
أمهات في المنفى ღ♥ღ وآباء على حافة النسيان


ففي رحلة الإنسانية .. يمر الوقت عابراً مع بعض الأبناء وتجري اللحظات بسرعة خاطفة ..، لتتحول المشاعر النبيلة إلى شيء فانٍ فتتبدل المعاني الجميلة إلى جماد لا قيمة له ..، ذبلت تلك المشاعر واندثرت ، وكأنها لم تكن ..فلكل بداية نهاية ولكل بحر ساحل يتوقف عنده ..، ومع هؤلاء الأبناء الجاحدين تجري رحلة الإنسانية وتجري الأيام والسنين ..، وتبقى الأحاسيس ذكرى في زمن عابر مر على الإنسان في حياته ..،
وها قد بدأت رحلة النهاية المحتومة مع هؤلاء الأبناء وتلك الأسر .. وانطفأت معها المشاعر الجميلة ، لتتحول من فرح وسرور إلى أحزان وشرور ، سيل عارم من المشاعر الجياشة التي مرت أصبحت ذكرى عابرة بلا ثمن ... فما أن بدأت الحياة في الازدهار مع بداية موسم لحصاد للأبناء إلاً وقد أعلن هؤلاء الأبناء عن نهاية الطريق .. ليقرر السفر أو الهجرة دون عودة ويرحلون للأبد ، وينتهى الطريق ليبدأ الرحيل ...، ويبدأ مشوار الشجن الطويل مع تلك الأمهات ، ليفرض عليهن أن يعيشن منسيات مهمشات بالحياة ، بعد أن غدر بهن الأبناء .. ورحل عنهم الأزواج إلى العالم الآخر .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ...

تنظر الى نفسك في المرآة فتجد الرأس اشتعل شيباً والوجه امتلأ بالتجاعيد .. وعيونك الجميلة انطفت وانمحى بريقها ... تتلفت من حولك .. جدران شاحبة ووحدة قاتلة موحشة .. فتسيل على خدك دمعات دافئة .. وتتحسر على شبابك وربيع عمرك الذي ولى في الكفاح وتربية الأبناء ومراعاة الله في الزوجة التي رحلت إلى عالم الآخرة .. وتحتاج الى حنان اولادك الذين تركوك ولم يعيروك اي اهتمام .. وكم كنت فرحاً بأول طفل انجبته لك زوجتك .. واليوم انت عالم منسي .. فتحترق الدموع في عينيك .. وتتذكر والدك الذي اما انك كنت باراً به او عاقاً به ..
لقد تجمدت الدمعه العيون ..، وتحجرت القلوب ولم تبق منها سوى دقات متباطئة وتائهة ولم يبق إلاً أشلاء الجسد المبعثرة . لا تبدو على ملامحك سوى علامات حزن تجعل من يراك يجهلك في زمن لم تسلم فيه من طعنات الغدر والجحود ولم يعد فيه للوفاء أي وجود لتصبح من ضمن الآباء اللذين هم على حافة النسيان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..
عزيزي القاريء ... إن أكبر جرح في الحياة الأسرية هو التخلي والتنكر .. وأكبر إهانة في رحلة الإنسانية هوأن يأتيك شعور بأنك احتياطي أو على الهامش ، تلجأ إليك ابنتك متى أرادت .. ويقبل رأسك ولدك متى أحتاج لمالك ... وفي الحياة نسلك الدروب ولا نعلم ما هو قدرنا فنسلم الأمر لله ، ونحسن الظن بالغير فنجود بالثقة العمياء مع من نعرف ومن لا نعرف .. فتأتينا طعنات الغدر من أقرب الأقرباء ... من الأبناء شركاء الحياة ، ولكننا لابد أن نصبر ونسلم زمام أمرنا لله .. فالحياة دروس وابتلاءات كي نتعلم فنسلم ، أما الغدر فهو طبع في النفس الدنيئة ، النفس التي تختبئ داخل مظهر العفاف والطهر إلى أن يأتي اليوم الذي تنكشف فيه لدغاتها السامة ... ومع تناثر السموم تتحول كل عاطفة لدينا إلى حقدا وكراهية ، وسيندم هؤلاء الأبناء حين لا ينفع الندم .. ولندعوا الله لهؤلاء الأبناء أن يطهر قلوبهم التي تلوثت بالحقد والكراهية لتعود من جديد المشاعر الإنسانية النبيلة ، والأخلاق الراقية الرفيعة .
ولتنتظر عودتهم إلى أحضانك يوماً ما .. وحينها ستترقرق عيناك بالدموع .. حتى وإن كانت دموع بها غرراً من الزمن وآلاما من البشر ووحدانية القهر والتعب .. ولكنهم سيعودون يوماً ما .. ويطلبون السماح والعفو والغفران .. وحينما يحدث ذلك فلا تردهم وتدعوا عليهم ... بل ارفع كفاك إلى السماء ولتقول " اللهم إن كانت لهم ذنوب فاغفرها لهم . وإن كانت لهم مظالم فأزحها عنهم ... وإن كانت بهم مرض أو علة أرحهم منها . اللهم لا تحرمني قربهم ووصلهم وامنحهم عمري .. فأنت القادر على كل شيء " ..

نعيــب زمــانـنـا والعيـب فينـا ... وما لزماننا عـيــب سوانـا
ونهجوا ذا الزمان بغير ذنــبٍ ... ولو نطق الزمان لنا هجانـا
وليـس الذئب يأكل لحــم ذئبٍ ... ويأكل بعضنا بعضا عيانـــا
إعداد

اخوكم رزقي