مرحبًا رمضان.. مربي أبنائي

abou khaled

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
16 جوان 2011
المشاركات
1,144
نقاط التفاعل
930
النقاط
51
مرحبًا رمضان.. مربي أبنائي



مرحبًا رمضان.. مربي أبنائي



سحر محمد يسري
عزيزي المربي..
ما هو شعورك لو أنَّ خبيرًا في التربية والتهذيب جاء إليك يعرض عليك أن يقيم عندك شهرًا كاملًا ليساعدك في تربية أبنائك؟
إن هذا ليس حلمًا بعيد المنال، ولكنها الحقيقة تأتيك عما قريب..فها نحن نستعد لاستقبال خير شهور العام شهر رمضان المعظم أعاده الله تعالى علينا وعلى أمة الإسلام بخير، ولئن كان المربون في عصرنا تشتد حاجتهم إلى من يعاونهم في تربية أبنائهم، فإن شهر رمضان هذا الزمان الفاضل هو خير معين للمربي، كيف يكون ذلك؟ هذا ما سنتعرف عليه عبر السطور التالية.
أصلٌ نتفق عليه
إن من الأصول التي يتفق عليها المربون رغبة كل مربي في تنشئة ولد صالح وتأديبه وتهذيبه، جاء عن ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه: (أَدِّبِ ابْنَكَ فَإِنَّكَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ: مَاذَا أَدَّبْتَهُ، وَمَاذَا عَلَّمْتَهُ؟ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَوَاعِيَتِهِ لَكَ)، وقال بعض العلماء: (إنّ اللَّهَ سبحانه يَسْأَل الْوَالِدَ عَنْ وَلَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَبْل أَنْ يَسْأَل الْوَلَدَ عَنْ وَالِدِهِ).
ولقد كانت عادة المربين الأوائل من سلفنا الصالح في تربيتهم لأولادهم: بناء معتقدهم، وتنمية مهاراتهم وقدراتهم، وتحصينهم ضد الشهوات والشبهات، وتأهيلهم للأعمال الجليلة، والواجبات الشرعية، والسلوكيات الحميدة، وقد وردت النصوص في تأكيد ذلك وبيانه.
وتعليم الأطفال وتربيتهم لا يرتبط بوقت محدد، أو حلقات يقيمها الأب والأم من أجل التربية، ولكن التربية داخل الأسرة تتم على مدار اليوم والليلة، وعلى مستوى اللحظة والدقيقة، ولذلك تكون المناسبات الدينية التي سمّاها القرآن الكريم "شعائر الله" من أعظم أوقات التربية التي لا بد للمربي من استغلالها واستثمارها لصالح تربية الأبناء، قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}.
وشعائر الله هي المعالم الظاهرة من دينه، التي جعل الله تبارك وتعالى بعضها مكانيًا، وجعل بعضها زمانيا، ومن ذلك الأشهر الحرم وشهر رمضان، فرمضان زمن شريف، فحرمته الزمانية، كحرمة الحرم المكانية، وقد استمد حرمته ومكانته من نزول كلام الله تعالى فيه، قال سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان} [البقرة: 185].


عزيزي المربي..
إننا لكي نُحَقِّقَ هذه الخِصال التربوية مع أطفالنا في أعظم الأيام عند الله، ينبغي أن تكون لنا خُطوات أسرية إيمانية مدروسة، نستجلبُ بها رحمة الكريم المنَّان، ونؤكِّد فيها التقارب معهم، ونرسم لهم أهدافًا سامية للارتقاء بهم إيمانيًا وتربويًا من خلال استثمار شهر الصيام، ومن هذه الخطوات:
لفت انتباه الطفل إلى قدوم رمضان:
ويمكن للمربي أن يبتكر وسائل طريفة ومرحة لذلك قبل بداية رمضان بأسبوعين على الأقل، مثل وضع ملصق ذا ألوان زاهية، يتضمن هذا الملصق آيات وأحاديث عن فضل شهر رمضان مع رسوم الفوانيس والمسحراتي وما إلى ذلك، بصورة واضحة، وتعليقها في غرفة الجلوس، أو في مكان بارز في البيت؛ ليتمكن الجميع من قراءتها.. ومن الممكن أن يعلن المربي عن جائزة مناسبة لمن يحفظها من الأبناء، على أن توزع الجوائز في ليلة رمضان بعد رؤية الهلال.
تهيئة الطفل نفسيًا:
من خلال تشجيع الطفل على صنع الزينات وتعليقها على المنزل، إذ أنّه من أكبر المتع للطفل أن يصنع بنفسه وبالاشتراك مع أصدقائه وجيرانه الزينات الورقية الملونة التي تزدان بها البيوت في شهر رمضان الكريم، فإتاحة الفرصة للطفل كاملة كي يعبر عن فرحته عمليًا يؤدي ـ مع إشاعة المربي جو الفرح والبهجة في المنزل ـ إلى تهيئة الطفل نفسيًا لاستقبال الشهر والقيام بالصوم مثل الكبار تمامًا، كما أن هذه التهيئة تخلق نوعًا من الارتباط الذهني في عقل الطفل بين الفرح وأداء العبادة التي أمرنا الله تعالى بها.
تربية الأبناء على تعظيم الحرمات والشعائر:
وحرمات الله وشعائره في هاتين الآيتين كما قال العلاَّمة السعدي: (كلُّ ما له حرمة، وأَمَر باحترامه، من عبادة أو غيرها؛ فالمعظِّم لها يبرهن على تقواه، وصحة إيمانه، لأن تعظيمها، تابع لتعظيم الله وإجلاله)؛ لذلك يتعين على الأب أن يجتهد في تقويم الأهل والأسرة واعتبار ذلك مسؤوليته الشخصية، لأن كل شخص راع وكل راع مسئول عن رعيته، فيجفف منابع الفساد المسموع والمرئي في بيته تعظيمًا لحرمة الشهر، وصيانةً لأهله وأبنائه عن الذنب المضاعف في هذه الأيام الفاضلة، ومن الوسائل أيضًا أن يقوم المربي بإعداد برنامجا لتحويل رمضان إلى مخيم منزلي لدورة قرآنية تعبدية مكثفة للأسرة [د.عبد العزيز مصطفى كامل، روح الصيام ومعانيه،ص:35].
تدريب الأبناء على عبادة الصيام:
جاء عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: (مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ"، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ) [عادل بن سعد الخوفي، مقال: أبناؤنا ومواسم الخيرات].
وقد كان بعض السلف رضوان الله عليهم يُوقِّتون بداية أمر الصبي بالصيام إذا أطاقه وهذا منقول عن ابن سيرين وقتادة والزهري وعروة بن الزبير رحمهم الله.
- والأب يقدر بخبرته طاقة ولده ومقدرته على الصوم، فإن رأى فيه قوة عليه، ورغبة فيه، أمره به وحثه عليه مبينًا فضل الصيام وأجره عند الله، ولا يتقيد في ذلك بسن معينة.
- كما يمكنه أن يُقسم النهار إلى أجزاء، فليس من الضروري أن يصوم الولد كامل النهار - خاصة الولد الصغير في مرحلة التدريب - فيكون الجزء الأول مثلًا من صلاة الفجر حتى صلاة الظهر، والجزء الثاني من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، والجزء الثالث من صلاة العصر حتى صلاة المغرب، والولد يصوم من هذه الأجزاء حسب طاقته وقدرته دون إجبار، فيحثه الأب على الصوم ويكافئه على ذلك، مع مراعاة عدم إضرار الصيام به.
- كما يمكن للأب أن يقدم لأولاده اللُّعب المختلفة، عند الحاجة ليلهيهم بها عن طلب الطعام، اقتداء بالسلف الصالح، ولا بأس أن يخرج بهم للنزهة أو المسجد إذا احتاج الأمر، فإن بعض السلف كانوا يأخذون الأولاد إلى المسجد في يوم عاشوراء، ويجعلون لهم الألعاب من الصوف ليلتهوا بها عن طلب الطعام.
الفوائد التربوية لصيام الأطفال:
ولتعويد الصغار على عبادة الصيام العديد من الفوائد التربوية، مثل:
- الصيام يغرس خلق المراقبة والصبر والاستقامة في نفس الطفل
- يعود الطفل على النظام والطاعة؛ لأن العبادات تأتي في أوقات محددة، تخضع لنظم ثابتة.
- يتعود الأمانة في كل أمور الحياة؛ لأن الصوم تربية للضمير، يحرص الصائم على مرضاة ربه في كل الأحيان الأحوال.
- تشعره بمساعدة الفقير والمحتاج، وتذكره بضرورة مساعدته؛ فتتربى فيه مشاعر التكافل والإحساس بآلام الغير ومواساتهم [د.مصطفى أبو سعد:التربية الإيجابية، ص:190، نقلًا عن: سهام مهدي: الطفل في الشريعة الإسلامية، ص:268].

تعريف الأبناء بالفوائد الصحية للصيام:
مع الربط بين فوائد الصيام الصحية التي أثبتها العلم الحديث، وبين ورحمة الله تعالى بعباده في فرض الصيام عليهم، وقد ثبت أنّ هذه الفوائد وقائية وعلاجية، ومن جملة هذه الفوائد:
- يقي الصيام الشخص السليم من السمنة، ويعالج الأمراض الناتجة عنها مثل تصلب الشرايين، وضغط الدم، وبعض أمراض القلب.
- يعالج الصيام كثيرًا من الأمراض التي تنشأ من تراكم السموم، والفضلات الضارة في الجسم.
- يعالج الصيام المتواصل مرض التهاب المفاصل المزمن (الروماتويد).
- يعدل الصيام الإسلامي ارتفاع حموضة المعدة، وبالتالي يساعد في التئام قرحة المعدة مع العلاج المناسب.
إلى غير ذلك من المعلومات الطبية الشيقة التي تحبب الطفل في فريضة الصيام.
وأخيرًا..عزيزي المربي
إنّ شهر رمضان تلوح فيه فرصة نادرة لمريدي اغتنام الأوقات واستثمار الأعمار فيما ينفع، فرمضان عمر قصير وأجل محدود، له بداية منتظرة ونهاية معروفة، وهو نموذج حي مصغر للعمر التكليفي للإنسان، فلا يليق بنا ونحن نبني نفوس الأبناء أن نُفوِّتَ أيامًا عظيمة كهذه الأيام دون أن ننقش من آثارها على أولادنا، فيشب أحدهم وقد اعتاد القيام بشعائر الإسلام، وتمرَّس على واجباته ومستحباته، ونشأ وقد وقَرَ في قلبه عظمة ما نُعظِّمه، وصارت أعظم الأشياء عنده ما نعتقده، متين المعتقد، سليم القلب، طاهر اللسان، شابًا صالحًا، وعضوًا نافعًا في المجتمع.
 
PIC-215-1342691866.gif
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top