل بما فيه لأن فيه نقشًا مجهولاً ، وقد يكون متضمنا الشركيات ، ولأنه يشتمل على ذكر غير مشروع موقت بوقت ومحدد بعدد لم يأذن به الشرع ، ومشتمل على الذكر باسمين لم يعرف ما هما ؛ فكل ذلك محرم لا يجوز الإقدام عليه ، ومن تلبس به وجب عليه التخلص منه بترك تلك الأذكار ومحو ما على الخاتم من نقش وترك تبخيره بالعود والعنبر، مع التوبة من ذلك ، ونسأل الله العفو والعافية .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد , وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 29 / العلاج عند المشعوذين والمجهولين لا يجوز

س : بعض الناس إذا أصيب له مريض بالصرع يذهب به إلى بعض الأطباء العرب ، وهؤلاء يستحضرون وتصدر منهم حركات غريبة ، ويحجبون المريض فترة من الزمن ويقولون إنه مصاب بالجن أو مسحور ونحو ذلك ، ويعالج هؤلاء المريض ويشفى وتُدفع لهم الأموال مقابل ذلك ، فما الحكم في ذلك ؟
وما الحكم أيضاً في العلاج بالعزائم التي تكتب فيها الآيات القرآنية ثم توضع في الماء وتشرب ؟

ج : علاج المصروع والمسحور بالآيات القرآنية والأدوية المباحة لا حرج فيه إذا كان ذلك ممن يعرف بالعقيدة الطيبة والالتزام بالأمور الشرعية .
أما العلاج عند الذين يدّعون علم الغيب أو يستحضرون الجن أو أشباههم من المشعوذين أو المجهولين الذين لا تعرف حالهم ولا تعرف كيفية علاجهم ، فلا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم ولا العلاج عندهم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " . أخرجه مسلم في صحيحه . وقوله صلى الله عليه وسلم : " من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " . أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد جيد ، ولأحاديث أخرى في هذا الباب كلها تدل على تحريم سؤال العرافين والكهنة وتصديقهم ، وهم الذين يدعون علم الغيب أو يستعينون بالجن ، أو يوجد من أعمالهم وتصرفاتهم ما يدل على ذلك ، وفيهم وأشباههم ورد الحديث المشهور الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد جيد عن جابر رضي الله عنه قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال :" هي من عمل الشيطان " . وفسر العلماء هذه النشرة بأنها ما كان يُعمل في الجاهلية من حل السحر بمثله ، ويلتحق بذلك كل علاج يستعان فيه بالكهنة والعرافين وأصحاب الكذب والشعوذة .
وبذلك يُعلم أن العلاج لجميع الأمراض وأنواع الصرع وغيره إنما يجوز بالطرق الشرعية والوسائل المباحة ، ومنها القراءة على المريض ، والنفث عليه بالآيات والدعوات الشرعية لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً " . وقوله صلى الله عليه وسلم :" عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام " ، أما كتابة الآيات والأدعية الشرعية بالزعفران في صحن نظيف أو أوراق نظيفة ثم يغسل فيشربه المريض فلا حرج في ذلك ، وقد فعله كثير من سلف الأمة كما أوضح ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد وغيره ، إذا كان القائم بذلك من المعروفين بالخير والاستقامة . وبالله التوفيق .
الشيخ ابن باز

10.gif


ص 30 / حكم التداوي بالقرآن

س : ما حكم التداوي بالقرآن ، والتراقي به واتخاذ المعوذات والتمائم ؟

ج : يجوز التداوي بالقرآن ؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال : انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها ، حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يُضيفوهم ، فلُدغ سيد ذلك الحي ، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء ، فقال بعضهم : لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عندهم بعض الشيء ، فأتوهم فقالوا : يا أيها الرهط ، إن سيدنا لُدغ ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء ، فهل عند أحد منكم من شيء ، فقال بعضهم : نعم ، والله إني لأرقي ، ولكن استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براقٍ حتى تجعلوا لنا جعلا ، فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ : " الحمد لله رب العالمين " فكأنما نشط من عقال ، فانطلق يمشي وما به قلبه . قال: فوفوهم جُعلهم الذي صالحوهم عليه ، فقال بعضهم : اقتسموا ، فقال الذي رقى : لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا ، فقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك ، فقال : " وما يدريك أنها رقية " ، ثم قال : " لقد أصبتم ، اقتسموا واضربوا لي معكم سهمًا " .
فهذا الحديث يدل على مشروعية التداوي بالقرآن . أما اتخاذ التمائم منه فذلك لا يجوز في أصح قولي العلماء . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد , وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif



ص 31 / كتاب الحصن الحصين وحرز الجوشن ونحوها

س : بالنسبة للرقي والتميمة إذا كان من القرآن ما حكمه ، وما الحكم لو حملت معي كتاب [ الحصن الحصين ] أو كتاب [ حرز الجوشن ] أو [ السبع العقود السليمانية ] فهل صحيح ما ذكر في هذه الكتب من أنها تنفع في دفع العين والحسد... إلخ ؟ يقولون : إن بها آيات قرآنية فقط مثل المعوذات وآية الكرسي ، فهل قراءتها تنفع فقط دون حمل هذه الكتب ؟ .

ج : تجوز الرقى بالقرآن وبالأذكار وكل ما لا شرك فيه ولا محظور من الأدعية ، أما كتابة التمائم واتخاذها حرزاً فقد صار منا فتوى مفصلة في ذلك .
أماكتاب [الحصن الحصين] و [حرز الجوشن] و [السبعة العقود] فاتخاذها حروزا لا يجوز ، أما قراءة آية الكرسي عند النوم فنافعة ، وقراءة قل هو الله أحد والمعوذتين فنافعة أيضا .
اللجنة الدائمة

10.gif


حكم الصلاة في المساجد التي بها قبور ، وكيف يرد على من احتج بوجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم بالمسجد

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد :
فقد اطلعلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم إلى سماحة الرئيس العام ، ونصه : " أبعث إليك هذه الرسالة لأسألكم عن لصلاة في مسجد فيه قبر ، ويقول بعض العلماء : لا تجوز الصلاة فيه ، إن لم يكن في البلد مسجد غيره فتصلي في بيتك خير لك ثوابًا من أن تصلي في ذلك المسجد الذي فيه قبر ، ويقول بعضهم : تجوز الصلاة فيه ؛ لأن قبر الرسول صلى الله عليه وسلم موجود في مسجده وصاحبيه أبي بكر وعمر ، وأني لم أجد دليلاً على هذين القولين ولذلك أرسلت هذه الرسالة لأستفهم منك عن الحقيقة والدليل ؛ لأني أسكن في الريف في السنغال وليس في بلدنا إلا مسجد واحد ، وهذا المسجد فيه أربعة قبور ثلاثة قبور في خارج المسجد ولكنها مُلصقة ببناء المسجد القِبلي تماماً ، أما الأخير فهو في داخل المسجد تماماً . إذاً عليك أن تعلمني الحقيقة والدليل ، وأنا لا أعرف شيئا من هذا الأمر ولذلك سألتك ; لقوله تعالى في كتابه العزيز: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وأجابت بما يلي :

ج: أولا : لا يجوز بناء المساجد على القبور ، ولا تجوز الصلاة في مسجد بُني على قبر أو قبور ; لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها ، فقال وهو كذلك : لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا ، ولولا ذلك أبرز قبره ، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا . رواه البخاري ومسلم وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول : " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل ، فإن الله قد اتخذني خليلا ، كما اتخذ إبراهيم خليلا ، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك " رواه مسلم .
فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بناء المساجد على القبور ، ولعن من فعل ذلك فدل على أنه من الكبائر، وأيضا بناء المساجد على القبور والصلاة فيها غلو في الدين ، وذريعة إلى الشرك والعياذ بالله ; ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: ( يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا ) .
ثانيا: إذا بُني المسجد على قبر أو قبور وجب هدمه ؛ لأنه أُسس على خلاف ما شرع الله ، والإبقاء عليه مع الصلاة فيه إصرار على الإثم في بنائه وزيادة غلو في الدين ، وفي تعظيم من بني عليه المسجد وذلك مما يفضي إلى الشرك والعياذ بالله ، وقد قال تعالى: [ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ] . وقد قال صلى الله عليه وسلم : " إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو " أما إذا بني المسجد على غير قبر ثم دفن فيه ميت فلا يهدم ، ولكن ينبش قبر من دفن فيه ويدفن في خارجه في مقبرة المسلمين؛ لأن دفنه بالمسجد منكر فيزال بإخراجه منه.
ثالثًا : المسجد النبوي أسسه النبي صلى الله عليه وسلم على تقوى من الله تعالى ورضوان منه سبحانه ، ولم يقبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ، بل قُبر في حجرة عائشة رضي الله عنها، ولما مات أبو بكر رضي الله عنه دفن معه في الحجرة ثم مات عمر رضي الله عنه فدفن معه أيضا في الحجرة ، ولم تكن الحجرة في المسجد النبوي وإنما أدخلت بعد زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ، وعلى هذا فالصلاة فيه مشروعة ، بل خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، بخلاف غيره مما قد بُني على قبر أو قبور أو دفن فيه ميت فالصلاة فيها محرمة .
رابعًا : ليس لك أن تصلي الفريضة في بيتك ، بل عليك أن تصليها جماعة مع بعض إخوانك في غير المسجد الذي بني على قبر ولو في الفضاء ، وعليكم أن تؤسسوا مسجدًا على ما شرع الله ؛ لتؤدوا فيه الصلوات الخمس ؛ عملاً بنصوص الشرع ، وبُعدًا عما نهى الله عنه .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد , وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق

س :
كثيرًا ما نسمع أن الساعة لا تقوم حتى يعم الإسلام الأرض ، ونسمع من جهة ثانية أنها لا تقوم ويبقى من يقول : لا إله إلا الله في الأرض , فكيف نوفق بين هذين القولين ؟

ج :كلا القولين صحيح فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تقوم الساعة حتى ينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فيقتل الدجال ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويفيض المال ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام أو السيف ويُهلك الله سبحانه في زمانه الأديان كلها إلا الإسلام وتكون السجدة لله وحده ، وهذا واضح في أن الإسلام في عهد عيسى عليه الصلاة والسلام يَسود في الأرض كلها ولا يبقى معه دين آخر . وتواترت عنه صلى الله عليه وسلم الأحاديث بأن الساعة لا تقوم إلا على شِرار الخَلق وأن الله سبحانه وتعالى يرسل ريحا طيبة بعد موت عيسى عليه الصلاة والسلام ، وبعد طلوع الشمس من مغربها ، فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة إلا الأشرار ، فعليهم تقوم الساعة .

10.gif


34 / هل دفن إسماعيل في الحطيم

س : يروى في كتاب السير أن إسماعيل عليه السلام دُفن في الحطيم ( بمكة المكرمة ) ، إذا كان القبر في الحطيم ، فكيف تجوز الصلاة في ذلك المكان ؟

ج : ما قيل من أن إسماعيل عليه السلام مدفون في الحطيم غير صحيح ، فلا يعول عليه بحال . وبالله التوفيق . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


الحكمة في إدخال قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وصاحبيه في المسجد النبوي

س : من المعلوم أنه لا يجوز دفن الأموات في المساجد ، وأيما مسجد فيه قبر لا تجوز الصلاة فيه ، فما الحكمة من إدخال قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض صحابته في المسجد النبوي ؟

ج : قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " . متفق على صحته . وثبت عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة وأم حبيبة ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها بأرض الحبشة وما فيها من الصُّور ، فقال صلى الله عليه وسلم " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئكِ شِرار الخلق عند الله " متفق عليه ، وروى مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله البجلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ولو كنت متخذًا من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " . وروى مسلم أيضا عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يُجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يُبنى عليه ، فهذه الأحاديث الصحيحة وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم اتخاذ المساجد على القبور ، ولَعْن من فعل ذلك ، كما تدل على تحريم البناء على القبور واتخاذ القباب عليها وتجصيصها ، لأن ذلك من أسباب الشرك بها وعبادة سكانها من دون الله كما قد وقع ذلك قديمًا وحديثًا ، فالواجب على المسلمين - أينما كانوا - أن يحذروا مما نهى الله عنه ورسوله من البناء على القبور ، واتخاذ المساجد والقباب عليها وتجصيصها وتنويرها ، وغير ذلك مما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن لا يغتروا بما فعله كثير من الناس ، فإن الحق هو ضالة المؤمن متى وجدها أخذها ، والحق يُعرف بالدليل من الكتاب والسنة لا بآراء الناس وأعمالهم ، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصاحباه رضي الله عنهما لم يُدفنوا في المسجد وإنما دُفنوا في بيت عائشة ، ولكن لما وُسِّع المسجد في عهد الوليد بن عبد الملك أدخل الحجرة في المسجد في آخر القرن الأول ، ولا يُعتبر عمله هنا في حكم الدفن في المسجد . لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لم يُنقلوا إلى أرض المسجد وإنما أُدخلت الحجرة التي هم بها في المسجد من أجل التوسعة ، فلا يكون في ذلك حجة لأحد على جواز البناء على القبور أو اتخاذ المساجد عليها أو الدفن فيها ، لما ذكرته آنفًا من الأحاديث الصحيحة المانعة من ذلك ، وعمل الوليد ليس فيه حجة على ما يخالف السنة الثابتة عن رسول الله ، والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز

10.gif


معنى قوله " كنت سمعه الذي يسمع به وبصره .."الخ

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه ، وبعد :
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفتاء المقدم لسماحة الرئيس العام ، ونصه : ( ما معنى قوله تعالى في الحديث القدسي ) وإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يُبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ؟

وأجابت بما يلي :

إذا أدى المسلم ما فرض الله عليه .. ثم اجتهد في التقرب إلى الله تعالى بنوافل الظاعات واستمر على ذلك ما وسعه ، أحبَّه الله تعالى ، وكان عوناً له في كل ما يأتي ويذر ، فإذا سمع كان مسددا من الله في سمعه ، فلا يستمع إلا إلى الخير ولا يقبل إلا الحق وينزاح عنه الباطل ، وإذا أبصر بعينه أو قلبه أبصر بنور من الله ، فكان في ذلك على هدى من الله وبصيرة نافذة بتأييد الله وتوفيقه . فيرى الحق حقّا والباطل باطلاً ، وإذا بطش بشيء بقوة من الله فكان بطشه من بطش الله نصرة للحق ، وإذا مشى كان مشيه في طاعة الله طلباً للعلم ، وجهاداً في سبيل الله ، وبالجملة كان عمله بجوارحه الظاهرة والباطنة بهداية من الله وقوة منه سبحانه .
وبهذا يتبين أنه ليس في الحديث دليل على حلول الله في خلقه أو اتحاده بأحد منهم ، ويُرشد إلى ذلك ما جاء في آخر الحديث من قوله تعالى : ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذ بي لأعيذنه ، وماجاء في بعض الروايات من قوله : فبي يسمع ويُبصر .. الخ . ففي ذلك إرشاد إلى المراد من أول الحديث ، وتصريح بسائل ومسؤول ومستعيذ ومُعيذ .. وهذا الحديث نظير الحديث القدسي الآخر ( يقول الله تعالى : عبدي مرضتُ فلم تَعُدني الخ .. ) فكل منها يشرح آخره أوله ، ولكن أرباب الهوى يتبعون ماتشابه من النصوص ، ويعرضون عن المُحْكَم منها ، فضلوا سواء السبيل . وبالله التوفيق . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 36 / حكم قراءة الفاتحة على القبر للميت

س :
هل يجوز قراءة الفاتحة أو شيء من القرآن للميت عند زيارة قبره ، وهل ينفعه ذلك ؟

ج : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزور القبور، ويدعو للأموات بأدعية علَّمها أصحابه ، وتعلموها منه ، من ذلك : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية ، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ سورة من القرآن أو آيات منه للأموات مع تكرار زيارته لقبورهم ، ولو كان ذلك مشروعاً لفعله ، وبينه لأصحابه ؛ رغبةً في الثواب ، ورحمةً بالأمة ، وأداءً لواجب البلاغ ، فإنه كما وصفه تعالى بقوله : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } ، فلما لم يفعل ذلك مع وجود أسبابه دل على أنه غير مشروع ، وقد عرف ذلك أصحابه رضي الله عنهم فاقتفوا أثره ، واكتفوا بالعبرة والدعاء للأموات عند زيارتهم ، ولم يثبت عنهم أنهم قرأوا قرآناً للأموات ، فكانت القراءة لهم بدعة محدثة ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد .
اللجنة الدائمة

10.gif


الهندوسية والبوذية والسيخ هل هي أديان ؟

س : عرض التلفزيون مساء الجمعة 4 صفر هـ برنامج العالم الفطري ، وكانت الحلقة عن الهند وفي مستهل مقدمته قال : حقًّا أن الهند تسنى بلاد الأديان ، ففيه نجد الهندوسة ، البوذية، السيخ .. إلخ فأرجو منكم إيضاح الآتي :
* هل الأديان التي ذكرها مقدم البرنامج كما يدعي حقا أديان ؟
*وهل هي مُنزلة ومُرسلة من عند الله ؟

ج : كل ما يدين به الناس ويتعبدون به يسمى دينا ، وإن كان باطلا كالبوذية والوثنية واليهودية والهندوسية والنصرانية وغيرها من الأديان الباطلة . قال الله سبحانه في سورة الكافرون : [ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ] فسمى ما عليه عبَّاد الأوثان دينا ، والدين الحق هو الإسلام وحده ، كما قال الله عز وجل :[ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ ] وقال تعالى : [ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ] وقال تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا } والإسلام هو عبادة الله وحده دون كل ما سواه ، وطاعة أوامره وترك نواهيه والوقوف عند حدوده والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله مما كان وما يكون وليس شيء من الأديان الباطلة منزلا من عند الله ولا مرضيا له ، بل كلها محدثة غير منزلة من عند الله والإسلام هو دين الرسل جميعا ، وإنما اختلفت شرائعهم لقوله تعالى : [ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ] .
الشيخ ابن باز

10.gif


ص 37 / الوقوف تحية لموتى الحكام

س :
عند ما يموت حاكم أو رئيس ، يقف بعض رجال الهيئات الرسمية حزناً على المقتول . وعندما يموت رئيس نظام عربي تُغلق بعض الدول الإسلامية أسواقها ، وتنكس أعلامها أياماً . فهل يجوز هذا ، علماً أن النياحة على الميت غير جائزة وهذا شر منها ؟

ج : أصدرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى إجابة عن سؤال مماثل جاء فيها : ( ما يفعله بعض الناس من الوقوف زمناً مع الصمت تحية للشهداء ، أو الوجهاء، أو تشريفاً وتكريماً لأرواحهم ، وتنكيس الأعلام من المنكرات والبدع المحدثة التي لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه ولا السلف الصالح ، ولا تتفق مع آداب التوحيد ، ولا إخلاص التعظيم لله ، بل اتبع فيها بعض جهلة المسلمين بدينهم من ابتدعها من الكفار ، وقلدوهم في عاداتهم القبيحة، وغلوهم في رؤسائهم ووجهائهم أحياءً وأمواتاً ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مشابهتهم ، والذي عرف في الإسلام من حقوق أهله الدعاء لأموات المسلمين ، والصدقة عنهم ، وذكر محاسنهم والكف عن مساويهم.. إلى كثير من الآداب التي بينها الإسلام وحث المسلم على مراعاتها مع إخوانه أحياءً وأمواتاً ، وليس منها الوقوف حداداً مع الصمت تحية للشهداء أو الوجهاء ، بل هذا مما تأباه أصول الإسلام .

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

اللجنة الدائمة

10.gif


ص 38 / الصدقة عن الميت مشروعة

س :
ما هو الثواب والأجر الذي يعود على الميت من الصدقة عنه ؟ فمثلاً : هل الصدقة عن الميت تزيد في أعماله الحسنة ؟

ج : الصدقة عن الميت من الأمور المشروعة ، وسواء كانت هذه الصدقة مالًا أودعاءً ، فقد روى مسلم في الصحيح ، والبخاري في الأدب المفرد ، وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ‏إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ‏:‏ صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له‏ " ، فهذا الحديث يدل بعمومه على أن ثواب الصدقة يصل إلى الميت ولم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم بين ما إذا كانت بوصية منه أو بدون وصية، فيكون الحديث عامًا في الحالتين ، وذِكْر الولد فقط في الدعاء للميت لا مفهوم له بدليل الأحاديث الكثيرة الثابتة في مشروعية الدعاء للأموات ، كما في الصلاة عليهم ، وعند زيارة القبور ، فلا فرق أن تكون من قريب أو بعيد عن الميت .
اللجنة الدائمة

10.gif


لا للتبرك بالقبور

س :
أيحل لنا القيام أو الجلوس عند القبر من أجل الدعاء للميت ؟

ج : الزيارة الشرعية للقبور أن يقصد إليها للعظة والاعتبار ، وتذكر الموت ، لا للتبرك بمن قُبر فيها من الصالحين ، فإذا جاءها سلم على من فيها فقال: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية ، وإن شاء دعا للأموات بغير ذلك من الأدعية المأثورة . ولا يدعو الأموات، ولا يستغيث بهم في كشف ضر أو جلب نفع ، فإن الدعاء عبادة ، فيجب التوجه بها إلى الله وحده ، ولا بأس أن يقف عند القبر أو يجلس من أجل الدعاء للميت ، لا للتبرك أو الاستراحة فإن القبور ليست بموضع استراحة أو سكنى حتى يجلس فيها . ويشرع الوقوف على القبر بعد الدفن للدعاء للميت بالثبات والمغفرة؛ لما ثبت أن صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا فرغ من الدفن وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت ، فإنه الآن يُسأل .
اللجنة الدائمة


10.gif



ص 39 / حكم التماثيل المجسمة للزينة وحكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم

س 1 : ما حكم التماثيل التي توضع في المنازل للزينة فقط وليس لعبادتها ؟
س 2 : بعض الناس يحلفون بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وبأولادهم ، بدون قصد لكن ألسنتهم اعتادت على ذلك ، فهل هم محاسبون على ذلك ؟

جـ 1 : لا يجوز تعليق التصاوير ولا الحيوانات المحنطة في المنازل ولا في المكاتب ولا في المجالس ، لعموم الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدالة على تحريم تعليق الصور وإقامة التماثيل في البيوت وغيرها ، لأن ذلك وسيلة للشرك بالله ، ولأن في ذلك مضاهاة لخلق الله وتشبها بأعداء الله ، ولما في تعليق الحيوانات المحنطة من إضاعة المال والتشبه بأعداء الله وفتح الباب لتعليق التماثيل المصورة وقد جاءت الشريعة الإسلامية الكاملة بسد الذرائع المفضية إلى الشرك أو المعاصي وبالله التوفيق .
الشيخ ابن باز

جـ 2 : لا يجوز لأحد أن يحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بغيره من المخلوقين .. بل ذلك من المحرمات الشركية ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت " . متفق على صحته .. وقوله صلى الله عليه وسلم : " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " . أخرجه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح ، ولأحاديث أخرى وردت في ذلك .
وقد حكى الإمام ابن عبد البر رحمه الله إجماع أهل العلم على أن الحلف بغير الله لا يجوز .. فالواجب على المسلم أن يَحْذر وأن يتوب إلى الله مما سلف منه في ذلك وسائر المعاصي ، وأن يستقيم على الحق ويحافظ عليه رغبةً فيما عند الله من الخير والأجر ، وحذراً من غضبه وعقابه .. وبالله التوفيق .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 40 / هل نصدق أن الطب يعرف ما في الأرحام ؟

س : ( في عدد العربي – 205 ص 15 – التاريخ ديسمر 1975م في سؤال وجواب ثبت أنَّ الرجل هو الذي يحدد نوع الجنين ) ، فما موقف الدين من هذا ، وهل يعلم الغيب أحد غير الله ؟ .

ج : أولاً إن الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي يُصوّر الحمل في الأرجام كيف يشاء ، فيجعله ذكراً أو أنثى ، كاملاً أو ناقصاً ، إلى غير ذلك من أحوال الجنين ، وليس ذلك إلى أحد سوى الله سبحانه ، قال تعالى : [ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ] . وقال تعالى : [ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ] . فأخبر سبحانه أنه وحده الذي له ملك السموات والأرض ، وأنه الذي يخلق ما يشاء فيُصوّر الحمل في الأرحام كيف يشاء من ذكورة وأنوثة ، وعلى أي حال شاء من نقصان أو تمام ومن حسن وجمال أو قبح ودمامة إلى عير ذلك من أحوال الجنين ليس ذلك إلى غيره ولا إلى شريك معه . ودعوى أن زوجاً أو دكتوراً أو فيلسوفاً يقوى على أن يحدد نوع الجنين دعوى كاذبة ، وليس إلى الزوج ومن في حكمه أكثر من أن يتحرى بجماعه زمن الإخصاب رجاء الحمل ، وقد يتم له ما أراد بتقدير الله وقد يختلف ما أراد إما لنقص في السبب ، أو لوجود مانع من صديد أو عقم أو ابتلاء من الله لعبده . وذلك أن الأسباب لا تؤثر بنفسها وإنما تؤثر بتقدير الله أن يرتب عليها مسبباتها . والتلقيح أمر كوني ليس إلى المكلَّف عنه أكثر من فعله بإذن الله . وأما تصريفه وتكييفه وتسخيره وتدبيره بترتيب المسببات عليه فهو إلى الله وحده لا شريك له . ومَن تدبر أحوال الناس وأقوالهم وأعمالهم تبين له منهم المبالغة في الدعاوى والافتراء في الأقوال والأفعال ، جهلاً منهم وغلوًا في اعتبار العلوم الحديثة ، وتجاوزًا للحد في الاعتداء بالأسباب ، ومَن قدر الأمور قدرها ، ميّز بين ماهو من اختصاص الله منها ، وما جعله الله إلى المخلوق بتقدير منه لذلك سبحانه .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 41 / عدد الأنبياء والمرسلين وعدد الكتب السماوية

س : كم عدد الأنبياء والمرسلين ؟ وهل عدم الإيمان ببعضهم ( لجهلنا بهم ) يعتبر كفراً ؟ وكم عدد الكتب السماوية المنزلة ؟ وهل هناك تفاوت في عدد الكتب بين نبي وآخر ؟ ولماذا ؟

ج : ورد في عدة أحاديث أن عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ، وأن عدد الرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر ، كما ورد أيضاً أن عددهم ثمانية آلاف نبي . والأحاديث في ذلك مذكورة في كتاب ابن كثير تفسير القرآن العظيم ، في آخر سورة النساء على قوله تعالى : [ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ ] . ولكن الأحاديث في الباب لا تخلو من ضعف على كثرتها والأوْلى في ذلك التوقف ، والواجب على المسلم الإيمان بمن سمى الله ورسوله منهم بالتفصيل ، والإيمان بالبقية إجمالاً ؛ فقد ذم الله اليهود على التفريق بينهم بقوله تعالى : [ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ] . فنحن نؤمن بكل نبي وكل رسول أرسله الله في زمن من الأزمان ، ولكن شريعته لأهل زمانه وكتابه لأمته وقومه ، فأما عدد الكتب فورد في الحديث الطويل عن أبي ذر أن عدد الكتب مائة كتاب وأربعة كتب ، كما ذكره ابن كثير في التفسير عند الآية المذكورة ، ولكن الله أعلم بصحة ذلك ، وقد ذكر الله التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى ، فنؤمن بذلك ونؤمن بأن لله كتباً كثيرة لا نحيط بها علماً ، ويكفي أن نصدق بها إجمالاً . والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم

س : هل يحل للمسلمين أن يحتفلوا في المسجد ليتذكروا السيرة النبوية الشريفة في ليلة 12 ربيع الأول بمناسبة المولد النبوي الشريف بدون أن يعطلوا نهاره كالعيد ؟ واختلفنا فيه ، قيل بدعة حسنة ، وقيل بدعة غير حسنة ؟

الجواب : ليس للمسلمين أن يقيموا احتفالا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة 12 ربيع الأول ولا في غيرها ، كما أنه ليس لهم أن يقيموا أي احتفال بمولد غيره عليه الصلاة والسلام . لأن الاحتفال بالموالد من البدع المحدثة في الدين ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده في حياته صلى الله عليه وسلم وهو المبلِّغ للدين ، والمشرع للشرائع عن ربه سبحانه ولا أمر بذلك ولم يفعله خلفاؤه الراشدون ولا أصحابه جميعا ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة . فعُلم أنه بدعة وقد قال صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق على صحته ، وفي رواية لمسلم وعلقها البخاري جازما بها " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " .

والاحتفال بالموالد ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بل هو مما أحدثه الناس في دينه في القرون المتأخرة فيكون مردودا ، وكان عليه الصلاة والسلام يقول في خطبته يوم الجمعة : " أما بعد : " فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة " رواه مسلم في صحيحه وأخرجه النسائي بإسناد جيد ، وزاد " وكل ضلالة في النار " ، ويغني عن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم تدريس الأخبار المتعلقة بالمولد ضمن الدروس التي تتعلق بسيرته عليه الصلاة والسلام وتاريخ حياته في الجاهلية والإسلام في المدارس والمساجد وغير ذلك ، من غير حاجة إلى إحداث احتفال لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يقم عليه دليل شرعي .. والله المستعان ونسأل الله لجميع المسلمين الهداية والتوفيق للاكتفاء بالسنة والحذر من البدعة .
الشيخ ابن باز



يتبع

 
ص 42 / الأجر على التلاوة لا يجوز وعلى التعليم جائز

س : إن بعض حملة القرآن عندنا في المغرب يقرءونه من أجل التكسب على ما يظهر ، وكلما أعدّت لها وليمة يأتون ويقرءونه من غير تمعن في ألفاظه واحترام لتلاوته ، فأول ما يحرصون عليه أثناء حضورهم في هذه الوليمة هو أخذ الأجرة وجمع الصدقات من الناس ليتبركبوا بهم ، وبعد جمعهم لتلك الصدقات يقسمونها بينهم ولا ينال منها أي فقير أومسكين شيئا ، فما حكم الشريعة الإسلامية في الصدقات التي يجمعونها ويفرقونها بينهم وتلك القراءة التي يستعملونها ؟ ولقد عثرت في كتاب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " من استعملالقرآن من أجل التكسب سيأتي يوم القيامة ووجهه عظم " . أي خال من اللحم ، فهل هذا الحديث صصحيح أم لا ؟ وما معنى الآية الكريمة : [ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ] ؟ .

ج : أولاً : قراءة القرآن عبادة محضة ، وقربة يتقرب بها العبد إلى ربه ، والأصل فيها وفي أمثالها من العبادات المحضة أن يفعلها المسلم ابتغاء مرضاة الله ، وطلباً للمثوبة عنده ، فلا يبتغي بها من المخلوق جزاءً ولا شكوراً ، ولهذا لم يعرف عن السلف الصالح استئجار قوم يقرؤون القرآن في حفلات أو ولائم ، ولم يُؤثر عن أحد من أئمة الدين أنه أمر بذلك أو رخص فيه ، ولم يعرف أيضاً عن أحد منهم أنه أخذ أجرة على تلاوة القرآن ، لا في الأفراح ولا في المآتم ، بل كانوا يتلون كتاب الله رغبة فيما عند الله سبحانه . وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ القرآن أن يسأل به ، وحذر من سؤال الناس ، روى الترمذي في سننه عن عمران بن حصين أنه مر على قارئ يقرأ ثم سأل ؛ فاسترجع ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من قرأ القرآن فليسأل الله به ، فإنه سيجيء أقوام يقرؤن القرآن يسألون به الناس " ، وأما أخذ الأجرة على تعليمه أو الرقية به ونحو ذلك مما نفعه متعد لغير القارئ فقد دلت الأحاديث الصحيحة على جوازه ؛ لحديث أبي سعيد في أخذه قطيعاً من الغنم جُعلاً على شفاء من رقاه بسورة الفاتحة، وحديث سهل في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة لرجل بتعليمه إياها ما معه من القرآن ، فمن أخذ أجراً على نفس التلاوة أو استأجر جماعة لتلاوة القرآن فهو مخالف لما أجمع عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم .

ثانيا : القرآن كلام الله تعالى ، وفضله على كلام الخلْق كفضل الله على عباده . وهو خير الأذكار وأفضلها ، وينبغي لقارئه أن يكون مؤدبا في تلاوته ، خاشعاً مخلصاً قلبه لله ، محكماً لتلاوته ، متدبراً لمعانيه حسب قدرته ، وألا يتشاغل عنها بغيرها ، وألا يتكلّف ولا يتقعر فيها ، وألا يرفع صوته فوق الحاجة .
وينبغي لمن حضر مجلساً يُقرأ فيه القرآن أن ينصت ويستمع للقراءة ويتدبر معانيها ، فلا يلغو ولا يتشاغل عنها بالحديث مع غيره ، ولا يُشوّش على القارىء ولا على الحاضرين . قال الله تعالى : [ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ . وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ] .

ثالثاً : الناس متفاوتون في أفكارهم وأفهامهم . وكل مكلف عليه أن يعرف من وأحكام الشريعة بقدر ما آتاه الله من الفهم وسعة الوقت ، ليعمل به في نفسه ويرشد به غيره ، ومن أول ما ينبغي له أن يتفهّمه ويلقي إليه باله ويحضر له قلبه : كتاب الله سبحانه ، وما عجز عن فهمه بنفسه استعان فيه بالله ثم بالعلماء حسب طاقته ومقدرته ، ثم لا حرج عليه بعد ذلك ، فإن الله سبحانه لا يكلف نفساً إلا وسعها ، ولا يمنعه من تلاوة القرآنعجزه عن فهمه بعد أن بذل وُسعه ، ولا يعاب بذلك لما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الماهر في القرآن مع السَّفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويتعتع في وهو عليه شاقٌّ له أجران " .

رابعاً : يجوز للفقير أن يأخذ من الصدقات ما يسد حاجته وحاجة من يعول ، ويُسنُّ له أن يدعو بالخير لمن تصدق عليه ؟ أمَّا أخْذ المال على أنه أجرة لتلاوة القرآن ، أو لكونه وعظهم وذكّرهم ، أو إعطاؤه لشخص رجاء بركته ، أو جمعه لأشخاص رجاء بركتهم ، واستجداءً لدعائهم ، فهو غير جائز ، ولم يكن ذلك من هدي المسلمين في القرون الثلاثة الأولى التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها خير القرون .

خامساً : معنى قوله تعالى : [ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ] . إن الله تعالى أمر رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يخبر قومه بأنه لا يطلب منهم أجراً على تبليغهم ما أُنزل إليه من ربه . ودعوته إياهم إلى التوحيد الخالص وسائر أحكام الإسلام ، إنما يقوم بالبلاغ والبيان للأمة ، تنفيذاً لأمر الله وطاعته له ابتغاء مرضاته وحده ، ورجاء المثوبة والأجر الكريم منه سبحانه دون سواه . وذلك ليُزيل ما قد يكون في نفوس المشركين من ظنون وأوهام كاذبة ، من أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى اتّباعه فيما شرع الله لهم ، ليكتسب بذلك أو ينال رئاسة في قومه ، فبيّن لهم أن دعوته إياهم على الحق خالصة لوجه الله الكريم .

وهكذا جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يَسألون الناس أجراً على دعوتهم إياهم ، وقد تقدم في الفقرة الأولى من الجواب في حديث عمران بن حصين في التحذير من التكسب بالقرآن وسؤال الناس به . أما السؤال عن عقوبته يوم القيامة بتساقط لحم وجهه فذلك وعيد لكل مَن سأل الناسَ وهو في غير حاجة تضطره إلى المسألة ، سواء كان بقراءة القرآن أو بدون قراءته ؛ فعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مُزعة لحم " . وفي رواية عنه : " ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مُزعة لحم " . متفق عليهما . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من سأل الناس أموالهم تكثُّراً ، فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر " . رواه مسلم . فمن سأل الناس بالقرآن ، صدق فيه حديث عمران إن كان فقيراً ، أما إن كان غنيًّا فقد صدقت فيه هذه الأحاديث كلها ، أما لفظ الحديث الذي ذكرته في السؤال فلا نعلم صحته بهذا اللفظ الذي ذكرته . والله أعلم
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 45 / هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي ؟

س : ما الحكم في قوم يزعمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ، ويقولون أن الصحابة رضي الله عنهم تآمروا عليه ؟

ج : هذا القول لا يعرف عن أحد من طوائف المسلمين سوى طائفة الشيعة ، وهو قول باطل ولا أصل له في الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما دلت الأدلة الكثيرة على أن الخليفة بعده هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه عنه ، وعن سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم ينص على ذلك نصا صريحا ولم يوص به وصية قاطعة ولكنه أمر بما يدل على ذلك حيث أمره بأن يؤم الناس في مرضه ، ولما ذكر له أمر الخلافة بعده قال عليه الصلاة والسلام : " يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " . ولهذا بايعه الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ومن جملتهم علي رضي الله عنه ، وأجمعوا على أن أبا بكر أفضلهم ، وثبت في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقولون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ) ويُقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك . وتواترت الآثار عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول ( خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ) . وكان يقول رضي الله عنه : ( لا أوتى بأحد يفضلني عليهما إلا جلدته حد المفتري ) . ولم يدِّع يوما لنفسه أنه أفضل الأمة ولا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى له بالخلافة ، ولم يقل أن الصحابة رضي الله عنهم ظلموه وأخذوا حقه . ولما توفيت فاطمة رضي الله عنها بايع الصديق بيعة ثانية تأكيدا للبيعة الأولى ، وإظهارًا للناس أنه مع الجماعة وليس في نفسه شيء من بيعة أبي بكر رضي الله عنهم جميعا ولما طُعن عمر وجعل الأمر شورى بين ستة من العشرة المشهود لهم بالجنة ، ومن جملتهم علي رضي الله عنه لم ينكر على عمر ذلك لا في حياته ولا بعد وفاته ، ولم يقل أنه أولى منهم جميعا فكيف يجوز لأحد من الناس أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول إنه أوصى لعلي بالخلافة ، وعلي نفسه لم يدِّع ذلك ولا ادعاه أحد من الصحابة له ، بل قد أجمعوا على صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان واعترف بذلك علي رضي الله عنه وتعاون معهم جميعا في الجهاد والشورى وغير ذلك ، ثم أجمع المسلمون بعد الصحابة على ما أجمع عليه الصحابة فلا يجوز بعد هذا لأي أحد من الناس ولا لأي طائفة لا الشيعة ولا غيرهم أن يدعوا أن عليا هو الوصي وأن الخلافة التي قبله باطلة ، كما لا يجوز لأي أحد من الناس أن يقول إن الصحابة ظلموا عليا وأخذوا حقه ، بل هذا من أبطل الباطل ومن سوء الظن بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جملتهم علي رضي الله عنه وعنهم أجمعين .
وقد نزه الله هذه الأمة المحمدية وحفظها من أن تجتمع على ضلالة ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الكثيرة أنه قال : " لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة " . فيستحيل أن تجتمع الأمة في أشرف قرونها على باطل وهو خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ، ولا يقول هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر كما لا يقوله من له أدنى بصيرة بحكم الإسلام .

10.gif


ص 46 / لا صلاة في حجرة القبور

س : جادلتُ بعض الذين يُفتون بإباحة الصلاة في المقبرة ، وفي المسجد الذي فيه قبر أوقبور ، فدحضت شبههم بالأحاديث الصحيحة الصريحة ، غير أنهم قالوا : أين كانت عائشة رضي الله عنها تصلي بعد أن دفن في بيتها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهل كان قبره في داخل بيتها أم خارجه ؟ وقالوا أيضا : كيف وقد صلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المسجد الحرام ، وقد دفنت فيه هاجر زوج إبراهيم عليه السلام وبعض الأنبياء ؟ وعلى هذا فإني ألتمس منك يا فضيلة الشيخ أن تخبرني هل صحيح ما ذكروا من وجود هاجر في البيت الحرام وبعض الأنبياء, وهل صحيح أن عائشة كانت تصلي في بيتها وقد قُبر فيه الرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووجود قبر هاجر وبعض الأنبياء في المسجد الحرام ؟

ج : ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض موته الذي لم يَقم منه : "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "، قالت عائشة رضي الله عنها : ( يـُحذّر ما صنعوا, ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن خشي أن يُتخذ مسجدا ). وفي رواية : ولكن خشي أن يتّخذ مسجدا ، وفي رواية للبخاري : غير أني أخشى أن يتّخذ . وبهذا يعلم أن المساجد المبنية على القبور لا تجوز الصلاة فيها وبناؤها محرم .

وأما ما جاء في السؤال من قول السائل: أين كانت عائشة رضي الله عنها تصلي بعد أن دفن في بيتها رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره , في داخل بيتها أم خارجه؟

فالجواب : أن عائشة رضي الله عنها ممن روى الأحاديث الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في النهي عن اتخاذ القبور مساجد , وهذا من حكمة الله جل وعلا . وبهذا يعلم أنها ما كانت تصلي في الحجرة التي فيها القبور, لأنها لو كانت تصلي فيها لكانت مخالفة للأحاديث التي روتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يليق بها وأما كون هاجر مدفونة بالمسجد الحرام أو غيرها من الأنبياء فلا نعلم دليلا يدل على ذلك .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 47 / الرسول صلى الله عليه وسلم اجتمع بالجن

س : هل ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , اجتمع الجن ؟

ج : نعم ثبت ذلك بالسنة الصحيحة , فقدأخبر عليه الصلاة والسلام الصحابة بذلك وأراهم آثارهم . وارجع لتفسيرابن كثير , رحمه الله , لقوله تعالى في سورة الأحقاف: { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ } . الآيات ، ولسورة الرحمن ، وسورة الجن ، وستجد الجواب عن ذلك مفصلا .
اللجنة الدائمة

10.gif


إبليس يعيش بيننا إلى اليوم

س: هل إبليس – لعنه الله – حي حتى الآن أم أنه قد مات ؟ وهل يدفن الجن موتاهم كالبشر ؟

ج : ذكر الله تعالى أن إبليس طلب الإنظار فأُعْطِيه , كما في قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ . إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ } فهو حي عائش إلى اليوم المعلوم الذى أذن الله فيه بهلاكه وهو آخر الدنيا ، فأما الجن فهم أرواح مستغنية عن أجسام تقوم بها , وهم أيضا يموتون ودفنهم على حسب ما هم فيه . لانعلم كيفية صورهم ولا موتهم ولا دفنهم فإنهم ليسوا من جنس البشر . والله أعلم .

10.gif


حقيقة السحر

س: هل السحر حق ؟

ج: نعم له حقيقة , وحقيقته أن السحرة يعبدون الشياطين ويطيعونهم , وهم يساعدونهم على ما يريدون , والله تعالى قد أعطى الشياطين من القدرة ما يزاولون به أعمالاً غريبة .
الشيح ابن جبرين

10.gif


ص 48 / حكم التوسل إلى الله بالأولياء والصالحين

هل يجوز للمسلم أن يتوسل إلى الله بالأنبياء والصالحين ، فقد وقفت على قول بعض العلماء : أن التوسل بالأولياء لا بأس به ; لأن الدعاء فيه موجه إلى الله ، ورأيت لبعضهم خلاف ما قال هذا ، فما حكم الشريعة في هذه المسألة ؟

ج : الولي كل من آمن بالله واتقاه بفعل ما أمره سبحانه وتعالى وترك ما نهاه عنه ، قال تعالى : { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } والتوسل إلى الله بأوليائه أنواع :
الأول : أن يطلب إنسان من الولي الحي أن يدعو الله له بسعة رزق ، أو شفاء من مرض ، أو هداية وتوفيق ونحو ذلك ، فهذا جائز ، ومنه طلب بعض الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم حينما تأخر عنهم المطر أن يستسقي لهم ، فسأل صلى الله عليه وسلم ربه أن ينزل المطر ، فاستجاب دعاءه وأنزل عليهم المطر ، ومنه استسقاء الصحابة بالعباس في خلافة عمر رضي الله عنهم ، وطلبهم منه أن يدعوَ الله بنزول المطر فدعا العباس ربه وأمَّن الصحابة على دعائه ، إلى غير هذا مما حصل زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده من طلب مسلم من أخيه المسلم أن يدعو له ربه لجلب نفع أو كشف ضر .
الثاني : أن ينادي الله متوسلا إليه بحب نبيه واتباعه إياه وبحبه لأولياء الله ، بأن يقول : اللهم إني أسألك بحبي لنبيك واتباعي له وبحبي لأوليائك أن تعطيني كذا ، فهذا جائز ; لأنه توسل من العبد إلى ربه بعمله الصالح ، ومن هذا ما ثبت من توسل أصحاب الغار الثلاثة بأعمالهم الصالحة .
الثالث : أن يسأل الله بجاه أنبيائه أو ولي من أوليائه بأن يقول : ( اللهم إني أسألك بجاه نبيك أو بجاه الحسين ) مثلا ، فهذا لا يجوز ؛ لأن جاه أولياء الله وإن كان عظيما عند الله وخاصة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، غير أنه ليس سببا شرعيا ولا عاديا لاستجابة الدعاء ؛ ولهذا عدل الصحابة حينما أجدبوا عن التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستسقاء إلى التوسل بدعاء عمه العباس ، مع أن جاهه عليه الصلاة والسلام فوق كل جاه ، ولم يُعرف عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم توسلوا به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وهم خير القرون وأعرف الناس بحقه وأحبهم له .
الرابع : أن يسأل العبد ربه حاجته مقسما بوليه أو نبيه أو بحق نبيه أو أوليائه بأن يقول : ( اللهم إني أسألك كذا بوليك فلان أو بحق نبيك فلان )، فهذا لا يجوز ، فإن القسم بالمخلوق على المخلوق ممنوع ، وهو على الله الخالق أشد منعا ، ثم لا حق لمخلوق على الخالق بمجرد طاعته له سبحانه حتى يقسم به على الله أو يتوسل به هذا هو الذي تشهد له الأدلة ، وهو الذي تُصان به العقيدة الإسلامية وتسد به ذرائع الشرك .

10.gif


حكم قولهم : كلما زادت الرعاية الصحية قلّ عدد الوفيات

أطلعت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء على السؤال المقدم إليها , ونصه : ( بمطالعتي لمجلة الدعوة العدد 778 وتاريخ 22 /2 / 1401 هـ الصفحة 32 وجدت أن الكاتب لما ورد في تلك الصفحة ذكر جملة : إنه مما لاشك - كما سبق أن أوضحنا - أنه كلما زادت الرعاية الصحية قل عدد الوفيات وزاد عدد السكان .
وأقول أمام هذا أن الرعاية الصحية لها دورها الفعال في صحة الأبدان ومكافحة بعض الأمراض , إلا أن تلك الرعاية لا دخل لها في الآجال , حيث ذلك في علم الله وتحت تصرفه . ومحدودة الآجال كما قال تعالى :{ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ }لذلك رأيت أنا وهناك الكثير من أمثالي يرغب في إيضاح ذلك بشكل أوسع , هل للرعاية الصحية دور في تأخير الآجال كما قال الكاتب ؟ وإذا كان لا, وأن الآية أعلاه تعطي الدليل القاطع من ذلك ولم تنسخ , فأرجو إيضاح ذلك .

وأجابت بما يلي :

مضت سنة الله تعالى في خلقه أن يربط المسببات بأسبابها , فربط إيجاده النسل بالجماع وإنباته الزرع ببذر الحبوب بالأرض وسقيها , والإحراق بالنار , والإغراق أو البلل بالماء , إلى غير ذلك من الأسباب ومسبباتها : قال تعالى :{ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } وقال : { وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا . لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا . وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا } وقال : { وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ . وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ . رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ } . وقال : { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ } . فهذه الآيات وأمثالها تضمنت أسبابًا مادية ومسببات معنوية ومادية , ربط الله بينهما ، وجعل الأولى سببا في الثانية ، وكلاهما من خلق الله تعالى وبقضائه وقدره ، وهناك أسباب معنوية أنشأها بها وهو قادر على أن يخلق المسببات بدون أسبابها ، لكنه سبحانه جرت سنته أن يخلق هذه بتلك ، ويوجدها بها لحكمة يعلمها ، قال تعالى : { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ . أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ . وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } وقال عن نبيه هود عليه الصلاة والسلام في دعوته لقومه : { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ } وقال عن نبيه نوح عليه الصلاة والسلام في دعوته قومه : { قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ . أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ . يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } وقال تعالى عن رسله عليهم الصلاة والسلام في دعوتهم لأممهم : { قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } .
وقد ذكر سبحانه أنّ جماعة من المنافقين قالوا عن إخوانهم الذين قتلوا في غزوة أحد : { لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا } فأمر سبحانه رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم , أن يقول لهم : { لَوْكُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ } فبين أن قتل النفس مرهون بسببه , وأن القتيل ميت بأجله لا قبله ولا بدون سبب ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه " . ( رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي )
وعلى هذا ( فللرعاية الصحية دورها الفعال في صحة الأبدان , ومكافحة الأمراض ) كما قال السائل , لكن بإذن الله وتقديره على ماسبق في علمه تعالى , وبجعله تلك الرعاية سبباً لنتائجها وترتيبه مسبباتها عليها بقضائها وقدره حسبما سبق في علمه تعالى, فتبين بهذا أن للأسباب دخلا في مسبباتها من جهة جعل الله لها سببا, ومن جهة أمره سبحانه بالأخذ بها رجاء أن يرتب الله مسبباتها عليها . لامن ذاتها ولا بتأثيرها استقلالاً في نتائجها ، بل بجعْل الله لها مؤ ثرة ، ولو شاء الله أن يسلبها خواصَّها التي أودعها فيها لفعل ، كما وقع في سلبه النار خاصَّتَها فلم تحرق خليليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، بل كانت برداً وسلاماً عليه ، وفي سلبه خاصة السيولة والإغراق من ماء البحر حتى مرَّ موسى عليه الصلاة والسلام وقومه بأمن وسلام ، ورد تلك الخاصة إليه عند مررور فرعون ومن معه فأغرقهم ، والمسببات مرهونه بأسبابها قضاءً وقدراً ، حتى الآجال طولاً وقصراً مع الرعاية والإهمال على مقتضى ما سبق في علمه تعالى ، فقول السائل : إن الرعاية لا دخل لها في الآجال ، ليس بصحيح على وجه الإطلاق ، فإن لها دخلاً في ذلك على ما تقدم بيانه . وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم

10.gif


حكم الصدقة وقراءة القرآن للأحياء والأموات

س: هل يجوز للشخص أن يتصدق عن والديه وهم أحياء ، وهل له أن يقرأ عنهم القرآن ، وإذا كان كذالك فهل تكفي النية وحدها عن الصدقة أو القراءة ؟!

الجواب : تجوز الصدقة عن الوالدين وغيرهما من الأحياء والأموات ، وتكفي فيها النية بالقلب ؛ فإن تَلَفَّظ بقوله : اللهم تَقَبَّل هذه الصدقة عن والدي فلاباس . ويُسَن الدعاء للوالدين والأقربين والمسلمين والاستغفار لهم ونحو ذلك . فأما قراءة القرآن وتثويبه لهم فأجازه الأكثرون ، لكنه غير مأثور؛ فلا ينبغي اعتباره ، والأكثر منعه لعدم النصوص في ذلك ، فإن فعله أحياناً فلا يُنكر عليه .

10.gif


حكم بيع الرقى والعزائم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد :
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، على السؤال المقدم من سعادة وكيل الداخلية ، إلى سماحة الرئيس العام ونصه :
(تقدم المدعوع . م . ز لإمارة المنطقة الرياض للسماح له ببيع الرقى والعزائم في السوق ، وإن هيئة الأمربالمعروف والنهي عن المنكر طلبت منه الحصول على تصريح من الإمارة ، وقد رفعت إلينا الإمارة باقتراح إعطاء التصاريح من سماحتكم بعد الاقتـناع من الشخص طالب الترخيص وعمل الضوابط والقواعد التي تحمي الموطنين من الاستغلال . آمل بموافاتنا بمرئياتكم في هذا الشأن ، وإمكانية منح التصاريح لمن تتوافر فيهم الشروط التي يتم وضعها في هذا الشأن . ولسماحتكم تحياتنا ) .

وأجابت بما يلي :

سبق أن صدرت فتوى في منع كتابة قرآن أو أذكار نبوية أو نحوها في ورق أو طبق مثلاً ، ثم مَحْوها بماء ونحوه ليشربه المريض أملاً في الشفاء من مرضه ، وأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن الخلفاء الراشدين ولا الصحابة ، رضي الله عنهم فيما نعلم ، أنهم فعلوا ذلك ، والخير كل الخير في اتّباع هديه ، صلى الله عليه وسلم ، وهدي خلفائه وما كان عليه سائر أصحابه ، رضي الله عنهم ، وفيما يلي نص الفتوى : ( أذن النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية بالقرآن والأذكار والأدعية مالم تكن شركًا أو كلامًا لا يُفهم معناه ؛ لما روى مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك ، قال : كنا نرقى في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك ؟ فقال : " اعرضوا عليّ رقاكم لابأس بالرقى مالم تكن شركًا " . وقد أجمع العلماء على جواز الرقى إذا كانت على الوجه المذكور آنفًا مع اعتقاد أنها سبب لا تأثير له إلا بتقدير الله تعالى ، أمَّا تعليق شيء بالعنق أوربطه بأي عضو من أعضاء الشخص فإ ن كان من غير القرآن فهو محرم بل شرك ، لما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عمران بن الحصين، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، رأى رجلاً في يده حلقه من صفر . فقال : ما هذا ؟ قال : من الواهنة . فقال : " انزعها فإنَّها لا تزيدك إلا وهنًا ، فإنك لو متَّ وهي عليك ما أفلحت أبدًا " . وما رواه عن عقبة بن عامر عنه صلى الله عليه وسلم ، قال : " من تعلَّق تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق وَدَعة فلا وَدع الله له " . وفي رواية لأحمد أيضًا : " من تعلق تميمة فقد أشرك " .وما رواه أحمد وأبوداود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : " إن الرقى والتائم والتِّولة شرك ". وإن كان ما علقه من آيات القرآن فالصحيح أنه ممنوع أيضًا ، لثلاثة أمور : الأول عموم أحاديث النبي، صلى الله عليه وسلم ، بالنهي عن تعليق التمائم ولا مُخصص لها . الثاني : سد الذَّريعة فإنه يُفضي إلى تعليق ما ليس كذلك . الثالث : أن ما علق من ذلك يكون عرضة للامتهان بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء والجماع ونحو ذلك . وأما كتابة سورة أو آيات من القرآن في لوح أو طبق أو قرطاس ، وغسله بماء أو زعفران وغيرهما وشرب تلك الغسالة ، رجاء البركة أو استفادة علم أو كسب مال أو صحة أو عافية ونحو ذلك ، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه فعله لنفسه أو غيره ولا أنه أذِن فيه لأحد من أصحابه أو رخّص فيه لأمته ؛ مع وجود الدواعي التي تدعو إلى ذلك ، ولم يثبت في أثر صحيح - فيما علمنا – عن أحد من الصحابة ، رضي الله عنهم ، أنه فعل ذلك أو رخَّص فيه . وعلى هذا فالأولى تركه وأن يُستغنى عنه بما ثبت في الشريعة من الرقية بالقرآن وأسماء الله الحسنى ، وما صحَّ من الأذكار والأدعية النبوية ونحوها مما يعرف معناه ولا شائبة للشرك فيه ، وليتقرب إلى الله تعالى بما شرع رجاء المثوبة وأن يفرج الله كربته ويكشف غمته ويرزقه العلم النافع ، ففي ذلك الكفاية ومن استغنى بما شَرَع الله أغناه الله عما سواه . والله الموفق . وعلى هذا ينبغي ألاّ يُعطَي هذا الرجل تصريحا ببيع ما ذكر من الرقى والعزائم، بل يمنع من بيعها وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص53 / إبليس هل هو من الملائكة ؟

س: إبليس - لعنه الله - هل هو من الملائكة أم من جنس آخر ، و إذا كان من جنس آخر فما وجه الاستثناء في قوله تعالى : {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ . إِلَّا إِبْلِيسَ } ؟

ج: لا يخفى أن الملائكة جنس من مخلوقات الله ، خلقهم الله من نور ، لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وأما إبليس فقد ذكر الله تعالى أنه من الجن ، قال تعالى : {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ }. وذكر تعالى عنه قوله في تبرير امتناعه عن السجود لآدم : {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ }. أما وجه الاستثناء في قوله تعالى : { فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ . إِلَّا إِبْلِيسَ } فهو استثناء منقطع كقول القائل : جاء القوم إلاحماراً ، وهناك من أهل العلم من يقول بأن إبليس - لعنه الله - من جنس الملائكة إلاّ أنه عصى الله تعالى ، وأصرَّ على التمرد والعصيان ، فحقت عليه لعنة الله إلى يوم القيامة. . وبالله التوفيق . وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


سؤال العراف والكاهن لا يجوز

س : كان والدي مريضًا مرضًا نفسيًّا ، وطالت معه مدة المرض ، وتخلل ذلك مراجعة للمستشفى ، لكن أشار علينا بعض الأقرباء بأن نذهب إلى امرأة قالوا أنها تعرف علاجًا لمثل هذه الأمراض ، وقالوا أيضًا : أعطوها الاسم فقط وهي تخبركم بما فيه وتصف له الدواء. فهل يجوز لنا أن نذهب لهذه المرأة ؟ أفيدونا جزاكم الله .

ج : هذه المرأة وأشباهها لا يجوز سؤالها ولا تصديقها ، لأنها من جملة العرّافين والكهنة الذين يدَّعون علم الغيب ويستعينون بالجن في علاجهم وأخبارهم .
وقد صح عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " . أخرجه مسلم في صحيحه . وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " من أتى عرافا أو كاهناً فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، فالواجب الإنكار على هؤلاء ومن يأتيهم ، وعدم سؤالهم وتصديقهم والرفع عنهم إلى ولاة الأمور حتى يعاقَبوا بما يستحقون لأن تركهم وعدم الرفع عنهم يضر المجتمع ، ويساعد على اغترار الجهال بهم وسؤالهم وتصديقهم 0 وقد قال النبي صلي الله عليهم وسلم " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان " رواه مسلم في صحيحه ولا شك أن الرفع عنهم إلى ولاة الامر ، كأمير البلد وهيئة الأمر بالمعروف والمحكمة ، ومن جملة الإنكار عليهم باللسان ومن التعاون على البر والتقوى وفق الله المسليمن جميعا لما فيه صلاحتهم وسلامتهم من كل سوء .

10.gif


حكم الحلف بالنبي

س: اعتاد بعض الناس الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأصبح الأمر عاديا عندهم ، ولا يعتقدون ذلك اعتقادا ، فما حكم ذلك ؟

ج: الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ، أو غيره من المخلوقات منكر عظيم ، ومن المحرمات الشركية ، ولا يجوز لأحد الحلف الا بالله وحده وقد حكى الأمام ابن عبد البر – رحمه الله -الإجماع على أنه لا يجوز الحلف بغير الله . وقد صحت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنبي عن ذلك وأنه من الشرك ، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " إن الله ينهاكم ان تحلفوا بأبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " . وفي لفظ آخر : فلا يحلف إلا بالله أو ليسكت . وخرج أبو داود والترمذي ، بإسناد صحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " من حلف بغير الله فقد كفر او اشرك " وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من حلف بالأمانة فليس منا " والأحاديث في هذا الباب كثيرة معلومة والواجب على جميع المسلمين ألا يحلفوا إلا بالله وحده ، ولا يجوز لأحد أن يحلف بغير الله كائناً من كان ، للأحاديث المذكورة وغيرها ويجب على من اعتاد ذلك أن يحذره وأن ينهى أهله وجلساءه وغيرهم عن ذلك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فان لم يستطع فبلسانه ، فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان ". والحلف بغير الله من الشرك الأصغر ، للحديث السابق ، وقد يكون شركاً أكبر إذا قام بقلب الحالف أن هذا المحلوف به ، يستحق التعظيم كما يستحقه الله ، أو أنه يجوز أن يعبد مع الله ونحو ذلك من المقاصد الكفرية .. نسأل الله أن يمن على المسلمين جميعاً بالعافية من ذلك ، وأن يمنحهم الفقه في دينه والسلامة من أسباب غضبه إنه سميع قريب .
الشيخ ابن باز


يتبع
 
حكم تقاضي أجر عن تلاوة القرآن

س : نشاهد في كثير من بلاد المسلمين استئجار قارىء يقرأ القرآن ، فهل يجوز للقارىء أن يأخذ أجراً على قراءته ، وهل يأثم من يدفع له الأجر على ذلك ؟

أجابت اللجنة :

قراءة القرآن عبادة مَحْضة ، وقربة يتقرب بها البعبد إلى ربه والأصل فيها وفي أمثالها من العبادات المحضة أن يفعلها المسلم ابتغاء مرضاة الله وطلبا للمثوبة عنده ، لا يبتغى بها المخلوق جزاءً ولا شكوراً ، ولهذا لم يُعرف عن السلف الصالح استئجار قوم يقرءون القرآن للأموات أو في الولائم والحفلات ، ولم يؤثر عن أحد من أئمة الدين أنه أمر بذلك أو رخص فيه. ولم يعرف أيضاً عن أحد منهم أنه أخذ أجرأ على تلاوه القرآن ، بل كانوا يتلونه رغبأ فيما عند الله سبحانه وتعالى وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ القرآن أن يسأل الله به . وحذّر من سؤال الناس به . روى الترمذي في سنته عن عمران بن حصين أنه مر على قاص يقرأ ثم سأل فاسترجع ثم قال : سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : " من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيجىء أقوام يقرءون القرآن يسألون به الناس " وأما أخذ الأجرة على تعليمه أو الرقية به ونحو ذلك مما نفعه متعد لغير القارئ فقد دلت الأحاديث الصحيحة على جوازه لحديث أبى سعيد في أخذه قطعياً من الغنم جُعْلا على شفاء من رقاه بسوره الفاتحة وحديث سهل في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ، امرأة لرجل بتعليمه إياها بما معه من القرآن الكريم ، فمن أخذ أجرا على نفس التلاوه أو استأجر جماعة لتلاوة القرآن فهو مخالف للسنة ولما أجمع عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين .

اللجنة الدائمة

10.gif


ظهور المهدي

س: ما رأي سماحتكم في الشخص الموعود بظهوره وهو المهدي ، هل هناك أحاديث تثبت ذلك ؟ أرجو التوضيح حول ذلك.

ج: الأحاديث التي دلت على خروج المهدي كثيرة ، وردت من طرق متعددة ورواها عدد من أئمة الحديث ، وذكر جماعة من أهل العلم أنها متواترة تواتراً معنويا ، منهم أبو الحسن الآجري من علماء المائة الرابعة والعلامة السفاريني في كتابه " لوامع الأنوار البهية " والعلامة الشوكاني في رسالة سماها " التوضيح في تواتر أحاديث المهدي والدجال والمسيح " وله علامات مشهورة مذكورة في الأحاديث ، وأهمها أنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما ملئت جورا وظلما ، ولا يجوز لأحد أن يجزم بأن فلا بن فلان هو المهدي حتى تتوافر العلامات التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة وأهمها ما ذكرنا وهو كونه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً .. الحديث . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

10.gif


الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ودعاؤه والصلاة عليه

س1: في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: أكان النبي صلى الله عليه وسلم حيا في قبره الشريف بإعادة الروح في الجسد والبدن ( العنصرية ) بحياة دنيوية حسية ؟ . أو حيا في أعلى عليين بحياة أخروية برزخية بلا تكليف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت: اللهم بالرفيق الأعلى، وجسده المنور الآن كما وضع في قبر بلا روح والروح في أعلى عليين. واتصال الروح بالبدن والجسد المعطر عند يوم القيامة، كما قال تعالى : { وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } .

ج1: إن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة برزخية يحصل له بها التنعم في قبره بما أعده الله له من النعيم جزاء له على أعماله العظيمة الطيبة التي قام بها في دنياه، عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام، ولم تعد إليه روحه ليصير حيا كما كان في دنياه ولم تتصل به وهو في قبره اتصالا يجعله حيا كحياته يوم القيامة ، بل هي حياة برزخية وسط بين حياته في الدنيا وحياته في الآخرة، وبذلك يعلم أنه قد مات ، كما مات غيره ممن سبقه من الأنبياء وغيرهم ، قال الله تعالى : {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ } وقال : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } وقال : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} إلى أمثال ذلك من الآيات الدالة على أن الله قد توفاه ؛ ولأن الصحابة رضي الله عنهم قد غسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه ، ولو كان حيا حياته الدنيوية ما فعلوا به ما يفعل بغيره من الأموات ، ولأن فاطمة رضي الله عنها قد طلبت إرثها من أبيها صلى الله عليه وسلم لاعتقادها بموته ، ولم يخالفها في ذلك الاعتقاد أحد من الصحابة ، وقد أجابها أبو بكر رضي الله عنه : بأن الأنبياء لا يورثون ولأن الصحابة رضي الله عنهم قد اجتمعوا لاختيار خليفة للمسلمين يخلفه، وتم ذلك بعقد الخلافة لأبي بكر رضي الله عنه ، ولو كان حيا كحياته في دنياه لما فعلوا ذلك ، فهو إجماع منهم على موته، ولأن الفتن والمشاكل لما كثرت في عهد عثمان وعلي رضي الله عنهما، وقبل ذلك وبعده لم يذهبوا إلى قبره لاستشارته أو سؤاله في المخرج من تلك الفتن والمشكلات وطريقة حلها، ولو كان حيا كحياته في دنياه لما أهملوا ذلك وهم في ضرورة إلى من ينقذهم مما أحاط بهم من البلاء .

س2 : هل يسمع النبي صلى الله عليه وسلم كل دعاء ونداء عند قبره الشريف أو صلوات خاصة حين يصلى عليه ، كما في الحديث من صلى علي عند قبري سمعته إلى آخر الحديث. أهذا الحديث صحيح أو ضعيف أو موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

ج 2: الأصل أن الأموات عموما لا يسمعون نداء الأحياء من بني آدم ولا دعاءهم ، كما قال تعالى : { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } ولم يثبت في الكتاب ولا في السنة الصحيحة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع كل دعاء أو نداء من البشر حتى يكون ذلك خصوصية له، وإنما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه يبلغه صلاة وسلام من يصلي ويسلم عليه فقط، سواء كان من يصلي عليه عند قبره أو بعيدا عنه كلاهما سواء في ذلك؛ لما ثبت عن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم (أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه ، وقال : ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا ، وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم " . أما حديث : من صلى علي عند قبري سمعته ، ومن صلى علي بعيدا بلغته فهو حديث ضعيف عند أهل العلم وأما ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " فليس بصريح أنه يسمع سلام المسلم ، بل يحتمل أنه يرد عليه إذا بلغته الملائكة ذلك، ولو فرضنا سماعه سلام المسلم لم يلزم منه أن يلحق به غيره من الدعاء والنداء .

س 3 : نداء ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم في كل حاجة والاستعانة به في المصائب والنوائب من قريب - أعني: عند قبره الشريف - أو من بعيد أشرك قبيح أم لا؟

ج3 : دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ونداؤه والاستعانة به بعد موته في قضاء الحاجات وكشف الكربات شرك أكبر يخرج من ملة الإسلام، سواء كان ذلك عند قبره أم بعيدا عنه، كأن يقول: يا رسول الله، اشفني، أو رد غائبي، أو نحو ذلك .

س4: أي صلوات أفضل عند قبره الشريف، أعني : الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، أو اللهم صل على محمد وعلى آل محمد بصيغة الطلب ، وهل ينظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرجل الذي يصلي عليه عند قبره الشريف، وهل أخرج النبي صلى الله عليه وسلم يده من قبره الشريف لأحد من الصحابة العظام أو للأولياء الكرام لجواب السلام ؟

ج4: (أ) لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم - فيما نعلم - صيغة معينة في الصلاة والسلام عليه عند قبره ، فيجوز أن يقال عند زيارته : الصلاة والسلام عليك يا رسول الله ، فإن معناها : الطلب والإنشاء وإن كان اللفظ خبرا ، ويجوز أن يصلي عليه بالصلاة الإبراهيمية ، فيقول : اللهم صل على محمد .. إلخ ..

(ب) لم يثبت في كتاب ولا في سنة صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم يرى من زار قبره ، والأصل : عدم الرؤية حتى يثبت ذلك بدليل من الكتاب أو السنة.
(جـ) الأصل في الميت نبيا أو غيره : أنه لا يتحرك في قبره بمد يد أو غيرها ، فما قيل من أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج يده لبعض من سلم عليه وقال له : ( امدد يمينك كي تحظى بها ) غير صحيح ، بل هو وهم وخيال لا أساس له من الصحة . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم .

10.gif


حكم الحلف بغير الله

س : ماحكم الحلف بغير الله ، هل هو شرك أم لا ؟

ج : الحلف بغير الله من ملك أو نبي أو ولي أو مخلوق ما من المخلوقات محرم ؛ لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وعمر يحلف بأبيه ، فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " ، وفي رواية أخرى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله " وكانت قريش تحلف بآبائها فقال : " لا تحلفوا بآبائكم " رواهما مسلم وغيره فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف بغير الله، والأصل في النهي التحريم ، بل ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه سما ه: شركا ، روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف بشيء دون الله فقد أشرك " رواه أحمد بسند صحيح ، ورواه الترمذي وحسنه ، وصححه الحاكم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " ، وقد حمل العلماء ذلك على الشرك الأصغر ، وقالوا : إنه كفر دون الكفر الأكبر المخرج عن الملة والعياذ بالله ، فهو من أكبر الكبائر ، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه : لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا . ويؤيد ذلك ما رواه أبو هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من حلف منكم فقال في حلفه : باللات فليقل : لا إله إلا الله ، ومن قال لأخيه : تعال أقامرك فليتصدق " رواه مسلم وغيره فأمر صلى الله عليه وسلم من حلف من المسلمين باللات أن يقول بعد ذلك : لا إله إلا الله ، لمنافاة الحلف بغير الله كمال التوحيد الواجب ؛ وذلك لما فيه من إعظام غير الله بما هو مختص بالله وهو الحلف به ، وما ورد في بعض الأحاديث من الحلف بالآباء فهو قبل النهي عن ذلك جريا على ما كان معتادا في العرب في الجاهلية .
اللجنة الدائمة

10.gif


محدثات الأمور

س: ما هي محدثات الأمور وما معناها ؟

ج: المراد بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم " إياكم ومحدثات الأمور " كل ما أحدثه الناس في دين الإسلام من البدع في العقائد والعبادات ونحوها مما لم يأت به كتاب ولا سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتخذوه دينا يعتقدونه ويتعبدون الله زعما منهم أنه مشروع وليس كذلك بل هو مبتدع ممنوع ، كدعاء من مات من الصالحين أو الغائبين منهم واتخاذ القبور مساجد والطواف حول القبور والاستنجاد بأهلها زعماً منهم أنهم شفعاء لهم عند الله ووسطاء في قضاء الحاجات وتفريج الكربات واتخاذ أيام موالد الانبياء والصالحين أعيادا يحتفلون فيها ويعملون ما يزعمونه قربا تخص ليلة المولد أو يومه أو شهره ، إلى أمثال ذلك مما لا يكاد يحصى من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان ولا ثبت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء منها ، ويتضح مما ذكرنا أن بعض المحدثات يكون شركا كالاستغاثة بالأموات والنذر لهم ، وأن بعضها يكون بدعةً فقط ولم تبلغ أن تكون شركاً كالبناء على القبور واتخاذ المساجد عليها ما لم يغل في ذلك بما يجعله شركا ً .
اللجنة الدائمة

10.gif


60 / حكم الترحم على الفاسق

س: مات أحد أقاربي وكان أثناء حياته فاسقاً إلا أنه يؤدي الصلاة ، فهل يجوز الترحم عليه والدعاء له بعد مماته ؟

ج : يجوز الدعاء له والرتحم عليه ما دام أنه يدين بالإسلام ويشهد الشهادتين ويصلي ويفعل شعائر الدين الظاهرة ، فهو أحق بالدعاء لذنوبه وما اقترف من السيئات رجاء أن تقبل فيه دعوة مسلم تمحو عنه ما اقترفه .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


حكم الصلاة خلف من يستغيث بغير الله

س : هل يصح أن أصلي خلف من يستغيث بغير الله ويتلفظ بمثل هذه الكلمات " أغثنا يا غوث مدد يا جيلاني " وإذا لم أجد غيره فهل لي أن أصلي في بيتي .

ج : لا تجوز الصلاة خلف جميع المشركين ومنهم من يستغيث بغير الله ويطلب منه المدد . لأن الاستغاثة بغير الله من الأموات والأصنام والجن وغير ذلك من الشرك بالله سبحانه ، أما الاستغاثة بالمخلوق الحي الحاضر الذي يقدر على إغاثتك فلا بأس بها ، لقول الله عز وجل في قصة موسى : { فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ } وإذا لم تجد إماما مسلما تصلي خلفه جاز لك أن تصلي في بيتك ، وإن وجدت جماعة مسلمين يستطيعون الصلاة في المسجد قبل الإمام المشرك أو بعده فصل معهم ، وإن استطاع المسلمون عزل الإمام المشرك وتعيين إمام مسلم يصلي بالناس وجب عليهم ذلك لأن ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة شرع الله في أرضه ، إذا أمكن ذلك بدون فتنة .
لقول الله تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ .. } الآية ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم في صحيحه .
الشيخ ابن باز

10.gif


61 / حكم من حكم بغير ما أنزل الله

س: هل يعتبر الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله كفارا وإذا قلنا إنهم مسلمون فماذا نقول عن قوله تعالى : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } ؟

الجواب : الحُكام بغير ما أنزل الله أقسام ، تختلف أحكامهم بحسب اعتقادهم وأعمالهم ، فمن حكم بغير ما أنزل الله يرى أن ذلك أحسن من شرع الله فهو كافر عند جميع المسلمين ، وهكذا من يحكّم القوانين الوضعية بدلا من شرع الله ويرى أن ذلك جائز ، ولو قال : إن تحكيم الشريعة أفضل فهو كافر لكونه استحل ما حرم الله . أما من حكم بغير ما أنزل الله اتباعا للهوى أو لرشوة أو لعداوة بينه وبين المحكوم عليه أو لأسباب أخرى وهو يعلم أنه عاصٍ لله بذلك وأن الواجب عليه تحكيم شرع الله فهذا يعتبر من أهل المعاصي والكبائر ويعتبر قد أتى كفرا أصغر وظلما أصغر وفسقا أصغر كما جاء هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن طاووس وجماعة من السلف الصالح وهو المعروف عند أهل العلم . والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز

10.gif


لا يجوز تخصيص علي ب ( عليه السلام )

س : أثناء اطلاعي على موضوعات كتاب : ( عقد الدرر في أخبار المنتظر ) ، في بعض الروايات المنقولة عن علي بن أبي طالب أجدها على النحو التالي : عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يخرج رجل من أهل بيتي في تسع رايات " ما حكم النطق بهذا اللفظ أعني ( عليه السلام ) ، أو ما يشابهه لغير الرسول صلى الله عليه وسلم ؟

ج : لا ينبغي تخصيص علي رضي الله عنه بهذا اللفظ ، بل المشروع أن يقال في حقه وحق غيره من الصحابة ( رضي الله عنهم ) أو رحمه الله لعدم الدليل على تخصيصه بذلك ، وهكذا قول بعضهم كرم الله وجهه فإن ذلك لا دليل عليه ولا وجه لتخصيصه بذلك ، والأفضل أن يعامل كغيره من الخلفاء الراشدين ولا يخص بشيء دونهم من الألفاظ التي لا دليل عليها .
الشيخ ابن باز

10.gif


62 / حكم من يذبح للجن

س : ما حكم من نشأ في بلده ولم يدرك شيئا إلا الصلاة ، بل أركان الإسلام الخمسة ويعمل بكل ، ولكنه يذبح للجن ويدعوهم عند حاجته ، ولكنه لا يعرف أن الشريعة تمنع ذلك هل هو معذور لجهله أم لا ؟ وهل يقال له : أنت مشرك ، قبل البيان ؟

ج : يجب على من عرف منه ذلك من أهل العلم بالتوحيد أن يبين له أن الذبح لغير الله من الجن أو غيرهم ؛ كالأنبياء والملائكة والأصنام شرك أكبر يخرج من الإسلام، وكذا دعاؤهم لقضاء الحاجات شرك أكبر يخرج من الإسلام أيضا ؛ لأن كلًّا منهما عبادة يجب الإخلاص فيها لله وحده ، فصرفها لغير الله شرك أكبر . قال الله تعالى :{ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ . قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } الآية . وقال : { وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ . وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ } الآية، وقال : {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } وقال النبي صلى الله عليه وسلم : لعن الله من ذبح لغير الله الحديث. وإن أصر على الذبح للجن ودعائهم لقضاء الحاجة فهو مشرك شركا أكبر ولا عذر له ؛ لقيام الحجة عليه بالكتاب والسنة ويقال له : كافر مشرك شركا أكبر.


يتبع
 
ص 62 / هل تعود الحياة إلى الميت في القبر

الحمد الله والصلاة والسلام على رسوله وآله ، وبعد :

فقد اطعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم الى سماحة الرئيس العام ، ونصه : ( إني سمعت من علماء الاسلام أن الميت يصير حيا في القبر ويجيب عن سؤال الملائكة ، ويعذب إذا بانَ منه الكفر وعدم الاستقامة في الإسلام في الحياة الدنيا ، وإني كملم بمبادىء الاسلام ، لم أجد في القرآن الكريم أي برهان صريح يدل على سؤال القبر وعقابه . يقول تعالى : {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً . فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . وَادْخُلِي جَنَّتِي }( سورة الفجر ، الآيات : 27 – 30 ) حسب فهمي الضعيف أن النفس ترجع إلى ربها بعد خروجها من الجسد . ولم أفهم أن النفس تكون مع جسدها في القبر مُنعمة . وأيضا يقول الله تعالى : { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ } ( سورة غافر ، الآية : 11 ) وأفهم من هذه الآية أيضا أن الإماتة مرتان : وقت النطفة وووقت خروج النفس من الجسد ، كما أفهم أن الإحياء مرتان : الحياة في بطن الأم ووقت البعث ، ولم أفهم من الآية إشارة تدل على سؤال القبر وعذابه . يقول تعالى : {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا } ( سورة يس ، الآية : 52 ) الخ . وهذا يدل على أن الكفار نائمون . والنوم في القبر ينافي العقاب فيه . وبالنهاية أرجو ياصاحب الفضيلة أن أجد منكم جوابا شافياً ، كما كانت إجاباتكم دائماً .

وقد أجابت بما يلي :-

أولا: أدلة الأحكام الشرعية كما تكون من الفرآن الكريم ، تكون من السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أو تقريراً لعموم أمره تعالى بأخذ ما جاءنا به من نصوص الكتاب والسنة لقوله تعالى : { وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } ( سورة الحشر الآية : 7 ) ، لأنه صلى الله عليه وسلم لاينطق عن الهوى إنما يشرع لنا بوحي من الله تعالى كما قال سبحانه : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } . سورة النجم الآيتان ( 3 ، 4 ) ولأن اتباعه صلى الله عليه وسلم فيما جاء به عموما دليل على الإيمان بالله ومحبته سبحانه ويترتب عليه محبة الله ومغفرته لمن اتبعه ، كما قال تعالى :{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } . ( سورة آل عمران الآية : 31 ) ولأمره تعالى بطاعته صلى الله عليه وسلم وحكمه بأن طاعته طاعةٌ لله ، قال تعالى : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }( سورة آل عمران الآيه : 32 ) وقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } . ( سورة النساء الآية : 59 ) وقال : { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا }. ( سورة النساء الاية : 80 ) . إلى غير ذلك من آيات القران التي أمرت بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، واتباعه وأخذ ما ثبت عنه والعمل به ، فالسنة الثابة عنه صلى الله عليه وسلم حجة تثبت بها الأحكام عقيدة وعملا ، كما أن آيات القران حجة تثبت بها الأحكام صراحة واستنباطا على مقتضى قواعد اللغة العربية ، وطريقه العرب في فهمهم للغتهم .

ثانيا : عذاب الكافرين في قبورهم ممكن عقلا ، وقد دلَّ القرآن الكريم على وقوعه ، من ذلك قوله تعالى { وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ . النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } ( سورة غافر ، الآيتان : 45 ، 46 ) فهذا بيّن واضح في إثبات العذاب في القبر بالنار لأنه لا غدو ولا عشى يوم القيامة ، ولقوله في ختام الآية : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } فإنه يدل على عذاب أدنى قبل قيام الساعة وهو عرضهم على النار وما هو إلا عذاب القبر . وفرعون وآله ومن سواهم من الكافرين سواء في حكم الله وعدله في الجزاء ، ومن ذلك أيضا قوله تعالى : { فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ . يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ . وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } ( سورة الطور الآيات : 45 ، 47 ) فإنه يدل على تعذيب الكافرين عذابًا أدنى قبل قيام الساعة ، وهو عام لما يصيبهم الله تعالى به في الدنيا وما يعذبهم به في قبورهم قبل أن يعثوا منها إى العذاب الأكبر . وثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ في صلاته من عذاب القبر ، ويأمر أصحابه بذلك ، وثبت أنه بعد أن صلى صلاه كسوف الشمس وخطب الناس ، أمرهم أن يستعيذوا بالله من عذاب القبر ، واستعاذ بالله من عذاب القبر ثلاث مرات في بقيع الغرقد ، حينما كان يُلْحَد لميت من أصحابه ولو لم يكن عذاب القبر ثابتًا لم يستعذ بالله مه ولا أمر أصحابه به .
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ قوله تعالى : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } . ( سورة إبراهيم ، الآية : 47 ) . يدخل فيه تثبيت المؤمن وخذلان الكافر عند سؤال كل منهما في قبره ، وأن المؤمن يوفق في الإجابة وينعم في قبره ، وأن الكافر يخذل ويتردد في الإجابة ويعذب في قبره . وسيجيء ذلك في حديث البراء بن عازب رضى الله عنه قريبا ؛ ومن أدلة عذاب القبر أيضا ما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضى الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال : " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ، فدعا بجريدة رطبة فشقها نصفين وغرز على كل قبر واحدة ، وقال : لعله يخفف عنهما ما لم يبسا " وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت سؤال الميت في قبره ، وثبوت نعيمه فيه أو عذابه حسب عقيدته وعمله ، بما لايدع مجالا للشك في ذلك . ولم يعرف عن الصحابة رضى الله عنهم في ثبوت ذلك خلاف ، ولذا قال بثبوته أهل السنة والجماعة . ومما ورد في ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سنته والحاكم وأبو عوانة الأسفرائيني في صحيحهما عن البراء بن عازب ، رضى الله عنه قال : كنا في جنازه في بقيع الغَرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقعد وقعدنا حوله كأنَّ على رؤوسنا الطير وهو يلحد له فقال : " أعوذ بالله من عذاب القبر )" ثلاث مرات ، ثم قال : " إن العبد المؤمن إذا كان في إقبال من الآخر وانقطاع من الدنيا ، نزلت إليه الملائكة كأنَّ على وجوههم الشمس ، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة ، فجلسوا منه مدَّ البصر ثم يجىء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه " فيقول : ( يا أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ) قال : ( فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيّ السقاء فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين . حتى يأخذوها فيجعلوها فبي ذلك الكفن وذلك الحنوط ، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وُجدت على وجه الأرض . قال : فيصعدون بها ، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الطيبة ؟ فيقولون فلا بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها الدينا ، حتى ينتهوا بها إلى السماء فيستفتحون له فيُفتح له ، فيُشيِّعه من كل سماء مُقرَّبوها إلى السماء التي تليها ، حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتاب عبدي في عِليين ، وأعيدوه إلى الأرض ، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى ، قال : فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول ربي الله . فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : ديني الاسلام . فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله فيقولان له : ما علمك ؟ فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادي منادٍ من السماء أن صدق عبدي ، فافرشوه من الجنة . وافتحوا له باباً إلى الجنة . قال : فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره . قال : ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول : أبشر بالذي يسرُّك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول له من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير . فيقول أنا عملك الصالح . فيقول : يارب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي . قال : وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسُوح فيجلسون منه مد البصر ، ثم يجىء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الخبيثة ، اخرجي إلى سخط من الله وغضب ، قال : فتتفرق في جسده فينتـزعها كما ينتزع السَّفود من الصوف المبلول ، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طَرفه عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج كنها كأنتن ريح خبيثة وُجدت على وجه الأرض فيصعدون بها ، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقول : فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا ، حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيُستفتح له فلا يُفتح له . ثم قرأ رسول الله صلبى الله عليه وسلم : { لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ } . ( سورة الأعراف ، الآية : 40 ) فيقول الله عزّ وجل : اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى ، فتطرح روحه طرحاً ثم قرأ : { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } . ( سورة الحج ، الآية : 31 ) . فتُعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري . فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري . فينادي منادِ من السماء أن كذب ، فافرشوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار . فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه . ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثيباب منتن الريح فيقول : أبشر بالذي يسوءُك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت ، فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر ؟ فيقول : أنا عملك الخبيث ، فيقول رب لا تقم الساعة ) .

ثالثاً : ليس بمحالٍ في العقول أن تسأل الملائكة الأموات في قبورهم وأن يجيبهم الأموات ويأخذوا جزاء وِفاقاً بما قدموا . وليس ببعيد في عظيم قدرة الله تعالى وعجائب سننه الكونية أن ينعَّم المؤمنين في قبورهم ويعذب الكافرين فيها ، فإن من أنعم النظر في الكون وضح له عموم مشيئة الله ونفاذها . وشمول قدرته تعالى وكمالها وإحكام خلقه ودقة تدبيره وإبداعه لما صوره ، وسهل عليه اعتقاد ما وردت به النصوص الصحيحة في سؤال المقبورين ونعيمهم أو عذابهم . وقد ثبت فيها أن الله تعالى يعيد الروح إلى من مات بعد دفنه إعادة تجعله حيًا حياة برزخية ، وسطًا بين حياته في دنياه وحياته بعد أن يبعثه الله يوم القيامة ، وهذه الحياة الوسط بين الحياتين تؤهله لسماع السؤال والإجابة عنه إذا وفق وتجعله يحس بالنعيم أو العذاب . وقد تقدمت الأحاديث في ذلك ولله في تدبيره وخلقه شؤوون لا تحيط بها العقول لقصورها ، ولا تحيلها بل تحكم بإمكانها . وإن كنت تَحار في تعليلها وتعجز عن الوقوف على كنهها وحقيقتها وعن معرفة مداها وغاياتها ، فعلى الإنسان إذا عجز عن شيء وخفي عليه أمره أن يتهم نفسه بالقصور ، ولا يتهم ربه في علمه وحكمته وقدرته .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 67 / موقف الإسلام من النصارى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله ، وبعد :

فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم إلى سماحة الرئيس العام ، ونصه : قال الله تعالى : { يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } . الآية 84 من سورة آل عمران ، وقال تعالى : { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } . إلى آخر الآيات 18 و 19 من سورة آل عمران . وقال تعالى : { لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ } إلى آخر الآيات 112 ، 113 ، 114 ، 115 ، آل عمران . وقال جلَّ وعلا : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ } الآيات 81 إلى 85 سورة المائدة . بحكم عملي واحتكاكي بمسيحيين بزمالتي لبعض منهم ، فإنه يحدث أحياناً بعض المناقشات هل دين الإسلام اعترف بالمسيحيين أم لا ؟ وما موقف الإسلام من النصارى ؟ ويستدلون ببعض الآيات من القرآن الكريم التي أوردت آنفًا بعضًا منها وغيرها في مواضع كثيرة ، وإنما أوردت هذه الآيات الكريمات على سبيل المثال لا الحصر .
بناء على ذلك فإنني أرجو من علمائنا الأفاضل أن يعطوني الجواب الكافي ، ورجائي أن يكون الجواب مبسطًا ومقنعًا ومزودًا بالأدلة والبراهين وبأسلوب هادئ هادف . وهل هناك شيء من هذه الآيات منسوخ ؟ لأن النصارى يحتجون علينا بأن البعض منها يناقض الآخر ، وإنما دعاني إلى كتابتي هذه هو حرصي الشديد على الإسلام وأهله ؟

والجواب :

أصول الشرائع التي جاء بها الأنبياء والمرسلون واحدة ، أوحى الله بها إليهم وأنزل عليهم بها كتبه يوصي فيها سالفهم بالإيمان باللاحق منهم ونصره وتأييده ، ويوصي متأخرهم بتصديق من تقدمه منهم ، وكل ماجاءوا به من عند الله يسمى دين الإسلام . قال الله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ . فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ . قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } . ( سورة آل عمران ، الآيات : 81 – 85 ) وقال تعالى : { آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } ( سورة البقرة ، الآية : 285 ) وقال : { وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ } . إلى أن قال : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } . ( سورة المائدة ، الآيات : 46 – 48 ) وقال : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } . ( سورة المائدة ، الآياتان : 15 – 16 ) وقال : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ( سورة المائدة ، الآية : 19 ) وقال تعالى : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } ( سورة الصف ، الآية : 6 ) . وقال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } . ( سورة الأنبياء ، الآية : 25 ) . إلى غير ذلك من الآيات الدالة بالعموم والخصوص ، على وحدة أصول التشريع الذي جاءت به الأنبياء من توحيد الله بالعبادة ، والإيمان به وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر وأصل الصلاة والزكاة والصيام ، كقوله تعالى في ذِكر دعاء خليله إبراهيم : { رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ } . إلى أن قال في حكاية ضراعة خليله : { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } . ( سورة الأنبياء ، الآيات : 37 – 40 ) . وقوله تعالى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا .وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا } . ( سورة مريم ، الآيات : 51 – 55 ) وقوله تعالى : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } . ( سورة يونس ، الآية 87 ) وقوله في زكريا : { فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى } . ( سورة آل عمران ، الآية : 39 ) . وقوله في عيسى : { قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا . وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا } . ( سورة مريم ، الآيتان : 30 – 31 ) . وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } . ( سورة البقرة ، الآية : 183 ) . لكنها اختلفت في كيفياتها وتفاصيل فروعها كما قال تعالى : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } . ( سورة المائدة ، الآية : 48 ) .


وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الأنبياء أولاد علات دينهم واحد وأمهاتهم شتى ) . رواه البخاري . وعلى هذا فمن آمن بأصول الشرائع على ماجاء به الأنبياء والمرسلون فقد رضي الله عنهم ، وكتب لهم السعادة والفلاح ، وهم الذين امتدحهم الله في كتابه وأثنى عليهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في سنته ، ومن آمن ببعض الأصول التي جاؤوا بها من عند الله وكفر ببعض ، فأؤلئك هم الكافرون حقًّا بالجميع ، لضرورة وحدتها وتصديق بعضها بعضًا ، وأعد الله لهم جنات وساءت مصيرًا ، وهؤلاء هم الذين ذمهم الله في كتابه ، وذمهم رسوله صلى الله عليه وسلم ، في سنته ، قال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا . أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا . وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } . ( سورة النساء ، الآيات 150 – 152 ) .

ومن أجل هذا أخبر الله سبحانه بأن أهل الكتاب من اليهود والنصارى ليسوا سواء في حكمه ، بل أثنى على طائفة من هؤلاء ومن هؤلاء ، وذم طائفة أخرى من الفريقين ، أثنى على الذين امتثلوا أمره من اليهود والنصارى بقوله تعالى : { قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } . ( سورة البقرة ، الآية : 126 ) ومن هؤلاء الذين قال الله فيهم : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } . ( سورة آل عمران ، الآية : 199 ) . ومنهم بعض النصارى وهم الذين قال الله فيهم : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ . وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ . وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ . فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ } ( سورة المائدة ، الآيات : 82 – 85 ) . ومنهم جماعة من أهل الكتاب من اليهود والنصارى أثنى الله عليهم بقوله : { مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ . يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ } . ( سورة آل عمران ، الآيات : 113 – 115 ) . وذم من الفريقين اليهود والنصارى مَن نافق أو آمن ببعض الرسل وكفر ببعض ، وكتموا الحق بعد ما تبين ، وحرفوا الكلم عن مواضعه ، وافتروا على الله الكذب في أصول الشرائع أو فروعها ، ونقضوا ما أخذ عليهم من العهود والميثاق . قال تعالى : { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ . وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ . وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ . فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } . ( سورة البقرة ، الآيات : 75 - 79 ) . وقال تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } . ( سورة آل عمران ، الآية : 187 ) . وقال تعالى : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ . فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ . وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } . ( سورة المائدة ، الآيات : 12 – 14 ) . وذمَّ منهم أيضًا الذين قالوا اتخذ الله ولدًا ، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله . ورد عليهم فِرْيتهم قال تعالى : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ . اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } . ( سورة التوبة ، الآيتان : 30 ، 31 ) وذم منهم أيضًا من زعم – مع كفره – أن الجنة وَقفٌ عليهم لا يدخلها غيرهم ، وكذّبهم في زعمهم وبيّن مَن هم أهل الجنة حقًّا ، قال تعالى : { وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } . ( سورة البقرة ، الآيتان : 111 ، 112 ) .

وذم منهم أيضا من قتل الأنبياء والصالحين بغير حق ، وقالوا قلوبنا غُلف ، وافتروا على مريم بهاتنا عظيمًا ، وقالوا إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم ، وأكلوا الرباء وأموال الناس بالباطل ، ومن قال أن الله ثالث ثلاثة ، وكفّرهم جميعًا ورد عليهم مزاعمهم الباطلة ، وتوعدهم بالعذاب الأليم . إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ثنائه تعالى على جماعة من اليهود ومن النصارى ووصفهم بصفات جعلتهم أهلا للثناء عليها ، والفوز بالسعادة والنعيم المقيم . وذمه جماعة أخرى من كل من الفريقين ووصفهم بصفات استوجبوا بها سخط الله ولعنته وأليم عقابه .

لهذا يتبين أن الإسلام وقف من اليهود والنصارى موقف إنصاف وعدل . وأنه لاتناقض بين النصوص الكتاب والسنة في الإخبار عنهم ثناء وذمًّا ، فإن من أثنى عليهم يختلفون اختلافا بيّنًا عمّن ذمهم ؛ فالذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبَا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ، ويضع عنهم إسرهم والأغلال التي كانت عليهم ، امتثالاً لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ } . ( سورة النساء ، الآية : 136 ) . وأولئك الذين وسعتهم رحمة الله وحق فيهم ثناؤه وأولئك هم المفلحون . أما الذين كفروا بالجميع أو آمنوا ببعض وكفروا ببعض ، وحرفوا ما أنزل في التوراة أو الإنجيل ، إلى آخر ما تقدم بيانه وما في معناه فأولئك الذين ذمهم الله ، وحقت عليهم كلمة العذاب ، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . وعلى هذا فلا تناقض بين نصوص الأخبار عنهم ثناء على من هم أهل لذلك واعترافا بقدرهم ، وإنزالاً لهم منازلهم ، مع ذم آخرين منهم لسوء سيرتهم ، وفساد عقيدتهم وتغييرهم وتبديلهم لما أنزل إليهم من ربهم ، أو تقليدهم من فعل ذلك من أحبارهم ورهبانهم على غير هدى وبصيرة . ولا نسْخ فيها لعدم تنافيها بل بعضها يصدق بعضًا .

ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله ، فإنَّ من تأمل آيات القرآن والأحاديث الصحيحة عن الرسول عليه الصلاة والسلام واطلع على ما صحَّ من التاريخ ، وتبرأ من العصبية ولم يتّبع الهوى ، تبيّن له الحق واهتدى إلى سواء السبيل . وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 72 / حكم الصلاة في المساجد التي فيها قبور

س : هل تصح الصلاة في المساجد التي يوجد فيها قبور ؟

ج : المساجد التي فيها قبور لا يُصلى فيها ، ويجب أن تُنبش القبور وينقل رفاتها إلى المقابر العامة ، يجعل رفات كل قبر في حفرة خاصة كسائر القبور ، ولا يجوز أن يبقى فيها قبور ، لا قبر ولي ولا غيره ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وحذر وذمَّ اليهود والنصارى على عملهم ذلك ، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " قالت عائشة رضي الله عنها ( يحذر ما صنعوا ) . متفق عليه .
وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة بكنيسة فيها صور وأنها كذا وكذا ، فقال : "إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور ، أولئكِ شرار الخلق عند الله يوم القيامة " وقال عليه الصلاة والسلام : " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " فنهى عن اتخاذ القبور مساجد - عليه الصلاة والسلام - .
ومعلوم أن من صلى عند قبر فقد اتخذه مسجدا ، ومن بنى عليه ليصلي فيه فقد اتخذه مسجدا ، فالواجب أن تبعد القبور عن المساجد ، وألا يجعل فيها قبور ؛ امتثالا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحذرا من اللعنة التي صدرت من ربنا عز وجل لمن بنى المساجد على القبور ؛ لأنه إذا صلى في مسجد فيه قبور قد يزين له الشيطان دعوة الميت ، أو الاستغاثة به ، أو الصلاة له ، أو السجود له ، فيقع في الشرك الأكبر ، ولأن هذا من عمل اليهود والنصارى ، فوجب أن نخالفهم ، وأن نبتعد عن طريقهم ، وعن عملهم السيء والله وليُّ التوفيق .
الشيخ ابن باز


يتبع
 
ص 72 / كيف الجمع بين قوله [ إن الله لا يغفر ] وقوله [ وإني لغفار ]

س : كيف نجمع بين هاتين الآيتين : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } وقوله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } وهل بينهما تعارض ؟

ج : ليس بينهما تعارض ، فالآية الأولى في حق من مات على الشرك ولم يتب ، فإنه لا يغفر له ومأواه النار ، كما قال الله سبحانه : { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } وقال عز وجل : { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } والآيات في هذا المعنى كثيرة . أما الآية الثانية وهي قوله سبحانه : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } . فهي في حق التائبين ، وهكذا قوله سبحانه : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } أجمع العلماء على أن هذه الآية في التائبين .. والله وليُّ التوفيق .
الشيخ ابن باز


10.gif


ص 73 / المحكم والمتشابه في القرآن الكريم

س : ما هو " المحكم والمتشابه " في القرآن الكريم ، ولمَ لم يكن القرآن كله مُحْكمًا حتى لا يتأوّل الناس منه إلا الحق ؟

ج : اعلم أن القرآن وصفه الله عز وجل بثلاثة أوصاف ؛ فوصفه بأنه محكم كله كما في قوله تعالى : { تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ } . وفي قوله : {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ } . ووصفه بأنه متشابه في قوله تعالى : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا } . وهذا عام لكل القرآن معناه أن القرآن محكم متقن في أخباره وأحكامه وألفاظه وغير ذلك مما يتعلق به ، ومعنى كونه متشابهًا أن بعضه يشبه بعضًا في الكمال والجودة والتصديق والموافقة ، فلا نجد في القرآن أحكامًا متناقضة أو أخبارًا متناقضة بل كله يشهد بعضه لبعض ويصدق بعضه بعضاً ، لكن يحتاج إلى تدبر وتأمل في الآيات التي قد يكون فيما يبدو للإنسان فيها تعارض ولهذا قال الله عز وجل : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } . أما الوصف الثالث للقرآن ، أن بعضه محكم وبعضه متشابه كما في قوله تعالى : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } . والمحكم هنا ما كان معناه بيّنًا ظاهرًا لأن الله تعالى قابله بقوله : { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } . وتفسير الكلمة يعلم بذكر ما يقابلها ، وهذه قاعدة من قواعد التفسير ينبغي للمفسر أن ينتبه لها ، وهي أن الكلمة قد يظهر معناها بما قوبلت به ؛ وانظر إلى قوله تعالى : { فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا } . فإن كلمة ثُبات قد تبدو مشكلة للإنسان ، ولكن عندما يضمها إلى ما ذكر مقابلاً لها يتبين له معناها ، فإن معنى قوله : { فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ } . أي متفرقين فُرادى . { أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا } . أي مجتمعين . هكذا قوله تعالى : { مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } . نقول إن المحكم في هذه الآية هو الذي كان معناه واضحًا غير مشتبه بحيث يعلمه عامة الناس وخاصتهم ، مثل قوله تعالى : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ } . وما أشبه ذلك من الأمور الظاهرة المعنى . ومنه آيات متشابهات ، متشابهات يخفى معناها على كثير من الناس لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم ، كما قال تعالى : { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ } . على قراءة من قرأها بالوصل وللسلف فيها قولان معروفان: أحدهما الوقف على قوله : { إِلَّا اللَّهُ } , والثاني : الوصل . ولكل قراءة وجه . وأما قول السائل : ما الحكمة في أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل القرآن كله محكمًا بل جعل منه شيئًا متشابهاً ؟ فالجواب عليه من وجهتين : أولا : أن القرآن كله محكم بالمعنى العام ، كما ذكرنا في أول الجواب ، وحتى فيما يتعلق بهذه الآية الكريمة ، فإننا إذا رددنا المتشابه إلى المحكم صار معناه واضحًا بينًا ، وصار الجميع كله محكمًا . أما الوجه الثاني فإننا نقول : إن الله سبحانه وتعالى أوجد المتشابه الذي يحتاج إلى تدبر وتأمل وإرجاع إلى المحكم ، أوجده لحكمة وهي الابتلاء والامتحان والاختبار ، حيث إن بعض الناس يأخذ من هذه الآيات المتشابهات طريقًا إلى الفتنة ، وإلى الطعن في القرآن والتشكيك فيه وليكون بهذا ابتلاء وامتحانًا من الله سبحانه وتعالى له ، وهذا كما يكون في أحكام الله الشرعية أو آياته الشرعية كالقرآن ، يكون كذلك في الآيات الكونية القدرية ، فإن الله تعالى قد يقدر بعض الأشياء امتحانًا للإنسان يبلوه في تطبيق شريعته , وانظر إلى ما ابتلي به الله أهل السبت حين حرّم عليهم الحيتان في يوم السبت ، ابتلاهم الله عز وجل بأن تأتي الحيتان شرَّعًا على ظهر الماء في يوم السبت وفي غير يوم السبت لا تأتيهم ، لكنهم لم يصبروا على هذه المحنة فتحيلوا بالحيلة المعروفة حيث وضعوا شركًا في يوم الجمعة ، لتقع فيه الحيتان ، فيأخذونها يوم الأحد ، فعاقبهم الله عز وجل على هذه الحيلة . وانظر كذلك إلى ما ابتلي الله به الصحابة رضي الله عنهم في قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ } . فابتلاهم الله بسهولة تناول الصيد وهم مُحْرمون وصبروا – رضي الله عنهم – فلم يفعلوا شيئًا مما حرم الله عليهم ، هكذا أيضًا الآيات الشرعية يكون فيها الأشياء المتشابهة التي قد يكون ظاهرها التعارض وتكذيب بعضها أيضًا . لكن الراسخون في العلم يعرفون كيف يجمعون بينها وكيف يؤلفون بين الآيات ، وأما أهل الفتنة والشر ، فإنهم يجعلون من هذا طريقًا إلى إظهار القرآن وكأنه متعارض ومتناقض { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ } .
الشيخ ابن عثيمين

10.gif


75 / المؤمنون يرون ربهم حقا في الجنة كما يشاء الله

س : في حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( إنكم سترون ربكم يوم القيامة كالقمر ليلة البدر .. لا تضامون في رؤيته ) .
1- هل رؤية الله حق يوم القيامة ؟ وهل الحديث المذكور أعلاه صحيح ؟ ! وهل الرؤية للناس جميعًا أم للمؤمنين ؟
2- قال بعض رواة الحديث : إن الله سبحانه وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فهل هذا صحيح ؟ ! .

ج 1 : هذا الحديث صحيح ثابت ، وهو دليل على أن المؤمنين يرون ربهم حقًّا كما يشاء الله وأما الكفار فلا يرونه ، لقوله تعالى : { كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } . وقد وردت الأحاديث الكثيرة في إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الجنة ، وكذلك دل عليها القرآن كقوله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } . وقوله : { عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ } . فأما كيفية الرؤية فلا نعلمها مع أحقيتها ، فإن الدار الآخرة لا تُقاس بالدنيا ، ولا يقاس الغيب على الشهادة ، وإنما علينا أن نقول بما نعلم .

2- وردت الأحاديث الصحيحة في النزول كقوله صلى الله عليه وسلم : " ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، فيقول : ( هل من داعٍ فأستجيب له ، هل من مستغفر فأغفر له ، هل من تائب فأتوب عليه ؟ ) .
لكن هذا النزول من الأمور الغيبية ، فنحن نقبله ولا نخوض في كيفيته ، وإنما نستفيد من فضل آخر الليل ، واستحباب الصلاة هناك والدعاء والاستغفار وإنه مظنة الإجابة .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


ص 76 / إمامة المخالف لأهل السنة

س : هل تجوز الصلاة خلف صاحب عقيدة مخالفة لأهل السنة والجماعة كالأشعري مثلًا ؟

ج : الأقرب والله أعلم أن كل من نحكم بإسلامه يصح أن نصلي خلفه ومَن لا فلا ، وهذا قول جماعة من أهل العلم وهو الأصوب . وأما من قال أنها لا تصح خلف العاصي فقوله هذا مرجوح ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الصلاة خلف الأمراء ،- والأمراء منهم الكثير من العصاة- ، وابن عمر وأنس وجماعة صلوا خلف الحجاج وهو من أظلم الناس . والحاصل أن الصلاة تصح خلف مبتدع بدعة لا تخرجه عن الإسلام ، أو فاسق فسفا ظاهرا لا يخرجه من الإسلام . لكن ينبغي أن يولّى صاحب السنة ، وهكذا الجماعة إذا كانوا مجتمعين في محل يقدمون أفضلهم .
الشيخ ابن باز

10.gif


ص 76 / حكم سؤال السحرة والمشعوذين من الصوفية وغيرهم

س : يوجد في بعض جهات اليمن أناس يسمون ( السادة ) ، وهؤلاء يأتون بأشياء منافية للدين مثل الشعوذة وغيرها ، ويدَّعون أنهم يقدرون على شفاء الناس من الأمراض المستعصية ، ويبرهنون على ذلك بطعن أنفسهم بالخناجر أو قطع ألسنتهم ثم إعادتها دون ضرر يلحق بهم ، وهؤلاء منهم من يصلي ومنهم من لا يصلي . وكذلك يُحلون لأنفسهم الزواج من غير فصيلتهم ولا يحلون لأحد الزواج من فصيلتهم ، وعند دعائهم للمرضى يقولون ( يا الله يا فلان ) أحد أجدادهم .وفي القديم كان الناس يُكْبرونهم ويعتبرونهم أناسا غير عاديين وأنهم مقربون إلى الله ، بل يسمونهم رجال الله ، والآن انقسم الناس فيهم : فمنهم من يعارضهم وهم فئة الشباب وبعض المتعلمين ، ومنهم من لا يزال متمسكا بهم وهم كبار السن وغير المتعلمين . نرجو من فضيلتكم بيان الحقيقة في هذا الموضوع ؟

جـ : هؤلاء وأشباههم من جملة المتصوفة الذين لهم أعمال منكرة وتصرفات باطلة ، وهم أيضا من جملة العرافين الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : " من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما " . وذلك بدعواهم علم الغيب وخدمتهم فلا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم ، لهذا الحديث الشريف ولقوله صلى الله عليه وسلم : " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " وفي لفظ آخر : " من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " . وأما دعاؤهم غير الله واستغاثتهم بغير الله أو زعمهم أن آباءهم وأسلافهم يتصرفون في الكون أو يشفون المرضى أو يجيبون الدعاء مع موتهم أو غيبتهم فهذا كله من الكفر بالله عز وجل وكله من أعمال المشركين ، فالواجب الإنكار عليهم وعدم إتيانهم وعدم سؤالهم وعدم تصديقهم ؛ لأنهم قد جمعوا في هذه الأعمال بين عمل الكهنة والعرافين وبين عمل المشركين عباد غير الله والمستغيثين بغير الله والمستعينين بغير الله من الجن والأموات وغيرهم ممن ينتسبون إليهم ويزعمون أنهم آباؤهم وأسلافهم ، أو من أناس آخرون يزعمون أن لهم ولاية أو لهم كرامة ، بل كل هذا من أعمال الشعوذة ومن أعمال الكهانة والعرافة المنكرة في الشرع المطهر . وأما ما يقع منهم من التصرفات المنكرة من طعنهم أنفسهم بالخناجر أو قطعهم ألسنتهم فكل هذا تمويه على الناس ، وكله من أنواع السحر المحرم الذي جاءت النصوص من الكتاب والسنة بتحريمه والتحذير منه . فلا ينبغي للعاقل أن يغتر بذلك وهذا من جنس ما قاله الله سبحانه وتعالى عن سحرة فرعون : { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } فهؤلاء قد جمعوا بين السحر وبين الشعوذة والكهانة والعرافة وبين الشرك الأكبر . والاستعانة بغير الله والاستغاثة بغير الله وبين دعوى علم الغيب والتصرف في علم الكون ، وهذه أنواع كثيرة من الشرك الأكبر والكفر البواح ومن أعمال الشعوذة التي حرمها الله عز وجل ومن دعوى علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله كما قال سبحانه : { قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ } . فالواجب على جميع المسلمين العارفين بحالهم الإنكار عليهم وبيان سوء تصرفاتهم وأنه منكر وأنَّ أعمالهم شركية وكفرية وفيها من الشعوذة والكهانة والعرافة وفيها من دعوى علم الغيب ما فيها ، وهذه أنواع كلها أنواع ضلال وأنواع كفر وباطل يجب الحذر منه والحذر من أهله . وأما كونهم لا يزوجون بناتهم لغيرهم ويستحلون الزواج من غيرهم فهذا أيضًا جهل وضلال لا وجه له ولا أصل له في الشرع ، وقد قال الله سبحانه وتعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } . ولو كانوا من السادة أو من بني هاشم فليس لهم أن يحرّموا بناتهم على غيرهم بل هذا منكر ويخالف ما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد زوّج عليه الصلاة والسلام زينب ابنة عمه زيد بن حارثة وهي أسدية ، وزوَّج فاطمة بنت قيس أسامة بن زيد وهي قرشية ، وزوّج عليٌّ – رضي الله عنه – أمَّ كلثوم لعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وهو ليس من بني هاشم بل هو من بني عدي .. والوقائع في هذه كثيرة تدل على بطلان ما عليه هؤلاء وأنهم مخالفون لما عليه سَلفهم ، فالواجب نصيحتهم وتحذيرهم من مخالفة أمر الله ، وأمرهم بالتوبة إلى الله سبحانه من جميع ما خالفوا فيه الشرع المطهر . نسأل الله لنا ولهم الهداية .
الشيخ ابن باز

10.gif


ص 78 / حكم الاستعانة بغير الله

س : رجل يعيش في جماعة تستغيث بغير الله هل يجوز له الصلاة خلفهم , وهل تجب الهجرة عنهم , وهل شركهم شرك غليظ , وهل موالاتهم كموالاة الكفار الحقيقيين ؟

ج: إذا كانت حال من تعيش بينهم - كما ذكرت : من استغاثتهم بغير الله, كالاستغاثة بالأموات والغائبين عنهم من الأحياء أو بالأشجار أو الأحجار أو الكواكب ونحو ذلك - فهم مشركون شركا أكبر يخرج من ملة الإسلام , لا تجوز موالاتهم , كما لا تجوز موالاة الكفار , ولا تصح الصلاة خلفهم , ولا تجوز عشرتهم ولا الإقامة بين أظهرهم إلا لمن يدعوهم إلى الحق على بينة, ويرجو أن يستجيبوا له وأن تصلح حالهم دينيا على يديه , وإلا وجب عليه هجرهم والانضمام إلى جماعة أخرى يتعاون معها على القيام بأصول الإسلام وفروعه ، وإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإن لم يجد اعتزل الفرق كلها ولو أصابته شدة ; لما ثبت عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير, وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه, فقلت: يا رسول الله, إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير, فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : " نعم " ، فقلت : فهل بعد هذا الشر من خير ؟ قال : " نعم وفيه دخن " ، قلت : وما دخنه ؟ قال : " قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر " ، فقلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : " نعم , دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها " ، فقلت : يا رسول الله , صفهم لنا , قال : " نعم , هم من جلدتنا, ويتكلمون بألسنتنا " ، قلت : يا رسول الله , فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : " تلزم جماعة المسلمين وإمامهم " ، فقلت : فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : " فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تَعُضَّ على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " متفق على صحته .
وصلى الله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 79 / السفر لزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لقبره

س : ما حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيره من قبور الأولياء والصالحين وغيرهم ؟

ج : لا يجوز السفر بقصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الناس في أصح قولي العلماء ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى " متفق عليه . والمشروع لمن أراد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعيد عن المدينة أن يقصد بالسفر زيارة المسجد النبوي فتدخل زيارة القبر الشريف وقبرَيْ أبي بكر وعمر والشهداء وأهل البقيع تبعا لذلك .
وإن نواهما جاز . لأنه يجوز تبعا ما لا يجوز استقلالا ، أما نية القبر بالزيارة فقط فلا تجوز مع شد الرحال ، أما إذا كان قريبا لا يحتاج إلى شد رحال ولا يسمى ذهابه إلى القبر سفرا ، فلا حرج في ذلك . لأن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه من دون شد رحال سنة وقربة ، وهكذا زيارة قبور الشهداء وأهل البقيع ، وهكذا زيارة قبور المسلمين في كل مكان سنة وقربة ، لكن بدون شد الرحال ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة " أخرجه مسلم في صحيحه .
الشيخ ابن باز

10.gif


ص 80 / المرأة لا تزور القبور

س : ما حكم زيارة المرأة للقبور ؟

ج : لا يجوز للنساء زيارة القبور ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور ، ولأنهن فتنة ، وصبرهن قليل ، فمن رحمة الله وإحسانه أن حرم عليهن زيارة القبور ؛ حتى لا يَفْتنَّ ولا يُفْتِنَّ. أصلح الله حال الجميع.
الشيخ ابن باز

10.gif

حكم الصلاة في المساجد التي تتوسطها الأضرحة

س : هل تجوز الصلاة في المساحد التي تتوسطها قبور لأولياء الله ؟

ج : المساجد المبنية على القبور لا يُصلّى فيها ، سواء كان المقبور فيها من الصالحين أم من غيرهم ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ، نهى وحذّر منه ولعن اليهود والنصارى على ذلك ، كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " . وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة وأم حبيبة – رضي الله عنهما – ذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة بأرض الحبشة وما فيها من الصور ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئكِ شِرار الخلق عند الله " . وخرّج مسلم في صحيحه عن جندب بن عبدالله البجلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " . فهذه الأحاديث الصحيحة وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم الصلاةبالمساجد التي بها قبور ، ولَعْن من فعل ذلك ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث جابر أنه " نهى عن تجصيص القبر والبناء عليها والقعود عليها " .
فالواجب على ولاة أمر المسلمين في جميع الدول الإسلامية أن منعوا البناء على القبور واتخاذ مساجد عليها ، كما يجب عليهم أن يمنعوا تجصيصها والقعود عليها والكتابة عليها عملاً بهذه الأحاديث الصحيحة ، وسدًّا لذرائع الغلو في أهلها والشرك بهم . نسأل الله أن يوفق ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح العباد والبلاد وأن ينصر بهم دينه ويحمي بهم شريعته مما بخالفها ، إنه سميع مجيب .
الشيخ ابن باز


يتبع

 
ص 81 / التفضيل بين الرسل

س : كيف نجمع بين قوله تعالى : { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } . وقوله : { لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ } ؟

ج : قوله تعالى : { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } كقوله تعالى : { وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ } . فالأنبياء والرسل لا شك أن بعضهم أفضل من بعض ، فالرسل أفضل من الأنبياء ، وأولو العزم من الرسل أفضل ممن سواهم ، وأولو العزم من الرسل هم الخمسة الذين ذكرهم الله تعالى في آيتين من القرآن إحداهما في سورة الأحزاب : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ } . محمد عليه الصلاة والسلام ، ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم . والآية الثانية في سورة الشورى : { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى } . فهؤلاء خمسة وهم أفضل ممن سواهم . وأما قوله تعالى عن المؤمنين : { كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ } . فالمعنى لا نفرق بينهم في الإيمان بل نؤمن أنهم كلهم رسل من عند الله حقّاًَ ، وأنهم ما كذبوا فهم صادقون مصدقون وهذا معنى قوله : { لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ } . أي : في الإيمان ، فنؤمن أن كلهم عليهم الصلاة والسلام، رسل من عند الله حقّاً.
لكن في الإيمان المتضمن للاتباع هذا يكون لمن بعد الرسول صلى الله عليه وسلم خاصّاً بالرسول صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم ، لأنه هو المتبع ، لأن شريعته نسخت ماسواها من الشرائع ، وبهذا نعلم أن الإيمان يكون للجميع كلهم ، نؤمن بهم وأنهم رسل الله حقاً ، وأما بعد أن بُعث الرسول صلى الله عليه وسلم فإن جميع الأديان السابقة نُسختْ بشريعته صلى الله عليه وسلم ، وصار الواجب على جميع الناس أن ينصروا محمداً صلى الله عليه وسلم وحده . ولقد نسخ الله تعالى بحكمته جميع الأديان سوى دين الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال الله تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } . فكانت الأديان سوى دين الرسول صلى الله عليه وسلم كلها منسوخة لكن الإيمان بالرسل وأنهم حق هذا أمر لا بد منه .
الشيخ ابن عثيمين

10.gif


ص 82 / العلة في تحريم زيارة النساء للقبور


س : ما السبب أو العلة في تحريم زيارة النساء للقبور ؟

ج : أولاً ورد النهي الشديد عن ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : " لعن الله زائرات القبور" . وقوله لفاطمة لما زارت أناساً للتعزية : " لو بلغت معهم الكداء (يعني أدنى المقابر) ما رأيتِ الجنة.. إلخ " . وثانياً : ورد تعليل ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي تبعن الجنازة : " ارجعن مأزورات غير مأجورات فإنكن تفتن الحي وتؤذين الميت " فعلّل نهيهن بعلتين : كونهن فتنة للأحياء فإن المرأة عورة وخروجها وبروزها للرجال الأجانب يوقع في الفتنة ويجر إلى الجرائم ، وهكذا كونهن يؤذين الميت فإن المرأة قليلة الصبر ضعيفة القلب لا تتحمل المصائب فلا يؤمَن أن يقع منها عند القبور شيء من النياحة والندب والنعي ورفع الصوت بتعداد محاسن الميت وذلك محرم شرعاً.
الشيخ ابن جبرين


10.gif


ص 82 / حساب الكافر في الآخرة

س : الإنسان المؤمن محل الحساب يوم القيامة ، إن خيرا فخير وإن شرًا فشر . فكيف يكون الكافر محلا للحساب كذلك وهو غير مطالب بالتكليفات المطالب بها المؤمن ؟

ج : هذا السؤال مبني على فهم ليس بصحيح ، فإن الكافر مطالب بما يطالب به المؤمن لكنه غير ملزم به في الدنيا ، ويدل على أنه مطالب لقوله تعالى : { إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ . فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ . عَنِ الْمُجْرِمِينَ . مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ . وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ . وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ . وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ } .فلولا أنهم تأثروا بترك الصلاة وترك الطعام وإطعام المساكين لو أنهم تأثروا بذلك ما ذكروه وهذا دليل على أنهم يعاقبون على فروع الإسلام وكما أن هذا هو مقتضى الأثر فهو أيضا مقتضى النظر ، فإذا كان الله تعالى يعاقب عبده المؤمن على ما أخل به من واجب في دينه فكيف لا يعاقب عبده الكافر ؟ بل إني أزيدك أن الكافر يعاقب على كل ما أنعم الله به عليه من طعام وشراب وغيره قال تعالى : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } فمنطوق الآية رفع الجناح عن المؤمنين فيما طعموه ، ومفهومها وقوع الجناح على الكافرين فيما طعموه ، وكذلك قول الله سبحانه وتعالى : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } . فإن قوله : { قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } . دليل على أن غير المؤمن ليس له حق في أن يستمتع بها ، أقول ليس له حق شرعي أما الحق بالنظر إلى الأمر الكوني وهو أن الله سبحانه وتعالى خلقها وانتفع بها هذا الكافر فهذا أمر لا يمكن إنكاره . فهذا دليل على أن الكافر يحاسب حتى على ما أكل من المباحات وما لبس ، وكما أن هذا مقتضى الأثر فإنه مقتضى النظر ، إذ كيف يتمتع هذا الكافر العاصي لله الذي لا يؤمن به كيف يحق له عقلا أن يستمتع بما خلقه الله عز وجل وما أنعم الله به على عباده ؟ إذا تبين لك هذا فإن الكافر يحاسب يوم القيامة على عمله . ولكن حساب الكافر على عمله يوم القيامة ليس كحساب المؤمن لأن المؤمن يحاسب حساًبا يسرًا ؛ يخلو به الرب عزَّ وجل ويقرره بذنوبه حتى يعترف ثم يقول له سبحانه وتعالى : ( قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ) . أما الكافر - والعياذ بالله - فإن حسابه أن يقرر بذنوبه ويُخزى بها على رؤوس الأشهاد ... { وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ }
الشيخ ابن عثيمين

10.gif


ص 83 / فوائد ابتلاء المؤمن

س : لماذا يثقل الله على المؤمنين الذين يكثرون العبادة بالأمراض والبلايا في حين أن العصاة يتمتعون بكل مطايب الدنيا ؟

ج : هذا السؤال يَرِد على وجهين أحدهما اعتراض والثاني استرشاد ، فأما وقوعه على سبيل الاعتراض فإنه دليل على جهل السائل ، فإنّ حكمة الله سبحانه وتعالى أعظم من أن تبلغها عقولنا والله عز وجل يقول : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا } فهذه الروح التي هي بين جنبينا والتي هي مادة حياتنا نحن لا نعرفها وقد عجز النظار والفلاسفة والمتكلمون عن تحديدها وكيفيتها ، فإذا كانت هذه الروح التي هي أقرب مخلوق إلينا لا نعلم منها إلا ما وُصف في الكتاب والسنة فما بالك بما وراء هذا ؟ فالله عز وجل أحكم وأعظم وأجل وأقدر ، فعلينا أن نسلم بقضائه تسليماً تاماً : قضائه الكوني وقضائه القدري ، لأننا عاجزون عن إدراك غايات حكمته سبحانه وتعالى ، وعليه فالجواب عن هذا الوجه من السؤال أن نقول : الله أعلم وأحكم وأقدر وأعظم . وأما الوجه الثاني وهو سؤال استرشاد فإننا نقول لهذا السائل : المؤمن يبتلى وابتلاء الله له بما يؤذيه له فائدتان عظيمتان : الفائدة الأولى اختبار هذا الرجل في إيمانه . هل إيمانه صادق أو متزعزع ، فالمؤمن الصادق في إيمانه يصبر لقضاء الله وقدره ، ويحتسب الأجر منه وحينئذ يهون عليه الأمر ، ويذكر عن بعض العابدات أنه أصيب أصبعها بقطع أو جرح ولكنها لم تتألم ولم تظهر التضجر فقيل لها في ذلك فقالت : إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها ، والمؤمن يحتسب الأجر من الله تعالى ويسلم تسليماً . هذه فائدة . أما الفائدة الثانية : فإن الله سبحانه أثنى على الصابرين ثناءً كبيراً وأخبر أنه معهم وأنه يوفيهم أجرهم بغير حساب ، والصبر درجة عالية لا ينالها إلا من ابتُلي بالأمور التي يُصبر عليها فإذا صبر نال هذه الدرجة العالية التي فيها هذا الأجر الكثير ، فيكون ابتلاء الله للمؤمنين بما يؤذيهم من أجل أن ينالوا درجة الصابرين ، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أعظم الناس إيماناً وأتقاهم لله وأخشاهم لله كان يوعك كما يوعك الرجلان وشُدد عليه صلى الله عليه وسلم عند النزع كل ذلك لأجل أن تتم له منزلة الصبر فإنه عليه الصلاة والسلام أصبر الصابرين ، ومن هذا يتبين لك الحكمة من كون الله سبحانه وتعالى يبتلي المؤمن بمثل هذه المصائب ، أما كونه يعطي العصاة والفساق والفجار والكفار العافية والرزق يدره عليهم فهذا استدراج منه سبحانه وتعالى لهم ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر . فهم يُعطون هذه الطيبات لتُعجل لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا ، ويوم القيامة ينالون ما يستحقونه من جزاء ، قال الله تعالى : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ } . فالحاصل أن هذه الدنيا هي للكفار يُستدرجون بها وهم إذا انتقلوا إلى الآخرة من هذه الحياة الدنيا التي نعموا بها وجدوا العذاب والعياذ بالله ، فإنه يكون العذاب أشد عليهم لأنهم يجدون في العذاب النكال والعقوبة ، ولأنه مع فوات محبوبهم من الدنيا ونعيمهم وترفهم ، وهذه فائدة ثالثة يمكن أن نضيفها إلى الفائدتين السابقتين فيما سينال المؤمن من الأذى والأمراض ، فالمؤمن ينتقل من دار خير من هذه الدنيا فيكون قد انتقل من أمر يؤذيه ويؤلمه إلى أمر يسره ويفرحه ، فيكون فرحه بما قدم عليه من النعيم مضاعفاً لأنه حصل به النعيم وفات عنه ما يجري من الآلام والمصائب .
الشيخ ابن عثيمين

10.gif


ص 85 / أبعدوا القبر عن المسجد

س : شخص بنى جامعًا باليمن وأوصى أسرته أن يكون قبره في الجامع ، وتوفي بالفعل ودفن بالجامع أمام القبلة، وبين القبر وبين الجامع مسافة متر واحد فأرجو إرشادنا عن ذلك ؟

ج : يجب أن ينبش هذا القبر ، ويجعل في مكان بعيد عن المسجد في مقبرة البلد؛ لأن جعل القبر في المسجد ذريعة إلى الشرك ، وإذا كان في القبلة كان أشد في التحريم وأقرب إلى الشرك بالله ، وذلك بعبادة صاحب القبر، والأصل في ذلك ما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ، وأخرج مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " . وروى مسلم أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك " .
وصلى الله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


مكان الجنة

س : إذا كانت الجنة عرضها كعرض السموات والأرض ، فأين توجد في هذا الكون الذي تملؤه السموات والأرض ؟

ج : قبل الجواب على هذا يجب أن نقدم مقدمة وهي أن ما جاء في كتاب الله وما صح عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فإنه حق ولا يمكن أن يخالف الأمر الواقع ، فإن الأمر الواقع المحسوس لا يمكن إنكاره ، ومادل عليه الكتاب والسنة فإنه حق لا يمكن إنكاره ، ولا يمكن تعارض حقين على وجه لا يمكن الجمع بينهما ، وقد ثبت في القرآن أن الجنة عرضها كعرض السماء والأرض قال الله تعالى :{ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ } وهذا حق بلا ريب ، وقد سأل يهودي النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عن هذه الآية فقال : إذا كانت الجنة عرضها السموات والأرض فأين تكون النار ؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام : "إذا جاء الليل فأين يكون النهار ؟ ثم إن قول السائل : إن هذا الكون ليس فيه إلا السموات والأرض ليس بصحيح ، فهذا الكون فيه السموات والأرض ، وفيه الكرسي والعرش ، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام ، يقول بعد رفعه من ركوعه : "ملء السماوات ، وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد" فهناك عالم غير السموات والأرض لا يعلمه إلا الله ، كذلك نحن نعلم منه ما علمنا به سبحانه و تعالى مثل العرش والكرسي ، والعرش وهو أعلى المخلوقات والله - سبحانه وتعالى – قد استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته .
الشيخ ابن عثيمين

10.gif


ص 86 / حكم الكتابة على القبر

س : هل يجوز وضع قطعة من الحديد أو ( لافتة ) على قبر الميت مكتوب عليها آيات قرآنية . بالإضافة إلى اسم الميت وتاريخ وفاته . . إلخ ؟

ج : لا يجوز أن يكتب على قبر الميت لا آيات قرآنية ولا غيرها ، لا في حديدة ولا في لوح ولا في غيرهما ، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم " نهى أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه " ، رواه الإمام مسلم في صحيحه ، وزاد الترمذي والنسائي بإسناد صحيح : " وأن يكتب عليه " .
الشيخ ابن باز

يتبع
 
حكم التبرع بالصلاة وغيرها للميت

س : هل يصح التبرع بالصلاة والصيام والقرآن للميت ؟

ج : نعم يصح أن يتبرع الإنسان بالصلاة والصيام والصدقة وقراءة القرآن والذكر وغير ذلك من أنواع القربات للميت بشرط أن يكون مسلمًا ، أما إذا كان كافرًا فإنه لا يجوز أن يتبرع له الإنسان بشيء . مثل أن يموت الإنسان وهو لا يصلي ، فإنه لا يجوز لأهله أن يستغفروا له ولا أن يتبرعوا له بشيء من الأعمال الصالحة . ولكن مع ذلك فإن التبرع بمثل هذه الأعمال ليس بالأمر المستحب ولكنه جائز ، والأفضل أن يدعو له لقول النبي صلى الله عليه وسلم ، : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم يُنتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " .
الشيخ ابن عثيمين

10.gif


ص 99 / ليس في الدين قشور

س: ما حكم الشرع فيمن يقول إن حلق اللحية وتقصير الثوب قشور وليست أصولا في الدين ، أو فيمن يضحك ممن فعل هذه الأمور ؟

ج : هذا الكلام خطير ومنكر عظيم ، وليس في الدين قشور بل كله لب وصلاح وإصلاح ، وينقسم إلى أصول وفروع ، ومسألة اللحية وتقصير الثياب من الفروع لا من الأصول . لكن لا يجوز أن يسمى شيء من أمور الدين قشورا ويخشى على من قال مثل هذا الكلام متنقصا ومستهزئا أن يرتد بذلك عن دينه لقول الله سبحانه : { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } . الآية . والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر بإعفاء اللحية وإرخائها وتوفيرها وقص الشوارب وإحفائها ، فالواجب طاعته وتعظيم أمره ونهيه في جميع الأمور . وقد ذكر أبو محمد ابن حزم إجماع العلماء على أن إعفاء اللحية وقص الشارب أمر مفترض ، ولا شك أن السعادة والنجاة والعزة والكرامة والعاقبة الحميدة في طاعة الله ورسوله ، وأن الهلاك والخسران وسوء العاقبة في معصية الله ورسوله ، وهكذا رفع الملابس فوق الكعبين أمر مفترض لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار " رواه البخاري في صحيحه ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : المسبل إزاره ، والمنان فيما أعطى ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " ، رواه مسلم في صحيحه . وقال صلى الله عليه وسلم : " لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء متفق عليه " .
فالواجب على الرجل المسلم أن يتقي الله وأن يرفع ملابسه سواء كانت قميصا أو إزارا أو سراويل أو بشتا وألا تنزل عن الكعبين ، والأفضل أن تكون ما بين نصف الساق إلى الكعب ، وإذا كان الإسبال عن خيلاء كان الإثم أعظم ، وإذا كان عن تساهل لاعن كِبر فهو منكر وصاحبه آثم لكن إثمه دون إثم المتكبر ، ولا شك أن الإسبال وسيلة إلى الكبر وإن زعم صاحبه أنه لم يفعل ذلك تكبرا ، ولأن الوعيد في الأحاديث عام فلا يجوز التساهل بالأمر . وأما قصة الصديق رضي الله عنه وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم : (إنًّ إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده ) فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : " إنك لست ممن يفعله خيلاء " فهذا في حق من كانت حاله مثل حال الصديق في استرخاء الإزار من غير كبر ، وهو مع ذلك يتعاهده ويحرص على ضبطه فأما من أرخى ملابسه متعمدا فهذا يعمه الوعيد وليس مثل الصديق .
وفي إسبال الملابس مع ما تقدم من الوعيد إسراف وتعريض لها للأوساخ والنجاسة ، وتشبه بالنساء وكل ذلك يجب على المسلم أن يصون نفسه عنه . والله ولي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل .
الشيخ باز

10.gif


ص 100 / الرزق تكفل الله به ولكن . . .

س : لقد سمعت من الذين يلبسون ويتخفون برداء الإسلام دعوة تنادي بأن الرزق تكفل به الله سبحانه وتعالى ، وأن من يتقي ويسير في طريق الإسلام الصحيح يأكل من فوقه ومن تحته ويأتيه الرزق من حيث لا يحتسب ، ولكن لماذا يموت الإنسان من جراء الجوع والجفاف في بعض المناطق ؟ أليس هناك تكفّلُ من قبلُ ، مشروط بالطاعة ؟

ج : لا شكَّ أن الله تعالى تكفل بالأرزاق لكل المخلوقات وهيأ لهم أسبابها ، لكنه قد يبتلي العباد – ولو كانوا مؤمنين – للاختبار وإظهار الصبر وضده ، وهو سبحانه قد سهل أسباب الرزق وأعطى الإنسان قوة وقدرة على الاحتراف والتكسب وطلب الرزق ، فإذا لم يستعمل تلك القوة والملكة فقد فرط ، فلا يأمن أن يسلط عليه الجوع والفقر والألم ، وهكذا قد يسلط الله على البلد بما فيها من الدواب وغيرها فيعذبهم بسبب الذنوب والكفر وترك الواجبات .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


هل الكفر من عند الله ؟

س : نحن نعلم أن كل شيء يحصل في هذه الدنيا من الله سبحانه وتعالى . فهل كذلك الكفر من الله ؟ أم ماذا ؟

ج : يجب الإيمان بأن الله تعالى يهدي من يشاء بفضله ويضل من يشاء بعدله . وأنه لا يحدث في الدنيا شيء إلا بمشيئة الله وإرادته الكونية القدرية ، فيدخل في ذلك الكفر والإيمان والطاعات والمعاصي ، فإن ما شاء الله كان ولم يشأ لم يكن ، ومع ذلك فإن الله تعالى أعطى العباد قدرة واختيارًا يزاولون بهما الأعمال من خير وشر ، وعليها يثاب المطيع ويعاقب العاصي ..لكن الله سبحانه تفضل على المؤمنين فهداهم وأقبل بقلوبهم إلى طاعته فضلا منه وكرمًا ، وخذل الكافرين وخلَّى بينهم وبين أنفسهم وأهوائهم وأعدائهم عدلا منه حكمة ولا يظلم ربك أحدا ، وعلى هذا فالكفر يحدث بإرادة الله الكونية وبقدرة العبد التي منحه الله إياها ، فيعاقَب عليه لما يملكه من الاختيار والاستطاعة وإن كانت مسبوقة بقدرة الخالق وإرادته . والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


ص 101 / موقف الإسلام من الأطباء الشعبيين

س : ما موقف الإسلام من الأطباء الشعبيين ؟

ج : ورد في الحديث : " ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء ، علَمه من علمه ، وجَهِله من جهله " . فهؤلاء الأطباء الشعبيون قد عملوا بالتجربة على هذه الأدوية، ورجعوا فيها إلى كتب الطب التي جمعها علماء عارفون بذلك، وهذا فن من فنون العلم الكثيرة، قد تخصص فيه أقوام من عهد النبوة، وقبلها وبعدها، وعرفوا تراكيب الأدوية وخواص كل دواء، وكيفية استعماله، مع اعتقادهم أنها أسباب للشفاء، وأن الله تعالى هو مسبب الأسباب. فعلى هذا لا بأس بتعلم ذلك والعلاج به، وعلى السائل أن يقرأ كتاب : ( الطب النبوي ) لابن القيم ، وللذهبي ، و( الآداب الشرعية ) لابن مفلح ، وكتاب ( تسهيل المنافع ) ، وغيرها .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


حكم شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة

س : عندنا مسجد بُني ويسمى مسجد معاذ بن جبل المشهور بمسجد الجند ، ويأتي الناس لزيارته في الجمعة من شهر رجب من كل سنة رجالاً ونساء . هل هذا مسنون وما نصيحتكم لهؤلاء يا فضيلة الشيخ ؟ .

ج : هذا غير مسنون ، أولاً : لأنه لم يثبت أن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – حين بعثه النبي ، صلى الله عليه وسلم،إلى اليمن اختط مسجداً له هناك ، وإذا لم يثبت ذلك فإن دعوى أن هذا المسجد له دعوى بغير بينة ، وكل دعوى بغير بينة فإنها غير مقبولة.
ثانياً : لو ثبت أن معاذ بن جبل اختط مسجداً هناك فإنه لا يشرع إتيانه وشد الرحل إليه ، بل شد الرحل إلى مساجد غير المساجد الثلاثة منهي عنه ، قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى" .
ثالثاً : أن تخصيص هذا العمل بشهر رجب بدعة أيضاً فإن شهر رجب لم يخص بشيء من العبادات لا بصوم ولا بصلاة وإنما حكمه حكم الأشهر الحرم الأخرى ، والأشهر الحرم هي : رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، ومحرم . هذه الأشهر التي قال الله – تعالى – عنها في كتابه : { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } ولم يثبت أن شهر رجب خُص من بينها في شيء لا بصيام ولا بقيام ، فإذا خَص الإنسان هذا الشهر بشيء من العبادات من غير أن يثبت ذلك عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، كان مبتدعاً لقوله ، صلى الله عليه وسلم : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " . فنصيحتي لإخوتي هؤلاء الذين يقومون بهذا العمل في الحضور إلى المسجد الذي يزعم أنه مسجد معاذ في اليمن أن لا يتعبوا أنفسهم ويتلفوا أموالهم ويضيعوها في هذا الأمر الذي لا يزيدهم من الله إلا بُعداً ونصيحتي لهم أن يصرفوا همهم إلى ماثبتت مشروعيته في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهذا كافٍ للمؤمن .
الشيخ ابن عثيمين

10.gif


ص 102 / ليس لأحد الاعتراض على الأحكام التي شرعها الله لعباده

س : رجل يقول أن بعض الأحكام الشرعية تحتاج إلى إعادة نظر وأنها بحاجة إلى تعديل لكونها لا تناسب تطور هذا العصر ، مثال ذلك في الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين . فما حكم الشرع في مثل من يقول هذا الكلام ؟

ج : الأحكام التي شرعها الله لعباده وبينها في كتابه الكريم أو على لسان رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم كأحكام المواريث والصلوات الخمس والزكاة والصيام ونحو ذلك مما أوضحه الله لعباده وأجمعت عليه الأمة ليس لأحد الاعتراض عليه ولا تغييره ؛ لأنه تشريع محكم للأمة في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده إلى قيام الساعة ، ومن ذلك تفضيل الذكر على الأنثى من الأولاد وأولاد البنين والأخوة للأبوين وللأب؛ لأن الله سبحانه قد أوضحه في كتابه الكريم وأجمع عليه علماء المسلمين ، فالواجب العمل بذلك عن اعتقاد وإيمان ، ومَن زعم أن الأصلح خلافه فهو كافـر ، وهكذا من أجاز مخالفته يعتبر كافرا ؛ لأنه معترض على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى إجماع الأمة ، وعلى ولي الأمر أن يستتيـبه إن كان مسلما ، فإن تاب وإلا وجب قتله كافرا مرتدا عن الإسلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من بدل دينه فاقتلوه " رواه البخاري . نسأل الله لنا ولجميع المسلمين العافية من مضلات الفتن ومن مخالفة الشرع المطهر .

10.gif


ص 103 / معنى السعادة والشقاوة

س : أريد تفسيرًا واضحًا لمعنى السعادة والشقاوة التي يكتبها الله على الإنسان وهو في بطن أمه ، وكيف يتفق ذلك مع الآية : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى . وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } .

ج : السعادة والشقاوة التي يكتبها الله سبحانه وتعالى على الإنسان وهو في بطن أمه مكتوبة أيضًا على الإنسان قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة . فإن الله سبحانه وتعالى حينَ خلق القلم قال له : اكتب . قال : ربَّ وماذا أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن . فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة . ومن ذلك سعادة بني آدم وشقاوتهم . وهذا لا يعارض قول الله عزَّ وجل : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى . وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } . لأن هذا فعل من العبد يكون سببًا لسعادته أو شقاوته ، فعلى العبد أن يقوم بما أوجب الله عليه من امتثال الأمر واجتناب النهي والتصديق بالخبر ، وأن يدع ما نهى الله عنه من البخل والاستغناء عن الله عز وجل وتكذيب خبره ، وقد حدّث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأنه ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار ، فقالوا : يارسول الله : إلا أفلا نتكل على الكتابة وندع العمل ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " اعملوا فكلٌّ ميسّرٌ لما خُلق له " . ثم قرأ هذه الآية .
فإذا وُفق الإنسان واتجه اتجاهاً سليمًا وقام بما أُمر به وترك ما نُهي عنه وصدق بما يجب التصديق به فإنه حينئد يكون ميسّرا لليسرى ، ويكون هذا عنوانًا ودليلاً على أنه من أهل السعادة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أهل السعادة ييسرون لعمل أهل السعادة وأما من كان على العكس فإن ذلك دليل على أنه شقي - والعياذ بالله - ، لأنه يُسر لعمل أهل الشقاوة .
الشيخ ابن عثيمين

10.gif


ص 104 / عذاب القبر

س: هل عذاب القبر يختص بالروح أم بالبدن ؟

ج: عذاب القبر ثابت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أما في كتاب الله ، فقد قال تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } . وفي قوله تعالى في آل فرعون : { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } . وأما الأحاديث التي فيها عذاب القبر فهي كثيرة ، ومنها الحديث الذي يعرفه الخاص والعام من المسلمين وهو قول المصلي : أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال . وعذاب القبر في الأصل على الروح وربما تتصل بالبدن أحياناً ولا سيما حين السؤال ، سؤال الإنسان عن ربه ودينه ونبيه حين دفنه ، فإن روحه تُعاد إلى جسده لكنها إعادة برزخية لا تتعلق بالبدن تعلقها به في الدنيا ، ويُسأل الميت عن ربه ودينه ونبيه ، فإذا كان كافراً أو منافقاً فيقول : هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته . فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان ، ولو سمعها الإنسان لصعق .


10.gif


من ادعى علم الغيب فهو كافر أو ساحر أو طاغوت

س : ما حكم من ادعى الغيب ؟ وما هي أنواع الغيب التي يتشوق الإنسان إلى معرفتها ؟

ج : من ادعى علم الغيب فهو كاهن أو ساحر أو طاغوت فإن الغيب لا يعلمه إلا الله ، لقوله تعالى: { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ } . والمراد بالغيب علم ما يكون في الأزمنة القادمة وعلم الآجال والأعمار ونحو ذلك .

الشيخ ابن جبرين

10.gif


ص 105 / الاضطرابات النفسية لا تعالج بالتمائم

س : هل يجوز لي أن أعلق تميمة حيث أعاني من اضطراب نفسية ؟

ج : لا يجوز تعليق التائم للحديث المذكور وغيره ، وتجوز الرقية بالقرآن والأدعية والأوراد المأثورة وكثرة الذِّكر والأعمال الصالحة والاستعاذة من الشيطان والبعد عن المعاصي وأهلها ، فكل ذلك يجلب الراحة والطمأنينة والحياة السعيدة .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


حكم الحلف بالأمانة

س : القَسَم بـ" أمانة الله" هل يجوز ، وما رأي الشرع فيمن يلعب بالشطرنج والطاولة والدومنو ؟

ج : لا يجوز الحلف بالأمانة ، فقد ورد في الحديث الصحيح عن بريدة عن النبي ، صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف بالأمانة فليس منا ". وأما اللعب بالشطرنج فهو حرام كما نص على ذلك علماء المسلمين ، وأما الطاولة والدومنو فكلاهما من اللهو الذي يصد عن ذكر الله ويضيع وقت المسلم سدى ، والعافل ضنين بوقته عن مثل هذا .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


علاج الخواطر الشيطانية

س : ترد على خاطري أحياناً هواجس وخواطر أخاف أن تخرجني عن ديني ، فماذا أفعل تجاهها ؟ وهل علي إثم في ذلك ؟

ج : هذه الخواطر والأفكار من الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس ليوقع المسلم في الحيرة ، فإذا أحسست بشيء من ذلك فاستعيذي بالله وانتهي عن التفكّير في الأمور الغيبة وأمور الصفات والكون حتى لا يضعف اليقين .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


ص 106 / الملائكة ودخول البيت

س : هل صحيح أن الملائكة لا تدخل الغرفة التي يوجد على حائطها صور معلقة ؟

ج : ورد في الحديث الصحيح أن الملائكة لاتدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة ، لكن ورد في بعض الرويات إلا رقماً في ثوب . وثبت أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، دخل على عائشة وقد سترت فُرجة في بيتها بستر فيه صورة فغضب ولم يدخل حتى نزعته وشقت منه وسادة أو سادتين منبوذتين . فاستُدل بذلك على جواز ما كان ممتهناً يوطَأ ويُجلس عليه ، ومنع ما مكن منصوباً أو مرفوعاً على الحائط ونحوه ، وذلك إما أن في هذه الصور مضاهاة لخلق الله تعالى وإما مخافة تعظيمها والغلو فيها ، وإما تعظيم الذين صنعوها ومدحهم بما هو من خصائص الله تعالى .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


الدليل على صدق الرسل

س : ما الدليل على صدق الرسول والأنبياء وبأي شيء أيدهم الله ؟

ج : لقد أفام الله الأدلة على صدق الرسل وأيدهم بالمعجزات التي بهرت البشر وعرفوا معها بالصدق والنصح لقومهم ، فأخلاقهم حسنة وأعمالهم صالحة وألسنتهم صادقة وهم أهل الأمانة والديانة وفيهم البِشر وطلاقة الوجه فالله أعلم حيث يجعل رسالته ، فهم خيرة الله من خلقه ، وربك يخلق من يشاء ويختار ، ومن أراد التوسع في ذلك فليقرأ كتب التاريخ والتفسير والسيرة النبوية والمعجزات ودلائل النبوة التي كتبها العلماء وتوسعوا فيها .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


خلاف الصحابة وحكم لعنهم

س : ما موقف أهل السنة والجماعة حول ما شَجَر بين الصحابة ؟ وما حكم لَعن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ؟

ج : يتوقف أهل السنة عن ما شَجَر بينهم ويقولون : كلهم مجتهد فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر الاجتهاد ويغفر له خطؤه ، فالصحابة قد ورد فضلهم والثناء علهم في الكتاب والسنة .لذلك نرى عدالتهم ونترضّى عنهم ، ونبرأ من الرافضة الذين يسبونهم أو يلعنون بعضهم . فمن طعن في أحد منهم أو ستباح لَعْنه فهو ضالٌّ مضل ، نعوذ بالله من حاله .

الشيخ ابن جبرين

10.gif


ص 107 / الفرق بين الرسول والنبي

س : هل هناك فرق بين الرسول والنبي ؟

ج : نعم ، فأهل العلم يقولون : إن النبي هو مَن أوحى الله إليه بشرع ولم يأمره بتبليغه بل يعمل به في نفسه دون إلزام بالتبليغ .
والرسول هو من أوحى الله إليه بشرع وأمره بتبليغه والعمل به . فكل رسول نبي ، وليس كل نبي رسولاً ، والأنبياء أكثر من الرسل ، وقد قص الله بعض الرسل في القرآن ولم يقصص البعض الآخر .
قال تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } .
وبناء على هذه الآية يتبين أن كل من ذكر في القرآن من الأنبياء فهو رسول .
الشيخ ابن عثيمين

10.gif


حكم فك السحر بالسحر

س : لي صديق سُحرت زوجته ولم ينفع معها أي دواء ، فدلَّنا آخر على رجل يعالج السحر بالسحر .. فهل على الرجل إثم لأنه يستخدم السحر في نفع الآخرين ولم يضر به أحدًا ؟ وهل على صديقي إثم لأنه ذهب إلى الساحر لعلاج زوجته مما أصابها ؟

ج : أود أن أبين أن السحر من أكبر المحرمات .


الشيخ ابن عثيمين

10.gif


ص 108 / مصير أهل الفترة

س : ما هو مصير من عاصروا الفترة ما بعد وفاة رسول الله عيسى عليه السلام وما قبل بعثة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ؟ وهل يعتبرون من أهل الفترة ؟

ج : الصحيح أن أهل الفترة قسمان : القسم الأول : من قامت عليه الحجة وعرف الحق ، لكنه اتبع ما وجد عليه آباءه ، وهذا لا عذر له فيكون من أهل النار .
وأما من لم تقم عليه الحجة فإن أمره لله – عز وجل - . ولا نعلم عن مصيره وهذا ما لم ينص الشرع عليه . أما من ثبت أنه في النار بمقتضى دليل صحيح فهو في النار .
الشيخ ابن عثيمين

10.gif


حكم الحلف بالشرف والكعبة

س : هل يجوز الحلف بالشرف أو الكعبة ؟

ج : لا يجوز الحلف بغير الله ، بل هو شرك لأن الحلف بالشيء تعظيم له ، ولا يجوز التعظيم لمخلوق . وقد كان الصحابة في أول الإسلام يقولون " والكعبة " فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يقولوا : " ورب الكعبة " ، فأما الشرف والنسب والأب ونحوه فكله حلف بغير الله وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : " الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل السوداء على الصخرة السوداء في ظلمة الليل " . وهو أن تقول : والله حياتك يافلانة وحياتي .. إلخ .. فجعل الحلف بالحياة من الشرك .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


ص 109 / حكم إقامة أعياد الميلاد

س : حكم إقامة أعياد الميلاد ؟

ج : الاحتفال بأعياد الميلاد لا أصل له في الشرع المطهر بل هو بدعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " . متفق على صحته . وفي لفظ لمسلم وعلقه البخاري رحمه الله في صحيحه جازما به : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده مدة حياته ولا أمر بذلك ، ولا علمه أصحابه وهكذا خلفاؤه الراشدون ، وجميع أصحابه لم يفعلوا ذلك وهم أعلم الناس بسنـته وهم أحب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحرصهم على اتباع ما جاء به فلو كان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم مشروعا لبادروا إليه ، وهكذا العلماء في القرون المفضلة لم يفعله أحد منهم ولم يأمر به . فعلم بذلك أنه ليس من الشرع الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم ، ونحن نُشهد الله سبحانه وجميع المسلمين أنه صلى الله عليه وسلم لو فعله أو أمر به أو فعله أصحابه رضي الله عنهم لبادرنا إليه ودعونا إليه . لأننا - والحمد لله - من أحرص الناس على اتباع سنته وتعظيم أمره ونهيه . ونسأل الله لنا ولجميع إخواننا المسلمين الثبات على الحق والعافية من كل ما يخالف شرع الله المطهر إنه جواد كريم .
الشيخ ابن باز
10.gif


حكم البناء على القبور

س : ما حكم الدين في بناء المقابر بالطوب والأسمنت فوق ظهر الأرض ؟

ج : أولاً أنا أكره أن يوجه للشخص مثل هذا السؤال بأن يقال : ما حكم الدين ، ما حكم الإسلام وما أشبه ذلك لأن الواحد من الناس لا يعبر عن الإسلام إذ قد يخطئ ويصيب ونحن إذا قلنا : إنه يعبر عن الإسلام معناه أنه لا يخطئ ، لأن الإسلام لا خطأ فيه ، فالأولى في مثل هذا التعبير أن يقال : ما تَرى في حكم من فعل كذا وكذا أو ما ترى فيمن فعل كذا وكذا ، أو ما ترى في الإسلام هل يكون كذا وكذا حكمه ، المهم أن يضاف السؤال إلى المسؤول فقط.
أما بالنسبة لما أراه في هذه المسألة فهو أنه لا يجوز أن يبُنى على القبور فقد ثبت عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، " أنه نهى عن البناء على القبور ونهى أن يجصص القبر وأن يبنى عليه" . فالبناء على القبور محرم لأنه وسيلة إلى أن تُعبد ويشرك بها مع الله – عز وجل- .


يتبع
 
[ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ]

ص 127 / الشبهات التي أثيرت حول زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بعد أن طلقها زيد رضي الله عنه

س : ما هي قصة زيد بن حارثة وزواجه من زينب التي تزوجها بعده النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وكيف بدأ زواجهما وكيف انتهى ؟ حيث أننا سمعنا من بعض الناس في بعض الدول العربية بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد عشق زينب وغير ذلك ، ولا تسمح نفسي بأن أكتب لكم ما سمعت ، فأفيدوني ؟

ج : زيد هو ابن حارثة بن شراحيل الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أعتقه وتبنَّاه فكان يُدعى زيد بن محمد ، حتى أنزل الله قوله : { ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ } . فدَعوه زيد بن حارثة .. أما زينب فهي بنت جحش بن رباب الأسدية ، وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم . أما قصة زواج زيد بزينب فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو الذي تولى ذلك له ، لكونه مولاه ومُتبنّاه فخطبها من نفسها على زيد ، فاستنكفت وقالت : أنا خير منه حسبًا ، فروي أن الله أنزل في ذلك قوله : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } . فاستجابت طاعة لله وتحقيقًا لرغبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد عاشت مع زيد حوالي سنة ، ثم وقع بينهما ما يقع بين الرجل وزوجته ، فاشتكاها زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لمكانتهما منه ، فإنه مولاه ومتبناه وزينب بنت عمته أميمة ، وكأن زيدًا عرّض بطلاقها فأمرهالنبي صلى الله عليه وسلم بإمسكاها والصبر عليها مع علمه صلى الله عليه وسلم ، بوحي من الله أنه سيطلقها وستكون زوجة له صلى الله عليه وسلم ، لكنه خشي أن يُعيّره الناس بأنه تزوج امرأة ابنه ، وكان ذلك ممنوعا في الجاهلية ، فعاتب الله نبيه في ذلك بقوله : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ } . يعني – والله أعلم – تخفي في نفسك ما أعلمك الله بوقوعه من طلاق زيد لزوجته زينب وتزوجك إياها ، تنفيذًا لأمره تعالى وتحقيقًا لحكمته ، وتخشى قالةَ الناس وتعييرهم إياك بذلك ، والله أحق أن تخشاه فتُعلن ما أوحاه إليك من تفصيل أمرك وأمر زيد وزوجته زينب ، دون مبالاة بقالة الناس وتعييرهم إياك .
أما زواج النبي صلى الله عليه وسلم ، زينب ، فقد خطبها النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد انتهاء عدتها من طلاق زيد ، وزوّجه الله إياها بلا ولي ولا شهود فإنه صلى الله عليه وسلم ، وليّ المؤمنين جميعًا ، بل أولى بهم من أنفسهم ، قال الله تعالى : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } . وأبطل الله بذلك عادة التبنّي الجاهلي وأحلَّ للمسلمين أن يتزوجوا زوجات مَن تبنوه بعد فراقهم إياهن بموت أو طلاق ، رحمة منه تعالى بالمؤمنين ورفعًا للحرج عنهم . وأما ما يُروى في ذلك من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ، زينب من وراء الستار وأنها وقعت من قلبه موقعًا بليغًا ففُتن بها وعشقها ، وعلم بذلك زيد فكرهها وآثر النبي صلى الله عليه وسلم بها فطلقها ليتزوجها بعده ، فكله لم يثبت من طريق صحيح ، والأنبياء أعظم شأنا وأعف نفسًا وأكرم أخلاقًا وأعلى منزلة وشرفًا من أن يحصل منهم شيء من ذلك ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي خطبها لزيد رضي الله عنه وهي ابنة عمته ، فلو كانت نفسه متعلقة بها لاستأثر بها من أول الأمر ، وخاصة أنها استنكفت أن تتزوج زيدًا ولم ترض به حتى نزلت الآية فرضيت ، وإنما هذا قضاء من الله وتدبير منه سبحانه لإبطال عاداتٍ جاهلية ، ولرحمة الناس والتخفيف عنهم كما قال تعالى : { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا . مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا . الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا . مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 129 / الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

س : بعض الناس يرون فرض السلام على النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة وفيما بعد يبقى مستحباً ؟

ج : إن الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم فرض ، لأمر الله سبحانه بذلك في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } . والأصل في الأمر الوجوب ، ولما لم يدل الأمر في الآية على التكرار كان وجوب ذلك مرة في العمر ، وكان تكراره مستحباً للأحاديث التي وردت في الترغيب في ذلك إلا في المواضع التي دلت الأحاديث على وجوبها فيها . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه .
اللجنة الدائمة
10.gif


هل هناك صيغة معينة للصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند قبره ، وهل يرى من يسلم عليه ، وهل أخرج يده لأحد أصحابه أو غيرهم ؟

س : أي صلوات أفضل عند قبره الشريف ، أعني : الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، أو اللهم صل على محمد وعلى آل محمد بصيغة الطلب ؟ وهل ينظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرجل الذي يصلي عليه عند قبره الشريف ؟ وهل أخرج النبي صلى الله عليه وسلم يده من قبره الشريف لأحد من الصحابة العظام أو للأولياء الكرام لجواب السلام؟

ج4: (أ) لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم - فيما نعلم - صيغة معينة في الصلاة والسلام عليه عند قبره ، فيجوز أن يقال عند زيارته: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله ، فإن معناها : الطلب والإنشاء وإن كان اللفظ خبرا ، ويجوز أن يُصلي عليه بالصلاة الإبراهيمية فيقول : اللهم صل على محمد ، والأفضل: أن يسلم عليه بصيغة الخبر كما يسلم على بقية القبور ، ولأن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا زاره يقول: ( السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليك يا أبتاه ) ثم ينصرف .
( ب ) لم يثبت في كتاب ولا في سنة صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم يَرى من زار قبره ، والأصل : عدم الرؤية حتى يثبت ذلك بدليل من الكتاب أو السنة .
( جـ ) الأصل في الميت نبيا أو غيره: أنه لا يتحرك في قبره بمد يده أو غيرها ، فما قيل من أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج يده لبعض من سلّم عليه غير صحيح ، بل هو وهْم وخيال لا أساس له من الصحة .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 130 / دعاء النبي صلى الله ونداؤه والاستعانة به بعد موته شرك أكبر

س : نداء ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم في كل حاجة والاستعانة به في المصائب والنوائب من قريب - أعني: عند قبره الشريف - أو من بعيد أشرك قبيح أم لا؟

ج3: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ونداؤه والاستعانة به بعد موته في قضاء الحاجات وكشف الكربات شرك أكـبر يخرج من مِلة الإسلام ، سواء كان ذلك عند قبره أم بعيدًا عنه ، كأن يقول: يا رسول الله اشفني ، أو رد غائبي ، أو نحو ذلك .
اللجنة الدائمة

10.gif


القيام عند السلام على النبي صلى الله عليه وسلم

س : هل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين منعوا الناس من القيام عند السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ؟

ج : لم يكن من دأب الصحابة رضي الله عنهم القيام عند السلام على النبي صلى الله عليه وسلم مطلقًا ، لا في وقت زيارة قبره ولا غيره ، ولم يكن من عادتهم أن يقصدوا إلى قبره للسلام عليه ، عليه الصلاة والسلام ، كلما دخلوا المسجد ويقفوا عنده من أجل السلام عليه ، لكن ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا جاء من سَفَره دخل المسجد النبوي ، فإذا صلى جاء إلى قبره عليه الصلاة والسلام فسلم عليه . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
اللجنة الدائمة

10.gif


النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمع دعاء أحد ولا نداءه

س : هل يسمع النبي صلى الله عليه وسلم كل دعاء ونداء عند قبره الشريف أو صلوات خاصة حين يصلى عليه ، كما في الحديث من صلى علي عند قبري سمعته إلى آخر الحديث. أهذا الحديث صحيح أو ضعيف أو موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

ج : الأصل أن الأموات عموما لا يسمعون نداء الأحياء من بني آدم ولا دعاءهم ، كما قال تعالى : { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } ولم يثبت في الكتاب ولا في السنة الصحيحة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع كل دعاء أو نداء من البشر حتى يكون ذلك خصوصية له، وإنما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه يبلغه صلاة وسلام من يصلي ويسلم عليه فقط، سواء كان من يصلي عليه عند قبره أو بعيدا عنه كلاهما سواء في ذلك؛ لما ثبت عن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم (أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه ، وقال : ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا ، وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم " . أما حديث : من صلى علي عند قبري سمعته ، ومن صلى علي بعيدا بلغته فهو حديث ضعيف عند أهل العلم وأما ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " فليس بصريح أنه يسمع سلام المسلم ، بل يحتمل أنه يرد عليه إذا بلغته الملائكة ذلك، ولو فرضنا سماعه سلام المسلم لم يلزم منه أن يلحق به غيره من الدعاء والنداء .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 131 / حكم الاحتفال بالمولد النبوي

س : هل يحل للمسلمين أن يحتفلوا في المسجد ليتذكروا السيرة النبوية الشريفة في ليلة 12 ربيع الأول بمناسبة المولد النبوي الشريف ، بدون أن يعطلوا نهاره كالعيد ؟ واختلفنا فيه ، قيل بدعة حسنة ، وقيل بدعة غير حسنة ؟

الجواب : ليس للمسلمين أن يقيموا احتفالا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة 12 ربيع الأول ولاغيرها ، كما أنه ليس لهم أن يقيموا أي احتفال بمولد غيره عليه الصلاة والسلام . لأن الاحتفال بالموالد من البدع المحدثة في الدين ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده في حياته صلى الله عليه وسلم وهو المبلغ للدين والمشرع للشرائع عن ربه سبحانه ولا أمر بذلك ولم يفعله خلفاؤه الراشدون ولا أصحابه جميعا ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة . فعُلم أنه بدعة وقد قال صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق على صحته ، وفي رواية لمسلم وعلقها البخاري جازما بها " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " . والاحتفال بالموالد ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بل هو مما أحدثه الناس في دينه في القرون المتأخرة فيكون مردودا ، وكان عليه الصلاة والسلام يقول في خطبته يوم الجمعة : " أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة " . رواه مسلم في صحيحه وأخرجه النسائي بإسناد جيد وزاد " وكل ضلالة في النار " . ويغني عن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم تدريس الأخبار المتعلقة بالمولد ضمن الدروس التي تتعلق بسيرته عليه الصلاة والسلام وتاريخ حياته في الجاهلية والإسلام في المدارس والمساجد وغير ذلك ، من غير حاجة إلى إحداث احتفال لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يقم عليه دليل شرعي .. والله المستعان ونسأل الله لجميع المسلمين الهداية والتوفيق للاكتفاء بالسنة والحذر من البدعة .
الشيخ ابن باز

10.gif


ص 132 / هل النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره ؟

س : في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، أكان النبي صلى الله عليه وسلم حيا في قبره الشريف بإعادة الروح في الجسد والبدن بحياة دنيوية حسية . أو حيا في أعلى عليين بحياة أخروية برزخية بلا تكليف ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت : اللهم بالرفيق الأعلى ، وجسده المنور الآن كما وضع في قبره بلا روح والروح في أعلى عليين ؟ واتصال الروح بالبدن والجسد المنتظر عند يوم القيامة، كما قال تعالى : { وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } .

ج : إن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة برزخية يحصل له بها التنعم في قبره بما أعده الله له من النعيم جزاء وِفاقًا له بما كسب في دنياه ، ولم تعد إليه روحه ليصير حيا كما كان في دنياه ولم تتصل به وهو في قبره اتصالا يجعله حيا كحياته يوم القيامة ، بل هي حياة برزخية وسط بين حياته في الدنيا وحياته في الآخرة ، وبذلك يُعلم أنه قد مات ، كما مات غيره ممن سبقه من الأنبياء وغيرهم ، قال الله تعالى : { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ } . وقال : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } . وقال : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } . إلى أمثال ذلك من الآيات الدالة على أن الله قد توفاه ؛ ولأن الصحابة رضي الله عنهم قد غسلوه وصلوا عليه ودفنوه ، ولو كان حيا حياتَه الدنيوية ما فعلوا به ما يُفعل بغيره من الأموات . ولأن فاطمة رضي الله عنها قد طلبت إرثها من أبيها صلى الله عليه وسلم لاعتقادها بموته ، ولم يخالفها في ذلك الاعتقاد أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، وقد أجابها أبو بكر رضي الله عنه : بأن الأنبياء لا يورّثون ولأن الصحابة رضي الله عنهم قد اجتمعوا لاختيار خليفة للمسلمين يخلفه ، وتم ذلك بعقد الخلافة لأبي بكر رضي الله عنه، ولو كان حيا كحياته في دنياه لما فعلوا ذلك ، فهو إجماع منهم على موته ، ولأن الفتن والمشاكل لما كثرت في عهد عثمان وعلي رضي الله عنهما، وقبل ذلك وبعده لم يذهبوا إلى قبره لاستشارته أو سؤاله في المخرج من تلك الفتن والمشكلات وطريقة حلها، ولو كان حيا كحياته في دنياه لما أهملوا ذلك وهم في ضرورة إلى من ينقذهم مما أحاط بهم من البلاء .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 133 / السلام على النبي مشروع

س : إذا كان السلام بدعة حسنة فهل يجوز منع الناس من السلام على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ؟

ج : ليست الصلاة والسلام على رسولنا وعلى إخوانه النبيين بدعة حسنة كما ذكر السائل ، بل هما مشروعان للأدلة الثابتة في ذلك ، فلا يجوز منع الناس منهما إلا إذا جيء بهما على هيئة لم تكن على عهد السلف الصالح من الصحابة ومن تبعهم بإحسان مثل أن يأتي بهما المؤذن بعد الأذان جهرًا كالأذان ، أو يجتمع جماعة لذلك في أوقات معينة ليصلوا ويسلموا على النبي صلى الله عليه وسلم ، لعدم ورود ذلك عن سلفنا الصالح ، فكان وقوعهما على هذه الهيئة هو البدعة التي تنكر دون أصل الصلاة والسلام عليه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
اللجنة الدائمة

10.gif


نور النبي صلى الله عليه وسلم هل هو من نور الله ؟

س : هل كان نور محمد من نور الله أو من غيره ؟

ج : للنبي صلى الله عليه وسلم نور هو نور الرسالة والهداية التي هدى الله بها بصائر من شاء من عباده ، ولا شك أن نور الرسالة والهداية من الله ، قال الله تعالى : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ . وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ } . وليس هذا النور مكتسبا من خاتم الأولياء كما يزعمه بعض الملاحدة ، أما جسمه صلى الله عليه وسلم فهو دم ولحم وعظم ... إلخ. خلق من أب وأم ولم يسبق له خلق قبل ولادته ، وما يروى من أن أول ما خلق الله نور النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، أو أن الله قبض قبضة من نور وجهه ، وأن هذه القبضة هي محمد صلى الله عليه وسلم ونظر إليها فتقاطرت منها قطرات فخلق من كل قطرة نبيا أو خلق الخلق كلهم من نوره صلى الله عليه وسلم ، فهذا وأمثاله لم يصح منه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم وانظر ص 366 وما بعدها من [ مجموع الفتاوى ] لابن تيمية - الجزء الثامن عشر ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه .
اللجنة الدائمة

10.gif


134 / النبي صلى الله عليه وسلم هل يعلم الغيب ؟

س : هل النبي صلى الله عليه وسلم حاضر وناظر ، أي يعلم الغيب ، فالحاضر عنده والغائب سواء ؟

ج : الأصل في الأمور الغيبية اختصاص الله بعلمها قال الله تعالى : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } . ( سورة الأنعام ، الآية : 59 ) وقال تعالى : { قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } . ( سورة النمل ، الآية : 65 ) لكن الله تعالى يُطلع من ارتضى من رسله على شيء من الغيب ‏,‏ قال الله تعالى‏ :‏ { ‏ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا . إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا } وقال تعالى { قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ } . ( سورة الأحقاف ، الآية : 9 ) .‏ وثبت في حديث طويل من طريق أم العلاء أنها قالت‏ :‏ لما توفي عثمان بن مظعون أدرجناه في أثوابه‏ ,‏ فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت‏ :‏ رحمة الله عليك أبا السائب‏ ,‏ شهادتي عليك لقد أكرمك الله عز وجل‏ ,‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏ وما يدريك أن الله أكرمه ‏؟‏ ‏"‏ فقلت ‏:‏ لا أدري بأبي أنت وأمي ‏,‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أما هو فقد جاءه اليقين من ربه‏,‏ وإني لأرجو له الخير‏,‏ والله ما أدري وأنا رسول الله ما يُفعل بي‏"‏ فقلت‏:‏ والله لا أزكي بعده أحدا أبدا " . رواه أحمد ورواه البخاري في كتاب الجنائز من صحيحه ‏,‏ وفي رواية له‏ : "‏ ما أدري ، وأنا رسول الله ما يفعل بي " وقد ثبت في أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمه الله بعواقب بعض أصحابه فبشرهم بالجنة‏,‏ وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند البخاري ومسلم‏,‏ أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة ‏,‏ فقال ‏:‏ ما المسئول عنها بأعلم من السائل ، ثم لم يزد على أن أخبره بأماراتها‏ ,‏ فدل على أنه علم من الغيب ما أعلمه الله به دونما سواه من المغيبات‏,‏ وأخبره به عند الحاجة .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 135 / هل يحضر النبي صلى الله عليه وسلم الميت ؟

س : هل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه عند الميت أو تحضر صورته؟

ج : حضور النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره ممن أفضى إلى ربه من الأمور الغيبية ، التي لا تعرف إلا بتوقيف الشرع وتعريفه لعباده بها، فليس لأحد أن يخوض في هذا إلا بنص شرعي ، ولم يثبت في آية ولا حديث أنه صلى الله عليه وسلم حضر عند ميت ما بنفسه ولا بصورته ، وإنما يجتمع به الناس يوم القيامة ويسألونه أن يشفع لهم عند ربهم ؛ ليصرفهم من الموقف ، إلى غير هذا مما سيكون له صلى الله عليه وسلم يوم القيامة مما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه من خصائصه ، والله الموفق .
اللجنة الدائمة

10.gif


حول الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم والإشارة إليها بالحروف

الحمد لله ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وآله وصحبه ، أما بعد : فقد أرسل الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الثَّقَلين بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، أرسله بالهدى والرحمة ودين الحق ، وسعادة الدنيا والآخرة لمن آمن به وأحبه واتبع سبيله صلى الله عليه وسلم ، ولقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده ، فجزاه الله عن ذلك خير الجزاء وأحسنه وأكمله . وطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه من أهم فرائض الإسلام وهي المقصود من رسالته . والشهادة له بالرسالة تقتضي محبته واتباعه والصلاة عليه في كل مناسبة وعند ذِكره . لأن في ذلك أداء لبعض حقه صلى الله عليه وسلم وشكرا لله على نعمته عليه بإرساله صلى الله عليه وسلم . وفي الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فوائد كثيرة منها : امتثال أمر الله سبحانه وتعالى ، والموافقة له في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، والموافقة لملائكته أيضا في ذلك ، قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } . ومنها أيضا : مضاعفة أجر المصلي عليه ، ورجاء إجابة دعائه ، وسبب لحصول البركة ، ودوام محبته صلى الله عليه وسلم وزيادتها وتضاعفها ، وسبب هداية العبد وحياة قلبه فكلما أكثر الصلاة عليه وذكره استولت محبته على قلبه حتى لا يبقى في قلبه معارضة لشيء من أوامره ولا شك في شيء مما جاء به . كما أنه صلوات الله وسلامه عليه رغَّب في الصلاة عليه بأحاديث ثبتت عنه ، منها ما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا " وعنه رضي الله عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم " وقال صلى الله عليه وسلم : " رَغِمَ أنفُ رجل ذُكرت عنده فلم يصلِّ عليّ " . وبما أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة في الصلوات في التشهد ، ومشروعة في الخُطب والأدعية والاستغفار ، وبعد الأذان وعند دخول المسجد والخروج منه وعند ذكره وفي مواضع أخرى ، فهي تتأكد عند كتابة اسمه في كتاب أو مؤلَّف أو رسالة أو مقال أو نحو ذلك لما تقدم من الأدلة . والمشروع أن تكتب كاملة تحقيقا لما أمرنا الله تعالى به ، وليتذكرها القارئ عند مروره عليها ولا ينبغي عند الكتابة الاقتصار في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على كلمة ( ص ) أو ( صلعم ) وما أشبهها من الرموز التي قد يستعملها بعض الكتبة والمؤلفين ، لما في ذلك من مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بقوله : {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } . مع أنه لا يتم بها المقصود وتنعدم الأفضلية الموجودة في كتابة ( صلى الله عليه وسلم ) كاملة . وقد لا ينتبه لها القارئ أو لا يفهم المراد بها ، علما بأن الرمز لها قد كرهه أهل العلم وحذروا منه . فقد قال ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث المعروف بمقدمة ابن الصلاح ، في النوع الخامس والعشرين من كتابة : ( الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده ) قال ما نصه : ( التاسع : أن يحافظ على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذكره ، ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره فإنَّ ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته ، ومن أغفل ذلك فقد حُرم حظًّا عظيمًا . وقد رأينا لأهل ذلك منامات صالحة ، وما يكتبه من ذلك فهو دعاء يثبته لا كلام يرويه ، فلذلك لا يتقيد فيه بالرواية . ولا يقتصر فيه على ما في الأصل . وهكذا الأمر في الثناء على الله سبحانه عند ذكر اسمه نحو عز وجل وتبارك وتعالى ، وما ضاهى ذلك ) . إلى أن قال : ( ثم ليتجنب في إثباتها نقصين : أحدهما : أن يكتبها منقوصة صورة رامزًا إليها بحرفين أو نحو ذلك ، والثاني : أن يكتبها منقوصة معنى بألاَّ يكتب ( وسلم ) . وروي عن حمزة الكناني رحمه الله تعالى أنه كان يقول : كنت أكتب الحديث ، وكنت أكتب عند ذكر النبي صلى الله عليه .. ولا أكتب ( وسلم ) فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي : ما لك لا تتم الصلاة علي ؟ قال : فما كتبت بعد ذلك صلى الله عليه إلا كتبت ( وسلم ) .. إلى أن قال ابن الصلاح : قلت : ويكره أيضا الاقتصار على قوله : ( عليه السلام ) والله أعلم ) . انتهى المقصود من كلامه رحمه الله تعالى ملخَّصًا . وقال العلامة السخاوي رحمه الله تعالى في كتابه ( فتح المغيث شرح ألفية الحديث للعراقي ) ما نصه : ( واجتنب أيها الكاتب ( الرمز لها ) أي الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطك ، بأن تقتصر منها على حرفين ونحو ذلك فتكون منقوصة - صورة - كما يفعله ( الكسائي ) والجهلة من أبناء العجم غالبا ، وعوام الطلبة ، فيكتبون بدلا من : "صلى الله عليه وسلم ( ص ) أو ( صم ) أو ( صلعم ) فذلك لما فيه من نقص الأجر لنقص الكتاب خلاف الأولى ) .
وقال السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه ( تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي ) : ( ويكره الاقتصار على الصلاة أو التسليم هنا وفي كل موضع شرعت فيه الصلاة ، كما في شرح مسلم وغيره لقوله تعالى : { صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } إلى أن قال : ( ويكره الرمز إليهما في الكتابة بحرف أو حرفين كمن يكتب ( صلعم ) بلى يكتبهما بكمالها ) انتهى المقصود من كلامه رحمه الله تعالى ملخصا . هذا ووصيتي لكل مسلم وقارئ وكاتب أن يلتمس الأفضل ويبحث عما فيه زيادة أجره وثوابه ويبتعد عما يبطله أو ينقصه . نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعا إلى ما فيه رضاه ، إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
الشيخ ابن باز

10.gif


ص 137 / حول زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعدد من النساء

س : لماذا يتزوج الرسول مجموعة من النساء ؟

ج : لله الحكمة البالغة ، ومن حكمته أنه سبحانه أباح للرجال في الشرائع السابقة وفي شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، أن يجمع في عصمته أكثر من زوجة ، فلم يكن تعدد الزوجات خاصًّا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد كان ليعقوب عليه الصلاة والسلام زوجتان ، وجمع سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام بين مائة امرأة إلا واحدة ، وطاف بهن في ليلة واحدة رجاء أن يرزقه الله من كل واحدة منهن غلامًا يقاتل في سبيل الله ، وليس هذا بدعا في التشريع ولا مخالفا للعقل ولا لمقتضى الفطرة ، بل هو مقتضى الحكمة ، فإن النساء أكثر من الرجال حسب ما دل عليه الإحصاء المستمر وأن الرجل قد يكون لديه من القوة ما يدعوه إلى أن يتزوج أكثر من واحدة ، لقضاء وطره في الحلال بدلاً من قضائه في الحرام ، أو كبت نفسه ، وقد يعتري المرأة من الأمراض أو الموانع كالحيض والنفاس ما يحول بين الرجل وقضاء وطره معها ، فيحتاج إلى أن يكون لديه زوجة أخرى يقضي معها وطره بدلاً من الكبت أو ارتكاب الفاحشة ، وإذا كان تعدد الزوجات مباحًا ومستساغًا عقلاً وفطرة وشرعًا ، وقد وجد العمل به في الأنبياء السابقين وقد توجبه الضرورة أو تستدعيه الحاجة أحيانًا ، فلا عجب أن يقع ذلك من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهناك حكم أخرى لجمعه صلى الله عليه وسلم بين زوجات ، ذكرها العلماء ، منها : توثيق العلاقات بينه وبين بعض القبائل ، وتقوية الروابط عسى أن يعود ذلك على الإسلام بالقوة ويساعد على نشره لما في المصاهرة من زيادة الألفة وتأكيد أواصر المحبة والإخاء ، ومنها : إيواء بعض الأرامل وتعويضهن خيرًا مما فقدن ، فإن في ذلك تطييبًا للخواطر وجبْرًا للمصائب ، وشرع سنة للأمة في نهج سبيل الإحسان إلى من أصيب أزواجهن في الجهاد ونحوه ، ومنها رجاء زيادة النسل مسايرة للفطرة وتكثيرًا لسواد الأمة ودعمًا لها بمن يؤمل أن ينهض بها في نصر الدين ونشره .. وليس الداعي إلى جَمْعه صلى الله عليه وسلم ، مجرد الشهوة ، لما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يتزوج بكرًا ولا صغيرة إلا عائشة رضي الله عنها ، وبقية نسائه ثيّبات ، ولو كانت شهوته تحكمُه والغريزة الجنسية هي التي تدفعه إلى كثرة الزواج لتخيّر الأبكار الصغيرات لإشباع غريزته ، وخاصة بعد أن هاجر وفتحت الفتوحات وقامت دولة الإسلام وقويت شوكة المسلمين وكثر سوادهم ، ومع رغبة كل أسرة في أن يصاهرها ، وحبها أن يتزوج منها ، ولكنه لم يفعل ، إنما كان يتزوج لمناسبات كريمة ودواعٍ سامية يعرفها من تتبع ظروف زواجه بكل واحدة من نسائه ، وأيضًا لو كان شهوانيًّا لعرف ذلك في سيرته أيام شبابه وقوته ، يوم لم يكن عنده إلا زوجته الكريمة خديجة بنت خويلد ، وهي تكبره سنًّا ، ولعرف عنه الانحراف والجور في قسمه بين نسائه وهن متفاوتات في السن والجمال ، ولكنه لم يعرف عنه إلا كمال العفة والأمانة في عِرضه وصيانته لنفسه وحفظه لفرجه في شبابه وكِبَر سنه ، مما يدل على كمال نزاهته وسمو خُلُقه . واستقامته في جميع شؤونه حتى عرف بذلك واشتهر بين أعدائه .
اللجنة الدائمة


يتبع


 
[ عيسى عليه السلام ]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد :

فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الأسئلة المقدمة من أحد السائلين ، حول المسيح عليه السلام ، وأجابت عن كل سؤال منها عقبه :
هل هو حي أم ميت وأين هو الآن

س 1 : هل عيسى ابن مريم حي أم ميت ؟ وما الدليل من الكتاب والسنة ؟ إذا كان حيًّا أو ميتًا فأين هو الآن ؟ وما الدليل من الكتاب والسنة ؟

ج : عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام حي لم يمت حتى الآن ، ولم يقتله اليهود ولم يصلبوه ، ولكن شُبّه له ، بل رفعه الله إلى السماء ببدنه وروحه ، وهو إلى الآن في السماء ، والدليل على ذلك قوله تعالى في فِرية اليهود والرد عليها : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } . إلى قوله سبحانه : { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا . بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } . ( سورة النساء ، الآيتان : 157 ، 158 ) .
فأنكر سبحانه على اليهود أنهم قتلوه وصلبوه وأخبر أنه رفعه إليه ، وقد كان ذلك منه تعالى رحمة به وتكريمًا له ، وليكون آية من آياته التي يؤتيها من يشاء من رسله ، وما أكثر آيات الله في عيسى ابن مريم عليه السلام أولاً وآخرًا ! ومقتضى الإضراب في قوله تعالى : { بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ } . أن يكون سبحانه وتعالى قد رفع عليه الصلاة والسلام بدنًا وروحًا حتى يتحقق به الرد على زعم اليهود أنهم صلبوه وقتلوه ، لأن القتل والصلب إنما يكون للبدن أصالة ولأن رفع الروح وحدها ، لا ينافي دعواهم القتل والصلب ، فلا يكون رفع الروح وحدها ردًّا عليهم ، ولأن اسم عيسى عليه السلام حقيقة في الروح والبدن جميعًا ، فلا ينصرف إلى أحدهما عند الإطلاق إلا بقرينة ، ولا قرينة هنا ، ولأن رفع روحه وبدنه جميعًا مقتضى كمال عزة الله وحكمته وتكريمه ونصره من شاء من رسله ، حسبما قضى به قوله تعالى في ختام الآية : { وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } .

10.gif


ص 141 / عيسى سينزل آخر الزمان

س 2 : إذا كان عيسى عليه السلام حيًّا ، فهل سنزل آخر الزمان ويحكم بين الناس ويتبع في ذلك دين محمد صلى الله عليه ، وما الدليل ، وبم نرد على من زعم أن عيسى لن يُبعث آخر الزمان ولن يحكم بين الناس ؟

ج : نعم سينزل نبي الله عيسى ابن مريم آخر الزمان ، ويحكم بين الناس بالعدل متبعا في ذلك شريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام ، وسيؤمن به أهل الكتاب اليهود والنصارى جميعًا قبل موته بعد أن ينزل آخر الزمان ، قال تعالى : { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } . ( سورة النساء ، الآية : 136 ) . فأخبر تعالى بأن جميع أهل الكتاب اليهود والنصارى سوف يؤمنون بعيسى ابن مريم عليه السلام قبل موته – أي موت عيسى – وذلك عند نزوله آخر الزمان حكما وعدلاً داعيًا إلى الإسلام كما سيجيء بيانه في الحديث الدال على نزوله . وهذا المعنى هو المتعين ، فإن الكلام سيق لبيان موقف اليهود من عيسى وصنيعهم معه عليه الصلاة والسلام ، والبيان سنّة الله في إنجائه ورد كيد أعدائه ، فيتعين رجوع الضميرين المجرورين في قوله سبحانه : { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } . إلى عيسى عليه السلام رعاية لسياق الكلام ، وتوحيدًا لمرجع الضميرين ، وثبت في أحاديث كثيرة صحيحة من طرق متعددة بلغت مبلغ التواتر أن الله تعالى رفع عيسى إلى السماء وأنه سينزل آخر الزمان حكما عدلاً وأنه سيقتل المسيح الدجال . قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر أحاديث رفع عيسى عليه السلام ونزوله آخر الزمان من طرق كثيرة : فهذه أحاديث متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من رواية أبي هريرة وابن مسعود وعثمان بن أبي العاص وأبي أمامة والنواس ين سمعان وعبدالله بن عمرو بن العاص وحذيفة بن أسيد رضي الله عنهم ، وفيها دلالة على صفة نزوله ومكانه .. إلخ اهـ . ومن هذه الأحاديث ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد " . قال أبو هريرة اقرءوا إن شئتم : { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } . الآية . وفي رواية عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامكم منكم ؟ " وثبت في الصحيح أيضًا أن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما سمع النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، فال فينزل عيسى ابن مريم عليه السلام فيقول أميرهم : تعال صلِّ لنا فيقول : لا إن بعضكم على بعض أمراء تَكرُمة الله لهذه الأمة " . فدلت الأحاديث على نزوله آخر الزمان وعلى أنه يحكم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى أن إمام هذه الأمة في الصلاة وغيرها أيام نزوله من هذه الأمة لا مجال فيها للشك ، وليس هناك منافاة بين نزوله وبين ختم النبوة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث لم يأت عيسى عليه السلام بشريعة جديدة ، ولله الحكم أولاً وآخرًا ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، لا معقب لحكمه ، وهو العزيز الحكيم .
لما ذا اختص عيسى بالرفع

10.gif


س 3 – بما أن محمدًا صلى الله عليه وسلم ، أفضل الأنبياء فَلمَ لمْ يرفع إلى السماء بدلاً من عيسى ؟ وإذا كان عيسى رفع إليها حقيقة ، فلماذا اختص عيسى بالرفع دون سائر الأنبياء ؟

ج : إن الله تعالى وسع كل شيء رحمةً وعلمًا ، وأحاط بكل شيء قوة وقهرًا سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة والإرادة النافذة والقدرة الشاملة ، اصطفى من شاء من الناس أنبياء ورسلاً مبشرين ومنذرين ورفع بعضهم فوق بعض درجاب وخصّ كلا منهم بما شاء من المزايا فضلاً منه ورحمة ، فخصّ بالخلّة خليله إبراهيم ومحمدا عليهما الصلاة والسلام ، وخصّ كل نبي بما أراد من الآيات والمعجزات التي تتناسب مع زمنه وبها تقوم الحجة على قومه ، حِكمة منه وعدلاً لا معقب لحكمه وهو العزيز الحكيم اللطيف الخبير . وليس كل مَزيّة بمفردها بموجبة للأفضلية ، فاختصاص عيسى برفعه إلى السماء حيًّا جار على مقتضى إرادة الله وحكمته . وليس ذلك لكونه أفضل من إخوانه المرسلين ، كإبراهيم ومحمد وموسى ونوح عليهم الصلاة والسلام ، فإنهم أُعطوا من المزايا مزايا والآيات ما يقتضي تفضيلهم عليه ، وبالجملة فمرجع الأمر في ذلك إلى الله يدبره كما يشاء لا يَسأل عما يفعل لكمال علمه وحكمته ، ثم إنه لا يترتب على السؤال عن ذلك عمل أو تثبيت عقيدة ، بل ربما أصيب بالحيرة من حام حول ذلك ، واستولت عليه الِّريَب والشكوك ، وعلى المؤمن التسليم فيما هو من شؤون الله ، وليجتهد فيما هو من شؤون العباد عقيدة وعملا وهذا هو منهج الأنبياء والمرسلين وطريق الخلفاء الراشدين وسلف الأمة المهتدين .

10.gif


ص 143 / لماذا سمي بالمسيح

س 4 – لماذا سمي عيسى ابن مريم بالمسيح ؟

ج : سمي عيسى ابن مريم بالمسيح ، لأنه ما مسح على ذي عاهة إلا برئ بإذن الله . وقال بعض السلف سمي مسيحًا بمسحه الأرض ، وكثرة سياحته في للدعوة إلى الدين .
وعلى هذين القولين يكون المسيح بمعنى ماسح ، وقيل سمي مسيحًا لأن كان مسيح القدمين لا أخمص له ، وقيل : لأنه مسح بالبركة ، أو طُهّر من الذنوب فكان مباركًا ، وعلى هذا يكون المسيح بمعنى ممسوح والأظهر الأول ، والله أعلم .وعلى كل حال لا يتعلق بذلك عقيدة ولا عمل فالجدوى في ذلك ضعيفة أو معدومة .

10.gif


س : مع هذه الأسئلة نصوص يَستدل بها القاديانيون على موت عيسى ودفنه ، أرجو بيان تلك النصوص وكيف نرد عليهم .

* الآية الأولى : { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ } .

ج : القصد من هذه الآية الرد على من قال : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ } . ( سورة المائدة ، الآية : 72 ) . ومن قالوا : { إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ } . ( سورة المائدة ، الآية : 73 ) . ببيان أن عيسى المسيح عليه السلام ليس ربًّا ولا إلها يعبد ، بل رسول كرمه الله بالرسالة ، شأنه شأن الرسل الذين مضَوْا من قبله ، أجله محدود ، لكن لم تبين هذه الآية متى يموت ، وقد بينت الأدلة الماضية من الكتاب من الكتاب والسنة ، أنه رفع حيًّا وأنه سينزل حكمًا وعدلاً ، ثم يموت بعد نزوله آخر الزمان وحُكمه بين الناس ، ثم ذكر تعالى أن عيسى وأمه عليهما السلام كان يأكلان الطعام ، فدل بذلك على أنهما ليسا إلهين مع الله لشدة حاجتهما إلى مايحفظ عليهما حياتهما من الطعام ، والله تعالى فرْدٌ صمدٌ له الغنى المطلق ، يحتاج إليه كل ما عداه ولا يحتاج هو إلى أحد سواه . يؤيد أن المراد بالآية ما ذُكر سابقها ولاحقها من الآيات ، فقد سبقها آية : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ } . وآية : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ } . وقد ذكر بعدها النهي عن الغلو في الدين وإنكار عبادة غير الله ، ولعن من فعل ذلك أو سكت عنه ولم ينكره ، ويوضح ذلك أيضًا قوله تعالى في سورة الأنعام : { قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ } . ( سورة الأنعام ، الآية : 14 ) .

* الأية الثانية : { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ } . ( سورة الفرقان ، الآية : 20 ) .

ج : القصد من هذه الآية الرد على من كفر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، لزعمه أن الرسول إنما يكون من الملائكة لا من البشر ، فردَّ الله عليهم زعمهم ببيان أن سُنة الله سبحانه في إرسال الرسل إلى البشر أن يصطفيهم من البشر ، وأنهم يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، شأنهم في ذلك شأن البشر ، وليس في الآية تحديد لأجل عيسى عليه السلام ، وقد بينت الآيات الأخرى والأحاديث رفّعه حيًّا ثم نزوله وحُكمه بعد نزوله آخر الزمان ثم موته كما تقدم .


* الآية الثالثة : { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ } . ( سورة الأنبياء ، الآية : 8 ) .

ج : ليس في هذه الآية أي دلالة على موت عيسى عليه السلام جينما تآمر اليهود على قتله وصلبه ، وإنما فيها الدلالة على أن الأنبياء والمرسلين ومنهم عيسى ، ليسوا أجسادًا لا تأكل ، بل يأكلون كما يأكل الناس ، وفيها الحكم بأنهم لا يخلدون في الدنيا ، وأهل السنة يؤمنون بذلك وأن عيسى – كغيره من المسلمين – يأتي عليه الموت كغيره ، إلا أن الكتاب والسنة دلاّ على أن ذلك بالنسبة له لا يكون إلا بعد نزوله في آخر الزمان من السماء حكمًا عدلاً ، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير كما تقدم .


* الآية الرابعة : { وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا } . ( سورة الأحزاب ، الآية : 62 ) .

ج : هذه الجملة وإن كانت عامة ، إلا أنها خُصصت بالآيات والمعجزات التي أجراها الله على أيدي رسله وكانت حجة لهم على أممهم في إثبات الرسالة ، كانفلاق البحر لموسى اثني عشر طريقًا يبسًا بضربة عصا ، وكإبراء عيسى الأكمه والأبرص وإحيائه الموتى بإذن الله ، إلى غير هذا مما هو كثير معلوم . فرفع عيسى حيًّا وإبقاؤه قرونًا ونزوله بعد ذلك مما استثني من هذا العموم كغيره من خوارق العادات التي هي سنة الله مع رسله ولا غرابة في ذلك .


* الآية الخامسة : { إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ } . ( سورة الزخرف ، الآية : 59 ) .


ج : هذه الآية تثبت العبودية لعيسى عليه السلام ، وأن الله أنعم عليه بالرسالة ، وليس ربًّا ولا إلهاً ، وأنه آية على كمال قدرة الله ، ومثل أعلى في الخير يُقتدى به ويُهتدي بهديه ، فهي شبيهة في مغزاها بالآية الأولى . وليس فيها أي دلالة على تحديد لأجل عيسى عليه السلام ، وإنما يؤخذ بيان ذلك وتحديده من نصوص أخرى كما تقدم .


* الآية السادسة : { قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } . ( سورة المائدة ، الآية : 17 ) .


ج : جاء في صدر هذه الآية : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ } . ( سورة المائدة ، الآية : 17 ) . فكان قوله تعالى : { قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا } . ردًّا على زعمهم أن عيسى عليه السلام هو الله ببيان أن عيسى وأمه عبدان ضعيفان كسائر خلق الله . لو شاء الله أن يهلكه وأمه ومَن في الأرض جميعا من المخلوقات لفعل ، ولكنه لم يعمهم بالهلاك بل أجرى فيهم سنته بالإهلاك في مواقيت محدودة اقتضتها حكمته سبحانه ، وكان من حكمته أنه لم يُهلك عيسى عليه السلام بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا بعد رفعه وإنما رفعه حيًّا وأبقاه حيًّا ، حتى ينزل ويحكم بين الناس بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم يميته بعد ذلك كما تقدم .


* الآية السابعة : { وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } ( سورة المؤمنون ، الآية : 50 ) .


ج : حَمْل مريم بعيسى عليه السلام بلا أب . بل على خلاف السنة الكونية في غيرهما من الآيات البينات الدالات على كمال قدرة الله سبحانه ، وقد آواهما الله إلى ربوة مكان مرتفع خصيب فيه استقرار وماء معين ظاهر تراه العيون ، والمراد بذلك بيت المقدس من فلسطين رحمة الله بهما ونعمة من الله عليهما ، وكان ذلكفي فلسطين لا في بلد من بلاد باكستان ، وكان ذلك قبل ميلاد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، بأكثر من خمسمائة عام . لا بعد هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأكثر من اثني عشر قرنًا فمن حمل الربوة على مكان بباكستان ، أو تأوّل ابن مريم على غلام أحمد فقد حرف الآية وافترى على الله كذبًا وخرج عن واقع التاريخ .

* الآية الثامنة : { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } . ( سورة آل عمران ، الآية : 55 ) .


ج : استدلال القاديانيين بهذه الآية على موت عيسى عليه السلام فيما مضى مبني على تفسير التوفي بالإماتة ، وهو مخالف لما صحّ عن السلف من تفسيره بقبض الله رسوله عيسى عليه السلام من الأرض ، ورفعه إليه حيًّا ، وتخليصه بذلك من الذين كفروا ، جمعا بين نصوص الكتاب والسنة الصحيحة الدالة على رفعه حيًّا وعلى نزوله آخر الزمان ، وعلى إيمان أهل الكتاب جميعًا وغيرهم حين نزوله . أما ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما من تفسير التوفي هنا بالإماتة فلم يصح سنده لانقطاعه ، إذ هو من رواية علي بن أبي طلحة عنه ، وعلي لم يسمع منه ولم يره . ولم يصح أيضًا ما روي عن وهب بن منبه اليماني من تفسير التوفي بالإماتة ، لأنه من رواية محمد بن إسحاق عمن لا يُتهم عن وهب ففيه عنعنة ابن إسحاق وهو مدلّس وفيه مجهول ، ثم هذا التفسير لا يزيد عن كونه احتمالاً في معنى التوفي فإنه قد فسّر بمعان : فُسّر بأن الله قد قبضه من الأرض بدناً وروحاً ، ورفعه إليه حيًّا ، وفُسّر بأنه أنامه ثم رفعه ، وبأنه يميته بعد رفعه ونزوله آخر الزمان إذ الواو لا تقتضي الترتيب وإنما يقتضي جمع الأمرين له فقط . وإذا اختلفت الأقوال في معنى الآية وجب المصير إلى القول الذي يوافق ظاهر الأدلة الأخرى جمعا بين الأدلة ، وردًّا للمتشابه منها إلى المحكم ، كما هو شأن الراسخين في العلم ، دون أهل الزيغ الذين يتبعون ما تشابه من التنـزيل ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وقانا الله شرهم .

* الآية التاسعة : { وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ } . ( سورة المائدة ، الآية : 117 ) .


ج : الاستدلال بالآية على موت عيسى عليه السلام ، قبل رفعه إلى السماء أو بعد رفعه وقبل نزوله آخر الزمان ، مبني على تفسير التوفي بالإماتة كما سبق في الكلام على الآية الثامنة ، وقد تقدم أن هذا التفسير غير صحيح ، وأنه على خلاف ما فسره به السلف ، جمعًا بين نصوص الأدلة من الكتاب والنسة الصحيحة .

*الآية العاشرة : { وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا } . ( سورة مريم ، الآية : 33 ) .


ج : هذه كالتي قبلها فيها إثبات السلام والأمن له من الله في كل أحواله ، وليس فيها تحديد لمدة حياته ، ولا لوقت موته ، فيجب الرجوع إلى النصوص الأخرى التي تبين ذلك كما تقدم بيانه .

* الآية الثانية عشر : { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ . أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ } . ( سورة النحل ، الآية : 21 ) .


ج : هذه الآية سيقت للرد على مَن عَبَد غير الله من الملائكة وعزير وعيسى واللات والعزى ومناة ، ببيان أنهم لا يخلقون شيئًا ولا ذبابًا ، بل هم مخلوقون مربوبون أموات غير أحياء , لكن الأدلة الأخرى دلّت على بقاء عيسى عليه السلام حيًّا ، حتى ينزل ويحكم بين الناس بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم يموت .

* الآية الثالثة عشرة : { قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } . ( سورة البقرة ، الآية : 136 ) .


ج : هذه الآية أمر الله فيها بالإيمان بجيمع الأنبياء وما أنزل إليهم من ربهم ، وبيّن أنه سبحانه لا يفرق بينهم في وجوب الإيمان بهم ، وما أنزل إليهم من الله ، وفي هذا رد على اليهود والنصارى الذين قالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا ، وبيان لما أجمل من الرد عليهم في قوله تعالى لنبيه محمد ، صلى الله عليه وسلم : { قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ، ( سورة البقرة ، الآية : 135 ) وليس المراد الأمر بعدم التفريق بينهم في الموت والحياة ، فإن هذا لا يرشد إليه سياق الكلام بل يرشد إلى ما ذكرنا .
كما أن ذلك مما لم تدع إليه الرسل ، فحمْل الآية عليه تحريف لها عما سيقت له من المعنى ، وعلى تقدير حمل قوله تعالى : { لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ } . ، ( سورة البقرة ، الآية : 135 ) على عمومه حتى يشمل عدم التفريق بينهم في جنس الموت والحياة ، بدليل الواقع والنصوص ، فإن ذلك يدل على التفاوت بينهم في كثير من صفات الموت والحياة وأنواعها وزمنها ومكانها وطول العمر وقصره ، إلى غيرذلك فلتكن حياة عيسى وامتدادها طويلاً ومكانها وموته بعد ذلك ، مما اختلف فيه عن إخوانه النبيين بدليل النصوص السابقة .

*الآية الرابعة عشرة : { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ( سورة البقرة ، الآية : 134 ) .


ج : القصد من هذه الآية بيان أن كل إنسان مجزي بعمله لا يتجاوزه إلى غيره ، ولا يُسال عنه سواه ، كما في قوله تعالى : {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ }. ( سورة الطور ، الآية : 21 ) . وقوله تعالى : { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }. ( سورة الأنعام ، الآية : 164 ) .
فعليه أن يسعى جهده في كسب الخير واجتناب الشر ، وألاَّ يتعلق على غيره فخراً به أو أملاً في النجاة من العذاب يوم القيامة بقرابته منه أو صلته به وتعظيمه له في دنياه . وعيسى عليه السلام وإن دخل في عموم الأمة الماضية ، إلا أن الأدلة من الكتاب والسنة قد خصصته برفعه إلى السماء وإبقائه حيّاً ثم إنزاله آخر الزمان إلى آخر ما تقدم بيانه ، ومن الأصول المعلومة في الشريعة الإسلامية أن النصوص الخاصة يُقضى بها على النصوص العامة فتخصها ، والنصوص التي نحن بصددها من ذلك .

* الآية الخامسة عشرة : { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا . بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } . ( سورة النساء ، الآيتان : 157 ، 158 ) .


* الآية السادسة عشرة : {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } . ( سورة النساء ، الآية :159 ) .


ج : تقدم الكلام على هاتين الآيتين في الكلام على الآية الأولى والثانية والثالثة والرابعة .
وبالجملة فما يتعلل به القاديانيون من الآيات القرآنية لإثبات ما زعموا أن عيسى عليه السلام قد مات ودفن :
1- إما عموميات خصصتها أدلة أخرى من الآيات والأحاديث دلّت على رفع عيسى حيًّا وبقائه حيًّا كذلك حتى ينزل آخر الزمان ويحكم بشريعة القرآن . ووقف القاديانيون عند عموم الآيات بعد تخصيصها ، وذلك باطل لمخالفته للقواعد والأصول الإسلامية .
2- وإما لآيات مجملة فسرتها نصوص أخرى يجب المصير إليها ، فوقف القاديانيون عند المُجْمل يتعللون به لباطلهم ، دون أن يرجعوا إلى المُحْكم ، الذي فسره ، وهذا شأن من في قلوبهم زيغ ونافق . الذين يتبعون ما تشابه من نصوص الكتاب والسنة ، ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله على ما يوافق هواهم .
3- وإما كلمات اعتمدوا في تفسيرها على آثار لم تصح نسبتها إلى السلف ، وقد تقدم بيان ذلك عند الكلام على الآية الثامنة : { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } . ( سورة آل عمران ، الآية : 55 ) . ففرح هؤلاء بهذه الآثار لموافقتها لهواهم ، وموّهوا بها على الجمهور ، ولم ينظروا إلى أسانيدها ، إما لجهلهم ، وإما تدليسًا وخداعًا وترويجًا لباطلهم ؛ وما ذلك إلا لزيغهم ورغبتهم في الفتنة ، قال الله تعالى : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } . ( سورة آل عمران ، الآية : 7 ) والله الموفق للصواب ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبدالله بن قعود عبدالله بن غديان عبدالرزاق العفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز


يتبع


 
[ فرق ومذاهب ]

فتوى شرعية في حكم الانتماء للحركة الماسونية

( قرار المجمع الفقهي )

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه . أما بعد :

نظر المجمع الفقهي في دورته الأولى المنعقدة بمكة المكرمة في العاشر من شعبان 1398 هـ . الموافق51 / 7 / 1978 م في قضية الماسونية والمنتسبين إليها ، وحكم الشريعة الإسلامية في ذلك . وقد قام أعضاء المجمع بدراسة وافية عن هذه المنظمة الخطيرة ، وطالع ما كتب عنها من قديم وجديد ، وما نشر من وثائقها نفسها فيما كتبه ونشره أعضاؤها وبعض أقطابها ، من مؤلفات ، ومن مقالات ، في المجلات التي تنطق باسمها . وقد تبين للمجمع بصورة لا تقبل الرَّيب من مجموع ما اطلع عليه من كتابات ونصوص ما يلي :

1- إن الماسونية منظمة سرية تخفي تنظيمها تارة وتعلنه تارة بحسب ظروف الزمان والمكان ، ولكن مبادئها الحقيقية التي تقوم عليها هي سرية في جميع الأحوال ، محجوب علمها حتى على أعضائها إلا خواص الخواص ، الذين يصلون بالتجارب العديدة إلى مراتب عُليا فيها .
2- إنها تبني صلة أعضائها بعضهم ببعض في جميع بقاع الأرض على أساس ظاهري للتمويه على المغفلين ، وهو الإخاء الإنساني المزعوم بين جميع الداخلين في تنظيمها دون تمييز بين مختلف العقائد والنِّحل .

3- إنها تجذب الأشخاص إليها ممن يهمها ضمهم إلى تنظيمها ، بطريق الإغراء بالمنفعة الشخصية على أساس أن كل أخ ماسوني مجنَّد في عون كل أخ ماسوني آخر في أي بقعة من بقاع الأرض ، يعينه في حاجاته وأهدافه ومشكلاته ، ويؤيده في الأهداف إذا كان من ذوي الطموح السياسي ، ويعينه إذا وقع في مأزق من المآزق أيًّا كان ، على أساس معاونته في الحق والباطل ظالمًا أو مظلومًا ، وإن كانت تستر ذلك ظاهريًّا بأنها تعينه على الحق لا الباطل . وهذا أعظم إغراء تصطاد به الناس من مختلف المراكز الاجتماعية وتأخذ منهم اشتراكات مالية ذات بال .
4- إن الدخول فيها يقوم على أساس احتفال بانتساب عضو جديد ، تحت مراسم وأشكال رمزية إرهابية ، لإرهاب العضو إذا خالف تعليماتها ، والأوامر التي تصدر إليه بطريق التسلسل في الرتبة .
5- إن الأعضاء المغفلين يُتركون أحرارًا في ممارسة عباداتهم الدينية ، وتستفيد من توجيههم وتكليفهم في الحدود التي يصلحون لها ويبقون في مراتب دنيا ، أما الملاحدة أو المستعدون للإلحاد فترتقي مراتبهم تدريجيًّا في ضوء التجارب والامتحانات المتكررة للعضو ، على حسب استعدادهم لخدمة مخططاتها ومبادئها الخطيرة .
6- إنها ذات أهداف سياسية ، ولها في معظم الانقلابات السياسية والعسكرية والتغييرات الخطيرة ضلع وأصابع ظاهرة أو خفية .
7- إنها في أصلها وأساس تنظيمها يهودية الجذور ، ويهودية الإرادة العليا العالمية السرية ، وصهيونية النشاط .
8- إنها في أهدافها الحقيقة السرية ضد الأديان جميعًا لتهديمها بصورة عامة ، وتهديم الإسلام في نفوس أبنائه بصورة خاصة .
9- إنها تحرص على اختيار المنتسبين إليها من ذوي المكانة المالية أو السياسية أو الاجتماعية أو العلمية أو أية مكانة يمكن أن تستغل نفوذًا لأصحابها في مجتماعاتهم ، ولا يهمنا انتساب مِن ليس لهم مكانة يمكن استغلالها ، ولذلك تحرص كل الحرص على ضم الملوك والرؤساء وكبار موظفي الدولة ونحوهم .
10- إنها ذات فروع تأخذ أسماء أخرى تمويهًا وتحويلاً للأنظار ، لكي تستطيع ممارسة نشاطاتها تحت مختلف الأسماء إذا لقيت مقاومة لاسم الماسونية في محيط ما ، وتلك الفروع المستورة بأسماء مختلفة من أبرزها : منظمة الأسود والروتاري والليونز إلى غير ذلك من المبادئ والنشاطات الخبيثة التي تتنافى كليًّا مع قواعد الإسلام وتناقضه مناقضة كلية . وقد تبين للمجتمع بصورة واضحة العلاقة الوثيقة للماسونية باليهودية الصهيونية العالمية وبذلك استطاعت أن تسيطر على نشاطات كثير من المسؤولين في البلاد العربية وغيرها في موضوع قضية فلسطين . وتحول بينهم وبين كثير من واجباتهم في هذه القضية المصيرية العظمى لمصلحة اليهود والصهيونية العالمية . لذلك ولكثير من المعلومات الأخرى التفصيلية عن نشاط الماسونية وخطورتها العظمى وتلبيساتها الخبيثة وأهدافها الماكرة ، يقرر المجمع الفقهي اعتبار الماسونية من أخطر المنظمات الهدَّامة على الإسلام والمسلمين وأن من ينتسب إليها ، على علم بحقيقتها وأهدافها ، فهو كافر بالإسلام مجانب لأهله . والله ولي التوفيق .

الرئيس : عبدالله بن حميد ، رئيس مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية
نائب الرئيس : محمد علي الحركان الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي . الأعضاء : عبدالعزيز بن باز ، الرئيس : العام لإدارة البحوث العلمية ، والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية محمد محمود الصواف .

10.gif


ص 152 / الدعوة الوهابية دعوة سلفية ولا صحة لهذه الافتراءات

س : هل ما أشيع من أن أتباع الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ، حينما استولوا على الجزيرة العربية ووصلوا إلى المدينة المنورة ربطوا خيولهم في الروضة الشريفة الواقعة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، صحيح ؟

ج : ليس لهذا المقال أصل من الصحة بل هو من الكذب والصد عن الحق ، وإنما المعروف عنهم لما استولوا على المدينة المنورة : نشر الدعوة السلفية ، وبيان حقيقة التوحيد الذي بعث الله به نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم وسائر المرسلين ، وإنكار ما كان عليه الكثير من الناس من الشرك الأكبر كالاستغاثة بالرسول عليه الصلاة والسلام وطلبه المدد ، والاستغاثة بمن في البقيع من الصحابة وأهل البيت وغيرهم من الصالحين ، وكالاستغاثة بعم النبي صلى الله عليه وسلم حمزة رضي الله عنه وغيره من الشهداء بأحد ، هذا هو المعروف عنهم مع تعليم الناس حقيقة الإسلام وإنكار البدع والخرافات التي سادت في الحجاز وغيره في ذلك الوقت ، ومن زعم عنهم خلاف ذلك من الاستهانة بالقبر الشريف أو بالروضة أو قال عنهم أنهم يتنقصون النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدا من الصحابة رضي الله عنهم أو غيرهم من الصالحين فقد كذب وافترى وقال خلاف الواقع وخلاف الحق . وكتب التاريخ موجودة تشهد لهم بما ذكرنا وتبين كذب المفترين، رزقني الله وإياكم الفقه في دينه والثبات عليه حتى نلقاه سبحانه ، وجنبنا وإياكم طرق الزلل إنه ولي ذلك والقادر عليه . ونسأل الله عز وجل أن يغفر لهم ولسائر علماء المسلمين ودعاة الهدى ، وأن يجعلنا وإياكم من أتباعهم بإحسان ، وأن يرينا جميعا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .. والله الموفق .
الشيخ ابن باز

10.gif


ص 153 / البوذية

س: هل للبوذية كتاب ؟

ج : لا نعلم لهم كتابا سماويا بل حكمهم حكم عبدة الأوثان فإن دخل أحد منهم في دين اليهودية أو النصرانية أو المجوس فله حكم الدين الذي ينتقل إليه .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


حكم تقليد مذهب الشيعة

س : إنَّ بعض الناس يرى أنه يجب على المسلم لكي تقع عباداته ومعاملاته على وجه صحيح أن يقلد أحد المذاهب الأربعة المعروفة وليس من بينها مذهب الشيعة الإمامية ولا الشيعة الزيدية ، فهل توافقون فضيلتكم على هذا الرأي على إطلاقه فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية مثلا ؟

ج : على المسلم أن يتبع ما جاء عن الله ورسوله إذا كان يستطيع أخذ الأحكام بنفسه وإذا كان لا يستطيع ذلك سأل أهل العلم فيما أُشكل عليه من أمر دينه ، ويتحرى أعلم من يتحصل عليه من أهل العلم ليسأله مشافهة أو كتابة . ولا يجوز للمسلم أن يُقلّد مذهب الشيعة الإمامية ولا الشيعة الزيدية ولا أشباههم أهل البدع كالخوارج والمعتزلة والجهمية وغيرهم ، وأما انتسابه إلى بعض المذاهب الأربعة المشهورة فلا حرج فيه إذا لم بتعصب للمذهب الذي انتسب إليه ولم يخالف الدليل من أجله .
اللحنة الدائمة

10.gif


ص 154 / الوهابية لا ينكرون شفاعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم

س : هل الوهابيون ينكرون شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام ؟

ج : لا يخفى على كل عاقل درس سيرة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه أنهم براء من هذا القول ؛ لأن الإمام رحمه الله قد أثبت في مؤلفاته لا سيما في كتابه ( التوحيد ، وكشف الشبهات ) شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته يوم القيامة ، ومن هنا يُعلم أن الشيخ رحمة الله عليه وأتباعه لا ينكرون شفاعته عليه الصلاة والسلام وشفاعة غيره من الأنبياء والملائكة والمؤمنين ، بل يُثبتونها كما أثبتها الله ورسوله ، ودرج على ذلك سلفنا الصالح عملاً بالأدلة من الكتاب والسنة . وبهذا يتضح لكم أن ما نُقل عن الشيخ وأتباعه من إنكار شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم من أبطل الباطل ، ومن الصد عن سبيل الله والكذب على الدعاة إليه ، وإنما أنكر الشيخ رحمه الله وأتباعه طلبها من الأموات ونحوهم نسأل الله لنا ولكم العافية والسلامة من كل ما يبغضه . والله الموفق .
الشيخ ابن باز

10.gif


حكم من اعتقد أن الولد من عطاء الله

س: هذا الولد من عطاء المرشد , وهذا الذي يزيد في الرزق وينقص , ما الحكم في هذا الاعتقاد ؟

ج : من اعتقد أن الولد من عطاء غير الله ، أو أن أحدًا سوى الله يزيد في الرزق وينقص منه ، فهو مشرك شركًا أشد من شرك العرب وغيرهم في الجاهلية , فإن العرب ونحوهم كانوا في جاهليتهم إذا سُئلوا عمن يرزقهم من السماء والأرض ، وعمن يخرج الحي من الميت ، ويخرج الميت من الحي, قالوا : الله, وإنما عبدوا آلهتهم الباطلة لزعمهم أنها تُقربهم إلى الله زلفى , قال الله تعالى : { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ } . ( سورة يونس ، الآية : 31 ) . وقال : { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } ( سورة الزمر ، الآية 3 ) وقال : { أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ } ( سورة الملك ، الآية 21 ) وثبت في السنة أن العطاء والمنع إلى الله وحده , من ذلك ما رواه البخاري في باب الذكر بعد الصلاة من صحيحه ، أن ورَّادًا كاتب المغيرة بن شعبة قال : أملى علي المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد , وهو على كل شيء قدير , اللهم لا مانع لما أعطيت , ولا معطي لما منعت , ولا ينفع ذا الجد منك الجد " . وهكذا رواه مسلم في صحيحه . لكن قد يعطي الله عبده ذرية ويوسع له في رزقه بدعائه إياه وحده كما هو واضح في سورة إبراهيم من دعاء إبراهيم الخليل ربه ، وأجاب الله دعاءه , وفي سورة مريم والأنبياء وغيرهما من دعاء زكريا ربه وإجابته دعاءه , وكما ثبت عن أنس رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله , فليصل رحمه " . رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما .

اللجنة الدائمة

10.gif


ص 155 / الطريقة الشاذلية لا يصلون ولا يصومون ووالدي يأمرني باتباعها

س: اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم إلى سماحة الرئيس العام ، ونصُّه : هناك طريقة تسمى بـ: الشاذلية أصحابها لا يصلون ولا يصومون ولا يزكون ، وهناك شخص يقولون عنه: ( سيدنا ) يقولون : إنه بمنزلة ربهم ، وهو كفيلهم يوم الآخرة ، وهو غافر لهم عن كل شيء يعملونه في حياتهم الدنيا ، وهؤلاء الناس يجتمعون صباح الاثنين والجمعة وليلة ( أي : الاثنين والجمعة ) من كل أسبوع ، وأبي يجبرني على هذه الطريقة ويغضب عندما يراني صائما أو أصلي ، ويقول لي هذه العبارة : إن سيدنا غافر لنا عن كل شيء ومُؤمننا من عذاب النار، أي : نحن من أصحاب الجنة حتما . وطبعا كلام خاطئ ؛ لأنه هو شخص مثلهم ، فما أعمل أرشدني . أنا أعلم بأن الله ربي ومحمدا نبي الله ورسوله ، والإسلام ديني وأقوم بأركانه الخمسة ، إن أطعت أبي أكون بذلك قد خالفت أوامر خالقي ، وقال سبحانه في كتابه : { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا } . وإن لم أطعه بقي دائما غاضبًا علي ، ومشاجري لكي أذهب معه على هذه الطريقة ، علما بأنني لا أقدر على كسب المعاش لنفسي وليس في العائلة أحد مناصر لي سوى والدتي ، ما العمل أرشدني لكي أرضي به ربي وأتخلص من غضب والدي الذي لا يقتنع بالصلاة والصيام أو بالأصح بالدين الإسلامي المشروع بجميع الوسائل؟

وأجابت بما يلي :

إذا كان الواقع كما ذكرت من أن والدك ومن معه في تلك الطريقة لا يصلون ولا يصومون ، وأنهم يعتقدون أن سيدهم أو شيخهم بمنزلة ربهم يكفل لهم الجنة ويغفر لهم كل ما عملوه من الشر فهم كفار ، وإذا أمرك أبوك أن تكون معهم ونهاك عن الصلاة والصيام فلا تطعه ؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . وامتثِل ما أمرك الله به واجتنب ما نهاك عنه ، وصاحب والديك في الدنيا بالمعروف ؛ عَملا بقوله تعالى : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ . وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } . فكن مع المؤمنين الصادقين في اعتقاد ما شرعه الله وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم ، وفي العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتحمّل ما ينالك من الأذى في سبيل الله ، والتزام طريق من أناب إلى الله فإنه خير وأحسن تأويلا ، وينبغي أن تفارقهم خشية أن يضلوك ، ونرجو أن يهيئ الله لك طريق الكسب الحلال الذي تعيش به فإن الأرزاق بيد الله لا بيد والدك ولا غيره من العباد . وصلى الله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم .

اللجنة الدائمة

10.gif


ص 156 / حكم الطرق الصوفية وما يجري على أيدي بعض أهلها من الخوارق والأحوال الشيطانية

س: عندنا طريقة الدراويش ويوجد معهم رجل من أقربائنا شرب شربة ماء من صاحب الطريقة وهو رجل أمي وليس لديه خبرة ولا معرفة ليتسنى له إظهار الدجل والشعوذة أمام الناس ومع هذا يضرب بطنه بكل آلة جارحة من خنجر وسيف وخشبة وطلقة رصاص.. إلخ . علما بأنه لا يتمسك بالإسلام ولا يؤدي الفرائض التي فرضها ربنا سبحانه وتعالى من صلاة وصوم وغيرها .
نرجو تفضلكم ببيان رأي الإسلام في ذلك ، وما هو السر في الضرب ؟ نرجو الجواب كتابة لوجوده في بلادنا وبلاد عربية وإسلامية أخرى .

ج: ختم الله الرسل بمحمد صلى الله عليه وسلم بالنص والإجماع ؛ لقوله تعالى : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } وتواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مبينة أنه خاتم النبيين ، وأجمع المسلمون على ذلك . والأولياء قسمان : أولياء الرحمن ، وأولياء الشيطان ، وقد بيّن الله سبحانه وتعالى في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن لله أولياء من الناس وللشياطين أولياء ففرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان . فقال تعالى : { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } . وقال تعالى : { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله: " من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة - أو - فقد آذنته بالحرب " الحديث، فبين النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه من عادى وليًّا لله فقد بارز الله بالمحاربة . وذكر الله سبحانه أولياء الشيطان ، فقال تعالى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } وقال تعالى : { وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا } . وقال تعالى : { وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا } إلى قوله تعالى : { إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } . وقال تعالى : { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } وقال الخليل عليه السلام : { يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا } وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ } } الآيات ، إلى قوله : { إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } إذا عُلم هذا ، فالشخص المذكور هو من أولياء الشيطان ، والأعمال المذكورة من الأحوال الشيطانية ومن الخداع والتلبيس على أعين الناس ، ولا شيء في الحقيقة لما يفعله وإنها هو التلبيس على أعين الناس بواسطة الشياطين . كما قال الله عن سحرة فرعون في سورة الأعراف : { فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } . وقال في سورة طه : { قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى . قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } وصلى الله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 158 / الصلاة من ذكر الله

س : يقول بعض الصوفية : ذِكر الله أفضل من الصلاة المكتوبة لدليل قوله تعالى : { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } . فهل ذكر الله أفضل من الصلاة كما يقولون ؟

ج : أمر الله بالإكثار من ذكره ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } وبيّن سبحانه أن القلوب تطمئن بذكره ، فقال جل شأنه : { أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : من ذكر الله خاليًا ففاشت عيناه في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلَّه . وضرب لنا مثلاً لمن يذكر ربه والذي لا يذكره بالحي والميت ، ففي الذكر حياة القلوب واطمئنانها وصفاء النفوس وطهارتها ، وفضله عند الله عظيم . ولا شك أن الصلاة مشتملة على أفضل الأذكار من تلاوة القران والتكبير والتهليل والتسبيح والتمجيد ، وفضل كلام الله على كلام عباده كفضله على البشر ، وأفضل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والأنبياء من قبله كلمة لا إلـه إلا الله .. الخ .. كما أن الصلاة مشتملة على الركوع والسجود ، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد . فتفضيل الذكر في غير الصلاة على الصلاة تفضيل للشيء على نفسه ، إن لم يكن تفضيلا على ما هو أعلى منه ، وهذا غير صحيح ، ومعنى قوله تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } . أداء الصلوات المفروضة في أوقاتها كما شرع الله وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم ، بقوله وعمله ، فإنها إن أداها المسلم على الوجه المشروع حالت بينه وبين ما يُستفحش من الذنوب وعصمه الله بها من ارتكاب المنكرات ، ولذكر الله إياكم إذا أنتم ذكرتموه أعظم قدرًا وأفضل مثوبة وأجرًا ، كما قال تعالى : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } . وقد اختاره ابن جرير في تفسيره ووافقه على ذلك جماعة من المفسرين اعتماداً منهم على ما نقل عن كثير من الصحابة .
اللجنة الدائمة

10.gif


حكم الانتساب إلى الطرق الصوفية كالشاذلية وغيرها

س : الطريقة المنسوبة إلى الشيخ عبد القادر وأبي الحسن الشاذلي هل يكون على الإنسان حرج إذا دخل فيها وانتسب إليها ، وهل هي سنة أو بدعة ؟

ج : روى أبو داود وغيره من أصحاب السنن من طريق العرباض بن سارية أنه قال : " صلى بنا رسول الله صلىَّ الله عليه وسلم ، ذات يوم ثم أقبل علينا ، فوعظنا موعظة بليغة ، ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، فقال قائل : يا رسول الله كأنَّ هذه موعظةُ مودِّعٍ ، فماذا تعهد إلينا ، فقال : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإن تأمَّر عليكم عبد حبشي ، فإنه مَن يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل مُحدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " . فأخبر سول الله صلى الله عليه وسلم ، بأنه سيقع في أمته : اختلاف كثير ، وتتشعب بهم الطرق والمناهج ويعضوا عليها بالنواجذ ، وحذّرهم من التفرق والاختلاف واتباع البدع والمحدثات ، لأنها مضلة ومتاهات تتفرق بمن سلكها عن سبيل الله ، فوصاهم بما وصّى الله به عباده ، في قوله سبحانه : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } . وقوله : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } . فنوصيكم بوصية الله ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم ، وننصحكم بلزوم أهل السنة والجماعة ، ونحذركم ما أحدث أهل الطرق من تصوف مدخول ، وأوراد مبتدعة وأذكار غير مشروعة وأدعية فيها شرك بالله ، أو ما هو ذريعة إليه ، كالاستغاثة بغير الله ، وذكره بالأسماء المفردة وذكره بكلمة آه ، وليست من أسمائه سبحانه وتوسلهم بالمشائخ في الدعاء ، واعتقاد أنهم جواسيس القلوب ، يعلمون ما تُكتّه ، وذكرهم الله ذكرًا جماعيًّا بصوت واحد في حلقات مع ترنّحات وأناشيد إلى غير ذلك مما لا يعرف في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 159 / معنى قول الصوفية : " إن فكنا صاحب الوقت "

س : ما معنى قول المنتسبين للتصوف إنْ فكنا صاحب الوقت ، وأنه من أهل التصريف ، وما حكم من يعتقد ذلك وهل تجوز الصلاة خلفه إن عُرف عنه ذلك ؟

ج : معنى إنْ فكنا صاحب الوقت الخ . أن هناك من إليه شؤون الخلق من البشر ، ولديه القدرة على التصرف في أمورهم يفرج شدتهم ويفكهم ويخلصهم مما أحاط بهم من البلاء ويسوق إليهم ما شاء الله من الخيرات في نظرهم ، ومن اعتقد ذلك فهو مشرك مع الله غيره في الربوبية وتدبير شؤون الخلق ولا تصح الصلاة وراءه ، ولا يجوز توليته أمر المسلمين ولا يجعل إمامًا لهم في الصلاة لكفره الصريح وشركه البيّن ، وهو شَرٌّ مِن شرك الجاهلية الأولى قال تعالى : { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ . فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } إلى غير ذلك من الآيات .
اللجنة الدائمة


يتبع
 
ص 160 / هل يعين الولي غيره ولو كان بعيدًا

س : هل يمكن أن يعين ولي من أولياء الله أحدًا من بعيد مثلا رجل في الهند ويسكن ولي في السعودية , فهل يمكن أن يعين السعودي الهندي إعانة بدنية مع أن السعودي موجود في السعودية والهندي موجود في الهند ؟

ج : يمكن أن يعين الأحياء من الأولياء وغير الأولياء من استعان بهم في حدود الأسباب العادية ، ببذل مال أو شفاعة عند ذي سلطان مثلا , أو إنقاذ من مكروه ونحو ذلك من الوسائل التي هي في طاقة البشر حسب ما هو معتاد ومعروف بينهم , أما ما كان فوق قوى البشر من الأسباب غير العادية كالمثال الذي ذكره السائل فليس ذلك إلى العباد , بل هو إلى الله وحده لا شريك له , فهو القادر على كل شيء وهو الذي إليه السنن الكونية يُمضي منها ما شاء أو يخرق منها ما شاء , ولهذا كانت له دعوة الحق وإليه الملجأ وحده وبه العون دون سواه , فإنه وحده الذي أحاط بكل شيء علما ووسع كل شيء حكمة ورحمة , ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا راد لما قضى وهو على كل شيء قدير , قال تعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ . وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } وقال : { إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } . وعلمنا في سورة الفاتحة أن نقول : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } كما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم : ألا نسأل إلا الله ولا نستعين إلا به بقوله : " إذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله " . الحديث .
اللجنة الدائمة

10.gif


161 / حكم الشيوعية والانتماء إليها

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . وبعد :

فإن مجلس المجمع الفقهي درس فيما دَرَسه من أمور خطيرة ( موضوع الشيوعية والاشتراكية ) وما يتعرض له العالم الإسلامي من مشكلات الغزو الفكري على صعيد كيان الدول ، وعلى صعيد نشأة الأفراد وعقائدهم ، وما تتعرض له تلك الدول والشعوب معًا من أخطاء تترتب على عدم التنبه إلى مخاطر هذا الغزو الخطير . ولقد رأى المجمع الفقهي أن كثيرًا من الدول في العالم الإسلامي تعاني فراغًا فكريًّا وعقائديًّا . خاصة أن هذه الأفكار والعقائد المستوردة قد أعدت بطريقة نَفَذت إلى المجتمعات الإسلامية وأحدثت فيها خللاً في العقائد وانحلالاً في التفكير والسلوك وتحطيمًا للقيم الإنسانية وزعزعة لكل مقومات الخير في المجتمع ، وإنه ليبدو واضحًا جليًّا أن الدول الكبرى على اختلاف نظمها واتجاهها قد حاولت جاهدة تمزيق شمل كل دولة تنتسب للإسلام عداوة له وخوفًا من امتداده ويقظة أهله . لذا ركّزت جميع الدول المعادية للإسلام على أمرين مهمين هما العقائد والأخلاق . ففي ميدان العقائد شجعت كل من يعتنق المبدأ الشيوعي المعبّر عنه مبدئيا عند كثيرين بالاشتراكية ، فجندت له الإذاعات والصحف والدعايات البراقة والكُتاب المأجورين ، وسمَّته حينًا بالحرية وحينا بالتقدمية وحينا بالديمقراطية ، وغير ذلك من الألفاظ ، وسمّت كل ما يضاد ذلك من اصلاحات ومحافظة على القيم والمثل السامية والتعاليم الإسلامية رجعية وتأخرًا وانتهازية ونحو ذلك وفي ميدان الأخلاق دعت إلى الإباحية واختلاط الجنسين ، وسمت ذلك أيضًا تقدماً وحرية فهي تعرف تمام المعرفة أنها متى قضت على الدين والأخلاق فقد تمكمت من السيطرة الفكرية والمادية والسياسية ، وإذا تم ذلك لها تمكنت من السيطرة التامة على جميع مقومات الخير والإصلاح وصرفتها كما تشاء ، فانبثق عن ذلك الصراع الفكري والعقائدي والسياسي ، وقامت بتقوية الجانب الموالي لها وأمدته بالمال والسلاح والدعاية حتى يتمركز في مجتمعه ويسيطر على الحكم ، ثم لا تسأل عما يحدث بعد ذلك من تقتيل وتشريد وكبت للحريات وسجن لكل ذي دين أو خلق قويم . ولهذا لما كان الغزو الشيوعي قد اجتاح دولاً إسلامية لم تتحصن بمقوماتها الدينية والأخلاقية تجاهه ، وكان على المجمع الفقهي في حدود اختصاصه العلمي والديني ، أن ينبه إلى المخاطر التي تترتب على هذا الغزو الفكري والعقائدي والسياسي الخطير ، الذي يتم بمختلف الوسائل الإعلامية والعسكرية وغيرها ، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة يقرر ما يلي :

أ‌- إعادة النظر بأقصى السرعة في جميع برامج ومناهج التعليم المطبقة حالياً فيها ، بعد أن ثبت أنه قد تسرب إلى بعض هذه البرامج والمناهج أفكار إلحادية وشيوعية مسمومة مدسوسة تحارب الدول الإسلامية في عقر دارها ، وعلى يد نفر من أبنائها من معلمين ومؤلفين وغيرهم .
ب‌- إعادة النظر وبأقصى السرعة في جميع الأجهزة في الدول الإسلامية ، وبخاصة في دوائر الإعلام والاقتصاد والتجارة الداخلية والخارجية وأجهزة الإدارات المحلية ، من أجل تنقيتها وتقويمها ووضع أسسها على القواعد الإسلامية الصحيحة ، التي تعمل على حفظ كيان الدول والشعوب وإنقاذ المجتمعات من الحقد والبغضاء ، وتنشر بينهم روح الأخوة والتعاون والصفاء .
جـ - الإهابة بالدول والشعوب الإسلامية أن تعمل على إعداد مدارس متخصصة وتكوين دعاة أمناء من أجل الاستعداد لمحاربة هذا الغزو بشتى صوره ، ومقابلته بدراسات عميقة ميسرة لكل راغب بالاطلاع على حقيقة الغزو الأجنبي ومخاطره من جهة ، وعلى حقائق الإسلام وكنوزه من جهة ثانية ، ومن ثَم فإن هذه المدارس وأولئك الدعاة كلما تكاثروا في أي بلد إسلامي ، يُرجى أن يقضوا على هذه الأفكار المنحرفة الغربية ، وبذلك يقوم صف علمي عملي منظم واقعي من أجل التحصن ضد جميع التيارات التي تستهدف هذه البقية الباقية من مقومات الإسلام في نفوس الناس .
كما يهيب المجلس بعلماء المسلمين في كل مكان والمنظمات الإسلامية في العالم أن يقوموا بمحاربة هذه الأفكار الإلحادية الخطيرة التي تستهدف دينهم وعقائدهم وشريعتهم ، وتريد القضاء عليهم وعلى أوطانهم . وأن يوضحوا للناس حقيقة الاشتراكية والشيوعية ، وأنهما حرب على الإسلام . والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين .

10.gif


ص 163 / حكم البهائية والانتماء إليها


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده . وبعد :

فقد استعرض بمجلس المجمع الفقهي نحلة البهائية التي ظهرت في بلاد فارس ( إيران ) في النصف الثاني من القرن الماضي ، ويدين بها فئة من الناس منتشرون في البلاد الإسلامية والأجنبية إلى اليوم . ونظر المجلس فيما كتبه ونشره كثير من العلماء والكتّاب وغيرهم من المطلعين على حقيقة هذه النَّحلة ونشاتها ودعوتها وكتبها ، وسيرة مؤسسها المدعو ميرزا حسين علي المازندراي ، المولود في 20 من المحرم 1233 – 12 من تشرين الثاني / نوفمبر 1817 م ، وسلوك أتباعه ثم خليفته ابنه عباس أفندي المسمى عبدالبهاء ، وتشكيلاتهم الدينية التي تنظم أعمال هذه الفئة ونشاطها . وبعد المداولة واطلاع المجلس على الكثير من المصادر الثابتة ، والتي يعرضها بعضُ كتب البهائيين أنفسهم تبين لمجلس المجمع ما يلي :
1- إن البهائية دين جديد مختَرع ، قام على أساس البابية التي هي أيضا دين جديد مخترع ابتدعه المسمى باسم ( علي محمد ) المولود في أول المحرم 1235 هـ . من تشرين الأول / أكتوبر 1819 م في مدينة شيراز . وقد اتجه في أول أمره اتجاهاً صوفيّا فلسفيًّا ، على طريقة الشيخية التي ابتدعها شيخه الضال كاظم الرشتي خليفة المدعو أحمد زين الدين الأحسائي ، زعيم طريقة الشيخة الذي زعم أن جسمه كجسم الملائكة نوراني ، وانتحل سَفسطات وخُرافات أخرى باطلة . وقد قال علي محمد بقولة شيخه هذه ، ثم انقطع عنه ، وبعد فترة ظهر للناس بمظهر جديد أنه هو علي بن أبي طالب الذي يروي فيه عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " أنا مدينة العلم وعليَّ بابها " . ومن ثم سمى نفسه " الباب " ثم ادعى أنه الباب للمهدي المنتظر ، ثم قال أنه المهدي نفسه ، ثم في أخريات أيامه ادعي الألوهية وسمى نفسه الأعلى فلما نشأ ميرزا حسين علي المازندراني ( المسمي بالبهاء ) المذكور ، وهو معاصر للباب اتبع الباب في دعوته ، وبعد أن حوكم وقتل بكفره وفتنته ، أعلن ميرزا حسين علي أنه موصَى له في الباب برئاسة البابيين . وهكذا صار رئيسًا عليهم وسمى نفسه ( بهاء الدين ) . ثم تطورت به الحال حتى أعلن ( أن جميع الديانات جاءت مقدمات لظهوره ، وأنها ناقصة لا يكملها إلا دينه ، وأنه هو المتصف بصفات الله ، وهو مصدر أفعال الله وأن اسم الله الأعظم هو اسم له ، وأنه هو المعني برب العالمين ، وكما نسخ الأديان التي سبقته تنسخ البهائية الإسلام ) . وقد قام الباب وأتباعه بتأويلات لآيات القرآن العظيم غاية في الغرابة والباطنية بتنزيلها على ما يوافق دعوته الخبيثة . وأن له السلطة في تغيير أحكام الشرائع الإلهية ، وأتى بعبادات مبتدعة يعبده بها أتباعه . وقد تبين للمجمع الفقهي بشهادة النصوص الثابتة عن عقيدة البهائيين التمهيدية للإسلام ولا سيما قيامها على أساس الوثنية البشرية ، في دعوى ألوهية البهائية وسطلته في تغيير شريعة الإسلام . يقرر المجمع الفقهي بإجماع الآراء خروج البهائية والبابية عن شريعة الإسلام واعتبارها حربًا عليه ، وكفر أتباعهما كفرًا بواحًا لا تأويل فيه . وأن المجمع ليحذر المسلمين في جميع بقاع الأرض من هذه الفئة المجرمة الكافرة ، ويهيب بهم أن يقاوموها ، ويأخذوا حِذرهم منها ، لا سيما أنها قد ثبت مساندة الدول الاستعمارية لها لتمزيق الإسلام والمسلمين .. والله الموفق

10.gif


ص 164/ حكم القاديانية والانتماء إليها

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد :

فقد استعرض مجلس المجمع الفقهي موضوع الفئة القاديانية التي ظهرت في الهند في القرن الماضي ( التاسع عشر الميلادي ) والتى تسمى أيضًا ( الأحمدية ) ودرس المجلس نحلتهم التي قام بالدعوة إليها مؤسس هذه النحلة ميرزا غلام أحمد القادياني 1876م مدعيًا أنه نبي يوحى إليه، وأنه المسيح الموعود ، وأن النبوة لم تختم بسيدنا محمد بن عبد الله رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم (كما هي عليه عقيدة المسلمين بصريح القرآن العظيم والسنة) ، وزعم أنه قد أنزل عليه ، وأوحى إليه أكثر من عشرة آلاف آية، وأن مَن يكذبه كافر، وأن المسلمين يجب عليهم الحج إلى قاديان، لأنها البلدة المقدسة كمكة والمدينة، وأنها هي المسماة في القرآن بالمسجد الأقصى ، كل ذلك مصرح به في كتابه الذي نشره بعنوان ( براهين أحمدية ) وفي رسالته التي نشرها بعنوان (التبلييغ ) .

واستعرض مجلس المجمع أيضًا أقوال وتصريحات ميرزا بشير الدين بن غلام أحمد القادياني وخليفته، ومنها ما جاء في كتابه المسمى (أينة صداقت) من قوله "إن كل مسلم لم يدخل في بيعة المسيح الموعود (أي والده ميرزا غلام أحمد القادياني ) سواء سمع باسمه أو لم يسمع فهو كافر وخارج عن الإسلام (الكتاب المذكور صفحة 35) وقوله أيضًا في صحيفتهم القاديانية (الفضل) فيما يحكيه هو عن والده غلام أحمد نفسه إنه قال: "إننا نخالف المسلمين في كل شيء: في الله، في الرسول، في القرآن، في الصلاة، في الصوم، في الحج، في الزكاة وبيننا خلاف جوهري في كل ذلك" (صحيفة) الفضل في 30 من تموز/ يوليو 1931م .
وجاء أيضًا في الصحيفة نفسها (المجلد الثالث) ما نصه "إن ميرزا هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم " زاعمًا أنه هو مصداق قول القرآن حكاية عن سيدنا عيسى عليه السلام (ومبشرًا برسول يأتي من بعده اسمه أحمد) "كتاب إنذار الخلافة ص 21"، واستعرض المجلس أيضًا ما كتبه ونشره العلماء والكتاب الإسلاميون الثقات عن هذه الفئة القاديانية الأحمدية لبيان خروجهم عن الإسلام خروجًا كليًا .وبناء على ذلك اتخذ المجلس النيابي الإقليمي لمقاطعة الحدود الشمالية في دولة باكستان قرارًا في عام 1974 بإجماع أعضائه يعتبر فيه الفئة القاديانية بين مواطني باكستان أقلية غير مسلمة، ثم في الجمعية الوطنية (مجلس الأمة الباكستاني العام لجميع المقاطعات)وافق أعضاؤها بالإجماع أيضًا على اعتبار فئة القاديانية أقلية غير مسلمة يضاف إلى عقيدتهم هذه ما ثبت بالنصوص الصريحة من كتب ميرزا غلام أحمد نفسه ومن رسائله الموجهة إلى الحكومة الإنكليزية في الهند التي يستدرها ويستديم تأييدها وعطفها من إعلانه تحريم الجهاد، وأنه ينفي فكرة الجهاد ليصرف قلوب المسلمين إلى الإخلاص للحكومة الإنجليزية المستعمرة في الهند لأن فكرة الجهاد التي يدين بها بعض جهال المسلمين تمنعهم من الإخلاص للإنجليز، ويقول في هذا الصدد في ملحق كتابه( شهادة القرآن) الطبعة السادسة ص 17 ما نصه ( أنا مؤمن بأنه كلما ازداد أتباعي وكثر عددهم قل المؤمنون بالجهاد لأنه يلزم من الإيمان بأني المسيح أو المهدي إنكار الجهاد) تنظر رسالة الأستاذ الندوي نشرة الرابطة ص 25 .
وبعد أن تداول مجلس المجمع الفقهي في هذه المستندات وسواها من الوثائق المفصحة عن عقيدة القاديانيين ومنشئها وأسسها وأهدافها الخطيرة في تهديم العقيدة الإسلامية الصحيحة وتحويل المسلمين عنها تحويلًا وتضليلًا، قرر المجلس بالإجماع اعتبار العقيدة القاديانية المسماة أيضًا بالأحمدية عقيدة خارجة عن الإسلام خروجًا كاملًا، وأن معتنقيه كفار مرتدون عن الإسلام، وأن تظاهر أهلها بالإسلام إنما هو للتضليل والخداع، ويعلن مجلس المجمع الفقهي أنه يجب على المسلمين حكومات وعلماء وكتابًا ومفكرين ودعاة وغيرهم مكافحة هذه النحلة الضالة وأهلها في كل مكان من العالم وبالله التوفيق.

توقيع نائب الرئيس : محمد علي الحركان ، الأمين العام لرباطة العالم الإسلامي
توقيع نائب الرئيس : عبد الله بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى في المملكةالعربية السعودية
الأعضـــاء : توقيع : محمد محمود الصواف . توقيع : صالح بن عثيمين . توقيع : محمد بن عبدالله السبيل ، توقيع : محمد رشيد قباني ، محمد رشيدي سافر قبل التوقيع .
توقيع عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز ، الرئيس العام لإدارت البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكةالعربية السعودية ، توقيع : مصطفى الزرقا ، توقيع عبدالقدوس الهاشمي الندوي .

10.gif


ص 167 / أصحاب نظرية التطور مخالفون للعقيدة


س : إن نظرية التطور أصبحت تلاحقنا في أي مكان في كلياتنا المغربية ، وحتى في الكتب والمجلات غير المتخصصة ، وكأن هذه النظرية حقيقة لا يختلف عليها اثنان . فأنا طالب بكلية العلوم ، شعبة البيلوجيا ، ودرسنا في مادة التشريح المقارن أن السلالات تنحدر من سلالات سابقة . أريد الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة ، وكذا بعض آرائكم في هذا الموضوع حتى يطمئن قلـبي .

ج : فكرة التطور بلا شك هي من عقائد الدهرية وأتباعهم ، كغلاة الفلاسفة الطبائعيين وهي فكرة خاطئة نتجت عن ظن وتخمين بلا دليل ، وهكذا يقولون بقدم العالم وإنكار المبدأ والمعاد ، وينكرون حشر الأجساد ، ولا شك أن هذا كفر صريح لما فيه من تكذيب خبر الله تعالى وإخبار رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام ، أما عقيدة المسلمين فإن الله خالق كل شيء ، كما صرح بذلك في كتابه ، ويدخل في ذلك هذه الحيوانات الموجودة في البر والبحر ، فيعتقدون أن الله تعالى هكذا خلقها وجعلها من آيات قدرته وكمال ربوبيته ، فقال تعالى : { فأحيا به الأرض بعد موتها وبثَّ فيها من كل دابة } . وقال تعالى : { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها } . أي يعلم أما كنها وآجالها وقال تعالى : { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم } . وقال تعالى : { وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة } . وأخبر تعالى أنه خلق هذه الدواب من ماء كما في قوله تعالى : { والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع } . وهذا كمثال ، وإلا فمنها ما له ست قوائم وأكثر من ذلك . وحيث إن الجميع خلق الله تعالى فقد فاوت بينها في الخلْق والرزق والكِبر والصغر ، وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى كل مخلوق لما تتم به حياته وبقاء نوعه ، فهي تتولد وتنمو وتحنو على أولادها وتعرف رزقها ، وكل ذلك بلا تعلُّم وإنما هو بما طبعها الله عليه ، وأشرفها الإنسان ، فإنها خلقت لأجله حتى يعتبر ويتفكر بما ميّزه به ربه من العقل والإدراك ، كما قال تعالى : { الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأخلْق الإنسان من طين } . فعلينا الاعتراف بأننا خلْق الله ومُلكه وأنه خلق ما في الكون لنا لننتفع ونعتبر . والله الموفق .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


ص 168 / الدعوة إلى القومية دعوة جاهليلة

س : ما رأيكم في الدعوة إلى القومية التي تعتقد أن الانتساب إلى العنصر أو اللغة مقدم على الانتساب إلى الدين ، وهذه الجماعات تدعي أنها لا تمادي الدين ولكنها تقدم القومية عليه . ما رأيكم في هذه الدعوى ؟

ج7: هذه دعوة جاهلية لا يجوز الانتساب إليها ولا تشجيع القائمين بها ، بل يجب القضاء عليها . لأن الشريعة الإسلامية جاءت بمحاربتها والتنفير منها ، وتفنيد شبههم ومزاعمهم والرد عليها بما يوضح الحقيقة لطالبها . لأن الإسلام وحده هو الذي يخلد العروبة لغة وأدبا وخلقا ، وأن التنكر لهذا الدين معناه القضاء الحقيقي على العروبة في لغتها وأدبا وخلقها ، ولذلك يجب على الدعاة أن يستميتوا في إبراز الدعوة إلى الإسلام بقدر ما يستميت الاستعمار في إخفائه .
ومن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الدعوة إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات دعوة باطلة وخطأ عظيم ومنكر ظاهر وجاهلية نكراء وكيد للإسلام وأهله ، وذلك لوجوه قد أوضحناها في كتاب مستقل سميته : ( نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع ) وإليكم نسخة منه لتنقلوا منه ما شئتم وأسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه رضاه .
الشيخ ابن باز

10.gif


الصوفية وحكم الصلاة خلفهم

س: من هم المتصوفون وهل تجوز الصلاة معهم ؟

ج : الصوفية في الأصل هم الزهاد الذين لا يلبسون إلا صوف الضأن من التقشف ولكن في ما بعد دخلهم شيء من البده كالرقص والطرب وصحبة الأحداث ، واعتقدوا في مشايخهم وتمكن منهم اعتقاد وحدة الوجود ؛ فلا تصح الصلاة خلف غلاتهم دون عوامهم .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


معتنق الشيوعية مرتد

س : الفكرة الشيوعية تقوم على إنكار وجود الخالق عز وجل ، وتقول بمادية الحيا وأن أصل المخلوقات هي الطبيعة . فهل معتنق المبادئ والأفكار الشيوعية من الشباب وغيرهم في عالمنا الإسلامي مرتدون ، وخاصة من يعتقدون بأفكار الشيوعية ؟

ج : الظاهر لي أن هذا السؤال كمن يسأل هل الشمس شمس ؟ وهل الليل ليل ؟ وهل النهار نهار ؟ فمن الذي يشكل عليه أن منكر الخالق لا يكون كافراً ، مع أن هذا ، أعني إنكار الخالق ما وُجد فيما سلف من الإلحاد ، وإنما وجد أخيراً ، وكيف يمكن إنكار الخالق والأدلة على وجوده – جل وعلا – أجلى من الشمس . وكيف يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل ؟ وأدلة وجود الخالق والحمد لله موجودة في الفِطَر والعقول ، والشاهد والمحسوس ، ولا ينكره إلا مكابر بل حتى الذين أنكروه قلوبهم مطمئنة بوجوده ، كما قال الله – تعالى – عن فرعون الذي أنكرالخالق وادّضعى الربوبية لنفسه قال:{ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً } . وقال – جل ذكره- عن موسى وهو يناظر فرعون : { لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر } . ثم إن هؤلاء الذين ينكرون الخالق هم في الحقيقة منكرون لأنفسهم ، لأنهم هم الآن يعتقدون أنهم ما أوجدوا أنفسهم ويعلمون ذلك ، و يعتقدون أنه ما أوجدتهم أمهاتهم ، ولا أوجدهم آباؤهم ، ولا أوجدهم أحد رابع إلا رب العالمين – سبحانه وتعالى – كما قال تعالى : { أم خُلقوا من غير شيء أم هم الخالقون } وتعجب جبير بن مطعم على أنه لم يؤمن بعد أن سمع هذه الآية يقرؤها النبي ، عليه الصلاة والسلام ، قال : "كدت أطير" من كونها دليلاً قاطعاً ظاهراً على وجود الخالق - سبحانه وتعالى -، وهؤلاء المنكرون للخالق إذا قيل : لهم مَن خلق السماوات والأرض ؟ ما استطاعوا سبيلاً إلا أن يقولوا : الذي خلقها الله ، لأنها قطعاً لم تَخلق نفسها ، وكل موجود لا بد له من موجِد واجب الوجود وهو الله . لو أن أحداً من الناس قال : إن هذا القصر المشيد المزين بأنواع الثريات الكهربائية وغيرها إنه بنى نفسه ، لقال : الناس إن هذا أمر جنوني . ولا يمكن أن يكون ، فكيف بهذه السموات والأرض ، والأفلاك والنجوم السائرة على هذا النظام البديع الذي لا يختلف منذ أن خلقه الله عز وجل إلى أن يأذن الله بفناء هذا العالم ، وأعتقد أن الأمر أوضح من أن يقام عليه الدليل . وبناء على ذلك فإنه لا شك أن من أنكر الخالق فإنه مختل العقل كما أنه لا دين عنده وأنه كافر لا يرتاب أحد في كفره . وهذا الحكم ينطبق على المقلدين لهذا المذهب الذين عاشوا في الإسلام ، لأن الإسلام ينكر هذا إنكاراً عظيماً ، ولا يخفى على أحد من المسلمين بطلان هذا الفكر وهذا المذهب ، وليسوا معذورين لأن لديهم مَن يعلمهم ، بل هم لو رجعوا إلى فطرهم ما وجدوا لهذا أصلاً .

10.gif


ص 170 / حكم التمذهب والتنقل بين المذاهب


س : هل المذاهب المعتمدة عند أهل السنة والجماعة هي أربعة فقط ؟ وما حكم التقيد بمذهب معين ، وهل يجوز التنقل بين المذاهب ؟

ج : هذه مذاهب سجلت في الصدر الأول ، واشتهرت أقوال هؤلاء الأئمة واختياراتهم فتبعتهم طوائف من الناس وظهر لهم صحة ما هم عليه ، لكن حدث بعدهم أتباع لهم تعصبوا أو تشددوا في نصر مذاهبهم ، وردّ الأحاديث الصحيحة ، فالأولون معذورون بخلاف من تبين له الحق ، ولا يلزم التقيد بمذهب معين ، بل متى تبين الحق مع أحد الأئمة لزِم الذهاب إليه ، ولا يجوز التنقل من مذهب لمذهب لمجرد التشهّي وأخذ الرخص ، فذلك معصية كبيرة .
الشيخ ابن جبرين


يتبع
 
كـــتاب العــلم

ص 173 / أجمع كتبا ولكن لا أقرؤها

س : أنا رجل ولله الحمد لدي العديد من الكتب النافعة والمفيدة والمراجع ، لكنني لا أقرؤها ، بل أختار منها البعض ، هل يلحقني إثم في جمع هذه الكتب عندي في البيت ؟ مع العلم أن بعض الناس يأخذون من عندي بعض الكتب يستفيدون منها ثم يرجعونها .

ج: ليس على المسلم حرج في جمع الكتب المفيدة ، وحفظها لديه في مكتبة لمراجعتها والاستفادة منها ، ولتقديمها لمن يزوره من أهل العلم ليستفيدوا منها، ولا حرج عليه إذا لم يراجع الكثير منها ، أما إعارتها إلى الثقات الذين يستفيدون منها فذلك أمر مشروع ، وقربى إلى الله سبحانه لما فيه من الإعانة على تحصيل العلم ، ولأن ذلك داخل في قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى } وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " .
الشيخ ابن باز

10.gif


أنا مدرسة أسأل من قبل الطالبات ، فهل أجيب ؟

س : أنا مُدرسة دين متخرجة من الكلية المتوسطة قسم دراسات إسلامية وقد اطلعت على مجموعة من الكتب الفقهية ، فما هو الحكم حين أُسأل من قبل الطالبات فأجاوبهن على حسب معرفتي ، أي عن طريق القياس والإجتهاد دون التدخل في أحكام الحرام والحلال ؟

ج : عليك مراجعة الكتب والاجتهاد ثم الإجابة بما غلب على ظنك أنه الصواب ، ولا حرج عليك في ذلك ، أما إذا شككت في الجواب ولم يتبين لك الصواب فقولي لا أدري وعديهن بالبحث ثم أجيبيهن بعد المراجعة ، أو سؤال أهل العلم للاهتداء إلى الصواب .
الشيخ ابن باز

10.gif


في الاجتهاد والفتيا

س : هل يعتبر باب الاجتهاد في الأحكام الإسلامية مفتوحا لكل إنسان ، أو أن هناك شروط لابد أن تتوفر في المجتهد ، وهل يجوز لأي إنسان أن يفتي برأيه ، دون معرفته بالدليل الواضح ، وما درجة الحديث القائل : ( أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار ) أو ما معناه ؟

ج : باب الاجتهاد في معرفة الأحكام الشرعية لا يزال مفتوحا لمن كان أهلا لذلك ، بأن يكون عالما بما يحتاجه في مسألته التي يجتهد فيها ، من الآيات والأحاديث ، قادرا على فهمهما، والاستدلال بهما على مطلوبه ، وعالما بدرجة ما يستدل به من الأحاديث ، وبمواضع الإجماع في المسائل التي يبحثها حتى لا يخرج على إجماع المسلمين في حكمه فيها ، عارفا من اللغة العربية، القدر الذي يتمكن به من فهم النصوص ، ليتأتى له الاستدلال بها ، والاستنباط منها ، وليس للإنسان أن يقول في الدين برأيه ، أو يُفتي الناس بغير علم ، بل عليه أن يسترشد بالدليل الشرعي ، ثم بأقوال أهل العلم ، ونظرهم في الأدلة ، وطريقتهم في الاستدلال بها، والاستنباط ، ثم يتكلم أو يفتي بما اقتنع به ورضيه لنفسه دينا . أما حديث ( أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار ) فقد رواه الحافظ عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي في سننه، عن عبد الله بن أبي جعفر المصري مرسلا. وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 174 / لا بأس بالاخبار بالفتوى

س : مُدرس يستفتيه طلابه ولديه علم لا بأس به ، ولكنه ليس أهلاً للفتيا فيكون قد سمع من بعض العلماء الثقات جوابًا لمثل السؤال المطروح ، فهل يجوز أن يفتي طلابه بذلك أم لابد من نسبة الكلام إلى صاحب الفتوى ؟

ج : إذا سئل مَن لديه أهلية للفتوى وهو يحفظ فتاوى عن العلماء المعتبرين فلا بأس أن يخبر بها ولا ينسبها لنفسه ، بل يقول سمعت فلانًا أفتى بكذا إذا كان حافظاً ذلك حفظًا لا شك فيه . والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز

10.gif


حكم طلب العلم الشرعي

س : هل يعذر الشخص بعدم طلبه للعلم بسبب انشغاله بدراسته التي ليس لها علاقة بالعلم الشرعي ، أو بسبب عمله أو غير ذلك ؟

ج : طلب العلم الشرعي فرض كفاية إذا قام به مَن يكفي صار في حق الآخرين سنة ، وقد يكون طلب العلم واجباً على الإنسان عَيْناً أي فرض عين ، كما لو أراد الإنسان أن يتعبد لله بعبادة فإنه يجب عليه أن يعرف كيف يتعبد لله بهذه العبادة . وعلى هذا فإن الذي يشغله عن طلب العلم الشرعي حماية كفايته وأهله ، مع محافظته على ما يجب الحفاظ عليه من العبادة نقول : إن هذا معذور ولا حرج عليه ، ولكن ينبغي أن يتعلم من العلم الشرعي بقدر ما يستطيع .
الشيخ ابن عثيمين

10.gif


ص 175 / المذاهب الأربعة

س : لا أعرف لي مذهباً من المذاهب الأربعة لأعتنقه ، فهل يجوز لي أن أختار أي مذهب ؟

ج : مذاهب الأئمة الأربعة متفقة في الأصل أي في العقيدة ، وإنما اختلفت اجتهاداتهم في فروع المسائل الفقهية بسبب اختلاف الأفهام والنظر إلى المصالح وسعة الاطلاع . وهم مع ذلك مأجورون على اجتهادهم ؛ فالمصيب له أجران والمخطئ له أجر وخطؤه مغفور لحسن مقصده ، ويحوز لنا أن نتبع أحدهم ما لم يظهر خطؤه كما يجوز أخذ القول الراجح من كل مذهب .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


إذا دخلت مجلس علم هل أسلم

س : ماهو الأولى بشخص حضر متأخرًا إلى المحاضرة في الكلية أو في مجلس علم ، وقد بدأ المعلم بالشرح ، هل الأوْلى : أن يُسلّم ، أم يجلس ولا يسلم ؟

ج : الأولى ألا يسلم إذا كان يقطعهم عن درسهم ، أو يوجب التشويش عليهم ، أما إذا كان لا يؤثر فالسلام سُنة لكل قادم إلى جماعة وعلى هذا فيسلم، وإذا رد عليه أحد من الجالسين فكفى .
الشيخ ابن عثيمين

10.gif


ص 176 / سبب توقف العالم عن الفتوى

س : ما سبب توقف العالم عن الفتوى ؟

ج : توقف العالم عن الفتوى إذا كان أهلاً للفتوى وعنده علم قد يكون لتعارض الأدلة عنده ، وقد يكون لظنه أن هذا المستفتي متلاعب ؛ لأن بعض المستفتين لا يستفتي للحق إنما يريد التلاعب والنظر فيما عند هذا العالم ، والعالم الثاني ، والعالم الثالث وهكذا ، فيتوقف العالم أو يعرض عن إجابة هذا السائل الذي يعلم أو يغلب على ظنه أنه متلاعب لينظر ماذا عند الناس ، أو يريد أن يضرب أقوال الناس بعضها ببعض ، وهذا أشد فيذهب ويقول : قال العالم الفلاني كذا، وقال العالم الفلاني كذا، فهذا من أسباب توقف المفتي .
الشيخ ابن عثيمين

10.gif


حكم الفتوى بغير علم

س : هناك من يفتي بغير علم ، ما حكم ذلك ؟

ج : هذا العمل من أخطر الأمور وأعظمها إثمًا ، وقد قرن الله سبحانه وتعالى القول عليه بلا علم ، بالشرك به ، فقال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } ( سورة الأعراف ، الآية : 22 ) . وهذا يشمل القول على الله في ذاته أو صفاته أو أفعاله أو شرائعه ، فلا يحل لأحد أن يفتي بشيء حتى يعلم أن هذا هو شرع الله – عز وجلّ – وحتى تكون عنده أداة ومَلكة يعرف بها ما دلت عليه النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وحينئذ يفتي . والمفتي معبّر عن الله عز وجل ومبلّغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإذا قال قولاً وهو لا يعلم أو لا يغلب على ظنه – بعد النظر والاجتهاد والتأمل في الأدلة – فإنه يكون قد قال على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، قولا بلا علم ،فيتأهب للعقوبة ، فإن الله عز وجل يقول : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } .
الشيخ ابن عثيمين

10.gif


ص 177/ الأئمة الأربعة لم يلزموا غيرهم بتقليدهم في كل شيء

س : ثمة اختلاف حول كثير من القضايا الفقهية بين علماء المسلمين ، وأعني المذاهب الأربعة ، فكيف يكون حال شخص من مذهب ما إذا رأى أن في المذهب الثاني ما يناسبه حول قضية ما ؟ ولنأخذ مثلاً زكاة الحلي المعدة للزينة ، فإني على مذهب يجيز عدم إخراج الزكاة فيها . وأسمع كثيرًا من علماء آخرين أنه تجب فيها الزكاة ؟ والخُلاصة : هل يحق لمسلم أن يكون على مذهب ويأخذ برأي مذهب آخر ؟ علماً أن له اطلاعًا لا بأس به في القضايا الفقهية ؟

ج : لا شك أن المسلم يقصد الحق ويعمل به متى طلبه ، وأن الأئمة الأربعة رحمهم الله لم يُلْزِموا غيرهم بتقليدهم في كل شيء ، وإنما أخبروا باختيارهم وما ترجح لديهم وأمروا غيرهم بأخذ الحق متى وجد في غير أقوالهم . فليس أحد ملزَمًا يقول إمام معين يقلده في كل شيء ، لكن لا يجوز له تتبع الرخص ولا زلاَّت العلماء وأخطائهم طلبًا للتخفيف أو هوى الناس . وحيث أن أكثر الأئمة يرون أن الحلي لا زكاة فيه ، فإن ما حملهم على ذلك قياسه بالمستعملات ، والآثار المنقولة عن بعض الصحابة في ترك الزكاة ، لكن ثبتت الأحاديث الصحيحة المرفوعة في وجوب الزكاة فيه ، والوعيد لمن لم يؤدّ زكاته فترجح هذا الدليل على على القياس والآثار فوقع عليه اختيار المحققين .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


حكاية أرض فدك

س : وقع تحت يدي كتاب اسمه ( فدك في التاريخ ) يصف مؤلفه الخليفتين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما بأنهما كافران ما حكم الدين في ذلك الكتاب ؟

ج : يعتقد الرافضة - لعنهم الله - أن النبي صلى الله عليه وسلم يورِّث كغيره من البشر ، وأن أبا بكر ظلم فاطمة ومنعها من إرثها ، وتبعه عمر على ذلك ، وأن الملك المسمى بفدك قرب المدينة كان مُلكه فتصرفا فيه ، واختصا به أو أدخلاه بيت المال . فصاحب هذا الكتاب رافضي خبيث المعتقد ، يجب الحذر منه ومن كذبه وبهتانه ، فإن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : " لا نُورِّث وما تركناه صدقة " . وقد عمل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في تلك الأرض كعمله صلى الله عليه وسلم في حياته ، وتبعهما عثمان وعلي والحسن رضي الله عنهم ، ولكن الروافض لا يعقلون .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


ص 178 / كتاب سيرة الملك سيف بن ذي يزن

س : قرأت في كتاب " سيرة الملك سيف بن ذي يزن " صفحة 185 المجلد الثاني مفاده : أن الملك سيف نزل أرضاً ووجد بها رجلاً وسأله عن اسمه فقال : إن اسمه الخضر عليه السلام وأراه الخضر أرضًا جميلة جدًّا تسمى الجزيرة البيضاء وهو المتوكل عليها ، لأن فيها عجائب كثيرة ، منها أن في كل ليلة تتفتح أبواب السماء من جهة ذلك المكان ، وتنزل ملائكة الرحمن يتصرفون في الأكوان بأمر العلي الديان ، وذكر له أن خلف هذه الجزيرة نور وبعده ظلمة دائرة في الدنيا ، وبعدها جبل " فذ " وهو مستدير مثل الحلقة ، ويلف الدنيا ، والسماء مركبة عليه ، وقدرة الله تعالى دائرة بالجميع ، ومن خلف الجبل خَلْق لا هُم من الإنس ولا هم من الجن . هل هذا الكلام صدق وصحيح ؟! .

ج : هذه الحكاية لا أصل لها . ولا دليل عليها فلا يجوز التصديق بها ولا إدخالها في جملة المعتقد الإسلامي ، وقد ذكر العلماء أن الحكايات التي تُنقل عن الخضر لا أساس لها من الصحة وأن الخضر قد مات كغيره من عباد الله . ولو كان موجودًا لجاء إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو مبعوث إلى الإنس والجن ، ثم إن الكتاب المذكور يحتوي على خرافات وأكاذيب لا أصل لها . ومؤلفه مجهول . أو هو كحاطب الليل الذي يكتب ما رآه أو ما تخيله لقصد شغل أوقات الناس بما يظن أنه من عجائب الدنيا . ولا شك في سعة قدرة الله وإحاطته بالمخلوقات . لكن هذه الخرافا التي لا زمام لها ولا خِطام مما تستحق المَحْق والإتلاف ، فليعلم ذلك .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


قولهم : الذي لا شيخ له ، شيخه شيطانه

س : ما رأيكم فيمن يقول : الذي لا شيخ له شيخه الشيطان ؟!

ج : لا شك أن العلم يُتلقى عن حملته وهم العلماء الصلحاء ، وأن مَن تلقى منهم استفاد كثيرًا وفهم النص وعرف كيف يتعلم ويعمل ، وأن من اقتصر على القراءة من الكتب قد يخفى عليه أشياء وقد يفهم بعضها على خلاف المراد ، ولكن هذه المقالة لم اقف عليها ولا تصح في حديث مرفوع ولا موقوف ، وقد تكون من قول بعض العلماء للتحذير من البعد عن أهل العلم وللحث على حلقات العلماء . والله الموفق
الشيخ ابن جبرين

10.gif


ص 179 / حكم الحديث يوم الجمعة

س : هل يجوز التحديث بالناس في العصر يوم الجمعة ؟ أفيدونا أفادكم الله .

ج : نعم يجوز التحديث يوم الجمعة عصرًا ومغربًا وكل وقت ، فالتحديث والتذكير علم ونصح وفائدة للمستمعين ، وليس فيه إلزام لأحد بالحضور ، ولا دليل على الكراهية وإن اعتاد الناس ترك العمل وترك الدراسة يوم الجمعة ، وإلا فلا بأس بذلك إن شاء الله .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


الغش في الامتحانات

س : أنا إنسان معقّد في دراستي ولا أفهم شيئاً إلا قليلا ، مما يجعلني أغش في الامتحانات الرجاء أفيدوني ؟!

ج : ننصحك بالجد والاجتهاد ومواصلة الدراسة ، والحرص على الحفظ والتعقل والاستفادة من المعلم ، ومن الزملاء ، وتكرار البحث والقراءة ، ونحو ذلك مما هو سبب لحصول الفائدة وفهم المعاني ، وترك استعمال الغش الذي هو حرام وخداع للأمة خاصة وعامة .
الشيخ ابن جبرين


يتبع
 
[ سنن الفطرة ]


حكم صبغ اللحية بالسواد

س : ماحكم من صبغ لحيته بأشد صبغ أسود ، وهل يأثم من فعل ذلك أو لا ؟؟ وما الفرق بين حلقها وتسويدها ؟

ج : تغيير الشيب بصبغ شعر الرأس واللحية بالحناء والكتم ونحوها مشروع ، وتغييره بالصبغ الأسود لا يجوز ، وقد ورد بهذا الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : جيء بأبي قحافة يوم الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكأن رأسه ثغامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اذهبوا به إلى بعض نسائه فتغير بشيء ( وجنبوه السواد ) " رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة ، وفي رواية لأحمد قال صلى الله عليه وسلم : " لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه لأبي بكر " . فأسلم ولحيته ورأسه كالثغامة بياضًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب الحناء والكتم " ، رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة وصححه الترمذي . وأما الفرق بين حلق اللحية وصبغ شيبها بالسواد فكلاهما ممنوع ، إلا أن حلق اللحية أشد منعًا من صبغها بالسواد . والله الموفق .. وصلى الله علي محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 180 / حكم حلق الشارب


س : أرجو ذكر أحاديث قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن من حلق اللحية فهو فاسق ، وهل يجوز حلق الشارب نهائيًا ؟

ج : حلق اللحية حرام وفاعله فاسق لمخالفته للأحاديث الآمرة بتوفيرها وإعفائها ، وسبق أن ورد إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء سؤال مماثل لهذا السؤال أجابت عنه بالفتوى الآتي نصها : " حلق اللحية حرام ؛ لما رواه أحمد والبخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي قال: « خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب » . ولما رواه مسلم وأحمد عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال «جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس» . والإصرار على حلقها من الكبائر، فيجب نصح حالقها والإنكار عليه ، ويتأكد ذلك إذا كان في مركز قيادي ديني ، وأما حلق الشارب فلم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه فيما نعلم إنما ثبت عنهم الحث على قصه وإحفائه .
اللجنة الدائمة

10.gif


حكم حلق العارضين

س : ماحكم حلق اللحية ،وحكم حلق العارضين وترك اللحية والشارب ؟

ج : حلق اللحية لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث : " قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين " . متفق على صحته . وقوله صلى الله عليه وسلم : " جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس " أخرجه مسلم في صحيحه . واللحية هي : مانبت على الخدين والذقن كما أوضح ذلك صاحب اللسان والقاموس ، فالواجب ترك الشعر النابت على الخدين والذقن وعدم حلقه أو قصه . أصلح الله حال المسلمين جميعًا .

الشيخ ابن باز

10.gif


ص 181 / حلق اللحية من تغيير خلق الله

س : هل قوله : { وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } يدل على حلق اللحية ؟

ج : نعم حلق اللحية يدخل في عموم ماذكره الله في كتابه عن إغواء الشيطان كثيرًا من الناس ، فإن حلقها تغيير لخلق الله وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية وإحفاء الشوارب . وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


182 / حكم حلق الشارب

س : ماهي صفة الشارب في الإسلام لأنا سمعنا من بعض الأفاضل أنَّ من البدعة حف الشارب كله وأنه من التمثيل بالشعر ، ورجح ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد أن حف الشارب جميعه أفضل من أخذ الزائد من الشفة ، فأيهما الأفضل والراجح ؟

ج : ثبت في الصحيحين عن ابن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " وقّت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا تترك أكثر من أربعين يومًا .وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس " وروى الترمذي من حديث زيد بن الأرقم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يأخذ من شاربه فليس منا " . وقال حديث صحيح . وقال ابن عبدالبر : روى الحسن بن صالح عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقص الشارب ، ويذكر أن إبراهيم كان يقص شاربه قال ابن القيم : ( ووقفه طائفة على ابن عباس ) . فهذه الأدلة منها ما يدل على الأمر بإحفاء الشارب ومنها ما يدل على الأمر بقصه . . فالمشروع أنه مخير في ذلك ولا يحوز فيما نعتقد أن يقال إن إحفاء الشارب مُثلة أو بِدعة لأن ذلك مخالف للنص المذكور ؛ ولا قول لأحد مع السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


قص الشارب وإعفاء اللحى

س : ورد في عدة أحاديث ( قصوا الشارب وأعفوا اللحى ) وكذا ورد قص الشارب وقلم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة ، فهل الحلق يختلف عن القص ، والسؤال هو أن بعضًا من الناس يقص من أول شاربه مما يلي شفته العليا ويترك شعر شاربه ، وبعضهم يقص نصف الشارب ويترك الباقي ، فهل هذا هو المعنى أو ينْهَك الشارب أي يحلقه جميعه ، أرجو الإفادة عن الطريقة التي يقص الشارب بها ، أما أعفاء اللحية فمعروف هو تركها كليًّا ؟

ج : قد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " قصوا الشوارب وأعفوا اللحى وخالفوا المشركين " . متفق على صحته . وقوله صلى الله عليه وسلم : " جزوا الشوارب وأرخوا اللحى وخالفوا المجوس " . وفي بعضها : " حفوا الشوارب " . والإحفاء هو المبالغة في القص ، فمَن جز الشارب حتى تظهر الشفة العليا أو أحفاه فلا حرج عليه لأن الأحاديث جاءت بالأمرين .
الشيخ ابن باز

10.gif


حكم إزالة شعر الظهر والساقين والفخذين للرجل

س : هل يجوز للرجل أن يلحق شعر جسده من الظهر والساقين والفخذين مع العانة والإبط دون تشبه بالنساء ولا بالكفرة من أهل الكتاب وغيرهم ؟

ج : يجوز إزالة الشعر مما ذكر بما لا ضرر فيه على البدن ما دام لا يقصد فيه التشبه بالنساء أو الكفار ، لأن الأصل هو الإباحة ولا يجوز للمسلم أن يحرم شيئاً إلا بالدليل ولا دليل يدل على تحريم ما ذكر ، وسكوت الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم ، عن ذلك يدل على الإباحة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ، شرع لنا قص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الآباط وحلق العانة وأباح للرجال حلق الرأس ولعن النامصة والمتنمصة ، وأمرنا بإعفاء اللحى وإرخائها وتوفيرها وسكت عما سوى ذلك ، وما سكت الله عنه ورسوله عفوٌ ، لا يجوز تحريمه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما رواه أبو ثعلبة الخشني – رضي الله عنه - : " إن الله فرض فرائض فلا تضيّعوها ، وحدّ حدودًا فلا تعتدوها ، وحرّم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها " . رواه الدارقطني وغيره قاله النووي – رحمه الله – وقد نص على ذلك جمع من أهل العلم للحديث المذكور ولما جاء في معناه من الأحاديث والآثار وقد ذكر بعضها الحافظ ابن رجب – رحمه الله – في جامع العلوم والحكم في شرح حديث أبي ثعلبة ، فليراجعه من أحب الوقوف على ذلك . والله أعلم .
الشيخ ابن باز

10.gif


حكم من استهزأ باللحية

س : اللحية سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم ، الصحيحة ومن الناس من يحلقها ومنهم من يقصر منها ومنهم من يجحدها ومنهم من يقول انها سنة ، يؤجر فاعلها ولا يعاقب تاركها ، ومن السفهاء من يقول : لو أن اللحية فيها خير ما طلعت مكان العانة ، قبحهم الله ، فما حكم كل واحد من هؤلاء المختلفين وما حكم من أنكر سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم ؟

ج : دلّت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الصحيحة على وجوب إعفاء اللحى وإرخائها وتوفيرها وعلى تحريم حلقها وقصها كما في الصحيحن عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس " وهذان الحديثان وما جاء في معناهما من الأحاديث كلها تدل على وجوب إعفاء اللحى وتوفيرها وتحريم حلقها وقصها كما ذكرنا ومن زعم أن إعفائها سنة يثاب عليها فاعلها ولا يستحق العقاب تاركها ، فقد غلط وخالف الأحاديث الصحيحة . لأن الأصل في الأوامر الوجوب وفي النهي التحريم ، ولا يجوز لأحد أن يخالف ظاهر الأحاديث الصحيحة إلا بحجة تدل على صرفها ؛ وليس هناك حجة تصرف هذه الأحاديث عن ظاهرها .
وأما ما رواه الترمذي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يأخذ من لحيته وعرضها فهو حديث باطل لا صحة له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن في إسناده راويًا متهما بالكذب . أما من استهزأ بها وشبهها بالعانة فقد أتى منكرًا عظيماً يوجب ردته عن الإسلام ، لأن السخرية بشيء مما دل عليه كتاب الله أو سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، تعتبر كفرًا ورِدّة عن الإسلام لقول الله عز وجل : { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } .
اللجنة الدائمة

10.gif


184 / حكم حلق العارضين وهل يجوز للرجل أن يحلق وهو صائم

س : هل يصح للرجل أن يحلق الخدين المسمين بالعارضين ويترك اللحية ، وهل يصح أن يحلق وهو صائم وإن خرج دم سواء حلق الرأس أو العانة أو غير ذلك .
ج : لا يجوز حلق العارضين لأنهما من اللحية ويجوز أن يحلق الرجل رأسه وعانته ونحوها في رمضان وغيره ، وإن خرج دم ، بل حلق العانة من سنن الفطرة . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

اللجنة الدائمة

10.gif


السواك ودم الأسنان

س : يعمد بعض المصلين عند إقامة الصلاة إلى استعمال السواك الأمر الذي يثير روائح الفم وربما ينزف دماً ، فهل هذا تطبيق للحديث الشريف " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " .

ج : لا يُنكر هذا العمل ، بل هو محض السنة كما دل عليه الحديث المذكور ، ولا عبرة بمن كرهه ، وليس بصحيح أنه يثير روائح كريهة بل هو ينظف الفم ويطيب النكهة كما قال صلى الله عليه وسلم : " السواك مطْهرة للفم مرضاة للرب " ، فأما خروج بعض الدم من الأسنان عند الاستياك فليس بمبرر لتركه في المسجد وعند الصلاة ، لندرة ذلك وانقطاعه مع الاستمرار والاعتياد لاستعمال السواك .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


تقصير الشعر وإطالته

س : سمعت في حديث أن رجلاً قد حلق بعض شعر رأسه وترك بعضه ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال : " احلقوه كله أو اتركوه كله " . فهل التقصير حرام ، وكيف نفهم قول الله تعالى : " مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ " ؟

ج : تقصير شعر الرأس ليس بحرام وحلقه ليس بحرام أيضًا ، بل هذا جائز وهذا جائز والأولى للإنسان أن يتبع ما جرت به العادة إذا قلنا بأن اتخاذ الشعر تابع للعادة وليس بسنة ، وأما ما أشار إليه في سؤاله ، فالحديث إنما ورد حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم مَن حلق بعض رأسه وترك بعضه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بحلقه كله أو تركه كله ، وأما إذا حُلق أو قُصّر أو تُرك بلا حلق ولاتقصير فإن هذا لا بأس به ، وأما قوله تعالى : { مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ } . فهذا إشارة إلى ما وعد الله سبحانه وتعالى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه حين قال : { لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ } . لأن المعتمر يجوز له أن يحلق رأسه أو يقصره ، وفي تقديم الحلق على التقصير دليل على أنه أفضل ، وهو كذلك .
الشيخ ابن عثيمين

10.gif


حكم الاكتحال

س : ما حكم استعمال الكحل في العيون بالنسبة للرجال دون الحاجة إليه ؟

ج : الاكتحال نوعان : أحدهما اكتحال لتقوية البصر وجلاوة الغشاوة من العين وتنظيفها وتطهيرها بدون أن يكون له جمال ، فهذا لا بأس به ، بل أنه مما ينبغي فِعله ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل في عينيه ولا سيما إذا كان بالإثمد الأصلي . ومنها ما يقصد به الجمال والزينة فهذا للنساء لأن المرأة مطلوب منها أن تتجمل لزوجها ، وأما الرجال فأنا لا أدري ما الحكم ؟
الشيخ ابن عثيمين

10.gif


حكم صبغ اللحية بالسواد

س : ما حكم صبغ اللحية باللون الأسود ، وما حكم من يفعل ذلك ؟

ج : لا يجوز صبغ الشيب سواء كان في الرأس أو اللحية بالصبغ الأسود ، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في الأحاديث الصحيحة النهي عن ذلك ، ويُشرع تغييره بغير الأسود كالأحمر والأصفر وكالحناء والكتم مخلوطين لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " غيّروا هذا الشيب وجنبوه السواد " . رواه مسلم في صحيحه وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث جابر بن عبدالله – رضي الله عنهما – وقوله صلى الله عليه وسلم : " إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم " . متفق على صحته من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز

10.gif


حكم تقصير الحواجب للرجل

س : إذا كان شعر الحواجب كثيفًا فهل يجوز تقصيره قليلاً بدون قصد التشبه بالنساء أو تغيير بخلقة الله؟

ج : لا أرى جواز نتف هذا الشعر ولا تقصيره ولا حلقه، ذلك لأن الله تعالى أنبته للجمال والزينة وفيه حماية وصيانة للعين فإزالته من الرجل أو المرأة تغيير لخلق الله ، ولكن حيث كان أكثر ما يوجد في النساء ورد الوعيد بلعنهن على ذلك .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


حدود اللحية الشرعية ، وحكم حلق اللحية

س : أرجو من فضيلتكم بيان حكم حلق اللحية , أو اخذ شيء منها , وما هي حدود اللحية الشرعية ؟

ج : حلق اللحية محرم ، لأنه معصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أعفوا اللحى وحُفّوا الشوارب " . ولأنه خروج عن هدي المرسلين إلى هدي المجوس والمشركين . . .وحدّ اللحية - كما ذكره أهل اللغة - هي شعر الوجه واللحيين والخدين ، بمعنى أن كل ما على الخدين وعلى اللحيين والذقن فهو من اللحية ، وأخذ شيء منها داخل في المعصية أيضاً ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " أعفوا اللحى .. " وأرخوا اللحى .." " ووفروا اللحى ..." . وأوفوا اللحى .. " وهذا يدل على أنه لا يجوز أخذ شيء منها ، لكن المعاصي تتفاوت فالحلق أعظم من أخذ شيء منها، لأنه أعظم وأبْيَن مخالفة من أخذ شيء منها .
الشيخ ابن عثيمين

10.gif


س : ما حكم حلق اللحية ؟

ج : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " حفوا الشوارب وأعفوا اللحى " . وعدَّ من خصال الفطرة العشر قص الشارب وإعفاء اللحية . وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثَّ اللحية . وقال تعالى عن هارون : { يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي } . واللحية هي الشعر النابت على اللّحيين والذقن . فاللحيان هي منبت الأسنان السفلى والذقن هو مجمع اللحيين ، وحيث جاءت هذه الأوامر الصحيحة فإن من واجب المسلم طاعة الله ورسوله ، ولاتتم الطاعة إلا بتمام الامتثال ، فمن حلق اللحية فقد عصى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أعفوا اللحى ، أوفوا اللحى ، وفروا اللحى ، أرخو اللحى " فالحالق لها أو المقصّر قد أخلّ بالطاعة ووقع في المعصية فعليه التوبة والندم والله يتوب على من تاب . والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


حكم حلق اللحية وتوفير الشارب

س : لقد سمعت " أكرموا اللحى وحفوا الشوارب " فما حكم إبقاء الشوارب وحلق اللحية ؟

ج : صحيح ما سمعت من قوله صلى الله عليه وسلم : " حفوا الشوارب وأعفوا اللحى " أي : قصوا الشوارب فلا تطيلوها لما في ذلك من الأذى والتعريض للقذر ، فأما اللحية في جمال وزينة فلذلك حرّم الله حلقها . وأمرُ النبي صلى الله عليه وسلم بإعفائها وإرخائها فاتباعه وطاعته واجبة على أتباعه وأمته .
الشيخ ابن جبرين


يتبع
 
كتــاب الطهــارة

ص 191 / أحكام طهارة المريض

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد : لقد شرع الله سبحانه وتعالى الطهارة لكل صلاة ، فإن رفع الحدث وإزالة النجاسة سواء كانت في البدن أو الثوب أو المكان المصلى فيه شرطان من شروط الصلاة . فإذا أراد المسلم الصلاة وجب أن يتوضأ الوضوء المعروف من الحدث الأصغر ، أو يغتسل إن كان حدثه أكبر ، ولا بد قبل الوضوء من الاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالحجارة في حق من بال أو أتى الغائط لتتم الطهارة والنظافة ، وفيما يلي بيان لبعض الأحكام المتعلقة بذلك :

- فالاستنجاء بالماء واجب لكل خارج من السبيلين كالبول والغائط ، وليس على من نام أو خرجت منه ريح استنجاء ، إنما عليه الوضوء . لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة ولا نجاسة ها هنا .

والاستجمار يقوم مقام الاستنجاء بالماء ويكون بالحجارة أو ما يقوم مقامها ، ولا بد فيه من ثلاثة أحجار طاهرة فأكثر ، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من استجمر فليوتر " ، ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضا : " إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه " رواه أبو داود . ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن الاستجمار بأقل من ثلاثة أحجار ، رواه مسلم . ولا يجوز الاستجمار بالروث والعظام والطعام وكل ما له حرمة ، والأفضل أن يستجمر الإنسان بالحجارة ، وما أشبهها كالمناديل ونحو ذلك ، ثم يتبعها الماء . لأن الحجارة تزيل عين النجاسة والماء يطهر المحل ، فيكون أبلغ ، والإنسان مخير بين الاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالحجارة وما أشبهها. عن أنس رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء . متفق عليه . وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لجماعة من النساء مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء ، فإني أستحييهم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله . قال الترمذي : هذا حديث صحيح . وإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل ، لأنه يُطهر المحل ويزيل العين والأثر ، وهو أبلغ في التنظيف ، وإن اقتصر على الحجر أجزأه ثلاثة أحجار إذا نقّى بهن المحل فإن لم تكف زاد رابعا وخامسا حتى ينقي المحل ، والأفضل أن يقطع على وتر ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من استجمر فليوتر " ولا يجوز الاستجمار باليد اليمنى ، لقول سلمان في حديثه : " نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستنجي أحدنا بيمينه " ولقوله صلى الله عليه وسلم : " لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه " . وإن كان أقطع اليسرى أو بها كسر أو مرض ونحوهما ، استجمر بيمينه للحاجة ولا حرج في ذلك ، ولما كانت الشريعة الإسلامية مبنية على اليسر والسهولة ، خفف الله سبحانه وتعالى عن أهل الأعذار عباداتهم بحسب أعذارهم ليتمكنوا من عبادته تعالى بدون حرج ولا مشقة ، قال تعالى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } وقال : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } وقال: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وقال عليه الصلاة والسلام : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " ، وقال : " إن الدين يسر " .فالمريض إذا لم يستطع التطهر بالماء بأن يتوضأ من الحدث الأصغر أو يغتسل من الحدث الأكبر لعجزه أو لخوفه من زيادة المرض أو تأخر برئه ، فإنه يتيمم وهو : أن يضرب بيديه على التراب الطاهر ضربة واحدة ، فيمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه لقوله تعالى : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } ولقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " . وللمريض عدة حالات :
1- إن كان مرضه يسيرا لا يخاف من استعمال الماء معه تلفا ولا مرضا مخوفا ولا إبطاء برء ولا زيادة أم ولا شيئا فاحشا وذلك كصداع ووجع ضرس ونحوهما ، أويمكنه استعمال الماء الدافئ ولا ضرر عليه ، فهذا لا يجوز له التيمم . لأن إباحته لنفي الضرر ولا ضرر عليه ؛ ولأنه واجد للماء فوجب عليه استعماله .
2- وإن كان به مرض يخاف معه تلف النفس ، أو تلف عضو ، أو حدوث مرض يخاف معه تلف النفس أو تلف عضو أو فوات منفعة ، فهذا يجوز له التيمم . لقوله تعالى : { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } .
3- وإن كان به مرض لا يقدر معه على الحركة ولا يجد من يناوله الماء جاز له التيمم .
4- من به جروح أو قروح أو كسر أو مرض يضره استعمال الماء فأجنب ، جاز له التيمم للأدلة السابقة ، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك وتيمم للباقي .
5- مريض في محل لم يجد ماء ولا ترابا ولا من يحضر له الموجود منهما ، صلى على حسب حاله وليس له تأجيل الصلاة ، لقول الله سبحانه : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } .
6- المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته ، عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها ويغسل ما يصيب بدنه ، أو يجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن لم يشق عليه ذلك . لقوله تعالى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } وقوله : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } . وقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " ، ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته . ويبطل التيمم بكل ما يبطل به الوضوء ، وبالقدرة على استعمال الماء ، أو وجوده إن كان معدوما ، والله ولي التوفيق .

10.gif


ص 193 / كيف يتطهر المريض ؟

1- يجب على المريض أن يتطهر بالماء فيتوضأ من الحدث الأصغر ، ويغتسل من الحدث الأكبر .
2- فإن كان لا يستطيع الطهارة بالماء لعجزه أو خوف زيادة المرض أو تأخر بُرئه فإنه يتيمم.
3- كيفية التيمم : أن يضرب الأرض الطاهرة بيدية ضربة واحده يمسح بهما جميع وجهه ، ثم يمسح كفيه بعضهما ببعض .
4-فإن لم يستطع أن يتطهر بنفسه فإنه يوضئه أو ييممه شخص آخر .
5- إذا كان في بعض أعضاء الطهارة جرح فإنه يغسله بالماء ، فإن كان الغسل بالماء يؤثر عليه مسحه مسحاً فيبل يده بالماء ويمرها عليه ، فإن كان المسح يؤثر عليه أيضاً فإنه يتيمم عنه .
6- إذا كان في بعض أعضائه كسر مشدود عليه خرقة أو جبس فإنه يمسح عليه بالماء بدلاً من غسله ولا يحتاج للتيمم لأن المسح بدل عن الغسل .
7- يجوز أن يتيمم على الجدار ، أو على شيء آخر طاهر له غبار ، فإن كان الجدار ممسوحاً بشيء من غير جنس الأرض كالبوية فلا يتيمم عليه إلا أن يكون له غبار .
8- إذا لم يمكن التيمم على الأرض أو الجدار أو شيء آخر له غبار فلا بأس أن يوضع تراب في إناء أو منديل ويتيمم منه .
9- إذا تيمم لصلاة وبقي على طهارته إلى وقت الصلاة الأخرى فإنه يصليها بالتيمم الأول ، ولا يعيد التيمم للصلاة الثانية ، لأنه لم يزل على طهارته ، ولم يجد ما يبطلها .
10- يجب على المريض أن يُطهِّر بدنه من النجاسات فإن كان لا يستطيع صلى على حاله وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه .
11-يجب على المريض أن يصلي بثياب طاهرة فإن تنجست ثيابه وجب غسلها أو إبدالها بثياب طاهرة ، فإن لم يمكن صلى على حاله وصلاته صحيحة ، ولا إعادة عليه .
12- يجب على المريض أن يصلي على شيء طاهر ، فإن تنجس مكانه وجب غسله أو إبداله بشيء طاهر ، أو يفرش عليه شيئاً طاهراً ، فإن لم يمكن صلى على حاله وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه .
13- لا يجوز للمريض أن يؤخر الصلاة عن وقتها من أجل العجز عن الطهارة ، بل يتطهر بقدر ما يمكنه من ثمُ يصلي الصلاة في وقتها ، ولو كان على بدنه وثوبه أو مكانه نجاسة يعجز عنها .

10.gif


س 194 / النجاسة اليابسة لا تضر

س : هل البول الجاف لا ينجس الملابس . اي أنه عندما يبول الطفل على الأرض ويبقى البول حتي يجف دون أن يغسل فيأتي أحد ويجلس على البول وهو جاف فهل تصيب ثيابه نجاسة ؟

ج : لا يضر لمس النجاسة اليابسة بالبدن والثوب اليابس ، وهكذا لا يضر دخول الحمام اليابس حافيًا مع يَبَس القدمين لأن النجاسة إنما تتعدى مع رطوبتها .

10.gif


حكم استعمال الطيب الذي فيه نسبة من الكحول في تطهير الجروح

س : هل يجوز الاستخدام الظاهري للروائح والعطور التي تحتوي على نسبة من الكحول كما في تطهير الجروح وغير ذلك ؟

ج : الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى توضيح أمرين : أوّلاً : هل الخمر نجس أم لا ؟ وهذا ما اختلف أهل العلم فيه .. فأكثرهم قال : بأن الخمر نجس نجاسة حسية ؛ بمعنى أنه إذا أصاب الثوب أو البدن وجب التطهر منه . ومن أهل العلم من يقول إن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية ، وذلك لأن النجاسة حكم شرعي يحتاج إلى دليل وليس هناك دليل على ذلك . وإذا لم يثبت بدليل شرعي أن الخمر نجس فإن الأصل هو الطهارة .. وقد يقول قائل إن الدليل من كتاب الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فإنه أي المطعوم المذكور من الميتة ولحم الخنزير والدم المسفوح (فإنه رجس) أي نجس ، والدليل على أن المراد بالرجس هنا النجس قوله صلى الله عليه وسلم في جلود الميتة أن الماء يطهرها ، فقوله " يطهرها " دليل على أنها كانت نجسة ، وهذا أمر معلوم عند أهل العلم .. ولكن يجاب على ذلك بأن المراد بالرجس هنا الرجس العملي ، لا الرجس الحسي بدليل قوله : { رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } وبدليل أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجسة نجاسة حسية ، والخبر هنا فيه إخبار عن الأربعة : الخمر والميسر والأنصاب والأزلام .. فإذا كان خبراً عن هذه الأمور الأربعة فهو حكم عليها جميعاً بحكم تتساوى فيه . ثم إن عند القائلين بأن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية لديهم دليل آخر من السنة ، وهو أنه لما نزل تحريم الخمر لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الأواني منها ، وكذلك فإن الصحابة أراقوها في الأسواق ولو كانت نجسة ما أراقوها في الأسواق لما يلزم من تلويثها وتنجيس المارة بها . ثانيًا : إذا تبين أن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية وهو القول الراجح عندي فإن الكحول لا تكون نجسة نجاسة حسية بل نجاستها معنوية ، لأن الكحول المسكرة خمرٌ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " كل مسكر خمر " ، وإذا كانت خمراً فإن استعمالها في الشرب أو الأكل بأن تمزج بشيء مأكول يظهر تأثيرها فيه حرام بالنص والإجماع .. وأما استعمالها في غير ذلك كالتطهير من الجراثيم ونحوه فإنه موضعُ نظر فمن تجنبه فهو أحوط .. وأنا لا أستطيع أن أقول إنه حرام لكني لا استعمله بنفسي إلا عند الحاجة مثل تعقيم الجروح وغير ذلك .
الشيخ ابن عثيمين

10.gif


ص 195 / حكم طهارة من ابتلي بخروج الريح باستمرار

س : إذا كان المسلم مريضًا بمرض يجبره على إخراج من دبره بالقوة ، ويواجه هذا المسلم صعوبة شديدة في صد خروج الريح . فهل إذا خرج الريح والمسلم المريض يصلي يفسد وضوؤه وصلاته أم لا قياسًا على خروج البول في مرض سلس البول ؟

ج : عليه محاولة حفظ طهارته مهما استطاع ، فإن كان خروج الريح منه غير مستمر وإنما يخرج في بعض الأحيان فإنه ينقض الوضوء ، فإن كان دائمًا وفي كل وقت لا ينقطع معه في المجلس والفرش والركوب والمسير ، ولا يستطيع التحكم في إمساكه ويجد مشقة في الإمساك ، فإنه معذور ، ولاينتقض وضوؤه بمجرد الخروج عن الوضوء أو في الصلاة ، فهو مُلْحق بمن حدثه دائم لكن عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول الوقت .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


ص 196 / الوسواس في البول

س : فضيلة الشيخ ، عندما أبول وأفرغ من البول تخرج نقط من البول ، وهذا المرض لازمني منذ خمسة شهور ، وذهبت إلى المستشفى دون جدوى ، وأصلي الصلوات الخمس على هذه الحالة ، فهل أصلي أم لا ؟ وما ذا أفعل ؟ أرشدوني جزاكم الله خيرًا .

ج : عليك يا أخي أولاً أن تحتاط لطهارتك ، فتتوضأ قبل دخول الوقت بنصف ساعة أو نحوها بعد أن تتبول وينقطع أثر البول منك ، رجاء أن يتوقف قبل حضور وقت الصلاة ، وعليك ثانياً : بعد كل تبول أن تغسل فرجك بالماء البارد الذي يقطع البول ويفيد في توقف النقط ، وإذا كانت هذه النقط وسواساً أو توهمًا فعليك بعد الاستنجاء أن ترش سراويلك وثوبك بالماء ، حتى لا يوهمك الشيطان إذا رأيت بللاً أنه من البول ، حيث يتحقق أنه الماء الذي صببته على ثيابك فأما إن كان هذا التبول استمر معه أو بعده النقط ولا يتوقف لمدة ساعات فإنه سَلس ، فحكم صاحبه حكم مَن حدَثُه دائم ، فلا يتوضأ إلا بعد دخول الوقت ، ويلزمه الوضوء لكل صلاة ، ولا يضره ما خرج منه بعد الوضوء في الوقت ، ولو أصاب ثوبه أو بدنه بعد أن يعمل ما يستطيعه من أسباب التحفظ والنقاء والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


الوسواس في الوضوء

س : عندما أتوضأ للصلاة وفي أثناء الوضوء أشعر بأن شيئا يخرج من الذكر ، فهل يعني هذا : أنني تنجست أم لا؟ وهل إذا أحسست بخروجه وأنا أصلي تبطل صلاتي أم لا؟

ج : إحساس المصلي بشيء يخرج من دبره أو قبله لا يبطل وضوءه ، ولا يلتفت إليه؛ لكونه من وساوس الشيطان ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن مثل هذا ، فقال : "لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا "متفق على صحته . أما إن جزم المصلي بخروج الريح أو البول ونحوهما يقينا ، فإن صلاته تبطل؛ لفساد طهارته ، وعليه أن يعيد الوضوء والصلاة .

10.gif


ص 197 / الشك في طهارة البقعة

س : عندما ينقل أحدنا من شقة إلى أخرى مع الملاحظة أن جميع أو أغلب الشقق تكون مفروشة «أي الارضية» فهل يجوز لأحدنا أن يصلي عليها لعدم علمنا عن الساكنين السابقين هل هم مسلمون أم لا ؟

ج : الأصل في الأشياء الطهارة ،فلا يحكم على شيء أو محل بأنه نجس الا بدليل يدل على أن هذا الشيء نجس وأن هذه النجاسة المنصوص عليها موجودة في هذا المحل ، وإذا لم يتحقق هذان الأمران فإن المسلم يصلي وتكون صلاته صحيحة . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة


يتبع
 
خروج الريح باستمرار

س : أنا مريض بمرض لا يمكنني المداومة على وضوئي ، ولهذا فتشق علي الصلاة والقرآن وكل العبادات التي يلزمها الوضوء . وذلك رغمًا عني وبغير قصدي فلا يأتيني الريح إلا عندما يلامس ماء الوضوء بشرتي . ولهذا أحس بضيق الأخلاق عند الصلوات التي يلزمها جلوس كصلاة الجمعة والعيدين والصلاة العادية المفروضة وقراءة القرآن الكريم ، ولا أستريح إلا عندما أنقضُ وضوئي ، فتصير صلاتي بالمرض من غير اطمئنان لأني خائف على وضوئي . فهل لي من رخصة أو جواز يخفف من حدة هذا المرض ولو بالقياس على " الفالج " ؟ أفيدوني بالحل أثابكم الله .

ج : يظهر أن هذا من الوسوسة التي يُبتلى بها الكثير من الناس في الوضوء والصلاة ، فأنت إن كان الأمر كما ذكرت فإنك معذور مقيس على مَن حدثُه دائم كصاحب سلس البول ، فعليك أن تتوضأ إذا دخل الوقت أو قربت الإقامة ، وتتحفظ بقدر الجهد عن ما ينقض وضوءك ، فإذا غلبك ولم تستطع إمساك الريح فصلاتك صحيحة إن شاء الله ، لوجود هذا الأمر الخارج عن الاختيار والذي هو شبه الاضطرار . والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


وجد نجاسة بعد الصلاة في ملابسه

س : رجل صلى الصلاة ، وبعدها بفترة وجد في ملابسه نجاسة فهل يعيد الصلاة ؟ علما بأن الصلاة قبل خمسة أشهر .

ج : إذا كان لم يعلم نجاستها إلا بعد الفراغ من الصلاة فصلاته صحيحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبره جبرائيل وهو في الصلاة : أن في نعليه قذرًا ، خلعهما ، ولم يُعد أول الصلاة .
وهكذا لو علمها قبل الصلاة ثم نسي فصلى فيها ، ولم يذكر إلا بعد الصلاة . لقول الله عز وجل :{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله قد استجاب هذا الدعاء . رواه مسلم في صحيحه .
الشيخ ابن باز

10.gif


ص 199 / من ابتلي بسلس البول

س : شخص مصاب بسلس البول ، هل يجوز له تأخير تبوله حتى نهاية الصلاة ؟

ج : من ابتلي بسلس البول فعليه علاج ذلك حسب الطاقة ، فإن كان أوهامًا ووساوس شيطان فلا يلتفت إليها بل يبني على الأصل وهو الطهارة ، حتى يتحقق خروج الخارج الذي لا ينقض الوضوء إلا بيقين ، فإنْ كان خروج البول مستمرًا لا ينقطع دائمًا صلى على حسب حاله ، فإن استطاع تخفيفه فعل ، ولو بجعل قطعة أو خرقة على رأس الذكر ونحوه ، أو جعله في باغة أو لفافة تحفظ البول عن تلويث ثيابه ، فإن كان لا يخرج إلا بعد البول فعليه أن يتبول قبل الصلاة بزمن يكفي لانقطاعه ، ويغسل فرجه بالماء ، فإن غسّله بالماء البارد يوقف خروجه ، ويحرص أن لا يطول زمن تبوّله فإن خاف أن يتمادى به فتفوته الصلاة فله تأخيره إلى انقضاء الصلاة إن لم يحصل به حرق وإحصار شديد يضايقه في الصلاة . والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


حكم حمل الدخان في الصلاة حكم الماء الذي سقط فيه صرصار

س : مـاحكم الصلاة إذا كان الشخص يحمل معه دخاناً ؟ وما حكم المـاء الذي سقط فيه صرصار ؟

ج : تحريم الدخان متفق عليه بين العلماء المحققين ، وذلك لضرره في الدين والمال والبدن ولخبثه وقبح آثاره على متعاطيه . ولكن لا أتذكر أنهم حكموا بأنه نجس العين أي كالبول والغائط ، ومع ذلك فنظراً لتحريمه وخبثه فإني أكره حمله في أثناء الصلاة وإدخاله المساجد وإن كان داخل علبة ، ولكن لا آمر من خالف هذا بإعادة الصلاة للتوقف في نجاسته العينية .
يرى كثير من العلماء أن الماء الذي وقع فيه شيء من الصراصير نجس يجب إراقته ، لأنها متولدة من النجاسات ويعني بها صراصير الكنيف ، بخلاف صراصير الآبار ، ولكن الراجح أنه لا يسلب الماء الطهورية ، فإنه _ وإن تولد من نجاسة _ لكنه استحال إلى مالا يظهر فيه أثر النجاسة وأيضاً فإن الماء على الصحيح لا ينجس إلا بالتغير ، وهذه الدابة لا تغير شيئاً من أوصافه غالباً فيبقى على طهوريته إن شاء الله تعالى .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


ص 200 / حكم استخدام الكافر في الطبخ والتغسيل

س : عندنا خدامة غير مسلمة ، فهل يجوز لي أن أتركها تغسل الملابس وأنا أصلي بها ، وهل آكل مما تطبخ _ وهل يحل لي أن أعيب دينهن وأبين لهن بطلانه ؟ !

ج : يجوز استخدام الكافر واستعماله في الطبخ والتغسيل ونحو ذلك ، والأكل من الطعام الذي يطبخه ولبس الثوب الذي يخيطه أو يغسله ، فإنَّ بدنه في الظاهر نظيف ونجاسته معنوية وقد كان الصحابة يستخدمون الإماء والعبيد والكفار ، ويأكلون مما يُجلب لهم من بلاد أهل الكفر لعلمهم بأن أبدانهم طاهرة حسيّاً . لكن ورد الحديث بغسل أوانيهم قبل الطبخ فيها إذا كانوا يشربون فيها الخمر ويطبخون فيها الميتة والخنزير ، وغسل ثيابهم التي تلي عوراتهم . فأما عيْب دينهم وبيان بطلانه فذلك جائز ، ويراد ما هم عليه من الدين الحالي فإنه إما مبتدع كالوثنية وإما ما مغيِّر أو منسوخ كالنصرانية ، فالعيب يقع على الدين المغير المبدّل ، لكن عليك أن تدعوهم إلى الإسلام وتشرح لهم تعاليمه وفضله وما تضمنه ، مع بيان الفرق بينه وبين غيره من الأديان .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


ص 201 / حكم التبول قائمًا

س : هل تبوّل الإنسان واقفًا حرام أم حلال ؟

ج : لا يحرم تبول الإنسان واقفًا ، لما ثبت في الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، أتى سباطة قوم فبال قائمًا . وقد رويت الرخصة في البول قائمًا عن عمر وعلي وابن عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهم لله للحديث المذكور . لكن يُسنّ له أن يتبول قاعدًا لقول عائشة رضي الله عنها : مَن حدّثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائمًا فلا تصدقوه ما كان يبول إلا قاعدًا ، رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي . وقال : هذا أصح شيء في هذا الباب ، ولآنه أستر له وأحفظ من أن يصيبه من رشاش بول .
اللجنة الدائمة

10.gif


عليك أن تتحفظ من نجاسة البول

س : أكتشفُ أحياناً بعد صلاتي أن في ملابسي بعض القطرات من البول أو النجاسة ، وأحياناً يكون اكتشافي لهذه النجاسة في اليوم الثاني ، فهل صلاتي السابقة صحيحة ؟ وهل علي شيء ؟

ج : عليك أن تتحفظ من نجاسة البول ونحوه ، فلا تبدأ في الاستنجاء والوضوء إلا بعد انقطاع البول ، فإن كان معك تقطير أو شبه سَلس فقدِّم التبول قبل وقت الصلاة بساعة أو نحوها وانتظر انقطاعه ، ثم توضأ ، فإذا خشيت من الوسوسة فَرُشَّ على ثوبك وسراويلك من الماء حتى لا يقول لك الشيطان أن هذا البلل من البول ، فإن كان السلس مستمراً دائماً جازت الصلاة معه ولكن لا تتوضأ إلا بعد الأذان ، فإن كان منقطعاً ورأيت بللاُ وتحققت أنه قبل الصلاة فالأحوط إعادة تلك الصلاة ، وإن شككت في ذلك فلا إعادة إن شاء الله تعالى .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


من أحدث في الصلاة فليقطعها

س : ( دخل أحدهم في الصلاة وكان في الصف الأول ، ثم أحدث واستمر في صلاته حتى لا يقعطها ويضطر إلى تخطي الصفوف الخلفية وإرباكها وإضاعة خشوع المصلين ، فما حكم ذلك ؟ ) .

ج : نرجو أن يعفو الله عنه ، والواجب إذا أحدث الإنسان وهو في الصلاة أو تذكر أنه على غير طهارة أن يقعطع صلاته ويذهب ليتوضأ ، ويعود ويصلي ما يدرك من صلاة الجماعة . وأما صفوف المأمومين فسُترة إمامهم سترة لهم ، فإذامرَّ بين يدي المأمومين فلا حرج ، ويجب عليه أثناء الخروج من الصف الهدوء والسكينة لئلا يشوش على المصلين .
الشيخ ابن باز

10.gif


ص 202/ حكم المعاطف المصنوعة من جلو الخنازير

س : تعرضنا في الآونة الأخيرة إلى نقاش حاد في قضية لبس المعاطف الجلدية . ومن الإخوان مَن يرى أن هذه المعاطف تصنع - عادة - من جلود الخنازير . وإذا كانت كذلك فما رأيكم في لباسها ؟ وهل يجوز لنا ذلك دينيا ؟ علما أن بعض الكتب الدينية كالحلال والحرام للقرضاوي ، والفقه على المذاهب الأربعة قد تطرقا إلى هذه القضية ، إلا أن إشارتهما كانت عَرضية إلى المشكلة ، ولم يوضحا ذلك بجلاء . فنرجو توضيح ذلك .

جـ : قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا دبغ الإهاب فقد طهر " ، وقال : " دباغ جلود الميتة طهورها " ، واختلف العلماء في ذلك ، هل يعم هذا الحديث جميع الجلود أم يختص بجلود الميتة التي تحل بالذكاة ، ولا شك أن ما دبغ من جلود الميتة التي تحل بالذكاة كالإبل والبقر والغنم طهور يجوز استعماله في كل شيء في أصح أقوال أهل العلم .. أما جلد الخنزير والكلب ونحوهما مما لا يحل بالذكاة ففي طهارته بالدباغ خلاف بين أهل العلم ؛ والأحوط ترك استعماله ، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه " وقوله عليه الصلاة والسلام : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " .
الشيخ ابن باز

10.gif


شك في نجاسة ثوبه وهو يصلي

س : إذا شك الإمام في نجاسة ثوبه ولم ينصرف من الصلاة لمجرد الشك ، فلما أنهى الصلاة وجد النجاسة في ثوبه فما الحكم ؟ وهل ينصرف من الصلاة في مثل هذه الحالة لمجرد الشك أم ينتظر إلى أن يقضي صلاته ؟

ج : إذا شك المصلي في وجود نجاسة في ثوبه وهو في الصلاة لم يجز له الانصراف منها ، سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا ، وعليه أن يُتم صلاته ، ومتى علم بعد ذلك وجود النجاسة في ثوبه فليس عليه قضاء في أصح قولي العلماء ؛ لأنه لم يجزم بوجودها إلا بعد الصلاة . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خلع نعليه وهو في الصلاة لما أخبره جبرائيل عليه السلام : أن بهما قذرا ، ولم يعد أول الصلاة ، بل استمر في صلاته .. والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز

10.gif


ص 203 / حكم التطيب بالكولونيا

س : كثر الجدل حول التطيب بمادة الكولونيا ، فهل يُشرع للمسلم المتوضئ أن يجدد وضوءه منها أو يغسل ما وقعت عليه من جسده ؟

ج : الطيب المعروف بالكولونيا لا يخلو من المادة المعروفة بـ ( السبرتو ) وهي مادة مسكرة حسب إفادة الأطباء ، فالواجب ترك استعماله ، والاعتياض عنه بالأطياب السليمة . أما الوضوء منه فلا يجب ، ولا يجب غسل ما أصاب البدن منه؛ لأنه ليس هناك دليل واضح على نجاسته . والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز

10.gif


وضع الحناء على الرأس

س : امرأة توضأت ثم وضعت الحناء فوق رأسها - حنت شعر رأسها - وقامت لصلاتها هل تصح صلاتها أم لا ؟ وإذا انتقض وضوءها فهل تمسح فوق الحناء أو تغسل شعرها ثم تتوضأ الوضوء الأصغر للصلاة ؟

ج : وضع الحناء على الرأس لا ينقض الطهارة ، إذا كانت قد فرغت منها ، وإذا توضأت وعلى رأسها حناء أو نحوه من الضمادات التي تحتاجها المرأة ، فلا بأس بالمسح عليه في الطهارة الصغرى . أما الطهارة الكبرى : فلا بد أن تفيض عليه الماء ثلاث مرات ، ولا يكفي المسح؛ لما ثبت في صحيح مسلم ، عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت يا رسول الله : "إني أشد شعر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة والحيض ؟ قال : " لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليه الماء فتطهرين " . وإن نقضته في الحيض وغسلته كان أفضل ؛ لأحاديث أخرى وردت في ذلك . والله وليّ التوفيق .
الشيخ ابن باز

10.gif

204 / حكم المذي

س : تخرج نقط من سائل ليس له لون مثل الماء من الذكر بعد شهوة فقط ، هل يجب علي الغسل أم ماذا أفعل ، وهل هذا السائل إذا وقع على الجسم أو الثوب يكون نجسًا ، وماذا أفعل ؟ أرشدوني أرشدكم الله وجزاكم الله خيرًا .

ج : هذا السائل هو المذي المشهور وهو ماء أبيض لزج يخرج بعد الشهوة أو تذكّر الوطء ونحو ذلك ، وهو يوجب الغسل ويغسل إذا وقع على الثوب , وأما الاغتسال فلا يجب إلا من خروج المني دفقًا مع لذة ، والمني ماء أصفر معروف والفرق بينهما ظاهر لونًا وحُكمًا . والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين


يتبع
 
[ الوضوء والتيممم والغسل ]

انتقاض الوضوء أثناء الصلاة أو قرآءة القرآن بصوت أو ريح

س : ينتقض وضوئي في الصلاة ، وفي قراءة القرآن بواسطة الريح ، سواء بصوت أو برائحة فقط ، فأعيد الوضوء كلما انتقض ، ولكن هناك إحدى الأخوات في الله قالت لي : أنه ليس عليك إعادة الوضوء عدة مرات ، ولكن بوضوء واحد تصلين ، وإن انتقض الوضوء فعليك إعادة الوضوء مرة ثانية ، وإن انتقض الوضوء ثالثة فلا يلزمك إعادة الوضوء ، فهل هذا صحيح ، وماذا أفعل في هذه الحال ؟

ج : إذا انتقض وضؤوك في الصلاة عن يقين بسماع الصوت أو بوجود الرائحة ، فعليك أن تعيدي الوضوء والصلاة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة " . رواه أهل السنن بإسناد حسن ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ " متفق على صحته ، إلا إذا كان الحدث معك دائما ، فإن عليك أن تتوضئي للصلاة إذا دخل الوقت ، ثم تصلي - ما دام الوقت - الفرض والنفل ولا يضرك ما خرج منك في الوقت؛ لأن هذه الحال حالة ضرورة يعفى فيها عما يخرج من صاحب الحدث الدائم إذا توضأ بعد دخول الوقت؛ لأدلة كثيرة : منها قوله سبحانه : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } ، ومنها : حديث عائشة رضي الله عنها في قصة المستحاضة حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : " ثم توضئي لوقت كل صلاة " .أما القراءة فلا حرج عليك أن تقرئي عن ظهر قلب ، وإن كنت على غير طهارة ، إلا في حال الجنابة فلا تقرئي حتى تغتسلي ، وليس لك مس المصحف إلا على طهارة من الحدث الأكبر والأصغر ، إلا إذا كان الحدث دائما ، فإنه لا حرج عليك إذا توضأت لوقت كل صلاة أن تصلي ، وتقرئي من المصحف وعن ظهر قلب؛ لما تقدم في حكم الصلاة . وفق الله الجميع .
الشيخ ابن باز

10.gif
icon.aspx


ص 205 / لمس المرأة لا ينقض الوضوء

س : ما حكم الشرع في لمس الرجل للمرأة الأجنبية باليد دون حائل ، هل ينقض الوضوء أم لا ؟ وما المقصود بالمرأة الأجنبية ؟

ج : لمس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا في أصح أقوال أهل العلم ؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبّل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ . وليس للمرأة أن تصافح أحدا من الرجال غير محارمها ، كما أنه ليس للرجل أن يصافح امرأة من غير محارمه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إني لا أصافح النساء " ، ولما ثبت عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبايع النساء بالكلام فقط قالت : ( وما مست يده يد امرأة قط ) .وقد قال الله سبحانه : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } ، ولأن مصافحة النساء للرجال ومصافحة الرجال للنساء من غير المحارم من أسباب الفتنة للجميع ، وقد جاءت الشريعة الإسلامية الكاملة بسد الذرائع المفضية إلى ما حرم الله . ومما تقدم يعلم أن المرأة الأجنبية : هي التي ليس بينها وبين الرجل ما يحرمها عليه بنسب أو سبب مباح ، هذه هي الأجنبية ، أما من تحرم على الرجل نسبًا كأمه وأخته وعمته ، أو بسبب شرعي كالرضاعة والمصاهرة فهي ليست أجنبية . وبالله التوفيق .
الشيخ ابن باز

10.gif


ص 206 / أكل لحم الإبل

س : هل يجب الوضوء من مرق لحم الجمل ، والطعام الذي طبخ به لحم الجمل ؟

ج : لا يجب الوضوء من ذلك ، ولا من لبن الإبل ، وإنما يجب الوضوء من أكل لحم الإبل خاصة في أصح أقوال العلماء ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " توضؤوا من لحوم الإبل ولا توضؤوا من لحوم الغنم " . أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي بإسناد صحيح ، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما ، وأخرج مسلم في صحيحه ، عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، أنتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال : نعم ، والمرق لا يسمى لحما ، وهكذا الطعام واللبن ، ومثل هذه الأمور توقيفية لا دخل للقياس فيها . والله أعلم .
الشيخ ابن باز

10.gif


أدعية الوضوء وهل يجزئ الغسل عن الوضوء

س : هل يوجد هناك أدعية تقال عند الوضوء ؟! وهل الغسل يكفي عن الوضوء ؟!

ج : تجب التسمية عند الوضوء ، فيقول المتوضيء : بسم الله عند المضمضة أو غسل اليدين قبلها ، ثم إذا فرغ من الوضوء رفع بصره إلى السماء فقال : أشهد أن لا لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين . وله أن يأتي بكفارة المجلس عند القيام من الوضوء فيقول : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ، ولم يصح عند الوضوء سوى ما ذكرنا . مَن وجب عليه الاغتسال سُنّ له أن يقدم الوضوء قبله فيتوضأ وضوءاً كاملاً ، ثم يغتسل بعده ويتحفظ عن مس ذكره أو فرجه حال الغسل حتى لا ينتقض وضوؤه ، فإذا انتهى كفاه عن إعادة الوضوء ، فإن لم يتوضأ واكتفى بالغسل ورتب أعضائه الوضوء كفاه عن الوضوء إن شاء الله .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


ص 207 / سرق لحم الإبل لا ينقض الوضوء

س : ما الحكمة في أن لحم الإبل يبطل الوضوء ، وهل حساء لحم الإبل يبطل الوضوء أيضًا ؟

ج : قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالوضوء من لحم الإبل ولم يبين لنا الحكمة ، ونحن نعلم أن الله سبحانه حكيم عليم ، لا يشرع لعباده إلا ما فيه الخير والمصلحة لهم في الدنيا والآخرة ، ولا ينهاهم إلا عن ما يضرهم في الدنيا والآخرة . والواجب على المسلم أن يتقبل أوامر الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم ويعمل بها ، وإن لم يعرف عين الحكمة ، كما أن عليه أن ينتهي عما نهى الله عنه ورسوله ، وإن لم يعرف عين الحكمة ؛ لأنه عبد مأمور بطاعة الله ورسوله ، مخلوق لذلك ، فعليه الامتثال والتسليم ، مع الإيمان بأن الله حكيم عليم ، ومتى عرف الحكمة فذلك خير إلى خير . أما المَرَق من لحم الإبل ، وهكذا اللبن ، فلا يبطلان الوضوء ، وإنما يبطل ذلك اللحم خاصة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " توضؤوا من لحوم الإبل ولا توضؤوا من لحوم الغنم " . وسأله رجل فقال : يا رسول الله أنتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : نعم . قال أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال إن شئت " وهما حديثان صحيحان ثابتان عن النبي صلى الله عليه وسلم .
الشيخ ابن باز

10.gif


حكم التسمية قبل الوضوء

س : توضأت ولم أذكر أنني لم أسمِّ إلا بعد الفراغ من غسل اليدين ، وكلما ذكرت أعدت مرة أخرى ، فما حكم ذلك ؟

ج : قد ذهب جمهور أهل العلم إلى صحة الوضوء بدون تسمية . وذهب بعض أهل العلم إلى وجوب التسمية مع العلم والذكر؛ لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه " ، لكن من تركها ناسيا أو جاهلا فوضوؤه صحيح ، وليس عليه إعادته ولو قلنا بوجوب التسمية ؛ لأنه معذور بالجهل والنسيان . والحجة في ذلك قوله تعالى : { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } . وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن الله سبحانه قد استجاب هذا الدعاء .
الشيخ ابن باز

10.gif


ص 208 / النوم ينقض الوضوء

س : رأيت بعض الناس ينامون في البيت الحرام قبل الظهر والعصر مثلاً ، ثم يحضر المنبه للناس لإيقاظهم للصلاة فيقومون للصلاة دون أن يتوضؤوا ، وهكذا بعض النساء أيضا ، فما حكم ذلك ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا .

ج : النوم ينقض الوضوء إذا كان مستغرقًا قد أزال الشعور؛ لما روى الصحابي الجليل صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم . أخرجه النسائي ، والترمذي واللفظ له ، وصححه بن خزيمة . ولما روى معاوية رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " العين وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء " رواه أحمد ، والطبراني ، وفي سنده ضعف ، لكن له شواهد تعضده ، كحديث صفوان المذكور ، وبذلك يكون حديثا حسنا .
وبذلك يُعلم أن من نام من الرجال أو النساء في المسجد الحرام أو غيره فإنه تنتقض طهارته ، وعليه الوضوء ، فإن صلى بغير وضوء لم تصح صلاته ، والوضوء الشرعي : هو غسل الوجه مع المضمضة والاستنشاق ، وغسل اليدين مع المرفقين ، ومسح الرأس مع الأذنين ، وغسل الرجلين مع الكعبين ، ولا حاجة إلى الاستنجاء من النوم ونحوه كالريح ، ومس الفرج ، وأكل لحم الإبل . وإنما يجب الاستنجاء أو الاستجمار من البول أو الغائط خاصة ، وما كان في معناهما قبل الوضوء .
أما النعاس فلا ينقض الوضوء . لأنه لا يذهب معه الشعور ، وبذلك تجتمع الأحاديث الواردة في هذا الباب . والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز

10.gif


يشك في طهارته السابقة فهل يعيد

س : رجل كان مرة يتوضأ ، فلفتَ نظره أحدُ الناس إلى لُمعة في قدمه ، وفي مرة أخرى لفت نظهر إلى لمعة مشابهة مما أوجب لديه الشك أن لا يحسن الوضوء قبل ذلك . ويسأل عن حالته السابقة التي يشك في صحة وضوئه فيها ، وكذلك غسله من الجنابة ، هل يعيد صلواته أم ماذا يفعل ؟

ج : كون السائل لفت نظره مرة أو مرتين إلى لمعة في قدمه لم يَصلها الماء حينما توضأ ، لا يعني الحكم على طهاراته الأخرى أنها غير صحيحة ، لأن الأصل إن شاء الله أنه توضأ وضوءًا صحيحًا ، ولا ينتقض الأصل بالشكوك ، وكذا الأمر بالنسبة إلى غسله من الجنابة ، الأصل سلامته ولا إعادة عليه لما مضى من صلواته .
اللجنة الدائمة

10.gif


صلى بعد النوم دون أن يتوضأ

س : رأيت بعض الحجاج نائمًا مستلقيًا بعد أن صلى صلاة الليل نومًا عميقًا ، ثم بعد أن دخل وقت الصبح استيقظ وصلى بلا تجديد وضوء ، فما حكم هذه الصلاة ؟

ج : إذا كان الواقع كما ذكرتَ من أنه نام مستلقيًا نومًا عميقًا بعد أن صلى فقد انتقض وضوؤه على الصحيح

10.gif


حكم التيمم مع وجود الماء

لفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز :

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن والاه ، أما بعد : فقد ذكر لي بعض الثقات : أن بعض البادية يستعملون التيمم مع توافر الماء لديهم ، وهذا منكر عظيم يجب التنبيه عليه؛ وذلك لأن الوضوء للصلاة شرط من شروط صحتها عند وجود الماء ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } الآية . وفي الصحيحين ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تُقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ " ، وقد أباح الله سبحانه وتعالى التيمم ، وأقامه مقام الوضوء في حال فقد الماء ، أو العجز عن استعماله ، لمرض ونحوه ؛ للآية السابقة ، ولقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا } . وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصلى بالناس فإذا هو برجل معتزل فقال : " ما منعك أن تصلي ؟ " قال : أصابتني جنابة ولا ماء ، قال صلى الله عليه وسلم : " عليك بالصعيد فإنه يكفيك " ، متفق عليه .
ومن هذا يُعلم : أن التيمم للصلاة لا يجوز مع وجود الماء والقدرة على استعماله ، بل الواجب على المسلم أن يستعمل الماء في وضوئه وغسله من الجنابة أينما كان ، ما دام قادرا عليه ، وليس بمعذور في تركه والاكتفاء بالتيمم ، وتكون صلاته حينئذ غير صحيحة ؛ لفقد شرط من شروطها ، هو : الطهارة بالماء عند القدرة عليه .
وكثير من البادية - هداهم الله - وغيرهم ممن يذهب إلى النزهة يستعملون التيمم ، والماء عندهم كثير ، والوصول إليه ميسر ، وهذا بلا شك تساهل عظيم ، وعمل قبيح ، لا يجوز فعله ؛ لكونه خلاف الأدلة الشرعية ، وإنما يعذر المسلم في استعمال التيمم إذا بعد عنه الماء ، أو لم يبق عنده منه إلا اليسير الذي يحفظه لإنقاذ حياته وأهله وبهائمه ، مع بُعد الماء عنه .
فالواجب على كل مسلم أينما كان أن يتقي الله سبحانه في جميع أموره ، وأن يلتزم بما أوجب الله عليه ، ومن ذلك : الوضوء بالماء عند القدرة عليه ، كما يلزمه أن يحذر ما حرمه الله ، ومن ذلك : التيمم مع وجود الماء والقدرة على استعماله . وأسأل الله أن يوفقنا والمسلمين جميعا للفقه في دينه والثبات عليه ، وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا . إنه جواد كريم ، وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه .
الشيخ ابن باز

10.gif


ص 211 / من عجز عن غسل عضو أو مسحه فإنه يتيمم عنه

س : لو توضأ إنسان وبيده جرح لا يصله الماء ، وكان يتيمم عنه ، ونسي وصلى بدون تيمم فذكر وهو في صلاته فتيمم دون أن يقطع الصلاة واستمر بصلاته ، فما حكم هذه الصلاة ؟ هل هي باطلة أو صحيحة ؟

ج : إذا كان في موضع من مواضع الوضوء جرح ولا يمكن غسله ولا مسحه ؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن هذا الجرح يزداد أو يتأخر برؤه ، فالواجب على هذا الشخص هو التيمم ، فمن توضأ تاركًا موضع الجرح ودخل في الصلاة وذكر في أثنائها أنه لم يتيمم ، فإنه يتيمم ويستأنف الصلاة؛ لأن ما مضى من صلاته قبل التيمم غير صحيح ، ومنه تكبيرة الإحرام ، فلم يصح دخوله في الصلاة أصلا ؛ لأن الطهارة شرط من شروط صحة الصلاة .
وترك موضع من مواضع الوضوء ، أو ترك جزء منه لا يكون الوضوء معه صحيحا ، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا في قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء أمره بإعادة الوضوء ، وهذا الشخص المسئول عنه لما تعذر الغسل والمسح في حقه وجب الانتقال إلى البدل الذي هو التيمم؛ لعموم قوله تعالى : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } ولقصة صاحب الشجة ، ففي رواية ابن عباس ، عند ابن ماجه قال صلى الله عليه وسلم : " لو غسل جسده وترك رأسه حيث أصاب الجرح " . وفي رواية أبي داود ، عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال : " إنما كان يكفيه أن يتيمم " . الحديث . فإذا كان هذا الشخص الذي سئل عنه لم يُعد تلك الصلاة فإنه يعيدها .
اللجنة الدائمة

10.gif


حكم التيمم على السجاد

س : شخص في المستشفى وعجز عن الوضوء فتيمم للصلاة ، ولكنه تيمم على السجاد ، فهل صلاته صحيحة ؟

ج : على المريض أن يتوضأ للصلاة مع القدرة ، فإن عجز فليتيمم بالتراب الذي له غبار إن قَدر على تحصيله ، فإن لم يستطع إحضاره تيمم على البلاط إن كان عليه غبار ، أو على فراشة الذي فيه غبار ، فإن كان لا غبار عليه فعلى أقرب مايليه أو يمكنه من الأرض ، أو ما اتصل بها لقوله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } ، وقوله : { لا تكلف نفس إلا وسعها } .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


ص 212 / كيفية غسل المرأة من الجنابة والحيض

س : هل هناك فرق بين غسل الرجل والمرأة من الجنابة ؟ وهل تنقض المرأة شعرها أو يكفيها أن تحثو عليه ثلاث حثيات من الماء للحديث . وما الفرق بين غسل الجنابة والحيض ؟

ج : لا فرق بين غسل الرجل والمرأة في صفة الغسل من الجنابة ، ولا ينقض كل منهما شعره للغسل ، بل يكفي أن يحثي على رأسه ثلاث حثيات من الماء ، ثم يفيض الماء على سائر جسده لحديث أم سلمة رضي الله عنها ، أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : إني امرأة أشد ظفر رأسي أفأنقضه للجنابة ؟ قال : " لا ، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ، ثم تفيضي عليك الماء، فتطهرين " رواه مسلم ، فإن كان على رأس الرجل أو المرأة من السدر أو الخضاب أو نحوهما مما يمنع وصول الماء إلى البشرة وجب إزالته ، وإن كان خفيفا لا يمنع وصوله إليها لم تجب إزالته . أما اغتسال المرأة من الحيض فقد اختُلف في وجوب نقضها شعرها للغسل منه ، والصحيح أنه لا يجب عليها نقضه لذلك ، لما ورد في بعض روايات أم سلمة عند مسلم أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ( إني امرأة أشد ظفر رأسي أفأنقضه للحيضة وللجنابة ؟ قال : " لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين " . فهذه الرواية نص في عدم وجوب نقض الشعر للغسل من الحيض ومن الجنابة، لكن الأصل أن تنقض شعرها في الغسل من الحيض احتياطا وخروجا من الخلاف وجمعا بين الأدلة . وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


الغسل أولاً

س : استيقظت في حدود شروق الشمس مُجنبًا ، فإذا دخلتُ في الغسل ستشرق الشمس ، هل أتيمم وأصلي ، أم أغتسل ثم أصلي؟

ج : عليك أن تغتسل وتكمل طهارتك ثم تصلي ، وليس لك التيمم والحال ما ذكر . لأن الناسي والنائم مأموران أن يبادرا بالصلاة وما يلزم لها من حين الذكر والاستيقاظ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك " . ومعلوم أنه لا صلاة إلا بطهور لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تُقبل صلاة بغير طهور " . ومن وجد الماء فطهوره الماء ، فإن عَدِمه صلى بالتيمم ؛ لقول الله عز وجل : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } الآية من سورة المائدة .
والواجب عليك أن تهتم بصلاتك ، وأن تُعنى بها غاية العناية بوضع منبه عند رأسك ، أو تكليف من يوقظك من أهلك عند دخول الوقت؛ حتى تؤدي ما أوجب الله عليك من الصلاة مع إخوانك المسلمين في بيوت الله عز وجل ، وحتى تسلم من مشابهة المنافقين الذين يتأخرون عن الصلاة ، ولا يأتونها إلا كسالى . أعاذنا الله وإياك وسائر المسلمين من صفاتهم وأخلاقهم . والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز

10.gif


ص 213 / أذكر احتلامًا ولا أجد أثرًا

س : في بعض الأحيان أذكر احتلاما بعدما أصحو من النوم ، ولكن لا أرى أي أثر لذلك الاحتلام ، هل يجب علي الغسل أم لا ؟ أفتونا جزاكم الله خيرا .
ج : لا يجب الغسل على من رأى احتلاما إلا إذا وجد الماء ، وهو : المني ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " الماء من الماء " ، ومعناه : أن ماء الغسل يكون من ماء المني ، وهذا عند أهل العلم في حق المحتلم ، أما إن جامع زوجته فإن عليه الغسل ، وإن لم يخرج منه الماء ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل " ، رواه مسلم في صحيحه ، وقال صلى الله عليه وسلم : " إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل " . متفق على صحته ، زاد مسلم في صحيحه : " وإن لم ينزل " .
وفي الصحيحين ، عن أنس رضي الله عنه أن أم سليم الأنصارية ، وهي أم أنس رضي الله عنهما ، قالت يا رسول الله ( إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ) ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " نعم ، إذا هي رأت الماء " . وهذا الحكم يعم الرجال والنساء عند جميع أهل العلم . والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز


يتبع
 
الجنب لا يجوز له لمس الأشياء

س : إذا وقع الجماع بين المرأة والرجل بعد ذلك هل يجوز قبل غسلهما لمس أي شيء ، وإذا حصل اللمس لأي شيء هل ينجس أم لا ؟

ج : نعم يجوز للجنب قبل أن يغتسل لمس الأشياء من أثواب وأطباق وقدور ونحوها , سواء كان رجلا أم امرأة ، لأنه ليس بنجس ولا يتنجس ما لمسه منها بلمسه إياه .
الشيخ ابن باز

10.gif


يضرها غسل رأسها من الجنابة والحيض فهل يجزيها المسح

س : أنا امرأة متزوجة ومريضة بحساسة في الصدر ، وعندي نزلة طولة العام .. فكيف أصلي ؟ .. هل أغتسل وبدون غسل الرأس ومسحه فقط ؟ علمًا بأنني أُصاب بالنزلة عند غسل الرأس مرات في الأسبوع وكثيرًا ما أترك الصلاة لعدم قدرتي على غسل الرأس ومسحه فقط .. ومترددة وقلقة ومنزعجة جدًا رغم أنني أعرف أن الدين يسر ، فأرجو إفادتي بالإجابة القاطعة حتى أستطيع أن أعيش في أمان ، وأؤدي فرضي كاملاً ، علمًا بأنني مدرسة ويوميًا أخرج للعمل فأُصاب بالهواء الذي يُلزمني السرير عادة فأنا مريضة ، والله يعلم فأنا حائرة بين ممارسة حياتي الزوجية وهي طاعة الزوج وفوق ذلك طاعة الله .

ج : إذا كان يضرك غسل الرأس من الجنابة والحيض كفاك مسحه مع التيمم ، لقول الله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم " .
الشيخ ابن باز

10.gif


إذا خرج المني مع البول فما الحكم ؟

س : احتلمتُ واغتسلتُ وفي الصباح ذهبت إلى مدرستي ، والتي أمكث فيها إلى بعد المغرب لأنها بعيدة عن منزلي ، والدوام فيها صباحي ومسائي . وأثناء ذهابي للوضوء وجدت أن قليلاً من المني قد خرج مع البول ، وأنا لا أستطيع الاغتسال لشدة البرد . . فتوضأت وصليت الظهر ، ومن ثم العصر والمغرب . . هل صلاتي صحيحة أم لا ، وهل تلزمني الإعادة ؟

ج : لا يحب الغسل والحالة هذه ، فإن هذا المني الذي خرج مع البول لم يخرج بشهوة ولم يكن خروجه دفقًا ، أي يندفع اندفاعًا وإنما يسيل كسيلان البول ، ويسمى هذا الخارج ودْيًا ، فإن كان المني قد احتبس بعد الاحتلام وكان قد انتقل ولم يخرج إلا بعد الاغتسال فلا غسل عليك مرة أخرى ، فإنه مني واحد فلا يوجب الغسل مرتين . والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين

10.gif



ص 215 / المذي لا يوجب الغسل

س : هل خروج المذي يوجب الغسل ؟

ج : خروج المذي لا يوجب الغسل ، ولكن يوجب الوضوء بعد غسل الذكر والأنثيين إذا أراد أن يصلي أو يطوف أو يمس المصحف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنه قال فيه الوضوء وأمر من أصابه المذي أن يغسل ذكره وأنثييه . وإنما الذي يوجب الغسل هو المني ، إذا خرج دفقا بلذة ، أو رأى أثره بعد اليقظة من نومه ليلا أو نهارا .
الشيخ ابن باز

10.gif


ص 215 / الجنب إذا نزل في بحر أو غدير بنية الغسل هل يجزيه

س : إذا كان إنسان عليه جنابة ووجد قليبًا أو غديرًا أو بحرًا فنزل فيه واغتسل بنية الغسل من الجنابة ، هل يجزيه ذلك ؟

ج : نعم يجزيه ذلك إذا كان الماء كثيرًا ، بأن يبلغ قلتين فأكثر ، لما روي عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يُسأل عن الماء يكون بالفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب ، فقال : " إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبَث " , رواه الخمسة وفي لفظ ابن ماجه ورواية لأحمد " لم ينجسه شيء " . والله الموفق . . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 216 / متى يجب الغسل على المحتلم

س : شخص يعتقد أن الموجب للغسل في الاحتلام هو خروج المني إذا رأى النائم صريح الوطء وأنه كان لا يغتسل إلا إذا رأى ذلك منه في النوم . فإذا خرج منه المني ولم ير صريح فعل الوطء منه في النوم لم يغتسل ، وأنه مضى عليه قرابة ثمانية أعوام وهو على هذا ، ويسأل عن حكم صلاته لهذه الأعوام الماضية .

ج : لا يخفى أن الغسل يجب بخروج المني دفقًا بلذة في اليقظة ، وبوجوده مطلقًا في حال النوم ، لما روى الإمام أحمد عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا فضختَ الماء فاغتسل وإن لم تكن فاضخًا فلا تغتسل " والفضخ هو خروجه بالغلبة . ولما في الصحيحين عن أم سلمة رضي الله عنها أن أم سليم رضي الله عنها قالت : يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق ، هل على المرأة من غسل إذا احتلمت ؟ قال : " نعم إذا رأت الماء " . ولا يتقيد وجوب الغسل بالوطء . وإنما يحب بخروج المني ولو لم يحصل الوطء لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا فضخت الماء فاغتسل " . أما إذا التقى الختانان في حالة اليقظة فيجب الغسل مطلقاً ، سواءً أنزل أم لا ، وعليه فإن على هذا السائل أن يعيد صلواته طيلة المدة الطويلة التي كان لا يغتسل إذا خرج المني منه بدون رؤية صريح الوطء في النوم بقدر الاستطاعة ، وبالله التوفيق .
اللجنة الدائمة

10.gif


هل يجب علينا الوضوء والغسل ونحن في البر ؟

س : يقول السائل : إننا بدو في البر ، والماء يبعد عنا خمسين كيلو مترًا ، ونحن نجلب الماء لأهلنا على السيارات ونسقي الإبل والغنم ، فهل يجب علينا الوضوء والغسل من الجنابة ، وبعض البيوت فيه عشرة أفراد ، والبعض أكثر من ذلك ، أم يجوز لنا التيمم ؟

ج : شرع الله الوضوء والغسل في حالة وجود الماء ، وشرع التيمم عند فقد الماء أو تعذّر استعماله لمرض أو نحوه ، فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } . ( سورة المائدة ، الآية : 6 ) . وحيث أن السائل ذكر أنهم يأتون بالماء لسقي الإبل والغنم فهم واجدون للماء ، فيلزمهم الوضوء والغسل . وكونهم في البر وأن الماء يبعد عنهم خمسين كيلو مترًا فهذا لا يكون عذرًا مبيحاً للتيمم ما داموا يأتون بالماء على السيارت للإبل والغنم . والله أعلم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة

10.gif


ص 217 / أجنب في سفر ولم يجد ماء

س: رجل بطريق طويل ، وحدثت عليه الجنابة أثناء الطريق ، ولم يوجد لديه ماء يغتسل به فهل يجوز له أن يصلي وهو نجس ، أم كيف يفعل ؟

ج : من أجنب في سفر ولا ماء معه يغتسل منه فاضلاً عن حاجته للشرب والأكل، وبحث عن ماءٍ حتى بلغ على ظنه عدم وجوده في الجهة التي هو فيها ، فمن كان كذلك فإنه يتيمم ويصلي لقوله تعالى : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } .
اللجنة الدائمة

10.gif


توضأ مرة واحدة ولا تطع الشيطان

س : قبل كل وضوء أحاول استخراج كل ما قد يكون بذَكري من بول ، وذلك بالجلوس عدة مرات وبرفع رجلي تباعًا إلى أعلى فوق المغسل الذي أتوضأ منه ، وكثيرًا ما أعيد الوضوء مرتين أو ثلاثاً ، عندما أشعر أن هناك بعض نقط البول بصدد الخروج بعد إتمام الوضوء ، وفي بعض الأحيان يثبت أن ذلك وهم ، وكثيرًا ما يكون حقيقة حتى أُصبت بالوسوسة ، خاصة وأن إعادة الوضوء مرتين أو ثلاثًا وقضاء وقت في استجمام البول فيه مشقة ، فكيف أصنع خاصة في الشتاء والماء البارد لا أتحمله بل أسخنه لأتوضأ به ؟

ج : لا شك أن أكثر هذه الأشياء أوهام ووساوس شيطان يلقيها في قلوب بعض الناس حتى تثقل العبادة عليهم ، فيملوا ويتركوها ، فننصحك ألا تلتفت إليها ، وعليك أن تتوضأ مرة واحدة ولا تكرر ولا تطل الجلوس على موضع التبول ، ولا تتعب نفسك في استخراج بقايا البول فإنه بمنزلة اللبن في الضرع إن حُلب درّ وإن تُرك قَرّ ، فإن تحققت الخروج يقيناً فعليك إعادة الوضوء ولا يلزمك التفتيش ولا اللمس ، فإن قُدّر الخروج باستمرار وعدم انقطاع فهو سلس بول عليك أن تتوضأ بعد دخول الوقت مرة واحدة ، ولا يضرك خروجه بعد الوضوء . لكن الغالب أن ذلك وهو لا حقيقة له فلا تلتفت إليه . والله الشافي .

الشيخ ابن جبرين

10.gif


ص 218 / حكم تيمم المريض على البلاط

س : هل يجوز التيمم بالحجر الذي لا يترك غبارًا في اليد ، وما الأعضاء التي يشملها التيمم ، وكم صلاة تصلى بتيمم واحد ؟

ج : ذهب بعض العلماء إلى أن التيمم يشترط أن يكون بتراب له غبار يعلق باليد ، واستدلوا بقوله تعالى : { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } . والذي لا غبار له لا يمسح منه . . لكن الصحيح أنه لا يشترط الغبار ، وإنما يشترط أن يكون طيبًا طاهرًا لقوله تعالى : { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } . والصعيد : وجه الأرض ، وعلى هذا فيصح التيمم بالرمل الذي لا غبار فيه ، كما يصح بالبطحاء ونحوها ، فأما المحبوس أو المريض الذي لا يجد إلا أرضًا مبلطة ولا يستطيع النزول ونحوه فيصح تيممه على البلاط ولو بدون غبار إذا لم يجد ترابًا ، وكذا على الفراش ونحوه لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } . أما أعضاء التيمم فهي الوجه واليدان ، فيمسح على وجهه كله بكفيه ، ثم يسمح كل يد بالأخرى ويخلل الأصابع ، ويقتصر على الكفين ، فإن مسح الذراعين معهما فلا بأس ، وتكفي ضربة واحدة ، فإن ضرب مرتين جاز ذلك . والأفضل أن يتمم لكل فريضة إلا المجموعتين ، فيتيمم لهما مرة واحدة ، وله أن يصلي بالتيمم الواحد عدة صلوات ما لم يُحدِث أو يجد الماء ، فإذا وجد الماء فليتقِ الله وليمسّه بشرته .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


التسمية للوضوء في الحمام بالقلب

س : عندما أريد الوضوء فإني أنوي أن أتوضأ للصلاة ، ولكني لا أذكر اسم الله وأنا في الحمام مع علمي بالحديث " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه " فما حكم ذلك ؟

ج : التسمية إذا كان الإنسان في الحمام تكون بقلبه ولاينطق بها بلسانه ، وإذا كان كذلك فاعملي بهذا ، على أن القول الراجح أن التسمية ليست من الواجبات بل هي من المستحبات فينبغي ألا يكون لديك هواجس وغفلة .
الشيخ ابن عثيمين

10.gif


ص 219 / غسل الفرج ليس من الوضوء

س : إنسان استيقظ من النوم ولم يكن عليه لا حدث أكثر ولا أصغر ، وسبق أن نام طاهرًا فاستيقظ من النوم ( جدد الوضوء ) بالمعنى العامي ( جدود ) فهل في هذه الحالة يكون وضوءًا كاملاً أم ناقصًا ؟

ج : نعم يصح وضوؤه ، ولا يلزمه الاستنجاء الذي هو غسل الفرج ، وإنما عليه غسل الأعضاء الظاهرة وهو الوضوء المعروف وتسميته عند العامة جدودًا خطأ ، فإن التجديد مَن توضأ على طُهر ، وهذا عليه حدث أصغر وهو النوم فإنه من نواقض الوضوء ولا يوجب الاستنجاء .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


الغسل تحت الدش يجزئ

س : أحب أن أعرف وبصورة مبسطة وسهلة عن طريقة الغسل من الجنابة .. فلقد سمعت عن عدة طرق فأرجو التوضيح .. وهل الغسل تحت الدش يجزئ أم لا ؟

ج : صفة الغسل الكامل أن ينوي ثم يسمي ويغسل كفيه ثلاثًا ثم يغسل فرجه وما على بدنه من أثر المني ، ثم يتوضأ وضوءًا كاملاً ، ثم يبدأ في الغسل فيغسل رأسه ثلاثًا ويبالغ في غسل أصول الشعر ، ثم يغسل بقية جسده فيبدأ بشقه الأيمن ثم الأيسر ويدلّكه . ويُمرِّر يده على ما استطاع من جسده . ويجزئه الغسل تحت الدش وتعميم جسده بالماء لو مرة واحدة .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


220 / هل أعيد الصلوات التي تيممت لها

س : كنت على جنابة منذ الصباح وفقدت الماء ، وصليت الصلوات بالتيمم ، في المساء وجدت الماء واغتسلت من الجنابة . هل تلزمني إعادة الصلوات التي صليتها بالتيمم ؟

ج : لم تذكر سبب فقْد الماء ، فإن كنت في بلد مسكونة كقرية أو مدينة فإن الماء لا يفقد فيها غالبًا ، ولو توقف في موضع وُجد في مواضع ، فعلى هذا يجب على الجنب والمُحْدِث حدثًا أكبر أن يبحث عن الماء ويطلبه من المجاورين ودورات المياه والآبار ونحوها ، فمن صلى بالتيمم وهو كذلك لزمته الإعادة ، أما إن كنت في بادية أو صحراء فإن الماء يفقد فيها أحيانًا فيجوز التيمم بعد أن يبحث عن الماء ويتفقد الرحل والأماكن القريبة ، ولا يجوز التيمم مع وجود الماء الفائض عن الحاجة أو قربه بحيث يمكن تحصيله قريبًا . والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


من احتلم ولا يجد بللا

س : شخص استحلم بوالدته وهو نائم ، وبعد أن استيقظ لم يجد أثر الاحتلام عليه ، وهو يذكر أنه استحلم بها فعلاً ومع ذلك اغتسل للجنابة احتياطًا ، لكن هذا الاحتلام بالوالدة شغله كثيرًا وأصبح يفكر في تفسيره ، أرجو أن توضحوا وبسرعة قدر الإمكان ، هل لذلك معنى ؟ وهل يلحقه شيء من ذلك ؟

ج : لا يلزم الاغتسال من احتلم ولم يجد بللاً لحديث إنما الماء من الماء ، فإن وجد المني على ثوبه أو جلده لزمه الاغتسال ولو لم يتذكر الاحتلام كما روي ذلك في السنن عن عائشة رضي الله عنها . فأما من احتلم بوالدته فلا يضره ذلك فإنه يُفسّر بشدة الحب والطاعة ، فلا محذور في ذلك .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


ص 220/ وساوس شيطانية

س : أشعر أحيانا خلال الوضوء أن وضوئي ينتقض ، وكذلك في الصلاة ، ولا أدري هل هذا حقيقة أم وسواسًا ؟ حتى أنني كثير الإعادة للصلاة والوضوء ، مما جعلني أحيانا لا أدرك صلاة الجماعة وأفكر كثيرا في الصلاة . أرجو إفادتي ونصحي مأجورين إن شاء الله .

ج : هذه الوساوس من الشيطان ، والواجب عليك إطراحها ، وعدم الالتفات إليها ، وإكمال وضوئك وصلاتك ؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شكا إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة ، فقال عليه الصلاة والسلام : " لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " متفق عليه ، وفي صحيح مسلم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخَرَج منه شيء أم لا ؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " . وبهذين الحديثين وما جاء في معناهما من الأحاديث يعلم كل مؤمن ومؤمنة : أنه لا ينبغي له الانصراف من صلاته ولا من وضوئه بما يحصل من الوساوس ، بل يشرع له الإعراض عنها ، حتى يعلم يقينا أنه خرج منه شيء ، وحتى يعلم يقينا في موضوع الوضوء أنه لم يتوضأ . والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز

10.gif


ص 221/ البناء على اليقين أصل كبير في الدين

س : أرجو شرح الحديث " لا ينفتل أو لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا " .

ج : هذا حديث صحيح وقاعدة من قواعد الشرع، وهي البناء على اليقين وعدم الالتفات الى الشكوك والأوهام ، فإن الانسان إذا تيقن الطهارة بقي عليها حتى يتيقن الحدث فلا يلتفت للاوهـام والوساوس التي يلقيها الشيطـان ليشوش عليه حتي يمل من العبـادة ويستثقلهـا، فإذا أحـس في بطنه بالقـلاقل والحركـة وهو في الصلاة فلا ينصرف حتى يتيقن خروج الحدث بسماع الصوت أو الإحساس بالريح .
الشيخ ابن جبرين

10.gif


القبلة لا تنقض الوضوء

س : هل القبلة تنقض الوضوء ؟

ج : عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم، قبّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ . هذا الحديث فيه بيان : حكم مس المرأة وتقبيلها هل ينقض الوضوء أم لا ينقض الوضوء؟ .. والعلماء رحمهم الله، اختلفوا في ذلك ، فمنهم من قال إنه ينقض الوضوء بكل حال، إن مسست المرأة انتقض الوضوء بكل حال ، ومنهم من قال إن مسستها بشهوة انتقض الوضوء وإلا فلا ، ومنهم من قال إنه لا ينقض الوضوء مطلقا ، وهذا القول هو الراجح ، يعني أن الرجل إذا قبّل زوجته أو مسّ يدها أو ضمّها ولم يُنزل ، ولم يُحدث ، فإن وضوءه لا يفسد لا هو ولا هي، وذلك لأن الأصل بقاء الوضوء على ما كان عليه ، حتى يقوم دليل على أنه انتقض ، ولم يرد لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على أن مسّ المرأة ينقض الوضوء ، وعلى هذا يكون مسّ المرأة ولو من دون حائل ولو بشهوة وتقبيلها وضمها ، كل ذلك لا ينقض الوضوء .. والله أعلم .
الشيخ ابن عثيمين

10.gif


ص 222 / الجنب لا يقرأ القرآن

س : هل الجنب يقرأ كتاب الله غيبًا ، وإذا لم يجز ذلك فهل يستمع له ؟ جزاكم الله خيرًا .

ج : الجنب لا يجوز له قراءة القرآن ، لا من المصحف ولا عن ظهر قلب حتى يغتسل ؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يحجزه شيء عن القرآن إلا الجنابة ، أما الاستماع لقراءة القرآن فلا حرج في ذلك للجنب بل يُستحب له ذلك لما فيه من الفائدة العظيمة من دون مس المصحف ولا قراءة منه للقرآن . والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز

يتبع


 
الفتاوى لم تنته بعد، فما سبق ليس الا عرض لليسير منها، فانتظروا التتمة باذن الله تعالى و توفيقه.
للامانة العلمية هذا رابط النقل.
http://www.hanein.info/vb/showthread.php?t=199538&page=1
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top