تسميات لا أصل لها في الحج والعمرة

الطيب الجزائري84

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
14 جوان 2011
المشاركات
4,033
نقاط التفاعل
4,408
النقاط
191
العمر
39
الجنس
ذكر
  • صديق أوبيش



إنَّ ممَّا شاع عند العوامِّ واشتهر على ألسنتهم؛ إطلاق تسميات لا أصل لها في الكتاب والسُّنَّة تتعلَّق بمناسك الحجِّ والعمرة وبعض المشاعر، ولم تكن معهودة عند السَّلف، لذا ارتأيت في هذا المقال التَّنبيه على خطإ هذه التَّسميات والألقاب مستندًا في ذلك إلى كلام أهل العلم، فأقول، وبالله التَّوفيق:
تسمية شعائر الحجِّ بـ«مظاهر الوثنيَّة» أو بـ«عادات الجاهليَّة»
إنَّه من أعظم الظُّلم وأبينه، الطَّعن في شرع الله المطهَّر، والعجب كلُّ العجب إذا صدر ذلك ممَّن ينتسب للإسلام، ممَّن طاشت عقولهم وسفهت أحلامهم، وما درى هؤلاء المساكين أنَّ شعائر الحجِّ مبناها على التَّعبُّد المحض والاتِّباع المجرَّد، ولا أدلَّ على ذلك أنَّه من بين شعائر الحجِّ تقبيلُ الحجر الأسود، وفي المقابل من ذلك رمي الجمرات، فلله الحكمة البالغة؛ فحجر نقبِّله وحجر نرميه، ممَّا يدلُّك أخي المسلم على أنَّ مناسك الحج اتِّباع محض لا غير، وتطبيق عملي لشهادة أن لا إله إلاَّ الله.
فكيف يسوغ لهؤلاء وصف الشَّريعة بـ«مظاهر الوثنيَّة»، وهي الَّتي خلَّصت العبادَ من رقِّ عبوديَّة الأصنام والأوثان، إلى رق عبوديَّة الله الواحد الدَّيَّان، ومن ظلمات الشِّرك والعصيان، إلى نور التَّوحيد والإيمان، ولا يشكُّ مرتابٌ أنَّ أدعياءَ هذا القول، لم تخالط بشاشة الإيمان قلوبهم، ولا غمرت أفئدتهم.
يقول الشَّيخ محمَّد رشيد رضا رحمه الله في «مجلَّة المنار»، وذلك ردًّا على من زعم أنَّ شعائر الحجِّ من مظاهر الوثنيَّة: «ما ذكره السَّائل في تقبيل الحجر الأسود [أي: كونه مظهرًا من مظاهر الوثنيَّة] قد سرى إليه من شبهات النَّصارى والملاحدة، الَّذين يشكِّكُون المسلمين في دينهم بأمثال هذا الكلام المبنيِّ على جهل قائليه من جهة، وسوء نيَّتهم في الغالب من جهة أخرى، ومن عرف معنى العبادة يقطع بأنَّ المسلمين لا يعبدون الحجر الأسود، ولا الكعبة، ولكن يعبدون الله تعالى وحده باتِّباع ما شرعه فيهما، بل كان من تكريم الله تعالى لبيته أن صرَفَ مشركي العرب وغيرهم من الوثنيِّين والكتابيِّين الَّذين كانوا يعظِّمونه قبل الإسلام عن عبادته، وقد وضعوا فيه الأصنام وعبدوها فيه، ولم يعبدوه.
ذلك؛ أنَّ عبادة الشَّيء عبارة عن اعتقاد أنَّ له سلطةً غيبيَّةً يترتَّب عليها الرَّجاء بنفعه لمن يعبده، أو دفع الضَّرر عنه، والخوف من ضرِّه لمن لا يعبده، أو لمن يقصِّر في تعظيمه، سواءٌ كانت هذه السُّلطة ذاتيَّةً لذلك الشَّيء المعبود، فيستقلَّ بالنَّفع والضَّرر، أو كانت غير ذاتيَّةٍ له بأن يعتقد أنَّه واسطة بين من لجأ إليه وبين المعبود الَّذي له السُّلطة الذَّاتيَّة، ولا يوجد أحدٌ من المسلمين يعتقد أنَّ الحجرَ الأسود ينفع أو يضرُّ بسلطة ذاتيَّةٍ له، ولا أنَّ سلطتَه تقريبُ من يعبد ويلجأ إليه إلى الله تعالى، ولا كانت العرب في الجاهليَّة تعتقد ذلك وتقوله في الحجر كما تقول في أصنامها: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى[الزُّمَر:3]، ﴿هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله[يونس:18].
وإنَّما عقيدة المسلمين في الحجر هي ما صرَّح به عمر بن الخطَّاب ا عند تقبيله، قال: «إنِّي أَعْلَمُ أنَّك حَجَرٌ لا تضُرُّ ولا تَنْفَعُ، ولولا أَنِّي رأيْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ ما قَبَّلْتُكَ»، رواه الجماعة كلُّهم؛ أحمد والشَّيخان وأصحاب «السُّنن».
قال الطَّبري: «إنَّما قال عمر ذلك... لأنَّ النَّاس كانوا حديثي عهدٍ بعبادة الأصنام، فخشي أن يَظُنَّ الجُهَّالُ أنَّ استلامَ الحجر الأسود من باب تعظيم الأحجار، كما كانت العرب تفعل في الجاهليَّة، فأراد أن يعلِّمَ النَّاسَ أنَّ استلامَهُ اتِّباعٌ لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا لأنَّ الحجر يضرُّ وينفع بذاته» اهـ.
بقي أن يقال: فما هي حكمة جعل ما ذكر من العبادة؟ وهل يصحُّ ما قيل من أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تركه في الكعبة مع أنَّه من آثار الشِّرك تأليفًا للمشركين، واستمالةً لهم إلى التَّوحيد؟ والجواب: أنَّ الحجرَ ليس من آثار الشِّرك، ولا من وضع المشركين، وإنَّما هو من وضع إمام الموحِّدين إبراهيم صلى الله عليه وسلم، جعله في بيت الله ليكون مبدأً للطَّواف بالكعبة يُعْرَفُ بمجرَّدِ النَّظَرِ إليه، فيكون الطَّواف بنظامٍ لا يضطرب فيه الطَّائفون، وبهذا صار من شعائر الله، يُكْرَمُ ويقَبَّل، ويُحْتَرَم لذلك كما تحتَرَمُ الكعبة لجعلها بيتًا لله تعالى، وإن كانت مبنيَّةً بالحجارة، فالعبرة بروح العبادة: النِّيَّة والقصد، وبصورتها الامتثالُ لأمر الشَّارع، واتِّباعُ ما ورد بلا زيادةٍ ولا نقصانٍ، ولهذا لا تُقَبَّلُ جميع أركان الكعبة عند جمهور السَّلف.
وجملة القول: إنَّ مناسك الحجِّ من شريعة إبراهيم، وقد أبطل الإسلام كلَّ ما ابتدعته الجاهليَّة فيها من وثنيَّتها وقبيح عملها؛ كطوافهم بالبيت عراةً، وإنَّ الكعبة من بناء إبراهيم وإسماعيل ـ عليهما السَّلام ـ كما هو ثابت عند العرب بالإجماع المتواتر بينهم، وكانوا يعظِّمونها هم والأمم المجاورة لهم، بل والبعيدة عنهم كالهنود، ولمَّا كانت الكعبة قد جُدِّد بناؤها قبل الإسلام وبعده، لم يبقَ فيها حجرٌ يُعلم باليقين أنَّه من وضع إبراهيم إلاَّ الحجر الأسود؛ لامتيازه بلونه وبكونه مبدأَ المطاف، كان هو الأثر الخاصُّ المذكِّر بنشأة الإسلام الأولى في ضمن الكعبة المذكِّرَةِ بذلك بوضعها وموضعها وسائر خصائصها، زادها الله حفظًا وشرفًا.
إذا وعيت ما تقدَّم كان نورًا بين يديك تبصر به حكم سائر مناسك الحجِّ ـ أعني بها ممَّا تَعَبَّدَنا الله تعالى بها ـ، لتغذية إيماننا بالطَّاعة والامتثال، سواءٌ عرفنا سبب كلِّ عمل منها وحكمته، أم لا، وأنَّها إحياء لدين إبراهيم أبي الأنبياء وإمام الموحِّدين المخلصين، وتذكير بنشأة الإسلام ومعاهده الأولى، وإنَّ لاستحضار ذلك لتأثيرًا عظيمًا في تغذية الإيمان وتقوية الشُّعور به، والثِّقة بأنَّه دين الله الخالص الَّذي لا يقبل غيره».اهـ من «مجلَّة المنار» (16/675) بتصرُّف.
***
تسمية القادم من الحجِّ
أو العمرة بـ«الحاج»
وهذه التَّسمية قد عمَّت وطمَّت، وانتشرت بين أوساط المسلمين انتشارَ النَّار في الهشيم، وهي ممَّا لا أصلَ لها في الشَّرع، ولم يثبت أنَّ سلفَ هذه الأمَّة كانوا يتسمَّوْنَ بذلك ويُخشَى أن يجرَّهم ذلك إلى الرِّياء، ذكر الشَّيخ الألباني رحمه الله أن هذا من البدع، كما في كتابه: «مناسك الحجِّ والعمرة» (ص55).
***
تسمية الطَّعام الَّذي يُصنع للحاجِّ قبل سفره بـ«عَشاء الحاجِّ»
وهذا الصنيع قد سرى في عديد من المناطق، وكثيرٌ من النَّاس اليوم يصنعه، وهو ممَّا لا يسوغ شرعًا، وهذا بغضِّ النَّظر عن التَّسمية؛ لأنَّ ما أضيف إلى حكم شرعيٍّ يحتاج إلى دليل يصحِّحُه، كما هو مقرَّرٌ(1).
وإنَّما السُّنَّة في هذا أن يصنع المرء طعامًا عند قدومه من سفره، لما ثبت عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ نَحَرَ جَزُورًا أَوْ بَقَرَةً» أخرجه البخاري (3089) ويسمَّى بـ«النَّقيعة»، وهي الطَّعام الَّذي يُصنع للقادم من السَّفر، وهي مأخوذةٌ من النَّقع وهو الغبار؛ لأنَّ المسافر غالبًا ما يتلبَّس به، ويدخل في ذلك من قدِم من حجٍّ أو عمرة، والله الموفق.
***
تسمية مكَّة بـ«المكرَّمة» والمدينة بـ«المنوَّرة»
لا يعتري المسلم أدنى شكٍّ في فضل مكَّة والمدينة، لكن رغم ذلك لا ينبغي وسمُ أحدهما بوصف لازمٍ له إلاَّ ما دلَّ الدَّليل الصَّحيح على ثبوته، لذا فتسمية مكَّة بالمكرَّمة والمدينة بالمنوَّرة، ممَّا لم يرد فيه دليل، قال الشَّيخ بكر أبو زيد: «شاع في العصور المتأخِّرة قولهم (مكَّة المكرَّمة) (والمدينة المنوَّرة) وهما أي: المكرَّمة والمنوَّرة وصفان مناسبان، لكن لا يعرف ذلك عند المتقدِّمين من المؤرِّخين وغيرهم، وهو على ما يظهر من محدثات الأعاجم التُّرك إبَّان نفوذهم على الحرمين وقد بيَّنت ذلك في بعض ما كتبته من قبل» انظر «خصائص جزيرة العرب» (39).
***
تسمية المدينة النَّبويَّة
بـ«يثرب»
والنَّهي عن هذه التَّسمية ممَّا قد وردت به السُّنَّة، كما روى البخاري (1871) ومسلم (1382).عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُونَ يَثْرِبُ! وَهِيَ المَدِينَة».
قال الحافظ في الفتح (4/87): «قَوْله: «يَقُولُونَ يَثْرِبُ! وَهِيَ المَدِينَة» أَيْ: أَنَّ بَعْض الْمُنَافِقِينَ يُسَمِّيهَا يَثْرِب, وَاسْمهَا الَّذِي يَلِيق بِهَا الْمَدِينَة».
قال النَّووي رحمه الله: «إنَّما كره تسميتها يثرب لأنَّه من التَّثريب، وهو التَّوبيخ والملامة، وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يحبُّ الاسم الحسن، ويكره الاسم القبيح».
***
تسمية من ارتدى ملابس الإحرام بـ«المحرم» قبل النِّيَّة
الأصل في الإحرام أنَّه يُطْلَقُ على نيَّة الدُّخول في النُّسُك، حجًّا كان أو عمرةً، بَيْدَ أنَّه من الأخطاء الَّتي يقع فيها كثيرٌ من النَّاس، اعتقادهم أنَّه بمجرَّد ارتداءِ لباس الإحرام، فقد دخل المرء في نُسُكِهِ، وهذا غلطٌ بيِّنٌ، بل لا بدَّ للإحرام من نيَّة الدُّخول في النُّسُك، لذا فمن الخطإ تسمية من ارتدى ملابس الإحرام بالمُحْرِم، وذلك قبل أن ينوي(2).
***
تسمية ميقات «ذو الحليفة» بـ«أبيار علي»:
وهذه التَّسمية شاعت بين الأنام، وهي ممَّا لا يصحُّ نسبتُها إلى عليٍّ رضي الله عنه، كما نبَّه على ذلك شيخ الإسلام رحمه الله، في معرض ذكره ميقات «ذو الحليفة»: «وتُسَمَّى وادي العقيق ومسجدها يُسَمَّى مسجد الشَّجرة، وفيها بئر تسمِّيها جهَّال العامَّة «بئر علي» لظنِّهم أنَّ عليًّا قاتل الجنَّ بها وهو كذب؛ فإنَّ الجنَّ لم يقاتلهم أحدٌ من الصَّحابة، وعليٌّ أرفع قدرًا من أن يَثْبُتَ الجنُّ لقتاله، ولا فضيلة لهذا البئر ولا مذمَّة، ولا يستحبُّ أن يرمي بها حجرًا ولا غيره».
بل هذه التَّسمية من صنيع الرَّافضة، قال الشَّيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه «معجم المناهي اللَّفظيَّة» (ص64): «وهي تسمية مبنيَّة على قصَّةٍ مكذوبةٍ، مختَلَقَةٍ موضوعةٍ، هي: أنَّ عليًّا رضي الله عنه قاتل الجنَّ فيها، وهذا من وضع الرَّافضة لا مسَّاهم الله بالخير ولا صبَّحهم؛ فلنهجر التَّسمية المكذوبةَ ولْنَسْتَعْمِلْ ما خرج التَّلفُّظ به بين شفتي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ولْنَقُلْ: «ذو الحليفة»».
***
تسمية باب إبراهيم
بـ«باب إبراهيم الخليل»
شاع وذاع عند كثيرٍ من النَّاس أنَّ باب إبراهيم والَّذي يُعدُّ أحدَ أبواب الحرم المكِّي، أنَّ المقصود بإبراهيم هو إبراهيم الخليل ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ، لذا فإنَّ الكثير منهم يطلق عليه «باب إبراهيم الخليل»، ولكنَّ الَّذي في حقيقة الأمر خلافُ ذلك، يقول الشَّيخ علي الطَّنطاوي رحمه الله: «من الطَّرائف الَّتي وجدتُّها وأنا أنظر في الكتب أنَّ باب إبراهيم المعروف الآن، وهو بقرب باب الحَزْوَرَة، ليس منسوبًا إلى سيِّدنا إبراهيم كما يظنُّ النَّاس؛ بل هو منسوب إلى خيَّاط معمَّر كبيرُ السِّنِّ اسمُه إبراهيم، كان يجلس عند هذا الباب فنُسب إليه وخُلِّدَ اسمه واشتهر، .فليست الشُّهرة مقياسًا للعظمة، بل ربَّما اشتهر من لا يستحقُّ الشُّهرة وربَّما نُسيَ من كان مستحقًّا لخلود الذِّكر» انظر «فصول في الثَّقافة والأدب» (ص33).
***
تسمية ميزاب الكعبة
بـ«مِيزاب الرَّحمة»
وهو ذلك المَصَبُّ الَّذي على سطح الكعبة ينزل منه الماء حين تهاطل الأمطار، ولكنَّ إطلاقَ تسمية هذا الميزاب بـ«ميزاب الرَّحمة» ممَّا لم يدلَّ عليه دليل، قال الشَّيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه «معجم المناهي اللَّفظيَّة» (ص519): «[أي:ومن من المناهي اللفظية]تسمية: «ميزاب الكعبة» بذلك، لا أعرفُ لها أصلاً في السُّنَّة، ولا في المأثور عن السَّلف».
وللتَّنبيه ـ أيْضًا ـ: فمن البدع المنتشرة الآن في هذا المكان، التَّبرُّك بالمطر النَّازل من ميزاب الكعبة، وكذا تحرِّي الدُّعاء تحت الميزاب» انظر كتاب «مناسك الحجِّ والعمرة» (ص50) للشَّيخ الألباني رحمه الله.
***
تسمية الحجر الأسود بـ«الأسعد»
وهذه التَّسمية لا زالت دارجة على ألسنة بعض النَّاس، وبخاصَّةٍ كبار السِّنِّ منهم، وهي تسمية بدعيَّةٌ، كما نبَّه على ذلك أهل العلم، قال الشَّيخ ابن عثيمين في «الشَّرح الممتع» (7/232) ما نصُّه: «والحجر الأسود هو الَّذي في الرُّكن الشَّرقي الجنوبي من الكعبة، ويوصف بالأسود لسواده، ويخطئ من يقول الحجر الأسعد؛ فإنَّ هذه تسمية بدعيَّة، فإنَّ اسمَه الحجرُ الأسودُ، لكن من العوامِّ من يقول: «الحجر الأسعد»، فيجعل هذا الحجر من السُّعداء، بل أسعد السُّعداء؛ لأنَّ الأسعد اسم تفضيل محلَّى بـ «أل» يدلُّ على أنَّه لا أحدَ يساميه في السَّعادة، وهذا من الغلوِّ بلا شكٍّ، بل نقول الحجر الأسود كما هو أسود».
وقال رحمه الله في موضع آخر: «والعجيب أنَّ بعضَ الجهلة لا يسمِّيه الحجر الأسود، يسمِّيه الحجر الأسعد وهذا غلط, الصَّحابة يسمُّونه الحجر الأسود وأنتم أشدُّ تعظيمًا له من الصَّحابة؟!» انظر «تعليق الشَّيخ على صحيح البخاري» (كتاب الحجِّ) (حديث رقم 1494).
ولعلَّ هذه التَّسمية أصلها من الرَّوافض، كما عُهد منهم مثل هذه التَّسميات، ولقد سُمع منهم أنَّهم يُنادون الحجر الأسود بالحجر الأسعد ليشهد لهم، فيقولون: «يا أسعد اشهد، يا أسعد اشهد» ولعلَّ مستندَهم في ذلك ما ثبت عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه يشهد لمن استلمه يوم القيامة؛ وهذا النِّداء باطل لا أصل له، وما ثبت في السُّنَّة غنية عن هذه التَّسمية، والله أعلم.
***
تسمية الحِجر
بـ«حجر إسماعيل»
وهذه التَّسمية ممَّا قد درجت على ألسنة الكثير، وهي تسميةٌ لا أصل لها في السُّنَّة، لذا يقول الشَّيخ ابن عثيمين: «هذا الحجر يسمِّيه كثيرٌ من العوامِ حجر إسماعيل، ولكنَّ هذه التَّسمية خطأ ليس لها أصل؛ فإنَّ إسماعيل لم يعلم عن هذا الحِجْر؛ لأنَّ سببَ هذا الحِجْر أنَّ قريشًا لمَّا بنت الكعبة، وكانت في الأوَّل على قواعد إبراهيم ممتدَّةً نحو الشَّمال، فلمَّا جمعت نفقة الكعبة وأرادت البناء قصرت النَّفقة فصارت لا تكفي لبناء الكعبة على قواعد إبراهيم، فقالوا نبني ما تحتمله النَّفقة، والباقي نجعله خارجًا ونحَجِّر عليه حتَّى لا يطوف أحد من دونه، ومن هنا سُمِّيَ حِجْراً، لأنَّ قريشًا حَجَّرَتْه حين قصرت بها النَّفقة، ولهذا قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لعائشة ل: «لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ لَبَنَيْتُ الكَعْبَةَ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ، ولَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ، بَابًا يَدْخُلُ مِنْهُ النَّاسُ، وبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ»(3).
***
موضع قدمي إبراهيم
وهما الأثران المنحوتان الموجودان عند مقام إبراهيم عليه السلام، فكثير من النَّاس يعتقد أنَّهما ينسبان لإبراهيم ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ، ولكنَّ الأمرَ خلافُ ذلك، قال الشَّيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتاب: «فتاوى أركان الإسلام» (ص547): «لا شكَّ أنَّ مقامَ إبراهيم ثابتٌ، وأنَّ هذا الَّذي بُنِيَ عليه الزُّجاج هو مقام إبراهيم، لكنَّ الحفر الَّذي فيه لا يظهر أنَّها أثرُ القدمين؛ لأنَّ المعروف من النَّاحية التَّاريخية أنَّ أثرَ القدمين قد زال منذ أزمنةٍ متطاولة، ولكن حفرت هذه أو صُنِعَت للعلامة فقط، ولا يمكن أن نجزم بأنَّ هذا الحفر هو موضع قدمي إبراهيم ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ»اهـ.
***
قبَّة آدم
وهذه القبَّة على مَقْرَبَةٍ من «عَرَفَات»، وكثيرٌ من النَّاس ينسبها لآدم ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ، وقد أحدث النَّاسُ فيها بدعًا ما أنزل الله بها من سلطان، يقول شيخ الإسلام رحمه الله في معرض ذكره التَّوسُّل بالأنبياء والصَّالحين، وبيان ما يُشْرَعُ فيه، وما لا يُشْرَعُ: «ومن ذلك [أي: ومن الأمور غير المشروعة] القبَّة الَّتي عند باب «عرفات»، الَّتي يقال: إنَّها قبَّة آدم؛ فإنَّ هذه لا يُشْرَعُ قصدها للصَّلاة والدُّعاء، باتِّفاق العلماء» «اقتضاء الصِّراط المستقيم» (2/338).
وقد عدَّ الشَّيخ الألباني رحمه الله دخول القُبَّة الَّتي على جبل الرَّحمة ويسمُّونها قبَّة آدم والصَّلاة فيها والطَّواف بها كالطَّواف بالبيت؛ من البدع المحدثات.
انظر «حجَّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم» (ص123).
***
رجم الشَّيطان
من بين مناسك الحجِّ الَّتي يُشْرَعُ للحاجِّ فِعْلُها رمي الجمرات، وقد ذكر أهل العلم أنَّ الحكمة في ذلك هي: «اقتداءً بأبينا إبراهيم الخليل عليه السلام حين اعترض له الشَّيطان في هذه المواقف، وبنبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم حين شَرع ذلك لأمَّته في حجَّة الوداع» انظر «الشَّيخ ابن باز رحمه الله في مجموع فتاويه» (17/ 310) وغير ذلك من الحكم المذكورة.
لكن ما شاع اليوم في أذهان الكثير، أنَّهم يرجمون الشَّيطان حقيقةً، وذلك عند رمي الجمرات؛ فهذا اعتقادٌ فاسدٌ لا دليل عليه من الشَّرع، وممَّا يزيد هذا الأمر علَّةً والطِّينَ بِلَّةً، إذا صاحب ذلك سبٌّ وشتم لهذه الشَّياطين، فهذا أشدُّ وأعظم، وما علم هؤلاء أنَّها عبادةٌ شُرِعَتْ لإقامة ذكر الله لا غير.
ولذا قال الشَّيخ ابن عثيمين في بيان الأخطاء الَّتي يفعلها بعضُ الحُجَّاج: «اعتقادهم أنَّهم برميهم الجمارَ يرمون الشَّيطانَ؛ ولهذا يُطلقون اسم الشَّياطين على الجِمارِ، فيقولون: رمينا الشَّيطان الكبير أو الصَّغير أو رمينا أبا الشَّياطين يَعنون به الجمرة الكبرى جمرة العقبة، ونحو ذلك من العبارات الَّتي لا تليق بهذه المشاعر» انظر: كتاب «مناسك الحجِّ والعمرة والمشروع في الزِّيارة» (ص109) للشَّيخ ابن عثيمين رحمه الله.
وقال رحمه الله في موضع آخر:
«كان إبراهيم ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ يرميه [أي: إبليس] بهذه الجمرات، ولا يستلزم أن يكون رمينا رميًا لإبليس؛ لأنَّ إبليس لم يتعرَّض لنا في هذه الأماكن» انظر «مجموع فتاوى ورسائل العثيمين» (24/500 ـ 501) بتصرُّف.
وأما ما ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، رَفَعَهُ إِلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمَّا أَتَى إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ المَنَاسِكَ عَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ عِنْدَ جَمْرَةِ العَقَبَةِ فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى سَاخَ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ عِنْدَ الجَمْرَةِ الثَّانِيَةِ فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى سَاخَ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ عِنْدِ الجَمْرَةِ الثَّالِثَةِ فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى سَاخَ فِي الأَرْضِ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «الشَّيْطَانَ تَرْجُمُون وَمِلَّةَ أَبِيكُمْ تَتَّبِعُونَ» انظر «صحيح التَّرغيب والتَّرهيب» (1156).
فالمقصود منه أن يتذكَّر المسلم عند رميه للجمار تلك الحادثة الجليلة لا غير، وليس هناك شيطان قابعٌ ليرميَه الحُجَّاج، كما قال الشَّيخ الألباني رحمه الله انظر «الموسوعة الفقهيَّة الميسَّرة في فقه الكتاب والسُّنَّة المطهَّرة» (4/404) للعوايشة.
***
تسمية قبور الصَّحابة
الموجودة بمكَّة والمدينة
بـ«الآثار الإسلاميَّة»
من نظر بعين البصيرة لا بالعين الباصرة إلى الشَّرع المطهَّر، وجد أنَّ الشَّريعة الغرَّاء قطعت كلَّ وسيلةٍ أو ذريعةٍ إلى الشِّرك، وذلك حسمًا لمادَّته وسدًّا لطرقه.
ومن ذلك، تسمية قبور الصَّحابة رضي الله عنه بـ«الآثار الإسلاميَّة»، فكلُّ ذلك لا يسوغ؛ قال الشَّيخ الفوزان ـ حفظه الله ـ في ردِّه على مقال نُشِرَ بجريدة «عـكاظ» السُّعوديَّة يوم الثُّلاثاء 11/4/1427هـ بعنوان: «الآثار الإسلاميَّة والأوثان» ما نصُّهُ: «هل تسمية القبور بالآثار الإسلاميَّة لها أصل في الكتَّاب والسُّنَّة وهدي السَّلف؟ فالرَّسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعموم المسلمين سمَّوْهَا قبورًا ولم يُسَمُّوهَا آثارًا، وحثَّ صلى الله عليه وسلم على زيارتها الشَّرعيَّة للاعتبار والاتِّعاظ والدُّعاء لأموات المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: «زُورُوا القُبُورَ»، ولم يقل: «زُورُوا الآثَارَ»اهـ.
وللتَّنبيه؛ فإنَّ هذا الحكم ليس خاصًّا بقبور الصَّحابة فقط، بل هو شاملٌ لما عداه من القبور؛ لأنَّ الحكمَ يدور مع علتَّه وجودًا وعدمًا كما هو مقرَّر.
ومن هذا الباب ـ أيضًا ـ تسمية القبور بـ«المشاهد»، أو بـ«المزارات»، وذلك مضاهاةً لبيوت الله، وتضليلاً على النَّاس، وذَرًّا للأعين بالرَّماد»(4).
***
تسمية جبل عرفات
بـ«جبل الرَّحمة»
كثيرٌ من النَّاس يطلق تسمية «جبل الرَّحمة» على «جبل عرفة»، وهو غير واردٍ في الكتاب والسُّنَّة؛ فقد سئل الشَّيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم تسمية «جبل عرفة» بـ«جبل الرَّحمة» فأجاب بقوله: «هذه التَّسمية لا أعلم لها أصلاً من السُّنَّة، أي: أنَّ الجبلَ الَّذي في عرفة، الَّذي وقف عنده النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُسَمَّى «جبل الرَّحمة»، وإذا لم يكن له أصلٌ من السُّنَّة فإنَّه لا ينبغي أن يُطلق عليه ذلك، والَّذين أطلقوا عليه هذا الاسم لعلَّهم لاحظوا أنَّ هذا الموقف موقفٌ عظيمٌ، تتبيَّن فيه مغفرةُ الله ورحمتُه للواقفين في عرفة فسمَّوْهُ بهذا الاسم، والأوْلى ألاَّ يسمَّى بهذا الاسم، وليقال: «جبل عرفة»، أو الجبل الَّذي وقف عنده النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وما أشبه ذلك»(5).
وقال الشَّيخ بكر أبوزيد رحمه الله: «جبل الرَّحمة: في شرق مشعر عرفات، جبلٌ صغيرٌ في جنوبيه صخرات كبار، ويُسَمَّى: «جبل عرفة» أو «جبل عرفات» وقد شاع على ألسنة النَّاس، وفي أقلام الكتابة تسميته باسم: «جبل الرَّحمة» وعند بادية نجد باسم: «القُرَين» ولا أصل لواحدةٍ من هذين الوصفين والله أعلم»(6).
***
تسمية المسجد الأقصى
بـ«الحرم القدسي الشَّريف»
أو بـ«ثالث الحرمين»
وهذا الاعتقاد لا زال سائدًا في أذهان كثيرٍ من المسلمين اليوم، وهذه التَّسمية غير صحيحة، إذْ لم يثبت في السُّنَّة، إلاَّ حَرَمَانِ وهما حَرَمُ مكَّة وحَرَمُ المدينة، وهذا باتِّفاق أهل العلم، لذا قال شيخ الإسلام: «والأقصى اسمٌ للمسجد كلِّه ولا يُسَمَّى هو ولا غيرُه حرمًا، وإنَّما الحرم بمكَّة والمدينة خاصَّةً» «اقتضاء الصِّراط المستقيم» (2/346).
وقال في موضع آخر:
«وليس ببيت المقدس مكانٌ يُسمَّى حرمًا» «مجموع الفتاوى» (14/27).
وقال الشَّيخ عبد المحسن العبَّاد ـ حفظه الله ـ:
«إطلاق ثالث الحرمين على المسجد الأقصى، فإنَّ الحرمين هما مكَّة والمدينة وليس لهما ثالث، والتَّعبير الصَّحيح أن يُقال: ثالث المسجدين أي: المُشَرَّفين المُعَظَّمَين»(7).
وقال الشَّيخ بكر أبو زيد رحمه الله:
«والظَّاهر أنَّها مُوَلَّدَةُ الاستعمال في هذا العصر ولم أرها لدى السَّلف والله أعلم، وأمَّا ما يوجد في: «الأردن» وفي «مصر» كقولهم: حرم الحسين وحرم السِّتِّ نفيسة فهذا من البدع المحدثة» «معجم المناهي اللَّفظيَّة» (1/62).
أسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، لـي ولكم التَّوفيق والسَّداد، والثَّبات والنَّجاة إلى الممات، والله الموفِّق.

(1) انظر: فتوى رقم (749) من فتاوى الحجِّ، للشَّيخ فركوس ـ حفظه الله ـ ضمن موقعه على النِّت.

(2) انظر: «شرح زاد المستقنع» (باب المناسك).للشَّيخ عبد الكريم الخضير

(3) «مجموع فتاوى ورسائل العثيمين» (12/491).

(4) انظر «إغاثة اللَّهفان» (1/195).

(5) انظر «دليل الأخطاء الَّتي يقع فيها الحاجُّ والمعتمر».

(6) «معجم المناهي اللَّفظية» (ص 213).

(7) «الرَّدُّ على الرِّفاعي والبوطي» (1/18).


المصدر..موقع راية الاصلاح
 
رد: تسميات لا أصل لها في الحج والعمرة

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وفيكم بارك الله
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top