إلى مَن يُزعجهُ بردُ الشّتاء

الغفران

:: عضو مُشارك ::
إنضم
19 ديسمبر 2011
المشاركات
242
نقاط التفاعل
131
النقاط
9
بسم الله الرّحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

::

إلى مَن يُزعجهُ بردُ الشّتاء
....................

لفضيلة الشّيخ/ خالِد المُصلح؛
حفظهُ الله تعالى.

::

yun_4081.jpg



إن ربكم الذي لا إله إلا هو ولا رب سواه له الحكمة البالغة، والقدرة النافذة، يقلب الليل والنهار، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل: {وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} [المزمل:20].

فمن بديع حكمته الباهرة، وعظيم منة الله –تعالى- على عباده، ورحمته بهم، أن نوّع لهم الفصول في العام الواحد بين صيف وشتاء، وبين ربيع وخريف، لتتم بذلك مصالحهم، ويستقيم معاشهم، ويستوي أمرهم؛ فالحمد لله الذي لا إله إلا هو على بره وإحسانه، ولطفه ورحمته وحكمته وامتنانه.

وقد أظلكم فصل الشتاء، وهو فصل كان يكتب فيه عمر لعماله: "إن الشتاء قد حضر فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب، واتخذوا الصوف شعاراً ودثاراً" وإن من منة الله -تعالى- عليكم أن جعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم البرد، فخلق لكم من أصواف بهيمة الأنعام وأوبارها وأشعارها ما فيه دفء لكم ووقاية، قال تعالى: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5]، فاشكروا الله تعالى فإن الشكر سبب في المزيد، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7].

إن من نعمة الله عليكم بتنويع الفصول أن يحصل بذلك تذكر جهنم، فإن شدة الحر وشدة البرد يذكران الناس بما في جهنم من الحر والزمهرير، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعاً: «اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير».

قال الله تعالى مخبراً عن أهل جهنم -نعوذ بالله منها-: {َّ لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً . إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً . جَزَاء وِفَاقاً} [النبأ:24 -26]، فجهنم يعذب أهلها بالحر والزمهرير، قال ابن عباس: الغساق: "الزمهرير البارد الذي يحرق من برده"، وقال الحسن: "كل برد أهلك شيئاً فهو من نفس جهنم".

فيا من آذاه حر الصيف، ويا من أزعجه برد الشتاء اتق عذاب جهنم، إن عذابها كان غراماً، فإن ما تجده في هذه الدنيا من شدة البرد أو شدة الحر إنما هو شيء يسير من حر جهنم وزمهريرها، فكيف بك يا من أسرفت على نفسك بالذنوب والمعاصي يوم يؤتى بها تقاد بسبعين ألف زمام ثم يقال: {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاء عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:16].

إننا نعيش هذا الفصل ويعيش معنا إخوان لنا قُدِرْت عليهم أرزاقهم، وقصرت بهم النفقة، وهم بأمس الحاجة إلى العون والمساعدة في إقبال الشتاء، فقدموا لأنفسكم وتفقدوا إخوانكم المحتاجين، وابدؤوا بأقاربكم وذوي أرحامكم ثم جيرانكم وأهل بلدكم ثم الأقرب منكم فالأقرب، ولا يحقرن أحدكم من المعروف شيئاً، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اتق النار ولو بشق تمرة».

أخرج الإمام أحمد بسند ضعيف من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشتاء ربيع المؤمن يقوم ليله ويصوم نهاره».

قال ابن رجب -رحمه الله-: "إنما كان الشتاء ربيع المؤمن لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، وينـزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه" انتهى.

فالمؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة ولا كلفة فإن نهاره قصير بار
د، فلا يحس فيه بمشقة الصيام، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة» (رواه الترمذي من حديث عامر بن مسعود، قال الترمذي: هذا حديث مرسل: عامر لم يدرك النبي -صلى الله عليه وسلم-).

فاغتنموا هذه الفرصة، فإن للصيام فضائل عظيمة عديدة، ولو لم يكن فيه إلا ما قاله الله -تعالى- في الحديث الإلهي: «الصيام لي وأنا أجزي به» لكان كافياً.

إن من أبواب الخير في هذا الفصل طول الليل الذي يتمكّن العبد فيه من القيام، فلطوله يمكن أن تأخذ النفس حظها من النوم ثم تقوم بعد ذلك إلى الصلاة، إلى صلاة الليل التي قال الله فيها: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً} [الإنسان:26]، وقال فيها: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق:40] فإن صلاة الليل شعار المتقين، ودثار أولياء الله المفلحين، قال الله تعالى في وصف عباده المتقين: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:16 -17] قال الطبري في تفسير هذه الآية: "فلا تعلم نفس أي نفس، ما أخفى الله لهؤلاء الذين وصف جل ثناؤه صفتهم في هاتين الآيتين مما تقر به أعينهم في جناته يوم القيامة، ثواباً لهم على أعمالهم التي كانوا في الدنيا يعملون".

فليل الشتاء طويل فلا تقصروه بمنامكم، ولا تضيعوه بسهركم على المعاصي والملذات، واجعلوا ليلكم ليل المتقين الذاكرين، لا ليل الغافلين المستهترين، قال ابن القيم -رحمه الله-: "فيا عجباً من سفيهٍ في صورة حليم، ومعتوه في صورة عاقل، آثر الحظ الفاني الرخيص على الحظ الباقي النفيس، باع جنة عرضها الأرض والسماوات بسجنٍ ضيق بين أصحاب البلية والشهوات".
أيا صاح هذا الركب قد سار مسرعاً *** ونحن قعود ما الذي أنت صانع

على نفسه فليبك من كان باكــياً *** أيذهب وقتي وهو باللهو ضائع

.............................

وفقكُمُ اللهُ.
 
~.. طرح رااائع وإنتقاء مفيد ..~


~.. دمتي لنا الغفران بـ جميل أطروحاتكـ ..~



http://dc05.**********/i/03591/uo5bu1c00wto.gif​
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top