حكم البناء على قبر الميت مع بيان السنة في صفة القبر ( فتاوى العقيدة 5 )

ابو ليث

:: عضو مَلكِي ::
أوفياء اللمة
السؤال: هذه الرسالة وردتنا من الأردن يقول فيها الأخ خليل زيد محمد النعامي هل يجوز بناء القبر، وإذا لم يجوز أفيدوني ماذا أفعل؟ الجواب
الشيخ: لا أدري هل يريد ببناء القبر اتخاذ مكان للإنسان يدفن فيه مبنياً، أو أنه يريد ببناء القبر البناء عليه، فإن كان الأول وهو أن يتخذ مكاناً يدفن فيه فإن السنة هو أن يكون القبر ملحداً، أي أن تحفر حفرة ويجعل في مقدمة القبر من ما يلي القبلة حفرة أخرى بمقدار جسم الميت يدفن فيها فإن هذا هو السنة التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فمن اتخذ قبراً مبنياً ببناء فإنه يكون مخالفاً للسنة وإما إذا كان يريد البناء على القبور فإن هذا محرم وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم لما فيه من تعظيم أهل القبور وكونه وسيلة وذريعة إلى أن تعبد هذه القبور وتتخذ آلة مع الله كما هو الشأن في كثير من الأبنية التي بنيت على القبور فأصبح الناس يشركون بأصحاب هذه القبور مع الله سبحانه وتعالى.
 
توقيع ابو ليث
توقيع ابو ليث
رد: حكم البناء على قبر الميت مع بيان السنة في صفة القبر ( فتاوى العقيدة 5 )

بسم الله الرحمن الرحيم
حكم البناء على القبور في المذهب المالكيا
لحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ؛ سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد:
فإن البناء المتعلق بالقبور ثلاثة أنواع :
النوع الأول : البناء على القبر نفسه.
النوع الثاني: البناء حول القبر للتحويز.
النوع الثالث: بناء البيوت والقبب.

النوع الأول : البناء على القبر نفسه :
يختلف حكم البناء على القبر نفسه باختلاف الدافع الذي يدفع لهذا البناء : هل هو تمييز القبر والمحافظة عليه ، أم هو دافع المباهاة والتفاخر؟
1 – البناء بدافع تمييز القبور:
إذا كان دافع البناء هو تمييز القبرعن غيره من القبور جاز البناء : قال العلامة خليل في مختصره -وهو يتحدث عن البناء على القبر- " وجاز للتمييز ". قال الخرشي في شرحه لهذا النص : "فإن قصد بالبناء التحويز والتمييز جاز ، وظاهره سواء كانت الأرض مملوكة ، أو مباحة ، أو مُسَبَّلة للدفن ، وهو الذي يفهم من كلام اللخمي وغيره"1 ، لأن علة المنع والنهي عن البناء على القَبور هي إرادة الفخر والمباهاة والسمعة ، وحين يكون البناء للتمييز تنتفي العلة ، والحكم يدور مع العلة وجودا وعدما ، قال ابن بشير: وينهى عن بنائها – يعني القبور- على وجه يقتضي المباهاة.... وأما البناء الذي يخرج على حد المباهاة فإن كان القصد به تمييز الموضع حتى ينفرد بحيازته فجائز ، وإن كان القصد به تمييز القبر عن غيره فحكى أبو الحسن عن المذهب قولين: الكراهة ، وأخذها من إطلاقه في المدونة ، والجواز في غير المدونة ، والظاهر أنه متى قصد ذلك ( أي تمييز القبر عن غيره )لم يكره ، وإنما كره في المدونة البناء الذي لا يقصد به علامة ، وإلا فكيف يكره ما يعرف به الإنسان قبر وليّه ، ويمتاز به القبر حتى يحترم ، ولا يحفر عليه إن احتيج لقبر ثان2 .

2 – البناء بدافع المباهاة : إذا كان الدافع للبناء على القبر التباهي والتفاخر، فيحرم اتفاقا ، كما يحرم التباهي في كل شيء من اللباس ، والمسكن ، والمركوب ، والمناصب والمراكز ، قال الشيخ الإمام خليل في مختصره :
"وإن بوهي به حَرُم ". 3

دلالة تنوع الحكم واختلافه :
تنوع حكم البناء على القبر واختلافه يعني أن حديث النهي عن البناء على القبر معلل بعلة ؛لأنه من أمور العادات كسائر الأبنية ، وليس من أمور العبادات ، وأن العلة فيه لا بد أن تكون من باب المفاسد ؛لأن النهي لا يكون إلا عن المفاسد ؛قال الإمام القرافي: "النهي يعتمد المفاسد"4 . أي على وجود مفسدة في الشيء ، فإذا كان في الشيء مفسدة نهي عنه ، مع اختلاف درجة النهي ، وإذا لم تكن فيه ، أو كانت فيه وكانت نسبتها ضعيفة لم ينه عنه ، والبناء على القبر لا يكون دائما من باب المفاسد ، بل أحيانا يكون من باب المفاسد ، وأحيانا أخرى يكون من باب المصالح ، ولا يمكن أن تنهى الشريعة عن المصالح ، والقاعدة تقول : حيثما المصلحة فثم شرع الله ، والبناء على القبر حين انتفاء الموانع – كدافع المباهاة مثلا – يكون فيه جلب مصالح ودفع مفاسد ، أما المصالح فاحترام القبر وبقاؤه وعدم اندراسه واندثاره .
وبقاء معالم القبر مطلب شرعي ، فقد كانت السيدة فاطمة – رضي الله عنها – ترم قبر عمها حمزة . وكان الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- يرم قبر ابنه ؛ روى أحمد بإسناده عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يتعهد قبر عاصم بن عمر .قال نافع : وتوفي ابن له – وهو غائب – فقدم ، فسألنا عنه ، فدللناه عليه ، فكان يتعاهد القبر ، ويأمر بإصلاحه 5 . والبناء يحقق هذا الهدف.
أما دفع المفاسد فالبناء يمنع من وطء القبر والمشي عليه ، ويمنع من الحفر عليه بعد زمن ، ويمنع كسر عظام الميت ، وكسر عظام الميت ككسره حيا ، كما جاء في الحديث ، ومبنى الشريعة على مراعاة مصالح العباد الدينية والدنيوية .
وما تقدم يعني أن النهي في الحديث ليس لذات البناء ، وإنما للوصف القائم بالبناء ، أو للعوارض المتعلقة به :
- روى ابن أبي شيبة : أنه مات ابن لزيد بن أرقم – رضي الله عنه – يقال له سويد ، فاشترى غلام له أو جارية جصا أو آجُرًا فقال له زيد : ما تريد إلى هذا ؟ قال : أريد أن أبني قبره وأجصصه ، قال : جفوت ولغوت ، لا يقربه شيء مسته النار.
ووجه الدلالة في الأثر : أنه قال له : أريد أن أبني على قبر ابنك بالآجر ، فقال له : لا تبن بالآجر ؛ لأن الآجر شيء دخلت في صناعته النار ، فاعتراضه كان على مادة البناء لا على البناء نفسه ، ولو كان حكم النهي عاما لقال له : لا تبن ؛ فإن البناء مكروه أو حرام .
ملاحظتان :
الملاحظة الأولى : بعض فقهاء المالكية يكرهون البناء على القبر مطلقا بكل حال ،لأن ذلك عندهم من باب الزينة 6.
ويمكن أن يناقش هذا الرأي بأن البناء العادي على القبر ليس من الزينة في شيء، ولا يراد به الزينة، وإنما يراد به حفظ القبر من الدوس والامتهان واندثار الأثر الذي لا يعرف معه القبر، وإذا قصد بعضهم الزينة فذاك أمر زائد على البناء ، فيكون الحكم متعلقا بالزينة لا بنفس البناء ، ويقال حينئذ : تزيين القبر وتزويقه مكروه ، لا أصل البناء7 .
الملاحظة الثانية : ما تقدم من جواز البناء على القبر إذا كان للتمييز ؛ قد يقول قائل : إنه معارض بما رواه البيهقي في سننه الكبرى ، وابن أبي شيبة في مصنفه عن ثمامة بن شفي قال: خرجنا غُزَاة في زمن معاوية إلى هذا الدرب وعلينا فُضَالة بن عبيد ، قال: فتوفي ابن عم لي ، يقال له "نافع" ، فقام معنا فضالة على حفرته ، فلما دفناه قال : خففوا عن حفرته؛ فإن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان يأمر بتسوية القبر.
ففي هذا الأثر أمرهم بعدم الإكثار من التراب الذي يوضع فوق القبر؛ لأن الإكثار منه يثقل على الميت، والبناء أثقل من التراب .
والجواب عن هذا : أن التعليل الذي أورده فضالة بن عبيد – رضي الله عنه- يعقل في زمنهم حيث كانوا يستخدمون القصب وشبهه في غلق اللحد أو تسقيف القبر، روى ابن أبي شيبة : أن إبراهيم النخعي قال : كان الصحابة يستحبون القصب ، ويكرهون الخشب، وروي عن سعيد بن العاص أنه قال : اجعلوا على قبري اللبن والقصب ، كما جعل على قبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ،وقبر أبي بكر وعمر 8. أما في زماننا ومجتمعنا فهذه العلة منعدمة ؛ لمتانة جوانب القبر ومتانة سقفه ، والحكم يدور مع العلة وجودا وعدما .
وعلى كل حال فالنهي عن البناء على القبر لا يشمل البناء الذي حول القبر كالقبة ؛ لــ:
- أن التعليلات الواردة في كتب الحديث لا تشمله .
- أن حرف "على" الوارد في حديث النهي عن البناء على القبور موضوع في اللغة للاستعلاء ؛كقوله تعالى( لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ).
حديث أبي الهيّاج :
الأحكام السابقة قد يتبادر إلى ذهن البعض أنها معارضة بما روي عن أبي الهيّاج الأسدي قال: بعثني علي – رضي الله عنه - قال لي : أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – "أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سوّيته ، ولا تمثالا إلا طمسته"9 .
والجواب عن هذا الإشكال :
1 –بأنه لا يصح تفسير كلمة "سوّيته" في الحديث بتسوية القبور؛ لأنها لو فسرت بهذا التفسير فسيكون الحديث مصادما ومعارضا لأحاديث أخرى واردة في البخاري ، وغيره ، ودين الله لا اختلاف فيه ولا تناقض :
- جاء في صحيح البخاري عن سفيان التمار : "أنه رأى قبر النبي – صلى الله عليه وسلم- مسنما"10 . والتسنيم الرفع عن الأرض ، جاء في المصباح المنير : سنّمت القبر تسنيما ؛ إذا رفعته عن الأرض كالسنام11 ، ويعني هذا أن قبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان مرتفعا عن الأرض لا مسوى بها ، وسيدنا علي – رضي الله عنه – الذي روى عنه أبو هياج الحديث السابق شارك في دفن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولو كان رفع القبر ممنوعا لما رفع قبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - .
- جاء في صحيح البخاري عن خارجة بن زيد قال : "رأيتني ونحن شبّان في زمن عثمان ، وإن أشدنا وثبة الذي يثب قبر عثمان بن مظعون حتى يجاوزه "12.
وهذا الأثر يعبر عن ارتفاع قبر عثمان بن مظعون أشبارا متعددة ، حتى إن أشد الشبّان قفزا هو الذي يستطيع أن يثب ، ويقفز، ويتجاوز قبر عثمان بن مظعون ، وهذا الارتفاع كان على مرأى ومسمع من الصحابة ، في خلافة سيدنا عثمان – رضي الله عنه - بما فيهم سيدنا علي – رضي الله عنه – وهو من آل البيت الذين كانوا يدفنون موتاهم في جوار قبر عثمان بن مظعون .
ولو كان المقصود بحديث أبي هياج السابق " أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سوّيته " التسوية بالأرض ؛ لما رضي سيدنا علي وغيره من الصحابة ببقاء قبر عثمان بن مظعون مرتفعا ارتفاعا كثيرا.
وليس قبر الرسول – صلى الله عليه وسلم – وقبر عثمان بن مظعون الوحيدين في الارتفاع عن الأرض ، بل كذلك قبر سيدنا أبي بكر وعمر، وقبور المهاجرين والأنصار13 ؛ قال الحافظ الذهبي : السنة تسنيم القبور14؛ أي رفعها عن الأرض كالسنام .
حل الإشكال: القاعدة الأصولية لدراسة النصوص المتعارضة : أن يحمل كل نص من النصوص على وجه من الوجوه ، وتفسير من التفسيرات ، غير الذي يحمل عليه النص الآخر ؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما بالكلية ؛ لكون الأصل في الدليل هو الإعمال لا الإهمال 15.
كيفية التأويل: هناك عدة طرق لتأويل وتفسير حديث أبي هياج السابق ، حتى لا يصطدم مع الأحاديث الأخرى ، ومن هذه التأويلات :
- أن يفسّر قوله: " قبرا مشرفا إلا سويته" بمعنى عدّلته ، كقوله تعالى فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) ويكون المعنى : عدّلت القبر المرتفع ؛ بأن تجعله مسطحا ، قال الإمام النووي : الجواب ما أجاب به أصحابنا : لم يرد التسوية بالأرض ، وإنما أراد تسطيحه – أي تسطيح الارتفاع- جمعا بين الأحاديث16 .
- أن يفسر قوله " قبرا مشرفا إلا سويته" بأن المقصود به قبور المشركين تسوى بالأرض ، لا قبور المسلمين التي دلت النصوص على ارتفاعها ، ويقوي هذا التفسير أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كان يحضر جنائز المسلمين ويحضر دفنهم ، ومع حضوره ورؤيته لا تتوقع المخالفة ، ثم إن المسائل التي تتعلق بعامة المسلمين ، كان من عادة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يعلنها على الملأ، ويبين حكمها لجمهور المسلمين ، كما في قوله – صلى الله عليه وسلم – " ألا إن دماءكم ، وأموالكم ، وأعراضكم عليكم حرام ".

النوع الثاني : البناء حول القبر للتحويز:
البناء للتحويز: هو أن يبنى حائطا يحيط بالقبر من كل الاتجاهات .
واختلف الفقهاء في كراهته ، والذي اختاره الإمام الحطاب ، وسلّم به البنّاني ، ونص عليه الشيخ خليل في مختصره : أن التحويز بالبناء اليسير لتمييز القبور جائز في مقابر المسلمين . قال الحطاب : وهو الذي يفهم من كلام اللخمي ، وابن بشير ، وابن عبد السلام ، ومن أجوبة ابن رشد للقاضي عياض . قال الخرشي في شرحه على مختصر خليل : فإن قصد بالبناء التحويز والتمييز جاز ، وظاهره سواء كانت الأرض مملوكة ، أو مباحة ، أو مسبّلة للدفن ، وقال اللخمي : لا بأس بالحائط اليسير الارتفاع ليكون حاجزا بين القبور ؛ لئلا يختلط على الناس موتاهم مع غيرهم ؛ ليترحم عليهم ، ويجمع إليهم غيرهم ؛ أي حين يموتون .
وهذا الجواز مشروط بعدم قصد المباهاة ، وأن لا يبلغ الحائط إلى حد يأوي إليه أهل الفساد17 .

النوع الثالث : بناء البيوت والقبب :
يختلف حكم بناء البيوت والقبب على القبور باختلاف المكان الذي بني فيه : هل هو أرض مملوكة، أو موات ليست لأحد ، أو أرض حبس لموتى المسلمين :
1 – البناء في الأرض المملوكة والموات :
بناء القبب والأبنية في الأرض المملوكة للميت ، أو المملوكة لأحد ، وأذن في الدفن فيها والبناء عليها ، أو في أرض موات لا يملكها أحد جائز ؛كما قال ابن رشد ، وابن القصار ، وابن الحاج ، والمسناوي، والبرزلي ، والسجلماسي ، والعميري ، والزرقاني، والفاسي ،وجسوس :
- قال ابن رشد: وإن كان بناؤها في ملك بانيها ؛ فحكمها حكم بناء الدار18.
- قال ابن القصار : لا يكره بل يجوز. 19
- قال ابن الحاج : البناء في القبور غير منهي عنه ، إذا كان في ملك الإنسان نفسه20
- قال المسناوي في البناء على قبر الرجل الصالح للتمييز والتعظيم لقدره ومقامه : البناء على من ذكر بقصد ما ذكر جائز مطلوب؛ إذا كان في أرض مملوكة للباني أو لغيره ، وأذن للباني فيها ، أو مباحة لا ملك لأحد عليها ، مالم يكن بحيث يأوي إليه أهل الفساد ، وإلا حرم21 ، أي إلا إذا قدر على منعهم فيجوز؛ لانتفاء علة التحريم .
- قال البرزلي : مشاهد العلماء وأهل الصلاح فحكمها حكم البيوت ، فما جاز في البيوت جاز فيها ، وما لا فلا22 .
- قال السجلماسي في شرحه على العمل الفاسي : مما جرى به العمل بفاس وغيرها تحلية قبور الصالحين بالبناء عليها تعظيما .... وجواز البناء على القبور منقول عن ابن القصار ، وإذا كان ذلك مع مطلق القبور- مع عدم قصد المباهاة - كان البناء بقصد تعظيم من يعظم شرعا أجوزه 23.
- قال العميري في شرحه على العمل الفاسي : والعمل بالبناء على القبور جائز أيضا ، وقد كتب شيخ شيوخنا سيدي عبد القادر الفاسي : ولم يزل الناس يبنون على مقابر الصالحين وأئمة الإسلام شرقا وغربا ، كما هو معلوم ، وفي ذلك تعظيم حرمات الله ، واجتلاب مصلحة عباد الله ، لانتفاعهم بزيارة أوليائه ، ودفع مفسدة المشي والحفر ، وغير ذلك ، والمحافظة على تعيين قبورهم وعدم اندراسها ، ولو وقعت المحافظة من الأمم المتقدمة على قبور الأنبياء لم تندرس وتجهل ، بل اندرس أيضا كثير من قبور الأولياء والعلماء ؛ لعدم الإهتمام بهم وقلة الإعتناء بأمرهم24 .
- قال جسوس في شرح الرسالة : ويكره البناء على القبور ، وقد يحرم وقد يجوز إذا كان للتمييز ، ويستثنى قبور أهل العلم والصلاح فيندب لينتفع بزيارتهم25 .
وهناك نقولات أخرى في المذهب المالكي و في المذاهب الأخرى توافق هذا وتؤيده ، ومن هذه النقولات :
الحنابلة : قال ابن مفلح في كتاب الفروع من فقه الحنابلة : وذكر صاحب المستوعب والمحرر : لا بأس بقبة وبيت ، وحظيرة ، في ملكه ؛ لأن الدفن فيه مع كونه كذلك مأذون فيه . ثم قال ابن مفلح: قال في الفصول : القبة والحظيرة والتربة إن كان في ملكه فعل ما شاء26 .
الشافعية : قال ابن حجر الهيثمي من الشافعية في " التحفة " في باب الوصية : وإذا أوصى لجهة عامة فالشرط أن لا يكون معصية ، ثم قال : وشمل عدم المعصية القربة ؛ كبناء مسجد ولو من كافر ، ونحو قبة على قبر في غير مسبّلة27 .
- أفتى العز بن عبد لسلام بهدم القباب التي في القرافة ، واستثنى من ذلك قبة الإمام الشافعي ؛ لأنها مبنية في دار ابن عبد الحكم 28 .
الأدلة : استدل العلماء على جواز البناء على القبور الموجودة في الأملاك :
1 – بما ثبت بالتواتر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم – دفن في بيته داخل البناء بإجماع الصحابة ، وإذا جوّز الشارع وجود الميت داخل البناء فقد جوّز البناء عليه ، إذ لا فرق بين أن يوجد البناء بعد الدفن ، أو يوجد قبله ، لأن الغاية واحدة والصورة متفقة ، وهي وجود القبر داخل البناء 29
ويؤكد عدم وجود فرق بين البناء قبل والبناء بعد ، ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد قال : سقط الحائط الذي على قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – فستر ، ثم بني 30 .
ولهذا قال ابن حزم الذي روى هذا الأثر : فإن بني عليه بيت أو قائم لم يكره ذلك 31.
2 – مشروعية الوقف الخيري في وجوه البر والإحسان ، والبناء على القبر في الأملاك وقف قصد به خدمة الزائرين ووقايتهم من الحر والبرد وغير ذلك من العاديات والمكروهات.

البناء في الأراضي المحبّسة :
اختلف الفقهاء في بناء القبب في الأرض المحبسة والمسبّلة للدفن :
رأي الجمهور :​
يرى جمهور الفقهاء وغالبيتهم الساحقة : أن البناء على القبور في الأرض المحبسة لدفن موتى المسلمين حرام ؛ لأن في ذلك تضييقا على الناس واعتداء على حق الغير فيها ، وأنه يجب هدم ما بني فيها 32.
غير أنه مما يجب الإنتباه إليه عند أصحاب هذا الرأي أنه ليس كل بناء يوجد في المقابر الآن يجوز هدمه ؛ لأنه كثيرا ما جرت العادة أن يدفن ولي في أرضه أو بيته ، ثم يحدث الدفن بعد ذلك بجواره وفي الأرض المحيطة به ، فقبر العباس – رضي الله عنه مثلا - وقبر أئمة أهل البيت الموجودة الآن في مقبرة البقيع كانت في دار عقيل ، وقبر إبراهيم ابن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان في دار محمد بن زيد بن علي ، هذه الدار التي كانت مملوكة لأصول محمد ، وقبر سعد بن معاذ كان في دار ابن أفلح33 ؛ أي أن قبورهم في الأملاك كانت في جوار المقبرة ، ومع مرور الوقت ، وإحاطة القبور بتلك الديار ، يحدث الشك في أصل البناء الذي كان عليهم هل كان في الملك أم في الحٌبُس ؟ وهو الأمر الواقع في أغلب مقابر ليبيا ، والحكم الشرعي في هذا أنه يحرم الهدم والتعدي ، مع الشك ؛ فالقاعدة تقول : الفعل الصادر من المسلم إذا كان له وجهان ؛ على أحدهما يكون صحيحا ، وعلى الآخر يكون فاسدا ، يجب حمله على الوجه الصحيح ، ولا يجوز حمله على الوجه الفاسد ؛ إلا مع العلم والتيقن34 .
والأمر كذلك في الأبنية الموجودة الآن في المقابر على مقامات الأولياء فيها احتمال أن تكون بنيت في ملك الميت ، أو في ملك الغير بإذنه ، أو في أرض موات لا يملكها أحد ، ثم حدثت المقبرة بعد ذلك بجواره ، وهناك احتمال أن تكون بنيت في أرض موقوفة . والقاعدة السابقة تقول : يجب عليك حملها على الوجه الصحيح – وهو أنها بنيت في أرض مملوكة أو في أرض موات – حتى يثبت العكس . جاء في حواشي البجيرمي على شرح الخطيب : ولو وجدنا بناء في أرض مسبّلة ، ولم يعلم أصله ترك ؛ لاحتمال أنه وقع بحق 35.
ومن هدم هذا البناء الموقوف على خدمة الزائرين ، مع احتمال أنه وقع بحق فيعتبر متعديا ، ويطالب ببناء ما هدمه . قال خليل : " ومن هدم وقفا فعليه إعادته 36 ".

القول الثاني : يرى أصحاب الرأي الثاني : أنه لا يتعرض للبناء الموجود في المقابر على قبور الصالحين ، حتى مع العلم بحبسية المكان الموجود فيه القبر ، قال الإمام محمد الأمير المالكي : نعم في أواخر الباب الثالث عشر من منن الشعراني : أن السيوطي أفتى بعدم هدم مشاهد الصالحين بالقرافة ؛ قياسا على أمره – صلى الله عليه وسلم – بسد كل خوخة في المسجد ، إلا خوخة أبي بكر ، قال الشيخ الأمير : وهو فسحة في الجملة ، لكن سياقه بعد الوقوع والنزول ، قال الشيخ حجازي : - أي سياق كلام الشعراني – فلا يلزم من الاغتفار بعد الوقوع جواز القدوم على ذلك 37.
ويرى بعض علماء الشافعية جواز القدوم عليه ؛ قال الحلبي في حاشيته على المنهج : واستثني قبور الأنبياء – عليهم السلام – ، والصحابة - رضي الله عنهم - ، والعلماء ، والأولياء – رحمهم الله - فلا تحرم عمارتها في المسبّلة ؛ لأنه يحرم نبشهم والدفن في محلهم ، ولأن في البناء تعظيما لهم ، وإحياء لزيارتهم . ثم قال : ولا تغترّ بما وقع لابن حجر كغيره في هذا المحل 37 .
الأدلة : استند أصحاب هذا الرأي على :
1 – قياس المقبرة على المسجد ، فقد كانت بعض أبواب الصحابة مفتوحة في المسجد – الذي هو حبس- فأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بغلقها جميعا ، واستثنى خوخة أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – ، والجامع بينهما استثناء المتميز في المسلمين ، وتجويز أن يستفيد من الحبس العام أكثر من غيره .
2 – القياس على الإلغاء ؛ فكما يجوز إلغاء المقبرة لطريق - مثلا – نفعا للأحياء وخدمة لهم ؛ فكذلك يجوز أن يحدث في المقبرة ما فيه نفع للزائرين كبناء يقيهم الحر والبرد من باب أولى ؛ لبقاء المقبرة.
وهدم القبور يثير الفتن ، ويزرع المحن ؛ أخبر الحافظ السيوطي أنه في القرن الثالث الهجري236 هـ أمر المتوكل بهدم قبر الحسين – رضي الله عنه – وهدم ما حوله من الدور ، وأن يعمل مزارع ، ومنع الناس من زيارته ، فخَرب وبقي صحراء ، وكان المتوكل معروفا بالتعصب ، فتألم المسلمون من ذلك ، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد ، وهجاه الشعراء ، ومما قيل في ذلك :

بـالـلـه إن كــانت أميـة قـد أتـت قتل ابن بنت نبيها مظلوما
فــلـقــد أتـــاه بـنـو أبـيـه بمـثلـه هذا لعمري قبره مهـدوما
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا فـي قتلـه فتـتبـعـوه رميمـا38
الخلاصة :​
1 - لا يجوز هدم أي ضريح في بلادنا ؛ إما لأن أغلبها معلوم أنه أسس في أرض مملوكة للميت أو لورثته ، أو لأحد من الناس وأذن له بالبناء عليها ، أو في أرض موات ، أو لأنها غير معلومة الأصل هل هي ملك ، أو وقف ؟ والقاعدة السابقة تقول : الفعل الصادر من المسلم إذا كان له وجهان على أحدهما يكون صحيحا ، وعلى الآخر يكون فاسدا ، يجب أن يحمل على الوجه الصحيح ، ولا يجوز حمله على الوجه الفاسد إلا مع العلم والتيقن .
2 - يجوز بناء القباب في الأراضي المملوكة ، أو في أراضي الموات على قبور المتميزين – كعمر المختار ؛ لأن البناء عليها :
- يبين اتجاه الأمة ؛ فالأمم الأخرى تعظم فلاسفتها ، وعلماءها ، وأصحاب المجد فيها ، والأمة الإسلامية تعظم صالحيها وعلماءها ، والمجاهدين فيها ، وتحيي ذكرهم ؛ ليكونوا قدوة للأجيال المتلاحقة .
- يبين أخلاق الأمة ؛ فالأمة الإسلامية لا تنسى فضل من خدمها ، وضحى في سبيلها ، وأنها ستكافئه بالوقوف على قبره ، والترحم عليه ، والدعاء له ؛ قال الله تعالى : ( وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ) و (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ).
3 – يحقق مقصدا من المقاصد الإسلامية ؛ وهو التعريف بالقبور المباركة : عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال عن قبر موسى – عليه السلام - : لو كنت ثم – أي في أرض الشام – لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر. 39
والإراءة قد تكون بالقول ، وقد تكون بالشيء المادي المحسوس إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر ، والبناء المخصوص المتميز الذي يجعل على أضرحة الصالحين يحقق الإراءة والتعريف اللذين قصدهما – صلى الله عليه وسلم - ، بل هو أعظم في التعريف والإراءة من الكثيب الأحمر، فينبغي أن يُجَوَّز وأن يعمل به من باب أولى ؛ لأنه يحقق بوضوح مقصد رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ؛ بحيث يفهمه العام والخاص .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد في الأولين والآخرين .

كتبه محمد عز الدين الغرياني ، في بلاد تاجوراء التي هي من ضواحي طرابلس الغرب . جعله الله خالصا لوجه الكريم ، ونفع به إلى يوم الدين .
راجعه وأجازه
- الشيخ الدكتور عمران علي العربي في بيته بمسلاته لما قرأنا عليه بعد المغرب يوم الأربعاء الموافق 23-11-2011
- الشيخ العلامة محمد حسين يوسف بادي في مسجد سيدي فتح الله بمصراتة بعد صلاة المغرب يوم الخميس الموافق 24-11-2011.
- الشيخ مصطفى امحمد محمد قواسم في مسجد سيدي فتح الله بمصراته بعد صلاة العشاء بوم الخميس الموافق 24-11-2011
- الشيخ محمد عبد اللطيف محمد السبتي في مسجد سيدي فتح الله بمصراته بعد صلاة العشاء بوم الخميس الموافق 24-11-2011
- الشيخ علي أحمد بيت المال في مسجد سيدي فتح الله بمصراته بعد صلاة العشاء بوم الخميس الموافق 24-11-2011
- الشيخ خليل عبد الهادي قرطع في مسجد سيدي فتح الله بمصراته بعد صلاة العشاء بوم الخميس الموافق 24-11-2011
- الشيخ إبراهيم يوسف خليفة بن غشير في مسجد سيدي فتح الله بمصراته بعد صلاة العشاء بوم الخميس الموافق 24-11-2011 عضو المجلس المحلي مصراتة
- الشيخ عبد المنعم أحمد أبو زيان في مسجد سيدي فتح الله بمصراته بعد صلاة العشاء بوم الخميس الموافق 24-11-2011
- الشيخ الدكتور سالم محمد مرشان في مسجد سيدي فتح الله بمصراته بعد صلاة المغرب بوم الخميس المواف 24-11-2011 عضو المجلس المحلي الخمس

الهوامش :
1- شرح الخرشي / ج 2 ص 139 -140 ، دار الفكر .
2- مواهب الجليل ، الحطاب ، ج 2 ص 243 .
3- شرح الزرقاني ، ج2 ص 109 ، دار الفكر
4- نفائس الأصول ، ج 4 ص 1734 ، مكتبة نزار.
5- كشف الشبهات ، محمد الامين ، ص 382 ، والمغني لابن قدامة ، ج 2 ص 319 دار الكتب العلمية .
6- انظر مواهب الجليل ، ج 2 ص 141 -142 ، إحياء المقبور ، المرجع السابق ، ص 16 .
7- إحياء المقبور من أدلة جواز بناء المساجد والقباب على القبور- ص 17 السيد العلامة أحمد بن الصديق الغماري.
8- بدائع الصنائع ، الكاساني ، ج1 ص 472 ، دار الفكر .
9- سنن أبي داود ، كتاب الجنائز ، باب تسوية القبر .
10- صحيح البخاري – شرح ابن بطال المالكي- ج 3 ص 372، كتاب الجنائز ، باب ما جاء في قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – وأبي بكر .
11- ج1 ص 344 مادة سنم .
12- صحيح البخاري – شرح ابن بطال المالكي- ج 3 ص 341، كتاب الجنائز - باب الجريدة على القبر.
13- انظر شرح ابن بطال على صحيح البخاري ، ج3 ص 375 ، سنن أبي داود رقم 3218 .
14- التنقيح ، ج1 ص 438 ، مكتبة نزار .
15- نهاية السول للأسنوي ، ج3 ص 158 .
16- المجموع ، ج 5 ص 259 ، دار الفكر .
17- شرح الخرشي – ج 2 ص 139 – 140 ، مواهب الجليل ج 2 ص 242 و 244 ، حاشية البناني ، ج 2 ص 109 ، حاشية العدوي على الخرشي ، ج 2 ص 140 ، التاج والإكليل - المواق ، ج 2 ص 242 .
18- معيار الوزاني ، ج 2 ص 39 .
19- شرح الزرقاني على خليل ، ج 2 ص 109
20- مواهب الجليل ، ج 2 ص 243 .
21- معيار الوزاني ج 2 ص 39 .
22- إحياء المقبور ، ص 9 .
23- المرجع السابق ، ص9 .
24- المرجع السابق ، ص 8 .
25- المرجع السابق ، ص 9.
26- الفروع ، ج 2 ص 272- 273 .
27- نقلا عن كتاب إحياء المقبور ، ص 10 .
28- المرجع السابق ، ص 6 .
29- إحياء المقبور – مرجع سابق- ص35 .
30- المحلى ، ابن حزم ، ج 5 ص 134 ، دار التراث .
31- المرجع السابق والجزء ص 133 .
32- انظر شرح الزرقاني على خليل ، ج 2 ص 109 ، ضوء الشموع ، ج 2 ص 551- 552 ، معيار الونشريسي ، ج 1 ص 318.
33- كشف الشبهات ، ص 284 .
34- المرجع السابق ، ص 102 .
35- إحياء المقبور ، ص 7 .
36- شرح منح الجليل ، ج 4 ص 71 ، دار صادر .
37- انظر ضوء الشموع وحاشية حجازي ، ج 1 ص 552 .
38- إحياء المقبور ، ص 10 .
39- تاريخ الخلفاء ، ص 347 ، مطبعة السعادة مصر .
40- صحيح البخاري ، كتاب الجنائز ، باب من أحب أن يدفن في الأرض المقدسة ونحوها .

ملاحظة يبنغي أن يزاد في المطوية الآتي:
1. زيادة حديث ابن مظعون: في وضعه للحجر لمعرفة صاحبه.(أعرف به قبر صاحبي).
2. الجمع بين أمر الله لنا باتخاذ مقام إبراهيم مصلى وهو موضع قدميه، وبين نهيه صلى الله عليه وسلم عن بناء القبور.
3. لم يعلم من تاريخ اليهود والنصارى تعظيمهم لانبيائهم البتة ، بل قتلوهم وآذوهم أشد الإذاية.
4. البناء على القبر ليس عبادة. (هذه العبارة صلب الموضوع). كيف نثبتها في هذه المطوية.
1J’aime · · Partager
 
رد: حكم البناء على قبر الميت مع بيان السنة في صفة القبر ( فتاوى العقيدة 5 )

مثل هذه الفتاوى شجعت المتطرفين على
انتهاك حرمات الاموات ففجرت القبور والاضرحة
وزرعت الفتن والشقاق
ومن اراد حقا قول جمهور العلماء فعليه بفتاوى
المذاهب الاربعة فهم المعول عليهم في المسائل الفقهية
ولي عودة مع بقية المذاهب باذن الله اذا لم يُغلق الموضوع
 
رد: حكم البناء على قبر الميت مع بيان السنة في صفة القبر ( فتاوى العقيدة 5 )

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد
أرى أنا صاحبنا مولع بأقوال الرجال تارك الدليل البين و الواضح الا ما أورد من أقوال متأخري علماء المالكية رحمهم الله من فهم لبعض النصوص و توجيه لها، ف
أيها القراء الكرام و يأيها الحكم العدول إلى المنهج العلمي و الدليل النبوي التفتوا، و دعوا عنكم قول كل مشغب ملقي للتهمة بالباطل غير مرعوي عن نسبة الجهل و الضلال الى كبار أهل العلم، واسما فتاواهم أنها سبيل لإنتهاك حرمات الاموات و تفجير القبور والاضرحة وزراعة الفتن والشقاق، فحسبنا من قوله أن نشفق عليه و نقول: يانطح يوما الجبل يريد أن يهدمه، اشفق على رأسك لا تشفق على الجبل، و نقول له هذه كل دعاوى عريضة مريضة، لا تقوم و لم تقم عليها البينات فأبناؤها اذا كما قيل أدعياء، و الذين يفجرون القبور و ينتهكون حرمات الأموات، كانوا قد انتهكوا حرمة الأحياء من أهل العلم و غيرهم بوسمهم بما هم منه براء، و ذلك لمَّا لم تتوافق مشارابهم مع مناهج أولئك النجوم الساطعة و البدور الطالعة، و من أولئكم هذا الشيخ الجليل الذي قد أفضى الى ما قدم و لم يبقى له الا حيازة الأجر حين توجه له مثل هذه التهم التي ستكون بإذن الله في ميزان حسناته من كيس القوم ان لم تفنى تلك الحسنات، ونحن نشهد الله أن الشيخ براء براءة الذئب من دم يوسف من فعل كل تكفري تفجري، همه ارضاء أوليائه الذين لبسوا عليه بضلالات و أباطيل يأتي دور درئها و ردها .
و اليكم اخواني هذا السرد العلمي البحث المدلل بالدليل قبل التأصيل التفصيل، ليفهم أن الشيخ لا يتكلم من فراغ، و ليعلم من المبصر من غيره.

 
توقيع ابو ليث
رد: حكم البناء على قبر الميت مع بيان السنة في صفة القبر ( فتاوى العقيدة 5 )

عن جابر قال: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ» رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه ولفظه: «نَهَى أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا، وَأَنْ تُوطَأَ» وفي لفظ النسائي: «نَهَى أَنْ يُبْنَى عَلَى الْقَبْرِ، أَوْ يُزَادَ عَلَيْهِ، أَوْ يُجَصَّصَ، أَوْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ».
الحديث أخرجه أيضاً ابن ماجة وابن حبان والحاكم،
- قال العلامة المحقق الآلوسي في " روح المعاني " (5/31) في تفسيره "لنتخذنّ عليهم مسجداً":

( واستدل بالآية على جواز البناء على قبور العلماء واتخاذ مسجد عليها ، وجواز الصلاة في ذلك ! وممن ذكر ذلك الشهاب الخفاجي في حواشيه على البيضاوي ، وهو قول باطل عاطل ، فساد كاسد فقد روي. . .)

2-وقال أيضاً في نفس الموضع نقلاً عن الهيتمي في شرحه على المنهاج:" وقد أفتى جمع بهدم كل ما بقرافة مصر من الأبنية ، حتى قبة الإمام الشافعي عليه
الرحمة
، التي بناها بعض الملوك ، وينبغي لكل أحد هدم ذلك ما لم يخش منه مفسدة ،فيتعين الرفع للإمام آخذاً من كلام ابن الرفعة في الصلح ." انتهى .


3- وقال الألوسي -رحمه الله - أيضاً:
(ويكفيك في معرفة الحق تتبع ما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسل في قبره عليه السلاة والسلام ـ وهو أفضل قبر على وجه الأرض ـ والوقوف على أفعالهم في زيارتهم له ، والسلام عليه ، فتتبع ذاك وتأمل ما هنا وما هناك ، والله سبحانه يتولى هداك ).


4- قال الامام الألباني – رحمه الله - معلقاً على حديث أبي الهيّاج الأسدي - رضي الله عنه - :
عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب :
ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته .

قال معلقاً:
رواه مسلم (3/61) وابو داود (3/70) والنسائي (1/285) والترمذي (2/153ـ 154) والبيهقي (4/3) والطيالسي (1/168) وأحمد (رقم 741ـ1064) .وله طرق عند الطيالسي وأحمد ( رقم 657و658و889و1175و1176و1177و1238و1283) وابن أبي شيبة (4/139) والطبراني في " الصغير " ص 29".
ولا مخالفة بين هذا الحديث وبين ما ثبت في السنة من مشروعية رفع القبر شبراً أو شبرين ، حتى يتميز فيصان عن أن يهان ، لأن المراد به تسوية ما رفع عليه من البناء ، وإن قيل بخلافه قال الشيخ علي القارئ في " المرقاة " (2/372) في شرح الحديث : " ( قبراً مشرفا) هو الذي بني عليه حتى ارتفع دون الذي أعلم عليه بالرمل والحصباء أو محسومة (!) بالحجارة ليعرف ولا يؤطأ ، ( إلا سويته) في الأزهار : قال العلماء : يستحب أن يرفع القبر قدر شبر ويكره فوق ذلك ويستحب الهدم ، وفي قدره خلاف ، قيل إلى الأرض تغليظاً ، وهذا أقرب إلى اللفظ أي لفظ الحديث من التسوية ".
وكذا في تحفة الأحوذي " 2/154) نقلاً عن المرقاة".



5-قال الامام الألباني معلقاً على حديث أبي بردة:
عن أبي بردة قال : أوصى أبو موسى حين حضره الموت فقال : إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا المشي ولا يتبعني مجمر ، ولا تجعلوا في لحدي شيئاً يحول بيني وبين التراب ، ولا تجعلوا على قبري بناء وأشهدكم أني برئ من كل حالقة ، أو سالقة ، أو خارقة ، قالوا أو سمعت فيها شيئاً؟ قال : نعم ، من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
رواه أحمد واسناده قوي.

6-ورأى ابن عمر فسطاطاً على قبر عبد الرحمن فقال : " انزعه يا غلام فإنما يظله عمله " .
رواه البخاري تعليقاً.


قال الشوكاني في النيل:
(قوله: «وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ» فيه دليل على تحريم البناء على القبر، وفصل الشافعي وأصحابه فقالوا: إن كان البناء في ملك الباني فمكروه، وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام، ولا دليل على هذا التفصيل، وقد قال الشافعي: رأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى،)

الحنفية:
قال في بدائع الصنائع: (وكره أبو حنيفة البناء على القبر)

المالكية:
في مواهب الجليل: (ويكره البناء على القبر والتحويز عليه ، وإن قصد المباهاة بالبناء عليه أو التبييض فذلك حرام.)
وفي حاشية الدسوقي:( وتحصل مما تقدم أن البناء على القبر أو حوله في الأراضي الثلاثة وهي المملوكة له ولغيره بإذن والموات حرام عند قصد المباهاة وجائز عند قصد التمييز وإن خلا عن ذلك كره. وأما البناء فوقه أو حوله في الأرض المحبسة فحرام إلاّ بقصد التمييز فجائز إن كان البناء يسيراً)
وفي الفواكه الدواني: (وَأَمَّا الْقُبَبُ وَنَحْوُهَا مِمَّا يُضْرَبُ عَلَى الْقَبْرِ فَلا شَكَّ فِي حُرْمَتِهَا فِي الأَرْضِ الْمُحْبَسَةِ عَلَى دَفْنِ الأَمْوَاتِ )

الشافعية:
قال الإمام النووي في المنهاج
(( ويكره تجصيص القبر، والبناء والكتابة عليه، ولو بني في مقبرة مسبلة هدم))
قال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج شرحا لما مضى:
(( ( والبناء عليه): كقبة أو بيت للنهي عنهما في صحيح مسلم))

وقال ( (هدم):البناء لأنه يضيق على الناس، ولا فرق بين أن يكون يبني قبة أو مسجداً أو غير ذلك))

الحنابلة:
قال في المغني: (ويكر البناء على القبر)
وفي الزاد نص على الكراهة وهو الذي في النتهى
وفي الإنصاف: (وأما البناء عليه: فمكروه، على الصحيح من المذهب، سواء لاصق البناء الأرض أم لا. وعليه أكثر الأصحاب. قال في الفروع: أطلقه أحمد، والأصحاب. وقال صاحب المستوعب، والمجد، وابن تميم، وغيرهم: لا بأس بقبة وبيت وحظيرة في ملكه. وقدمه في مجمع البحرين، لكن اختار الأول. وقال المجد: يكره ذلك في الصحراء، للتضييق والتشبيه بأبنية أهل الدنيا. وقال في المستوعب: ويكره إن كان في مسبلة. قال في الفروع: ومراده الصحراء. وقال في الوسيلة: ويكره البناء الفاخر كالقبة. قال في الفروع: وظاهره لا بأس ببناء. وعنه منع البناء في وقف عام. وقال أبو حفص: تحرم الحجرة، بل تهدم. وحرم الفسطاط أيضاً. وكره الإمام أحمد الفسطاط والخيمة. وقال الشيخ تقي الدين: إن بني ما يختص به فيها، فهو غاصب. وقال أبو المعالي: فيه تضييق على المسلمين. وفيه في ملكه إسراف وإضاعة مال. وقال في الفصول: القبة والحظيرة والتربة، إن كان في ملكه فعل ما شاء، وإن كان في مسبلة كره للتضييق بلا فائدة. ويكون استعمالاً للمسبلة فيما لم توضع له. )
قال في كشاف القناع:
((ويكره البناء عليه) أيْ القبر (سواء لاصق البناء الأرض أو لا، ولو في ملكه من قبّة أو غيرها، للنهي عن ذلك)، لحديث جابر قال: «نهى النبيّ أنْ يجصّصَ القبرُ، وأنْ يبنَى عليهِ، وأن يقعد عليه»، رواه مسلم والترمذي، وزاد: «وأن يكتبَ عليه» . وقال: حسن صحيح. (وقال ابن القيم في) كتابه (إغاثة اللهفان) من مكايد الشيطان (يجب هدم القباب التي على القبور، لأنّها أسست على معصية الرسول، انتهى. وهو) أيْ البناء (في) المقبرة (المسبلة أشد كراهة) لأنّه تضييق بلا فائدة، واستعمال للمسبلة فيما لم توضع له. (وعنه: منع البناء في وقف عام) وفاقاً للشافعي وغيره. وقال: رأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى. وما ذكره المصنف هو معنى كلام ابن تميم. قال في الفروع: فظاهر ما ذكره ابن تميم : أنَّ الأشهر لا يمنع. وليس كذلك. فإنَّ المنقول في هذا: ما سأله أبو طالب عمن اتخذ حجرة في المقبرة. قال: لا يدفن فيها والمراد: لا يختص به. وهو كغيره. وجزم ابن الجوزي بأنّه يحرم حفر قبر في مسبلة قبل الحاجة إليه. فههنا أولى. (قال الشيخ) من بنى ما يختص به فيها فـ(ـهو غاصب)، وهذا مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، وقال أبو المعالي: فيه تضييق على المسلمين. وفيه في ملكه إسراف وإضاعة مال. وكل منهيّ عنه. (قال أبو حفص: تحرم الحجرة بل تهدم، وهو) أيْ القول بتحريم البناء في المسبلة (الصواب) لما يأتي في الوقف أنّه يجب صرفه للجهة التي عيّنها الواقف. (وكره أحمد الفسطاط والخيمة على القبر) لأنّ أبا هريرة: «أوصى حينَ حضرهُ الموتُ أنْ لا تضربُوا عليّ فسطاطاً»، رواه أحمد في مسنده، وقال البخاري في صحيحه: «ورأى ابن عمر فسطاطاً على قبرِ عبدِ الرحمن فقال: انزعْهُ يا غلامُ، فإنَّما يظلُه عملهُ»، ولأنّ الخيام بيوت أهل البر، فكرهت، كما كرهت بيوت أهل المدن. (وتغشية قبور الأنبياء والصالحين أيْ سترها بغاشية ليس مشروعاً في الدين، قاله الشيخ. وقال في موضع آخر، في كسوة القبر بالثياب: اتفق الأئمة على أن هذا منكر، إذا فعل بقبور الأنبياء والصالحين فكيف بغيرهم؟) أ.هـ.

وقبل الختام تنبه لما لي:
1- ثبت النهي عن البناء على القبور
2- النهي عام يشمل قبور الصالحين وغيرهم، ويجب العمل بالعموم حتى يرد المخصص كما هو مقرر في علم الأصول.
3- النهي يقتضي التحريم عند الشافعية وغيرهم.
 
توقيع ابو ليث
رد: حكم البناء على قبر الميت مع بيان السنة في صفة القبر ( فتاوى العقيدة 5 )

ال الشوكاني في النيل:
(قوله: «وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ» فيه دليل على تحريم البناء على القبر، وفصل الشافعي وأصحابه فقالوا: إن كان البناء في ملك الباني فمكروه، وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام، ولا دليل على هذا التفصيل، وقد قال الشافعي: رأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى،)

الحنفية:
قال في بدائع الصنائع: (وكره أبو حنيفة البناء على القبر)

المالكية:
في مواهب الجليل: (ويكره البناء على القبر والتحويز عليه ، وإن قصد المباهاة بالبناء عليه أو التبييض فذلك حرام.)
وفي حاشية الدسوقي:( وتحصل مما تقدم أن البناء على القبر أو حوله في الأراضي الثلاثة وهي المملوكة له ولغيره بإذن والموات حرام عند قصد المباهاة وجائز عند قصد التمييز وإن خلا عن ذلك كره. وأما البناء فوقه أو حوله في الأرض المحبسة فحرام إلاّ بقصد التمييز فجائز إن كان البناء يسيراً)
وفي الفواكه الدواني: (وَأَمَّا الْقُبَبُ وَنَحْوُهَا مِمَّا يُضْرَبُ عَلَى الْقَبْرِ فَلا شَكَّ فِي حُرْمَتِهَا فِي الأَرْضِ الْمُحْبَسَةِ عَلَى دَفْنِ الأَمْوَاتِ )

الشافعية:
ذكرت النقل عنهم وأنت أدرى بمذهبهم

الحنابلة:
قال في المغني: (ويكر البناء على القبر)
وفي الزاد نص على الكراهة وهو الذي في النتهى
وفي الإنصاف: (وأما البناء عليه: فمكروه، على الصحيح من المذهب، سواء لاصق البناء الأرض أم لا. وعليه أكثر الأصحاب. قال في الفروع: أطلقه أحمد، والأصحاب. وقال صاحب المستوعب، والمجد، وابن تميم، وغيرهم: لا بأس بقبة وبيت وحظيرة في ملكه. وقدمه في مجمع البحرين، لكن اختار الأول. وقال المجد: يكره ذلك في الصحراء، للتضييق والتشبيه بأبنية أهل الدنيا. وقال في المستوعب: ويكره إن كان في مسبلة. قال في الفروع: ومراده الصحراء. وقال في الوسيلة: ويكره البناء الفاخر كالقبة. قال في الفروع: وظاهره لا بأس ببناء. وعنه منع البناء في وقف عام. وقال أبو حفص: تحرم الحجرة، بل تهدم. وحرم الفسطاط أيضاً. وكره الإمام أحمد الفسطاط والخيمة. وقال الشيخ تقي الدين: إن بني ما يختص به فيها، فهو غاصب. وقال أبو المعالي: فيه تضييق على المسلمين. وفيه في ملكه إسراف وإضاعة مال. وقال في الفصول: القبة والحظيرة والتربة، إن كان في ملكه فعل ما شاء، وإن كان في مسبلة كره للتضييق بلا فائدة. ويكون استعمالاً للمسبلة فيما لم توضع له. )
قال في كشاف القناع:
((ويكره البناء عليه) أيْ القبر (سواء لاصق البناء الأرض أو لا، ولو في ملكه من قبّة أو غيرها، للنهي عن ذلك)، لحديث جابر قال: «نهى النبيّ أنْ يجصّصَ القبرُ، وأنْ يبنَى عليهِ، وأن يقعد عليه»، رواه مسلم والترمذي، وزاد: «وأن يكتبَ عليه» . وقال: حسن صحيح. (وقال ابن القيم في) كتابه (إغاثة اللهفان) من مكايد الشيطان (يجب هدم القباب التي على القبور، لأنّها أسست على معصية الرسول، انتهى. وهو) أيْ البناء (في) المقبرة (المسبلة أشد كراهة) لأنّه تضييق بلا فائدة، واستعمال للمسبلة فيما لم توضع له. (وعنه: منع البناء في وقف عام) وفاقاً للشافعي وغيره. وقال: رأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى. وما ذكره المصنف هو معنى كلام ابن تميم. قال في الفروع: فظاهر ما ذكره ابن تميم : أنَّ الأشهر لا يمنع. وليس كذلك. فإنَّ المنقول في هذا: ما سأله أبو طالب عمن اتخذ حجرة في المقبرة. قال: لا يدفن فيها والمراد: لا يختص به. وهو كغيره. وجزم ابن الجوزي بأنّه يحرم حفر قبر في مسبلة قبل الحاجة إليه. فههنا أولى. (قال الشيخ) من بنى ما يختص به فيها فـ(ـهو غاصب)، وهذا مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، وقال أبو المعالي: فيه تضييق على المسلمين. وفيه في ملكه إسراف وإضاعة مال. وكل منهيّ عنه. (قال أبو حفص: تحرم الحجرة بل تهدم، وهو) أيْ القول بتحريم البناء في المسبلة (الصواب) لما يأتي في الوقف أنّه يجب صرفه للجهة التي عيّنها الواقف. (وكره أحمد الفسطاط والخيمة على القبر) لأنّ أبا هريرة: «أوصى حينَ حضرهُ الموتُ أنْ لا تضربُوا عليّ فسطاطاً»، رواه أحمد في مسنده، وقال البخاري في صحيحه: «ورأى ابن عمر فسطاطاً على قبرِ عبدِ الرحمن فقال: انزعْهُ يا غلامُ، فإنَّما يظلُه عملهُ»، ولأنّ الخيام بيوت أهل البر، فكرهت، كما كرهت بيوت أهل المدن. (وتغشية قبور الأنبياء والصالحين أيْ سترها بغاشية ليس مشروعاً في الدين، قاله الشيخ. وقال في موضع آخر، في كسوة القبر بالثياب: اتفق الأئمة على أن هذا منكر، إذا فعل بقبور الأنبياء والصالحين فكيف بغيرهم؟) أ.هـ.

وقبل الختام تنبه لما لي:
1- ثبت النهي عن البناء على القبور
2- النهي عام يشمل قبور الصالحين وغيرهم، ويجب العمل بالعموم حتى يرد المخصص كما هو مقرر في علم الأصول.
3- النهي يقتضي التحريم عند الشافعية وغيرهم.
 
توقيع ابو ليث
رد: حكم البناء على قبر الميت مع بيان السنة في صفة القبر ( فتاوى العقيدة 5 )

لفائدة قال القرطبي في تفسيره بعد ذكره للمسألة:
(وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي ينبغي أن يقال: هو حرام)

وقال الشنقيطي في الأضواء:
(والتحقيق الذي لا شك فيه: أنه لا يجوز البناء على القبور)

وقال الصنعاني في شرح حديث:(ولمسلم عن جابر :نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه).
قال:
(الحديث دليل على تحريم الثلاثة المذكورة لأنه الأصل في النهي. وذهب الجمهور إلى أن النهي في البناء والتجصيص للتنزيه. والقعود للتحريم وهو جمع بين الحقيقة والمجاز ولا يعرف ما الصارف عن حمل الجميع على الحقيقة التي هي أصل النهي.)

وقال الشوكاني:
(قوله: «وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ» فيه دليل على تحريم البناء على القبر، وفصل الشافعي وأصحابه فقالوا: إن كان البناء في ملك الباني فمكروه، وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام، ولا دليل على هذا التفصيل، وقد قال الشافعي: رأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى، )


والأعجب من هذا قول بعض الحنابلة بكراهة الطواف بالقبور. كما في الإقناع ودليل الطالب وغيرهما.
مع أن شيخ الإسلام قال: (ويحرم الطواف بغير الكعبة إجماعاً)

والذي يظهر -والله أعلم- أن الصارف للنهي عن التحريم إلى الكراهة عند من قال بها أحد أمور:
1- قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
2- ماروي من بناء أبي جندل على قبر أبي بصير مسجداً. -مع أنها مرسلة ولكن المرسل حجة عندهم-

انظر: تحذير الساجد للألباني فقد ذكر بعض شبهات من أجاز البناء على القبور فلعل فيها ما اتخذوه حجة لصرف النهي إلى الكراهة.

ولا يظن ظان أني لا أرى التحريم أو أؤيد من قال بكراهة التنزيه وإنما هذا من باب البحث عن حجة من قال بالكراهة من العلماء.
هذا ما تيسر...
والله أعلم
 
توقيع ابو ليث
رد: حكم البناء على قبر الميت مع بيان السنة في صفة القبر ( فتاوى العقيدة 5 )

تنبيه:
كلام بعض الحنابلة في كراهة البناء لايتناول بناء المساجد عليها فقد صرح غير واحد بتحريم بناء المساجد على القبور
قال ابن قدامة: (ولا يجوز اتخاذ المساجد على القبور)
مع قوله قبل ذلك : (ويكره البناء على القبر)

وقال في الفروع: (ويحرم إسراجها واتخاذ المسجد عليها وبنيها , ذكره بعضهم ( و ) قال شيخنا : يتعين إزالتها , لا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين , قال ولا تصح الصلاة فيها , على ظاهر المذهب , للنهي واللعن , وليس فيها خلاف , لكون المدفون فيها واحدا , وإنما اختلف أصحابنا في المقبرة المجردة عن مسجد , هل حدها ثلاثة أقبر أو ينهى عن الصلاة عند القبر الفذ ؟ على وجهين . وفي كتاب الهدي : لو وضع المسجد والقبر معا لم يجز ولم يصح الوقف ولا الصلاة)

ونص عبارة ابن تيمية التي نقلها ابن مفلح: (ويحرم الإسراج على القبور واتخاذ المساجد عليها وبينها ويتعين إزالتها . قال أبو العباس : ولا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين)

وما أحلتُ إليه مما قد يظن أنه يستدل به على صرف النهي إلى الكراهة يتعلق ببناء المساجد لذا فقد لا يستقيم جعله صارفاً عندهم لتعلقه بما جزموا بتحريمه لا بما قالوا بكراهته. فليتنبه لذلك.

علماً بأن بعض الحنابلة جزم بتحريم البناء كما مر في قول المرداوي:
 
توقيع ابو ليث
رد: حكم البناء على قبر الميت مع بيان السنة في صفة القبر ( فتاوى العقيدة 5 )

قال ابن القيم في أعلام الموقعين:
(وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك , حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم , وأطلقوا لفظ الكراهة , فنفى المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهة , ثم سهل عليهم لفظ الكراهة وخفت مؤنته عليهم فحمله بعضهم على التنزيه , وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى , وهذا كثير جدا في تصرفاتهم ; فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة , وقد قال الإمام أحمد في الجمع بين الأختين بملك اليمين : أكرهه , ولا أقول هو حرام , ومذهبه تحريمه , وإنما تورع عن إطلاق لفظ التحريم لأجل قول عثمان . وقال أبو القاسم الخرقي فيما نقله عن أبي عبد الله : ويكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة , ومذهبه أنه لا يجوز , وقال في رواية أبي داود : ويستحب أن لا يدخل الحمام إلا بمئزر له , وهذا استحباب وجوب , وقال في رواية إسحاق بن منصور : إذا كان أكثر مال الرجل حراما فلا يعجبني أن يؤكل ماله , وهذا على سبيل التحريم . وقال في رواية ابنه عبد الله : لا يعجبني أكل ما ذبح للزهرة ولا الكواكب ولا الكنيسة , وكل شيء ذبح لغير الله , قال الله عز وجل : { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به } . فتأمل كيف قال : " لا يعجبني " فيما نص الله سبحانه على تحريمه , واحتج هو أيضا بتحريم الله له في كتابه , وقال في رواية الأثرم : أكره لحوم الجلالة وألبانها , وقد صرح بالتحريم في رواية حنبل وغيره , وقال في رواية ابنه عبد الله : أكره أكل لحم الحية والعقرب ; لأن الحية لها ناب والعقرب لها حمة ولا يختلف مذهبه في تحريمه , وقال في رواية حرب : إذا صاد الكلب من غير أن يرسل فلا يعجبني ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا أرسلت كلبك وسميت } فقد أطلق لفظه " لا يعجبني " على ما هو حرام عنده . وقال في رواية جعفر بن محمد النسائي : لا يعجبني المكحلة والمرود , يعني من الفضة , وقد صرح بالتحريم في عدة مواضع , وهو مذهبه بلا خلاف ; وقال جعفر بن محمد أيضا : سمعت أبا عبد الله سئل عن رجل قال لامرأته : كل امرأة أتزوجها أو جارية أشتريها للوطء وأنت حية فالجارية حرة والمرأة طالق , قال : إن تزوج لم آمره أن يفارقها , والعتق أخشى أن يلزمه ; لأنه مخالف للطلاق , قيل له : يهب له رجل جارية , قال : هذا طريق الحيلة , وكرهه , مع أن مذهبه تحريم الحيل وأنها لا تخلص من الأيمان , ونص على كراهة البطة من جلود الحمر , وقال : تكون ذكية , ولا يختلف مذهبه في التحريم , وسئل عن شعر الخنزير , فقال : لا يعجبني , وهذا على التحريم , وقال : يكره القد من جلود الحمير , ذكيا وغير ذكي ; لأنه لا يكون ذكيا , وأكرهه لمن يعمل وللمستعمل ; وسئل عن رجل حلف لا ينتفع بكذا , فباعه واشترى به غيره , فكره ذلك , وهذا عنده لا يجوز ; وسئل عن ألبان الأتن فكرهه وهو حرام عنده , وسئل عن الخمر يتخذ خلا فقال : لا يعجبني , وهذا على التحريم عنده ; وسئل عن بيع الماء , فكرهه , وهذا في أجوبته أكثر من أن يستقصى , وكذلك غيره من الأئمة . وقد نص محمد بن الحسن أن كل مكروه فهو حرام , إلا أنه لما لم يجد فيه نصا قاطعا لم يطلق عليه لفظ الحرام ; وروى محمد أيضا عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه إلى الحرام أقرب ; وقد قال في الجامع الكبير : يكره الشرب في آنية الذهب والفضة للرجال والنساء , ومراده التحريم ; وكذلك قال أبو يوسف ومحمد : يكره النوم على فرش الحرير والتوسد على وسائده , ومرادهما التحريم . وقال أبو حنيفة وصاحباه : يكره أن يلبس الذكور من الصبيان الذهب والحرير , وقد صرح الأصحاب أنه حرام , وقالوا : إن التحريم لما ثبت في حق الذكور , وتحريم اللبس يحرم الإلباس , كالخمر لما حرم شربها حرم سقيها , وكذلك قالوا : يكره منديل الحرير الذي يتمخط فيه ويتمسح من الوضوء , ومرادهم التحريم , وقالوا : يكره بيع العذرة , ومرادهم التحريم ; وقالوا : يكره الاحتكار في أقوات الآدميين والبهائم إذا أضر بهم وضيق عليهم , ومرادهم التحريم ; وقالوا : يكره بيع السلاح في أيام الفتنة , ومرادهم التحريم . وقال أبو حنيفة : يكره بيع أرض مكة , ومرادهم التحريم عندهم ; قالوا : ويكره اللعب بالشطرنج , وهو حرام عندهم ; قالوا : ويكره أن يجعل الرجل في عنق عبده أو غيره طوق الحديد الذي يمنعه من التحرك , وهو الغل , وهو حرام ; وهذا كثير في كلامهم جدا . وأما أصحاب مالك فالمكروه عندهم مرتبة بين الحرام والمباح , ولا يطلقون عليه اسم الجواز , ويقولون : إن أكل كل ذي ناب من السباع مكروه غير مباح ; وقد قال مالك في كثير من أجوبته : أكره كذا , وهو حرام ; فمنها أن مالكا نص على كراهة الشطرنج , وهذا عند أكثر أصحابه على التحريم , وحمله بعضهم على الكراهة التي هي دون التحريم . وقال الشافعي في اللعب بالشطرنج : إنه لهو شبه الباطل , أكرهه ولا يتبين لي تحريمه فقد نص على كراهته , وتوقف في تحريمه ; فلا يجوز أن ينسب إليه وإلى مذهبه أن اللعب بها جائز وأنه مباح , فإنه لم يقل هذا ولا ما يدل عليه ; والحق أن يقال : إنه كرهها , وتوقف في تحريمها , فأين هذا من أن يقال : إن مذهبه جواز اللعب بها وإباحته ؟ ومن هذا أيضا أنه نص على كراهة تزوج الرجل بنته من ماء الزنا , ولم يقل قط إنه مباح ولا جائز , والذي يليق بجلالته وإمامته ومنصبه الذي أجله الله به من الدين أن هذه الكراهة منه على وجه التحريم , وأطلق لفظ الكراهة لأن الحرام يكرهه الله ورسوله ; وقد قال تعالى عقيب ذكر ما حرمه من المحرمات من عند قوله : { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه } إلى قوله : { فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما } إلى قوله : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } إلى قوله : { ولا تقربوا الزنا } إلى قوله : { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } إلى قوله : { ولا تقربوا مال اليتيم } إلى قوله : { ولا تقف ما ليس لك به علم } إلى آخر الآيات ; ثم قال : { كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها } وفي الصحيح : { إن الله عز وجل كره لكم قيل وقال , وكثرة السؤال , وإضاعة المال } . فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله , ولكن المتأخرون اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم , وتركه أرجح من فعله , ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث , فغلط في ذلك , وأقبح غلطا منه من حمل لفظ الكراهة أو لفظ " لا ينبغي " في كلام الله ورسوله على المعنى الاصطلاحي الحادث , وقد اطرد في كلام الله ورسوله استعمال " لا ينبغي " في المحظور شرعا وقدرا وفي المستحيل الممتنع كقوله تعالى : { وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا } وقوله : { وما علمناه الشعر وما ينبغي له } وقوله : { وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم } { وقوله على لسان نبيه : كذبني ابن آدم وما ينبغي له , وشتمني ابن آدم وما ينبغي له } وقوله صلى الله عليه وسلم : { إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام } وقوله صلى الله عليه وسلم في لباس الحرير : { لا ينبغي هذا للمتقين } وأمثال ذلك )


لعل إطلاق الكراهة في مسألتنا من هذا الباب.

وإنما نقلت كلام ابن القيم بطوله لنفاسته.
 
توقيع ابو ليث
رد: حكم البناء على قبر الميت مع بيان السنة في صفة القبر ( فتاوى العقيدة 5 )

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد
أرى أنا صاحبنا مولع بأقوال الرجال تارك الدليل البين و الواضح الا ما أورد من أقوال متأخري علماء المالكية رحمهم الله من فهم لبعض النصوص و توجيه لها، ف
أيها القراء الكرام و يأيها الحكم العدول إلى المنهج العلمي و الدليل النبوي التفتوا، و دعوا عنكم قول كل مشغب ملقي للتهمة بالباطل غير مرعوي عن نسبة الجهل و الضلال الى كبار أهل العلم، واسما فتاواهم أنها سبيل لإنتهاك حرمات الاموات و تفجير القبور والاضرحة وزراعة الفتن والشقاق، فحسبنا من قوله أن نشفق عليه و نقول: يانطح يوما الجبل يريد أن يهدمه، اشفق على رأسك لا تشفق على الجبل، و نقول له هذه كل دعاوى عريضة مريضة، لا تقوم و لم تقم عليها البينات فأبناؤها اذا كما قيل أدعياء، و الذين يفجرون القبور و ينتهكون حرمات الأموات، كانوا قد انتهكوا حرمة الأحياء من أهل العلم و غيرهم بوسمهم بما هم منه براء، و ذلك لمَّا لم تتوافق مشارابهم مع مناهج أولئك النجوم الساطعة و البدور الطالعة، و من أولئكم هذا الشيخ الجليل الذي قد أفضى الى ما قدم و لم يبقى له الا حيازة الأجر حين توجه له مثل هذه التهم التي ستكون بإذن الله في ميزان حسناته من كيس القوم ان لم تفنى تلك الحسنات، ونحن نشهد الله أن الشيخ براء براءة الذئب من دم يوسف من فعل كل تكفري تفجري، همه ارضاء أوليائه الذين لبسوا عليه بضلالات و أباطيل يأتي دور درئها و ردها .
و اليكم اخواني هذا السرد العلمي البحث المدلل بالدليل قبل التأصيل التفصيل، ليفهم أن الشيخ لا يتكلم من فراغ، و ليعلم من المبصر من غيره.


بسم الله الرحمن الرحيم
قبل كل اشكرك جزيلا لاهتمامك وإن كنت افضل لو اقتصر الكلام حول الفتوى وفقط
اما تولعي باقوال الرجال فالحمد لله صاحبكم مُوَلع بذكر الله اما الإستدلال باقوال
الرجال فنعم امتثالا لقوله تعالى (فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون)
عموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل.
فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث ،
وفي ضمنه تعديل لأهل العلم وتزكية لهم ، حيث أمر بسؤالهم،
وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله،
وأنهم مأمورون بتزكية أنفسهم، والاتصاف بصفات الكمال.
وكثيرا ما يتعلل البعض بترك اقوال العلماء لفهمهم بعض النصوص او كما يزعمون

فضيلة الشيخ:
ما رد فضيلتكم على شخص غير متعلم العلم الشرعي، ويقول بأن الله وهب الإنسان عقلا يفكر به، وعنده الدليل من القرآن والسنة، فلا حاجة للرجوع إلى العلماء؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في خطأ هذا القول، فإن العقل الصحيح يقتضي أن يرجع في كل فن إلى أربابه العارفين به الحاذقين فيه، ولو مرض هذا الرجل مثلا فهل يقول إن الله خلق له عقلا فهو يقدر على تشخيص المرض ووصف الدواء وتحضيره من المواد الخام التي عنده؟ أم يذهب إلى عارف بالطب ليطببه؟ وإذا تعطل شيء من أجهزة بيته فهل يتوصل بعقله إلى كيفية إصلاحه، أم إن العقل السليم يرشده إلى ضرورة الاستعانة في إصلاحه بمختص في هذا الشأن؟ فإذا كنا في جميع شؤوننا نرجع إلى كل مختص في فنه ونستدل بالعقل على هذه القاعدة الكلية وهي الرجوع فيما لا نحيط بعلمه إلى عالمه دون أن نستدل على تفاصيل العلوم ودقائقها بالعقل، فلماذا يكون علم الشريعة الذي هو سيد العلوم وأشرفها خارجا عن هذا الأصل وتلك القاعدة التي يدل عليها العقل، ثم إن الدليل من الكتاب والسنة قد دل على وجوب الرجوع إلى العلماء والصدور عن قولهم، وألا يفتات عليهم فيما عهده الله إليهم من نصرة الشريعة وتبليغها، كما قال تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون {النحل:43}. وقال صلى الله عليه وسلم: ألا سألوا إذا لم يعلموا.
والمشاهد من واقع الناس وخاصة في زمننا الذي نقص فيه العلم وكثر فيه الجهل هو أن الأهواء ما انتشرت ولا كثرت الضلالات وعظم افتتان الناس بالبدع وانهمكوا في مخالفات لا تحصى إلا بسبب تكلم من لا يعلم ونسبته نفسه إلى العلم وتجاسره على حرم الشريعة المصون، ولو سكت من لا يعلم لقل الخلاف، ولو كان كل الناس سواء في قدرتهم على استخلاص الأحكام لما امتاز العالم من الجاهل، ولما مدح الله أهل العلم بالشريعة وخصهم بما خصهم به من الفضائل، بل الذي يطلق لنفسه العنان في التكلم في أحكام الشرع بغير بينة والتجاسر على الاستنباط من النصوص من غير أهلية يعرض نفسه لمقت الله وسخطه، فقد توعد الله تعالى من يقول عليه بغير علم بأشد الوعيد، فقال تعالى: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون { النحل:116}.
وقال تعالى: قل إنما حرَّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون {الأعراف:33}.
وبالجملة فهذه الشبهة أوهى من أن يشتغل بالرد عليها، فليحذر المسلم من أمثال هذه الشبهات التي تهدف إلى تقليل مكانة العلماء وانتقاص رتبتهم، فإنهم عدول هذه الأمة الذين ينفون عن العلم تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين وليصدر المسلم عن أقوالهم وليقتف آثارهم وليعرف لهم حرمتهم وليعظمهم التعظيم اللائق بهم فإن في ذلك النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
اما اتهامك لي بقولك((و دعوا عنكم قول كل مشغب ملقي للتهمة بالباطل غير مرعوي عن نسبة الجهل و الضلال الى كبار أهل العلم، ))
فالبينة على من ادعى ولم اتهم احد من العلماء بالجهل والضلال فكلامي جد واضح قلت ((مثل هذه الفتاوى شجعت المتطرفين على
انتهاك حرمات الاموات ففجرت القبور والاضرحة وزرعت الفتن والشقاق )) اوتنكر هذا ؟؟؟
اما مسالة النطح والى غير ذلك من اساليبكم في التعامل مع الفكر المعارض فاتركه للقراء الكرام
يبقى فقط مع سردك العلمي كما سيظهر جليا للقراء الكرام ومن نقلك الخاص ان الامر فيه خلاف
فلا تغلق الموضوع كما فعلت من قبل بموضوع التوسل والوسيلة
فتقبل اخي بكل روح اسلامية مبدأ الحوار والنقاش الاخوي
 
رد: حكم البناء على قبر الميت مع بيان السنة في صفة القبر ( فتاوى العقيدة 5 )

الشيخ:
فمن اتخذ قبراً مبنياً ببناء فإنه يكون مخالفاً للسنة
وإما إذا كان يريد البناء على القبور فإن هذا محرم


مثل هذه الفتاوى شجعت المتطرفين على
انتهاك حرمات الاموات ففجرت القبور والاضرحة
وزرعت الفتن والشقاق
ومن اراد حقا قول جمهور العلماء فعليه بفتاوى
المذاهب الاربعة



الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد
أرى أنا صاحبنا مولع بأقوال الرجال تارك الدليل البين و الواضح الا ما أورد من أقوال متأخري علماء المالكية رحمهم الله من فهم لبعض النصوص
ايها الاخ الكريم
تصرفت قليلا في ردك دون الإخلال بالموضوع فقط اضفت قليلا من التلوينات
بغرض توضيح نص الفتاوي المقتبسة من ردك ولنقارنها بفتوى بن عثيمين
التي لمتني كثيرا كوني نقلت فتاوى المذاهب الاربعة واتهمتني كذلك بنقل
اقوال بعض المتأخرين من علماء المذاهب فساكتفي بنقولاتك وتوضيحها
سائلا المولى عز وجل ان ينفعنا ويجعل هذا المسعى خالصا لوجهه تعالى

الحنفية:
قال في بدائع الصنائع: كره أبو حنيفة البناء على القبر)

المالكية:
في مواهب الجليل: يكره البناء على القبر والتحويز عليه ، وإن قصد المباهاة بالبناء عليه أو التبييض فذلك حرام.)
وفي حاشية الدسوقي:( وتحصل مما تقدم أن البناء على القبر أو حوله في الأراضي الثلاثة وهي المملوكة له ولغيره بإذن والموات حرام عند قصد المباهاة وجائز عند قصد التمييز وإن خلا عن ذلك كره. وأما البناء فوقه أو حوله في الأرض المحبسة فحرام إلاّ بقصد التمييز فجائز إن كان البناء يسيراً)
وفي الفواكه الدواني: (وَأَمَّا الْقُبَبُ وَنَحْوُهَا مِمَّا يُضْرَبُ عَلَى الْقَبْرِ فَلا شَكَّ فِي حُرْمَتِهَا فِي الأَرْضِ الْمُحْبَسَةِ عَلَى دَفْنِ الأَمْوَاتِ )

الشافعية:
قال الإمام النووي في المنهاج
(( ويكره تجصيص القبر، والبناء والكتابة عليه، ولو بني في مقبرة مسبلة هدم))
وقال ( (هدم):البناء لأنه يضيق على الناس، ولا فرق بين أن يكون يبني قبة أو مسجداً أو غير ذلك))

الحنابلة:
قال في المغني: (ويكره البناء على القبر)
وفي الزاد نص على الكراهة وهو الذي في النتهى
وفي الإنصاف: (وأما البناء عليه: فمكروه، على الصحيح من المذهب، سواء لاصق البناء الأرض أم لا. وعليه أكثر الأصحاب. قال في الفروع: أطلقه أحمد، والأصحاب. وقال صاحب المستوعب، والمجد، وابن تميم، وغيرهم: لا بأس بقبة وبيت وحظيرة في ملكه. وقدمه في مجمع البحرين، لكن اختار الأول. وقال المجد: يكره ذلك في الصحراء، للتضييق والتشبيه بأبنية أهل الدنيا. وقال في المستوعب: ويكره إن كان في مسبلة. قال في الفروع: ومراده الصحراء. وقال في الوسيلة: ويكره البناء الفاخر كالقبة. قال في الفروع: وظاهره لا بأس ببناء. وعنه منع البناء في وقف عام. وقال أبو حفص: تحرم الحجرة، بل تهدم. وحرم الفسطاط أيضاً. وكره الإمام أحمد الفسطاط والخيمة. وقال الشيخ تقي الدين: إن بني ما يختص به فيها، فهو غاصب. وقال أبو المعالي: فيه تضييق على المسلمين. وفيه في ملكه إسراف وإضاعة مال. وقال في الفصول: القبة والحظيرة والتربة، إن كان في ملكه فعل ما شاء، وإن كان في مسبلة كره للتضييق بلا فائدة. ويكون استعمالاً للمسبلة فيما لم توضع له. )


وكلمة مكروه في الشرع ليست هي الحرام
ولا يلزم من ذلك أن الله عز وجل يكرهه في حقيقة الأمر، وليس في ثبوت حكم الكراهة بالمعنى الاصطلاحي ـ وهو ما نهى الشرع عنه نهيا غير جازم ـ ما يوجب تناقضا، وإنما هو نظير المندوب الذي هو ما أمر به الشرع أمراً غير جازم، فقد يأمر الشرع بأمر ولا يؤكده تأكيد الواجبات، فلا يمتنع أن ينهى الشرع عن فعل من غير تأكيد للنهي عنه كما يؤكد في المحرمات، وذلك لأن المفاسد تتفاوت رتبها، فناسب ذلك أن تختلف الأحكام فليست مفسدة الكبيرة كمفسدة الصغيرة، ومفسدة المحرم ليست كمفسدة المكروه، قال العز بن عبد السلام: فصل: في بيان رتب المفاسد وهي ضربان: ضرب حرم الله قربانه، وضرب كره الله إتيانه، والمفاسد ما حرم الله قربانه رتبتان إحداهما: رتبة الكبائر وهي منقسمة إلى الكبير والأكبر والمتوسط بينهما، فالأكبر أعظم الكبائر مفسدة، وكذلك الأنقص فالأنقص، ولا تزال مفاسد الكبائر تتناقص إلى أن تنتهي إلى مفسدة لو نقصت لوقعت في أعظم رتب مفاسد الصغائر، وهي الرتبة الثانية، ثم لا تزال مفاسد الصغائر تتناقص إلى أن تنتهي إلى مفسدة لو فاتت لانتهت إلى أعلى رتب مفاسد المكروهات، وهي الضرب الثاني من رتب المفاسد، ولا تزال تتناقص مفاسد المكروهات إلى أن تنتهي إلى حد لو زال لوقعت في المباح. انتهى من قواعد الأحكام في مصالح الأنام.

وأما عن حديث: أبغض الحلال عند الله الطلاق ـ ما يتعلق بصحته، أو ضعفه وحكم الطلاق في الشرع، فراجع في ذلك الفتوى رقم: 12962.


وهو دليل على عدم حرمة الطلاق حيث جعله قسما من أقسام المباح، قال صاحب سبل السلام: فيه دليل على أن في الحلال أشياء مبغوضة إلى الله تعالى وأن أبغضها الطلاق فيكون مجازا عن كونه لا ثواب فيه ولا قربة في فعله.

والله أعلم.
 
تنبيه: نظرًا لتوقف النقاش في هذا الموضوع منذ 365 يومًا.
قد يكون المحتوى قديمًا أو لم يعد مناسبًا، لذا يُنصح بإشاء موضوع جديد.
العودة
Top Bottom