التفاعل
472
الجوائز
73
- تاريخ التسجيل
- 28 مارس 2014
- المشاركات
- 787
- آخر نشاط
- تاريخ الميلاد
- 6 أكتوبر

(1) :
قام نزاعٌ كبير بين أهل الفكر في عالمنا العربي / الإسلامي ، وكان طرفاه الأساس : من يرى أن ليس للمسلمين منهج للبحث العلمي ، قائماً بذاته ، باستقلال عن قدامى المنهجيين الغربيين ، ما يعني التماهي في ثقافة " الغير " . وكان أصحاب هذا الرأي لهم الغَلبة بكل الوجوه ، وأشاعوا أن لا منهجَ صحيحاً إلا ما أُخِذ عن اليونان ومنطقهم ، متمثلاً ذلك ، وبالأساس ، في منطق أرسطو ، ومثّل هذا الفريق نفرٌ من علماء وفلاسفة المسلمين كـ : الكندي ، وابن سينا ، والفارابي . هذا في المشرق الإسلامي ، وكـ : ابن طفيل ، وابن باجة ، وابن رشد . وهذا في المغرب الإسلامي .
وقام فريق آخر يرى ضرورة اعتبار شخصية ( = هُوية ) العالِم المسلم ؛ لذا فلا بد من الممازجة بين الفكر الإسلامي وجذور الثقافات التي فتح المسلمون بلادها ، بحيث لا يُتجاهل التراثُ الوافدُ ، كما لا يُهمَل الطرحُ العلميُّ للمسلمين ممثلاً ، بالأساس ، في القرآن الكريم والسنة النبوية . لذا طرح هذا الفريق أن أصول المنهج العلمي / الفلسفي تؤخذ ، على المستوى الإسلامي ، من علم أصول الفقه على المستوى المنهجي ، ومن علم التوحيد على المستوى العقدي .
اعتمد المسلمون ، حال أسسوا المنهجية العلمية ، أن العبرة ليست " أن نحشو ذهن الطالب بالمعلومات ، بل أن نملّكه وسائل تحصيل المعلومات وتفحّصها ، وذلك يتم عبر التعود على البحث والتنقيب والاستقراء " . وتلك أولى مهام ، وفوائد ، المنهج .
والمنهج ، اصطلاحاً ، هو " الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير العقل ، وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة ما " .
وقد حدد المسلمون اتجاهين للمناهج :
الأول : منهج الاكتشاف . وهو الذي يسعى إلى اكتشاف حقيقة ما .
الثاني : منهج التصنيف . وهو الذي يبرهن على مفاهيم سائدة / قائمة ، أو يعدّل منها .
أما البحث ، فهو " استقصاء دقيق يهدف إلى اكتشاف حقائق ، أو قواعد ، عامة يمكن التحقق منها في المستقبل " . ومن ثم يكون المنهج العلمي ، كتعريف المسلمين له ، هو " مجموعة منظمة من المبادئ العامة ، والطرق الفعلية التي يستعين بها الباحث في حل مشكلات بحتة مستهدفاً بذلك الكشف عن الحقيقة " .
ولا شك أن الكثير من مفكري الإسلام ، وعلمائه ، خاصة علماء الكلام ( = الأصوليون ) وعلماء أصول الفقه ، قد رفض الاعتماد على نظرية " القياس المنطقي " ، كما جاءت عن أرسطو طاليس ، منهجاً في النظر والبحث والوصول إلى الحقائق ، خاصة في الذي له تعلق بالعلوم الشرعية الإسلامية فضلاً عن العلم العقدي ، ولا يجب أن نفهم هذا الموقف على أنه نكران للمنهج العلمي ودوره وأهميته ، بل على أساس أن علماءنا قد وجدوا أن منهجَ القياس المنطقي ، كما جاءنا عن أرسطو والسوفسطائيين وسقراط والكلبيين والرواقيين ، ليس يتفق مع نزعة العلمية بل العملية كما فهموها من مصدري الإسلام : القرآن الكريم والسنة الشريفة ، لذا أسسوا منهجاً خاصاً استمدوا مبادئه / مقوماته / أسسه من أصول الإسلام متمثلةً في الكتاب والسنة . وقد سمّى علماءُ أصول الفقه هذا المنهج باسم " القياس الأصولي " . تأسيساً على الاختلاف / التباين القائم بين نظرة كل من الأصوليين والأرسطيين إلى القياس . ولا شك لدينا أن المسلمين عرفوا القياس قبل ترجمة ، ومن ثم معرفة ، المنطق ... وذلك في الاجتهاد بـ " الرأي " الذي هو مبدأ إسلامي اعتمد عليه الصحابة والتابعون ، ولم ينكره إلا أهل الظاهر .
ومن أوليات المنهج الكلامُ في " الحد " ، وقد اختلف تعريفه عند الأصوليين عنه عند المنطقيين ؛ فقد أخذ ابن تيمية الكثير من أفكار السابقين له وأضاف إليها من فكره الخاص ؛ فالرجل يرى أن التحقيق السديد في مسألة الحد هو جواب " ما هو " لسائل يستفهم عن شيء . وهذا السائل :
• إما أن يكون غير عارف بمسمى الاسم ، فالحد يكون بالنسبة إليه " ترجمة " ، وهو من الحدود اللفظية ، وهناك الحدود الشرعية التي عرّفها الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام ، كالإيمان والإسلام والإحسان .
• وإما أن يكون عارفاً بمسمى الاسم ، وفي هذه الحالة لا يحتاج للتمييز ، وإنما يحتاج شيئاً زائداً عن التعريف ، وهو ذكر خصائص باطنة ، أو ما تركب منه .
والدارس للمنطق ، الحديث تحديداً ، يجد أن " جون استيوارت مل " قد قدّم ما قاله ابن تيمية ، دون الإشارة إليه ، من حيث إن " مل " يرى أن الحد " مجرد شرح اللفظ " .
ثم تناول الأصوليون مسألة " القياس " فانتهوا إلى تعريفه وبيان مكوناته / أركانه ؛ فالقياس ، عندهم ، هو التقدير والمساواة . وهو ، اصطلاحاً ، حمل مجهول على معلوم في إثبات حكم لهما ، أو نفيه عنهما ، لأمر جامع بينهما .
ولا شك ، لدى دارس المنطق والأصول ، أن هذا التعريف أدخل إلى باب الدقة المنهجية من التعريف الأرسطي للقياس ، والذي يدور حول كونه مجرد انتقال من " جزئي " إلى " كلي " .
أما أركان القياس فقد أجملها الأصوليون في أربع نقاط : الأصل ، والفرع ، والحكم ، والعلة.
ثم عرّفوا كل نقطة تعريفاً دقيقاً :
• الأصل : هو ما بُني عليه غيرُه ، أو هو ما عُرِفَ بنفسه دون إفتقار إلى غيره .
• الفرع : هو ما تفرع وبُنى على غيره ، أو هو ، عند الفقهاء ، المحل ، أو الشيء الذي نريد أن نحكم عليه .
• الحكم : هو الحكم الشرعي الذي يحكم به على الفعل من ناحية كونه حراماً أو حلالاً ، كما أنه صور هذا الحكم . وقد أجملوها في خمس صور هي : الواجب ، والمحرم ، والمكروه ، والمندوب ، والمباح .
• العلة : وهي أهم أركان القياس ، من حيث إنها التي تُستنبَط من حكم الأصل ، أو يُنص عليها ، وتكون موضع لبحث ونظر وتأمل في الفرع ، حتى إذا تحقق وجودها جرى حكم الأصل عليها ... لذا صار القول " الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً " .
وتكلّم العلماء ، الأصوليون تحديداً ، في العلة تفصيلاً لتعلقها بالأحكام ، وهي ذات التعلق " العملي " بالحياة بوجه عام .
يُتبع ...
قام نزاعٌ كبير بين أهل الفكر في عالمنا العربي / الإسلامي ، وكان طرفاه الأساس : من يرى أن ليس للمسلمين منهج للبحث العلمي ، قائماً بذاته ، باستقلال عن قدامى المنهجيين الغربيين ، ما يعني التماهي في ثقافة " الغير " . وكان أصحاب هذا الرأي لهم الغَلبة بكل الوجوه ، وأشاعوا أن لا منهجَ صحيحاً إلا ما أُخِذ عن اليونان ومنطقهم ، متمثلاً ذلك ، وبالأساس ، في منطق أرسطو ، ومثّل هذا الفريق نفرٌ من علماء وفلاسفة المسلمين كـ : الكندي ، وابن سينا ، والفارابي . هذا في المشرق الإسلامي ، وكـ : ابن طفيل ، وابن باجة ، وابن رشد . وهذا في المغرب الإسلامي .
وقام فريق آخر يرى ضرورة اعتبار شخصية ( = هُوية ) العالِم المسلم ؛ لذا فلا بد من الممازجة بين الفكر الإسلامي وجذور الثقافات التي فتح المسلمون بلادها ، بحيث لا يُتجاهل التراثُ الوافدُ ، كما لا يُهمَل الطرحُ العلميُّ للمسلمين ممثلاً ، بالأساس ، في القرآن الكريم والسنة النبوية . لذا طرح هذا الفريق أن أصول المنهج العلمي / الفلسفي تؤخذ ، على المستوى الإسلامي ، من علم أصول الفقه على المستوى المنهجي ، ومن علم التوحيد على المستوى العقدي .
اعتمد المسلمون ، حال أسسوا المنهجية العلمية ، أن العبرة ليست " أن نحشو ذهن الطالب بالمعلومات ، بل أن نملّكه وسائل تحصيل المعلومات وتفحّصها ، وذلك يتم عبر التعود على البحث والتنقيب والاستقراء " . وتلك أولى مهام ، وفوائد ، المنهج .
والمنهج ، اصطلاحاً ، هو " الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير العقل ، وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة ما " .
وقد حدد المسلمون اتجاهين للمناهج :
الأول : منهج الاكتشاف . وهو الذي يسعى إلى اكتشاف حقيقة ما .
الثاني : منهج التصنيف . وهو الذي يبرهن على مفاهيم سائدة / قائمة ، أو يعدّل منها .
أما البحث ، فهو " استقصاء دقيق يهدف إلى اكتشاف حقائق ، أو قواعد ، عامة يمكن التحقق منها في المستقبل " . ومن ثم يكون المنهج العلمي ، كتعريف المسلمين له ، هو " مجموعة منظمة من المبادئ العامة ، والطرق الفعلية التي يستعين بها الباحث في حل مشكلات بحتة مستهدفاً بذلك الكشف عن الحقيقة " .
ولا شك أن الكثير من مفكري الإسلام ، وعلمائه ، خاصة علماء الكلام ( = الأصوليون ) وعلماء أصول الفقه ، قد رفض الاعتماد على نظرية " القياس المنطقي " ، كما جاءت عن أرسطو طاليس ، منهجاً في النظر والبحث والوصول إلى الحقائق ، خاصة في الذي له تعلق بالعلوم الشرعية الإسلامية فضلاً عن العلم العقدي ، ولا يجب أن نفهم هذا الموقف على أنه نكران للمنهج العلمي ودوره وأهميته ، بل على أساس أن علماءنا قد وجدوا أن منهجَ القياس المنطقي ، كما جاءنا عن أرسطو والسوفسطائيين وسقراط والكلبيين والرواقيين ، ليس يتفق مع نزعة العلمية بل العملية كما فهموها من مصدري الإسلام : القرآن الكريم والسنة الشريفة ، لذا أسسوا منهجاً خاصاً استمدوا مبادئه / مقوماته / أسسه من أصول الإسلام متمثلةً في الكتاب والسنة . وقد سمّى علماءُ أصول الفقه هذا المنهج باسم " القياس الأصولي " . تأسيساً على الاختلاف / التباين القائم بين نظرة كل من الأصوليين والأرسطيين إلى القياس . ولا شك لدينا أن المسلمين عرفوا القياس قبل ترجمة ، ومن ثم معرفة ، المنطق ... وذلك في الاجتهاد بـ " الرأي " الذي هو مبدأ إسلامي اعتمد عليه الصحابة والتابعون ، ولم ينكره إلا أهل الظاهر .
ومن أوليات المنهج الكلامُ في " الحد " ، وقد اختلف تعريفه عند الأصوليين عنه عند المنطقيين ؛ فقد أخذ ابن تيمية الكثير من أفكار السابقين له وأضاف إليها من فكره الخاص ؛ فالرجل يرى أن التحقيق السديد في مسألة الحد هو جواب " ما هو " لسائل يستفهم عن شيء . وهذا السائل :
• إما أن يكون غير عارف بمسمى الاسم ، فالحد يكون بالنسبة إليه " ترجمة " ، وهو من الحدود اللفظية ، وهناك الحدود الشرعية التي عرّفها الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام ، كالإيمان والإسلام والإحسان .
• وإما أن يكون عارفاً بمسمى الاسم ، وفي هذه الحالة لا يحتاج للتمييز ، وإنما يحتاج شيئاً زائداً عن التعريف ، وهو ذكر خصائص باطنة ، أو ما تركب منه .
والدارس للمنطق ، الحديث تحديداً ، يجد أن " جون استيوارت مل " قد قدّم ما قاله ابن تيمية ، دون الإشارة إليه ، من حيث إن " مل " يرى أن الحد " مجرد شرح اللفظ " .
ثم تناول الأصوليون مسألة " القياس " فانتهوا إلى تعريفه وبيان مكوناته / أركانه ؛ فالقياس ، عندهم ، هو التقدير والمساواة . وهو ، اصطلاحاً ، حمل مجهول على معلوم في إثبات حكم لهما ، أو نفيه عنهما ، لأمر جامع بينهما .
ولا شك ، لدى دارس المنطق والأصول ، أن هذا التعريف أدخل إلى باب الدقة المنهجية من التعريف الأرسطي للقياس ، والذي يدور حول كونه مجرد انتقال من " جزئي " إلى " كلي " .
أما أركان القياس فقد أجملها الأصوليون في أربع نقاط : الأصل ، والفرع ، والحكم ، والعلة.
ثم عرّفوا كل نقطة تعريفاً دقيقاً :
• الأصل : هو ما بُني عليه غيرُه ، أو هو ما عُرِفَ بنفسه دون إفتقار إلى غيره .
• الفرع : هو ما تفرع وبُنى على غيره ، أو هو ، عند الفقهاء ، المحل ، أو الشيء الذي نريد أن نحكم عليه .
• الحكم : هو الحكم الشرعي الذي يحكم به على الفعل من ناحية كونه حراماً أو حلالاً ، كما أنه صور هذا الحكم . وقد أجملوها في خمس صور هي : الواجب ، والمحرم ، والمكروه ، والمندوب ، والمباح .
• العلة : وهي أهم أركان القياس ، من حيث إنها التي تُستنبَط من حكم الأصل ، أو يُنص عليها ، وتكون موضع لبحث ونظر وتأمل في الفرع ، حتى إذا تحقق وجودها جرى حكم الأصل عليها ... لذا صار القول " الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً " .
وتكلّم العلماء ، الأصوليون تحديداً ، في العلة تفصيلاً لتعلقها بالأحكام ، وهي ذات التعلق " العملي " بالحياة بوجه عام .
يُتبع ...