متى نصر الله ؟ :

د.سيد آدم

:: عضو مثابر ::
ضمن الله تعالى للمؤمنين أنه هو ، سبحانه ، من يدافع عنهم ، ومَن يدافع اللهُ عنه فهو ممنوعٌ ، حتماً ، من عدوه , ظاهرٌ ، حتماً ، على هذا العدو ! ففيم ، إذن ، يأذن الله لهولاء بالقتال ? . وفيم ، إذن ، يكتب الله عليهم الجهاد ? . وفيم ، إذن ، يقاتِلون فيصيبهم القتل والجرح ، والجهد والمشقة ، والتضحية والآلام ... والعاقبة معروفة ، والله قادر على تحقيق هذه العاقبة لهم بلا جهد ولا مشقة ، ولا تضحية ولا ألم ، ولا قتل ولا قتال ? .
إن حكمة الله في هذا هي العليا ... : " ولله الحجة البالغة " ... والذي ندركه ، نحن البشرَ ، من تلك الحكمة ، ويظهر لعقولنا ومداركنا من تجارِبنا ومعارفنا أن الله ، سبحانه ، لم يُردْ أن يكون حمَلةُ دعوته وحماتُها من " التنابلة " الكسالى ، الذين يجلسون في استرخاء ، ثم يتنزل عليهم نصرُ الله سهلاً هيناً بلا عناء ، لمجرد أنهم " يقيمون الصلاة " ، ويرتلون القرآن ، ويتوجهون إلى الله بالدعاء كلما مسهم أذى ، أو وقع عليهم اعتداء .
نعم ... إن القوم مأمورون أن " يقيموا الصلاة " ، وأن " يرتلوا القرآن " ، وأن " يتوجهوا إلى الله بالدعاء " في السراء والضراء ... إلا أن هذه العبادة ، وحدها ، ليست تؤهلهم لحمل دعوة الله وحمايتها ؛ إنما هي الزاد الذي يتزودونه للمعركة ، وهي الذخيرة التي يدخرونها للموقعة ، وهي السلاح الذي يطمئنون إليه وهم يواجهون الباطل بمثل سلاحه ... ثم يزيدون عنه سلاح " التقوى " و " الإيمان " و " الاتصال بالله " . لقد شاء الله ، عز وجل ، أن يجعل دفاعه عن " الذين آمنوا " يتم عبْرهم هم أنفسهم ، كي يتم نضجُهم هم في أثناء المعركة ؛ فالبنية الإنسانية لا تستيقظ كل الطاقات المذخورة فيها كما تستيقظ وهي تواجه الخطرَ : وهي تدفع وتدافع ، وهي تستجمع كل قوتها لتواجه القوة المهاجمة ... وقتها تتحفز في هذه البنية كلُّ خليةٍ بكل ما أُودع فيها من استعداد لتؤدي دورها ؛ ولتتساند ، مع الخلايا الأخرى ، في " العمليات المشتركة " ، ولتؤتي أقصى ما تملكه ، وتبذل آخر ما تنطوي عليه ؛ وتصل إلى أكمل ما هو مقدور لها وما هي مهيأةٌ له من الكمال .
والأمة التي تقوم على دعوة الله في حاجة إلى " إيقاظ " كل خلاياها ، و " حشد " كل قواها ، و " جمْع " كل طاقاتها ، ذلك كي يتم نموها ، ويكمل نضجُها ، وتتهيأ بذلك لحمل الأمانة الضخمة والقيام بأعبائها الثقال .
والنصر السريع الذي لا يكلف عناء ، والذي يتنزل هيناً ليناً على " القاعدين " المستروحين " ، يعطّل تلك الطاقات عن الظهور ، لأنه لا يحفزها ولا يدعوها ... ذلك ، فوق أن النصر السريع الهين اللين سهلٌ فقدانه وضياعه :
أولاً ، لأنه رخيص الثمن لم تُبذل فيه تضحياتٌ " عزيزة " .
ثانياً ، لأن الذين نالوه لم تُدرب قواهم على الاحتفاظ به ، ولم تُحشد طاقاتُهم ، وتحتشد لـ كسبه ... ومن ثم فهي لا تتحفز ولا تحتشد لـ الدفاع عنه .
وهناك التربية الوجدانية والدربة العملية ، تلك التي تنشأ من النصر والهزيمة ، والكر والفر ، والقوة والضعف ، والتقدم والتقهقر ... كذا من المشاعر المصاحبة لهذا كله من الأمل والألم ، ومن الفرح والغم ، ومن الاطمئنان والقلق ، ومن الشعور بالضعف والشعور بالقوة . ومعها التجمع والفناء في العقيدة والجماعة ، والتنسيق بين الاتجاهات في ثنايا المعركة وقبلها وبعدها ، وكشف نقاط الضعف ونقاط القوة ، وتدبير الأمور في جميع الحالات ... وكلها من الـ ضروريات للأمة التي تحمل الدعوة وتقوم عليها و ... على الناس .
من أجل هذا , ومن أجل غيره مما يعلمه الله وقد لا نعلمه ... جعل الله دفاعَه عن " الذين آمنوا " يتم عن طريقهم " هم " أنفسهم ؛ ولم يجعلْه لقيةً تهبِط عليهم من السماء بلا كلفة ولا عناء .
النصر قد يبطىء على الذين ظُلموا وأخرجوا من ديارهم بغير حق " إلا أن يقولوا ربنا الله " . فيكون هذا الإبطاء لحكمة يريدها الله .
النصر قد يبطىء لأن بنية الأمة المؤمنة لم يكتمل ، بعدُ ، نضجِها , ولم يتم ، بعد ، تمامها ، ولم تحشد ، بعد ، طاقاتها ، ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوىً واستعداداتٍ ... فلو نالت النصر ، حينئذ ، " لفقدتْه " " وشيكاً " لعدم قدرتها على " حمايته " " طويلاً " .
النصر قد يبطىء حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة ، وآخر ما تملكه من رصيد ، فلا تستبقي عزيزاً ولا غالباً ، لا تبذله ، هيناً رخيصاً ، في سبيل الله .
النصر قد يبطىء حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها ، فتدرك أن هذه القوى ، وحدها ... وبدون سند من الله ، لا تكفل النصرَ . إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ، ثم تكِل الأمرَ ، بعدها ، إلى الله .
النصر قد يبطىء لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله ، وهي تعاني وتتألم وتبذل ، ولا تجد لها سنداً إلا الله ، ولا متوجَهاً إلا إليه وحده في الضراء ... وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن به الله ... فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله .
النصر قد يبطىء لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد ، بعد ، في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته ، فهي تقاتل لمغنم تحققه ، أو تقاتل حمية لذاتها ، أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها ... والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله ، بريئاً من المشاعر الأخرى التي تلابسه ... وقد سئل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، : الرجل يقاتل حمية ، والرجل يقاتل شجاعة ، والرجل يقاتل ليُرى . فأيها في سبيل الله ؟ فقال : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " .
النصر قد يبطىء لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقيةً من خير ، يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصاً ، ويذهب ، وحده ، هالكاً ، لا تتلبس به ذرةٌ من خير تذهب في الغمار .
النصر قد يبطىء لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفُه للناس تماماً ، فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصاراً من المخدوعين فيه لم يقتنعوا ، بعد ، بفساده وضرورةِ زواله ؛ فتظل له جذورٌ في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة ، فيشاء الله ، وهو الحكيم ، أن يبقى الباطل حتى يتكشف عارياً للناس ، ويذهب غير مأسوف عليه من ذي بقية .
النصر قد يبطىء لأن البيئة لا تصلح ، بعد ، لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة ؛ فلو انتصرت حينئذ للقيتْ معارضةً من البيئة لا يستقر لها معها قرار ، فيظل الصراع قائماً حتى تتهيأ النفوس من حوله لـ استقبال الحق الظافر ، ولـ استبقائه .
من أجل هذا ، ومن أجل غيره مما يعلمه الله ولا نعلمه ، قد يبطىء النصر ، فتتضاعف التضحيات ، وتتضاعف الآلام . مع دفاع الله عن الذين آمنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية .
إن للنصر تكاليفَه وأعباءه حين يتأذن الله به بعد " استيفاء " أسبابه و " أداء " ثمنه ، و " تهيؤ " الجو حوله لاستقباله واستبقائه ... : " وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ " ...
فوعد الله ، وهو وعد مؤكدٌ وثيقٌ متحققٌ غيرُ مشكوكٍ فيه ، الذي لا يتخلف هو أن " ينصر مَن ينصره " ... فمن هم ، يا ترى ، هؤلاء الذين " ينصرون الله " ، فيستحقون " نصر الله " ... والله هو القوي العزيز الذي لا يُهزم مَن يتولاه ? ... إنهم : " الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ " ... فحققنا لهم النصر ، وثبتنا لهم الأمر . " أَقَامُوا الصَّلَاة " ... فعبدوا الله كما يريد هو ، ووثقوا صلتهم به ، واتجهوا إليه طائعين خاضعين مستسلمين . " وَآتَوُا الزَّكَاةَ " ... فأدوا حق المال ، وانتصروا على شح النفس ، وتطهروا من الحِرص ، وغلبوا وسوسة الشيطان ، وسدوا خلة الجماعة ، وكفلوا الضعاف فيها والمحاويج ، وحققوا لها صفة الجسم الحي ، كقول الرسول ، صلى الله عليه وسلم : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " . " وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ " ... فدعوا إلى الخير والصلاح ، ودفعوا إليه الناس . " وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ " فقاوموا الباطل في النفس والمجتمع .
 
يعطيك العافية اخي
جعل الله هذا العمل في ميزان حسناتك

أخوك فلسطيني من غزة
 
تنبيه: نظرًا لتوقف النقاش في هذا الموضوع منذ 365 يومًا.
قد يكون المحتوى قديمًا أو لم يعد مناسبًا، لذا يُنصح بإشاء موضوع جديد.
العودة
Top Bottom