التوسل

أم انس عبد الله

:: عضو مثابر ::
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين
[font=traditional arabic,serif]التوسل

(5/277)
[font=traditional arabic,serif]التوسل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التوسل في اللغة : مأخوذ من الوسيلة، والوسيلة والوصيلة والتوسل والتوصل معناهما متقارب؛ لأن السين والصاد دائما يتناوبان، يعني أحدهما يستعير المكان من الآخر، ولهذا يقرأ قوله تعالى: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } ويقرأ: (اهدنا السراط..) بالسين، وكلتاهما قراءة سبعية، فيجوز أن تقرأ: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } أو تقول: ( اهدنا السراط المستقيم سراط الذين أنعمت عليهم) .
فالتوسل والتوصل معناهما متقارب جدًّا.
والوسيلة هي السبب الموصل إلى المقصود.
وهو على نوعين:
النوع الأول:
عبادة يراد بها التوصل إلى رضوان الله والجنة، ولهذا نقول: جميع العبادات وسيلة إلى النجاة من النار ودخول الجنة. قال الله تعالى:

(5/279)
[font=traditional arabic,serif]{ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } فإذا صمت رمضان فإنه يقال: هذا وسيلة إلى مغفرة الذنوب، وقمت رمضان وسيلة أيضا لمغفرة الذنوب، وقمت ليلة القدر وسيلة لمغفرة الذنوب، وكل هذا لا بد أن يكون إيمانا واحتسابا، إذن الأعمال الصالحة كلها وسيلة، والغرض من الأعمال الصالحة قوله تعالى: { فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } ولهذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستعيذ من النار فيقول: « أعوذ بالله من النار » . ويل لأهل النار.
أما النوع الثاني من الوسيلة: فهو ما يتخذ وسيلة لإجابة الدعاء وهو أقسام:
القسم الأول : التوسل إلى الله تعالى بأسمائه سواء كان بالأسماء على سبيل العموم أو باسم معين منها.
فمثال الأول التوسل بالأسماء على سبيل العموم ما ثبت في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه في دعاء الهم والغم: « اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي » .
والشاهد من الحديث قوله: « بكل اسم هو لك » . ونقول نحن: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى، ودليل هذا القسم قوله تعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }

(5/280)
[font=traditional arabic,serif]أما الثاني وهو التوسل باسم خاص فمثل أن تقول: "يا غفور اغفر لي، يا رحيم ارحمني، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني". وهذا توسل باسم لكنه خاص.
وفي هذا النوع يجب أن يكون الاسم مناسبا للدعاء، فإذا أردت أن تسأل الله الرزق تقول: يا رزاق، والمغفرة: يا غفور، والعفو: يا عفو، وهكذا.
لكن لو قلت: اللهم يا شديد العقاب اعف عني فهذا غير مناسب، فكيف تتوسل باسم يدل على العقوبة إلى عفو الله عز وجل؟ إنما تدعو الله تعالى بالأسماء المناسبة لما تدعو به.
القسم الثاني : التوسل إلى الله تعالى بصفاته سواء كان ذلك على سبيل العموم أو بصفة خاصة، ومن الصفات الأفعال، فإن الأفعال صفات، مثال ذلك أن تقول: "اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا" وهذا التوسل صحيح، والتوسل بالصفات يكون كذلك عامًّا، ويكون خاصًّا، فمثال العام ما ذكرته آنفًا، ومثال الخاص: "أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر"، فهنا توسل بصفة من صفات الله عز وجل.
ومن التوسل بالأفعال : "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ".
فأنت تسأل الله الذي منَّ بصلاته على إبراهيم وعلى آل إبراهيم أن يمن بصلاته على محمد وعلى آل محمد، فالكاف في قولك: "كما صليت" ليست للتشبيه ولكنها للتعليل، والكاف تأتي للتعليل كما قال ابن مالك في الألفية:
شبه بكاف وبها التعليل قد ... يعنى وزائدا لتوكيد ورد
والشاهد من البيت قوله: "وبها التعليل قد يعنى" يعني قد يراد بها التعليل. "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم "،

(5/281)
[font=traditional arabic,serif]يعني لأنك صليت على إبراهيم، فمنتك على عبدك وخليلك إبراهيم وآله، نتوسل بها إليك، أن تصلي على خليلك محمد وآله.
ومثال ذلك في القرآن على أن الكاف للتعليل قوله تعالى: { وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ } واذكروه لأنه هداكم، وعلى كل حال المسألة معروفة، والكاف للتعليل.
وإذا قلنا: إن الكاف للتعليل في قوله: "كما صليت" سلمنا من شبهة مشهورة عند العلماء، وهذه الشبهة يقولون: إذا قلنا الكاف للتشبيه حصل إشكال؛ لأن معنى ذلك: أننا نطلب أن الله يصلي على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآله صلاة دون صلاة إبراهيم وآله، بناء على أن المشبه أقل من المشبه به، فإذا قلت: فلان كالبحر في كرمه، فمقتضى ذلك أنه دون البحر، فإذا جعلنا الكاف في قوله: "كما صليت" للتشبيه معناه أننا نطلب من الله صلاة تكون في الواقع دون الصلاة على إبراهيم وآله.
فإذا قلنا: إن الكاف للتعليل فالمعنى أنك تسأل الله الذي مَنَّ بصلاته على إبراهيم وعلى آل إبراهيم أن يمن بصلاته على محمد وعلى آل محمد، وبذلك يزول الإشكال نهائيا.
ولا حاجة إلى ما ذكره بعض الناس وتكلف فيه من أهل العلم.
ومعنى "اللهم صل على محمد "، صلاة الله على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معناها: اللهم أثن عليه في الملأ الأعلى، واذكره بالجميل.
وليست صلاة الله على عبده بمعنى رحمته، وإن كان بعض العلماء قال: " إن الصلاة من الله الرحمة " لكنه قول مرجوح بالآية التي قال الله فيها: { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } والعطف يقتضي التغاير.

(5/282)
[font=traditional arabic,serif]القسم الثالث : التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به، أي أن يتوسل الإنسان إلى الله تعالى بالإيمان به وبرسوله فيقول: اللهم بإيماني بك وبرسولك أسألك كذا وكذا. فيصح هذا، ودليله قوله تعالى: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } إلى أن قال: { رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا } أي فبسبب إيماننا برسولك فاغفر لنا، فجعلوا الإيمان به وسيلة للمغفرة.
فالتوسل بالإيمان بالله، والإيمان برسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والتوسل بمحبة الله، ومحبة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جائز؛ لأن الإيمان بالله سبب موصل للمغفرة، ومحبة الله ورسوله سبب موصل للمغفرة، فصح أن يتوسل إلى الله تعالى به.

القسم الرابع : التوسل إلى الله تعالى بحال الداعي، أي أن يتوسل الداعي إلى الله بحاله ولا يذكر شيئا مثل أن يقول: "اللهم إني أنا الفقير إليك، اللهم إني أنا الأسير بين يديك" وما أشبه ذلك، والدليل على ذلك قول موسى عليه الصلاة والسلام حين سقى للمرأتين ثم تولى إلى الظل فقال: { رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } ولم يذكر شيئا.
ووجه هذه الآية أن حال الداعي إذا وصفها الإنسان فإنها تقتضي الرحمة واللطف والإحسان، لا سيما إذا كانت بين يدي أرحم الراحمين جل وعلا.
أرأيت لو أن رجلا مشى معك وقال: أنا فقير أبو عائلة لا أستطيع التكسب غريب الدار، فيسأل ويتوسل إليك بحاله، فأنت إذن تعرف الأمر وتعطيه إذا كنت كريما.

(5/283)
[font=traditional arabic,serif]والقسم الخامس : التوسل بدعاء من ترجى إجابة دعائه، ودليل ذلك ما ثبت في صحيح مسلم « أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان يخطب الناس يوم الجمعة، فدخل رجل فاستقبل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، فرفع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يديه ثم قال: "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا" ثلاث مرات. قال أنس بن مالك : "والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة" والقزعة هي القطعة الصغيرة من الغيم، وما بيننا وما بين سلع من بيت ولا دار وسلع جبل بالمدينة تأتي من نحوه السحب قال: فخرجت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، فما نزل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته » .
وفي هذا آيتان: آية من آيات الله، وآية من آيات رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما من آيات الله فالقدرة العظيمة بهذه السرعة نشأ السحاب ورعد وبرق وأمطر، فما إن نزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته، والمعروف أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان لا يطيل الخطبة، وهذا أتى في أثناء الخطبة.
وأما كونه آية من آيات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن الله أجاب دعاءه بهذه السرعة، وآيات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جلب الماء من السماء أو من الأرض معلومة، فبقي المطر ينزل أسبوعا كاملا حتى سال الوادي المعروف بالمدينة باسم قناة، سال شهرا كاملا، « فجاء الرجل أو رجل آخر من الجمعة الثانية والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب فقال: يا رسول الله، تهدم البناء وغرق المال، فادع الله يمسكها، فرفع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا"، وجعل يشير بيده، فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت، ليس بقدرة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن بقدرة الله عز وجل، "اللهم حوالينا ولا علينا" فجعل السحاب يتفرق، يمطر حول المدينة، ولا يمطر في المدينة، فخرجوا من الصلاة وهم يمشون في الشمس » .

(5/284)
[font=traditional arabic,serif]فالرجل قال: "ادع الله يمسكها" والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم يسأل الله أن يمسكها؛ لأن إمساكها ليس من المصلحة، لكنه دعا بدعاء تحصل به المصلحة وتزول المفسدة، قال: « اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر » . وفي هاتين القصتين كان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يرفع يديه وهو يخطب.
وفي الأول عندما سأل الله الغيث رفع الصحابة أيديهم معه وهم يستمعون الخطبة، فيستفاد من هذا أن الخطيب إذا دعا بالغيث أو دعا بالصحو أنه يرفع يديه وأن الناس يرفعون أيديهم معه إذا دعا بالغيث، وفيما عدا ذلك إذا دعا الخطيب في خطبة الجمعة لا يرفع يديه ولا يرفع الناس؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم أنكروا على بشر بن مروان حين خطب ودعا في الخطبة ورفع يديه، فرفع اليدين في الدعاء في حال الخطبة ليس من هدي الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا إذا دعا باستسقاء أو استصحاء.
« كذلك كانوا في غزوة الحديبية، ونفد الماء الذي معهم فجاء الناس إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالوا: يا رسول الله نفد الماء، وكان بين يديه ركوة -إناء من جلد- فوضع يديه في الماء فجعل الماء يفور أمثال العيون حتى استفى الناس ورووا » . والله على كل شيء قدير.
وهذه الآية تأييد للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد تكون الآية التي يرسلها الله عز وجل تكذيبا لمن أرسلت إليه:
يقال: إن مسيلمة الكذاب ادعى النبوة، فجاء إليه قوم فدعوه بالوصف الكاذب، وهو "يا رسول الله" وهو من أكذب عباد الله، قالوا: إن بئرا لنا نزحت وليس فيها إلا ماء قليل تأتي إليها لعل الله يأتي فيها البركة، فجاء إلى البئر وأخذ ماء بفمه ومجه فيها ينتظر أن يخرج الماء إلى أعلى، ولكن الماء الذي فيها غار بالكلية، فالماء الذي كان موجودا ذهب، فهذه آية من آيات الله، ولكنها آية لتكذيب هذا الرجل وليست لتأييده وتصديقه.

(5/285)
[font=traditional arabic,serif]ولكن ينبغي أن تلاحظ أنك إذا طلبت من شخص أن يدعو لك وهو ممن ترجى إجابته أن يكون غرضك بذلك مصلحته هو لا مصلحتك أنت.
فإذا سألت إنسانا مرجو الإجابة بالدعاء أن تقصد بطلبك منه أن يدعو لك لمصلحته هو لا مصلحتك أنت فكيف يكون مصلحته؟ لأن الإنسان إذا دعا لأخيه بظهر الغيب قال له الملك: آمين ولك مثله، فإذا دعا لك أخوك الذي طلبت منه أن يدعو لك بظهر الغيب قال الملك: آمين ولك بمثله.
أما إذا طلبت منه أن يدعو لك وأنت لا تريد إلا مصلحتك فقط، فإن هذا يخشى أن يكون من المسألة المذمومة، لأن من جملة ما بايع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه عليه أن لا يسألوا الناس شيئا.
وهذه مسألة ينبغي أن يتنبه لها حتى لا نقع في ذل المسألة.
القسم السادس : التوسل إلى الله بالعمل الصالح . وهو أن يذكر الإنسان بين يدي دعائه عملا صالحا يكون سببا في حصول المطلوب، ومثاله قصة الثلاثة الذين حدث عنهم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، « ثلاثة من بني إسرائيل آواهم المبيت إلى غار، فدخلوا الغار فأراد الله عز وجل بحكمته أن تنطبق عليهم صخرة ابتلاء وامتحانا وعبرة لعباده انطبقت عليهم الصخرة فأرادوا أن يدفعوها فعجزوا فقال بعضهم لبعض: إنه لا يخرجكم من ذلك إلا أن تتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالكم، فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا، فأتي بي طلب الشجر يوما فرحت عليهما فوجدتهما نائمين وكرهت أن أغبق أحدا قبلهما، فبقي الإناء على يدي حتى برق الفجر، ثم استيقظا فسقيتهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فاصرف عنا ما نحن فيه، أو فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت »

(5/286)
[font=traditional arabic,serif]« الصخرة قليلا لكنهم لا يستطيعون الخروج.
أما الثاني: "فذكر أن له ابنة عم وكان يحبها حبا شديدا فأرادها على نفسها فأبت، ثم إنه في سنة من السنوات ألمت بها الحاجة فجاءت إليه تطلب دفع حاجتها فأعادها إلا أن تمكنه من نفسها -هي للضرورة مكنته من نفسها- فلما جلس منها مجلس الرجل من امرأته قالت له: يا هذا اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه -فهذه كلمة عظيمة مؤثرة- قال: فقمت عنها وهي أحب الناس إلي -يعني ما تركتها رغبة لأني لا أريدها لكنه تركها خوفا من الله عز وجل حين ذكر به- وأعطاها حاجتها" فجمع هذا الرجل بين كمال العفة والصلة، قال: "اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة إلا أنهم لا يستطيعون الخروج".
أما الثالث: فذكر أن له أجراء -يعني أناسا استأجرهم- وأعطى كل واحد منهم أجره، إلا واحدا لم يعطه أجره، فنماه له، وصار فيه إبل وغنم وبقر ورقيق حتى جاء العامل يطلب أجره فقال له: كل ما ترى من الإبل والغنم والرقيق كله لك، فقال له الأجير: اتق الله، لا تستهزئ بي، فقال: لا أستهزئ بك هذه أجرتك، فأخذها الأجير وذهب بها كلها فهذه المعاملة والوفاء التام من هذا الرجل؛ لأنه من الممكن أنه إذا جاء يطلب أجره أن يعطيه أجره وينتهي، لكن لأمانته ووفائه أعطاه كل ما نماه أجره، قال: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون » .
فلو قال قائل: اللهم إني أسألك ببر والدي أن توفقني لبر أولادي بي، فهذا توسل صحيح، وهو توسل بالعمل الصالح.
أما القسم الذي لا يجوز أن تتوسل إلى الله تعالى به فهو ما ليس بوسيلة في الواقع مثل أن تتوسل بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذاته، أو أن تتوسل بجاه

(5/287)
[font=traditional arabic,serif]النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن ذلك لا ينفعك أنت، فجاه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومنزلته عند الله ينتفع بها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفسه، أما أنت فليس لك فيها منفعة وكذلك ذاته من باب أولى.
ويدل على أن التوسل بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآن ليس بصحيح « أن الصحابة قحطوا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فخرج يستسقي بهم فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا -والصحابة يتوسلون بنبيهم بدعائه- وإنا نستشفع إليك بعم نبينا فاسقنا. فيقوم العباس بن عبد المطلب ويدعو الله تعالى بالسقيا فيسقون » . وهذا دليل على معنى التوسل بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوارد عن الصحابة أن معناه أنهم يتوسلون بدعائه لا بذاته.
أما توسل المشركين بأصنامهم وأوثانهم وتوسل الجاهلين بأوليائهم فهو توسل شركي، لا نقول: توسل بدعي بل هو توسل شركي، ولا يصح أن نسميه توسلا بل هو شرك محض.
لأن هؤلاء المتوسلين يدعون من يزعمون أنهم وسيلة، يأتي الرجل إلى من يزعمه وليا ويقول: يا ولي الله أنقذني -بهذا اللفظ- يا آل البيت أنقذوني، يا نبي الله أنقذني، فهذا لا يصح أن نسميه وسيلة ولكن نسميه شركا؛ لأن دعاء غير الله شرك في الدين وسفه في العقل، شرك في الدين لأنهم اتخذوا شريكا مع الله، وسفه في العقل لأن الله يقول: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ }
ويوم القيامة لا ينفعونهم { وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } فوصف الله هذه المدعوات بأنها عاجزة لا يستجيبون

(5/288)
[font=traditional arabic,serif]أبدا لو دعوهم إلى يوم القيامة، وبأنها غافلة لا تدري من يدعوها ولا تحس بشيء من ذلك، وبأنه إذا كان يوم القيامة وهو وقت الحاجة الحقيقية إذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين، كدعاء الأولياء والأصنام وما أشبهها.
فلا يصح أن نقول: إنها وسيلة بل هو شرك أكبر مخرج عن الدين: { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } فسمى الله هذا الداعي كافرا.
فإن قال قائل: إن هؤلاء ربما يدعون هذه الأصنام أو هؤلاء الأولياء ويحصل مطلوبهم، ثم يأتون ويقولون: دعونا الولي الفلاني فأجاب، دعونا هذا الصنم فأجاب، فما موقفنا من ذلك؟
فالجواب: موقفنا من ذلك أن الله تعالى قد يحدث هذا الشيء عند الدعاء لا بالدعاء امتحانا للداعي، فقد يأتي الإنسان ويدعو هذا الولي صاحب القبر بدعاء ثم يحدث له ما دعا به امتحانا من الله عز وجل، لا لأن هذا الولي هو الذي أعطاه إياه، لأننا نعلم علم اليقين أن هذا الولي لن ينفعه ولن يستجيب له، لكن قد يبتلى والابتلاء بتسهيل المعصية وارد في الأمم السابقة، وفي هذه الأمة، ففي الأمم السابقة قال الله تعالى: { وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } فحرم الله عليهم أن يصطادوا السمك يوم السبت، فبقوا على ذلك مدة من الزمن، فابتلاهم الله فصارت الحيتان يوم السبت تأتي شرعا على وجه الماء من كثرتها وغير يوم السبت لا يشاهدونها، واليهود أهل مكر وكيد وخيانة، وأهل طمع وشح، قالوا: كيف لا تأتينا كل يوم عدا

(5/289)
[font=traditional arabic,serif]يوم السبت ونحن ممنوعون من اصطيادها فماذا نصنع، أنحرم منها؟ بل ندبر حيلة نعمل شبكة وننصبها يوم الجمعة، فإذا جاء السمك يوم السبت دخلت في الشبكة وإذا دخل لا يستطيع الخروج، فإذا كان يوم الأحد نأتي إلى الشبكة ونأخذ السمك الذي فيها.
فهذه حيلة فيقولون: نحن ما نصطاد يوم السبت، فالشبك نصبناه يوم الجمعة والحيتان جاءت يوم السبت، ونحن أخذنا الحيتان يوم الأحد، ولقد عاقبهم الله على ذلك فقال: { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ } فأمرهم الله أن يكونوا قردة، وهذا أمر كوني، فكانوا قردة وإنما أراد الله عز وجل أن يكونوا قردة؛ لأن القردة أشبه ما يكون بالإنسان فلما كان القرد أشبه ما يكون بالإنسان، وكان فعل هؤلاء شبيها بالمباح، لأن ظاهره الإباحة وباطنه التحريم، قال الله تعالى: { كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ } ولكن القردة الموجودة الآن غير القردة التي قلبت إليها هؤلاء الطائفة من اليهود؛ لأن القردة الذين مسخ بنو إسرائيل إليهم، ذهبوا وفنوا بالكلية، فهذه القردة جنس من الحيوان. وهذا ابتلاء من الله عز وجل أن الحيتان تأتي يوم السبت كثيرة وتنقطع في غير يوم السبت، ولكن لم يصبر بنو إسرائيل على ذلك فاحتالوا على محارم الله.
وفي هذه الأمة ابتلى الله عز وجل أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببلوى، إذا أحرم الإنسان بحج أو عمرة حرم عليه الصيد: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } فأراد الله عز وجل أن يبتلي أصحاب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسل الله إليهم صيدا تناله أيديهم ورماحهم، فالصيد الذي يجري على رجله صاروا يمسكونه بأيديهم، مثل الأرانب والظباء، وصيد الطائر

(5/290)
[font=traditional arabic,serif]الذي لا ينال إلا بالسهام ينالونه برماحهم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } والحكمة: { لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ } فهل الصحابة وهم محرمون صاروا يمسكون هذا الصيد بأيديهم أو ينالونه برماحهم؟ أبدا ولا أحد من الصحابة صاد صيدا ولا حتى تحيل عليه.
وبهذا نعرف الفرق بين صلاحية هذه الأمة وبين بني إسرائيل على أنه وجد من خلف هذه الأمة من شابه اليهود في التحيل على محارم الله، فهناك من يتحيلون على الربا، وهناك من يتحيلون على النكاح، وهناك من يتحيلون على ظلم إخوانهم بأنواع الحيل، وكل من تحيل من هذه الأمة إلى الشيء المحرم بحيله فهو مشابه لأسخف عباد الله، وهم اليهود.
وهناك أناس الآن يقولون: إذا أعطيت الإنسان عشرة آلاف ريال نقدا بأحد عشر ألف ريال إلى أجل فهذا حرام، قال: إذا نحلل هذا الحرام، فأبيع عليه أكياسا من الهيل بأحد عشر ألفا وهي لا تساوي الآن إلا عشرة إلى سنة، ثم يشتريها هذا المدين ويبيعها على صاحب الدكان، برغم أن صاحب الدكان لا يشتريها منك بمثل ما اشتريتها أنت، فيبيعها لصاحب الدكان بتسعة آلاف وخمسمائة فقط، فيكوى هذا المدين من الجانبين، فيكوى من جهة الذي باع عليه، ومن جهة صاحب الدكان، ثم يأخذ المدين الدراهم ويخرج بها وهذا لا يعد بيعا؛ لأن الذي اشتراه هو الدائن، ما يقلبه ولا ينظر ما فيه.
وأظن أن صاحب الدكان لو أتى بأكياس من القش ولفها وقال: هذا الذي فيها هيل، أو أتى بأكياس من الرمل، وقال: إن الذي فيها سكر وباعها على الدائن، وباعها الدائن على المدين، لأنه ما نظر فيها الدائن ولا يقلبها، والمدين كذلك لا يقلبها ولا ينظر فيها فترجع إلى صاحب

(5/291)
[font=traditional arabic,serif]الدكان، فهذا لا يعد بيعا صحيحا.
ولكن هذا العمل جامع بين مفسدتين: مفسدة الربا ومفسدة الخداع لله عز وجل وللمؤمنين { يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }
فهذه الحيلة والعياذ بالله يسميها بعض العلماء الحيلة الربوية الثلاثية، وفيها مفاسد عظيمة.
وأما بيع السيارات ممن كانت عنده لشخص يريد السيارة نفسها بثمن مؤجل، لكنه أكثر من الثمن الحاضر فهذا لا بأس به وهو جائز بالإجماع كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، مثال ذلك: أنا أحتاج إلى سيارة وأتيت إلى شخص صاحب معرض يبيع السيارات على عشرين ألفا، فقلت له: أنا ليس عندي دراهم الآن، بع علي سيارة بخمسة وعشرين ألفا كل شهر خمسمائة ريال، وقال صاحب الدكان: لا بأس. فهذا جائز، حتى لو خيره صاحب المعرض وقال: هذه السيارة إما بعشرين نقدا، وإما بخمسة وعشرين مؤجلة، فقال: آخذها بخمسة وعشرين مؤجلة، فإن هذا ليس به بأس، وليس هذا بيع دراهم بدراهم؛ لأن الذي اشترى السيارة لم تثبت عليه الدراهم مرتين، فالأصل وقع على سلعة بدراهم، وليس دراهم بدراهم.
بهذا انتهى ما أردنا الكلام عليه حول التوسل والحمد لله رب العالمين.

(5/292)
[/font][/font][/font][/font][/font][/font][/font][/font][/font][/font][/font][/font][/font][/font]​
[/font]​
 
بارك الله فيما نقلت يداك
وجزاكي اللهم كل خير وبركة و وفقكي لما يحب ويرضى يا رب
 
بارك ربِّي فيكِ أختي على النقل النافع بإذن الله
وأرجو أن تقبلي منِّي هذه الإضافة البسيطة:

مقالات نافعة في التوسل .. الشيخ علي الحدادي -حفظه الله-
المقدمة .../
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد..
فهذه رسالة موجزة خفيفة المحمل اشتملت على مسائل نافعة _ إن شاء الله _ في باب التوسلاشتملت على تعريفه في اللغة وفي الشرع ، وعلى حقيقة التوسل المشروع وبيان جملة من صوره مع ذكر أدلتها . وبيان التوسل الممنوع بقسميه الشركي والبدعي مع بيان أمثلة كل نوع ثم ختمته بالرد على جملة من الأخبار يستدل بها مجيزوا التوسل الممنوع مبيناً سبب الرد ملخصاً ذلك كله من كلام أهل العلم .
والمؤلفات والحمد لله في باب التوسل كثيرة لكن قصدت كتابة مذكرة موجزة يسهل على الداعي إلى الله حملها ، ويسهل على الراغبين توزيعها ونشرها ، ويسهل على القارئ استعراضها والمرور عليها في وقت وجيز مع اشتمالها على أكثر مسائل هذا الباب ، راجياً الله تعالى أن ينفع بها وأن يكتب لها القبول.
والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد و على آله وصحبه .
بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف التوسل :
// التوسل لغة //
قال ابن فارس: الوسيلة الرغبة والطلب يقال وسل إذا رغب والواسل الراغب إلى الله عز وجل وهو في قول لبيد :
أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم بلى كل ذي دين إلى الله واسل
وقال ابن الأثير: الوسيلة القربة وما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به وجمعها وسائل [1].
// الوسيلة في لغة الشارع //
جاءت الوسيلة في الشرع على معنيين :
1- طلب القربة إلى الله بالإيمان والعمل الصالح :
قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (35) سورة المائدة. قال ابن جرير (وابتغوا إليه الوسيلة) واطلبوا القربة إليه بالعمل بما يرضيه.
وقال تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} (57) سورة الإسراء.
قال الحافظ ابن حجر: أي استمر الإنس الذين كانوا يعبدون الجن على عبادة الجن والجن لا يرضون بذلك لكونهم أسلموا
وهم الذين صاروا يبتغون إلى ربهم الوسيلة [2].
وهذا التوسل فرض افترضه الله على الثقلين الإنس والجن لأنه هو الإسلام وهو أن يتقربوا إليه بالإيمان به وبرسوله واتباع ما أنزل وفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه .
2- منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة" صحيح مسلم [3].
* التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في عرف الصحابة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوجه به في كلام الصحابة فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته"[4].
* التوسل في الدعاء :
أن يقرن الداعي بدعائه ما يكون سبباً في قبول دعائه. وهذا هو محل البحث في هذه الرسالة.
وللحديث بقية إن شاء الله ؛؛
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتبه //
علي بن يحيى الحدادي
الرياض
9/10/1426هـ
________________________________________
[1] - النهاية 5/184
[2] - الفتح 8/397
[3] - صحيح مسلم ج 1 ص 288
[4] - قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 80

 
(( أنواع التوسل المشروع ))
لايكون التوسل مشروعاً إلا حيث دل عليه الدليل الصحيح من الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح.
ومما دلت النصوص على مشروعيته من أنواع التوسل في الدعاء الأنواع التالية:
1- التوسل إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى :
قال تعالى {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (180) سورة الأعراف والتوسل بالأسماء إما أن يكون على سبيل العموم كما جاء في حديث ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك بن عبدك بن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا قال فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها فقال بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها" رواه أحمد[1].
وإما أن يكون على سبيل الخصوص بأن يتوسل باسم مناسب للسؤال ومنه قوله تعالى (وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم)، منه حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "علمني دعاء أدعو به في صلاتي". قال: (قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) رواه البخاري [2].
2- التوسل إلى الله بصفاته العلى :
وهو على نوعين أيضاً توسل بعموم صفاته مثل أن تقول:
اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى.
والنوع الثاني: أن يكون خاصاً كأن تتوسل إلى الله تعالى بصفة مناسبة للمطلوب، ومنه قوله صلى الله عليه و سلم : "اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي.." رواه أحمد [3] .
وكما يقع التوسل بالصفات الذاتية فكذلك يصلح التوسل بالصفات الفعلية ومنه ما رواه عبد الرحمن بن أبي ليلى قال لقيني كعب بن عجرة فقال: "ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم". فقلت: "بلى". فأهدها لي فقال: "سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله قد علمنا كيف نسلم عليكم". قال: (قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) [4]
فقوله (كما صليت) توسل إليه تعالى بفعله.
3- التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم :
قال تعالى {وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (201) سورة البقرة {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (53) سورة آل عمران.
وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن النبي سمع رجلا يقول اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد الصمد فقال لقد سألت الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى) رواه البيهقي[5].
4- التوسل إلى الله تعالى بالعمل الصالح :
ومن أدلته ما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: (خرج ثلاثة يمشون فأصابهم المطر فدخلوا في غار في جبل فانحطت عليهم صخرة قال فقال بعضهم لبعض ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه فقال أحدهم اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت أخرج فأرعى ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب فآتي به أبوي فيشربان ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي فاحتبست ليلة فجئت فإذا هما نائمان قال فكرهت أن أوقظهما والصبية يتضاغون عند رجلي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما حتى طلع الفجر اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء قال ففرج عنهم وقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أني كنت أحب امرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء فقالت لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار فسعيت فيها حتى جمعتها فلما قعدت بين رجليها قالت اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فقمت وتركتها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة قال ففرج عنهم الثلثين وقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا بفرق من ذرة فأعطيته وأبى ذاك أن يأخذ فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته حتى اشتريت منه بقرا وراعيها ثم جاء فقال يا عبد الله أعطني حقي فقلت انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك فقال أتستهزئ بي قال فقلت ما أستهزئ بك ولكنها لك اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فكشف عنهم) [6].
5- التوسل إلى الله تعالى بإظهار الضعف والحاجة إليه :
ومنه قول موسى فيما أخبر الله عنه {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (24) سورة القصص وقول زكريا {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} (4) سورة مريم
6- التوسل إلى الله بالاعتراف بالذنب والإقرار بالنعمة :
ومنه قول آدم وزوجه {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (23) سورة الأعراف، ومنه قول يونس ذي النون {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (87) سورة الأنبياء، ومنه حديث شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سيد الاستغفار أن تقول اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت قال ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة" رواه البخاري [7].
7- التوسل إلى الله تعالى بطلب الدعاء من الصالحين الأحياء الحاضرين :
ومنه قول إخوة يوسف {قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} (97) سورة يوسف، {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (98) سورة يوسف، وأحاديث الاستسقاء حيث طلب الصحابة من الرسول أن يستسقي لهم ومنه قول الرسول صلى الله عليه و سلم بعد أن ذكر أويس القرني " من لقيه منكم فليستغفر لكم" رواه مسلم [8] .
ومنه قول عكاشة بن محصن في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب: ادع الله لي يا رسول الله أن يجعلني منهم فقال: "اللهم اجعله منهم " متفق عليه[9].
وينبغي لمن طلب من صالح أن يدعو له أن ينوي أن ينتفع الداعي أيضاً لأن الداعي إذا دعا أجر وقال له الملك ولك بمثله ولأن طلب الدعاء المحض يدخل في المسألة المذمومة عند بعض أهل العلم.
وللحديث بقية إن شاء الله ؛؛
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

علي بن يحيى الحدادي
الرياض
______________________________________
[1] - مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 1 ص 391
[2] - صحيح البخاري ج 5 ص 2331
[3] - مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 4 ص 264
[4] - صحيح البخاري ج 3 ص 1233
[5] - السنن الكبرى ج 4 ص 394
[6] - صحيح البخاري ج 2 ص 771
[7] - صحيح البخاري ج 5 ص 2323
[8] - صحيح مسلم ج 4 ص 1968
[9] - صحيح البخاري ج 5 ص 2189 مسلم 1/ 197 ح 216

 
(( التوسل الممنوع ))

هو ما لم يدل دليل صحيح على مشروعيته لأن العبادات مبناها على التوقيف. قال صلى الله عليه و سلم (
من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه[1].
فإن ما يقرب إلى الله لا يمكن أن يدرك بالعقل إنما يدرك بالوحي ومن زعم أن شيئاً ما يقرب إلى الله ويرجى به إجابة الدعاء فعليه الدليل وإلا فقوله مردود عليه كائنا من كان قال تعالى {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (21) سورة الشورى وقال تعالى {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (31) سورة التوبة.
حكمه:
ينقسم التوسل الممنوع إلى قسمين من حيث الحكم :
1- توسل شركي مخرج من ملة الإسلام :
وهو ما كان فيه صرف شيء من العبادة لغير الله كالدعاء أو الاستغاثة أو الذبح أو النذر للأنبياء أو الأولياء أو الصالحين أو للأضرحة والقبور وغيرها فهذا شرك أكبر لأنه عبادة لغير الله ولو سماه صاحبه توسلاً قال تعالى {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} (5) سورة الأحقاف ،، {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (6) سورة الأحقاف ‘‘ وقال تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (60) سورة غافر ‘‘ وأصحاب هذا النوع الشركي يسمونه توسلاً هروباً من تسميته شركاً لأنهم لو سموه شركاً لافتضح أمرهم وانكشف عوارهم ، وبارت سلعتهم .
2- توسل بدعي :
كالتوسل بذوات الصالحين أو بجاههم أو حقوقهم نحو (أسألك بعبدك الصالح) (أو أسألك بجاه محمد صلى الله عليه و سلم) أو (أسألك بحق محمد صلى الله عليه و سلم) أو (بحق البيت) ونحو ذلك.
فهذا ليس شركاً أكبر إذ ليس فيه صرف شيء من العبادة لغير الله ، إنما هو توسل بدعي لعدم الدليل عليه وكل عبادة تقرب بها إلى الله وليس عليها دليل من كتاب ولا سنة فهي بدعة . قال شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله (وهناك توسل ثالث وهو التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم أو بحقه أو بذاته مثل أن يقول الإنسان أسألك يا الله بنبيك أو جاه نبيك أو حق نبيك أو جاه الأنبياء أو حق الأنبياء أو جاه الأولياء و الصالحين وأمثال ذلك فهذا بدعة ومن وسائل الشرك ولا يجوز فعله معه صلى الله عليه وسلم ولا مع غيره لأن الله تعالى لم يشرع ذلك والعبادات توقيفية ، ولا يجوز منها إلا ما دل عليه الشرع المطهر) [2] اهـ
وللحديث بقية إن شاء الله ؛؛
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
°•.¸.•°°•.¸.•°°•.¸.•°°•.¸.•°
علي بن يحيى الحدادي
الرياض
___________________________________
[1] - صحيح البخاري 2/959 صحيح مسلم 3/ 1343
[2] - مجموع فتاوى سماحته إعداد عبد الله الطيار وأحمد بن باز 3/947

 
(( شبهات والجواب عليها ))
يستدل المجيزون للتوسل البدعي بأدلة وهي لا تخلو إما أن تكون صحيحة ولكن الاستدلال بها باطل وإما أن تكون دالة على المقصود ولكنها غير صحيحة.
وإليك هذه الأدلة مع بيان وجه بطلان الاستدلال بها :
1- حديث استسقاء عمر بالعباس ؛؛ حيث قال عمر (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون) رواه البخاري [1] .
الجواب: هذا حديث صحيح لكن ليس فيه دليل على جواز التوسل بذوات الصالحين ولا بحقهم ولا بجاههم وإنما هو من التوسل بدعاء الصالحين وهو توسل مشروع.
فقوله (كنا نتوسل إليك بنبينا) أي كنا نسأله أن يستسقي لنا فيدعو فتنزل علينا الغيث هذا كان في حياته صلى الله عليه وسلم ومن أمثلته حديث أنس رضي الله عنه حين سأل رجل رسول الله وهو يخطب الجمعة أن يستسقي للناس فرفع الرسول صلى الله عليه وسلم يديه ودعا ربه فأغاث الله عباده فلما مات صلى الله عليه وسلم طلبوا الدعاء من عمه العباس لصلاحه ولمكانه من رسول الله صلى الله عليه و سلم ولو كان التوسل بالذات أو بالحق أو بالجاه لما كان لتركهم له معنى لأن جاه النبي صلى الله عليه و سلم لا يزول بالموت ولأنه لا نسبة بين جاه العباس رضي الله عنه عند الله مع جاه النبي صلى الله عليه وسلم. فلو كان طلب الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته سائغاً لما عدلوا عنه أبداً.
وقولهم توسله بالعباس من باب بيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل يقال هذا قد يقبل لو أن عمر توسل بالنبي صلى الله عليه و سلم بعد موته مرة وبدعاء العباس مرة وأين الدليل على هذا ؟
ثم إن المقام مقام بأساء وضراء فيتعلق فيه بأقوى الأسباب لا بما دون ذلك ، وليس هو مقام سعة حتى يكون محلاً لبيان الجواز.
ثم قد وردت رواية تقضي بأن العباس دعا الله فكان التوسل به أي بطلب الدعاء منه فإنه دعا ذلك اليوم فقال : (اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس) نقله الحافظ ابن حجر في الفتح عن الأنساب للزبير بن بكار [2].
2- حديث الضرير ؛؛ فقد أخرج أحمد وغيره بسند صحيح عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى فقال ادع الله أن يعافيني قال إن شئت دعوت لك وإن شئت أخرت ذاك فهو خير فقال ادعه فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى لي اللهم فشفعه في وشفعني فيه قال ففعل الرجل فبرأ . رواه أحمد والترمذي وقال الترمذي حسن صحيح غريب [3].
وهذا الحديث ليس فيه حجة على التوسل بالذات وإنما هو من جنس الذي قبله من التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو أحد التوسلات المشروعة . فقد قال الضرير للرسول صلى الله عليه وسلم (ادع الله أن يعافيني) وقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك ) قال الضرير( فادع ) .
ثم إن قوله ( اللهم فشفعه ) أي اقبل شفاعته لي عندك والشفاعة لا تكون إلا بطلب وسؤال وقوله (وشفعني فيه) اقبل دعائي في أن تستجيب لنبيك إذا شفع في عندك . وإذا كانت شفاعة الضرير الدعاء فكذلك شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له هي بالدعاء له.
أما زيادة ( وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك أو فعل مثل ذلك ) فقد عزاها شيخ الإسلام ابن تيمية لأبي بكر بن أبي خيثمة في تاريخه وهي معلولة لتفرد حماد بن سلمة بها ومخالفته لشعبة وروح بن عبادة وهما أحفظ من حماد بن سلمة ، وقد تكون مدرجة من كلام عثمان لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم والاعتبار بما رواه الصحابي لا بما فهمه إذا كان اللفظ الذي رواه لا يدل على ما فهمه بل على خلافه [4].
وأما القصة التي وقعت لرجل مع أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ودلالة عثمان بن حنيف له أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه لتقضى حاجته فقد أخرجها الطبراني في الكبير [5]
وقال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله (ضعيفة منكرة) وأعلها بثلاث علل :
ضعف حفظ المتفرد بها – وهو شبيب بن سعيد ، والاختلاف عليه فيها ، ومخالفته للثقات الذين لم يذكروها في الحديث [6]
3- حديث (من خرج من بيته إلى الصلاة فقال اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وأسألك بحق ممشاي هذا ..) الحديث ؛ فالجواب عنه من وجهين :
الأول : ضعف الحديث لأنه من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال الذهبي (مجمع على ضعفه) وقال الحافظ ابن حجر (صدوق يخطئ كثيراً كان شيعياً مدلساً) [7]
والتدليس الذي وصف به من أخبث أنواع التدليس حيث كان يقول حدثني أبو سعيد فيظن السامع أنه يعني أبا سعيد الخدري وهو قد يعني به محمد بن السائب الكلبي أحد الكذابين والعياذ بالله.
الوجه الثاني: على فرض ثبوت الحديث فغاية ما فيه التوسل إلى الله بحق السائلين وحقهم الذي جعله الله حقاً على نسفه إجابة دعوتهم وإثابتهم على أعمالهم الصالحة وإجابة الدعاء صفة من صفاته سبحانه فهو إذن توسل بصفة من صفات الله تعالى والتوسل بالصفات توسل مشروع كما تقدم. وهكذا قل في كل حديث يروى فيه التوسل بحق السائلين أو بحق العمل الصالح إن ثبت.
وللحديث بقية إن شاء الله ؛؛
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
•°°°•°°°•°°°•°°°•°°°•°°°•
علي بن يحيى الحدادي
الرياض
_________________________________
[1] - رواه البخاري 1/342ح964.
[2] - الفتح 2/497
[3] - أحمد (4/138) والترمذي (5/569)
[4] - انظر قاعدة جليلة 196-199
[5] - معجم الطبراني الكبير (9/17-18)
[6] - انظر التوسل ص 88.
[7] - تقريب التهذيب 2/24

 
(( تابع أدلة التوسل البدعي مع بطلان الاستدلال بها ))

4- حديث أنس بن مالك قال : لما ماتت فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لها فقال في آخر دعائه (ووسع مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي..) أخرجه الطبراني في الكبير [1] والأوسط [2]
والجواب عنه من وجهين:
الأول : ضعف الحديث فقد رواه بهذا اللفظ روح بن صلاح قال ابن حجر: "رويت عنه مناكير ، ثم قال وقال الدارقطني ضعيف في الحديث وقال ابن ماكولا ضعفوه وقال ابن عدي بعد أن أخرج له حديثين وله أحاديث كثيرة في بعضها نكارة. اهـ [3]
الثاني : على فرض ثبوته فهو من التوسل بصفة من صفات الله تعالى الفعلية كما تقدم إيضاحه في الحديث الذي قبله.
5- حديث أمية بن خالد (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بصعاليك المهاجرين ) وفي رواية (يستفتح ويستنصر) أخرجه الطبراني في الكبير [4]
والجواب عنه من وجهين :
الأول : ضعف الحديث لإرساله فإن أمية بن خالد لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عبد البر ( لا تصح صحبته عندي والحديث مرسل ) [5] وفيه عنعنة أبي إسحاق وكان مدلساً.
الثاني : إن ثبت الحديث فالاستفتاح هنا معناه طلب الدعاء قال المناوي (أي بدعاء فقرائهم الذين لا مال لهم تيمناً بهم ولأنهم لانكسار خواطرهم يكون دعاؤهم أقرب للإجابة ) [6].
6- حديث عمر مرفوعا (لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي..) الحديث رواه الحاكم .
وهو حديث باطل مداره على عبد الرحمن بن زيد وهو متهم بوضع الحديث قال الذهبي معقبا على قول الحاكم صحيح الإسناد ( بل موضوع ) [7]
وقال شيخ الإسلام ( ورواية الحاكم لهذ الحديث مما أنكر عليه فإنه نفسه قد قال في كتاب المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه ) [8].
7- حديث ابن عباس سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه قال ( سأل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي فتاب عليه ) أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات[9]
الجواب :
هذا الحديث لا يصح سنداً ولا متناً
أما السند فهو من رواية حسين الأشقر عن عمرو بن ثابت أبي المقدام وحسين بن الأشقر قال فيه أبو زرعة : منكر الحديث [10]، وعمرو بن ثابت: رافضي وضاع قال ابن حبان يروي الموضوعات وقال أبو داود : رافضي خبيث[11].
وأما المتن فقد بين الله تعالى الكلمات التي تلقاها آدم فتاب عليه قال سبحانه {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (23) سورة الأعراف.
8- حديث ( توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم ) ؛؛ ( إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم ) .
هذا حديث لا أصل له. قال شيخ الإسلام ( وهذا الحديث كذب ليس في شيء من كتب المسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث ولا ذكره أحد من أهل العلم بالحديث ) [12].
9- حديث أبي أمامة ( أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والأرض وبكل حق هو لك وبحق السائلين عليك ) رواه الطبراني في الكبير[13].
ولا يثبت قال الهيثمي في المجمع : فيه فضال بن جبير وهو ضعيف مجمع على ضعفه [14].
10- أثر مالك الدار أن رجلاً جاء قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا ؛؛ رواه ابن أبي شيبة من طريق أبي صالح السمان عن مالك الدار وكان خازن عمر على الطعام [15].
وهذا الأثر على فرض صحة سنده لا يحل الاستدلال به على جواز سؤال الموتى شيئاً ، ولا التوسل بهم ، لأن الرجل صاحب الرؤيا مجهول ولا يستدل بفعل مجهول ، وإن قيل قد روى سيف في مغازيه بأن صاحب الرؤيا بلال بن الحارث وهو صحابي قلنا سيف ضعيف باتفاق ، وعلى فرض أنه صحابي فهو عمل خالفه فيه الصحابة وعمل المسلمين فإن الله شرع لنا عند الجدب أن ندعوه لا أن نأتي القبور. ومع ذلك فالسند فيه نظر لأن مالك الدار وإن روى عنه اثنان وولاه عمر على بيت المال فلا يكفي ذلك في قبول روايته لعدم العلم بضبطه فإن الرجل قد يكون أميناً ولكنه لا يحسن نقل العلم إذ ليس هو من شأنه ، فكيف إذا تضمن خبره توسلاً بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته وقد علم بالأدلة المتكاثرة بطلانه شرعاً فهذا كله يضعف الخبر ويقضي برده أو يكاد .
11- أثر عائشة أنها أمرت بفتح كوة من الحجرة التي فيها قبر النبي صلى الله عليه وسلم ففعلوا فسقي الناس . رواه الدارمي[16]
والجواب من وجوه:
الأول : عدم صحة الخبر فيه أبو النعمان عارم اختلط في آخر عمره ، وأبو الجوزاء أوس بن عبد الله لم يسمع من عائشة ، وعمرو بن مالك النكري قال ابن حجر صدوق له أوهام ، وسعيد بن زيد قال ابن حبان : كان صدوقاً حافظاً ممن كان يخطئ في الأخبار ويهم حتى لا يحتج به إذا انفرد[17].
فحق لشيخ الإسلام أن يقول ( ليس بصحيح ولا يثبت إسناده )
الثاني: نكارة متنه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية عقب قوله الآنف الذكر : (ومما يبين كذب هذا أنه في مدة عائشة لم يكن للبيت كوة بل كان باقياً كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الله بعضه مسقوف وبعضه مكشوف وكانت الشمس تنزل فيه..ولم تزل الحجرة كذلك حتى زاد الوليد في المسجد) [18]
الثالث : لو ثبت فليس فيه توسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم ولا بجاهه ولا بحقه. قال شيخ الإسلام ( وإنما فتحوا على القبر لتنزل الرحمة عليه ) أي لو صح .
الرابع : أن هذا اجتهاد من عائشة رضي الله عنها والاجتهاد يصيب ويخطئ والعبادات مبناها على التوقيف .
12- أن اليهود كانوا يستفتحون بمحمد في قتالهم لغطفان يقولون (اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي..) فيهزمونهم .
والجواب عليه من وجوه كثيرة نكتفي بثلاثة منها :
الأول : عدم ثبوته فقد أخرجه الحاكم من رواية عبد الملك بن هارون بن عنترة وقال (أدت الضرورة إلى إخراجه في التفسير وهو غريب من حديثه ) قال الذهبي: قلت لا ضرورة في ذلك فعبد الملك متروك هالك [19].
الثاني : أن القرآن قد بين أن اليهود قد ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا فلم يعرف عنهم انتصار على العرب ولا على غيرهم بأنفسهم إنما كانوا يحالفون غيرهم وما سلطوا في هذه الأزمان إلا بسببين بعد المسلمين _ في الغالب عن دينهم _ والثاني تحالفهم مع الملاحدة والنصارى المتصهينين ممن أوتوا من أسباب القوة ما أوتوا مما هو معلوم .
الثالث : لو ثبت أنهم كانوا ينتصرون إذا استفتحوا بهذا الدعاء فليس فيه دليل على مشروعية التوسل بالحق فالله عز وجل قد يقص علينا من أخبار الأمم ما ورد شرعنا بخلافه ومنه قوله تعالى في شأن إخوة يوسف وأبويه {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا } (100) سورة يوسف ومثل قوله تعالى في شأن أهل الكهف { قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا} (21) سورة الكهف وحيث لم يثبت ما يدل على مشروعية التوسل بالحق أو بالجاه أو بالذات فالأصل منعه وبالله التوفيق .
13- قول مالك لأبي جعفر ( ولم تصرف وجهك عنه أي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم_ وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام بل استقبله واستشفع فيه فيشفعه الله فيك ). أخرجها القاضي عياض في الشفاء من طريق ابن حميد قال ناظر أبو جعفر .. فذكر الخبر .
والجواب :
أن هذا الخبر لا يثبت بل هو مفترى على الإمام مالك رحمه الله. قال شيخ الإسلام: ( وهذه الحكاية منقطعة فإن محمد بن حميد الرازي لم يدرك مالكاً و لا سيما في زمن أبي جعفر المنصور فإن أبا جعفر توفي سنة 158هـ وتوفي مالك سنة 179هـ وتوفي ابن حميد سنة 248هـ ولم يخرج من بلده في طلب العلم إلا وهو كبير مع أبيه وهو مع هذا ضعيف عند أكثر أهل الحديث كذبه أبو زرعة وابن وارة ... وفي الإسناد المذكور أيضاً من لا تعرف حاله.) اهـ [20]
والحمد لله رب العالمين.
*'¨¨'*'¨¨'**'¨¨'*'¨¨'**'¨¨'*'¨¨'*
كتبة ...؛؛
علي بن يحيى الحدادي
إمام وخطيب جامع أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر
الرياض
9/10/1426هـ
*'¨¨'*'¨¨'**'¨¨'*'¨¨'**'¨¨'*'¨¨'*
من المراجع النافعة في التوسل:
1- قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
2- الرد على الغماري للعلامة السلفي محدث المدينة الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله.
3- مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
4- التوسل أنواعه وأحكامه لمحدث العصر العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله.
5- مجموع فتاوى الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله.
________________________________________
[1] - المعجم الكبير (24/351)
[2] - المعجم الأوسط (1/67)
[3] - لسان الميزان 2/466
[4] - المعجم الكبير (1/292)
[5] - الاستيعاب 1/64 بهامش الإصابة.
[6] - فيض القدير 5/219
[7] - مستدرك الحاكم 2/615
[8] - قاعدة جليلة ص 168
[9] - الموضوعات رقم(785).
[10] - تهذيب التهذيب 2/291
[11] - تهذيب التهذيب 8/9
[12] - قاعدة جليلة ص 252
[13] - المعجم الكبير (8/264)
[14] - مجمع الزوائد (10/117)
[15] - مصنف ابن أبي شيبة (6/356)
[16] - سنن الدارمي (1/ 56)
[17] - المجروحين (1/320)
[18] - الرد على البكري ص 67-68
[19] - مستدرك الحاكم (2/289)
[20] - قاعدة جليلة 122/123

 
تنبيه: نظرًا لتوقف النقاش في هذا الموضوع منذ 365 يومًا.
قد يكون المحتوى قديمًا أو لم يعد مناسبًا، لذا يُنصح بإشاء موضوع جديد.
العودة
Top Bottom