الإِسْـــــرَاف

karim32911

:: عضو منتسِب ::
إنضم
18 أفريل 2014
المشاركات
98
نقاط التفاعل
95
النقاط
3
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته


بسم الله الرحمن الرحيم و به على كل خير نستعين


أما بعد :


فقد كتب شيخنا الفاضل : عبد الرزاق البدر - حفظه الله - في آخر مقالة له موضوعامتميزا بعنوان :



الإســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــراف :

خَصلةٌ ذميمة وخَلَّةٌ مشينة جاء ذمُّها في كتاب الله تبارك وتعالى والتحذير من فِعلها وذمِّ أهلها وبيان ما أعدَّ الله لهم من عقوبات في الدنيا والآخرة ؛ ألا وهي :

الإسراف

، وفي القرآن الكريم ما يزيد على العشرين موضعاً في التحذير من الإسراف وذمِّ المسرفين .

- فأخبر الله جل وعلا أنَّه لا يحب أهل الإسراف ؛ قال الله تعالى: { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31] .


- وأخبر جل وعلا بأنَّ المسرفين هم أهل النار ؛ قال الله تعالى: { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ } [غافر:43] .

- وأخبر جل وعلا أنَّ الإسراف سببٌ لهلكة أهله وحلول العقوبة بهم في الدنيا والآخرة ؛ قال الله تبارك وتعالى :

{ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ } [الأنبياء:9] ،

وقال تعالى: { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا } [الإسراء:16] .


- وأخبر جل وعلا
أنَّ الإسراف من تزيين النفس الأمَّارة بالسوء وتزيين الشيطان ؛ قال الله تعالى : { كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [يونس:12] .


- وأخبر سبحانه وتعالى أنَّ الإسراف موجبٌ للحرمان من الهداية والتوفيق من الله جل وعلا ، قال الله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } [غافر:28] ،

وقال الله تعالى: { كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ } [غافر:34] ،

والآيات في هذا المعنى عديدة .


والإسرافُ : مجاوزة القصد وحدِّ الاعتدال ، ولا يختص في باب النفقة كما هو شائع لدى كثيرٍ من الناس ، قال إياس بن معاوية رحمه الله تعالى : «ما جاوزتَ به أمر الله فهو سَرَف» ؛ فالإسراف له صورٌ كثيرة وأنواعٌ عديدة ولا يختص في جانب النفقة والمطعم والمأكل .


وإنَّ أخطر الإسراف وأشنعه : الكفر بالله رب العالمين والإشراك به باتخاذ الأنداد وتكذيب الرسل والنبيين ؛ قال الله تعالى: { وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى } [طه:127] .

ومن الإسراف : الإسراف في القتل ؛ بأن يُقتل غير القاتل ، أو أن يُتعَدَّى على ذوي القاتل ظلماً وبغيا ، أو أن يُتعدَّى على القاتل نفسه تمثيلاً وتجاوزاً وتعدِّيا ؛ فكل ذلكم إسرافٌ محرم ،

قال الله تعالى : { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}[الإسراء:33] .

ومن الإسراف: فِعل الفواحش واقتراف الرذائل ، ولذا قال لوط عليه السلام في نصحه لقومه وتحذيره لهم: { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ } [الأعراف:81] ،

وقال الله جل وعلا في ذكر سياق حلول العقوبة بهم : { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات:31-34] .


وعموماً كل اقترافٍ للذنوب وارتكابٍ للخطايا والآثام فهو من الإسراف وصاحبه معرض للعقوبة .

وأما الإسراف في النواحي المالية والمطاعم والمشارب والملابس ونحو ذلك فبابٌ مشهورٌ معلوم ؛ قال الله تبارك وتعالى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }
[الأعراف:31] .


روى الإمام أحمد رحمه الله في مسنده بسندٍ صحيح من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلَا سَرَفٍ)) . وروى البخاري في صحيحه تعليقا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال :

«كُلْ مَا شِئْتَ وَالبَسْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ »


والإسراف في الأموال والمطاعم والمشارب والملابس هو كلُّ تعدٍّ في هذا الباب سواءً في سبُل تحصيلها أو في طرائق إنفاقها وبذلها ، فكل ذلكم يدخله الإسراف ؛ إذ إنَّ كل تجاوز لحد الشرع في ذلك سواءً اكتساباً لهذه الأموال أو إنفاقاً لها فهو من الإسراف وصاحبه معرض للعقوبة .


فأكل الربا والرشوة والميسر والتحايل على الناس وغشِّهم في البيع والشراء كل ذلكم إسراف في باب اكتساب الأموال .

وكذلك: تناول ما حرَّم الله من مأكل أو مشرب ؛ كتعاطي المخدرات وشرب الخمور وشرب الدخان ونحو ذلك كلُّ ذلك من الإسراف ، فكم من أموال أُهدرت بيعاً وشراءً لهذه المحرمات ، وكل ذلك من الإسراف وصاحبه معرض للعقوبة .

وفي باب الملبوسات كم يقع الناس في صورٍ من الإسراف المحرمة يتعدَّون فيها حدود الله سواءً بلبس ألبسة محرمة في ذاتها ؛ كالذهب والحرير على الرجال ، أو بتجاوز حدِّ الشرع فيها كالإسبال في الثياب ولبس ثياب الشهرة ونحو ذلك ، فكل ذلك من الإسراف المحرم وفاعله معرض للعقوبة .

ومن الإسراف: الإسراف في المناسبات والاحتفالات ولاسيما مناسبات الزواج ونحو ذلك ؛ فكم يقع فيها من صور شنيعة من الإسراف ، ناهيك عما يقع من أفعالٍ محرمة وصورٍ منكرة وهي داخلةٌ في الإسراف وفاعل ذلك معرض للعقوبة .


والإسراف بابٌ واسع يدركه كلُّ متبصِّر ويعرفه كلُّ متأمل . ألا فلنتقِ الله ربنا جل وعلا ، ولنتذكر أن مردَّنا إلى الله ، وأننا سنقف بين يديه جل في علاه ، وأنَّه سائلنا سبحانه ؛ فلنعِدَّ للمسألة جوابا وليكن الجواب صوابا، وقد دعا الله تبارك وتعالى في آية في القرآن - وُصفت بأنها أرجى آية في القرآن- عبادَه إلى التوبة إليه من الإسراف في كلِّ صوره وجميع أشكاله منبِّهاً عباده أنَّه سبحانه يقبل توبة التائبين وإنابة المنيبين مهما كان الذنب ومهما بلغ الجُرم ؛

قال الله تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر:53] ،

ومن الدعوات في القرآن الكريم : {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } [آل عمران:147] ،

وثبت في صحيح مسلم أنَّ نبينا صلى الله عليه وسلم كان يقول بين التشهد والتسليم في صلاته : ((للهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ ، وَمَا أَسْرَفْتُ ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ)) ، سدَّد الله خطانا أجمعين وأصلح لنا شأننا كلَّه ، إنَّه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .
 
رد: الإِسْـــــرَاف

جعله الله في ميزان حسناتك
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top