ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

الاستعاذة بالله


فإذا شرع في القراءة قدم أمامها الاستعاذة بالله من الشيطان فإنه أحرص ما يكون على العبد في مثل هذا المقام الذي هو أشرف مقاماته وأنفعها له في دنياه وآخرته، فهو أحرص شيء على صرفه عنه واقتطاعه دونه بالبدن والقلب، فإن عجز عن اقتطاعه وتعطيله عنه بالبدن اقتطع قلبه وعطله عن القيام بين يدي الرب تعالى، فأمر العبد بالاستعاذة بالله منه ليسلم له مقامه بين يدي ربه، وليحيي قلبه ويستنير بما يتدبره ويتفهمه من كلام سيده الذي هو سبب حياته ونعيمه وفلاحه، فالشيطان أحرص على اقتطاع قلبه عن مقصود التلاوة.


ولما علم سبحانه حسد العدو وتفرغه للعبد، وعجز العبد عنه، أمره بأن يستعيذ به سبحانه ويلتجئ إليه في صرفه عنه فيكتفي بالاستعاذة مؤنة محاربته ومقاومته، فكأنه قيل له: لا طاقة لك بهذا العدو فاستعذ بي واستجر بي أكفكه وأمنعك منه.


وقال لي شيخ الإسلام([1]) قدس الله روحه يومًا: «إذا هاش عليك كلب الغنم فلا تشتغل بمحاربته ومدافعته، وعليك بالراعي فاستغث به فهو يصرف عنك الكلب».


فإذا استعاذ بالله من الشيطان بَعُدَ منه فأفضى القلب إلى معاني القرآن، ووقع في رياضه المونقة([2]) وشاهد عجائبه التي تبهر العقول، واستخرج من كنوزه وذخائره ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، وكان الحائل بينه وبين ذلك, النفس والشيطان، والنفس منفعلة للشيطان سامعة منه فإذا بعد عنها وطرد لمَّ بها الملك وثبتها وذكرها بما فيه سعادتها ونجاتها.

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1874201#_ftnref1([1]) هو ابن تيمية رحمه الله.

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1874201#_ftnref2([2]) المونق: من الأنق وهو الفرح والسرور، ورياضه المونقة أي بساتينه التي تجلب الفرح والسرور.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

القراءة

فإذا أخذ في قراءة القرآن فقد قام في مقام مخاطبة ربه ومناجاته، فليحذر كل الحذر من التعرض لمقته وسخطه أن يناجيه ويخاطبه وهو معرض عنه ملتفت إلى غيره، فإنه يستدعي بذلك مقته ويكون بمنزلة رجل قربه ملك من ملوك الدنيا فأقامه بين يديه، فجعل يخاطبه الملك وقد ولاه قفاه أو التفت عنه بوجهه يمنة ويسرة، فما الظن بمقت الملك لهذا، فما الظن بالملك الحق المبين الذي هو رب العالمين وقيوم السماوات والأرض.


وليقف عند كل آية من الفاتحة ينتظر جواب ربه له وكأنه سمعه يقول: حمدني عبدي حين يقول: }الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{ فإذا قال: }الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ{ وقف لحظة ينتظر قوله: «أثنى علي عبدي» فإذا قال: }مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{ انتظر قوله: «مجدني عبدي» فإذا قال: }إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{ انتظر قوله: «هذا بيني وبين عبدي» فإذا قال: }اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ{ إلى آخر انتظر قوله: «هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل»([1]).

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1874201#_ftnref1([1]) إشارة إلى حديث أبي هريرة وأوله «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين» وقد أخرجه مسلم كتاب الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (1/296).
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

طعم الصلاة

ومن ذاق طعم الصلاة علم أنه لا يقوم غير التكبير والفاتحة مقامهما، كما لا يقوم غير القيام والركوع والسجود مقامها، فلكل عبودية من عبودية الصلاة سر وتأثير وعبودية لا تحصل من غيرها، ثم لكل آية من آيات الفاتحة عبودية وذوق ووجد يخصها.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

الحمد لله

فعند قوله: }الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{ تجد تحت هذه الكلمة إثبات كل كمال للرب تعالى فعلاً ووصفًا واسمًا, وتنزيهه عن كل سوء وعيب فعلاً ووصفًا واسمًا, فهو محمود في أفعاله وأوصافه وأسمائه, منزه عن العيوب والنقائص في أفعاله وأوصافه وأسمائه، فأفعاله كلها حكمة ورحمة ومصلحة وعدل لا تخرج عن ذلك، وأوصافه كلها أوصاف كمال ونعوت جلال، وأسماؤه كلها حسنى، وحمده قد ملأ الدنيا والآخرة والسماوات والأرض وما بينهما وما فيهما فالكون كله ناطق بحمده، والخلق والأمر صادر عن حمده وقائم بحمده ووجد بحمده؛ فحمده هو سبب وجود كل موجود، وهو غاية كل موجود، وكل موجود شاهد بحمده، وإرساله رسوله بحمده، وإنزاله كتبه بحمده، والجنة عمرت بأهلها بحمده، والنار عمرت بأهلها بحمده، وما أطيع إلا بحمده وما عُصي إلا بحمده، ولا تسقط ورقة إلا بحمده، ولا يحرك في الكون ذرة إلا بحمده، وهو المحمود لذاته، وإن لم يحمده العباد، كما أنه هو الواحد الأحد ولو لم يوحده العباد، والإله الحق وإن لم يؤلهوه، وهو سبحانه الذي حمد نفسه على لسان القائل: الحمد لله رب العالمين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده»([1]).


فهو الحامد لنفسه في الحقيقة على لسان عبده، فإنه الذي أجرى الحمد على لسانه وقلبه وإجراؤه بحمده.


فله الحمد كله، وله الملك كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، فهذه المعرفة من عبودية الحمد.


ومن عبوديته أيضًا أن يعلم أن حمده لربه سبحانه نعمة منه عليه، يستحق عليها الحمد فإذا حمده على هذه النعمة استوجب عليه حمدًا آخر على نعمة حمده وهلم جرا.


فالعبد ولو استنفد أنفاسه كلها في حمده على نعمة من نعمه كان ما يجب له من الحمد ويستحق فوق ذلك وأضعاف، ولا يُحصي أحد البتة ثناء عليه بمحامده.


ومن عبودية العبد شهود العبد لعجزه عن الحمد وأن ما قام به منه، فالرب سبحانه هو المحمود عليه إذ هو مجريه على لسانه وقلبه.


ومن عبوديته تسليط الحمد على تفاصيل أحوال العبد كلها ظاهرة وباطنة على ما يحب العبد وما يكرهه، فهو سبحانه المحمود على ذلك كله في الحقيقة وإن غاب عن شهود العبد.

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1874201#_ftnref1([1]) إشارة إلى حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مسلم (404).
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

رب العالمين



ثم لقوله: }رَبِّ الْعَالَمِينَ{ من العبودية شهود تفرده سبحانه بالربوبية، وأنه كما أنه رب العالمين وخالقهم ورازقهم ومدبر أمورهم وموجدهم ومفنيهم فهو وحده إلههم ومعبودهم وملجأهم ومفزعهم عند النوائب فلا رب غيره، ولا إله سواه.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

الرحمن الرحيم


ثم لقوله: }الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ{ عبودية تخصها، وهي شهود عموم رحمته وسعها لكل شيء وأخذ كل موجود بنصيبه منها، ولا سيما الرحمة الخاصة التي أقامت عبده بين يديه في خدمته يناجيه بكلامه ويتملقه ويسترحمه ويسأله هدايته ورحمته وإتمام نعمته عليه، فهذا من رحمته بعبده، فرحمته وسعت كل شيء, كما أن حمده وسع كل شيء.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

مالك يوم الدين



ثم يُعطي قوله: }مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{ عبوديتها ويتأمل تضمنها لإثبات المعاد، وتفرد الرب فيه بالحكم بين خلقه، وأنه يوم يدين فيه العباد بأعمالهم في الخير والشر وذلك من تفاصيل حمده، وموجبه.



ولما كان قوله: }الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{ إخبارًا عن حمده تعالى قال الله: «حمدني عبدي» ولما كان قوله: }الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ{ إعادة وتكريرًا لأوصاف كماله قال: «أثنى علي عبدي» فإن الثناء إنما يكون بتكرار المحامد وتعداد أوصاف المحمود، ولما وصفه سبحانه بتفرده بـ }مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{ وهو الملك الحق المتضمن لظهور عدله وكبريائه وعظمته ووحدانيته وصدق رسله، سمى هذا الثناء مجدًا فقال: «مجدني عبدي» فإن التمجيد هو الثناء بصفات العظمة والجلال.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

شكراااااااااااا:up:
 
توقيع skoda
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

إياك نعبد وإياك نستعين

فإذا قال: }إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{ انتظر جواب ربه له: «هذا بيني وبين عبدي؛ ولعبدي ما سأل» وتأمل عبودية هاتين الكلمتين وحقوقهما ومَيِّزَ الكلمة التي لله والكلمة التي للعبد، وَفَقِهَ سرَّ كون إحداهما لله والأخرى للعبد، وميز بين التوحيد الذي تقتضيه كلمة }إِيَّاكَ نَعْبُدُ{ والتوحيد الذي تقتضيه كلمة }وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{ وَفَقِهَ سرَّ كون هاتين الكلمتين في وسط السورة بين نوعي الثناء قبلهما والدعاء بعدهما, وَفَقِهَ تقديم: }إِيَّاكَ نَعْبُدُ{ على }وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{ وتقديم المعمول على الفعل مع الإتيان به مؤخرًا، أوجز وأشد اختصارًا، وسر إعادة الضمير مرة بعد مرة، وعلم ما دفع كل واحدة من الكلمتين من الآفة المنافية للعبودية، وكيف تدخله الكلمتان في صريح العبودية، وَعَلِمَ كيف يدور القرآن من أوله إلى آخره على هاتين الكلمتين بل كيف يدور عليهما الخلق والأمر والثواب والعقاب والدنيا والآخرة، وكيف تضمنتا لأجلَّ الغايات وأكمل الوسائل، وكيف جيء بهما بضمير الخطاب والحضور دون ضمير الغائب.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

اهدنا الصراط المستقيم




ثم تأمل ضرورته وفاقته إلى قوله: }اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ{ الذي مضمونه:

1- معرفة الحق. 2- وقصده وإرادته.

3- والعمل به 4- والثبات عليه.

5- والدعوة إليه والصبر على أذى المدعو

فباستكمال هذه المراتب الخمس تستكمل الهداية وما نقص منها نقص من هدايته.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

أمور الهداية

ولما كان العبد مفتقرًا إلى هذه الهداية في ظاهره وباطنه في جميع ما يأتيه ويذره من:
1- أمور قد فعلها على غير الهداية علمًا، وعملاً وإرادة فهو محتاج إلى التوبة منها وتوبته منها هي الهداية.
2- وأمور قد هدي إلى أصلها دون تفصيلها، فهو محتاج إلى هداية تفاصيلها.
3- وأمور قد هدي إليها من وجه دون وجه فهو محتاج إلى تمام الهداية فيها؛ لتتم له الهداية ويزاد هدى إلى هداه.
4- وأمور يحتاج فيها إلى أن يحصل له من الهداية في مستقبلها مثلما حصل له في ماضيها.
5- وأمور يعتقد فيها بخلاف ما هي عليه، فهو محتاج إلى هداية تنسخ من قلبه ذلك الاعتقاد، وتثبت فيه ضده.
6- وأمور من الهداية هو قادر عليها، ولكن لم يخلق له إرادة فعلها فهو محتاج في تمام الهداية إلى خلق إرادة يفعلها بها.
7- وأمور منها هو غير قادر على فعلها مع كونه مريدًا فهو محتاج في هدايته إلى إقداره عليها.
8- وأمور منها هو غير قادر عليها ولا مريد لها فهو محتاج إلى خلق القدرة والإرادة له لتتم له الهداية.
9- وأمور هو قائم بها على وجه الهداية اعتقادًا وإرادة وعملاً فهو محتاج إلى الثبات عليها واستدامتها.
كانت([1]) حاجته إلى سؤال الهداية أعظم الحاجات وفاقته إليها أشد الفاقات، فرض عليه الرب الرحيم هذا السؤال كل يوم وليلة في أفضل أحواله، وهي الصلوات الخمس مرات متعددة، لشدة ضرورته وفاقته إلى هذا المطلوب.

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1874201#_ftnref1([1]) جواب قوله: «ولما كان العبد مفتقرًا..».
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

الناس والهداية

ثم بَيَّن أن سبيل أهل هذه الهداية مغاير لسبيل أهل الغضب وأهل الضلال، فانقسم الخلق إذًا ثلاثة أقسام بالنسبة إلى هذه الهداية:

1- مُنْعَمٌ عليه بحصولها، واستمرار حظه من النعم بحسب حظه من تفاصيلها وأقسامها.
2- وضال لم يُعْطَ هذه الهداية ولم يوفق لها.
3- ومغضوبٌ عليه عرفها ولم يوفق للعمل بموجبها.
فالأول: المُنعم عليه قام بالهدى ودين الحق علمًا، عملاً والضال منسلخ عنه علمًا وعملاً والمغضوب عليه عارف به علمًا منسلخ منه عملاً.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

مشروعية التأمين

ثم شرع له التأمين عند هذا الدعاء تفاؤلاً بإجابته وحصوله وطابعًا عليه وتحقيقًا له، ولهذا اشتد حسد اليهود للمسلمين عليه حين سمعوهم يجهرون به في صلاتهم.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

الركوع

ثم شرع له رفع اليدين عند الركوع؛ تعظيمًا لأمر الله وزينة للصلاة وعبودية خاصة لليدين كعبودية باقي الجوارح، واتباعًا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حلية الصلاة، وزينتها، وتعظيمًا لشعائرها.


ثم شرع له التكبير الذي هو في انتقالات الصلاة من ركن إلى ركن كالتلبية في انتقالات الحاج من مشعر إلى مشعر، فهو شعار الصلاة كما أن التلبية شعار الحج؛ ليعلم العبد أن سر الصلاة هو تعظيم الرب تعالى وتكبيره بعبادته وحده.


ثم شرع له بأن يخضع للمعبود سبحانه بالركوع خضوعًا لعظمته واستكانة لهيبته وتذللا لعزته، فثنى العبد له صلبه ووضع له قامته ونكس له رأسه وحنى له ظهره معظمًا له ناطقًا بتسبيحه المقترن بتعظيمه، فاجتمع له خضوع القلب وخضوع الجوارح، وخضوع القول، على أتم الأحوال وجمع له في هذا الذكر بين الخضوع والتعظيم لربه والتنزيه له عن خضوع العبيد وأن الخضوع وصف العبد والعظمة وصف الرب.


وتمام عبودية الركوع أن يتصاغر العبد ويتضاءل بحيث يمحو تصاغره كل تعظيم منه لنفسه و يثبت مكانه تعظيمه لربه وكلما استولى على قلبه تعظيم الرب ازداد تصاغره هو عند نفسه، فالركوع للقلب بالذات والقصد وللجوارح بالتبع والتكملة.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

الاعتدال من الركوع


ثم شرع له أن يحمد ربه ويثني عليه بآلائه عند اعتداله وانتصابه ورجوعه إلى أحسن هيأته منتصب القامة معتدلها، فيحمد ربه ويثني عليه بأن وفقه لذلك الخضوع، ثم نقله منه إلى مقام الاعتدال والاستواء بين يديه، واقفًا في خدمته كما كان في حال القراءة.


ولذلك الاعتدال ذوق خاص وحال يحصل للقلب سوى ذوق الركوع وحاله، وهو ركن مقصود لذاته كَرُكْن الركوع والسجود سواء؛ ولهذا كان رسول الله يطيله كما يطيل الركوع والسجود ويكثر فيه من الثناء والحمد والتمجيد كما ذكرناه في هديه([1]) صلى الله عليه وسلم وكان في قيام الليل يكثر فيه من قول: «لربي الحمد لربي الحمد»([2]) يكررها.

([1]) انظر زاد المعاد (1/55).

([2]) جزء من حديث رواه حذيفة وقد أخرجه أبو داود في سننه كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده (1/231) والنسائي كتاب الافتتاح، باب : ما يقول في قيامه ذلك (2/199) وأحمد في مسنده (5/398).
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

السجدة الأولى


ثم شرع له أن يكبر ويخر ساجدًا، ويعطي في سجوده كل عضو من أعضائه حظه من العبودية فيضع ناصيته بالأرض بين يدي ربه مسندة راغمًا له أنفه خاضعًا له قلبه، ويضع أشرف ما فيه وهو وجهه بالأرض ولا سيما على التراب معفرًا له بين يدي سيده راغمًا له أنفه مخضعًا له قلبه وجوارحه، متذللا لعظمته، خاضعًا لعزته مستكينًا بين يديه، أذل شيء وأكسره لربه تعالى مسبحًا له بعلوه في أعظم سفوله، قد صارت أعاليه ملوية لأسافله ذلاً وخضوعًا وانكسارًا وقد طابق قلبه حال جسمه، فسجد القلب كما سجد الوجه، وقد سجد معه أنفه و يداه وركبتاه ورجلاه.


وشرع له أن (يقل)([1]) فخذيه عن ساقيه، وبطنه عن فخذيه، وعضديه عن جنبيه، ليأخذ كل جزء منه حظه من الخضوع ولا يحمل بعضه بعضًا.


فأحرى به في هذه الحال أن يكون أقرب إلى ربه منه في غيرها من الأحوال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد»([2]).

([1]) يقل: يرفع النهاية لابن الأثير (4/104).

([2]) هذا الحديث رواه أبو هريرة، وقد أ خرجه مسلم كتاب الصلاة باب ما يقال في الركوع والسجود (1/350).
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

سجود القلب


ولما كان سجود القلب خضوعه التام لربه، أمكنه استدامة هذا السجود إلى يوم لقائه.


كما قيل لبعض السلف هل يسجد القلب؟ قال: (أي والله سجدة لا يرفع رأسه منها حتى يلقى الله)([1]).


([1]) القائل: سهل بن عبد الله التستري كما في مجموع الفتاوى لابن تيمية (23/138).
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

أسماء الصلاة


ولما بنيت الصلاة على خمس: القراءة والقيام و الركوع والسجود والذكر سميت باسم كل واحد من هذه الخمس.


فسميت قيامًا كقوله تعالى: }قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا{ [المزمل: 2] وقوله: }وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ{ [البقرة: 238].


وقراءة كقوله: }وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا{ [الإسراء: 78].


وركوعًا كقوله تعالى: }وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ{ [البقرة: 43] وقوله: }وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ{ [المرسلات: 48].


وسجودًا كقوله : } فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ { [ الحجر : 98] ، وقوله } وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ { [العلق :19]. وذِكرًا كقوله : }إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ{ [الجمعة: 9] }لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ{ [المنافقون: 9].


وأشرف أفعالها السجود، وأشرف أذكارها القراءة، وأول سورة أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم افتتحت بالقراءة وختمت بالسجود ووضعت الركعة على ذلك، أولها قراءة وآخرها سجود.
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

الاعتدال من السجود

ثم شرع له أن يرفع رأسه ويعتدل جالسًا، ولما كان هذا الاعتدال محفوفًا بسجودين: سجود قبله وسجود بعده، فينتقل من السجود إليه ثم منه إلى السجود كان له شأن.


فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيله بقدر السجود يتضرع فيه إلى ربه، ويستغفره ويسأله رحمته وهدايته ورزقه وعافيته([1]) وله ذوق خاص وحال للقلب غير ذوق السجود وحاله.

http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1874201#_ftnref1([1]) إشارة إلى حديث ابن عباس وقد أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب الدعاء بين السجدتين (1/224) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: «اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني».
 
رد: ذوق الصلاة عند إبن القيم رحمه الله

الجلوس بين السجدتين وذوقه


فالعبد في هذا القعود قد تمثل جاثيًا بين يدي ربه, ملقيًا نفسه بين يديه، معتذرًا إليه مما جناه، راغبًا إليه أن يغفر له ويرحمه, مستعديًا على نفسه الأمارة بالسوء.


وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر الاستغفار([1]) في هذه القعدة، ويكثر رغبته إلى الله فيها.


فمثل نفسك بمنزلة غريم عليه حق الله وأنت كفيل به, و الغريم مماطل مخادع وأنت مطلوب بالكفارة والغريم مطلوب بالحق.


فأنت تستعدي عليه, حتى تستخرج ما عليه من الحق؛ لتتخلص من المطالبة.


والقلب شريك النفس في الخير والشر والثواب والعقاب والحمد والذم، والنفس من شأنها الإباق والخروج من رق العبودية، وتضييع حقوق الله التي قبلها, والقلب شريكها إن قوي سلطانها وأسيرها وهي شريكته وأسيرته إن قوي سلطانه.

([1]) إشارة إلى حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: «رب اغفر لي رب اغفر لي» أخرجه ابن ماجه كتاب إقامة الصلاة باب ما يقول بين السجدتين (1/288) والنسائي كتاب الافتتاح باب ما يقول في قيامه ذلك (2/199).
 
تنبيه: نظرًا لتوقف النقاش في هذا الموضوع منذ 365 يومًا.
قد يكون المحتوى قديمًا أو لم يعد مناسبًا، لذا يُنصح بإشاء موضوع جديد.
العودة
Top Bottom