التفاعل
472
الجوائز
73
- تاريخ التسجيل
- 28 مارس 2014
- المشاركات
- 787
- آخر نشاط
- تاريخ الميلاد
- 6 أكتوبر

(1) :
نرى ، تأسيساً على القول " إن من البيان لسحراً " ، أن أبا حامد الغزالي قد أقام للمسلم ، كقول زكي نجيب محمود ، حياته بالمسطرة !!! ... : " هو أبو حامد الغزالي ( تُوفِّي العام 1111 ) الذي طالتْ قامته حتى رآه المسافر من بعيد كالنخلة الفارعة ، والذي ألقى بظلّه على العصور التالية له ، حتى لنحسّ وجوده معنا إلى يومنا هذا ، نهابه ونخشع لسطوته . وإن الناقد له ليتردد مائة مرة قبل أن يقْدم على نقده ، لأنه يعلم أنه واقف بإزاء طود شامخ راسخ ، أخلصَ النظر والقول ، لم يكتب ما كتب ليملأ الصحف بزخرف اللفظ ، ولا ليُلهي قارءه بقدرة يتظاهر بها أمامه ليتعالم في كذب ؛ بل كتب ما كتب مخلصاً صادقاً ، ينظر إلى الفكرة المعروضة بين يديه نظرة تشملها من كافة وجوهها ، فإذا انتهى به النظر إلى حُكم ، آمن به ودافع عنه بكل ما أُوتي من قدرة على جمع الشواهد من مأثور القول ، وعلى إقامة الحُجة العقلية الخالصة يسوقها لتساير تلك الشواهد المأثورة عن السالفين الصالحين " .
لكن الغزالي ، أيضاً ، هو الذي ظهر ليكون قوةً رجعية قابضة تمسك الناس دون الانبثاقة الحرة المغامرة ، ومن يدري ؟ فلعله من أقوى العوامل التي أثّرت في مجرى حياتنا العقلية قروناً متتالية ؛ وما ظنك برجل كتب مؤلَّفَه الضخم " إحياء علوم الدين " في أربعة مجلدات مديدة الطول ، ليرسم للمسلم حياته بالمسطرة والفرجار : فيحدد له كل لفظة يفوه بها ، وكل خطوة يتحركها لكي يضمن سلامة إسلامه ؛ يحدد له كيف يأكل ، وكيف ينام ، وكيف يسافر ، وكيف يعاشر زوجه ، وكيف يعامل أولاده وأصدقاءه . يحدد له كل صغيرة وكبيرة من حياته : كيف ينبغي أن تكون لكي يكون مسلماً صحيح العقيدة والسلوك . فماذا يبقى للإنسان ليتصرف فيه بالتلقائية الحرة ليكون مسؤولاً بما يقرره لنفسه وبما يُخرجه في سلوكه ؟ .
هناك لومٌ واقعٌ ، لا محالة ، على الغزالي من حيث إنه أراد للناس ، معاصريه والآتين بعده ، أن يكونوا صورة طبق الأصل من تفكيره !!! ، لكن اللوم الأكبر واقعٌ على " الآخرين " الذين قبلوا / رضوا بإرادة الغزالي فضاعوا وأضاعوا من حيث إنهم أصبحوا " إمعات " حتى قرأنا قول أحدهم " لا غنى للأحياء عن الإحياء " !!! و " كاد الإحياء أن يكون قرآناً " .
نحن نتبنّى القول " إنه مهما بلغ المفكر من العظمة والعبقرية ، فذلك لا يعفي الناس أن يخالفوه ؛ فكلٌّ يؤخذ منه ويُرد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم " .
حدّد الغزالي ، في شدة مثيرة للتساؤل ، عقيدة أهل السنة !!! ، ومنها ما نطرحه هنا لنرى أأصاب الغزالي أو لم يُصِبْ لمّا جزم أن مخالفه خارجٌ عن صحيح العقيدة !!! . فليس هذا هو الفيصل الحاسم في هذه القضايا العقدية ، ما يعني حق كل مسلم ، وأي مسلم ، أن يرى ويعتقد ويعتنق غير ما يراه ويعتقده ويعتنقه غيره من المسلمين ما دام لم يخالف قرآناً أو سنةً ، فيكون خلافه مع " فهم " النص ، لا " النص " نفسه .
فالله ، عند أبي حامد الغزالي ، ومن ارتضى رأيه ، هو " واحد لا شريك له ، فردٌ لا مثيل له ، صمدٌ لا ضد له ، متوحّد لا ندّ له ، قديمٌ لا أول له ، أبديٌّ لا نهايةَ له ، لم يزلْ ولا يزال موصوفاً بنعوت الجلال ، هو الأول والآخر والظاهر والباطن ، وهو بكل شيء عليم " .
مثل هذه الأمور تعد من الثوابت التي لا يختلف عليها مسلمان . والله ، تعالى " ليس بجسم مصوَّر ولا جوهر محدود مقدَّر ، لا يماثل الأجسام لا في التقدير ولا في قبول الانقسام ، لا يحده المقدار ، ولا تحويه الأقطار ، ولا تحيط به الجهات. مستوٍ على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده استواءً منزَّهاً عن المماسة والاستقرار والتمكن والتحول والانتقال ، لا يحمله العرش ، بل العرش وحملَته محمولون بلطف قدرته ، وهو فوق العرش وفوق كل شيء ، هو رفيع الدرجات على العرش ، كما أنه رفيع الدرجات على الثرى ، وهو ، مع ذلك ، قريب من كل موجود ، وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد ، وهو على كل شيء شهيد ، إذ لا يماثل قربه قرب الأجسام ، كما لا تماثل ذاته ذات الأجسام ، لا يحل في شيء ولا يحل فيه شيء ، تعالى عن أن يحويه مكان كما تقدّس عن أن يحده زمان ، بل كان قبل خلق الزمان والمكان ، وهو الآن على ما كان عليه ، مباين بصفاته عن خلقه " .
ونلاحظ أن الغزالي يجمع ، في مسألة العرشية ، بين التنزيه والتوقيف ، بينما ترى فرق ، كالمعتزلة والزيدية والشيعة والخوارج ، تأويل العرشية إلى معنى الملك ، وتأويل قوله تعالى " ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية " إلى معنى حمل الملائكة لأعمال العباد إلى الله يوم القيامة تجنباً لما ينطوي عليه معنى " الحمل " و " الفوقية " من دلالات مكانية حسية . أما آراء المشبهة والمجسمة والحشوية ، كما الحال عند الدارمي ، الذي وصف " الحمل " و " الفوقية " بدلالة حسية موغلة في الحسية ، فهذا كله مما ينبغي ، برأينا ، طرحه جانباً .
يقول ابن كثير ، وهو بصدد تفسير قوله تعالى " الرحمن على العرش استوى " ما نصه " للناس في هذا المقام مقالات كثيرة جداً ، وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح من أئمة المسلمين قديماً وحديثاً ، وهو إمرارها كما جاءت ، من غير تكييف ولا تشبيه . والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله ؛ فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه ، بل الأمر ، كما قال الأئمة ، : من شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر . وليس فيما وصف الله به نفسَه ، ولا رسولُه ، تشبيه ، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة ، على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى ، ونفى عن الله تعالى النقص ، فقد سلك سبيل الهدى . وعلى هذا الأساس يكون الاستواء المتعارف عليه – وهو الجلوس والارتفاع المادي – منفياً عن الله سبحانه وتعالى ، ويكون له استواء على عرشه كما أخبرنا لا كما يفهم البشر " .
والغريب أنه في الوقت الذي نجد فيه ابن كثير يرفض فهم الاستواء بمعنى الجلوس والارتفاع المادي ، نجد ابن خزيمة يقول : أخبر الله عن استوائه على عرشه ، في سبعة مواضع من القرآن ، كلها بلفظ " استوى " مما يدل أعظم دلالة أنه أراد بالاستواء حقيقة معناه ، الذي هو العلو والارتفاع . هذا ويورد ابن خزيمة أحاديث كثيرة لها أسانيد مختلفة ، يوحي ظاهرها بالارتفاع والعلو الماديين ، مع رفضه التأويل ، حتى إنه في مسألة " أطيط العرش " يرى وجوب الإيمان بما ورد به النص .
يُتْبع ...
نرى ، تأسيساً على القول " إن من البيان لسحراً " ، أن أبا حامد الغزالي قد أقام للمسلم ، كقول زكي نجيب محمود ، حياته بالمسطرة !!! ... : " هو أبو حامد الغزالي ( تُوفِّي العام 1111 ) الذي طالتْ قامته حتى رآه المسافر من بعيد كالنخلة الفارعة ، والذي ألقى بظلّه على العصور التالية له ، حتى لنحسّ وجوده معنا إلى يومنا هذا ، نهابه ونخشع لسطوته . وإن الناقد له ليتردد مائة مرة قبل أن يقْدم على نقده ، لأنه يعلم أنه واقف بإزاء طود شامخ راسخ ، أخلصَ النظر والقول ، لم يكتب ما كتب ليملأ الصحف بزخرف اللفظ ، ولا ليُلهي قارءه بقدرة يتظاهر بها أمامه ليتعالم في كذب ؛ بل كتب ما كتب مخلصاً صادقاً ، ينظر إلى الفكرة المعروضة بين يديه نظرة تشملها من كافة وجوهها ، فإذا انتهى به النظر إلى حُكم ، آمن به ودافع عنه بكل ما أُوتي من قدرة على جمع الشواهد من مأثور القول ، وعلى إقامة الحُجة العقلية الخالصة يسوقها لتساير تلك الشواهد المأثورة عن السالفين الصالحين " .
لكن الغزالي ، أيضاً ، هو الذي ظهر ليكون قوةً رجعية قابضة تمسك الناس دون الانبثاقة الحرة المغامرة ، ومن يدري ؟ فلعله من أقوى العوامل التي أثّرت في مجرى حياتنا العقلية قروناً متتالية ؛ وما ظنك برجل كتب مؤلَّفَه الضخم " إحياء علوم الدين " في أربعة مجلدات مديدة الطول ، ليرسم للمسلم حياته بالمسطرة والفرجار : فيحدد له كل لفظة يفوه بها ، وكل خطوة يتحركها لكي يضمن سلامة إسلامه ؛ يحدد له كيف يأكل ، وكيف ينام ، وكيف يسافر ، وكيف يعاشر زوجه ، وكيف يعامل أولاده وأصدقاءه . يحدد له كل صغيرة وكبيرة من حياته : كيف ينبغي أن تكون لكي يكون مسلماً صحيح العقيدة والسلوك . فماذا يبقى للإنسان ليتصرف فيه بالتلقائية الحرة ليكون مسؤولاً بما يقرره لنفسه وبما يُخرجه في سلوكه ؟ .
هناك لومٌ واقعٌ ، لا محالة ، على الغزالي من حيث إنه أراد للناس ، معاصريه والآتين بعده ، أن يكونوا صورة طبق الأصل من تفكيره !!! ، لكن اللوم الأكبر واقعٌ على " الآخرين " الذين قبلوا / رضوا بإرادة الغزالي فضاعوا وأضاعوا من حيث إنهم أصبحوا " إمعات " حتى قرأنا قول أحدهم " لا غنى للأحياء عن الإحياء " !!! و " كاد الإحياء أن يكون قرآناً " .
نحن نتبنّى القول " إنه مهما بلغ المفكر من العظمة والعبقرية ، فذلك لا يعفي الناس أن يخالفوه ؛ فكلٌّ يؤخذ منه ويُرد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم " .
حدّد الغزالي ، في شدة مثيرة للتساؤل ، عقيدة أهل السنة !!! ، ومنها ما نطرحه هنا لنرى أأصاب الغزالي أو لم يُصِبْ لمّا جزم أن مخالفه خارجٌ عن صحيح العقيدة !!! . فليس هذا هو الفيصل الحاسم في هذه القضايا العقدية ، ما يعني حق كل مسلم ، وأي مسلم ، أن يرى ويعتقد ويعتنق غير ما يراه ويعتقده ويعتنقه غيره من المسلمين ما دام لم يخالف قرآناً أو سنةً ، فيكون خلافه مع " فهم " النص ، لا " النص " نفسه .
فالله ، عند أبي حامد الغزالي ، ومن ارتضى رأيه ، هو " واحد لا شريك له ، فردٌ لا مثيل له ، صمدٌ لا ضد له ، متوحّد لا ندّ له ، قديمٌ لا أول له ، أبديٌّ لا نهايةَ له ، لم يزلْ ولا يزال موصوفاً بنعوت الجلال ، هو الأول والآخر والظاهر والباطن ، وهو بكل شيء عليم " .
مثل هذه الأمور تعد من الثوابت التي لا يختلف عليها مسلمان . والله ، تعالى " ليس بجسم مصوَّر ولا جوهر محدود مقدَّر ، لا يماثل الأجسام لا في التقدير ولا في قبول الانقسام ، لا يحده المقدار ، ولا تحويه الأقطار ، ولا تحيط به الجهات. مستوٍ على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده استواءً منزَّهاً عن المماسة والاستقرار والتمكن والتحول والانتقال ، لا يحمله العرش ، بل العرش وحملَته محمولون بلطف قدرته ، وهو فوق العرش وفوق كل شيء ، هو رفيع الدرجات على العرش ، كما أنه رفيع الدرجات على الثرى ، وهو ، مع ذلك ، قريب من كل موجود ، وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد ، وهو على كل شيء شهيد ، إذ لا يماثل قربه قرب الأجسام ، كما لا تماثل ذاته ذات الأجسام ، لا يحل في شيء ولا يحل فيه شيء ، تعالى عن أن يحويه مكان كما تقدّس عن أن يحده زمان ، بل كان قبل خلق الزمان والمكان ، وهو الآن على ما كان عليه ، مباين بصفاته عن خلقه " .
ونلاحظ أن الغزالي يجمع ، في مسألة العرشية ، بين التنزيه والتوقيف ، بينما ترى فرق ، كالمعتزلة والزيدية والشيعة والخوارج ، تأويل العرشية إلى معنى الملك ، وتأويل قوله تعالى " ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية " إلى معنى حمل الملائكة لأعمال العباد إلى الله يوم القيامة تجنباً لما ينطوي عليه معنى " الحمل " و " الفوقية " من دلالات مكانية حسية . أما آراء المشبهة والمجسمة والحشوية ، كما الحال عند الدارمي ، الذي وصف " الحمل " و " الفوقية " بدلالة حسية موغلة في الحسية ، فهذا كله مما ينبغي ، برأينا ، طرحه جانباً .
يقول ابن كثير ، وهو بصدد تفسير قوله تعالى " الرحمن على العرش استوى " ما نصه " للناس في هذا المقام مقالات كثيرة جداً ، وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح من أئمة المسلمين قديماً وحديثاً ، وهو إمرارها كما جاءت ، من غير تكييف ولا تشبيه . والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله ؛ فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه ، بل الأمر ، كما قال الأئمة ، : من شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر . وليس فيما وصف الله به نفسَه ، ولا رسولُه ، تشبيه ، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة ، على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى ، ونفى عن الله تعالى النقص ، فقد سلك سبيل الهدى . وعلى هذا الأساس يكون الاستواء المتعارف عليه – وهو الجلوس والارتفاع المادي – منفياً عن الله سبحانه وتعالى ، ويكون له استواء على عرشه كما أخبرنا لا كما يفهم البشر " .
والغريب أنه في الوقت الذي نجد فيه ابن كثير يرفض فهم الاستواء بمعنى الجلوس والارتفاع المادي ، نجد ابن خزيمة يقول : أخبر الله عن استوائه على عرشه ، في سبعة مواضع من القرآن ، كلها بلفظ " استوى " مما يدل أعظم دلالة أنه أراد بالاستواء حقيقة معناه ، الذي هو العلو والارتفاع . هذا ويورد ابن خزيمة أحاديث كثيرة لها أسانيد مختلفة ، يوحي ظاهرها بالارتفاع والعلو الماديين ، مع رفضه التأويل ، حتى إنه في مسألة " أطيط العرش " يرى وجوب الإيمان بما ورد به النص .
يُتْبع ...