إقرأ واستمتع مع قصص الأنبياء \ موضوع رمضاني متجدد

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

بيكهام

:: عضو بارز ::
أوفياء اللمة
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على طه الأمين وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين وبعد،


فإن شهر رمضان شهر العلم والتعلم وشهر الطاعة والعبادة وشهر الخير والأجور ،

ولقد أحببت أن أنقل لكم في هذا الشهر الكريم شيئاً من قصص الأنبياء التي فيها عبر ودروس بالإضافة إلى نقل تعريفات مهمة بهم وبمقامهم عليهم الصلاة والسلام ليكون للمبتدىء عوناً على زيادة معرفتهم وتذكرهم وللمنتهي مراجعة لأخبارهم صلى الله وسلم عليهم أجمعين راجياً الله تعالى أن يجعل نياتنا خالصة لوجهه الكريم إنه على كل شىء قدير.


وقد رأيت أنه قبل البدء بسرد تلك القصص لابد من تقديم مقدمة مهمة في هذا السياق ، فلنفعل ذلك متوكلين على الله تعالى :


مقدمة :


الـنُّـبُوَّةُ

اشتِقاقُها من النبإ أي الخبرِ لأنّ النبوَّةَ إخبارٌ عن الله، أو من النَبْوةِ وهي الرِفعةُ،
فالنبيُّ على الأول فعيلٌ بمعنى فاعل لأنه يُخبرُ عن الله بما يوحَى إليه، أو فعيلٌ بمعنى مفعول أي مُخبَرٌ عن الله أي يُخبرهُ الملكُ عن الله،
والنبوةُ جائزةٌ عقلاً ليست مستحيلة.

والله تعالى بعثَ الأنبياء رحمةً للعبادِ إذْ ليسَ في العقل ما يُستغنى به عنهم لأنّ العقلَ لا يَسْتَقِلُّ بمعرفةِ الأشياءِ المنجيةِ في الآخرة
ففي بعثةِ الأنبياء مصلحةٌ ضروريةٌ لحاجتهم لذلك، فالله متفضِّلٌ بها على عبادهِ فهي سَفارةٌ بين الحق تعالى وبين الخلقِ


الفرقُ بين الأنبياء والرسل


اعلم أن النبيّ والرسول يشتركانِ في الوحي، فكلٌّ قد أوحَى الله إليه بشرعٍ يعملُ به لتبليغهِ للناس، غيرَ أن الرسول يأتي بنسخِ بعضِ شرعِ مَن قبله أو بشرع جديد، والنبيُّ غيرُ الرسول يُوحَى إليه ليتّبِعَ شرعَ رسولٍ قبله ليُبلّغه ولذلك قال العلماء "كلُّ رسولٍ نبيّ وليس كل نبي رسولاً"،

وهما يفترقان في أن الرسالة يوصفُ بها المَلَكُ والبشرُ والنبوة لا تكون إلا في البشر ، فالملائكة فيهم رسلٌ منهم جبريل عليه السلام فهو رسول من الملائكة كذلك يوجدُ غيره يرسله الله إلى الملائكة ليبلّغ الوحي، الله تعالى يأمرهم بأن يبلّغوا طائفةً من الملائكة بأمر، قال الله تعالى: {اللهُ يَصطفي منَ الملائكةِ رُسُلاً ومنَ الناس ** [سورة الحج/75] أي أن الله يختار من بين الملائكة رسلاً ومن بين البشر رسلاً ، فجبريل سفيرٌ بينَ الله وبين الأنبياء والرسلِ منَ البشر ، وبين الله وبين الملائكة أيضًا.

المعجزة

السبيلُ إلى معرفةِ النبي هو المعجزة ،

والمعجزة أمرٌ خارقٌ للعادة يأتي على وفقِ دعوى من ادَّعوا النبوة سالـمٌ من المُعارضةِ بالمثل ،

فما كان من الأمور عجيبًا ولم يكن خارقًا للعادة فليس بمعجزة.

وكذلك ما كان خارقًا لكنه لم يقترن بدعوى النبوة كالخوارق التي تظهرُ على أيدي الأولياء أتباع الأنبياء فإنهُ ليس بمعجزةٍ بل يُسمى كرامة ،

وكذلكَ ليسَ من المعجزة ما يُستطاع معارضته بالمثل كالسحر فإنهُ يُعارضُ بسحرٍ مثله.


يتبع إن شاء الله تعالى ...
 
توقيع بيكهام
نتابع في المقدمة :

ما يجب للأنبياء وما يستحيل عليهم

يجبُ للأنبياء الصدقُ ويستحيلُ عليهم الكذبُ
كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم معروفًا بين أهل مكة بالأمين لما عُرفَ به من الصدق والأمانة والنزاهة، لم تجرّب عليه كذبة قط كل المدة التي قضاها قبلَ أن ينزل عليه الوحي وهي أربعون سنة، فالكذبُ نقصٌ يُنافي منصب النبوة.

يجبُ للأنبياء الفطانة
أي الذكاء فكلهم كانوا أذكياء فطناءَ أصحاب عقول كاملةٍ قوية الفهم. ويستحيلُ عليهم البلادة والغباوةُ فليس فيهم بليدٌ أي من هو ضعيف الفَهمِ لا يفهمُ الكلام بسرعةٍ إلا بعد أن يُكرَّرَ عليه عدة مرات ولا مَن هو ضعيف عن إقامة الحجةِ لمن يعارضهُ بالبيانِ وليس فيهم من هو غبيٌّ أي فهمهُ ضعيف، لأنهم لو كانوا أغبياء لنفرَ الناس منهم لغباوتهم، والله حكيمٌ لا يفعل ذلك، فإنهم أُرسِلوا ليبلغوا الناسَ مصالحَ ءاخرتهم ودنياهم، والبلادةُ تنافي هذا المطلوب منهم.

يجبُ للأنبياء الأمانة فيستحيل عليهم الخيانةُ
ويجبُ للأنبياء الأمانة فيستحيل عليهم الخيانةُ في الأقوال والأفعال والأحوال فإذا استنصحهم شخصٌ لا يكذبونَ عليه فيوهمونه خلاف الحقيقة وإذا وضع عندهم شخصٌ شيئًا لا يضيعونه.

الأنبياء سالمون من الكفر والكبائر وصغائر الخسة
والأنبياء سالمون من الكفر والكبائر وصغائر الخسة أي التي تدل على دناءةِ النفسِ كسرقة حبة عنبٍ قبل النبوة وبعدها وهذه هي العصمة الواجبةُ لهم، ويجوزُ عليهم ما سوى ذلك من المعاصي لكن ينبَّهون فورًا للتوبة قبل أن يقتديَ بهم فيها غيرهم.

يجب للأنبياء الصيانةُ
ومما يجب للأنبياء الصيانةُ فيستحيل عليهم الرذالةُ كاختلاسِ النظر إلى الأجنبيةِ بشهوةٍ وكسرقةِ حبةِ عنب، وكذلك يستحيلُ عليهم السفاهةُ كالذي يقول ألفاظًا شنيعة، وكذلك يستحيل عليهم الجُبنُ فالأنبياء هم أشجع خلق الله، وقد قال بعض الصحابة: "كنَّا إذا حَمِيَ الوَطيسُ في المعركة نحتمي برسول الله صلى الله عليه وسلم"، فقد أعطى الله نبينا قوة أربعين رجلاً من الأشداء.

شرح لعصمة الأنبياء
وليعلم أن عصمة الأنبياء فضلٌ من الله ولطفٌ بهم ولكن على وجهٍ يبقى اختيارهم بعدَ العصمةِ في الإقدام على الطاعة والامتناع عن المعصيةِ وإلى هذا القول مال الشيخُ أبو منصور الماتريدي، وهو القول السديد وعليه الاعتمادُ إذ لولا ذلك لكانوا مجبورين في أفعالهم ومن كان مجبورًا على فعل الطاعة والامتناع عن المعصية لا يكون مأجورًا في فعلهِ وتركه.

تفسير قوله تعالى " وهمَّ بها "
وأما قوله تعالى: { ولقد هَمَّتْ بهِ وهمَّ بها لولا أن رءا بُرهانَ ربِّهِ ** [سورة يوسف/24] فقد قيلَ فيه نحو خمس تأويلات وأحسنُ ما قيل في ذلك أن يقال: قوله تعالى: { وهمَّ بها ** مربوطٌ بما بعدهُ بـ{ لولا أن رأى بُرهان ربه ** فيكون على هذا التفسير ما همّ يوسف بالمرة لأنه رأى البرهان، أما لو لم ير البرهان لهمَّ، والبرهان هو العصمةُ أي أنه أُلهِمَ أن الأنبياء معصومون عن مثل هذا الشئ وأنه سيؤتى النبوة فلم يهمّ، هذا أحسنُ ما قيل في تفسير هذه الآية.

والخلاصةُ أن الأنبياء لا يقعون في الزنى ولا يهمّون به. وقال بعض علماء المغاربة معنى "ولقد همت به" أي همت بأن تدفعه ليزني بها وهمّ يوسف بدفعها ليخلص منها وهذا التفسير شبيه بما ذكر ءانفًا.

يجب للأنبياء التبليغ
إنَّ مما يجبُ للأنبياء التبليغُ فكلُّ الأنبياء مأمورون بالتبليغ وقد دلّ على ذلك قوله تعالى في سورة الحج: { وما أرسلنا مِن قبلكَ من رسولٍ ولا نبيٍّ إلا إذا تَمَنَّى ألقى الشيطانُ في أُمنِيَّتِهِ **.

فمعنى تمنّى في هذه الآية دعا قومه، ومعنى ألقى الشيطانُ في أمنيته أي يزيد الشيطانُ على ما قالوه ما لم يقولوه ليوهموا غيرهم أن الأنبياء قالوا ذلك الكلام الفاسد، وليس معناه أن الشيطان يتكلمُ على لسان النبي فقد قال الفخرُ الرازي: يكفرُ من قال إنّ الشيطان أجرى كلامًا على لسان النبي هو مدحُ الأوثان الثلاثة اللات والعُزى ومناة بهذه العبارة: تلكَ الغرانيقُ العُلى وإنَّ شفاعتهنَّ لتُرتجى، إذ يستحيل أن يمكّن الله الشيطانَ من أن يجري على لسان نبيه مدح الأوثان، وإيضاحُ هذه القضية أن الرسول كان يقرأ ذات يوم سورة النجم فلمّا بَلَغَ { أفرَءَيْتُمُ اللاتَ والعُزَّى* ومناةَ الثالِثَةَ الأُخرى ** انتهزَ الشيطانُ وقفةَ رسول الله وسكتتهِ فأسمع الشيطانُ المشركين الذين كانوا بقرب النبي مُوهِمًا لهم أنه صوت النبي هذه الجملة "تلك الغرانيق العُلى وإن شفاعتهن لتُرتجى" ففرحَ المشركون وقالوا ما ذكر محمد ءالهتنا قبلَ اليوم بخيرٍ فجاء جبريل فقال له هذا ليس من القرءان فحزن الرسول فأنزل الله هذه الآية تسلية له { وما أرسلنا مِن قبلكَ من رسولٍ ولا نبيٍّ إلا إذا تمنَّى ألقى الشيطانُ في أمنيتهِ فينسخُ اللهُ ما يُلقي الشيطانُ ثمَّ يُحكمُ الله ءاياته **. والصحيح أن الله أنزل الآية المذكورة ءانفًا لتكذيبهم فقوله تعالى: {فينسخُ الله ما يُلقي الشيطان ** أي يكشفُ الله ويبيّن أنه ليس من الأنبياء، وذلك ابتلاءٌ من الله وامتحانٌ ليتَميَّز من يتَّبع ما يقوله الشيطانُ ومن لا يتّبع فيهلك هذا ويسعد هذا.

وليس في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كان النبي يرسل إلى قومه وأُرسلتُ إلى الناس كافة" أنّ من سوى نبينا محمد لم يجب عليه أن يبلغ من هم من سوى قومه إنما المعنى أن الأنبياء غير نبينا أرسلوا إلى أقوامهم أي أنّ النص لهم كان أن يبلغوا قومهم ليس معناه أنهم لا يبلغون سوى قومهم لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبٌ على كل من استطاع من أفراد المكلفين وذلك في حق الأنبياء أوكدُ.

الأنبياء فصحاء
وليُعلم أن كل الأنبياء فصحاء فليس فيهم أرتّ وهو الذي يكون في لسانه عقدة وحبسة ويعجل في كلامه فلا يطاوعه لسانه، ولا تأتاءُ ولا ألثغ، وأما الألثغ فهو الذي يُصيرُ الراء غينًا أو لامًا والسين ثاءً ،

يستحيل على الأنبياء سبق اللسان

وليعلم أيضاً أنه يستحيل عليهم سبقُ اللسان في الشرعيات والعاديات، لأنه لو جازَ عليهم ذلك لارتفعت الثقة في صحة ما يقولونه ولقالَ قائلٌ لما يبلغه كلامٌ عن النبي "ما يدرينا أنه يكون قاله على وجه سبق اللسان"، فلا يحصلُ من النبي أن يصدر منه كلام غير الذي أراد قوله، أو أن يصدر منه كلامٌ ما أراد قوله بالمرة كما يحصلُ لمن يتكلم وهو نائم.

وأما النسيان الجائزُ عليهم فهو كالسلام من ركعتين كما حصل مع الرسول مما ورد من أنه قيل لرسول الله: أقُصِرَت الصلاةُ يا رسول الله أن نُسّيتَ، قال: "كلُّ ذلك لم يكن"، ثم سأل أصحابه: "أصدق ذو اليدين" –وهو السائل- فقالوا: نعم، فقام فأتى بالركعتين. رواه مسلم.

يستحيل على الأنبياء الجنون

ومما يستحيل على الأنبياء أيضًا الجُنون، وأما الإغماء فيجوزُ عليهم، فقد كان يُغمى على رسول الله من شدة الألم في مرض وفاته ثمّ يصبُّ عليه الماء فيُفيق.

يستحيل على الأنبياء تأثير السحر في عقولهم


ومما يستحيل عليهم تأثيرُ السحر في عقولهم فلا يجوز أن يُعتقد أن الرسول أثَّرَ السحرُ في عقله وإن كان قاله من قاله. وأما تأثير السحر على جسد النبي فقد قال بعض العلماء إنه جائز فقد ورد أن يهوديًّا عمل السحر لرسول الله فتألم الرسول من أثر ذلك.

يستحيل على الأنبياء الجبن
وكذلك يستحيل على الأنبياء الجبن أما الخوف الطبيعي فلا يستحيل عليهم. الخوف الطبيعي موجود فيهم وذلك مثل النفور من الحية فإن طبيعة الإنسان تقتضي الهرب من الحية وما أشبه ذلك مثل التخوف من تكالب الكفار عليه حتى يقتلوه فإن ذلك جائز عليهم. ولكن لا يقال عن النبي هرب لأن هرب يشعر بالجبن أما إذا قيل هاجر فرارًا من الكفار أي من أذى الكفار فلا يشعر بالجبن بل ذلك جائز ما فيه نقص.

يستحيل على الأنبياء الأمراض المنفرة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بعثَ الله نبيًّا إلا حسنَ الوجه حسنَ الصوتِ وإن نبيكم أحسنهم وجهًا وأحسنهم صوتًا" رواه الترمذي. فالأنبياء كلهم كانوا ذوي حُسن وجمال فلا يجوز عليهم المرضُ الذي ينفّرُ الناسَ منهم، الله تعالى لا يسلّط عليهم هذه الأمراض،

أما المرضُ المؤلم الشديدُ حتى لو كان يحصلُ منه الإغماءُ أي الغَشْيُ يجوز عليهم،

وأما الأمراض المنفّرة فلا تجوزُ على الأنبياء، هذا أيوبُ عليه السلام الذي ابتلاهُ الله بلاءً شديدًا استمرَّ ثمانية عشر عامًا وفقدَ مالهُ وأهلهُ ثم عافاهُ الله وأغناهُ ورزقهُ الكثير من الأولاد، بعضُ الناس الجهال يفترون عليه ويقولون إن الدود أكل جسمه فكانَ الدود يتساقط ثم يأخذ الدودة ويعيدُها إلى مكانها من جسمه ويقول: "يا مخلوقة ربي كُلي من رزقكِ الذي رَزَقك"، نعوذ بالله هذا ضلالٌ مبينٌ.

وأما نبي الله موسى عليه السلام الذي تأثّر لسانُهُ بالجمرة التي تناولها ووضعها في فمه حينَ كان طفلاً أمامَ فرعون لحكمةٍ، ما تركت تلك الجمرةُ في لسانه أن يكون كلامهُ غير مفهم للناس إنما كانت عقدة خفيفة بل كان كلامه مُفهمًا لا يبدل حرفًا بحرفٍ بل يتكلم على الصواب لكن كان فيه عقدةٌ خفيفةٌ أي بطءٌ من أثر تلك الجمرة ثم دعا الله تعالى لما نزل عليه الوحي فقال: { واحْلُلْ عُقدةً من لساني* يفقهواْ قولي ** [سورة طه/27-28] فأذهبها الله عنه.


الأنبياء هم أجمل وأكمل البشر

الحاصلُ أن أنبياء الله كلهم أصحابُ خلقةٍ سويةٍ لم يكن فيهم ذو عاهةٍ في خلقتهِ ولم يكن فيهم أعرج ولا كسيحٌ ولا أعمى إنما يعقوبُ من شدة بكائهِ على يوسف ابيضّت عيناه من شدة الحزن فعميَ ثم ردَّ الله تعالى عليه بصره لما أرسل يوسف بقميصهِ من مصر إلى مدين وهي البلدة التي فيها أبوه فشمَّ يعقوب ريح يوسف في هذا القميص، الله تعالى جعلهُ يشمُّ ريحَ يوسف فارتدَّ بصيرًا هو لم يكن أعمى من أصل الخلقةِ ولا كان به عمًى قبل هذه المصيبة التي أصابتهُ بفقدِ ابنه يوسف. فالنبي في البدء أوّل ما ينزل عليه الوحي لا بدَّ أن يكون بصيرًا، ثم بعد ذلك يجوز أن يعمى لمدة كما حصل لنبي الله يعقوب عليه السلام.

وأما الذي يقول إن ءادم عليه السلام كان متوحشًا قصير القامة شبيهًا بالقرد فهو كافرٌ، وكذلك من قال إنه كان يمشي في الأرض عُريانًا كالبهائم لأن في ذلك تكذيبًا للقرءان، قال تعالى في سورة التين: {والتينِ والزيتون* وطورِ سينين* وهذا البلدِ الأمين* لقد خلقنا الإنسانَ في أحسنِ تقويم ** [سورة التين/1-2-3-4] أي في أحسن صورةٍ وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن ءادم كان طوله ستين ذراعًا وعرضه سبعة وافر الشعر".

فقولُ بعض الملحدين في العصور الأخيرة إن أول البشر كان على صورة القرد تكذيبٌ للآية المذكورة وللحديث الصحيح: "كان ءادمُ ستينَ ذراعًا طولاً في سبعة أذرع عرضًا" رواه أحمد.

يُتبع مع أول قصة عن سيدنا ءادم عليه السلام ..
 
توقيع بيكهام
الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على طه الأمين
وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين وءال كل والصالحين
وبعد

نبي الله ءادم عليه الصلاة والسلام

قال الله تعالى:
''إنّ الله اصطفى ءادمَ ونوحاً وءال إبراهيمَ وءال عمران على العالمين''.
(سورة ءال عمران/33).
سيدنا ءادم عليه السلام هو أبو البشر وأوّلُ إنسان خلقه الله تعالى،
فهو أول النوع البشري الذي فضله الله على سائر أنواع المخلوقات،
فهو أفضل من النوع المَلَكي وأفضل من النوع الجني.
وكان خلقه عليه السلام في الجنة ءاخر ساعة من يوم الجمعة
من الأيام الست التي خلق الله فيها السماوات والأرض كما جاء في حديث مسلم،
وروى مسلم وغيره أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق ءادم".

كيف خلق ءادم عليه الصلاة والسلام
شاء الله سبحانه وتعالى بمشيئته الأزلية التي لا تتبدل ولا تتغير
وجود ءادم عليه السلام فأبرزه بقدرته من العدم الى الوجود.
فقد أمر الله تعالى مَلَكاً من ملائكته الكرام أن يأخذ من جميع
أنواع تراب الأرض التي نعيش عليها ليخلق منه ءادم عليه السلام،
فأخذ هذا الملك من جميع أنواع تراب الارض
من أبيضها وأسودها وما بين ذلك،
ومن سهلها وحَزْنِها أي قاسيها وما بين ذلك،
ومن طيبها ورديئها ومما هو بين ذلك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنّ الله قبض قبضة من الأرض من أبيضها وأسودها وما بين ذلك، ومن طيبها ورديئها وما بين ذلك فجاء ذرية ءادم على قدر ذلك"
رواه ابن حبان وغيره،
وعند أحمد:
"فجاء بنو ءادم على قدر الارض، فجاء منهم الأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك".
أي جاءت أحوال وألوان ذرية ءادم عليه السلام مختلفة
بسبب هذا التراب المختلف الذي خُلق منه ءادم عليه الصلاة والسلام.

فائدة
قيل سمي ءادم بهذا الاسم لأنه من أديم الأرض.

معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
"إنّ الله خلق ءادم على صورته"
يجوز أن يكون معنى هذا الحديث:
"إنّ الله خلق ءادم على صورته"
أي على صورة ءادم الأصلية التي خلقه عليها طوله ستون ذراعاً
وعرضه سبعة أذرع فيكون الضمير في"صورته"
عائداً إلى ءادم عليه السلام، ويجوز أن يكون الضمير في "صورته" عائداً إلى الله فيكون التقدير على الصورة التي خَلَقَها الله وجعلها مشرفة مكرمة، وتسمى هذه الإضافة إضافة الملك والتشريف لا إضافة الجزئية
كإضافة الكعبة إلى نفسه
كقول الله تعالى لإبراهيم وإسماعيل:
''أن طَهرا بيتي''


الخلقة التي خُلق عليها سيدنا ءادم عليه السلام

خلق الله سيدنا ءادم عليه السلام جميل الشكل والصورة وحسن الصوت
لأن جميع أنبياء الله الذين بعثهم الله لهداية الناس كانوا على صورة جميلة وشكل حسن وكذلك كانوا جميلي الصوت،
قال صلى الله عليه وسلم:
"ما بعث الله نبياً إلا حسن الوجه حسن الصوت
وإنّ نبيّكم أحسنهم وجهاً وأحسنهم صوتاً".
ولقد كان طول سيدنا ءادم عليه الصلاة والسلام ستين ذراعاً،
وكان وافر الشعر شبهه رسول الله في الطول بالنخلة السَّحوق،
فلما خلقه الله قال:
إذهب فسلم على أولئك -نفر من الملائكة جلوس-فاستمع ما يحيونك
فانها تحيتك وتحية ذريتك،
فقال: السلام عليكم،
فقالوا: السلام عليك ورحمة الله،
فزادوه: ورحمة الله.
وكل من يدخل الجنة يكون على صورة ءادم في الطول
فقد ورد في مسند الامام أحمد باسناد حسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
: أنّ أهل الجنة يدخلون الجنة على خلق ءادم ستون ذراعاً في عرض سبعة أذرع.

فائدة
روى الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنّ الله عز وجل لمّا صوّر ءادم تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل ابليس يُطيف به فلما رءاه أجوف عرف أنّه خلق لا يتمالك
وعند أبي يعلى:"فكان إبليس يمر به فيقول: لقد خلقت لأمر عظيم".
ففي هذا الحديث الصحيح دليل على أنّ إبليس كان في الجنة لما خلق ءادم وذلك قبل أن يكفر لأنه كان مسلماً يتعبد مع الملائكة ولم يكن منهم من حيث الجنس والأصل لأن الملائكة أصلهم النور وإبليس أصله من مارج من نار أي لهب النار،
وفيه أن إبليس كان يدور حول هيكل ءادم وذلك قبل أن ينفخ فيه الروح فرءاه أجوف أي شيئاً غير مصمت بل له جوف، فعرف أنه خلق لا يتمالك أي ليس كالملائكة
ولا كالجمادات بل هو أضعف من ذلك.

ومن الكذب الظاهر ما شاع من نظرية ابتدعها بعض الكفار وهي أنّ أصل البشر قرد أو يشبه القرد وهذا تكذيب
لقوله تعالى:
''لقَدْ خَلقنا الانسان في أحسن تقويم'' (سورة التين/4).
فسيدنا ءادم عليه الصلاة والسلام هو أول إنسان خلقه الله تبارك وتعالى لم يكن أصله قرداً ثم ارتقى حتى صار إنساناً
''كَبُرَتْ كلمَةً تخرج مِنْ أفواههم ان يقولون إلاّ كذباً'' (سورة الكهف/5)،
فنظرية داروين التي يقول إنّ الإنسان أصله قرد
ثم ارتقى بسبب العوامل المجهولة حتى صار هذا الانسان،
هي نظرية باطلة لا تقوم على أساس علمي وتردها دلائل النقل وإن تلقفها المفتونون بكل جديد ولو كان سخيفاً باطلا.
وما جاء في القرءان من مسخ بعض اليهود قردة وخنازير فهو حالة نادرة جعلها الله تبارك وتعالى لليهود الذين اعتدوا في السبت وعصوا الله تبارك وتعالى وموعظة وعبرة للمتقين،
قال الله تبارك وتعالى:
''ولقد علمتُمُ الذينَ اعتدَوا مِنكم في السّبتِ فَقُلنا لهم كونوا قِردةً خاسئين''
(سورة البقرة/65).
على أنّ أولئك الذين مسخهم الله تبارك وتعالى قردة لم يعيشوا طويلاً بل عاشوا ثلاثة أيام ثم ماتوا ولم يتركوا نسلاً من جنس ما مسخوا منه.



يتبع إن شاء الله

 
آخر تعديل:
توقيع بيكهام
بارك الله فيك
موضوع قيم
واصل
 
توقيع la lune rose
سجود الملائكة لآدم واعتراض إبليس
وعدم سجوده وطرده من الجنة
أمر الله تبارك وتعالى الملائكةَ بالسجود لآدم عليه السلام
فامتثل الملائكةُ لأمر الله وسجدوا كلهم لأن الملائكة
كما وصفهم الله تعالى:
''لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ'' (سورة التحريم/6).
وأما إبليس فقد استكبر واعترض على الله ولم يمتثل لأمره وقال:
''أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ'' (سورة الأعراف/12)
فكفر وظهر منه ما قد سبق في علم الله تعالى
ومشيئته من كفره واعتراضه باختياره،
وقد ورد في الأثرِ أنه كان قبل كفره يسمى عزازيل.
وروى مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا قرأ ابن ءادم السجدة فسجدَ اعتزل الشيطان يبكي يقول:
يا ويلَه، أمر ابن ءادم بالسجود فسجد فله الجنة، وأُمرت بالسجودِ فأبيت فلي النار".

ثم بعد أن عرف إبليس اللعين أنه ملعون طلب من الله أن ينظره
أي يؤخره إلى يوم البعث أي يوم الخروج من القبور
ولكن الله لم يجبه إلى ذلك بل أخره إلى النفخة الأولى
ليذوق الموت الذي حكم الله به على خلقه
قال تعالى مخبرًا عن قول إبليس:
''قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ*
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ*
إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ''
(سورة ص/79-80-81).
ومعنى قوله تعالى:
''كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ'' (سورة القصص/88)
أي إلى زمن نفخة الإهلاك وهي نفخة إسرافيل في البوق
فيموت كل حي من الإنس والجن من هَول ذلك الصوت
قال البخاري في تفسير قوله تعالى:
''كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ'' إلا ملكه،
ومعناه سلطان الله لا يهلك.


ثم إن إبليس اللعين لما اعترض وكفر أمره الله بالخروج من الجنة،
لكنه لم يخرج منها فورًا بل أقام فيها مُدّة ليوسوس لآدم وحواء بعصيان الله تعالى ليكون سببًا في إخراجهما من الجنة،
قال تعالى:
''قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا'' (سورة الأعراف/18)،
وقال تعالى:
''فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ*
وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ'' (سورة ص/77).


وقد كان إبليس قبل ذلك الوقت مسلمًا مؤمنًا من الجنّ يعبد الله مع الملائكة،
وذلك قبل أن يكفر ويعترض على الله،
وليس صحيحًا أنه كان طاووس الملائكة ولا رئيسًا لهم كما يزعم بعض الجهال،
قال الحسن البصري:
لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين قط،
وقال شهر بن حوشب: كان من الجن،
ويدل على ذلك قوله تعالى:
''قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ'' (سورة الكهف/50)،
وقوله تعالى:
''فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ'' (سورة الحجر/30)،
فلو كان من الملائكة لم يعص ربه لأن الله تعالى وصفهم في القرءان الكريم بقوله:
''لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ'' (سورة التحريم/6).


ومما يدل أيضًا على أن إبليس ليس من الملائكة بل هو من الجن قوله تعالى:
''قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ'' (سورة الأعراف/12)
ففي هذه الآية دليل على أن إبليس مخلوق من نار،
بخلاف الملائكة فإنهم خلقوا من نور
كما جاء في صحيح مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار،
وخُلق ءادم مما وُصف لكم".





سكنى ءادم وزوجته حواء الجنة
أمر الله تعالى سيدنا ءادم وزوجته حواء التي جعلها حلالاً له أن يسكنا الجنة، وهي جنة الخلد التي سيدخلها المؤمنون يوم القيامة ، وقد أباح الله لآدم وحواء سكنى الجنة والأكل من ثمارها والشرب من مياهها
والتنعم بنعيمها من غير مشقة ولا تعب يلحقهما في الحصول على ما يريدان من طعام وشراب، إلا شجرة واحدة حرمها عليهما ونهاهما عن الأكل منها،
وحذرهما من عداوة إبليس وإغوائه لهما،
ولم يرد في القرءان الكريم ولا في الحديث الثابت الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هي هذه الشجرة،
لذلك اختلف العلماء في تعيينها فقيل هي الحنطة وقيل هي التفاح، وقيل هي النخلة، وقيل التين، وقيل غير ذلك، فقد تكون واحدة من هذه وقد تكون من غيرها،
وقال بعضهم:
هذا الخلاف لا طائل تحته لأنه لا يتعلق بتعيينها حكم شرعيّ ولا فائدة تاريخية وإلا لعينها لنا القرءان.

وسكن ءادم وزوجه حواء الجنة وصارا يتمتعان بما فيها من نعيم
وما فيها من كل ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، فكان يتنقل بين أشجارها ويقطف من ثمارها ويتنعم بفاكهتها
ويشرب من عذب أنهارها ومياهها،
قال الله تعالى:
''وَقُلْنَا يَا ءادَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ''.
(سورة البقرة/35).

وقال تعالى:
''فَقُلْنَا يَا ءادَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى*
إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى*
وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى''.
(سورة طه/117-118-119) ومعنى رغدًا أي هنيئًا.

سبب خروج سيدنا ءادم من الجنة
السبب في ذلك أن ءادم خالف النهي الذي نهاه الله لأنه أعلمه بالمنع من أكل شجرة واحدة من أشجار الجنة وأباح له ما سواها فوسوس الشيطان له ولحواء أن يأكلا منها
فقال لهما ما أخبر الله تعالى في القرءان:
''فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ''.
(سورة الأعراف/20).
فأكلا منها فأخرجهما الله تعالى من الجنة،
وكان ذلك قبل أن تنزل عليه النبوة والرسالة لأنه إنما نبّىء بعد أن خرج من الجنة فتابا من تلك المعصية، ولا تعد تلك المعصية معصيةً كبيرة قال الله تعالى:
''ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى''
(سورة طه/122).

ثم بعد خروجهما من الجنة تناسلا فعلّم ءادم أولاده أمور الإسلام فكل ذريته كانوا على الإسلام، ثم نبىء بعد ءادم ابنه شيث، ثم بعد وفاة شيث نبىء إدريس ثم كفر بعض البشر بعبادة الأصنام فبعث الله الأنبياء بالتبشير لمن أطاعهم بالجنة والإنذار بالنار لمن خالفهم بعبادة غير الله وتكذيبهم.

مما ابتلي به ءادم وحواء بعد أكل الشجرة أنه نزع عنهما لباسهما وانكشف لهما سوءاتهما فطفقا يلصقان عليهما من ورق الجنة وكان لباسهما الذي كان عليهما من نور، وقد دل القرءان العظيم على أنه كان عليهما لباس في
قوله تعالى:
''يَا بَنِي ءادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا''.
(سورة الأعراف/27)،
ثم بعد أن نزلا إلى الأرض علمه الله تعالى أسباب المعيشة فأنزل له القمح وعلمه كيف يبذر وكيف يحصد وكيف يعمل للأكل، وعلمه النقدين الذهب والفضة فعمل الدراهم والدنانير.

فآدم عليه السلام له فضل كبير على البشر
لما له عليهم من حق الأبوة وتعليم أصول المعيشة فلا يجوز تنقيصه، فمن نقصه أو أنكر رسالته فهو كافر.
فلو كان الأمر كما ظن بعض الناس أن ءادم لم يكن رسولاً لساوى البشر البهائم ولكانت ذريته كذرية البهائم.

قال الله تعالى:
''وَقُلْنَا يَا ءادَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ* فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ''
(سورة البقرة/35-36).

وقال الله تعالى:
''فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا ءادَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى*
فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى ءادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى* ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى''
(سورة طه/120-121-122).

فائدة
قال الله تعالى:
''فَتَلَقَّى ءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ''
(سورة البقرة/37)،
وروي عن مجاهد قال:
"الكلمات: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم
وروى البيهقيّ بإسناده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لما اقترف سيدنا ءادم الخطيئة قال:
"يا رب أسألك بحق محمد إلا ما غفرت لي، فقال الله:فكيف عرفت محمدًا ولم أخلقه بعد؟ فقال:يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت فيَّ من روحِك (أي الروح المشرف عندك) رفعتُ رأسي فرأيتُ على قوائم العرش مكتوبًا لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله،
فعلمتُ أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحبُّ الخلق إليك"
قال البيهقي:
تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من هذا الوجه وهو ضعيف،
ورواه الحاكم وصححه.

تنبيه
لا يقال طرد الله ءادم من الجنة لأن هذا اللفظ فيه تحقيرلسيدنا ءادم بل يقال أهبط كما يفيد نص القرءان.


يتبع إن شاء الله
 
توقيع بيكهام
مدة إقامة ءادم عليه السلام في الجنة
واليوم الذي خرج فيه من الجنة
اختلف العلماء في مقدار مُقام ءادم عليه السلام في الجنة
فروى الحاكم في مستدركه أن ءادم لم يمكث في الجنة إلا ما بين العصر إلى الغروب، والأقوى أنه مكث مائة وثلاثين عامًا.

ولا ينافي هذا بالنسبة لتلك الأيام الستة أن يكون أدرك فيها مائة وثلاثين عامًا ثم أكمل الألف في الأرض كما يفهم ذلك من بعض الآثار.

وقد ورد أن اليوم الذي أخرج فيه ءادم عليه السلام من الجنة وهبط فيه إلى الأرض كان يوم الجمعة،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"خيرُ يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة
فيه خُلِق ءادم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها"
رواه مسلم، ورواه أحمد بنحوه.


مكان نزول ءادم عليه السلام على الأرض

أمر اللهُ سيدنا ءادم وحواء بالهبوط من الجنة إلى الأرض، وأمر إبليس بالهبوط إليها أيضًا، وأخبرهما أن العداوة بينهما وبين إبليس اللعين ستظل قائمة وبالتالي ستكون بين إبليس وبني ءادم
قال الله تعالى:
''وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ''


فيروى أن ءادم عليه السلام نزل في أرض الهند في أرض تسمى سرنديب على أشهر الأقوال،
ونزلت حواء عليها السلام في أرض أخرى قيل إنها جُدّة، فجاء سيدنا ءادم في طلبها حتى أتى جمعا فازدلفت (أي اقتربت) إليه حواء فلذلك سميت المزدلفة وهي بين مكة وعرفة،
وقيل إنهما تعارفا في عرفات لذلك سميت عرفات،
وأما إبليس اللعين فقيل إنه نزل بالأُبلة أرض في العراق.

فائدة
قيل إن أطيب بقعة في الأرض ريحًا الأرض التي أهبط بها ءادم فعلق بشجرها من ريح الجنة، قيل إن تلك الأرض التي نزل بها ءادم من أصح بلاد الأرض فناسبت أن تكون موطنه لكونه قريب عهد بالجنة.

خلافة بني ءادم في الأرض

قال الله تعالى:
''وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ''.
(سورة البقرة/30).

هذه الآية تخبر أن الله قضى على ءادم وبَنِيه باستخلاف الأرض لعمارتها والانتفاع بما أودعه فيها من نبات وحيوان ومعادن ويتولى بعضهم على بعض بالحكم وغير ذلك.

وقد أخبر الله الملائكة وأعلمهم أنه سيجعل بني ءادم خليفة في الأرض يسعون فيها ويمشون في مناكبها وينتشر نسلهم في أرجائها، ويأكلون من نباتها ويستخرجون الخيرات من باطنها ويخلف بعضهم بعضًا فيها.

فسألت الملائكة ربها للاستكشاف عن الحكمة في جعله خليفة في الأرض لا للاعتراض على الله وقالت:
''أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ''.
(سورة البقرة/30)
أي نحن نعبدك دائمًا ولا يعصيك منا أحد.

فبيّن اللهُ للملائكة الحكمةَ من جعل بني ءادم خليفة في الأرض وهو أن البشر وإن كان فيهم من يسفك الدماء ويفسد في الأرض، لكن منهم الأنبياء والأولياء، ونصب لهم دليلاً على فضل ءادم أن علمه أسماء كل شىء فتفوق على الملائكة بذلك وقال الله لآدم:
''أَنْبِئْهُم بأسمائِهم''. (سورة البقرة/33). فصار ءادم يقول لهم هذا اسمه كذا هذا اسمه كذا فعرفوا أن هذا الجنس أفضل منهم.

كيف عرف الملائكة أن بني ءادم يفسدون ،
عرف الملائكةُ ذلك من أنه كان مضى قبل ذلك جن يعيشون في الأرض فأفسدوا فأحرقتهم الملائكة على ما ورد في بعض الآثار،

وليس السبب ما قال بعض الناس أنه سبق قبل ءادم أوادم كثير حتى قال بعضهم كان مائة ألف ءادم، وهذا قول هراء ليس له أساس من الصحة.

أما سجود الملائكة لآدم فكان سجود تحية وإكرام لا عبادة لآدم، وكان سجود المخلوق للمخلوق جائزًا في شرائع الأنبياء
ثم حرمه الله في شرع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

يتبع إن شاء الله
 
توقيع بيكهام
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
العودة
Top Bottom