شَرْح حديث «اللّٰهم إنّي أسْألُك علمًا نافعًا، ورزقاً طيِّبًا، وعمَلًا متقبَّلًا»

karim32911

:: عضو منتسِب ::
إنضم
18 أفريل 2014
المشاركات
98
نقاط التفاعل
95
النقاط
3
بسم الله الرحمن الرحيم

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إلـٰه إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمَّدًا عبده ورسوله ؛ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أمَّا بعد :


حديث اليَوم سيكون في كلمة مختصرة ولا تطول حول حديثٍ رواهُ ابنُ ماجه والإمامُ أحمد رحمهما الله وغيرهما من أهل العلم عن أمِّ المؤمنين أمِّ سلمة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زوج النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ يُسَلِّمُ

: « اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا ، وَرِزْقًا طَيِّبًا ، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا» ؛


فكان -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-من هديه كلَّ يوم بعد أن يُصلِّي الصُّبح يدعو بهـٰذه الدَّعوة العظيمة الجامعة « اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا »

وفي روايةٍ

« وعملًا صَالحًا» والعمل المتقبل هو العمل الصّالح.


وإذا تأملت -أيُّها الأخ الكريم- في هـٰذه الدّعوة العظيمة التي كان يواظب عليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل يومٍ بعد أن يُصلِّي الصُّبح تجد أنّها جاءت في وقتها المناسب؛ لأنَّ الصُّبح هو باكورةُ اليَوم ومُفتتحُهُ ، وكم هو عظيمٌ أن يفتتح المسلم يومه بالتّوجهِ إلى الله تَبَارَك وَتَعَالَى أن يَمُّنَ عليه بهـٰذه الأمور الثلاثة :

العلم النَّافع ،

والرِّزق الطيب ،

والعمل الصالح أو العمل المتقبل .



وأيضًا إذا تأملّت في هـٰذه الأمور الثلاث تجد أنّها هي أهداف المسلم تحديدًا في يومه ؛ أهداف المسلم في يومه ثلاثة : العلم النَّافع ، والرِّزق الطيّب ، والعمل الصَّالح ، ولو تفكّرت في هدفٍ آخر للمسلم في يومه لا تجد هدفًا آخر خارجًا عن هـٰذه الأهداف الثلاثة فهي جامعة لأهداف المسلم في يومه ؛ فجاء هـٰذا الدُعاء مُفتتحًا اليوم بتذكُّر المسلم أهدافه في يومه وتوجهه إلى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في تحقيق هـٰذه الأهداف ؛ فهو نافع من جهتين :


من جهة تحديد الأهداف في أول اليوم ،

ويقولون: إنّ من أسباب النَّجاح أن يُحدِّد الإنسان هدفه في عمله ، إذا كان مُتجهًا إلى عملٍ ما أو أمرٍ ما فمن أسباب النجاح أن يُحدد أهدافه ، وأن يكون بين عينيه أهداف واضحة مُحددة يقصدها ، أمّا من كان يسير بلا هدفٍ واضح ولا رؤيةٍ بيّنة تختلط عليه الأمور وتتزاحم عليه وربما لم يتحقق له شيءٌ منها ، فهنا تحديدٌ للأهداف ؛ هـٰذا أمر.

 والأمر الثاني : توجّهٌ إلى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الإعانةِ على تحقيقها بالسُّؤال والطَّلب في بدْء اليوم .

ثم يتكرّر هـٰذا الأمر مع المسلم كلّ يوم يتوجه إلى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في أوَّل اليوم بسؤال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى العوْن على تحقيق هـٰذه الأهداف العظيمة والمطالب الجليلة.


وقد بدأها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعلم النَّافع، وهـٰذا فيه دلالةٌ واضحة أنَّ العلمَ مُقدَّم وبه يُبدأ ، ولهـٰذا بدأ به عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ ، فهـٰذه الدَّعوة فيها دلالةٌ على أنّ العلمَ مُقدَّمٌ على العمل ؛ كما قال الله عزّ وجل :


﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ [محمد:19]

فبدأ بالعلم قبل العمل ، فبالعلم يُبدأ ولهـٰذا بدأ به عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ وقدَّمهُ على العمل وعلى الرِّزق . وفي تقديمه عليهما دلالةٌ على أنَّ صلاح العمل وطيب الرزق مبني على العلم ؛ فالعلم هو الذي به يميَّز بين طيَّب الرزق ورديئه ، وصالح العمل وسيِّئه ، وإذا لم يكن عند الإنسانِ علمٌ نافع يُميِّز به بين الأمور اختلط عليه الرِّزق الطيِّب بالخبيث والعمل الصالح بغيره ، ولا يستطيع أن يُميّز في هـٰذه الأمور إلاّ بالعلم ؛ ولهـٰذا كان العلمُ حقيقًا بالتَّقديم وبالعناية وأن يكون في أولى اهتمامات المسلم ، أمّا إذا كان يطلب الرِّزق بلا علم ويسعى في العمل بلا علم فشأنُهُ كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله :

« من عَبد الله بغير علمٍ كان ما يُفسد أكثر ممّا يُصلح».


وهـٰذا أيضًا يُفيدُنا : أن هـٰذه الدَّعوة فيها لفتُ انتباهٍ للمسلم كلّ يوم إلى الاهتمام بالعلم ، وأن يكون العلم في أولى اهتماماته في يومه ، وأن يكون كلَّ يومٍ من أيّامهِ له حظٌ فيه من العلم النَّافع بحيث لا يمضي يوم إلّا ويحصّل فيه علمًا نافعًا ، فالحديث يدلّ على ذلك لأنك كل يوم تقول : «اللّٰهم إني أسألك علمًا نافعًا» .

والعلماء يقولون :

هـٰذا دُعاء ولابد مع الدُّعاء من بذل السَّبب ؛ فإذا قلت:

«اللّٰهم إنِّي أسألك علمًا نافعًا» لابدَّ أن تَبذُلَ سببًا : تذهب إلى حلقة علم، إلى مجلس علم ، تقرأ كتابًا ، تتذاكر مسألةً ، إلى غير ذلك من الوسائل والطَّرائق التي تُتَّبع في تحصيل العلمِ ونيله ؛ فالدُّعاء يتبعه بذل الأسباب ، لكن لو أنّ شخصًا استهلّ يومه وصباحهُ الباكر بعد صلاة الفجر قال: « اللّٰهم إني أسألك علمًا نافعًا، وعملًا صالحًا، ورزقًا طيّبًا » ثم سحب الوسادة ووضع رأسَهُ عليها ونام حتى الظُّهر ، يصل إليه العلم على وسادته ؟! لا يصل ؛ لا بدّ من بذل السَّبب ، يقول: «اللّٰهم إنِّي أسألك علمًا نافعًا» ثم يتَّجه ، يقول: «اللّٰهم إني أسألك رزقًا طيّبًا » ويشتغل ويبحث عن الرِّزق؛ فلابُدّ من بذْل الأسْبَاب، ولهـٰذا قيل :


تمنّيتَ أن تُمسي فقيهًا مُناظرًا بغـير عناءٍ والجنونُ فنونُ
وليس اكتسابُ المال دون مشقّةٍ تلقيّتها فالعلمُ كيف يكونُ



يعني لابُدّ من بذل الأسباب ، لا يكفي مُجرّد التوكّل أو مجرّد الدّعاء بل لا بدّ مع الدّعاءِ من بذل الأسباب.


فإذًا هـٰذه الدَّعوةُ تُفيدنا فائدة عظيمة :

أنّ طلب العلم مطلوبٌ كلّ يوم ؛ لماذا ؟ لأنّنا كل يومٍ نقتدي بنبيّنا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بالدُّعاء بهـٰذه الدَّعوة العظيمة ، فهـٰذا فيه من الفائدة أنّ المسلم ينبغي عليه أن لا يفوت عليه يوم من الأيّام إلاّ ويزداد فيه علمًا ، ويتعلَّم فيه مسألةً ، حكمًا ، يحضُر فيه درسًا ، يقرأُ فيه كتابًا ؛ أمّا يوم بأكمله يمضي بدون فائدة للإنسان في دينه هـٰذه مُصيبة ! لو كان الإنسان يتفكّر في حقيقة الأمر مُصيبة ، كان بعض السلف مع شدة حزمهم وقوّة عزمهم وعظم دأبهم في العلم والتحصيل كان بعضهم إذا غربت الشمس ربما بكى، لا لأنّه لم يُحصّل فيه ؛ ولكن التحصيل الذي كان أقلّ ممّا يطلب لنفسه:

وإذا كانت النُّفوسُ كِبارا تعبت في مُرادِهَا الأجْسَامُ


لكن إذا كانت النّفوس رديئة وضعيفة؟!

فالشَّاهد أنّ الحديث يُفيد فائدة عظيمة وهي أنّهُ ينبغي على المسلم أن يكون لهُ في كلِّ يوم عناية بالعلم وتحصيل العلم، وطلب العلم ، وأن لا يحرم نفسَهُ من العلم ومجالسه وكتبه وما استجدَّ في زماننا من الوسائل الأشرطة أو غيرها ؛ فيكون له حظٌّ من العلم وتحصيله.
قال: « اللّٰهم إنِّي أسألك علمًا نافعًا » ؛ وهـٰذا فيه تنبيه أنّ العلم نوعان :

علمٌ نافع ، وعلمٌ ضارّ.

 ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾[البقرة:102]

هـٰذا علم ضارّ ، فهناك علوم ضارّة وما أكثرها في زماننا .

 وعلمٌ نافع ينفعُ الإنسان ويُفيده ؛ فحدَّد الطّلب هنا قال: «اللّٰهم إنِّي أسألك علمًا نافعًا » ، بل كان يأتي في بعض دعواته عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ التعوّذ بالله من علمٍ لا ينفع .


قال: «اللّٰهم إنِّي أسألك علمًا نافعًا»

والمعني بالعلم النافع هنا : العلم الذي هو في نفسه نافع لمن اطّلع عليه وأفاده، وأيضًا انتفاعُ المتعلم لهـٰذا العِلْمِ بالعلم ؛ إذْ قد يكون علمُ الإنسانِ علمٌ نافع ولكن صاحبهُ لا ينتفع به؛ ولهـٰذا كان من دعائه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ : « اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي » ، فقد يكون العلم في نفسه نافعًا؛ ولكن صاحبه غير مُنتفع به ؛ فيسأل الله عزّ وجلّ أن يَمُّن عليه بالعلم النّافع ؛ النّافع في نفسه والنافع لصاحبه بحيثُ أنَّ صاحبه ينتفع به ويزداد به صلاحًا وهدًى وتُقًى وتقربًا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ونيلًا لمراضيه -سُبْحَانَهُ- .

ثم بعد ذلك قال : «ورزقًا طيِّبًا» : أي وأسألك يا الله رزقًا طيبًا .

وفيه أيضًا الحثّ على طلب الرزق في يوم المسلم وفي كلّ أيّامه ، مع التّوجه إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في تيسيره . وإذا قال المسلم في دعائه «ورزقًا طيِّبًا» أي: وأسألك رزقًا طيّبًا ؛ فإنَّ هـٰذا يغرس فيه ويُمكِّن في قلبه أنّ الرِّزق على نوعين : طيّب وخبيث . والمطعم على نوعين ، والمشرب على نوعين والملّبس على نوعين : طيّب وخبيث. ولابُّد أن يَمِيزَ المسلم بين الخبيثِ والطيِّب حتى لا يكون مطعمهُ ولا مشربُهُ ولا ملّبسهُ إلاّ طيِّبا ، وقد ذكر عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في الحديث : « الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ » ، ولهـٰذا قال بعض السلف : «أطِبْ مطعَمَكَ تُستجب دعوتُك » ؛ فيسأل الله عزّ وجل الرزق الطيّب ، وهـٰذا يتضمَّن سؤال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أن يُبعد العبد عن أبواب الكسْب المحرَّمةَ من الرِّبا إلى الغش إلى المعاملات المحرَّمة والبيوع المحرمة إلى غيرِ ذلك ؛ فالخلاصُ من ذلك كُلّه داخل في قوله: «ورزقًا طيّبًا» .

ثُم ختم بقوله: «وعملًا صالحًا» وفي رواية «وعملًا مُتقبَّلًا» ؛ «وعملًا صالحًا» أيّ من الأعمال الصَّالحة التي شرَعَها الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى . وللعمل الصالح وصفان:

1- أن يكونَ خالصًا لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى .
2- وأن يكونَ موافقًا للسُّنة.


فإذا كان العملُ كذلك تقبله اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى من عامله ، ولهـٰذا فإنّ العمل الصَّالح الذي هو خالصٌ لله موافقٌ لسُّنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو المتقبَّل ؛ فالله جلّ وعلا لا يتقبَّل من العمل إلاّ ما كان صالحًا أي خالصًا صوابًا كما مرَّ معنا في هـٰذا المعنى قول الفُضيل بن عياض رحمهُ الله عند قوله تعالى : ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [هود:7] قال : أخلَصُهُ وأصوبُهُ ، قيل : يا أبا عليّ وما أخلصُهُ وأصوبُهُ ؟ قال: إنّ العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل ، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل حتى يكونَ خالصًا صوابًا ، والخالص ما كان لله ، والصوابُ ما كان على السُّنة .


فهـٰذه دعوة -أيُّها الإخوة- عظيمة من كان مُحافظًا عليها فليزدد مُحافظةً ، ومن كان على غير علمٍ بها أو على غير مُحافظةٍ عليها فليُدرك أهميتها وعِظمَ شأنها ومسيسَ حاجته إليها ؛ كلَّ يوم بعد صلاة الصُّبح يدعو بهـٰذه الدَّعوة العظيمة «اللّٰهم إنِّي أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا طيّبًا، وعملًا مُتقبَّلًا».
ونكتفي بهـٰذا القدر والله أعلم .

الشيخ عبد الرزاق البدر ( من موقعه الرسمي قسم كلمات ).

 
رد: شَرْح حديث «اللّٰهم إنّي أسْألُك علمًا نافعًا، ورزقاً طيِّبًا، وعمَلًا متقبَّلًا»

جزاك الله خيرا
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top